الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

الموضع المشار إليه آنفا. إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذا المقام يقع في مسائل :

الأولى : لا خلاف بين الأصحاب في أن عدة الأمة قرءان ، وإنما الخلاف كما تقدم ذكره في أن القرء عبارة عن الطهر أو الحيض ، وقد عرفت أن الأشهر الأظهر هو الأول ، وأن الأخبار الدالة على الثاني محمولة على التقية ، لكن ذلك بالنسبة إلى الأخبار المختلفة في عدة الزوجة الحرة.

وأما الأمة فإن الذي حضرني من الأخبار المتعلقة بها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «عدة الأمة حيضتان ، وقال : إذا لم تكن تحيض فنصف عدة الحرة».

وعن سليمان بن خالد (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ قال : حيضتان أو شهران» الحديث. (٣).

وعن زرارة (٤) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها؟ وكم عدتها؟ قال : السنة في النساء في الطلاق ، فإن كانت حرة فطلاقها ثلاثا وعدتها ثلاثة أقراء ، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قرءان».

وعن محمد بن قيس (٥) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : طلاق العبد للأمة تطليقتان وأجلها حيضتان إن كانت تحض ، وإن كانت لا تحيض

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٠ ب ٤٠ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٧٠ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٣ ح ١٢٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٠ ب ٤٠ ح ٤.

(٣) أقول تمام هذه الرواية سيأتي في مسألة عدة الذمية (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٦٧ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٤ ح ٦٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٩ ب ٤٠ ح ١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١٦٩ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٩ ب ٤٠ ح ٢.

٥٠١

فأجلها شهر ونصف».

وما رواه في الكافي والتهذيب (١) في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في رواية تتضمن عدة الذمية قال : «عدتها عدة الأمة حيضتان».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٢) عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان فإن كانت قد قعدت عن المحيض فعدتها شهر ونصف».

وأنت خبير بأن هذه الأخبار كلها متفقة الدلالة على أن عدتها حيضتان وليس الباب ما ينافيها.

والأصحاب بناء على ما ذكروه في عدة الحرة من اختيار تفسير القرء بالطهر جروا عليه في هذا المكان ، مع أن الفرق ظاهر لأن الأخبار بما ذكروه في عدة الحرة متضافرة متكاثرة ، مستفيضة صريحة ، وما عارضها يقصر عن معارضتها مع ظهور حمله على التقية.

وأما أخبار عدة الأمة فهي التي نقلناها كما عرفت وهي متفقة على الحيضتين ومن ثم مال إلى العمل بهذه الأخبار السيد السند في شرح النافع فقال ـ بعد أن ذكر أنه قد تقدم أن القرء هو الطهر ، وأن ذلك هو الأظهر للأخبار الدالة عليه ـ ما لفظه : لكن ورد في الأمة أخبار معتبرة الإسناد دالة على أنه الحيض هنا ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن قيس ، ثم قال : وليس لهذه الروايات معارض فيتجه العمل بها. انتهى ، وتبعه في ذلك في الكفاية.

والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل تأول هذه

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧٤ ضمن ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٧٨ ح ١٢٦ وفيه «فما عدتها ان أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال : ان أسلمت بعد ما طلقها كانت عدتها عدة المسلمة» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٧ ب ٤٥ ضمن ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٣٥ ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٠ ب ٤٠ ح ٥.

٥٠٢

الأخبار بناء على ما هو المشهور من أن القرء بمعنى الطهر مطلقا في عدة الحرة أو الأمة فقال : أقول : المراد من الحيضتين أنه لا بد من دخول الحيضة الثانية ليتم الطهران وإن لم يتم الحيض الثاني لما مر ، أو محمول على التقية أو الاستحباب أو على عدم جواز تمكين الزوج الثاني في الحيض الثاني.

وفيه أن ارتكاب التأويل الذي هو خلاف الظاهر فرع وجود المعارض ولا معارض هنا ، ووجوده في عدة الحرة لا يستلزم حمل أخبار الأمة عليه ، وما المانع من اختلاف العدتين في ذلك إذا اقتضته الأدلة. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها يقتضي العمل بأخبار الحيضتين.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن في المقام فوائد يحسن التنبيه عليها :

الاولى : من القواعد المستفادة من النصوص والمقررة في كلام الأصحاب أن كل عدد يؤثر فيه الرق نقصانا يكون الرقيق فيه على النصف مما عليه الحر كالحدود وعدد المنكوحات والقسم بين الزوجات والعدة بالأشهر من الطلاق ، أو الوفاة في إحدى الروايتين ، وإنما خرجت العدة بالأقراء عن هذا الضابط وكذلك الطلاق ، فإن الأمة تعتد بقرءين مع أن الحرة تعتد بثلاثة أقراء وتحرم بتطليقتين وتحرم الحرة بالثلاث لأن القرء كالطلاق لا يتبعض ليمكن أخذ نصفه ، فوجب الإكمال فيهما ببلوغ الاثنين.

