الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

نعم قد تقدم في الحديث العامي المروي في سبب النزول ما ربما يوهم ذلك إلا أنه لا دلالة فيه على الاختصاص بذلك الفرد وأنه لا يصح في غيره ، والله سبحانه العالم.

فروع

الأول : قالوا : لو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع على القولين ، ولو طلبت خلعا بعوض فطلق به لم يلزم البذل على القول بوقوع الخلع بمجرده فسخا ويلزم على القول بأنه طلاق أو أنه يفتقر إلى الطلاق.

وعلل الأول بأن لم يأت بما طلبت فلا يستحق ما بذلت لأجله لأنها طلبت الطلاق ، وهو أمر يقع به البينونة وترفع به الزوجية إجماعا ويقع به نقصان الطلاق فيكون جزء من المحرم ، بخلاف الخلع لما قد عرفت من الخلاف فيه ، فإنا إذا قلنا إنه فسخ فكونه خلاف ما طلبته واضح ، وإن جعلناه طلاقا فهو طلاق مختلف فيه ، وما طلبته لا خلاف فيه ، فظهر أنه خلاف مطلوبها على القولين.

وعلل الثاني وهو ما لو طلبت منه خلعا بعوض فطلق به ، بأنا إن جعلنا الخلع فسخا فطلق لم يلزم البذل لأنه لم يأت بما طلبت ويقع الطلاق رجعيا إذ لا مانع من صحته كذلك فإنه غير مشروط بالعوض ولا بالتماسها أو رضاها ، وإن جعلنا الخلع طلاقا أو مفتقرا إلى الطلاق وأتبعه به لزم البذل لإتيانه بما التمسته وزيادة كما علم من السابقة.

أقول : حيث إن ما ذكروه غير منصوص ولا مبرهن عليه بالأدلة الواضحة فللمناقشة فيه مجال واسع ، إذ لا يخفى على من أعطى التأمل حقه في الأحكام الشرعية الدائرة مدار الأدلة القطعية أنه لما كان المفهوم من نصوص هذا الباب هو أن مرجع الفراق مع البذل المشترط بالكراهة إلى وقوع صيغته بلفظ الخلع خاصة أو لفظ الطلاق خاصة أو هما معا ، وأنه مع الوقوع بأحد هذه الصيغ

٥٨١

يقع بائنا ويملك الزوج الفدية إلى غير ذلك من أحكام الخلع ، وإنما ذهب إليه الشيخ من كونه متى وقع بلفظ الخلع خاصة فهو فسخ قول مطرح بالنصوص ، فهو في حكم العدم ، فللقائل أن يقول إنه إذا كان الحكم الشرعي تساوي الصيغ الثلاث في الأحكام وانتظامها في ذلك على أحسن نظام فلا فرق حينئذ بين أن يطلب منه طلاقا بعوض فيخلعها أو خلعا فيطلقها بالعوض ، لأن مرجع الجميع شرعا إلى أمر واحد ، وليس بينهما فرق إلا باختلاف الألفاظ ، وإلا فالمرجع شرعا إلى أمر واحد كما عرفت ، واختلاف الألفاظ لا يترتب عليه أثر شرعا.

وبالجملة فإنه قد أتى بما طلبته ، في كل من الصورتين ، لأن المراد هو الفراق البائن الذي به تحل الفدية وهو الذي طلبته وإن عبرت بتلك العبارة وهو قد أتى به ، وإن عبر بعبارة أخرى ترجع إلى تلك العبارة شرعا.

وأما الخلاف والوفاق في تلك الألفاظ فلا دخل له بعد ثبوت الحكم شرعا للجميع وترتب الحكم الشرعي على كل منهما كما هو المعتمد عندهم ، وعليه دلت نصوص المسألة ، وإن لم يكن ما ذكرناه هو المتعين لما عرفت فلا أقل أن يكون مساويا في الاحتمال لما ذكروه ، وبه لا يتم ما اعتمدوه ، والله العالم.

الثاني : قالوا : لو ابتدأ فقال أنت طالق بألف أو عليك ألف صح الطلاق رجعيا ولم يلزمها الألف ولو تبرعت بعد ذلك بضمانها لأنه ضمان ما لم يجب ، ولو دفعتها إليه كانت هبة مستأنفة ، ولا تصير المطلقة بدفعها بائنة.

قال في المسالك بعد نقل ذلك : يعتبر في صيغة الخلع وقوعها على وجه المعاوضة بينه وبين الزوجة ويتحقق ذلك بأحد أمرين : تقدم سؤالها ذلك بعوض معين كقولها طلقني بألف أو اخلعني بألف فيجيبها على ذلك ، ويكفي في ظهور المعاوضة حينئذ إتيانه بالطلاق أو الخلع مقرونا بذلك العوض ، ومجردا عنه مع نيته ، كقوله أنت طالق بألف أو عليها أو على العوض المذكور أو خلعتك عليها أو بها ، أو أنت طالقة أو مختلعة مجردا ناويا به كونه بذلك العوض لظهور

٥٨٢

المعاوضة فيه مع تقدم ذكره من جانب الزوجة كما لو قال بعني كذا بكذا فقال بعتك.

والثاني : ابتداؤه به مصرحا بذكر العوض كقوله أنت طالق بألف أو خلعتك بألف أو عليها ونحو ذلك مع قبولها بعد بغير فصل يعتد به كغيره من المعاوضات ، فلو تخلف الأمران معا بأن ابتدأت السؤال بغير عوض كقولها طلقني فأجابها كذلك ، أو أجابها بعوض ولم تجدد القبول في محله ، أو ابتدأ بذكر العوض صريحا ولم يحصل منها القبول كذلك ، أو أتى بلفظ لا يدل على العوض مع عدم تقدم سؤالها به ، وإن قبلت لم يلزم العوض ، بل إن كان قد أتى بلفظ الطلاق وقع رجعيا ، وإن أتى بالخلع بطل ، ثم أطال الكلام في المقام.

