الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

هذه جملة ما وقفت عليه من أخبار المسألة ، وكلها متفقة الدلالة واضحة المقالة على وجوب عدة الحرة من الطلاق على الأمة إذا أعتقها سيدها ، وقد جعلوا عليهم‌السلام العتق في هذه الحال مثل طلاق الحرة في وجوب العدة المذكورة.

وأما المدبرة فيدل عليها صحيح داود البرقي صريحا وصدر رواية أبي بصير حملا.

إلحاق

المشهور من غير خلاف يعرف أنه لو مات زوج الأمة ثم أعتقت أتمت عدة الحرة تغليبا لجانب الحرية ، ذكره الشيخ ومن تأخر عنه.

قال في المسالك : وتوجيهه أنها بعد العتق مأمورة بإكمال عدة الوفاة ، وقد صارت حرة فلا تكون مخاطبة بحكم الأمة فيجب عليها إكمال عدة الحرة نظرا إلى حالها حين الخطاب ، ولا تنظر إلى ابتداء الخطاب بالعدة فإنها كل يوم مخاطبة بحكمها ، وهو معنى قوله «تغليبا لجانب الحرية» ، انتهى.

أقول : قد عرفت في غير موضع مما قدمنا أن مثل هذه التعليلات العقلية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه

الصدوق (١) في الصحيح عن جميل وهشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في أمة طلقت ثم أعتقت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد بثلاث حيض ، فإن مات عنها زوجها ثم أعتقت قبل أن تنقضي فإن عدتها أربعة أشهر وعشرا».

وحينئذ فما ذكره من التوجيه يصلح لأن يكون وجها للنص المذكور وبيان الحكمة فيه ، ويعضده ما دل عليه صدر الخبر وتقدم أيضا في غيره في المسألة الثانية من أنه لو أعتقت وهي في عدة الطلاق لحقها حكم الحرة والاعتداد بعدتها ، وبذلك يظهر صحة الحكم المذكور وأنه لا إشكال فيه.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٢ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٢ ب ٥٠ ح ١ وفيهما اختلاف يسير.

٥٢١

المسألة السابعة : في جملة من المواضع التي ذكر الأصحاب فيها سقوط الاستبراء زيادة على ما قدمناه في كتاب البيع وكتاب النكاح.

(منها) لو كاتب جارية فإنه يحرم عليه وطؤها ، لأن الكتابة تقتضي نقلها عن ملكه وإن كان متزلزلا ، سواء قيل بأن الكتابة بيع للمملوك من نفسه أم عتق بشرط ، وحينئذ فلو فسخت الكتابة لعجزها لم يلزمها الاستبراء لما تقرر من أن الغرض من الاستبراء الفرق بين الماءين المحترمين محافظة على الأنساب ، والماءان هنا من واحد. وقد تقدم في كتاب النكاح له نظائر وردت بها النصوص ، ولأنه لا يحل لها التزويج بغيره زمن الكتابة كما سيأتي إن شاء الله في محله.

(ومنها) ما لو حرمت على السيد بارتداده أو ارتدادها ثم أسلمت أو أسلم هو فإنه لا يجب الاستبراء لما عرفت من عدم تعدد الماء ، وهو الموجب للاستبراء ، ولا بد من تقييد ارتداده بكونه عن ملة ليمكن عود ملكها إليه بعوده إلى الإسلام والمرتد الفطري يجب قتله عندنا ، وتبين منه زوجته ، وتقسم أمواله وإن قلنا بقبول توبته فيما بينه وبين الله سبحانه إلا أنها لا يوجب سقوط هذه الحقوق المذكورة فلا يمكن عودها إليه ، وهو ظاهر.

(ومنها) ما لو زوج المولى أمته ثم طلقها الزوج بعد الدخول فإنها لا تحل للمولى إلا بعد الاعتداد من الزوج كما صرحت به الأخبار عموما وخصوصا ، إلا أنه تكفي العدة هنا عن الاستبراء فيدخل الأقل تحت الأكثر. أما لو طلقها الزوج قبل الدخول فإنه لا عدة ولا استبراء لعدم حصول الموجب سواء كان المولى أو غيره.

(ومنها) ما لو اشترى مشركة أو مرتدة فمرت بها حيضة في تلك الحال التي هي عليها ثم أسلمت فإنه لا يجب استبراء ثان ، واعتد بما وقع حال الكفر لحصول الغرض المقصود منه ، وكذا لو استبرأها وهي محرمة عليه بسبب الإحرام فأحل ، والوجه في ذلك أنه لا يشترط في صحة الاستبراء كون الأمة محللة للمولى لو لا الاستبراء ، بل يكتفي به وإن كانت محرمة عليه بسبب آخر لحصول الغرض منه

٥٢٢

وهو عدم اختلاف الماءين ، وحينئذ فإذا زال ذلك السبب المحرم الموجود حال الاستبراء حلت للمولى بالاستبراء السابق.