أما الطلاق فظاهر ، وأما القرء فلأنه عبارة عن الطهر ، والطهر بين الدمين إنما يظهر نصفه إذا ظهر كله بعود الدم ، فلا بد من الانتظار بعود الدم ، والاعتماد في ذلك كله على ما دلت عليه النصوص ، وهذه الوجوه صالحة لبيان الحكم فيها.

الثانية : لا فرق في هذه العدة بين القن والمدبرة والمكاتبة وأم الولد إذا زوجها مولاها فطلقها الزوج ، كل ذلك لإطلاق النصوص. وكذا لا فرق بين كونها تحت حر أو عبد كما يستفاد من صحيحة زرارة المتقدمة ، وفي معناها روايات أخر تقدمت ، ولو وطئت بشبهة كالنكاح الفاسد ونحوه اعتدت بقرءين كما في الطلاق عن النكاح الصحيح ، ولو كانت الأمة المطلقة حاملا فعدتها وضع الحمل إجماعا.

٥٠٣

قال في التحرير : ويدل عليه عموم «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (١) قيل (٢) ولو ادعت الحمل فالأظهر وجوب التربص بها سنة كالحرة ، لأن الحمل لا يتفاوت فيه الحال بين الحرة والأمة ، وفي الروايات بإطلاقها دلالة عليه ، وهو جيد.

قال في المسالك : والمبعضة كالحرة عندنا تغليبا لجانب الحرية ، وظاهره دعوى الإجماع عليه ، ولم أقف فيه على نص.

الثالثة : قيل : بناء على أن القرء بمعنى الطهر إن أقل أزمان تنقضي به العدة ثلاثة عشر يوما ولحظتان ، وذلك بأن يأتيها الدم بعد طلاقها بلحظة ثم تحيض ثلاثا ثم تطهر عشرة ثم ترى الدم الثاني لحظة ، وهذه اللحظة دالة على انقضاء العدة ثم تطهر ، وهذه اللحظة الأخيرة في الحقيقة إنما هي دليل على انقضاء العدة ، فالعدة حقيقة إنما هي ثلاثة عشر يوما ولحظة حسبما تقدم في عدة الحرة.

قيل : ويمكن انقضاؤها بأقل من ذلك كما إذا طلقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ، ثم رأت دم النفاس لحظة وانقطع ، ثم مضت عشرة وهي طاهرة ، وجاءها دم الحيض ، وبرؤيته تنقضي عدتها ، وحينئذ فالعدة عشرة أيام ولحظتان.

الرابعة : لو لم تحض بالكلية أو كانت مسترابة فعدتها شهر ونصف كما تقدم في رواية محمد بن الفضيل ، وفي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة أيضا إذا لم تحض فنصف عدة الحرة.

وروى في التهذيب (٣) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق الأمة فقال : تطليقتان ـ إلى أن قال : ـ وعدة الأمة المطلقة شهر ونصف».

وعن سماعة (٤) في الموثق قال : «سألته عن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها

__________________

(١) سورة الطلاق ـ آية ٤.

(٢) القائل هو السيد السند ـ قدس‌سره ـ في شرح النافع. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٣ و ٤) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٢ و ١٣٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ب ٤٢ ح ٦ و ٧.

٥٠٤

فقال : عدتها شهران وخمسة أيام. وقال : عدة الأمة التي لا تحيض خمسة وأربعون يوما».

وما رواه في الفقيه (١) بطريقه إلى سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة الأمة التي لا تحيض خمسة وأربعون ليلة ، يعني إذا طلقت».

وما رواه في التهذيب (٢) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام ، وعدة المطلقة التي لا تحيض شهر ونصف».

والحكم مما لا خلاف فيه ، وهذه الأخبار مثل عبارات الأصحاب قد تضمن بعضها التعبير شهر ونصف والبعض الآخر بخمسة وأربعين يوما مطلقا.