أقول : لا يخفى على من تأمل أخبار هذا الباب بالتأمل الصائب ونظر فيها بالذهن الثاقب أنه لا دلالة فيها على ما ادعوه من هذا التقرير الذي قرره ، وغاية ما يستفاد منها هو أنه متى حصلت المنازعة والمجادلة بين الزوجين وإظهار النفور منها والتراضي على بذل معين بأي نحو كانت تلك الألفاظ الجارية بينهما من لفظ الخلع أو الطلاق أو غيرهما فإنه بعد تراضيهما على فدية مخصوصة تنخلع منه بمجرد تلك الألفاظ الجارية بينهما ، ويكون ذلك بحضور العدلين ، وكونها طاهرا ، ونحو ذلك مما يشترط في الصحة.

وأما وجوب سؤالها أولا أو قبولها ثانيا وكون ذلك فوريا ونحو ذلك مما ذكروه فلا دليل عليه إلا مجرد دعواهم ذلك في المعاوضات وأن الخلع من جملتها ، مع أنا لا نسلم لهم هذه الدعوى ، فإنك قد عرفت في كتاب البيع أنه لا يشترط في صحته ووقوعه أزيد من تراضي البائع والمشتري على نحو مخصوص بما يتعلق بكل من المبيع والثمن ، فإنه يلزم البيع بمجرد ذلك ، وما اشترطوه من الإيجاب والقبول على الوجوه التي قرروها والاعتبارات التي اعتبروها فإنه لا دليل على شي‌ء منها ، وحديث جميل المتقدم أظهر ظاهر فيما ذكرناه في الخلع ، وعليه تنتظم

٥٨٣

أخبار الباب كملا ، ولا سيما الأخبار الكثيرة الدالة على أنه إذا قالت تلك الأقوال المحرمة حل له ما أخذ منها وكانت عنده على تطليقتين باقيتين ، فإن ظاهرها أنه بمجرد هذه الأقوال الموجبة للكراهة وأخذ ما بذلته له تنخلع منه بالشروط الأخر المعلومة من الأخبار الأخر من حضور الشاهدين ونحوه ، وليس هنا صيغة ولا عقد أزيد من هذه الألفاظ الجارية بينهما التي استقر رضاهما عليها ونحو ذلك في البيع وغيره من المعاوضات كما تقدم تحقيقه في محله.

ومن أوضح الأخبار الدالة على ما قلناه ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (١) عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان ـ يعني عبد الله ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الخلع لا يكون إلا أن تقول ـ إلى أن قال : ـ فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها وكل ما قدر عليه مما تعطيه من مالها ، فإن تراضيا على ذلك على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة وهو خاطب من الخطاب فإن شاءت زوجته نفسها» الحديث.

وهو صريح كما ترى في ترتب ذلك على مجرد حصول التراضي بينهما على ما وقع ، وأنها تختلع منه بمجرد ذلك ، ولا لفظ هنا ولا صيغة في البين أزيد مما استقر عليه رضاهما من الفدية بعد تحقق الكراهة بتلك الأقوال ، ولا ينافي ذلك ما في بعض أخبار المسألة من قوله عليه‌السلام «ولا يحل له أن يخلعها حتى تكون هي التي تطلب ذلك منه من غير أن يضر بها ، وحتى تقول ما أبر لك قسما ولا أغتسل لك من جنابة. إلخ» فإنه لا دلالة في هذا الخبر على أزيد من اشتراط طلبها الخلع وأن تكون هي المريدة له وأن تقول مع ذلك تلك الأقوال المحرمة ، بمعنى أن الخلع لا يقع حتى يكون الداعي إليه من جهتها ، وأما أنه يشترط ذلك في صيغة الخلع ولا تصح إلا به متقدما أو متأخرا فلا دلالة عليه ، وسبيله سبيل

__________________

(١) تفسير القمي ج ١ ص ٧٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٩ ب ٧ ح ٤.

٥٨٤

الأقوال المذكورة في اشتراطها في صحة الخلع ، إذ ليس المراد إلا توقف صحة الخلع على صدور هذه الأقوال في الجملة وإن لم يكن في مجلس الخلع ، وبذلك يظهر أن جميع ما أطال به ـ قدس‌سره ـ هنا وكذا غيره من الأصحاب مما لا يرجع إلى طائل ولا يعود إلى حاصل ، والله العالم.

الثالث : قال المحقق في الشرائع : إذا قالت طلقني بألف كان الجواب على الفور ، فإن تأخر لم يستحق عوضا بل كان رجعيا.

وقال الشارح في المسالك : قد تقرر أن الخلع يشبه عقود المعاوضات أو هو من جملتها لاشتماله على افتداء البضع بعوض مخصوص وهو يقتضي لفظا دالا على إرادتها بذل ما تجعله عوضا ، ولفظا منه يدل على إبانتها بذلك ، وكان ذلك كالإيجاب والقبول في العقود اللازمة ولو من طرف واحد ، فإن ذلك لازم من طرفه الى أن ترجع في البذل ، فلا بد من وقوعهما متعاقبين بحيث يدل على أن أحدهما جواب للآخر والتزامه به ، فإن تقدم التماسها فقالت طلقني بألف مثلا اعتبر كون جوابه لها على الفور بحيث لا يتخللهما زمان طويل ، ولا كلام أجنبي يوجب رفع ارتباط أحدهما بالآخر ، فإن تقدم لفظه فقال خالعتك على ألف مثلا اعتبر التزامها بالألف وقبولها لها عقيب كلامه كذلك ، ومتى حصل التراخي بينهما طويلا على الوجه الذي بيناه لم يستحق عوضا ووقع الطلاق رجعيا يعني كونه صحيحا خاليا عن العوض. إلى آخر كلامه زيد في إكرامه ، وعلى هذا النهج كلام غيره في المقام.

