الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

احتج الشيخ بأن من يصح ظهاره تصح الكفارة منه لقوله عزوجل «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» (١) والكافر لا يصح منه الكفارة لأنها عبادة تفتقر إلى النية (٢) كسائر العبادات ، وإذا لم يصح منه التكفير الرافع للتحريم لم يصح التحريم في حقه.

وأجيب بمنع عدم صحتها منه مطلقا ، بلا غاية توقفها على شرط ، وهو قادر عليه بالإسلام كتكليف المسلم بالصلاة المتوقفة على شرط الطهارة وهو غير متطهر لكنه قادر على تحصيله.

وأورد على ذلك أن الذمي مقر على دينه متى قام بشرائط الذمة ، فحمله على الإسلام لذلك بعيد ، وأن الخطاب بالعبادة البدنية لا يتوجه على الكافر الأصلي.

وأجيب بأنا لا نحمل الذمي على الإسلام ، ولا نخاطبه بالصوم ، ولكن نقول : لا يمكن من الوطء إلا هكذا ، فإما أن يتركه أو يسلك طريق الحمل.

أقول : ما ذكروه في هذا المقام من النقض والإبرام ظاهر بناء على ما هو المشهور بينهم بل ربما ادعي عليه الإجماع من كافة العلماء ما عدا أبي حنيفة من أن الكافر مخاطب بالفروع ومكلف بها ، إلا أنها لا تقبل منه إلا بالإسلام.

وأما على ما ذهب إليه بعض المحدثين من متأخري المتأخرين ، وهو الظاهر من أخبارهم عليهم‌السلام كما تقدم تحقيق البحث فيه في كتاب الطهارة في باب غسل الجنابة (٣) من أن الكافر غير مكلف ولا مخاطب بالأحكام الشرعية إلا بعد الإسلام فإنه يتجه أن يقال بصحة ما ذهب إليه الشيخ هنا من عدم صحة الكفارة من صوم أو عتق أو إطعام من الكافر لأنه غير مكلف بالعبادات حال كفره والصحة عبارة عن امتثال الأمر ، وهو كما عرفت غير مأمور إلا بعد الايمان بالله ورسوله ،

__________________

(١) سورة المجادلة ـ آية ٣.

(٢) أقول : المراد بالنية هنا في كلامهم هي القربة تجوزا. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٣) الحدائق ج ٣ ص ٣٩.

٦٦١

فعدم صحة عباداته من حيث كفره ، ومتى ثبت عدم صحة الكفارة ثبت عدم صحة ظهاره وعدم حصول التحريم به. لأن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، ويؤكده أن توبته بدونها خارج عن القانون الشرعي والدين المحمدي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأما قوله بمنع عدم صحتها من الكافر مطلقا ، وإنما غايته توقفه على شرط بمعنى أن البطلان إنما هو من حيث فقد شرط مقدور.

ففيه أن البطلان ـ بناء على ما ذكرناه ـ إنما هو من حيث عدم التكليف بذلك وعدم توجه الأمر إلى الكافر حال كفره ، لأن الصحة عبارة عن موافقة الأمر كما عرفت.

الثالث : أنه لا خلاف في وقوع الظهار من العبد ، بل قال في المسالك : إنه مذهب علمائنا أجمع ، وإنما خالف فيه بعض العامة نظرا إلى أن لازم الظهار إيجاب تحرير رقبة ، والعبد لا يملكها.

وأجيب بأن وجوبها في الآية مشروط بوجدانها ، وقد قال تعالى «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» (١) والعبد غير واحد فيلزمه الصوم.

أقول : ويدل على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (٢) ـ رضي‌الله‌عنهم ـ في الصحيح في بعضها عن محمد بن حمران وهو مجهول قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال : عليه نصف ما على الحر صوم شهر ، وليس عليه كفارة من صدقة ولا عتق».

وما رواه في الكافي (٣) عن جميل بن دراج في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث في الظهار قال : «إن الحر والمملوك سواء ، غير أن على المملوك نصف ما على الحر من الكفارة ، وليس عليه عتق رقبة ولا صدقة ، إنما هو عليه صيام

__________________

(١) سورة المجادلة ـ آية ٤.

(٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١٥٦ و ١٥٥ ح ١٣ و ١٠ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٤ و ٩ ح ٥٤ و ٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٤٣ و ٣٤٦ ح ١٠ و ٢٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٢ ب ١٢ ح ١ و ٢.

٦٦٢

شهر» ، ورواه الصدوق عن جميل مثله إلى قوله من الكفارة.

وعن أبي حمزة الثمالي (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال : نصف ما على الحر من الصوم ، وليس عليه كفارة صدقة ولا عتق رقبة».

وربما أشعرت هذه الأخبار بعدم ملك العبد لأن تخصيص الكفارة بالصوم دون الفردين الآخرين إنما هو من حيث كونهما متوقفين على المال وأن العبد لا يملك ، وإلا فلو قلنا بملكه ـ كما هو ظاهر جملة من الأخبار وهو المختار في المسألة وإن توقف تصرفه على إذن سيده ـ فإنه لا يظهر لهذا التخصيص وجه بل ينبغي أن يجعل كالحر في أنه إن وجد تصدق أو أعتق رقبة وإن لم يجد انتقل إلى الصيام.