المقام التاسع : (١) في اللواحق ، وفيه مسائل :

الأولى : قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة ، وهي أن تفعل ما يجب به الحد فيخرج لإقامته ، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله ، ويحرم عليها الخروج ما لم تضطر ، ولو اضطرت إلى الخروج خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر.

أقول : تحقيق الحال في تفصيل هذا الإجمال أن يقال : الظاهر أنه لا خلاف نصا وفتوى في وجوب السكنى للمطلقة الرجعية كما تجب لها النفقة ، والأصل في ذلك قوله عزوجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» ، (٢) والأخبار المتكاثرة ومنها :

ما رواه في الكافي (٣) في الصحيح عن سعد بن أبي خلف قال : «سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن شي‌ء من الطلاق فقال : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها وتعتد حيث شاءت ولا نفقة لها ، قال : فقلت : أليس الله عزوجل يقول (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ)؟ قال : فقال : إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك التي لا تخرج ، ولا تخرج حتى تطلق الثالثة ، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها».

__________________

(١) والصحيح هو المقام الثامن.

(٢) سورة الطلاق ـ آية ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٩٠ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٦ ب ٢٠ ح ١ وفيهما اختلاف يسير.

٥٢٣

وعن إسحاق بن عمار (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن المطلقة أين تعتد؟ قال : في بيت زوجها.

وما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام «في المطلقة أين تعتد؟ فقال : في بيتها إذا كان طلاقا له عليها رجعة ليس له أن يخرجها ، ولا لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها».

وما رواه في الكافي (٣) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن المطلقة أين تعتد؟ قال : في بيتها لا تخرج ، وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل ولا تخرج نهارا ، وليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها» الحديث.

وعن محمد بن قيس (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال المطلقة تعتد في بيتها ولا ينبغي لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها ، وعدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إلا أن تكون تحيض».

وعن الحلبي (٥) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض».

وعن أبي الصباح الكناني (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تعتد المطلقة في بيتها ولا ينبغي لزوجها إخراجها ولا تخرج هي».

أقول : إضافة البيت في هذه الأخبار إليها وقع تبعا للآية ، والمراد به بيت الزوج أضيف إليها للملابسة بالسكنى قبل الطلاق. وقد اتفق الأصحاب أيضا على أنه يحرم عليه إخراجها إلا أن تأتي بفاحشة كما صرحت به الآية ، وأنه كما

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٦ ص ٩١ ح ٨ و ٩، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٤ ب ١٨ ح ٤ و ٦.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٩٠ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٥ ب ١٩ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٩٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٢ ب ١٢ ح ٢.

(٥ و ٦) الكافي ج ٦ ص ٨٩ و ٩١ ح ١ و ٦، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٤ ب ١٨ ح ١ و ٥.

٥٢٤

يحرم عليه إخراجها يحرم عليها هي الخروج أيضا ، لكن اختلفوا في أن تحريم الخروج عليها هل هو مطلقا وإن اتفقا عليه بأن أرادت الخروج ورضي الزوج بذلك؟ أو يختص بعدم رضا الزوج ، فلو أجاز وأذن لها جاز؟ ظاهر المشهور الأول لإطلاق الآية والأخبار ، ودلالتهما على تحريم الفردين المذكورين.

قال في المسالك تفريعا على ذلك : فلو اتفقا على الخروج منعهما الحاكم الشرعي لأن فيه حقا لله تعالى كما أن في العدة حقا له تعالى ، بخلاف السكنى المستحقة بالنكاح ، فإن حقها مختص بالزوجين.

وقيل بتقييد التحريم بعدم الاتفاق ، فلو أذن لها في الخروج فخرجت جاز ، نقله في المسالك عن جماعة من الأصحاب منهم أبو الصلاح والعلامة في التحرير. ويدل عليه ما تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته ، فإنها ظاهرة في جواز الخروج مع إذنه. وعلى هذا فيخص بها إطلاق الآية والأخبار المذكورة ، قال في المسالك : والأجود التحريم مطلقا عملا بظاهر الآية.

وفيه أن الرواية المذكورة معتبرة الإسناد عندهم إذ حسنها على تقدير عدها من الحسن إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لروايته ، منهم كما صرح به غير واحد ، فالواجب تخصيص إطلاق الآية بها ، وهم قد جروا على هذه القاعدة في غير موضع ، ولهذا مال سبطه في شرح النافع إلى ما ذكرناه فقال : والعمل بهذه الرواية متجه وإن كان المنع مطلقا أحوط ، وهو جيد.

وأما الفاحشة المذكورة في الآية الموجبة لإخراجها فقد اختلف فيها (فقيل) هي الزنا ، والمعنى إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن. (وقيل) مطلق الذنب وأدناه أن تؤذي أهله. (وقيل) المعنى أن خروج المرأة قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه أي لا يطلق في الخروج الذي هو فاحشة ، وقد علمنا أنه لا يطلق لهن في الفاحشة فيكون ذلك منعا لهن عن الخروج عن أبلغ وجه.