وقد عرفت ما فيه (١) مما يكشف عن ضعف باطنه وخافية ، وإنما ذكرناها

__________________

(١) أقول : وبيان ذلك أنه قد علل الحكم المذكور بأن الخلع يشبه عقود المعاوضات ففيه أن تشبيه شي‌ء بشي‌ء لا يقتضي أن يكون من جميع الجهات كما هو ظاهر قوله «وهي تقتضي لفظا دالا على إرادتها. إلخ» ومع تسليمه لا يدل على وجوب كونهما متعاقبين كما ذكره بل يكفي في الجملة ، فلا بد في إثبات وجوب التعاقب على الوجه المذكور من دليل ، وليس فليس. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٨٥

بطوله لتطلع على العلة فيما ذكروه ، وأن منشأ الحكم بما ذكروه إنما هو هذه الوجوه الاعتبارية والتخريجات الفكرية التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، سيما مع ظهور الأدلة في خلافها ، فإن إطلاق أخبار الباب أظهر ظاهر في استحقاق الفدية والبينونة بعد حصول الكراهة ، وبذل المرأة لما بذلته ، سواء قالت اخلعني أو طلقني على كذا أو لم تقل ، وسواء قال هو خلعتك على كذا أو طلقتك على كذا أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى ، بل ولو لم يقل شيئا كما سمعته من كلام جميل في حديثه (١) ، وقوله للزوج «ما تقول رضيت بهذا الذي أخذت وتركتها؟ فقال : نعم ، فقال لهم جميل : قوموا».

فإنه جعل جواب الرجل عما سأله وقبوله لما ذكره هو الخلع كما هو ظاهر ، والرجل المذكور من أجلاء فقهاء الأصحاب المعاصرين للأئمة الأطياب ، وهو ظاهر في أنه لم يفهم من الأئمة صلوات الله عليهم في هذه المسألة أزيد من هذا ، فلو كان لهذه الشروط التي قرروها والاعتبارات التي اعتبروها أصل في الحكم لما أهملها وحكم بخلافها ، ولهذا لما سئل عن الاتباع بالطلاق الذي هو أحد القولين في المسألة وعليه دل بعض الأخبار نفاه عملا بتلك الأخبار الدالة على نفيه.

وبالجملة فإن جميع ما ذكروه في هذه الفروع إنما جروا فيه على هذه التعليلات الاعتبارية التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية سيما مع ظهور الأخبار في عدمها كما أوضحناه ، والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.

المقام الثاني في الفدية :

ومنه مسائل : الأولى : قد صرح الأصحاب بأن كلما يصح أن يكون مهرا يصح أن يكون فدية في الخلع ، وأنه لا تقدير له في جانب الكثرة ، وقد تقدم في بحث المهر أن كلما يملكه المسلم من عين أو دين أو منفعة يصح كونه مهرا إذا

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤١ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٠ ب ٣ ح ١.

٥٨٦

كان متمولا ، وحينئذ فيصح أن يكون فدية في الخلع ولا تتقدر الفدية في جانب الكثرة بما وصل إليها من المهر وغيره ، بخلاف عوض المبارأة فإنه لا يجوز أن يتجاوز به ما وصل إليها.

أقول : الظاهر أن المراد من قولهم «كلما صح أن يكون مهرا صح أن يكون فدية» إنما هو بيان أنه يجب أن يكون شيئا متمولا في الجملة عينا كان أو دينا أو منفعة ، قليلا كان أو كثيرا ، وأنه لا حد له بوجه من الوجوه ولا تقييد فيه بمادة من المواد بخلاف عوض المبارأة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ومن الأخبار المتعلقة بهذا المقام قوله عليه‌السلام في موثقة سماعة (١) «فإذا هي اختلعت فهي بائن ، وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه ، وليس له أن يأخذ من المبارأة كل الذي أعطاه». دلت هذه الرواية على الفرق بين المختلعة والمبارأة بما قدمنا ذكره ، وأنه لا يتقدر ما أخذه من فدية الخلع بقدر ، ولا يحد بحد.

وفي رواية زرارة (٢) «فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير».

وروى زرارة (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المبارأة يؤخذ منها دون الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما شاء أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر ، وإنما صارت المبارأة يؤخذ منها دون المهر والمختلعة يؤخذ منها ما شاء لأن المختلعة تعتدي في الكلام وتتكلم بما لا يحل لها» وفي جملة من أخبار الباب «حل له ما أخذ منها» ، وبالجملة فإن الحكم مما لا إشكال فيه بعد ما عرفت.

الثانية : قالوا : لا بد في الفدية من العلم به بالمشاهدة أو الوصف الرافع

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٠ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٩٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٤ ب ٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٩٨ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٥ ب ٤ ح ٥.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٤٢ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠١ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٣ ب ٤ ح ١.

٥٨٧

للجهالة ، وظاهرهم أنه يكفي العلم الجهلي بذلك بحيث يرتفع معظم الغرر ولا يجب الاستقصاء ، فإن كان حاضرا فلا بد من التعيين بالإشارة كهذا الثوب وهذا العبد وهذه الصبرة من الحنطة أو الوصف والقدر الذي يحصل به التعيين ، سواء كان عينا شخصية أو كلية.