وفصل في المسالك تفصيلا حسنا بأنه إن قارن الطلاق الهلال اكتفي بالشهر الهلالي تم أم نقص ثم أكملته بخمسة عشر يوما ، وإن طلقها في أثناء الشهر فالعدة خمسة وأربعون يوما ، وقد تقدم الكلام في المقارنة في عدة الحرة.

المسألة الثانية : إذا أعتقت الأمة ثم طلقت فإنه يلزمها الاعتداد بعدة الحرة ولو أعتقت بعد الطلاق في العدة فإن كان الطلاق رجعيا فكالأول ، وإن كانت بائنا أتمت عدة الأمة.

أما (الأول) فظاهر لأنها بالعتق قد صارت حرة فيتعلق بها ما يتعلق بالحرة من الأحكام التي من جملتها ما نحن فيه ، ومما يستأنس به لذلك الأخبار المتكاثرة الدالة على أن عدتها من عتق سيدها لها متى أرادت التزويج بغير السيد عدة الحرة من الطلاق.

ومنها ما رواه في التهذيب (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٥١ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧١ ب ٤٠ ح ٧.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ب ٤٢ ح ٨ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢١٤ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٢ ب ١٣ ح ٢ وفيهما اختلاف يسير.

٥٠٥

أعتق رجل جارية ثم أراد أن يتزوجها مكانه فلا بأس ولا تعتد من مائه ، وإن أرادت أن تتزوج من غيره فلها مثل عدة الحرة».

وما رواه في الكافي (١) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل أعتق وليدته وهو حر ، وقد كان يطؤها ، فقال : عدتها مثل عدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء».

وعن الحلبي (٢) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل تكون تحته السرية فيعتقها ، فقال : لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي عدتها ثلاثة أشهر».

إلى غير ذلك من الأخبار ، والتقريب فيها أنه متى وجب عليها العدة لعتق السيد الموجب لحريتها فطلاق الأجنبي لها في هذه الحال أولى. وبالجملة فالحكم مما لا خلاف فيه ولا إشكال يعتريه.

وأما (الثاني) فوجهه الجمع بين ما دل على وجوب عدة الطلاق في هذه الصورة وهو ما رواه في الفقيه (٣) في الصحيح عن ابن أبي عمير عن جميل وهشام بن سالم جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في أمة طلقت ثم أعتقت قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد بثلاث حيض ، فإن مات زوجها ثم أعتقت قبل أن تنقضي عدتها فإن عدتها أربعة أشهر وعشرا».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٤) في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في أمة كانت تحت رجل فطلقها ثم أعتقت ، قال : تعتد عدة الحرة».

وبين ما دل على وجوب عدة الأمة ، وهو ما رواه في الفقيه والتهذيب (٥)

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧٢ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٥ ب ٤٣ ح ٦ وفيهما «وهو حي» مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٧١ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٤ ب ٤٣ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٢ ح ١٤ وفيه «عن جميل عن هشام» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٢ ب ٥٠ ح ١ وفيهما «فان مات عنها زوجها».

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٣٥ ح ٦٨ وفيه «في الأمة» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٣ ب ٥٠ ح ٣.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٣٥١ ح ٨ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٥ ح ٦٩. الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٣ ب ٥٠ ح ٤ وما في المصادر اختلاف يسير.

٥٠٦

في الصحيح عن القاسم بن بريد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا طلق الحر المملوكة فاعتدت بعض عدتها عنه ثم أعتقت فإنها تعتد عدة المملوكة».

وسند هذا الجمع المذكور ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز عن مهزم وهو مجهول عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في أمة تحت حر ـ طلقها على طهر بغير جماع تطليقة ، ثم أعتقت بعد ما طلقها بثلاثين يوما ، فقال : إذا أعتقت قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الحرة من اليوم الذي طلقها ، وله عليها الرجعة قبل انقضاء العدة ، فإن طلقها تطليقتين واحدة بعد واحدة ثم أعتقت قبل عدتها فلا رجعة له عليها ، وعدتها عدة الأمة».

المسألة الثالثة : المشهور بين الأصحاب بل قيل إنه موضع وفاق أن عدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة ، وفي الشرائع نسب الحكم بكونها عدة الأمة إلى رواية شاذة. ونقل في المسالك عن العلامة أنه نقل عن بعض الأصحاب القول بما دلت عليه هذه الرواية ، قال : ولم يعلم قائله.

