الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

العدة ، قال : والطلاق والتخيير من قبل الرجل ، والخلع والمبارأة يكون من قبل المرأة».

أقول : ما دل عليه هذا الخبر من اشتراط معرفة الشاهدين للرجل والمرأة بمعنى العلم بهما لم أقف على من صرح به إلا السيد السند في شرح النافع ، وقد تقدم الكلام معه في هذه المسألة في الركن الرابع في الاشهاد من كتاب الطلاق ، وظاهر الخبر المذكور مؤيد لما قدمنا ذكره من عدم اشتراط صيغة خاصة للخلع أو المبارأة ، بل كلما دل على الرضا بهما من الألفاظ الجارية بينهما فهو كاف في صحة الخلع وترتب أحكامه عليه ، فإنه ينادي بظاهره أنهما إذا تراضيا على شي‌ء وافترقا عليه من ذلك المجلس وكان ذلك التراضي بحضور الشاهدين مع استكمال باقي الشرائط فإنه يكون خلعا ، وهذا نحو ما وقع في خبر جميل المتقدم ذكره.

ومنه ما ذكروه من أنه يشترط تجريده من الشرط ، والمراد الشرط الذي لا يقتضيه العقد ، أما لو اقتضاه كما لو اشترط الرجوع إن رجعت في البذل فإنه لا بأس به ، بل اشتراطه في التحقيق كلا اشتراط. فإن هذا الحكم ثابت له اشتراط أو لم يشترط.

أما ما لا يقتضيه العقد فظاهر السيد السند في شرح النافع (١) نقل الاتفاق على عدم جواز اشتراطه ، قال : ويدل عليه أصالة عدم البينونة مع الخلع المعلق على الشرط السالمة عما يخرج عنه.

أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الوهن سيما مع معارضته بعموم ما دل على مشروعية الخلع الشامل لما كان مشروطا أو غير مشروط ، والكلام في هذه المسألة يجري على ما تقدم في كتاب الطلاق من أنه يشترط تجريد الطلاق

__________________

(١) قال ـ قدس‌سره ـ : وأما أنه يعتبر فيه تجرده من الشرط الذي لا يقتضيه العقد فمقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهرهم أنه موضع وفاق ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٦٠١

من الشرط ، وظاهرهم الاتفاق على الحكم المذكور في الموضعين ، وهو الحجة عندهم ، وإلا فما ذكر من التعليلات في كل من الموضعين عليلة لا يصلح لتأسيس حكم شرعي.

وظاهر جملة من الأصحاب ومنهم شيخنا في المسالك التوقف في الحكم المذكور في الطلاق ، وقد تقدم البحث فيه مستوفى ، وهو الظاهر منه أيضا في هذه المسألة حيث قال : الكلام في اشتراط تجريده عن الشرط كالكلام في الطلاق من أنه مذهب الأصحاب ، ودليله غير صالح ، وعموم الأدلة الدالة على مشروعيته يتناول المشروط وورود النص بجواز تعليق الظهار على الشرط يؤنس بكونه غير مناف للصحة في الجملة ، إلا أن الخلاف هنا غير متحقق ، فإن تم فهو الدليل ، انتهى.

أقول : ويؤيد الصحة مع الشرط عموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالشرط (١) «وأن المؤمنين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو حلل حراما». وبالجملة فالمسألة محل توقف ، والاحتياط يقتضي الوقوف على القول المشهور ، والله العالم.

ومن الشروط المقتضية لبطلان العقد عند الأصحاب وهي التي ليست من مقتضيات العقد ما لو قال : خالعتك إن شئت ، فإنه لا يصح وإن شاءت لأنه شرط ليس من مقتضى العقد ، وكذا لو قال : إن ضمنت لي ألفا أو إن أعطيتني أو نحو ذلك ، وكذا : متى أو مهما أو أي وقت أو أي حين ، قالوا : وضابطه أن يكون أمرا متوقعا بعد الصيغة علقت عليه يمكن وجوده وعدمه ، والله العالم.

المقام الرابع في الأحكام :

وفيه مسائل : الاولى : قالوا : لو أكرهها على الفدية فعل حراما ، ولو طلق به صح الطلاق ولم تسلم له الفدية وكان له الرجعة.

أقول : هذا الكلام يتضمن حكمين : (أولهما) أنه بإكراهه لها على الفدية

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٧ ح ٨٠ ، الوسائل ج ١٢ ص ٣٥٣ ب ٦ ح ٥ وفيهما اختلاف يسير.

٦٠٢

فعل محرما ولا يملك الفدية ، والوجه فيه ظاهر لقيام الأدلة العقلية والنقلية بأنه «لا يحل مال امرئ إلا بإذنه». ويتحقق الإكراه عليها بتوعده إياها بما لا تحتمله أو لا يليق بحالها من ضرب وشتم ونحوهما ، لا بالتقصير في حقوقها الواجبة من النفقة والقسم فتعتدي منه لذلك فإنه لا يعد إكراها ، لأنه ربما يكون الحامل عليه ضعف دينه وحرصه على المال. نعم لو ظهر لها أنه إنما فعل ذلك لتفتدي منه فهو إكراه لصدق تعريفه عليه ، وقد تقدم في بحث الشقاق من كتاب النكاح ما يشير إليه.

و (ثانيهما) أنه حيث يتحقق الإكراه على البذل فإن كان الواقع طلاقا كما ذكروه ويكون من قبيل الطلاق بعوض صح الطلاق خاصة وفسد البذل لعدم صحة كونه عوضا وكان له الرجعة كما في سائر أفراد الطلاق ، ويحتمل بطلان الطلاق لعدم توجه القصد إليه إلا بالفدية وهي باطلة ، فما قصد غير صحيح ، وما هو صحيح لم يتوجه إليه قصد ، وقد تقرر أن العقود بالقصود.