وإن كان غائبا قال في الشرائع «لا بد من ذكر جنسه ووصفه وقدره» مع أنه اكتفى في الحاضر بالمشاهدة وإن لم يعلم مقداره أو وزنه أو كليه أو زرعه فقال بعد الكلام المذكور «ويكفي في الحاضر المشاهدة» وهذا هو المطابق لما تقدم ذكره في المهر ، وهم قد خرجوا على مجرى ما تقدم في باب المهر ، وعلى هذا فلو بذلت له ما في ذمته من المهر جاز وإن لم تعلم قدره ، لأن ذلك متعين في نفسه وإن لم يكن معلوما لها ، ويأتي على ما ذكره المحقق في الشرائع من أن الغائب لا بد من ذكر جنسه ووصفه وقدره عدم الصحة ، لأن هذا من قبيل الغائب الذي لا يصح الخلع إلا بعد معرفة مقداره ، وبهذا صرح في المسالك ، وبالأول صرح سبطه في شرح النافع ، ويتفرع على أصل المسألة واعتبار هذا الشرط ما لو خلعها على ألف وأطلق ولم يذكر المراد من تلك الألف جنسا ولا وصفا ولا قصدا ولا نية فإنه لا يصح الخلع لعدم التعيين المانع من حملها على بعض دون بعض ـ والجهالة.

ولو اتفقا على قصد معين بأن قصدت ألف درهم وقصد هو كذلك قال في المسالك : صح ولزمهما ما قصداه ، وإن لم يجز ذلك في غيره من المعاوضات كالبيع لأن المقصود أن يكون العوض معلوما عند المتعاقدين ، فإذا توافقا على شي‌ء بالنية كان كما لو توافقا بالنطق.

هذا هو الذي اختاره المصنف والعلامة ، وقبلهما الشيخ في المبسوط وهو الذي يقتضيه قوله «ولا قصد فسد الخلع» لأن مفهومه صحته مع قصده ، وسيأتي في مسائل النزاع ما ينبه عليه أيضا.

ثم قال : ويحتمل فساد الخلع بإهمال ذكر الجنس الوصف وإن كان قصداه

٥٨٨

كما لا يصح ذلك في غيره من عقود المعاوضات ، وعلى المشهور فلو قالت بذلت مالي في ذمتك أو ما عندي أو ما أعطيتني من الأسباب ونحو ذلك مع علمها بقدره ووصفه صح ، ولو وقع البيع على مثل ذلك لم يصح ، بل لا بد فيه من التلفظ بما يعتبر تعيينه من الجنس والوصف والقدر ، وهذا من الأمور المحتملة في هذا الباب من الغرر دون غيره من المعاوضات المحضة ، انتهى.

واعترضه سبطه هنا في شرح النافع فقال : وما ذكره من عدم صحة البيع على مثل ذلك غير واضح ، والمتجه الصحة في الموضعين.

أقول : لا يخفى أن روايات هذا الباب ومنها ما تقدم قريبا في سابق هذه المسألة مطلقة بالنسبة إلى الفدية لا تعرض في شي‌ء منها بتصريح ولا إشارة إلى ما ذكروه من اشتراط ما يشترط في البيع والمعاوضات في الخلع ، وغاية ما يفهم منها أن كلما تراضيا عليه من المال ونحوه صح به الخلع معلوما كان في نفسه أو مجهولا. نعم لا بد من أن يكون متفقا عليه بينهما معلوما لكل منهما ليقع الرضا به وأن لا يكون مما يتعقبه الخلاف والنزاع ، ففي بعض أخبار المسألة زيادة على ما تقدم «حل له أن يأخذ منها ما وجد» وفي آخر «فقد طاب له ما أخذ منها» وفي ثالث «حل له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها ، وكلما قدر عليه مما تعطيه من مالها» الحديث.

والجميع كما ترى ظاهر فيما قلناه واضح فيما ادعيناه ، فعلى هذا لا إشكال في صحة الخلع على الأشياء المشاهدة المشار إليها كهذا العبد وهذا الثوب وهذه الصبرة من الحنطة أو الشعير ونحو ذلك مما لم يعلم قدره بالجملة ، وكذا يجوز على ما في الذمة من مهر وغيره إذا تراضيا به معلوما كان مقداره أو مجهولا.

إلحاق

لو بذلت له مائة درهم أو مائة دينار ولم تكن حاضرة مشارا إليها انصرف ذلك إلى الرائج من نقد تلك البلد في ذلك الوقت إن اتحد ، وإن تعدد فإن كان

٥٨٩

ثمة نقد غالب حمل عليه ، لأن المعاملات تنزل على النقد الغالب ، والخلع مما يرجع إلى المال كسائر المعاملات ، ولا فرق في الغالب بين كونه ناقص الوزن عن الدراهم الشرعية أو زائدة ، ولا بين كونه مغشوشا أو خالصا ، ولو تعدد ولم يكن فيها غالب وجب التعيين وبطل الإطلاق كغيره من المعاوضات لاستحالة الترجيح من غير مرجح ، ولو كان هناك نقد غالب أو نقد متحد فعينا غيره وتراضيا عليه صح ، لأن المرجع في ذلك إليهما كما لو بذلت غير النقد ، كذا صرح به في المسالك ، وهو جيد لأن المرجع في البذل إلى ما تراضيا عليه ، وأن يكون معلوما على وجه لا يتطرق إليه النزاع بعد ذلك ، ولا يتحقق فيه الاختلاف بينهما.

الثالثة : لو وقع الخلع على ما لا يملكه المسلم كالخمر والخنزير وعلم الزوج بذلك فالظاهر أنه لا خلاف في بطلان الخلع ، لأن من شرط الفدية أن يكون مالا مملوكا للمرأة ، قالوا : لأنه عوض عن حق البضع فلا بد من صلاحيته للمعاوضة والأظهر الاستدلال بما تقدم في الأخبار من كونه من مالها كما تكاثرت الدلالة عليه ، وما عللوه به يكون وجها للنص.