والذي حضرني من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام الكافي والشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها ، هل عليها عدة منه مثل عدة المسلمة؟ فقال : لا ، لأن أهل الكتاب مماليك الإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى مواليه ، قال : ومن أسلم منهم فهو حر تطرح عنه الجزية ، قلت : فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال : عدتها عدة الأمة حيضتان أو خمسة وأربعون يوما قبل أن تسلم ، قال : قلت له : فإن أسلمت بعد ما طلقها؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٣٥ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٢ ب ٥٠ ح ٢ وفيهما «ولم تنقض عدتها ، فقال : إذا أعتقت قبل.».

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٧٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٧٨ ح ١٢٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٧ ب ٤٥ ح ١ وما في المصادر اختلاف يسير.

٥٠٧

إذا أسلمت بعد ما طلقها فإن عدتها عدة المسلمة ، قلت : فإن مات عنها وهي نصرانية وهو نصراني فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها؟ قال : لا يتزوجها المسلم حتى تعتد من النصراني أربعة أشهر وعشرا عدة المسلمة المتوفى عنها زوجها ، قلت له : كيف جعلت عدتها إذا طلقها عدة الأمة ، وجعلت عدتها إذا مات عنها عدة الحرة المسلمة ، وأنت تذكر أنهم مماليك الامام؟ فقال : ليس عدتها في الطلاق مثل عدتها إذا توفي عنها زوجها ـ وزاد في الكافي ـ ثم قال : إن الأمة والحرة كلتاهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة ، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد».

وعن يعقوب السراج (١) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نصرانية مات عنها زوجها وهو نصراني ، ما عدتها؟ قال : عدة الحرة المسلمة أربعة أشهر وعشرا».

وأنت خبير بأن الروايتين قد اشتركتا في الدلالة على عدة الوفاة ، وأنها عدة الحرة المسلمة ، وأما عدة الطلاق فلم يتعرض في الرواية الثانية بالمرة.

والرواية الأولى قد دلت صريحا على أنها عدة الأمة ، وهذه الرواية هي التي نسبها في الشرائع إلى الشذوذ ، مع أنه لا معارض لها إلا. عموم الأدلة من الكتاب والسنة المتضمنة لاعتداد المطلقة بثلاثة قروء ، أعم من أن تكون مسلمة أو ذمية ، وتخصيص هذه العمومات بالصحيحة المذكورة غير عزيز مثله في الأحكام كما نبهنا عليه في غير موضع مما تقدم في الكتاب (٢) وقد جروا على هذه القاعدة في أحكام عديدة ، وحينئذ لم يبق ما يتراءى من ظاهر اتفاقهم على الحكم المذكور كما عرفت ، وهو مما لا يلتفت إليه في مقابلة الأدلة وطرح الرواية

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٨ ب ٤٥ ح ٢.

(٢) منها في كتاب النكاح في الفصل الأول في العقد في مسألة التمتع بالأمة إذا كانت لامرأته بدون اذنها ، ونبهنا في كتاب الوصايا في المطلب الثاني في الموصى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٠٨

المذكورة وصحتها وصراحتها ، وإمكان تخصيص عموم تلك الأدلة بها غير معقول ولا مقبول.

وبالجملة فالمسألة لما عرفت غير خالية من شوب الاشكال ، وبذلك صرح أيضا السيد السند في شرح النافع فقال : والمسألة محل تردد ، ولا ريب أن اعتدادها عدة المسلمة طريق الاحتياط ، وهو جيد.

قال في المسالك : وحملت الرواية على أنها مملوكة إذ لم ينص على أنها حرة.

أقول فيه : إن ظاهر قوله عليه‌السلام في تعليل نفي عدة المسلمة عنها «لأن أهل الكتاب مماليك الامام» هو كونها حرة كما لا يخفى على ذي الذوق السليم والفهم القويم. وإن الظاهر أن مراده عليه‌السلام أن وجوب عدة الأمة عليها وإن كانت حرة وعدة الحرة ثلاثة قروء أن أهل الكتاب كملا لما كانوا مماليك الامام لحقها عدة المملوكة من هذه الجهة ، ولو كانت مملوكة بالمعنى الذي ذكره لم يظهر لهذا التعليل وجه بالكلية ، بل كان الأنسب التعليل بكونها مملوكة كما ادعاه ، وبالجملة فإنه حمل بعيد بل غير سديد.