المطلب الثالث في المظاهرة :

والكلام فيه يقع في مواضع : الأول : قال في الشرائع : ويشترط أن تكون منكوحة بالعقد ، فلا يقع بالأجنبية ، ولو علقه على النكاح ، قال الشارح في المسالك : هذا عندنا موضع وفاق ، والأصل فيه أن الله تعالى علق الظهار على الأزواج ، فقال «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» فيبقى غيرهن على الأصل ، وخالف فيه بعض العامة ، فصححه بالأجنبية إذا علقه بنكاحها كما صححه كذلك في الطلاق.

أقول : الظاهر من إيراد هذه المقالة إنما هو الرد على هذا البعض من العامة في تجويزه الظهار بالأجنبية إن علق على نكاحها ، إلا أن تقييد النكاح بالعقد في كلام المصنف ـ وكذا استدلاله في المسالك بالآية الدالة على أنه لا يقع إلا بالأزواج ـ ظاهر في أنه لا يقع بملك اليمين ، مع أنه سيأتي إن شاء الله تعالى أن الأشهر الأظهر وقوع الظهار بها كما دلت عليه جملة من الأخبار ، والعجب من غفلة الشارح ـ قدس‌سره ـ عن التنبه لذلك والتنبيه عليه.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٦ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٢ ب ١٢ ح ٣.

٦٦٣

الثاني : أنه يشترط في المظاهرة أن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه إذا كان زوجها حاضرا وكان مثلها تحيض ، ولو كان غائبا صح ، وكذا لو كان حاضرا وهي يائسة أو لم تبلغ ، وهذه الأحكام قد تقدم تحقيق الكلام فيها في كتاب الطلاق ، والظهار يجرى مجراه في جميع ما ذكر ، وقد تقدم في جملة من الأخبار ما يدل على هذه الأحكام منها.

في صحيحة زرارة (١) «أنه سأله عن الظهار فقال : إنه يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في جماع أنت علي كظهر أمي أو أختي ، وهو يريد بذلك الظهار».

وفي رواية الفضيل بن يسار (٢) «ولا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق». وهذه الرواية دالة على اعتبار هذه الشروط إجمالا.

وفي رواية حمران (٣) «لا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين». إلى غير ذلك من الأخبار التي تقدمت.

الثالث : قد اختلف الأصحاب ـ رحمة الله عليهم ـ في اشتراط الدخول بالمظاهرة وعدمه بالنسبة إلى صحة الظهار وعدمها ، فذهب جمع منهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس وسلار وابن زهرة وغيرهم إلى العدم فجوزوا الظهار من الزوجة قبل الدخول بها ، وذهب جمع منهم الشيخ والصدوق إلى اشتراط صحة الظهار بذلك ، وهو الظاهر من ابن الجنيد وابن البراج في كتابيه ، وعليه أكثر المتأخرين.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٣ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٩ ح ١ وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٩ ب ٢ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٤ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣ ح ١٩ وفيهما «ابن فضال عمن أخبره» ، الفقيه ج ٣ ص ٣٤٠ ح ٢ مرسلا ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٩ ب ٢ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٤٣ ذيل ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠ ذيل ح ٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٤٥ ذيل ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٩ ب ٢ ذيل ح ١.

٦٦٤

ويدل على هذا القول من الأخبار ما رواه في الكافي (١) عن الفضيل بن يسار في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مملك ظاهر امرأته ، فقال لي : لا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها».

ورواه الصدوق (٢) بإسناده عن الحسن بن محبوب في الصحيح مثله ، ولا ملاك للتزويج من غير دخول.

وما رواه الشيخ (٣) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «قال في المرأة التي لم يدخل بها زوجها ، قال : لا يقع بها إيلاء ولا ظهار».

وما رواه في التهذيب (٤) في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مملك ظاهر امرأته ، قال : لا يلزم ـ ثم قال : ـ وقال لي : لا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها» ، وقد تقدم معنى قوله مملك.

احتج من قال بالأول بالعمومات ، وفيه أن العمل بالخاص مقدم على العام كما هي القاعدة ، الا أن هذا إنما يتم على ما هو المشهور من العمل بخبر الآحاد وأما على مذهب السيد وابن إدريس من عدم العمل بأخبار الآحاد فتبقى العمومات سالمة عن المعارض ، فيتجه القول بذلك على أصلهما الغير الأصيل ومذهبهما الخارج عن نهج السبيل ، وبذلك يظهر لك أن العمل إنما هو على القول الثاني.

الرابع : المشهور بين الأصحاب ـ رحمة الله عليهم ـ وقوع الظهار بالمستمتع بها كالزوجة الدائمة ، وهذا مذهب السيد المرتضى وابن أبي عقيل وأبي الصلاح

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٨ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥١٦ ب ٨ ح ١.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٤٠ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢١ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥١٦ ب ٨ ح ٢ وفيهما «لا يقع عليها».

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٢١ ح ٤١ وفيه «جميل بن دراج» ، الوسائل ج ١٥ ص ٥١٦ ب ٨ ح ١ وفيهما اختلاف يسير.

٦٦٥

وابن زهرة.

وظاهر الصدوق وابن الجنيد العدم حيث قالا : ولا يقع الظهار إلا موقع الطلاق ، واختاره ابن إدريس.