وإن كان الواقع خلعا وإن لم يتعرض له في العبارة المتقدمة كان باطلا ، وإن قلنا إنه طلاق فلا يكون رجعيا لأن ماهيته لا تتحقق بدون صحة البذل عند الأصحاب.

الثانية : قد صرحوا ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه لو خلعها والأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع ولم يملك الفدية ، ولو طلقها والحال هذه بعوض صح الطلاق ، ولا يملك العوض وله الرجعة.

أقول : أما عدم صحة الخلع في هذه الحال فظاهر ، لأن من شروطها وقوع الكراهة ، والفرض أنه لا كراهة كما هو المراد من التئام الأخلاق ، وإذا لم يصح الخلع لم يملك الفدية ، ثم إنه لا يخفى أن التعبير بالتئام الأخلاق هنا عن عدم الكراهة الموجبة لصحة الخلع إنما خرج مخرج الغالب ، وذلك فإن الكراهة أمر نفسي يمكن مجامعتها لالتئام الأخلاق ، فيمكن أن تكرهه وتحسن السلوك

٦٠٣

معه امتثالا للأوامر الشرعية ، والقيام بما هو الواجب عليها من حقوقه ، ولكن لما كان ذلك على خلاف الغالب والطريقة الجارية بين الناس لم يلتفت إليه الأصحاب وبنوا الأمر على الغالب ، وفي كلام العقلاء والظاهر أنه في بعض الأخبار «ما أضمر أحدكم شيئا إلا أظهره الله تعالى على صفحات وجهه وفلتأت لسانه».

وفي المقام حكاية يناسب ذكرها وهو أن رجلا مرض مرضا شديدا ، وكان له زوجة تقوم عليه وتخدمه خدمة فائقة لم ير مثلها في الأزواج ، فلما من الله عليه بالصحة قال لزوجته : إن لك علي حقا من أعظم الحقوق أحب أن أكافيك به واجازيك عليه ، وهو أنك قد خدمتني سيما في هذا المرض خدمة زائدة ، فاطلبي ما تريدين ، فإنه لا بد لي من مكافاتك ، فقالت له : إله عن هذا ، فإني لا أطلب شيئا ، فألح عليها وأكد تمام التأكيد بحيث إنها لم تجد دفعا له ، فقالت إن كان ولا بد فإني أطلب الطلاق منك ، فتعجب الرجل غاية العجب ، وقال : إنك بهذه المحبة التي تظهر منك بهذه الخدمة العظيمة في الصحة والمرض كيف تطلبين الطلاق؟ فقالت : اعلم إني منذ تزوجت بك فإني كارهة لك تمام الكراهة وإنما كانت هذه الخدمة مني امتثالا لأمر الله سبحانه في القيام بما أوجبه علي من حقوقك ، والظاهر أن الرجل أجابها إلى الطلاق بعد ذلك.

ثم إن ما ذكروه من قولهم «ولو طلق صح الطلاق. إلخ» فالمراد أنه لو لم يقع بلفظ الخلع وإنما وقع بلفظ الطلاق بعوض فإن الطلاق يكون صحيحا ، ولكنه يصير رجعيا لا بائنا ، ولم تسلم له الفدية لما عرفت من الأخبار المتكاثرة المتقدمة من أن الفدية لا تحل إلا بتلك الأقوال المنكرة التي هي كناية عن مزيد الكراهة ، والمفروض هنا أن الأخلاق ملتئمة ، هذا هو المشهور ، وقيل : بالبطلان ، وقد تقدم الكلام في ذلك في آخر الموضع الرابع من المقام الأول في الصيغة ، ويأتي على ما ذهب إليه شيخنا الشهيد الثاني كما قدمنا البحث فيه معه في الموضع المذكور أنه يقع الطلاق هنا موقع الخلع ويترتب عليه ما يترتب على

٦٠٤

البينونة واستحقاق البذل ونحو ذلك ، وقد عرفت ما فيه.

الثالثة : قد صرحوا ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه يجوز عضلها إذا أتت بالفاحشة لتفتدي نفسها ، وقيل : بأنه منسوخ والأكثر على العدم.

أقول : الأصل في هذا الحكم قوله عزوجل «وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» (١) والعضل لغة المنع والتضييق ، والمراد هنا التضييق بالمنع من التزويج وسوء العشرة معها لتفتدى منه.

قال في المسالك : واختلف في الفاحشة المستثناة بسببها ، فقيل : هو الزنا ، وقيل : ما يوجب الحد مطلقا ، وقيل : كل معصية ، وكون الحكم على خلاف الأصل ينبغي معه الاقتصار على محل الوفاق ، وهو الأول لأنه ثابت على جميع الأقوال ، انتهى.

أقول : أما الفاحشة الموجبة لإخراج الزوجة المذكورة في قوله عزوجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» (٢) فقد تقدم (٣) ذكر الخلاف فيها ، والأخبار المتعلقة بها وأكثر الأخبار على أن المراد منها إيذاء أهلها وسوء خلقها معهم ، وفي رواية الزنا ، وفي ثالثة أنها السحق لا الزنا وأما الفاحشة في هذه الآية فلم أقف على اختلاف الأقوال فيها إلا فيما ذكره هنا ومن المحتمل قريبا أنه بنى على تلك الأقوال التي تقدمت في تلك الآية.

وأما ما يتعلق بهذه الآية من الأخبار فلم أقف فيه إلا على ما ذكره أمين الإسلام الطبرسي ـ طيب الله مرقده ـ في كتاب مجمع البيان (٤) حيث قال :

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ١٩.

(٢) سورة الطلاق ـ آية ١.

(٣) تقدم ذلك في المسألة الاولى من المقام الثاني في اللواحق وهو آخر كتاب الطلاق. (منه ـ قدس‌سره ـ). والصحيح هو المقام الثامن راجع ص ٥٢٣ من هذا الجزء.