ثم إنه قال في المسالك : واعلم أن فائدة إلحاقها بالأمة في الطلاق واضحة ، وأما في الوفاة فلا تظهر إلا على تقدير كون عدة الأمة فيها على نصف عدة الحرة ، وسيأتي الخلاف فيه ، انتهى.

المسألة الرابعة : اختلف الأصحاب لاختلاف الأخبار في عدة الأمة المتوفى عنها زوجها بأن زوجها المولى رجلا فمات عنها ، مع اتفاقهم على أنها في الطلاق على نصف عدة الحرة.

فقيل بأنها على النصف من عدة الحرة شهران وخمسة أيام ، وهو قول الشيخ المفيد وتلميذه سلار وأبي الصلاح وابن أبي عقيل من المتقدمين ، وقد صرحوا بأنه لا فرق في كونها صغيرة أو كبيرة مدخولا بها أم لا ، وظاهرهم أيضا أنها أعم

٥٠٩

من أن تكون أم ولد أم لا.

وقيل بأنها عدة الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام ، وهو قول الصدوق في المقنع وابن إدريس. قال في المقنع : عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام ، وروي أن عدتها شهران وخمسة أيام. وظاهر كلامه إطلاق الحكم المذكور وأنه لا فرق بين الأفراد المتقدم. وقال ابن إدريس : يجب عليها بوفاة زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت أم ولد لمولاها أم لا. وقد رجع شيخنا في التبيان كما قاله في النهاية.

وقيل بالتفصيل بين أم الولد وغيرها ، وهو قول الشيخ في النهاية وأتباعه ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين ومنهم المحقق والعلامة وشيخنا في المسالك وسبطه في شرح النافع. قال في النهاية : إن كانت أم ولد لمولاها فعدتها مثل عدة الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام ، وإن كانت مملوكة ليست أم ولد فعدتها شهران وخمسة أيام ، وهو قول ابن البراج.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة كما هي قاعدتنا في الكتاب ، ثم الكلام فيها بما فتحه الله الكريم الوهاب.

فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق الأمة فقال : تطليقتان. وقال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : عدة الأمة التي يتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام ، وعدة المطلقة شهر ونصف».

وعن سماعة (٢) في الموثق قال : «سألته عن الأمة يتوفى عنها زوجها فقال : عدتها شهران وخمسة أيام. وقال : عدة الأمة التي لا تحيض خمسة وأربعون يوما».

وعن الحلبي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام ، وعدة المطلقة التي لا تحيض شهر ونصف».

__________________

(١ و ٢ و ٣) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٢ و ١٣٣ و ١٣٥، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ب ٤٢ ح ٦ و ٧ و ٨.

٥١٠

وعن محمد بن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام».

وعن محمد بن القيس (٢) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في حديث قال فيه : وإن مات عنها زوجها فأجلها نصف أجل الحرة شهران وخمسة أيام».

أقول : وبهذه الأخبار أخذ القائلون بالقول الأول وهي كما ترى مطلقة كما أطلقوه شاملة بإطلاقها لجملة الأفراد التي تقدم ذكرها.

ومنها ما تقدم في سابق هذه المسألة من قوله عليه‌السلام في آخر صحيحة زرارة برواية الكناني (٣) ثم قال : إن الأمة والحرة كلتاهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة ، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد».

ومنها قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة (٤) وقد تقدمت ، وفيها «يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة أو على أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا».

وما رواه في الكافي (٥) عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كانت له أم ولد ، فزوجها من رجل فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها ، إله أن يطأها؟ قال : تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ثم يطؤها بالملك من غير نكاح» الحديث.

وما رواه في الفقيه (٦) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن وهب بن عبد ربه

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٥ و ١٣٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ب ٤٢ ح ٩ و ١٠.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ب ٤٢ ح ١٠.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٧٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٧٨ ح ١٢٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٧ ب ٤٥ ح ١ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ح ١٤٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٤ ب ٥٢ ح ٢.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١٧٢ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ب ٤٢ ح ٣ وفيهما اختلاف يسير.

(٦) لم نعثر عليه بهذا السند في الفقيه.

٥١١

عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال سألته عن رجل كانت له أم ولد فمات ولدها منه ، فزوجها من رجل فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها ، إله أن يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال : لا يطأها حتى تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ثم يطؤها بالملك من غير نكاح» الحديث.