احتج الأولون بالعمومات من الكتاب والسنة ، واحتج في المختلف للقول الثاني بأن الظهار حكم شرعي يقف على مورده ولم يثبت في نكاح المتعة حكمه مع أصالة الإباحة ، ثم أجاب عنه بالمنع من عدم الثبوت ، قال : وقد بينا العمومات.

واحتج في المسالك لهذا القول بانتفاء لازم الظهار ، فإن منه المرافعة المترتبة على الإخلال بالواجب بالوطء ، وإلزامه أحد الأمرين الفدية أو الطلاق ، وهو ممتنع في المتعة ، وإقامة هبة المدة مقامه قياس ، وانتفاء اللوازم يدل على انتفاء الملزومات.

ثم إنه أجاب عنه بأن هذه اللوازم مشروطة بزوجة يمكن في حقها ذلك فلا يلزم من انتفائها انتفاء جميع الأحكام التي أهمها تحريم الاستمتاع من دون المرافعة ، وقد تقدم البحث في ذلك في بابها من النكاح ، انتهى وهو جيد.

الخامس : اختلف الأصحاب في الأمة الموطوءة بملك اليمين ولو مدبرة أو أم ولد فقيل : إنه يقع بها الظهار وهو قول الشيخ ، قال : إنه يقع سواء كانت أمة مملوكة أو مدبرة أو أم ولد.

وقال في المبسوط : وروى أصحابنا أن الظهار يقع بالأمة والمدبرة وأم الولد وهو اختيار ابن أبي عقيل وابن حمزة. وقيل : إنه لا يقع بها ، وهو قول الشيخ المفيد وأبي الصلاح وسلار وابن البراج في كتابيه وابن إدريس وغيرهم (١) والأول

__________________

(١) وقد بالغ ابن أبى عقيل في إنكار هذا القول أشد المبالغة فقال : وزعم قوم من العامة أن الظهار لا يقع على الأمة ، وقد جعل الله تعالى أمة الرجل من نسائه فقال في

٦٦٦

أظهر ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.

ويدل عليه من الأخبار التي هي المعتمد في الإيراد والإصدار ما رواه المشايخ الثلاثة (١) ـ عطر الله مراقدهم ـ عن إسحاق بن عمار في الموثق قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يظاهر من جاريته ، فقال : الحرة والأمة في ذلك سواء».

وما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «وسألته عن الظهار على الحرة والأمة؟ قال : نعم».

وعن حفص بن البختري (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام «في

__________________

آية التحريم «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» وأم أمته كأم امرأته انها من أمهات النساء ، كما حرم الله أم الحرة حرم أم الأمة المنكوحة ، وقد قال تعالى «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» فلم كان إحداهن أولى بحكم الظهار من الأخرى؟ لو لا التحكم في دين الله عزوجل والخروج عن حكم كتابه ، قال : وقد اعتل قوم منهم فزعموا أن الظهار كان طلاق العرب في الجاهلية ، والطلاق يقع على المرأة الحرة دون الأمة ، فلذلك يقع الظهار على الحرة دون الأمة ثم أجاب عنه بأن الذين أوجبوا حكم الظهار في الأمة كما أوجبوا في الحرة هم سادات العرب وفصحاؤهم ، وهم أعلم الناس بطلاق الجاهلية والإسلام وشرائع الدين ولفظ القرآن وحظره وإباحته ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وندبه وفرضه ، إلا أن تزعموا أن عليا (ع) وأولاده عليهم‌السلام من العجم ، ولو قلتم ذلك لم يكن أكثر من بعضكم لهم وتكفير كم لشيعتهم. انتهى كلامه زيد مقامه وعلت في الخلد أقدامه. وفي آخره دلالة واضحة على نصب المخالفين وبغضهم لأهل البيت عليهم‌السلام كما هو مذهب غيره من المتقدمين أيضا خلافا لمتأخرى أصحابنا ـ رضوان الله عليهم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٦ ح ١١ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٤ ح ٥١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٤٦ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٠ ب ١١ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٦ ح ١٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٧ ح ٢٨ وفيهما «وسألته» ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٠ ب ١١ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٥٧ ح ١٦ ، التهذيب ج ٨ ص ٢١ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢١ ب ١١ ح ٣.

٦٦٧

رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن جميعا بكلام واحد ، فقال : عليه عشر كفارات».

وما رواه الشيخ (١) عن ابن أبي يعفور قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من جاريته ، قال : هي مثل ظهار الحرة».

وعن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الظهار من الحرة والأمة؟ قال : نعم».

وما رواه في قرب الاسناد (٣) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يظاهر من أمته؟ فقال : كان جعفر يقول : يقع على الحرة والأمة الظهار».

ويدل على القول الثاني ما رواه الشيخ (٤) عن حمزة بن حمران قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل جاريته عليه كظهر امه ، قال : يأتيها وليس عليه شي‌ء».

ورده في المسالك ومثله سبطه في شرح النافع بضعف السند فلا يعارض ما تقدم من الأخبار التي فيها الصحيح وغيره.

وأجاب عنها الشيخ بالحمل على ما إذا أخل بشرائط الظهار ، قال في الاستبصار : لأن حمزة بن حمران روى هذه الرواية في كتاب البزوفري أنه يقول ذلك لجاريته ويريد إرضاء زوجته ، وهذا يدل على أنه لم يقصد به الظهار الحقيقي وإذا لم يقصد ذلك لم يقع ظهاره صحيحا ، ولا يحصل على وجه تتعلق به الكفارة ، انتهى.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٤ ح ٥٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢١ ب ١١ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٦ ح ١٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٧ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٠ ب ١١ ح ٢.