(٤) مجمع البيان ج ٣ ص ٢٤.

٦٠٥

«إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» أي ظاهرة : وقيل : فيه قولان (أحدهما) يعني إلا أن يزنين ، عن الحسن وأبي قلابة والسندي وقالوا : إذا اطلع منها على زينة فله أخذ الفدية. (والآخر) أن الفاحشة النشوز ، عن ابن عباس ، والأولى حمل الآية على كل معصية ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام واختاره الطبري ، انتهى.

وليس في المقام غير هذه الرواية فيتعين الحمل عليها ، إلا أنه من المحتمل قريبا تفسير الفاحشة هنا أيضا بما دلت عليه تلك الأخبار المتقدمة من تلك الأقوال القبيحة التي إذا قالتها المرأة حل له ما أخذه منها وحل له خلعها ، ولكن هذا في الحقيقة يرجع إلى ما دل عليه الخبر المتقدم من أنها كل معصية ، فإنه أحد أفراد المعاصي فلا يكون خارجا عنه.

وبما ذكرنا يظهر لك ما في كلامه ـ قدس‌سره ـ من الإشكال ، فإن العمل في تفسير الآية وبناء الأحكام الشرعية على ذلك إنما هو على الأدلة الشرعية والحجج الواضحة الجلية ، لا على مجرد الأقوال ، ليرجح منها ما هو المتفق عليه من تلك الأقوال وإن عرت عن الاستدلال.

وأما ما ذكر من القول بأنها منسوخة فهو قول ذكره الشيخ في المبسوط وتبعه فيه بعض من تأخر عنه ، والظاهر أنه من أقوال العامة كما نبه عليه شيخنا في المسالك. (١)

قالوا : إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى «الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» (٢) وإنه كان قبل نزول الحدود للرجل أن يعضل الزانية لتفتدي

__________________

(١) قال ـ قدس‌سره ـ ونعم ما قال : واعلم أن القول الذي حكاه المصنف من كون الاية منسوخة تبع فيه الشيخ في المبسوط ، وهو قول بعض العامة ، وأما أصحابنا فلا يعرف ذلك لهم ولم ينقله أحد من الأصحاب عنهم ، ولكن الشيخ في المبسوط يحكى أقوالهم ويختار منها ما ترجح عنده ، وقد نقل القول بكونها منسوخة بقوله : وقيل وهو ضعيف المستند. انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) سورة النور ـ آية ٢.

٦٠٦

نفسها ، فلما نزلت الحدود حرم أخذ المال بالإكراه.

وأنت خبير بأنه لا وجود لهذه الأخبار المبني عليها هذا القول في شي‌ء من أصولنا ، والموجود في أخبارنا في تفسير هذه الآية أن الفاحشة فيها إنما هي بمعنى كل معصية كما عرفت لا بخصوص الزنا ، وبالجملة فالقول المذكور غير ملتفت إليه ولا معول عليه.

الرابعة : لا ريب في أنه متى صح الخلع واجتمعت شرائطه كانت فرقة بائنة لا رجعة للزوج فيها إلا أن ترجع هي فيما بذلت إذا كان رجوعها في العدة ، فإنه مع رجوعها يكون الطلاق حينئذ رجعيا ، فإن شاء الرجل أن يرجع رجع.

فأما ما يدل على البينونة بذلك على الوجه المذكور فجملة من الأخبار ، منها قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (١) «المختلعة التي تقول لزوجها : اخلعني ـ إلى أن قال عليه‌السلام : ـ فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها ، وكانت بائنة بذلك ، وكان خطابا من الخطاب».

وفي رواية أبي الصباح الكناني (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا خلع الرجل امرأته فهي واحدة بائنة ، وهو خاطب من الخطاب».

وفي صحيحة محمد بن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام «حل له ما أخذ منها وليس له عليها رجعة».

وأما ما يدل على كونه رجعيا متى رجعت هي في العدة فمنه صحيحة محمد ابن إسماعيل (٤) بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام قال فيها «تختلع منها بشهادة شاهدين

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٦ ص ١٤٠ ح ٣ و ٤، التهذيب ج ٨ ص ٩٥ ح ٣ و ٤، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٨ ب ١ ح ٤ و ٦.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٤١ ح ٨ ، التهذيب ج ٨ ص ٩٧ ح ٧ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣٩ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٦ ب ٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٩٨ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٢ ب ٣ ضمن ح ٩ وفيهما اختلاف يسير.

٦٠٧

على طهر من غير جماع ، وهل تبين منه بذلك أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال : تبين منه ، وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت» الحديث.

وموثقة الفضل أبي العباس (١) عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام قال : «المختلعة إن رجعت في شي‌ء من الصلح يقول : لأرجعن في بضعك».

وفي صحيحة عبد الله بن سنان (٢) المروية في تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي. رحمه‌الله ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد تقدم صدرها (٣) قال فيها «وإن تراضيا على ذلك على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة وهو خاطب من الخطاب ، فإن شاءت زوجته نفسها ، وإن شاءت لم تفعل ، فإن تزوجها فهي عنده على ثنتين باقيتين ، وينبغي له أن يشترط عليها كما يشترط صاحب المبارأة : إن ارتجعت في شي‌ء مما أعطيتني فأنا أملك ببضعك ، وقال : لا خلع ولا مباراة ولا تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ، والمختلعة إذا تزوجت زوجا آخر ثم طلقها يحل للأول أن يتزوجها ، ولا رجعة للزوج على المختلعة ، ولا على المبادلة إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها».

وفي هذه الرواية الأخيرة وكذا صحيحة ابن بزيع ما يدل على الأمرين على البينونة بالخلع وكونه رجعيا بعد رجوعها.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن المشهور أن للمرأة الرجوع ما دامت في العدة فإذا رجعت كان للزوج الرجوع في نكاحها إن شاء ، صرح به الشيخ وغيره.