وما رواه في التهذيب (١) عن سليمان بن خالد في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا».

أقول : وبهذه الأخبار وما هي عليه من الإطلاق أخذ القائلون بالقول الثاني وهي كما ترى ظاهرة فيه سيما صحيحتي زرارة الأولتين.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) في الصحيح عن سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة إذا طلقت ، ما عدتها؟ فقال : حيضتان أو شهران حتى تحيض ، قلت : فإن توفي عنها زوجها؟ فقال : إن عليا عليه‌السلام قال في أمهات الأولاد : لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا وهن إماء».

أقول : وعلى هذه الرواية اعتمد القائلون بالقول الثالث ، فحملوا الأخبار الأولة على غير ذات الولد ، والأخبار الثانية على ذات الولد ، وجعلوا هذه الصحيحة سندا للجمع المذكور.

وزاد في المسالك وكذا سبطه في شرح النافع على هذه الصحيحة رواية وهب بن عبد ربه المنقولة من الكافي (٣) بعد وصفها بأنها صحيحة.

وفيه (أولا) أن الرواية المذكورة رواها في الكافي عن ابن محبوب عن وهب ابن عبد ربه كما نقله في الوافي وفي الوسائل عن أحمد عن ابن محبوب ، وعلى أي منهما فإن طريق الكليني إلى كل منهما غير معلوم الصحة.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٥٣ ح ١٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ب ٤٢ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٧٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ب ٤٢ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٧٢ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ب ٤٢ ح ٣.

٥١٢

(وثانيا) أنها معارضة برواية صاحب الفقيه (١) وهي صحيحة ، وقد تضمنت أن التزويج إنما وقع بعد موت الولد ، مع أنه عليه‌السلام حكم بأن العدة أربعة أشهر وعشرا. ومن هذه الصحيحة يعلم بطلان ما ذكروه من الحمل ، فإنهم إنما حملوا روايات الأربعة أشهر وعشرا على أم الولد من حيث إطلاقها ، وهذه الرواية كما ترى صريحة في أن الأمة ليست ذات ولد لأن التزويج إنما وقع بعد موت الولد مع أنه عليه‌السلام حكم بعدة الحرة فيها.

وعلى هذا فيمكن أن يقال : إن ما نقل عن علي عليه‌السلام في صحيحة سليمان ابن خالد من أن حكم أمهات الأولاد ذلك لا يستلزم نفيه عن غيرهن ، وغاية ما في الباب أنه سئل عن الأمة التي توفي عنها زوجها فأجاب بأن حكم أمهات الأولاد منهن الاعتداد بما ذكروه ، ودلالته على نفي ذلك عما عداهن إنما هو بمفهوم اللقب ، وهو غير معمول عليه عندهم ، وبهذا يجاب أيضا عن رواية وهب ابن عبد ربه التي استدلوا بها زيادة على ما عرفت ، فيكون هذا وجها ثالثا للوجهين المتقدمين.

وبالجملة فإن القول المذكور لا يخلو في نظري القاصر من القصور ، ولعل الأظهر إنما هو حمل أخبار أحد الطرفين على التقية ، وقد نقل في الوسائل احتمال حمل أخبار الشهرين وخمسة أيام على التقية ، قال : لأنه مذهب جمع من العامة ، فليتأمل ذلك حق التأمل ، فإن المسألة محل إشكال. والحق تصادم الأخبار المذكورة ، وعدم قبولها لهذا الجمع الذي ذكروه ، فإنه ناش عن عدم إعطاء التأمل حقه في المقام.

هذا كله إذا لم تكن حاملا ، وإلا اعتدت بأبعد الأجلين من وضع الحمل والعدة المعتبرة ، قال في المسالك : وهو موضع وفاق.

__________________

(١) لم نعثر عليها في الفقيه.

٥١٣

تنبيه

مما يتفرع على الخلاف المذكور أنهم قالوا ـ بناء على القول بالتفصيل من أن أم الولد تعتد مع موت الزوج عدة الحرة ، وغيرها عدة الأمة ـ : لو مات الزوج عن أم الولد في أثناء عدتها الرجعية استأنفت عدة الحرة في الوفاة لأنها بمنزلة زوجة الحرة لو مات عنها زوجها في العدة الرجعية ، ولو لم تكن ذات ولد وقد مات وهي في عدته الرجعية استأنفت عدة الوفاة المقررة على الأمة كما لو مات وهي في عصمته ، هذا إذا كانت العدة رجعية ، ولو كان الطلاق بائنا أتمت عدة الطلاق خاصة كالحرة إذا مات زوجها وهي في العدة البائنة ، فإنه لا يجب عليها الاستئناف كالأولى لانقطاع العصمة بينهما ، وهو ظاهر.