٥٢٥

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما رواه في الكافي (١) عن محمد بن علي بن جعفر قال : «سأل المأمون الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قال : يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي أهل زوجها ، فإذا فعلت ذلك فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل».

وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه (٢) عن الرضا عليه‌السلام «في قوله عزوجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قال : أذاها لأهل الرجل وسوء خلقها».

وما رواه في الفقيه (٣) مرسلا قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» قال : إلا أن تزني فتخرج ويقام عليها الحد».

وفي كتاب مجمع البيان للطبرسي (٤) قيل : هو البذاء على أهلها فيحل لهم إخراجها ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام.

وروى علي بن أسباط (٥) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها وتسبهم».

وما رواه في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (٦) بسنده فيه عن سعد بن عبد الله القمي قال : «قلت لصاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه : أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته ، فقال عليه‌السلام : الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا ، فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٦ ص ٩٧ ح ٢ و ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٩ ب ٢٣ ح ٢ و ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٢ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٠ ب ٢٣ ح ٣.

(٤ و ٥) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٠٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٠ ب ٢٣ ح ٥ و ٦.

(٦) إكمال الدين ص ٢٥٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٠ ب ٢٣ ح ٤.

٥٢٦

الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم أخزى ، ومن قد أمر الله برجمه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه».

وأكثر هذه الأخبار على تفسير الفاحشة بالأذى لأهل زوجها ، ومرسلة الفقيه فسرتها بالزنا ، ورواية إكمال الدين بالسحق ، وبذلك يظهر أن ما ذكره الأصحاب من التفسير بمطلق الذنب وأن أدناه أن تؤذي أهله لا أعرف له وجها لأن الروايات صريحة في التخصيص بأذى أهله ، وليس في شي‌ء منها إشارة إلى مطلق الذنب ، وكذلك ما ذكره بعضهم من التفسير بمطلق ما يوجب الحد وجعل من جملته الزنا فإنه لا وجه له لاختصاص المرسلة التي هي مستند ذلك بالزنا ، فالتعدية إلى مطلق ما يوجب الحد على هذا القول وكذا التعدية إلى مطلق الذنب على القول الآخر لا معنى له.

بقي الإشكال في رواية سعد بن عبد الله المروية عن صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه ، فإنها قد تضمنت تفسيرها بالسحق دون الزنا ، وحملها في الوسائل على أن السحق أعظم أفراد الفاحشة المبينة جمعا بينه وبين ما مضى ويأتي.

أقول : كيف يتم هذا الحمل مع نفيه الزنا بمعنى أن الفاحشة في الآية لم يرد بها الزنا لقوله «السحق دون الزنا» والقدر المحكوم به في هذه الروايات هو التفسير بأذى أهله ، وفيما عداه من الزنا والسحق إشكال لتصادم الروايتين المذكورتين.

والظاهر أنه لو لم ينفق عليها جاز لها الخروج لاكتساب المعيشة ، ويدل عليه ما رواه في الفقيه (١) قال : «كتب الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام في امرأة طلقها زوجها ولم يجر عليها النفقة للعدة وهي محتاجة ، هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة؟ فوقع عليه‌السلام : لا بأس بذلك إذا علم الله

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦١ ب ٣٤ ح ١ ونقله المصنف ـ رحمه‌الله ـ بالمعنى.

٥٢٧

الصحة منها».

قال في المسالك : وتحريم إخراجها وخروجها مشروط بحالة الاختيار ، فلو اضطرت إلى الخروج جاز ، ووجب كونه بعد انتصاف الليل وتعود قبل الفجر على ما ذكره المصنف وجماعة ، وهو في موقوفة سماعة ـ ثم ساق الرواية المذكورة كما قدمنا ذكره ثم قال : ـ وإنما يعتبر ذلك حيث تتأدى الضرورة به ، وإلا جاز الخروج مقدار ما تتأدى الضرورة به من غير تقييد بالليل ، انتهى وهو جيد.

ويدل على الحكم الآخر ما ذكرناه من صحيحة الصفار ، والظاهر أنه لم يقف عليها ، وإلا لنقلها دليلا لما ذكره.

قالوا : ولا يلزم ذلك في البائن والمتوفى عنها زوجها بل تبيت كل منهما حيث شاءت.

أقول : ويدل على البائن صحيحة سعد بن أبي خلف (١) المتقدمة ، وأما المتوفى عنها زوجها فاستدل السيد السند في شرح النافع عليها بروايتي معاوية ابن عمار وسليمان بن خالد (٢) الدالتين على إخراج أمير المؤمنين عليه‌السلام أم كلثوم من منزل عمر لما مات ، وقد تقدمتا في عدة الوفاة ، قال : وقد ورد في بعض الروايات أن المتوفى عنها زوجها لا تبيت في غير بيتها ويجب حملها على الكراهة جمعا بين الأدلة.