(٣) قرب الاسناد ص ١٦٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢١ ب ١١ ح ٧.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٢٤ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢١ ب ١١ ح ٦.

٦٦٨

وأشار بالرواية المذكورة إلى ما قدمناه من رواية حمزة المذكورة في آخر التنبيه السادس من المطلب الأول ، وهو وإن كان لا يخلو من بعد لاحتمال كون هذه الرواية غير تلك إلا أنه في مقام الجمع بين الأخبار غير بعيد.

ويحتمل حمل الرواية المذكورة على التقية ، فإن القول بمضمونها مذهب جمع من العامة كما ذكره ابن أبي عقيل ـ رحمه‌الله ـ في عبارته وبحثه في ذلك معهم.

ونقل في المسالك الاستدلال لهذا القول أيضا بقوله عليه‌السلام في مرسلة ابن فضال (١) «لا يكون ظهار إلا على مثل موضع الطلاق». والطلاق لا يقع بملك اليمين.

وفيه أنا قد قدمنا سابقا الجواب عن مثل هذا الاستدلال بهذا الخبر بأن الظاهر أن المراد إنما هو بالنسبة إلى الشرائط المعتبرة في الطلاق من الشاهدين وكونها في طهر لم يقربها إلى الشرائط المعتبرة وكونها طاهرا من الحيض نحو ذلك ، بمعنى أنه لا بد في الظهار من استكماله لهذه الشروط المشترطة في الطلاق هذا هو الظاهر من الخبر ، لا ما ذكروه هنا ، وكذا في مسألة تعليق الظهار الشرط كما تقدم من الاستدلال بهذا الخبر على نفي ذلك ، فإن الظاهر بعده.

وبذلك يظهر لك أن الأظهر هو القول الأول ، وأنه هو الذي عليه المعول والمحقق في الشرائع قد تردد في هذه المسألة ، ونسب الوقوع إلى الرواية ، والظاهر ضعفه ، فإنه ليس لهذا القول بعد الروايتين اللتين ذكرناهما إلا مجرد علل عليلة لا تصلح في حد ذاتها للاستدلال ، فضلا عن أن يكون في مقابلة تلك الأخبار والروايتان المذكورتان قد عرفت ما فيها ، والله العالم.

السادس : وقالوا : ومع الدخول يقع ولو كان الوطء دبرا ، صغيرة كانت أو كبيرة ، مجنونة أو عاقلة.

قيل في بيان وجهه : إن إطلاق الدخول يشمل الدبر كما تحقق في

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٤ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣ ح ١٩ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٤٠ ح ٢ مرسلا مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٩ ب ٢ ح ٣.

٦٦٩

باب المهر وغيره ، وإطلاق الحكم يتناول الصغيرة وإن حرم الدخول بها والكبيرة المجنونة والعاقلة.

أقول : قدمنا في غير موضع أن إطلاق الدخول في الأخبار إنما ينصرف إلى الفرد المتعارف الشائع المتكرر دون الفروض النادرة. ولا ريب أن الفرد الشائع المتكرر المندوب إليه إنما هو الوطء في القبل خاصة.

وبالجملة فإن بناء الأحكام عليه وإن اشتهر في كلامهم إلا أنه غير خال من الاشكال كما تقدم تحقيقه بوجه أبسط ، والله العالم.

المطلب الرابع في الأحكام : وفيه مسائل :

الاولى : قد صرح الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار ، وإنما تجب بالعود وإرادة الوطء وأنه لا استقرار لها.

أقول : تفصيل هذا الإجمال يقع في مواضع ثلاثة :

الأول : أنه لا خلاف بين كافة أهل العلم في أن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار وإنما تجب بالعود ، قال الله تعالى وعزوجل «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» (١) الآية ، فإنه سبحانه رتب التحرير على العود ، والمراد إرادة العود لا العود بالفعل ، نظيره قوله عزوجل «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ» (٢) «وإِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» (٣) أي إذا أردت القراءة وإذا أردتم القيام ، والمراد بما قالوا تحريم الوطء الذي حرموه على أنفسهم بالظهار ، والمعنى أنهم إذا أرادوا استباحة الوطء الذي حرموه على أنفسهم بالظهار فلا بد أولا من تحرير رقبة.

__________________

(١) سورة المجادلة ـ آية ٣.

(٢) سورة النحل ـ آية ٩٨.

(٣) سورة المائدة ـ آية ٦.

٦٧٠

ويدل على ما ذكرنا من الأخبار ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن جميل ابن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سأله عن الظهار متى يقع على صاحبه فيه الكفارة؟ فقال : إذا أراد أن يواقع امرأته ، قلت : فإن طلقها قبل أن يواقعها ، أعليه كفارة؟ قال : لا ، سقطت الكفارة عنه».

وما رواه في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها ، قال : ليس عليه كفارة ، قلت : إن أراد أن يمسها؟ قال : لا يمسها حتى يكفر ، قلت : فإن فعل فعليه شي‌ء؟ قال : إي والله إنه لآثم ظالم ، قلت : عليه كفارة غير الاولى؟ قال : نعم».