المسألة الخامسة : إذا مات المولى وأمته مزوجة فلا عدة عليها من موته إجماعا كما نقله في المسالك ، وأما إذا لم تكن مزوجة فهل تعتد من موت مولاها عدة الحرة أربعة أشهر وعشرا؟ أم لا عدة عليها ، بل يكفي استبراؤها لمن انتقلت إليه إذا أراد وطؤها؟ قولان ، المشهور : الأول.

قال في المسالك : وهو قول جماعة منهم الشيخ وأبو الصلاح وابن حمزة والعلامة في موضع من التحرير والشهيد في اللمعة.

أقول : ظاهره في المسالك أنه لا فرق هنا بين أم الولد وغيرها ، مع أنه قال في المختلف : قال أبو الصلاح : عدة أم الولد لو مات سيدها أربعة أشهر وعشرة أيام. وهو ظاهر كلام ابن حمزة ، وهو كما ترى ظاهر في تخصيص الحكم بأم الولد لا مطلقا ، وهو ظاهر كلامه. وأما الشهيد في اللمعة فإنه قال : وتعتد أم الولد من وفاة زوجها أو سيدها عدة الحرة. وهو أيضا كما ترى ظاهر في التخصيص بأم الولد ، والمراد أنها تعتد من وفاة الزوج إن كانت مزوجة ومن السيد إذا مات إن لم تكن مزوجة.

وذهب ابن إدريس إلى القول الثاني ، قال : لا عدة عليها من موت مولاها ،

٥١٤

لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وهذه ليست زوجة بل باقية على الملك والعبودية إلى حين وفاته. قال في المختلف : ولا بأس بقول ابن إدريس.

ثم إن العلامة احتج بما رواه إسحاق بن عمار (١) في الموثق قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الأمة يموت سيدها ، قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها». ثم قال : والجواب الحمل على ما إذا أعتقها للروايات.

والظاهر أن استدلال العلامة بهذه الموثقة إنما هو بالنظر إلى إطلاقها ، وإلا فإنه لا تصريح فيها بأم الولد.

ثم إنه في المسالك بعد ذكر هذه المسألة كما ذكرناه قال : ولو كانت الأمة موطوءة للمولى ثم مات عنها فظاهر الأكثر هنا أنه لا عدة عليها ، بل تستبرئ بحيضة كغيرها من الإماء المتقدمة من مالك إلى آخر. وذهب الشيخ في كتابي الأخبار إلى أنها تعتد من موت المولى كالحرة سواء كانت أم ولد أم لا. واستدل عليه برواية زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الأمة إذا غشيها سيدها ثم أعتقها فإن عدتها ثلاث حيض ، فإن مات عنها زوجها فأربعة أشهر وعشرة أيام». وبموثقة إسحاق بن عمار السالفة (٣) وحسنة الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : يكون الرجل تحته السرية فيعتقها ، فقال : لا يصلح لها أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر ، وإن توفي عنها مولاها فعدتها أربعة أشهر وعشرا». ثم قال : والعجب مع كثرة هذه الأخبار وجودة أسنادها أنه لم يوافق الشيخ

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧١ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ب ٤٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٥ ح ١٣٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٥ ب ٤٣ ح ٥ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٥٥ ح ١٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ب ٤٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٥٦ ح ١٣٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٤ ب ٤٣ ح ١ وفيهما اختلاف يسير.

٥١٥

على مضمونها أحد ، وخصوا أم الولد بالحكم مع أنه لا دليل عليها بخصوصها. وأعجب منه تخصيصه في المختلف الاستدلال على حكم أم الولد بموثقة إسحاق ، مع أنها تدل على أن حكم الأمة الموطوءة مطلقا كذلك ، ومع ذلك فغيرها من الأخبار التي ذكرناها يوافقها في الدلالة ، مع أن فيها ما هو أجود سندا ، انتهى.