وفيه أنا قد بينا في عدة الوفاة أنه لا منافة بين الوجوب البينونة في المنزل وجواز الخروج من منزل إلى منزل بمعنى أنه لا يجب على مرأة الاعتداد في منزل الزوج خاصة كالمطلقة بل لها أن تخرج إلى منزل أهلها فتعتد فيه أو منزل آخر ولو تعددت المنازل ، لكن متى جلست واستقرت في ذلك المنزل لزمها حكم الاعتداد ، ومن جملته عدم الخروج إلا للضرورة أو قضاء الحقوق كما دلت عليه الروايات

__________________

(١) الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٦ ب ٢٠ ح ١.

(٢) الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٨ و ٤٥٧ ب ٣٢ ح ٣ و ١.

٥٢٨

المتقدمة ثمة ، فلا منافاة ولا ضرورة إلى حمل تلك الأخبار على الكراهة ، فإن ظاهر جملة منها مزيد التأكيد في ذلك الدال على التحريم كأخبار إنكار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النساء ، وأنهن كن في الجاهلية يلتزمن ذلك.

وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار أن هذا من أحكام الحداد الذي لا خلاف في وجوبه عليها ، وحينئذ فيحرم عليها المبيت في غير بيتها كما يحرم عليها الزينة ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف في أن المطلقة الرجعية زمن العدة تستحق النفقة والكسوة والمسكن لأنها زوجته مسلمة كانت أو ذمية.

قالوا : أما الأمة فإن أرسلها مولاها ليلا ونهارا فلها النفقة والسكنى لوجود التمكين التام ، ولو منعها ليلا أو نهارا فلا نفقة لعدم التمكين وأنه لا نفقة للبائن ولا سكنى إلا أن تكون حاملا ، فلها ذلك حتى تضع.

أقول : ومن الأخبار المتعلقة بهذه المسألة صحيحة سعد بن أبي خلف المتقدمة في سابق هذه المسألة.

وما رواه في الكافي والفقيه (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة ولا سكنى على زوجها إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة».

أقول : قوله «ولا سكنى» ليس في الكافي بل في الفقيه خاصة.

وما رواه في الكافي (٢) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى ونفقة؟ قال : لا».

وعن أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المطلقة ثلاثا إلها سكنى

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٢ ب ٨ ح ٢ وما في الوسائل والكافي هكذا «المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها».

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٣ ب ٨ ح ٥ وفيهما «أو نفقة».

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٣ ب ٨ ح ٦ وفيهما «ونفقة».

٥٢٩

أو نفقة؟ قال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا».

وعن سماعة (١) في الموثق قال : «قلت : المطلقة لها سكنى ونفقة؟ فقال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا نفقة».

وما رواه في التهذيب (٢) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المطلقة ثلاثا إلها النفقة والسكنى؟ قال : أحبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا».

وعن ابن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المطلقة ثلاثا على العدة إلها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم». وهذا الخبر حمله الشيخ على الاستحباب قال : ويحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة حاملا.

وما رواه في الكافي (٤) عن محمد بن قيس في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الحامل أجلها أن تضع حملها ، وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها».

ورواية عبد الله بن سنان (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته وهي حبلى ، قال : أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها حتى تضع».

ورواية أبي الصباح الكناني (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها» الحديث.

وصحيحة الحلبي أو حسنته (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الحبلى المطلقة ينفق عليها زوجها حتى تضع حملها» الحديث.

والرواية الاولى من هذه الروايات ونحوها صحيحة سعد بن أبي خلف قد

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٢ ب ٨ ح ٣ وفيهما «المطلقة ثلاثا».

(٢ و ٣) التهذيب ج ٨ ص ١٣٣ ح ٦١ و ٦٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٣ ب ٨ ح ٧ و ٨.

(٤ و ٥ و ٦) الكافي ج ٦ ص ١٠٣ ح ١ و ٤ و ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٠ ب ٧ ح ٣ و ١ و ٢.

(٧) الكافي ج ٦ ص ١٠٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣١ ب ٧ ح ٤ وكلمة «زوجها» غير موجودة فيهما.

٥٣٠

تضمنت حكم المطلقة الرجعية الحامل ، وأن لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة. والروايات الأخيرة وهي صحيحة محمد بن قيس وما بعدها قد تضمنت حكم المطلقة الرجعية الحامل وأن لها النفقة والسكنى حتى تضع حملها. وباقي الروايات تضمنت حكم المطلقة البائن حاملا كانت أو حائلا ، وأن الحائل لا نفقة لها ولا سكنى ، وأما الحامل فلها النفقة والسكنى ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام بما لا يحوم حوله نقض ولا إبرام في المسألة الثانية من المقصد الخامس في النفقات من الفصل الخامس فيما يلحق بالنكاح وهو آخر كتاب النكاح. (١)

قالوا : وشرط وجوب النفقة والسكنى للمطلقة رجعيا اجتماع الشرائط المعتبرة فيها حال الزوجية من الصلاحية للاستمتاع وتسليم نفسها وغيره ، لأن المطلقة رجعيا تبقى بحكم الزوجة ، فيعتبر فيما يجب لها ما يعتبر في الزوجة ، فلو كانت صغيرة لا تتحمل الجماع لم تستحق النفقة في العدة كما لا تستحقها في النكاح ، وكذا لو طلقها وهي ناشزة لم تستحق السكنى والنفقة في العدة كما لا تستحقها في صلب النكاح ، وكذا لو نشزت في العدة ولو بالخروج عن مسكنها بغير إذنه تسقط نفقتها وسكناها ، ولو عادت إلى الطاعة عاد الاستحقاق.