قال في النهاية : وتكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها ، اللهم إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها ، فإن رجعت في شي‌ء من ذلك كان له الرجوع أيضا في

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٠٠ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٩ ب ٧ ح ٣.

(٢) تفسير القمي ج ١ ص ٧٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٩ ب ٧ ح ٤.

(٣) أقول : تقدم ذلك في الفرع الثاني من الفروع الملحقة بالمقام الأول في الصيغة. (منه ـ قدس‌سره ـ). راجع ص ٥٨٤ من هذا الجزء.

٦٠٨

بضعها ما لم تخرج من العدة ، فإن خرجت من العدة ثم رجعت في شي‌ء مما بذلته لم يلتفت إليها ولم يكن له عليها أيضا رجعة ، وإن أراد مراجعتها قبل انقضاء عدتها إذا لم ترجع هي فيما بذلت أو بعد انقضائها كان ذلك بعقد مستأنف ومهر جديد.

وهذا الكلام دال بإطلاقه على جواز رجوعها في البذل سواء اشترطت ذلك في العقد أم لا ، وسواء اختار الرجل ذلك أم لا ، وظاهر ابن حمزة أنه مع الإطلاق وعدم اشتراط رجوعها ورجوعه فلا بد من تراضيهما معا بالرجوع واتفاقهما عليه ، فلو لم يرض الزوج بالرجوع لم يكن لها الرجوع ، بناء على أن الخلع عقد معاوضة ، فيعتبر في صحته تراضيهما ، ومع التقييد فالحكم كما ذكره الشيخ إذا كان في العدة.

قال ابن حمزة على ما نقله عنه في المختلف : يجوز أن يطلقا الخلع وأن تقيد المرأة بالرجوع فيما افتدت به ، والرجل الرجوع في بضعها ، فإن أطلقا لم يكن لأحدهما الرجوع بحال إلا برضا الآخر ، وإن قيدا لم يخل إما لزمتها العدة أو لم تلزم ، فإن لزمتها جاز الرجوع ما لم تخرج من العدة ، فإن خرجت منها أو لم تلزم العدة لم يكن لهما الرجوع بحال إلا بعقد جديد ومهر مستأنف.

واختار هذا القول السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده في المسالك ومراده بمن لم تلزمها العدة ما لو كانت صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها ومن تمت عدتها ، وفي معناها العدة البائنة كعدة المطلقة الثالثة ، وظاهره أنه مع التقييد ، فجواز رجوعها لازم لجواز رجوعه ، فلو لم يمكنه الرجوع لكون العدة بائنة كأن تكون الطلقة ثالثة أو كانت غير مدخول بها ونحوهما مما تقدم فإنه لا يجوز لها الرجوع ، وظاهر الأخبار المتقدمة ، فإنها ظاهرة كالصريحة في إمكان رجوعه لقوله في صحيحة ابن بزيع «وتكون امرأته» وقوله في موثقة الفضل «لأرجعن في بضعك» ونحوهما الرواية الثالثة إذ لا يصدق شي‌ء من ذلك فيما إذا كانت العدة بائنة ، كما أنه لا يصدق بعد خروج العدة ، إلا أنه لا إشعار في شي‌ء منها

٦٠٩

بصورة التقييد كما ذكروه ، بل ظاهرها أعم من ذلك كما هو ظاهر عبارة الشيخ في النهاية.

وكيف كان فالظاهر من الأخبار المتقدمة هو اتفاقهما وتراضيهما على الرجوع شرط أحدهما أم لم يشترط ، وإن كان الأولى الاشتراط كما دل عليه الخبر الثالث.

ويظهر الخلاف من كلامي الشيخ وابن حمزة في أنه مع الإطلاق لو رجعت المرأة في بذلها ولم يرض الرجل بذلك فإنه لا يصح رجوعها على قول ابن حمزة المتقدم ، لأنه اشترط في جواز رجوعها تراضيهما معا عليه ، بناء على أنه عقد معاوضة ، فيعتبر في فسخه رضاهما. وأما على قول الشيخ ، فإنه يصح لأن غاية ما دلت عليه الأخبار هو جواز رجوعه بعد رجوعها ، فالشرط إمكان رجوعه في صحة رجوعها ، وإن لم يعتبر رضاه.

وبالجملة فالأولى الوقوف على ظاهر الأخبار المذكورة كما أشرنا إليه.

بقي الكلام هنا في مواضع : الأول : أنك قد عرفت أنه برجوع المرأة في البذل تصير العدة رجعية بعد أن كانت بائنة قبل ذلك ، وحينئذ فهل تترتب عليها أحكام العدة الرجعية مطلقا كوجوب النفقة والسكنى وتحديد عدة الوفاة لو مات في هذه العدة ونحو ذلك أم لا؟ إشكال ينشأ من أن كونها عدة رجعية يقتضي ذلك إذ لا معنى للعدة الرجعية إلا ما يجوز للزوج الرجوع فيها ، وهو يقتضي بقاء الزوجية الموجبة للأحكام المذكورة ، ومن أنها ابتدأت على البينونة وسقوط هذه الأحكام ، فعودها بعد ذلك يحتاج إلى دليل ، والأصل يقتضي استصحاب الحكم السابق ، ولا يلزم من جواز رجوعه على هذا الوجه كونها رجعية مطلقا لجواز أن يراد بالرجعية ما يجوز للزوج الرجوع فيها مطلقا كما هو الظاهر ، وأما قبل رجوعها فلا شبهة في انتفاء أحكام الرجعية عنها.