إنما الخلاف في وقوعه طلاقا رجعيا وبه قال الشيخ في المبسوط لاشتماله على أمرين الطلاق والعوض ، فإذا بطل أحدهما بقي الآخر كما لو لو اختل أحد الشرائط.

وفصل المحقق (١) فقال : إن ما ذكره الشيخ حق إن اتبع بالطلاق ، وإلا كان البطلان أحق ، انتهى.

وتوضيحه على ما ذكره في المسالك : إنه مع الاقتصار على الخلع وعدمه الاتباع بالطلاق لا يتحقق صحة الطلاق مع فساد العوض لأن الخلع الذي يقوم

__________________

(١) أقول : وبما ذكره المحقق ـ قدس‌سره ـ هنا من التفصيل صرح العلامة ـ قدس‌سره ـ في القواعد ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٩٠

مقام الطلاق أو هو الطلاق ليس إلا اللفظ الدال على الإبانة بالعوض ، فبدونه لا يكون خلعا ، فلا يتحقق رفع الزوجية بائنا ولا رجعيا ، وإنما يتم إذا أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لا يلزم من فساد أحدهما فساد الآخر ، فيفسد حينئذ الخلع لفوات العوض ويبقى الطلاق المتعقب له رجعيا لبطلان العوض الموجب لكونه بائنا ، قال : وهذا أقوى.

أقول : وفيه أن ما اختاره هنا من صحة الطلاق رجعيا ينافي ما صرح به في غير موضع مما تقدم من أن العقد المشتمل على شرط فاسد يجب أن يكون باطلا ، لأن الواقع غير مقصود ، والعقود بالقصود ، وما قصد غير واقع ، فإنه آت في هذا المقام ، إذ القصد هنا إنما توجه إلى الخلع بهذا البذل والبينونة به ولم يتعلق بمجرد الطلاق الرجعي ، فالطلاق الرجعي غير مقصود ، والمقصود وهو البائن غير صحيح ولا واقع لعدم البذل ، فإن وجوده هنا كعدمه. ومن هنا ينقدح قول ثالث وهو البطلان مطلقا. هذا إذا كان عالما كما تقدمت الإشارة إليه.

أما لو كان جاهلا بعدم ماليته كما لو ظنه خلا فبان خمرا ، أو ظنه عبدا فظهر حرا ، فظاهر الأصحاب كما صرح به المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد هو صحة الخلع وكان له بقدر الخمر خلا كما لو أمهرها ذلك فظهر كونه كذلك.

وعلله في المسالك قال : لأن تراضيهما على المقدار من الجزئي المعين الذي يظنان كونه متمولا يقتضي الرضا بالكلي المنطبق عليه ، لأن الجزئي مستلزم له فالرضا به يستلزم الرضا بالكلي ، فإذا فات الجزئي لمانع عدم صلاحيته للملك بقي الكلي ولأنه أقرب إلى المعقود عليه.

ثم قال : ولم ينقلوا هنا قولا في فساده ولا في وجوب قيمته عند مستحليه كما ذكروه في المهر مع أن الاحتمال قائم فيه.

أما (الأول) فلفقد شرط صحته وهو كونه مملوكا والجهل به لا يقتضي الصحة ، كما لو تبين فقد شرط في بعض أركان العقد.

٥٩١

وأما (الثاني) فلأن قيمة الشي‌ء أقرب إليه عند تعذره ، ولأن المقصود من العين ماليته ، فمع تعذرها يصار إلى القيمة لأنه لا مثل له في شرع الإسلام ، فكان كتعذر المثل في المثلي حيث يجب ، فإنه ينتقل إلى قيمته ، ولو ظهر مستحقا لغيره فالحكم فيه مع العلم والجهل كما فصل ، انتهى.

أقول : والمسألة من أصلها غير خالية من شوب الاشكال لعدم النص الواضح في هذا المجال ، وبناء الأحكام الشرعية على هذه التعليلات العقلية وإن اشتهر بينهم ، إلا أنه محض مجازفة في أحكامه سبحانه التي استفاضت الآيات والروايات بالعلم فيها من الكتاب العزيز أو السنة المطهرة سيما مع تعارض التعليلات المذكورة وقد تقدم في بحث المهور نقل الخلاف في صحة العقد على هذه الأشياء وبطلانه وأنه على تقدير القول بالصحة فما الواجب عوض هذه الأشياء؟ على أقوال ثلاثة وليس لهم في هذه المقالة إلا مجرد العلل الاعتبارية ، فكل من ذهب منهم إلى قول علله بوجه اعتباري كما هنا ، والحكم عندي في الجميع مرجوع إلى صاحب الأمر صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، وإنما نقلت مثل ذلك هنا وفي غير هذه المواضع للوقوف على مذاهب الأصحاب واحتجاجاتهم في هذه الأبواب.

الرابعة : لا خلاف في صحة بذل الفدية من المرأة فإنه مورد الآية والأخبار ومثلها وكيلها الباذل لذلك من مالها لرجوع ذلك بالأخرة إليها ، ولدخوله تحت الآية ، أعني قوله «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» (١) وبذل وكيلها من مالها بإذنها في معنى بذلها.

وألحق في المسالك بالوكيل الضامن له بإذنها من ماله ليرجع به عليها ، قال بعد ذكر الوكيل : وكذا بذله ممن يضمن في ذمته بإذنها ، فيقول للزوج طلق زوجتك على مائة وعلي ضمانها ، والفرق بينه وبين الوكيل أن الوكيل يبذله من مالها بإذنها ، وهذا يبذل من ماله بإذنها ليرجع عليها بما يبذله بعد ذلك ، فهو في

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢٨.