وما رواه في الكافي (٣) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى تجب الكفارة على المظاهر؟ قال : إذا أراد أن يواقع ، قال : قلت : فإن واقع قبل أن يكفر؟ قال : فقال : عليه كفارة أخرى».

أقول : ظاهر هذا الخبر والخبر الأول أن الحنث الموجب للكفارة لا يقع بمجرد الإرادة للمواقعة ، بل بالمواقعة بالفعل ، وسيأتي ما ظاهره المنافاة.

وما رواه في الكافي (٤) عن علي بن مهزيار قال : «كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إن بعض مواليك يزعم أن الرجل إذا تكلم بالظهار وجبت عليه الكفارة حنث أو لم يحنث ، ويقول : حنثه كلامه بالظهار ، وإنما

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٥ ح ١٠ ، التهذيب ج ٨ ص ٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥١٨ ب ١٠ ح ٤ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٨ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٧ ب ١٥ ح ٤ وفيهما «نعم يعتق أيضا رقبة».

(٣) لم نعثر عليها في الكافي ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٧ ب ١٥ ح ٦.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٥٧ ح ١٩ ، التهذيب ج ٨ ص ١٢ ح ١٣ وفيه «عبد الله بن محمد قال : قلت له» ، الوسائل ج ١٥ ص ٥١٣ ب ٦ ح ٥.

٦٧١

جعلت عليه الكفارة عقوبة لكلامه ، وبعضهم يزعم أن الكفارة لا تلزمه حتى يحنث في الشي‌ء الذي حلف عليه ، فإن حنث وجبت عليه الكفارة ، وإلا فلا كفارة عليه ، فوقع عليه‌السلام بخطه : لا تجب الكفارة حتى يجب الحنث».

أقول : أراد عليه‌السلام بالوجوب في قوله «حتى يجب الحنث» معناه اللغوي ، أي حتى يحصل الحنث ويثبت منه ، وقد عرفت أن الحنث يحصل بإرادة المواقعة ، والشيخ حمل هذا الخبر على الظهار المشروط ، وجعل حنثه هو تحقق الشرط الذي علق عليه الظهار ، والظاهر أنه نظر إلى قوله «حتى يحنث في الشي‌ء الذي حلف عليه» فإنه ظاهر في أن السؤال إنما كان عن الظهار المشروط المقصود به اليمين ، إلا أنك قد عرفت أنه لا يصح على أصولنا وإنما يصح على أصول العامة ، أو لعله عليه‌السلام أجمل في الجواب لذلك.

وبذلك يظهر أنه لا وجه لما حمل عليه الشيخ الخبر من الظهار المشروط ، وأنه متى لم يحصل الشرط لم تجب عليه الكفارة ، لأن ظاهر الخبر المذكور بالنظر إلى قوله «يحنث في الشي‌ء الذي حلف عليه» لا يلائم ما ذكره بناء على التقريب الذي ذكرناه ، ومع قطع النظر عن ذكر الحلف أو تأويله بوجه على خلاف ظاهره ، فإن الخبر ظاهر فيما دلت عليه الأخبار السابقة من تحقق الحنث بمجرد إرادة المواقعة ، فلا ضرورة إلى الحمل إلى الظهار المشروط.

بقي هنا شي‌ء وهو أنه قد روى في الكافي (١) عن زرارة قال : «قلت : لأبي جعفر عليه‌السلام : إني ظاهرت من أم ولدي ثم وقعت عليها ثم كفرت ، فقال : هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا واقع كفر».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٩ ح ٢٩ وفيه «من أم ولد لي ثم واقعت» ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٩ ب ١٦ ح ٢.

٦٧٢

وروى في الكافي والتهذيب (١) في الصحيح أو الحسن عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ظاهر ثم واقع قبل أن يكفر ، فقال لي : أو ليس هكذا يفعل الفقيه».

وهذان الخبران بحسب الظاهر مخالفان لظاهر الكتاب والسنة الدال على وجوب الكفارة بإرادة المواقعة ، وأنه لا يجوز المواقعة بدون الكفارة ، والظاهر حملها على الظهار المشروط بالمواقعة ، كقوله «أنت علي كظهر أمي إن واقعتك» قاصدا به الظهار دون الحلف للزجر مثلا ، فإن الكفارة في هذه الصورة لا تجب إلا بعد المواقعة ، لأن الحنث إنما يقع بعد المواقعة.

الثاني : الأشهر الأظهر أن المراد من العود الموجب للكفارة هو إرادة المواقعة كما قدمنا ذكره ، وبه صرح جملة من المتقدمين أيضا.

قال الشيخ في كتابي المبسوط والخلاف : لا يجب الكفارة إلا إذا ظاهر ثم أراد الوطء إن كان الظهار مطلقا ، وبعد حصول الشرط وإرادة الوطء إن كان مشروطا.

وبذلك صرح ابن أبي عقيل والسيد المرتضى بعد أن ذكر أنه ليس لأصحابنا نص صريح في تفسيره ، وخالف في ذلك ابن الجنيد فجعل العود عبارة عن إمساكها في النكاح بقدر ما يمكنه مفارقتها فيه. قال على ما نقله عنه في المختلف : والمظاهر إذا أقام على إمساك زوجته بعد الظهار بالعقد الأول زمانا ، فإن قل فقد عاد ـ إلى أن قال : ـ ولم يجز له أن يطأ حتى يكفر.