أقول : لا ريب أن الأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية ـ وإن لم يوجد نص في خصوص هذه المسألة بالكلية ـ هو الوجه الأول من الاحتمالين

٦١٠

المذكورين ، فتجب هذه الأشياء المعدودة ونحوها ومنه ما لو مات الرجل والمرأة في تلك الحال ، والظاهر أنه لا خلاف في ثبوت التوارث من الطرفين.

ومما يؤيد ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن بزيع المتقدمة (١) «وإن شاءت أن يرد عليها ما أخذ منها وتكون امرأته. إلخ». فإنه ظاهر في أنها برجوعها في البذل تكون امرأته ، بمعنى ملك رجعتها ، كما أن المطلقة في العدة الرجعية كذلك (٢) وقضية ذلك ترتب الأحكام المذكورة على رجوعها ، وجميع ما علل به الوجه الثاني معلول.

أما قوله «إنها ابتدأت على البينونة. إلخ» ففيه أن العدة وإن كانت ابتداؤها على البينونة وسقوط تلك الأحكام إلا أنه برجوعها في البذل قد تغير الحكم من البينونة إلى الرجعية ، فبتبدل الحكم المذكور تبدلت الأحكام المترتبة على كل منهما ، وبذلك يظهر ما في قوله الأصل يقتضي استصحاب الحكم السابق وأي أصل هنا مع تبدل الحكم الأول إلى نقيضه لأنها أولا كانت عدة بائنة والآن صارت عدة رجعية ، ومقتضي الأصل استصحاب أحكام العدة الرجعية. (٣)

قوله «ولا يلزم من جواز رجوعه على هذا الوجه. إلخ» مردود ، بأنه أي مانع يمنع من أن الشارع يحكم بالبينونة وما يترتب عليها قبل رجوع المرأة في البذل ، ثم يحكم بالرجعة وما يترتب عليها بعد الرجوع فيه ، وجواز أن يراد

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٩٨ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٢ ب ٣ ضمن ح ٩.

(٢) لا بمعنى أنها تصير امرأته حقيقة ، لأنها لا تكون كذلك الا بعد رجوعه فيها إذا رجعت في البذل. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) أقول : ومن الاخبار الظاهرة فيما قلناه قول أبى جعفر عليه‌السلام في موثقة زرارة لما سأله عن الرجل يطلق المرأة هل يتوارثان؟ فقال : «ترثه ويرثها ما دام له عليها رجعة». ونحوها غيرها ، وهي ظاهرة بل صريحة في دوران الإرث مدار ثبوت الرجعة كما لا يخفى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٦١١

بالرجعية ما يجوز للزوج الرجوع فيها مطلقا بمعنى رجعت أو لم ترجع خلاف للظاهر لأنك قد عرفت أن هذه العدة قد اتصفت بالبينونة والرجعية باعتبارين ، فبالنظر إلى عدم رجوع الزوجة بالبذل فهي بائنة لا يجوز للزوج الرجوع فيها كما صرحت به الأخبار ، وباعتبار رجوعها فيه قد انقلب الحكم وتغير إلى نقيضه من الرجعية ، ويترتب على كل منهما أحكامه الشرعية ، وظاهره في المسالك الميل إلى الوجه الثاني ، وفيه ما عرفت.

الثاني : هل يجوز للرجل أن يتزوج أخت الزوجة التي خلعتها؟ وكذا هل يجوز أن يتزوج برابعة أم لا؟ وجهان بل قولان ، أظهرهما الأول لتحقق البينونة التي من فروعها ذلك.

وعليه يدل بالنسبة إلى تزويج الأخت ما رواه ثقة الإسلام (١) في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم قد برئت عصمتها ، وليس له عليها رجعة».

وعلل القول بالمنع بأنه عقد متزلزل في حكم الرجعي ، ولأنه على تقدير تقدم ذلك ثم رجوعها يصير جامعا بين الأختين وأزيد من العدد الشرعي.

وضعف التعليل الأول أظهر من أن يخفى إذ لا تزلزل مع ثبوت البينونة به وكونه يصير رجعيا بعد رجوعها لا يوجب منع إجراء أحكام البينونة عليه قبل الرجوع ، ولا يوصف بالتزلزل في تلك الحال الاولى.

وأما الثاني فهو مبني على تجويز الرجوع لها ، وسيأتي ما فيه ، ثم إنه على تقدير ما اخترناه من جواز التزويج فهل للزوجة الرجوع في البذل بعد تزويجه بأختها أو أخذ الرابعة ، أم لا؟ وجهان ، أقربهما الثاني لما تقدم من أن

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٤ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٤ ب ١٢ ح ١.

٦١٢

رجوعها مشروط بإمكان رجوعه ، وهو في هذه الحال لا يمكنه الرجوع إليها.

وما قيل من أنه يمكن إزالته بتطليق الأخت والرابعة بائنة فله الرجوع حينئذ لزوال المانع مردود ، بأن ظاهر الأخبار الدالة على الانقلاب رجعيا بعد رجوعها أنها بمجرد رجوعها في البذل صارت امرأته من غير توقف على أمر آخر وهذا لا تصير امرأته بمجرد ذلك ، كما لا تصير ذات الطلقة الثالثة والغير المدخول بها امرأته بمجرد الرجعة ، فإذا لم تصر امرأته بمجرد رجوعها في البذل امتنع رجوعه ، وقد عرفت أنه متى امتنع رجوعه فيها امتنع رجوعها في البذل.

الثالث : هل يجوز لها الرجوع في بعض ما بذلته؟ وجهان ، اختار ثانيهما السيد السند في شرح النافع حيث قال : والأظهر أنه ليس للمرأة الرجوع في بعض ما بذلته.