٥٩٢

معنى الوكيل الذي يدفع العوض عن الموكل من ماله ليرجع إليه ، فدفعه له بمنزلة إقراضه لها ، وإن كان بصورة الضمان ، انتهى.

أقول : ويعتريني في هذه الصورة المذكورة إشكال من استفاضة الأخبار بكون البذل من مالها ، ففي موثقة سماعة المتقدمة «ويأخذ من مالها ما قدر عليه» وفي صحيحة عبد الله بن سنان المنقولة في تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم «فقد حل له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها ، وكلما قدر عليه مما تعطيه من مالها» الحديث.

وفي جملة من الأخبار «حل له ما أخذ منها» ونحو ذلك مما يدل صريحا على أن المأخوذ من مال الزوجة ، والقول بذلك في الوكيل إنما هو من حيث كون المدفوع من مالها بإذنها وإن اختلف الدافع.

أما في صورة الدفع من ماله وإن كان بقصد الرجوع عليها فإنه لا يدخل تحت هذه الأخبار إلا بنوع تكلف واعتبار ، والأصل بقاء الزوجية والعصمة فيها ومن الجائز أن يكون لمالها خصوصية في ذلك دون مال غيرها وإن رجع به عليها.

وبالجملة فالقول بذلك غير خال من وصمة الاشكال لخروجه عما صرحت به نصوص المسألة ، وكيف كان فالصورتان الأولتان مما لا خلاف فيهما ولا إشكال.

إنما الخلاف في صحته من المتبرع بالبذل من ماله ، بأن يقول للزوج : طلق امرأتك بمائه من مالي بحيث يكون عوضا للخلع ، والأشهر الأظهر العدم ، لأن الأصل بقاء النكاح حتى يعلم المزيل شرعا وليس فليس.

وأنت خبير بأنه لا فرق بين هذه الصورة والصورة الملحقة سابقا إلا في الرجوع بعد الدفع كما في الاولى وعدمه كما في الثانية ، وإلا فالبذل في كلتا الصورتين إنما هو من مال الباذل.

ورد هذه الصورة ـ بأصالة بقاء النكاح حتى يعلم المزيل ولم يعلم كون الدفع من مال الباذل مع عدم الرجوع به مزيلا للنكاح ، لعدم وجود ذلك في أدلة المسألة ـ جار أيضا في الصورة الملحقة ، فإن أصالة النكاح ثابتة ، والدفع من مال

٥٩٣

أجنبي غير رافع للنكاح وإن كان بنية الرجوع ، لما عرفت من اختصاص النصوص بكون المدفوع من مالها.

ومما يؤيد ما ذكرناه من عدم صحة هاتين الصورتين الأخبار الدالة على جواز رجوعها فيما بذلته ، وأن للزوج الرجوع فيها ، فإن ظاهرها اختصاص الرجوع بما بذلته ، وهي في هاتين الصورتين لم تبذل شيئا ، وإنما بذله ذلك الأجنبي ، غاية الأمر أن في إحداهما على وجه الرجوع وأنه يكون قرضا عليها ، وهذا لا يصدق به الرجوع فيما بذلته إلا بنوع من التأويل والتكلف البعيد.

ويؤيد ما ذكرناه أيضا ظاهر الآية ـ أعني قوله «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» ـ وهي في هاتين الصورتين لم تفتد بشي‌ء ، وإنما فداها الأجنبي وبموجب ظاهر الآية لا تحل الفدية للزوج لبقائه تحت الجناح بحيث إنها لم تفتد ، والجناح إنما ارتفعت عما افتدت به دون ما فداها الغير إلا بارتكاب التأويلات البعيدة والتكلفات الغير السديدة.

وبالجملة فالحكم المذكور غير خال عندي من الاشكال ، وذكر جملة من الأصحاب أن المخالف في هذه المسألة من أصحابنا غير معلوم على التعيين ، إلا أنه مذهب جمهور الجمهور ، وربما علل بأن البذل افتداء ، وهو جائز من الأجنبي كما تقع الجعالة منه على الفعل لغيره وإن كان طلاقا.

ورد بأن البذل المتنازع في صحة ما اقتضى جعل الطلاق معه خلعا لتترتب عليه أحكامه المخصوصة لا مجرد بذل المال في مقابلة الفعل على وجه الجعالة ، كأن يقول : طلق زوجتك وعلي ألف من مالي مثلا ، فإن الفرض هنا صحة وقوع الطلاق ، ولا مانع من صحته ولا من صحة الجعالة عليه ، لكن لا يشترط هنا في إجابته المقارنة لسؤاله ولا الفورية ، ويكون الطلاق رجعيا من هذه الجهة ، انتهى وهو جيد. وكيف كان فضعف القول المذكور أظهر من أن يخفى.

قيل : ولو قلنا بصحة الخلع الواقع مع بذل الأجنبي فهل للأجنبي أن يرجع

٥٩٤

بالبذل ما دامت في العدة؟ يحتمل ذلك كما في بذل الزوجة ، ويحتمل قويا عدم جواز الرجوع هنا مطلقا ، اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين وهو رجوع الزوجة فيما بذلته خاصة.

أقول : وحيث علم أن أصل القول المذكور لا وجه له ولا دليل عليه ، فالتفريع عليه مما لا وجه له ولا سبيل إليه.

وفي هذا المقام جملة من الفروع ذكرها الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أعرضنا عن ذكرها لعدم النصوص الدالة عليها وعدم الاعتماد عندنا على هذه التعليلات الاعتبارية ، فذكرها مجرد تطويل بغير طائل فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها في مطولات الأصحاب ، والله العالم (١).