أقول : وما ذكروه وإن لم يرد به نص بالخصوص إلا أنه الأوفق بالقواعد الشرعية لترتب ذلك على بقاء الزوجية ، إلا أن عد الصغيرة منها لا يخلو من شي‌ء فإنها لا عدة عليها بعد الطلاق لعدم الدخول بها.

بقي هنا شي‌ء لم يتقدم ذكره ، وهو أنه لا ريب أن العدة تجب مع وطء الشبهة إجماعا نصا وفتوى ، وهل تثبت النفقة لها لو كانت حاملا؟ وجهان ، بل قولان مبنيان على أن النفقة على الحامل هل هي لها أو للحمل؟ فقال الشيخ : هي للحمل وحينئذ فتجب ، وإن كانت الحامل غير مطلقة إذا كان الولد ملحقا بالواطئ كما هو محل البحث ، فإن نفقة ولده واجبة عليه ، وإن لم تكن امه زوجته.

__________________

(١) راجع ص ١٠٨ من هذا الجزء.

٥٣١

وأما على القول بأنها للحامل فلا ، لأن الموطوءة بالشبهة ليست زوجة يجب الإنفاق عليها ، كذا قيل.

وفيه أن القائل بكونها للحامل يقول بأنها لأجل الحمل ، لا أنها لها مطلقا حتى يعلل نفيها بأنها ليست زوجة على أنه قد تقدم في الموضع المشار إليه أن المسألة موضع إشكال ، لعدم النص الواضح في هذا المجال.

وظاهر المحقق في الشرائع الاستشكال في هذه المسألة ـ أعني مسألة وجوب النفقة للموطوءة بالشبهة بناء على كونها للحمل من وجه آخر ـ ومنشأ الاشكال مما تقدم من أنها بناء على القول المذكور لولده الواجب النفقة عليه ، ومن إمكان أن يقال : إن وجوب نفقة البائن على خلاف الأصل فيقتصر فيها على مورد النص ، وهو المطلقة الحامل فلا يتعدى إلى غيرها.

وبالجملة فالتمسك بأصالة العدم أقوى مستمسك حتى يقوم دليل على الوجوب والتمسك في ذلك بما ذكر مع كون تلك المسألة كما عرفت غير خالية من الاشكال مما لا يمكن الاعتماد عليه في هذه الحال.

وقد علم مما تقدم ـ وهو المشهور في كلام الأصحاب وعليه دل ما تقدم من الأخبار ـ أن نفقة المعتدة. مختصة بالرجعية والبائن إذا كانت حاملا.

وأما المتوفى عنها زوجها ، فإن كانت حائلا فلا نفقة لها إجماعا ، وإن كانت حاملا فلا نفقة لها أيضا في مال المتوفى عنها إجماعا ، وإنما الخلاف في أنه يجب لها النفقة في نصيب الولد أم لا؟ فظاهر المشهور بين المتقدمين الأول ، والمشهور بين المتأخرين الثاني ، وقد تقدم تحقيق الكلام في المسألة منقحا في الموضع المتقدم ذكره.

المسألة الثالثة : قد صرح الأصحاب بأنه لو تزوجت في العدة لم يصح ولم تنقطع عدة الأول ، فإن لم يدخل فهي في عدة الأول ، وإن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك ، حملت أو لم تحمل ، ولو كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول لأنها أسبق ، واستأنفت أخرى للثاني على أشهر الروايتين.

٥٣٢

أقول : أما عدم صحة العقد عليها في العدة بائنة كانت أو رجعية فهو مما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، علم بالحكم أو لم يعلم ، وقد تقدمت الأخبار المتضافرة بذلك في كتاب النكاح.

وأما عدم انقطاع عدة الأول فظاهر لعدم القاطع لها ، ومجرد العقد عليها لا أثر له في ذلك لفساده وكونه في حكم العدم.

وأما أنه إذا وطأها الثاني ودخل بها بعد العقد عالما بالتحريم فالحكم كذلك. يعني أنه لا عدة ، فعلل بأنه زان ولا حرمة لمائه ، فتكفي بإكمال العدة الأولى سواء كانت عدة طلاق أم عدة وفاة أم غيرهما ، وهو مبني على ما هو المشهور بينهم ، بل ربما ادعي عليه الإجماع من أنه لا عدة على الزانية لا من ماء الزاني ولا غيره ، مع أنا قد قدمنا في غير موضع (١) ورود الأخبار بالعدة في هذا الموضع وهو مذهب ابن الجنيد أيضا ، وحينئذ فالأظهر عدم الاكتفاء بإكمال العدة الأولى كما ذكروه.