وقال في المسالك : لو رجعت في البعض خاصة هل يصح الرجوع ويترتب عليه صحة رجوعه؟ لم أقف فيه على شي‌ء يعتد به ، وفيه أوجه كل منها محتمل : (أحدها) جواز الرجوع ، ويترتب عليه رجوعه. أما الأول فلما اتفق عليه الأصحاب من أن البذل غير لازم من جهتها ، فكما يصح لها الرجوع في الجميع يصح في البعض لأن الحق لها ، فلها إسقاط الجميع فإن عدم الرجوع في قوة الإسقاط ، إذ لا يلزم منه رجوع العوض الآخر بل جوازه ، وأما الثاني فلأنه مترتب على رجوعها ، وقد حصل.

وفي رواية أبي العباس (١) ما يرشد إليهما ، لأنه قال «المختلعة إن رجعت في شي‌ء من الصلح يقول : لأرجعن في بضعك». وهو صريح في الاكتفاء بالبعض وترتب رجوعه عليه.

و (الثاني) المنع فيهما. أما الأول فلأن جوازه يقتضي صيرورة الطلاق رجعيا

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٠٠ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٩ ب ٧ ح ٣.

٦١٣

وإنما تصير رجعيا إذا لم يشتمل على عوض ، والعوض باق في الجملة ، إذ لا فرق فيه بين القليل والكثير ، ومن ثم لو جعل ابتداء ذلك القدر الباقي بل أقل منه كفي في البينونة ، فالجمع بين كون الطلاق رجعيا وبقاء العوض في مقابله متنافيان.

وفي صحيحة ابن بزيع (١) ما يرشد إليه ، لأنه قال «وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت». وهي العمدة في الباب لصحتها ، وظاهرها اعتبار رد الجميع لأن ما من صيغ العموم فلا يترتب عليه الحكم بالعوض.

و (ثالثها) جواز رجوعها دونه. أما الأول فلما تقرر من أن البذل من جهتها جائز فيتخير في الرجوع. وأما الثاني فلأن بقاء شي‌ء من العوض مانع من رجوعه وهو حاصل هنا ، وأضعفها الأخير لما يظهر من تلازم الأمرين حيث لا يكون المانع من قبله وهو هنا ليس كذلك ، ولأن هذا لو صح لزم الإضرار به بأن ترجع في أكثر البذل ، وتبقى شيئا يسيرا لتمنعه من الرجوع ، وهو منفي ، ولا وسيلة له إلى إسقاطه بخلاف ما تقدم ، والوسط لا يخلو من قوة ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن المسألة المذكورة محل توقف وإشكال. أما بالنظر إلى التعليلات العقلية فلما عرفت من تصادمها وتقابلهما مع ما عرفت من أنها وإن خلت من ذلك لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

وأما بالنظر إلى الروايات فلتعارضها أيضا بحسب الظاهر ، فإن ظاهر صحيحة ابن بزيع كما ذكره تخصيص الحكم بالرجوع في الجميع فلا يكفي الرجوع في البعض ، ومثلها قوله عليه‌السلام في آخر صحيحة عبد الله بن سنان (٢) المتقدم نقلها عن تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم «إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها». وظاهر رواية أبي العباس كما ذكره صحة الرجوع منها ومنه برجوعها في البعض لقوله «إن رجعت في شي‌ء من الصلح ـ يعني البذل ـ يقول : لأرجعن» والظاهر

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٩٨ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٢ ب ٣ ضمن ح ٩.

(٢) تفسير القمي ج ١ ص ٧٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٩ ب ٧ ح ٤.

٦١٤

أن شيخنا المذكور وسبطه إنما اختارا ما دلت عليه صحيحة ابن بزيع من حيث صحة الرواية المذكورة وضعف الأخرى.

وفيه أن ما دلت عليه رواية أبي العباس قد ورد في صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة لقوله عليه‌السلام فيها «وينبغي له أن يشترط عليها كما يشترطه صاحب المبارأة : وإن ارتجعت في شي‌ء مما أعطيتني فأنا أملك ببعضك» ومثل هذه العبارة في كثير من أخبار المبارأة ، ومنها الصحيح وغيره ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ، وبذلك يظهر لك الاشكال.

ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل «من» في هذه الأخبار على البيانية دون التبعيضية ، والظاهر أنه هو الذي فهمه الأصحاب من هذه الأخبار حيث إن جميع ما دل على رجوع المرأة في البذل في باب المبارأة إنما عبر عنه بهذه العبارة ، مع اتفاقهم على تخصيص الحكم بالرجوع في الكل ، ولم يذكر أحد منهم ـ لا في الخلع ولا في المبارأة ـ الرجوع في البعض ، وإنما وقع الكلام فيه من شيخنا المذكور ومن تأخر عنه كما أشار إليه بقوله «لم أقف فيه على شي‌ء يعتد به» ويبعد أشد البعد اتفاقهم على الحكم المذكور مع كون ظاهر الأخبار كلها على خلافه لو حملت «من» على التبعيضية إلا أنه يحتمل أن يقال إن ما دل على الرجوع في الجميع لا دلالة فيه على الحصر في هذا الفرد ، بل من الجائز كونه أحد الفردين وما دلت عليه الأخبار الأخر من الجواز بالرجوع في البعض هو الفرد الآخر ، إلا أن فيه ما عرفت ، والله العالم.

فوائد

الأولى : إذا أراد الرجل إعادة الزوجة ولم ترجع في البذل ، فإنه لا يكون إلا بعقد جديد ومهر مستأنف لأنها بالخلع صارت بائنة أجنبية وبطريق أولى لو خرجت من العدة.

٦١٥

الثانية : لا إشكال في أنه لا توارث بين المختلعين لما عرفت من البينونة بالخلع ، والخروج عن الزوجية بالكلية ، وانقطاع العصمة بينهما ، ويدل عليه قوله في رواية ابن رئاب المتقدمة (١) «ولا ميراث بينهما في العدة». ولا ريب في ثبوت التوارث بعد رجوعها ورجوعه ، لأنه برجوعه فيها بعد رجوعها صارت زوجة.