المقام الثالث في الشرائط :

وهي إما أن تتعلق بالخالع أو المختلعة أو تكون خارجة عنهما ، فهنا مواضع ثلاثة :

الأول : ما يتعلق بالخالع ، ويشترط فيه البلوغ وكما العقل والاختيار والقصد ، والوجه في ذلك أن الخلع طلاق كما تقدمت الإشارة إليه ، فيشترط في الخالع ما يشترط في المطلق ، وقد تقدم تحقيق القول في هذه الشروط في كتاب الطلاق فلا وجه لإعادة الكلام فيها.

قالوا : ولو خالع ولي الطفل ، فإن جعلنا الخلع طلاقا أو مفتقرا إلى أن يتبع بالطلاق لم يصح مطلقا لما تقدم من أنه ليس للولي أن يطلق عن الصبي وإن وجد مصلحة ، وإن جعلناه فسخا كما هو القول الآخر صح ، وروعي في صحته المصلحة ، لأنه حينئذ بمنزلة المعاوضة عنه وهي جائزة مع المصلحة ، فلا فرق حينئذ بين خلعه بمهر المثل أو أقل ، لأن المصلحة هي المسوغة للفعل.

الثاني : ما يتعلق بالمختلعة ، ويشترط فيها مع الدخول بها أن تكون في

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٣ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٧ ب ٦ ح ٣.

٥٩٥

طهر لم يقربها فيه إذا كان زوجها حاضرا وكان مثلها تحيض ، وأن تكون الكراهة منها خاصة.

أما (الأول) فلما تقدم تحقيقه في كتاب الطلاق ، لأن الخلع طلاق كما عرفت ، وقد تقدم اشتراط ذلك فيه موضحا فيشترط هنا أيضا ، ويرجع في توضيحه إلى ما تقدم ، قالوا : ويشترط فيه ذلك وإن قلنا بكونه فسخا لدلالة الأخبار على أنه لا يكون خلع إلا على طهر.

أقول : والتحقيق أن ذكر هذا القول ـ أعني القول بكون الخلع فسخا ـ لا وجه له في هذه المواضع ولا التفريع عليه لما تقدم من بيان ضعفه ، وظهور الأخبار الصحاح الصراح في رده وتصريح الأخبار هنا باشتراط كون الخلع على طهر إنما خرج بناء على تلك الأخبار الدالة على كونه طلاقا لا فسخا.

ومن الأخبار الدالة على اشتراط كونه على طهر ما رواه الكليني (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا طلاق ولا خلع ولا مباراة ولا خيار إلا على طهر من غير جماع».

وما رواه الكليني (٢) أيضا في الصحيح عن محمد بن إسماعيل قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تبارئ زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه؟ فقال : إذا كان ذلك على ما ذكرت فنعم».

وما رواه في التهذيب (٣) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تبارئ زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع ، هل تبين منه بذلك؟ أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق. فقال : تبين منه» الحديث. وقد تقدم في الأخبار الدالة على أن الخلع لا يتبع بالطلاق وما رواه

في الكافي (٤) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سألت

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٣ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٧ ب ٦ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٤٣ ح ٧.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٩٨ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٢ ب ٣ ح ٩.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٤٣ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٦ ب ٦ ح ١.

٥٩٦

أبا عبد الله عليه‌السلام : هل يكون خلع أو مباراة إلا بطهر؟ فقال : لا يكون إلا بطهر».

وما رواه في التهذيب (١) عن محمد بن مسلم وأبي بصير في الموثق «قالا : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا اختلاع إلا على طهر من غير جماع».

وعن زرارة ومحمد بن مسلم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الخلع تطليقة بائنة وليس فيه رجعة ، قال زرارة : لا يكون إلا على مثل موضع الطلاق ، إما طاهرا وإما حاملا بشهود».

وعن ابن رئاب (٣) قال : «سمعت حمران يروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا يكون خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع» الحديث ، وسيأتي تمامه قريبا إن شاء الله تعالى.

وأما (الثاني) وهو كون الكراهة منها خاصة فلما استفاض في الأخبار من أنها لا تختلع حتى تقول تلك الأقوال المحرمة الدالة على كمال كراهتها ونفرتها من زوجها.

ومنها زيادة على ما تقدم ما رواه في الكافي والفقيه (٤) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المختلعة لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها : والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولا أغتسل لك من جنابة ، ولأوطئن فراشك من تكرهه ولآذنن عليك بغير إذنك ، وقد كان الناس يرخصون فيما دون هذا ، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حل له ما أخذ منها ، وكانت عنده على تطليقتين باقيتين ، وكان الخلع تطليقة ، وقال : يكون الكلام من عندها».

__________________

(١ و ٢ و ٣) التهذيب ج ٨ ص ١٠٠ ح ١٥ و ١٧ و ١٣، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٧ ب ٦ ح ٥ و ٦ و ٤.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٣٩ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٩٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٧ ب ١ ح ٣ وما في الفقيه والوسائل اختلاف يسير.

٥٩٧

وما رواه في الكافي (١) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن المختلعة فقال : لا يحل لزوجها أن يختلعها حتى تقول : لا أبر لك قسما ولا أقيم حدود الله فيك ولا أغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك ولأدخلن بيتك من تكره من غير أن تعلم هذا ولا يتكلمونهم ، وتكون هي التي تقول ذلك ، فإذا هي اختلعت فهي بائن وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه» الحديث.

وما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المختلعة التي تقول زوجها : اخلعني وأنا أعطيك ما أخذت منك ، فقال :

لا يحل له أن يأخذ منها شيئا حتى تقول : والله لا أبر لك قسما ولا أطيع لك أمرا ولآذنن في بيتك بغير إذنك ولأوطئن فراشك غيرك ، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها ، وكانت تطليقة بغير طلاق يتبعها ، وكانت بائنا بذلك ، وكان خاطبا من الخطاب».