ونقل عنه في المسالك الاحتجاج على ذلك بأن العود للقول عبارة عن مخالفته ، يقال : قال فلان قولا ثم عاد فيه ، وعاد له أي خالفه ونقضه ، وهو قريب من قولهم : عاد في هبته ـ ثم قال في المسالك : ـ وهذان القولان للعامة أيضا ، ولهم قول ثالث إنه الوطء نفسه ، والأصح الأول.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٩ ح ٣٠ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٣٠ ب ١٦ ح ٥.

٦٧٣

ثم إنه أجاب عن الثاني وهو ما ذهب إليه ابن الجنيد ، قال : وجواب الثاني أن حقيقة الظهار كما اعترفوا به تحريم المرأة عليه ، وذلك لا ينافي بقاؤها في عصمته ، فلا يكون إبقاؤها بذلك عودا فيه ، وإنما يظهر العود في قوله بإرادة فعل ما ينافيه ، وذلك بإرادة الاستمتاع أو به نفسه ، لكن الثاني غير مراد هنا لقوله «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» فجعل الكفارة مترتبة على العود ، وجعلها من قبل أن يتماسا ، فدل على أن العود يتحقق قبل الوطء ، وبهذا يضعف القول الثالث ، انتهى.

وأجاب في المختلف ومثله في المسالك أيضا عما ذهب إليه ابن الجنيد بأن قوله عزوجل «ثُمَّ يَعُودُونَ» يقتضي التراخي بين الظهار والعود لدلالة «ثم» عليه وعلى قولهم بالقول الثاني لا يتحقق التراخي على هذا الوجه.

أقول : لا يخفى أن المستفاد من الآية والأخبار المتقدمة متى ضم بعضها إلى بعض إنما هو عبارة عن إرادة المواقعة ، لا مجرد إمساكها ، لأن الآية دلت على ترتب الكفارة على العود ، بمعنى إرادة العود بالتقريب المتقدم ، والأخبار صرحت بأن وقت الكفارة إرادة المواقعة ، ومنه علم أن العود الموجب للكفارة عبارة عن إرادة المواقعة ، فلو أمسكها ما أمسكها ولم يرد المواقعة لم يتحقق العود بذلك.

الثالث : قد عرفت مما تقدم أنه لا إشكال في لزوم الكفارة بإرادة العود ، لكن الكلام في أنه متى وجبت بذلك هل يكون وجوبها مستقرا بذلك حتى أنه لو طلقها بعد إرادة العود وقبل الوطء تبقى الكفارة لازمة له؟ أو أنه لا استقرار لوجوبها إلا بالوطء بالفعل ، فمعنى الوجوب إنما هو عبارة عن كونها شرطا في حل الوطء لتحريم العود بدونها؟ قولان ، أشهرهما الثاني ، وهو الذي صرح به المحقق في كتابيه.

قال في الشرائع : ولا استقرار لها ، بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر ، وعلى هذا فتكون الكفارة شرطا في حل الوطء ، كما أن الطهارة شرط

٦٧٤

في صحة صلاة النافلة ، والإحرام شرط في دخول الحرم ، ولا يصدق على شي‌ء من هذه الشروط اسم الواجب بالمعنى المتعارف منه ، وهو ما يذم تاركه أو يعاقب على تركه ، فإن تارك الكفارة لو لم يطأ لا إثم عليه ، ولو وطأ أثم على وقوع الوطء على هذا الوجه لا على ترك الكفارة. كما أن من صلى النافلة من غير طهارة يعاقب على إيقاع الصلاة كذلك لا على ترك الطهارة ، وهذا الوجوب بهذا المعنى يسمى عندهم بالوجوب الشرطي ، لأنه لا يترتب على تركه ما يترتب على ترك الواجب ، وإنما وجوبه عبارة عن شرطيته في صحة ما جعل شرطا له ، وعلى هذا القول يدل ظاهر الآية ، فإن قوله عزوجل «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» غاية ما يدل عليه توقف إباحة التماس على تحرير الرقبة ، لا وجوب التحرير بمجرد إرادة التماس.

وبالجملة فإن مجرد إرادة العود مع عدم وقوع الوطء منه ولا التكفير لا يوجب حصول العصيان ، والموجود في الآية تحرير الرقبة قبل التماس ، وهذا لم يحصل منه مماسة بالكلية.

وعلى ذلك يدل أيضا ظاهر صحيحة الحلبي (١) المتقدمة قريبا فيمن يظاهر امرأته ، ثم يريد أن يتم على طلاقها «قال : ليس عليه كفارة ، قلت : إنه أراد أن يمسها ، قال : لا يمسها حتى يكفر» فإن غاية ما تدل عليه أن جواز المس متوقف على التكفير ، فمتى لم يمس لا يستقر عليه وإن أراد ، ومرجعه إلى أن التكفير شرط في جواز المس ، وهو المراد من الوجوب الشرطي الذي ذكرناه ، لا الوجوب المستقر بالمعنى المتعارف. ونحوها أيضا صحيحة جميل (٢) ورواية أبي بصير (٣) المتقدمتان بالتقريب المذكور.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٨ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٧ ب ١٥ ح ٤.

(٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١٥٥ ح ٩ و ١٠.

٦٧٥

ونقل عن العلامة في التحرير أنه استقرب أن الوجوب يستقر بإرادة الوطء وإن لم يفعل ، محتجا بالآية ، قال : لأن الله تعالى رتب وجوبها على العود بقوله «ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» أي فعليهم ذلك ، والأصل بقاء هذا الوجوب المترتب.

وأجيب بمنع الدلالة على الوجوب مطلقا ، بل غاية ما تدل الآية عليه هو توقف التماس على الكفارة ، وهذا ما ندعيه ، ولو سلم الوجوب فالمراد به المقيد بقبلية التماس ، والقبلية من الأمور الإضافية لا تتحقق بدون المتضايفين فما لم يحصل التماس لا يثبت الوجوب ، وهذا هو المراد من الوجوب الغير المستمر وبالجملة فالقول المذكور ضعيف لا يلتفت إليه لما عرفت ، والله العالم.

الثانية : المشهور بين المتقدمين وعليه كافة المتأخرين أنه لو وطأ قبل الكفارة لزمته كفارة أخرى ، ولو كرر الوطء تكررت الكفارة.

ويدل على ذلك صحيحة الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها ، قال : ليس عليه كفارة ، قلت : فإن أراد أن يمسها؟ قال : لا يمسها حتى يكفر ، قلت : فإن فعل فعليه شي‌ء؟ فقال : إي والله إنه لآثم ظالم ، قلت : عليه كفارة غير الاولى؟ قال : نعم».

وما رواه في الكافي (٢) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : متى تجب الكفارة على المظاهر؟ قال : إذا أراد أن يواقع ، قال : قلت ، قال : فإن واقع قبل أن يكفر؟ قال : فقال : عليه كفارة أخرى».

وهذه الرواية وصفها في المسالك بالصحة ، ولا أعرف له وجها ، فإن طريقها في الكافي عن علي الميثمي عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبى بصير ، وطريق الكليني إلى علي الميثمي غير معلوم وعلي المذكور مجهول ، وأبو بصير مشترك.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٨ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٧ ب ١٥ ح ٤.

(٢) لم نعثر عليها في الكافي ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٧ ب ١٥ ح ٦.

٦٧٦

وما رواه الشيخ (١) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل ظاهر من امرأته فلم يف ، قال : عليه الكفارة من قبل أن يتماسا ، قلت : فإنه أتاها قبل أن يكفر ، قال : بئس ما صنع ، قلت : عليه شي‌ء؟ قال : أساء وظلم قلت : فيلزمه شي‌ء؟ قال : رقبة أيضا».

وما رواه في الكافي (٢) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : إذا واقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة أخرى ، ليس في هذا اختلاف».

أقول : الظاهر أن قوله «ليس في هذا اختلاف» من كلام أحد الرواة ، بمعنى أنه بتكرر الوطء تتكرر الكفارة ، فلكل وطء كفارة من غير خلاف بين الخاصة والعامة في ذلك ، إنما الخلاف في لزوم كفارة أخرى للوطء الأول كما هو محل البحث.

ونقل عن ابن الجنيد أنه حكم بالتعدد ، وكذلك إذا كان فرض المظاهر التكفير بالعتق أو الصيام. وأما إذا انتقل فرضه إلى الصيام فلا.

قال على ما نقل عنه في المختلف والمسالك : والمظاهر إذا قام على إمساك زوجته بعد الظهار بالعقد الأول زمانا ، وإن قل فقد عاد لما قال ، ولم يستحب (٣) له أن يطأ حتى يكفر ، فإن وطأ لم يعاود الوطء ثانيا حتى يكفر ، فإن فعل وجب عليه بكل وطء كفارة ، إلا أن يكون ممن لا يجد العتق ولا يقدر على الصيام فكفارته هي الإطعام فإنه إن عاود إلى جماع ثان قبل الإطعام فالنفقة لا يوجب عليه كفارة ، لأن الله شرط في العتق والصيام أن يكون قبل العود ولم يشترط ذلك في الإطعام والاختيار أن لا يعاود إلى جماع ثان حتى يتصدق.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٤ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٧ ب ١٥ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٧ ح ١٧ ، التهذيب ج ٨ ص ١٨ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٦ ب ١٥ ح ١.

(٣) في المختلف «ولم يجز».

٦٧٧

واحتج له الأصحاب بصحيحة زرارة (١) المتقدمة في الموضع الأول من سابق هذه المسألة الدالة على أن من واقع بعد الظهار قبل أن يكفر فهو فقير.

وحسنة الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات ، قال : يكفر ثلاث مرات ، قلت : فإن واقع قبل أن يكفر؟ قال : يستغفر الله ، ويمسك حتى يكفر».

ورواية زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن الرجل إذا ظاهر من امرأته ثم يمسها قبل أن يكفر فإنما عليه كفارة واحدة ، ويكف عنها زوجها حتى يكفر».