وإنما محل الاشكال فيما لو رجعت هي ولم يرجع هو ، ويأتي على ما قدمنا ذكره في الموضع الأول من المقام الرابع ثبوت التوارث ونحوه من تلك الأحكام المذكورة ثمة ، لأنها برجوعها في العدة تصير العدة رجعية ، يملك الزوج الرجوع فيها ، ومن شأن العدة الرجعية ترتب تلك الأحكام عليها.

الثالثة : لو خالعها وشرط الرجوع لم يصح ، لأن مقتضى الخلع البينونة ، فيكون هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد ، فيبطل ويترتب عليه بطلان الخلع ، والظاهر أن ترتب بطلان الخلع عليه مبني على القاعدة المشهورة من أنه إذا فسد الشرط الذي تضمنه ذلك العقد لزم منه بطلان تلك العقد ، حيث إنه لم يتوجه القصد إلى ذلك العقد إلا بهذا الشرط والحال أنه فاسد ، فما تعلق به القصد غير صحيح ، وما هو صحيح ـ وهو العقد بدون الشرط المذكور ـ لم يتعلق به القصد.

وقد عرفت ما في هذه القاعدة من المناقشة في غير موضع مما تقدم ، وقضية ذلك صحة الخلع وإن بطل الشرط المذكور ، ونحو ذلك يأتي في الطلاق بعوض ، فإنه كالخلع يكون بائنا ، والشرط المذكور مناف لمقتضاه.

الرابعة : لو اتفقا على قدر البذل كمائة مثلا واختلفا في الجنس. فادعت الزوجة أنه مائة درهم وادعى الزوج أنه مائة دينار. والمشهور وبه صرح الشيخ وغيره أن القول قول المرأة لأنها منكرة لما يدعيه ، والأصل عدم استحقاقه إياه ، قالوا : نعم ، لو أخذه على وجه المقاصة اتجه جوازه.

__________________

(١) قد تقدمت في الموضع الثالث من المقام الثالث في الشرائط. (منه ـ قدس‌سره ـ). راجع التهذيب ج ٨ ص ٩٩ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٧ ب ٦ ح ٤.

٦١٦

واعترضهم في المسالك فقال : ويشكل هذا القول من رأس ، لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه ، والآخر ينكر ما يدعيه ، وهذه قاعدة التخالف في نظائره من عوض البيع والإجارة وغيرهما ، وإنما يتجه تقديم قول أحدهما إذا اتفق قولهما على قدر وادعى الآخر الزيادة عليه وأنكرها الآخر ، فيكون منكر الزيادة منكرا لكل وجه ، ومدعيها مدعيا ، بخلاف صورة النزاع لأن دعوى الذهب لا يجامع دعوى الفضة ، والإنكار من كل منهما لما يدعيه الآخر متحقق ، فلو قيل بأنهما يتحالفان ويسقط ما يدعيانه بالفسخ أو الانفساخ فيثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما يدعيه الزوج كان حسنا ، ولا يتجه هنا بطلان الخلع لاتفاقهما على صحته ، أو إنما يرجع اختلافهما إلى ما يثبت من العوض ، ويحتمل أن يثبت مع تحالفهما مهر المثل مطلقا لتساقط الدعويين بالتحالف ، انتهى.

أقول : ما ذكره ـ قدس‌سره ـ من رجوع حكم المسألة إلى التحالف جيد ، وإنما يبقى الكلام في أنه بعد التحالف ، وسقوط كل مما يدعيانه ، فإن الظاهر هو بطلان الخلع بالمرة لخلو الخلع من العوض لأنه منحصر في أحد هذين المذكورين ، وقد تساقطا معا بالتحالف ، ومهر المثل غير مذكور في صيغة الخلع ولا مقصود ولا مراد بالكلية ، فبأي وجه يثبت هنا؟ وتقديره والرجوع إليه بعد التحالف لا معنى له ، لأنه ليس من قبيل المهر الذي يجب تقديره مع خلو عقد النكاح عنه ، وإنما هو عوض يجب ذكره في عقد الخلع ، ويكون ركنا من أركانه ، وهو هنا منحصر في أحد هذين المذكورين ، لأنه لا بد بحسب الواقع أن يكون أحدهما صادقا والآخر كاذبا ، لكن لما اشتبه ذلك وكان اللازم شرعا هو التحالف الموجب لسقوطهما معا لزم منه خلو الخلع من العوض ، وهو موجب لبطلانه ظاهرا وإن كان صحيحا في الواقع تتعلق به أحكامه بالنسبة إليهما المعلومية ذلك عندهما كما في نظائره من العقود الصحيحة في الواقع الفاسدة بحسب الظاهر ، ويؤيده ما تقدم في كتاب البيع من أنه بالتحالف يبطل البيع ونحوه من العقود التي يكون

٦١٧

الحكم فيها ذلك.

وأما قوله «ولا يتجه هنا بطلان الخلع لاتفاقهما على صحته» ففيه أن البيع كذلك أيضا ، مع أنهم صرحوا بالبطلان بعد التحالف ، وذلك أنه إذا قال البائع بعتك بهذا العبد أو بهذا الدينار ، وقال المشتري بل بهذه الجارية أو بهذه الدراهم ، فإنهما قد اتفقا على وقوع البيع ، مع أنه بعد التحالف الذي هو الحكم في هذه الصورة يحكم ببطلان البيع ، وإن اختلفوا في أن البطلان هل هو من الأصل فينزل البيع بمنزلة العدم؟ أو من حين التحالف أو الفسخ كما نقله شيخنا في المسالك في كتاب البيع (١)؟

وبالجملة فإن العقد الذي يجري فيه التحالف لا إشكال في صحته بحسب الواقع ونفس الأمر لاشتماله على شرائط الصحة ، لكن باعتبار هذا الاختلاف بين المتعاقدين الموجب للتحالف الذي يتساقط به الدعويان ويلزم منه الخلو من العوض يجب الحكم بالبطلان في ظاهر الأمر ، وإلا لزم الترجيح بغير مرجح. وبالجملة فإني لا أعرف لما ذكره وجه صحة يعتمد عليه لما عرفت ، والله العالم.