وأما أنه لو كان جاهلا ولم تحمل فإنها تتم عدة الأول ثم تستأنف أخرى للثاني فالوجه في ذلك أن الدخول بها جاهلا يصير النكاح وطء شبهة ، وهو نكاح صحيح موجب للعدة.

وأما عدم تداخل العدتين فعلل بأنه الأصل ، وأنهما حقان مقصودان كالدين ، وأسنده هنا إلى أشهر الروايتين ، وأراد بهما الجنس لتعدد الروايات من الطرفين.

فمما يدل على التعدد كما هو المشهور صحيحة الحلبي أو حسنته (٢) بإبراهيم

__________________

(١) منها ما في هذا الكتاب في أول الفصل الثالث في العدد وقبله في كتاب النكاح في الإلحاق المشتمل على جملة من أحكام الزنا من المقام الثاني في الزنا من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٦ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٦ ب ١٧ ح ٦.

٥٣٣

ابن هاشم عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قيل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشرا. فقال : إن كان دخل بها فرق بينهما ثم لم تحل له أبدا واعتدت بما بقي عليها للأول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الأول وهو خاطب من الخطاب».

وموثقة محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها ، قال : إن كان دخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا واعتدت بما بقي عليها من الأول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما وأتمت عدتها من الأول وكان خاطبا من الخطاب».

ورواية علي بن بشير النبال (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيها «وإن فعلت ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد وفرق بينهما ، وتعتد بما بقي من عدتها للأولى ، وتعتد بعد ذلك عدة كاملة».

ومما يدل على الاتحاد صحيحة زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».

وعن أبي العباس (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا».

وعن جميل عن بعض أصحابه (٥) عن أحدهما عليهما‌السلام «في المرأة تزوج في عدتها ، قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا» الخبر.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٧ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٤ ب ١٧ ح ٢ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٩ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٩ ب ١٧ ح ١٨ وفيهما اختلاف يسير.

(٣ و ٤ و ٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٨ ح ٣٦ و ٣٨ و ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٧ ب ١٧ ح ١١ و ١٢ و ١٤.

٥٣٤

ورواية زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها ، قال : تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة وليس للآخر أن يتزوجها أبدا».

والظاهر من نسبة الرواية إلى الشهرة أن المراد بها الشهرة في الفتوى ، فإن المشهور هو التعدد كما عرفت ، وإلا فالشهرة في الرواية إنما هي في جانب الروايات الدالة على الاتحاد.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ في كتابي الأخبار أجاب عن روايتي زرارة وأبي العباس الدالتين على الاتحاد بالحمل على ما إذا لم يكن الثاني دخل بها ، وهو كما ترى غفلة عجيبة ، فإنهما قد صرحتا بأنها تعتد منهما جميعا عدة واحدة ، وكيف تعتد وهي غير مدخول بها.

وجملة من المتأخرين كالسيد السند في شرح النافع حملوا أخبار التعدد على الاستحباب ، والأظهر عندي حملها على التقية التي في اختلاف الأحكام أصل كل بلية.

وتدل على ذلك رواية زرارة (٢) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها وفارقها الآخر ، كم تعتد للناس؟ فقال : ثلاثة قروء ، إنما يستبرء رحمها بثلاثة قروء وتحل للناس كلهم. قال زرارة : وذلك أن أناسا قالوا تعتد عدتين من كل واحد عدة ، فأبى ذلك أبو جعفر عليه‌السلام وقال : تعتد ثلاثة قروء وتحل للرجال».

ورواية يونس عن بعض أصحابه (٣) «في امرأة نعي إليها زوجها فتزوجت ثم

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٨ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤١ ب ١٦ ح ٢ وفيهما اختلاف يسير.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٥٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٨ ب ٣٨ ح ١ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٥١ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٨ ب ٣٨ ح ٢ وفيهما «ثم قدم زوجها الأول».

٥٣٥

قدم الزوج الأول فطلقها وطلقها الآخر ، قال : فقال إبراهيم النخعي : عليها أن تعتد عدتين. فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال : عليها عدة واحدة».

ومن هذين الخبرين يعلم أن الاتحاد مذهب العامة فيجب حمل أخباره على التقية بلا إشكال. وقد تقدم هذا التحقيق في كتاب النكاح أيضا ونحوه في موضع آخر بعده أيضا.