وأنت خبير بأن ظاهر كلام ابن الجنيد بل صريحه موافقة الأصحاب فيما إذا كان التكفير بالعتق أو الصيام ، فأوجب التعدد بالوطء بعد الظهار قبل الكفارة ، وتعددها بتعدد الوطء ، وإنما يخالفهم في صورة ما إذا كان التكفير بالإطعام ، فإنه لا يوجب أزيد من كفارة واحدة ، محتجا بظاهر الآية ، وهي قوله عزوجل «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ـ إلى أن قال : ـ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً». (٤)

والتقريب فيها أنه اشترط في كفارة العتق والصيام أنه لا يجوز له المواقعة إلا بعد تلك الكفارة ، سواء واقعها مرة أو مرات ، فإنه يكرر الكفارة بذلك

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥٩ ح ٣٠ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٣٠ ب ١٦ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٦ ح ١٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٤٣ ح ٨ ، التهذيب ج ٨ ص ١٨ ح ٣٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٦ ب ١٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٠ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٨ ب ١٥ ح ٩ وفيهما «ثم غشيها» و «يكف عنها حتى».

(٤) سورة المجادلة ـ آية ٣ و ٤.

٦٧٨

لمنعه من المماسة قبل الكفارة ، فهو ممنوع في المس الأول والثاني ، وهكذا ، فكل منهما وجب الكفارة.

وأما الإطعام فأطلقه ولم يشترط فيه ذلك قبل المماسة ، بل ظاهره أنه متى كان كفارته الإطعام فإنه يكفر بعد الظهار تماسا أو لم يتماسا فإنما عليه كفارة واحدة ، لأنه لم يعلق الكفارة على التماس كما في الأولين ، بل قال : فإن لم يستطع التكفير بتلك الكفارتين على الوجه المذكور فكفارته إطعام ستين مسكينا مرة واحدة وإن تماسا وتكرر التماس ، لأنه لم يرتب الكفارة على التماس ليلزم تكررها بتكرره ، بل الموجب لها إنما هو الظهار ، والواجب فيه كفارة واحدة ، والتعدد غير مستفاد من الآية في هذه الكفارة.

وأما الأخبار التي أوردوها دليلا لابن الجنيد فلا دلالة في شي‌ء منها على هذا التفصيل الذي ادعى ابن الجنيد من تخصيص محل خلافه مع الأصحاب بكفارة الإطعام ، بل هي مطلقة كإطلاق الأخبار الدالة على القول المشهور ، ولا فرق في شي‌ء منها بين الكفارات ، إلا أن تلك دلت على التعدد مطلقا وهذه دلت على وحدة الكفارة مطلقا عتقا كانت الكفارة أو صياما أو إطعاما ، فهي غير موافقة لابن الجنيد لأنه يخص ذلك بما إذا كان الكفارة إطعاما ، وهذه الأخبار مطلقة ، وحملها على خصوص الإطعام كما يقوله ابن الجنيد تعسف محض وتكلف صرف لا يساعد عليه شي‌ء من عبائرها وألفاظها.

نعم الواجب الكلام في الجمع بين هذه الأخبار ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حمل الأخبار الأول على الاستحباب ، ثم إنه استشكل ذلك باعتبار صحة روايتي الحلبي وأبي بصير بناء على ما قدمنا نقله عنه من حكمه بصحتها ، والتأويل فرع المعارضة وإلا فالعمل على الترجيح بالصحة.

والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ قد حمل الأخبار الأخيرة الدالة على عدم تكرار

٦٧٩

الكفارة على من فعل ذلك جاهلا ، واستدل عليه بصحيحة محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الظهار لا يقع إلا على الحنث ، فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى يكفر ، فإن جهل وفعل كان عليه كفارة واحدة».

أقول : والتحقيق أن الرواية الاولى من الروايات الأخيرة وهي صحيحة زرارة (٢) ليست مما ذكروه في شي‌ء. وإنما المعنى فيها ما قدمنا ذكره من الحمل على ما إذا كان الظهار مشروطا بالمواقعة ، بأن قال : أنت علي كظهر أمي إن واقعتك ، فإنه لا تجب عليه الكفارة إلا بعد المواقعة ، ولا يحصل الحنث الموجب لها إلا بذلك.

وأما حسنة الحلبي (٣) فليس فيها إلا أنه إذا واقع قبل أن يكفر فليستغفر الله وليمسك حتى يكفر. ولا دلالة فيه على أنه يكفر كفارة واحدة ، بل هي أعم من الواحدة والاثنتين ، وحينئذ فيحمل على الكفارتين جمعا بين الأخبار المفصلة ، وعلى هذا فتنحصر في رواية زرارة ، وهي لا تبلغ قوة في معارضة تلك الأخبار ، فيجب حملها على ما ذكره الشيخ من الجاهل الناسي وبذلك يظهر قوة القول المشهور.

وأما ما ذكره في المسالك بعد استبعاده ما ذكرناه من المحامل ، فقال : وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة ، وفيه جمع بين الأخبار ، إلا أن الأشهر خلافه ففيه ما عرفت آنفا من أن قول ابن الجنيد لا تعلق له بهذه الروايات الأخيرة ، لأنه يفصل في الكفارة بين العتق والصوم وبين الإطعام ، فيوجب التعدد كما ذكره الأصحاب في الأولين ويوجب الواحدة في الثالث ، وهذه الأخبار ليس فيها إشارة

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١١ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٨ ب ١٥ ح ٨.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٩ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٩ ب ١٦ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٥٦ ح ١٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٤٣ ح ٨ ، التهذيب ج ٨ ص ١٨ ح ٣٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٢٦ ب ١٥ ح ٢.

٦٨٠