الخامسة : قال في المختلف : لو خالع المريض لم ترثه الزوجة في العدة ،

__________________

(١) قال في المسالك في كتاب البيع : إذا وقع الفسخ بالتحالف فهل يبطل العقد من أصله ، وينزل البيع بمنزلة المعدوم؟ أم من حين التحالف والفسخ؟ وجهان ، اختار أولهما العلامة في التذكرة ، محتجا عليه بأن اليمين قد أسقطت الدعوى من رأس ، فكأنه لم يبع ، كما لو ادعى على الغير يبيع أو شراء فأنكر وحلف فان الدعوى تسقط ويكون الملك باقيا على حاله ولم يحكم بثبوت عقد حتى يحكم بانفساخه ، ويشكل باتفاقهما على وقوع عقد ناقل للملك ، أما في الثمن الموصوف فظاهر ، وأما في العين الذي أوجب التحالف لاختلافه فالمبيع أيضا متفق على انتقاله من البائع إلى المشترى ، وانما الاختلاف في انتقال الثمن المعين ، فيمكن أن يتوجه ذلك في الثمن دون الثمن في الموضعين.

واختار ثانيهما في القواعد ، وتبعه في الدروس ، والتحقيق ما أشرنا إليه من أن البيع لا يبطل الا من حينه ، وأما الثمن فيبقى على حكم الملك بالحلف كما مثل به في التذكرة ، فالإطلاق في الموضعين غير جيد ، انتهى. وهو ظاهر فيما قلناه (منه ـ قدس‌سره ـ).

٦١٨

سواء قلنا إنه طلاق أو مفتقر إليه لانتفاء التهمة.

قال ابن إدريس : وإلى هذا القول ذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره قال «ولنا في ذلك نظر» وهو يدل على تردده ، لنا ما تقدم من انتفاء سبب التوارث وهي التهمة.

وما رواه محمد بن القاسم الهاشمي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لا ترث المختلعة والمبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك منهن في مرض الزوج وإن مات في مرضه لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه». انتهى.

أقول : ما ذكره العلامة ـ قدس‌سره ـ من نفي التوارث لانتفاء سببه وهو التهمة جار على مذهبه في المسألة كما تقدم ذكره ، وهو المختار كما تقدم ذكره.

وأما على القول المشهور من أن مطلقه المريض ترثه في مرضه وإن خرجت من العدة بالمرة ما لم تتزوج أو يبرأ أو تمضي سنة ، سواء كان السبب الداعي إلى الطلاق من جهته أو من جهتها ، فإنها ترثه في هذه الصورة ، وهو مردود بالأخبار المتقدمة التي من جملتها هذا الخبر ، ومن هنا تنظر ابن إدريس هنا.

السادسة : نقل في المختلف عن الصدوق في المقنع أنه قال في المختلعة : ولا تخرج من بيتها حتى تنقضي عدتها ، وإذا طلقها فليس لها متعة ولا نفقة ولا سكنى.

ثم اعترضه فقال : والجمع بين الكلامين مشكل ، والوجه أن لها الخروج لأنه طلاق بائن ، انتهى.

ومما يدل أنه لا سكنى لها ولا نفقة ما رواه في من لا يحضره الفقيه (٢) عن رفاعة بن موسى في الصحيح «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المختلعة ، إلها سكنى ونفقة؟ فقال : لا سكنى لها ولا نفقة».

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٠٠ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٣٥ ب ١٥ ح ١.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٣٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٤ ب ١٣ ح ١.

٦١٩

وما رواه في الكافي (١) عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المختلعة لا سكنى لها ولا نفقة».

وإذا ثبت أن لا سكنى لها على الزوج بل لها أن تسكن حيث شاءت ، فكيف يوجب عليها أن لا تخرج من بيتها الذي هو عبارة عن بيت زوجها كما تقدم؟ إلا أنه قد ورد ما ينافي هذه الأخبار مما يدل على كلام الصدوق ـ رحمة الله عليه.

ومنه ما رواه في الكافي (٢) عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المختلعة قال : «عدتها عدة المطلقة ، وتعتد في بيتها ، والمختلعة ، بمنزلة المبارأة».

وعن زرارة (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن عدة المختلعة ، قال : عدة المختلعة عدة المطلقة ولتعتد في بيتها ، والمبارأة بمنزلة المختلعة».

وما رواه الشيخ (٤) في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المبارأة والمختلعة والمخيرة عدة المطلقة ، ويعتددن في بيوت أزواجهن».

وهي كما ترى صريحة فيما ذكره الصدوق ، إلا أن الجمع بين الأمرين كما عرفت لا يخلو من الاشكال ، والروايات الأول أوفق بأصول المذهب ، لأنها بائن بالاتفاق نصا وفتوى ، فلا سكنى لها ولا نفقة لها.

واحتمل شيخنا المجلسي ـ رحمه‌الله عليه ـ في حواشيه على كتب الأخبار حمل الروايات الأخيرة على الاستحباب ، قال : وإن كان القول بظاهرها لا يخلو من قوة.

وفيه ما عرفت من أن هذه الأخبار مع معارضتها بالأخبار الأول مخالفة لأصول المذهب.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٤ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٥ ب ١٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٤٤ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٦ ح ٧٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٢ ب ١٠ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٤٤ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٦ ح ٧١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٣ ب ١٠ ح ٤ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٣٦ ح ٧٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠٣ ب ١٠ ح ٥.

٦٢٠