هذا فيما لو كان جاهلا ولم تحمل ، وأما لو حملت فيأتي ـ بناء على وجوب تعدد العدة وعدم التداخل ـ التفصيل بأنه إن كان ثمة ما يدل على أنه للأول بأن وطئت للشبهة بعد الحمل اعتدت للأول أولا بوضعه ، ثم تعتد للثاني بالأقراء ، وإلا بالأشهر وإن كان الحمل للثاني ويعلم بوضعه لما زاد عن أكثر الحمل من وطء الأول (١) ولما بينه وبين الأول من وطء الثاني اعتدت بوضعه للثاني وأكملت عدة الأول بعد ذلك ، فإن كانت رجعية كان له الرجوع في زمن الإكمال دون زمان الحمل على الأشهر.

وربما قيل بجواز الرجوع في زمن الحمل أيضا لأنها لم تخرج بعد من عدته الرجعية ، لكن لا يجوز الوطء إلى أن تخرج من عدة الشبهة ، ولو فرض انتفاء الحمل عنهما بأن ولدته لأكثر من عدة الحمل من وطء الأول ولأقل من ستة أشهر من وطء الثاني لم يعتبر زمان الحمل من العدة ، وأكملت الأولى بعد الوضع بالأقراء أو الأشهر على حسبها ، ثم اعتدت بعدها للأخير كذلك.

ولو احتمل أن يكون منهما كما لو ولدته فيما بين أقل الحمل وأقصاه بالنسبة إليهما انقضت إحدى العدتين بوضعه على كل حال واعتدت بعد ذلك للآخر ، ثم إن الحق بالأول استأنفت عدة كاملة للثاني بعد الوضع ، وإن الحق بالثاني أكملت عدة الأول ، كما لو كان الحمل للثاني ابتداء.

__________________

(١) بأن تضعه لعشرة مثلا من وطء الأول ، والحال أن أقصى الحمل تسعة أشهر كما هو الأشهر الأظهر ، فإنه لا يمكن حينئذ إلحاق الولد بالأول ، أو تضعه لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ، بمعنى أنه إذا اعتبر بوطء الثاني كان لستة أشهر من وطئه ، وان اعتبر بوطء الأول لأقل من ستة أشهر من وطئه فإنه يجب الحكم به للثاني إذ لا يكون الولد حيا لأقل من ستة أشهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٣٦

بقي الكلام في أنه في هذه الصورة التي يحتمل كونه منهما بمن يلحق منهما؟ قولان :

(أحدهما) للشيخ وهو أنه يقرع بينهما لأنها صارت فراشا لكل منهما في وقت إمكان حمله فأشكل أمره ، والقرعة لكل أمر مشكل ، ولا فرق في ذلك بين أن يتداعياه أم لا.

(وثانيهما) وعليه الأكثر أنه يلحق بالثاني لأنها فراش له بالفعل وفراش الأول قد انقضى ، وصاحب الفراش الثابت بالفعل حال الحمل أولى لقوله عليه‌السلام «الولد للفراش» وقد تقدم تحقيق القول في هذا الحكم وذكر الروايات الدالة على القول المشهور في كتاب النكاح. (١)

المسألة الرابعة : لا إشكال ولا خلاف في أن زوجة الحاضر تعتد من الطلاق من حين وقوعه ، ومن الوفاة من حين وقوعها ، وأما لو كان الزوج غائبا فالأشهر الأظهر أنها تعتد من الطلاق من حينه ، ومن الوفاة من يوم بلوغ الخبر ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتكاثرة.

ومنها بالنسبة إلى الطلاق ما رواه ثقة الإسلام (٢) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : إذا طلق الرجل وهو غائب فليشهد على ذلك ، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدتها».

وعن الحلبي (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب عنها ، من أي يوم تعتد؟ فقال : إن قامت لها بينة عدل أنها طلقت في يوم معلوم وتيقنت فلتعتد من يوم طلقت ، وإن لم تحفظ في أي يوم وفي أي شهر فلتعتد من يوم يبلغها».

وعن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية (٤) كلهم عن أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح أو الحسن «أنه قال في الغائب إذا طلق امرأته فإنها تعتد من اليوم

__________________

(١) تقدم ذلك في المقصد الرابع في أحكام أولاد من الفصل الخامس فيما يلحق بالنكاح. (منه ـ قدس‌سره ـ). راجع ص ١٣ من هذا الجزء.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١١ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٣ ب ٢٦ ح ١.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ١١٠ ح ١ و ٢، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٤ ب ٢٦ ح ٢ و ٣.

٥٣٧

الذي طلقها».

وعلى هذا النهج رواية زرارة (١) ورواية أخرى له (٢) أيضا ورواية أبي الصباح الكناني (٣).

وما رواه

في كتاب قرب الاسناد (٤) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام في الصحيح قال : «سأله صفوان بن يحيى وأنا حاضر عن رجل طلق امرأته وهو غائب فمضت أشهر ، فقال : إذا قامت البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا وكانت عدتها قد انقضت فقد حلت للأزواج ، قال : فالمتوفى عنها زوجها؟ قال : هذه ليست مثل تلك ، هذه تعتد من يوم يبلغها الخبر ، لأن عليها أن تحد».

وتدل على ذلك الأخبار الدالة على أنها إذا لم تعلم بالطلاق إلا بعد انقضاء العدة فلا عدة عليها ، ومنها رواية قرب الاسناد المذكورة.