إلى غير ذلك من الأخبار الجارية على هذا المنوال في اشتراط مشروعية الخلع بأمثال هذه الأقوال ، وهو في غاية الاشكال والإعضال.

وبظاهر هذه الأخبار وما دلت عليه من هذا الاشتراط أفتى الشيخ وغيره من المتقدمين حتى قال ابن إدريس في كتابه : إن إجماع أصحابنا منعقد على أنه لا يجوز الخلع إلا بعد أن يسمع منها ما لا يحل ذكره من قولها : لا أغتسل لك من جنابة ولا أقيم لك حدودا ولأوطئن فراشك من تكرهه ، ويعلم ذلك فعلا ، انتهى.

ويشكل ذلك بما لو لم تنته الكراهة إلى هذا المقدار ، فإنه بموجب هذه

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٠ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٩٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٨ ب ١ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٤٠ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٩٥ ح ٣ ، وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٨ ب ١ ح ٤.

٥٩٨

الأخبار لا يجوز خلعها ، بل أن الذي شاهدناه من مشايخنا (١) بل هو ظاهر متأخري أصحابنا هو الاكتفاء بما هو دون هذه المرتبة. (٢)

ويشكل أيضا بما لو لم تقل أمثال هذه الأقوال ، فإن النصوص على كثرتها متفقة على أنه لا يحل أخذ شي‌ء منها ، ولا يصلح خلعها حتى تقول ذلك ، حتى أنها دلت على أنه لا بد أن تكون تلك الأقوال منها دون أن يعلمها غيرها ، والمفهوم من كلام متأخري الأصحاب عدم اشتراط ذلك لأنهم جعلوا مناط الخلع حصول الكراهة منها ، ولم يشترط أحد منهم الإتيان بهذه الأقوال بالفعل ، بل كلما دل على الكراهة من لفظ أو فعل أو نحو ذلك فهو كاف في صحة الخلع وترتيب أحكامه عليه.

ولم أقف على من تنبيه لهذين الإشكالين في المقام إلا السيد السند في شرح النافع ، فإنه تنبه للإشكال الأول منهما ، فقال بعد نقل كلام ابن إدريس المذكور : وعلى هذا فيشكل وقوع الخلع في كثير الموارد إذا لم يعلم وصول الكراهة من الزوجة إلى هذا الحد. انتهى ، وقد غفل عن الإشكال الثاني مع أنه أشد وأعضل ، فإن كثيرا من النساء وإن كرهن كراهة تامة إلا أنهن لا يهتدين إلى هذه الأقوال ولا أمثالها ، والنصوص كما ترى ظاهرة في اشتراطها وكذا ظاهر كلام ابن إدريس.

__________________

(١) حيث انهم قد صرحوا بأنه لو منعها شيئا من حقوقها الواجبة كالقسمة والنفقة فبذلت له مالا ليخلع صح خلعها ، وان فعل محرما الا أنه منفك عن الخلع ، وكذا لو أغارها وتزوج عليها فبذلت له مالا للخلع منه فإنه يصح خلعها ، ومن المعلوم أن الكراهة الحاصلة بهذه الأمور لا تبلغ الى تلك المرتبة المذكورة في الاخبار كما هو ظاهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) قال بعض مشايخنا ـ رضوان الله عليهم ـ : أى كان عمل فقهاء الصحابة والتابعين الرخصة في الخلع أو في الأخذ منها زائدا على ما أعطيت بأقل من هذا النشوز وهذه الأقوال ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٩٩

وبالجملة فالمسألة عندي غير خالية من شوب الاشكال ، وحيث قد عرفت أن الخلع طلاق كما دلت عليه النصوص المتقدمة وإن لم يتبع بالطلاق ، فاللازم من ذلك هو لحوق أحكام الطلاق له ، وقد تقدم في كتاب الطلاق جواز طلاق الحامل في الدم إن قلنا بأنها تحيض ، وكذا طلاق التي لم يدخل بها وإن كانت في الحيض وكذا اليائسة وإن وطأها في طهر المخلعة ، وحينئذ يصح خلع هؤلاء الثلاث في المواضع الثلاثة كما يصح طلاقهن ، ونقل عن بعض أصحابنا أنه حكم بعدم جواز خلع الحامل إن قلنا إنها تحيض إلا في طهر آخر غير طهر المواقعة بخلاف الطلاق.

قال في شرح النافع بعد نقل هذا القول : وهو مجهول القائل والمأخذ ، أقول : وضعفه ظاهر مما قدمناه.

الثالث : ما هو خارج عن الأولين ، ومنه الاشهاد ، فيتبعه في صحة الخلع حضور شاهدين عدلين ، وقد تقدم في الأخبار قريبا ما يدل عليه.

ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ (١) عن علي بن رئاب قال : «سمعت حمران يروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا يكون خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من غير جماع وبشاهدين يعرفان الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير وإقرار المرأة على أنها على طهر من غير جماع يوم خيرها ، قال : فقال محمد بن مسلم : أصلحك الله ما إقرار المرأة ها هنا؟ قال : قال : يشهد الشاهدان عليها بذلك للرجل حذرا أن تأتي بعد فتدعي أنه خيرها ، وهي طامث فيشهدان عليها بما سمعا منها وإنما يقع عليها الطلاق إذا اختارت نفسها قبل أن تقوم. وأما الخلع والمبارأة فإنه يلزمها إذا أشهدت على نفسها بالرضا فيما بينها وبين زوجها بما يفترقان عليه في ذلك المجلس ، فإذا افترقا على شي‌ء ورضيا به كان ذلك جائزا عليهما ، وكانت تطليقة بائنة لا رجعة له عليها سمي طلاقا أو لم يسم ، ولا ميراث بينهما في

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٩٩ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩٧ ب ٦ ح ٤ وفيه اختلاف يسير.

٦٠٠