وما رواه الشيخ في التهذيب (٥) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل المرأة وهو غائب ولم تعلم إلا بعد ذلك بسنة أو أكثر أو أقل فإذا علمت تزوجت ولم تعتد» الحديث.

وما رواه الكليني (٦) في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام «قال في المطلقة إذا قامت البينة أنه قد طلقها منذ كذا وكذا فكانت عدتها قد انقضت فقد بانت».

وعن أبي بصير (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه عن سئل عن المطلقة يطلقها زوجها فلا

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١١١ ح ٣ و ٧ و ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٤ ب ٢٦ ح ٤ و ٥ و ٦.

(٤) قرب الاسناد ص ١٥٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٥ ب ٢٦ ح ٧.

(٥) التهذيب ج ٨ ص ١٦٤ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٥ ب ٢٧ ح ١ وفيهما اختلاف يسير.

(٦) الكافي ج ٦ ص ١١١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٥ ب ٢٧ ح ٢.

(٧) الكافي ج ٦ ص ١١١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٦ ب ٢٧ ح ٣.

٥٣٨

تعلم إلا بعد سنة ، فقال : إن جاء شاهد اعدل فلا تعتد ، وإلا فلتعتد من يوم يبلغها».

وأما بالنسبة إلى الوفاة فيدل على ذلك ما تقدم في صحيحة البزنطي المروية في قرب الاسناد.

وما رواه ثقة الإسلام (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل يموت وتحته امرأة وهو غائب ، قال : تعتد من يوم يبلغها وفاته».

وعن أبي الصباح الكناني (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «التي يموت عنها زوجها وهو غائب فعدتها من يوم يبلغها إن قامت لها البينة أو لم».

وعن زرارة ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال في الغائب عنها زوجها إذا توفي ، قال : المتوفى عنها زوجها تعتد من يوم يأتيها الخبر لأنها تحد عليه».

وعن ابن أبي نصر (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «المتوفى عنها زوجها تعتد من يوم يبلغها لأنها تريد أن تحد عليه».

وعن الحسن بن زياد (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «في المرأة إذا بلغها نعي زوجها تعتد من يوم يبلغها ، إنما تريد أن تحد له».

وعن رفاعة (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتوفى عنها زوجها وهو غائب متى تعتد؟ قال : يوم يبلغها» الخبر.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٦ ب ٢٨ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٦ ب ٢٨ ح ٢ وفيهما «ان قامت البينة أو لم تقم».

(٣) الكافي ج ٦ ص ١١٢ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٦ ب ٢٨ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٣ ح ٧ ، التهذيب ج ٨ ص ١٦٣ ح ١٦٤ وفيهما «تعتد حين يبلغها» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٧ ب ٢٨ ح ٤.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١١٢ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٧ ب ٢٨ ح ٥.

(٦) الكافي ج ٦ ص ١١٢ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٧ ب ٢٨ ح ٦.

٥٣٩

وما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في حديث قال : المتوفى عنها زوجها وهو غائب تعتد من يوم يبلغها وإن كان قد مات قبل ذلك بسنة أو سنتين».

وعن محمد بن مسلم (٢) أيضا في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته وهو غائب عنها فليشهد على ذلك ، وإذا مضى ثلاثة أشهر فقد انقضت عدتها ، والمتوفى عنها تعتد إذا بلغها».

وما رواه الصدوق في الفقيه (٣) بإسناده في قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام «في حديث قال : والمطلقة تعتد من يوم طلقها زوجها والمتوفى عنها تعتد من يوم يبلغها الخبر ، إن هذه تحد وهذه لا تحد».

وما رواه في العلل (٤) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن الرضا عليه‌السلام «في المطلقة إن قامت البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا ، وكانت عدتها قد انقضت فقد بانت منه ، والمتوفى عنها زوجها تعتد حين يبلغها الخبر لأنها تريد أن تحد له».

قال في المسالك بعد إيراد بعض الأخبار المذكورة المتضمنة للتعليل بالحداد ما لفظه : وفيه إشارة إلى الفرق بينهما ، فإن المتوفى عنها عليها الحداد ، وهو لا يحصل قبل بلوغ الخبر ، بخلاف المطلقة المقصود منها براءة الرحم ، وهو يحصل بمضي المدة علمت بالحال أم لم تعلم. ويشكل الحكم على هذا التعليل في الأمة حيث لا يوجب عليها الحداد ، وأن مقتضاه مساواتها للمطلقة لعدم المقتضي لجعل

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٦٤ ح ١٦٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٨ ب ٢٨ ح ٨ وفيهما «ولو كان قد مات».

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٦١ ح ١١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٨ ب ٢٨ ح ١١ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٩ ب ٢٨ ح ١٣ وفيهما اختلاف يسير.

(٤) علل الشرائع ص ٥٠٩ ط النجف الأشرف ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٩ ب ٢٨ ح ١٤.

٥٤٠