وأما سبطه في شرح النافع فإنه قال ـ بعد تحقيق الكلام في مسألة الأمة المتوفى عنها زوجها حسبما أوضحناه في سابق هذه المسألة ـ ما ملخصه : ولم يذكر المصنف حكم الأمة الموطوءة إذا مات مولاها ، وقد اختلف الأصحاب في حكمها ، فقال ابن إدريس : لا عدة عليها من موت مولاها ـ إلى أن قال : ـ ونفى عنه البأس في المختلف ـ ثم قال : ـ وقال الشيخ في كتابي الأخبار أنها تعتد من موت المولى كالحرة سواء كانت أم ولد أم لا. واستدل بما رواه في الحسن عن الحلبي ثم أورد الروايات الثلاث التي تقدمت في كلام جده ثم قال بعدها : وهذه الروايات معتبرة الاسناد وليس لها معارض صريحا فيتجه العمل بها ، انتهى.

وأنت خبير بما وقع لهم من الاضطراب في هذا المقام وإن تبعهم من تأخر عنهم من الأعلام.

أما كلامه في المسالك فإنه فرض فيه مسألتين : (أولهما) في الأمة التي مات سيدها وليست مزوجة ، ونقل عن الأكثر وجوب عدة الحرة عليها ، وعن ابن إدريس والعلامة في المختلف عدم العدة ، وظاهره أن المراد بالأمة فيها ما هي أعم من ذات الولد وغيرها والموطوءة وغيرها مع ما عرفت مما ذكرناه أن من وقفنا على كلامه قد خصها بذات الولد.

(والمسألة الثانية) وهي موطوءة المالك إذا مات عنها ، وهي أخص من المسألة الاولى ، ونقل عنها عن الأكثر عدم وجوب العدة ، وعن الشيخ في كتابي الأخبار الوجوب ، وظاهر سبطه في شرح النافع أن خلاف ابن إدريس والعلامة في المختلف إنما هو في هذه المسألة ، وظاهره أن الأكثر ومنهم الشيخ في كتابي الأخبار

٥١٦

على وجوب العدة ، حيث خص الخلاف بابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ والعلامة ـ قدس‌سره ـ خاصة.

هذا مع ما عرفت مما أسلفناه من عبارة المختلف أن محل المسألة إنما هي أم الولد ، والخلاف الذي نقل عن ابن إدريس على عقب نقله عن أبي الصلاح إنما هو في أم الولد ، فانظر إلى هذا الاضطراب في كلامهم ، وعدم تعين محل النزاع ، بل كل منهم يفرضه في مادة.

وأما الروايات التي نقل في المسالك استدلال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ بها على وجوب العدة على الموطوءة ، ووافقه عليها وشنع على من خالفة في ذلك ونحوه سبطه أيضا.

ففيه أن محل البحث هي الأمة الموطوءة التي مات عنها سيدها وظاهرها أنه مات سيدها وهي أمة ، وهذه الروايات ما عدا موثقة إسحاق بن عمار قد تضمنت أنه قد أعتقها سيدها ، فالموت إنما وقع بعد عتقها ، ولا ريب أنها بالعتق قد خرجت عن موضوع المسألة التي هي محل البحث ، وكيف يستدلون بها على هذا القول ويشنعون على من خالفهم فيه؟ ومسألة وجوب العدة على من أعتقها في حياته أو بعد موته مسألة أخرى سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى على أثر هذه المسألة.

وكيف كان فمع قطع النظر عما فرضوه من كون محل الخلاف مجرد الأمة التي مات عنها سيدها وهي غير مزوجة أو أنه الأمة الموطوءة إذا مات عنها والرجوع إلى الأخبار ، فإني لم أقف في هذا المقام إلا على موثقة إسحاق بن عمار (١) المذكورة ، وموردها هو «الأمة يموت سيدها ، قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها». وإطلاق الأمة فيها شامل للموطوءة ، وغير الموطوءة ، أم ولد كانت أو غيرها ، وقد عرفت مما قدمنا نقله عن العلامة ـ قدس‌سره ـ في المختلف أنه قيد هذه الروايات بما إذا أعتقت قبل الموت حملا على الروايات الدالة على ذلك.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٥٥ ح ١٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٢ ب ٤٢ ح ٤.

٥١٧

وفيه أن الحمل على خلاف الظاهر فرع وجود المعارض ، وهو هنا غير موجود ، وظاهر إطلاق الموثقة المذكورة أنه بمجرد الملك وإن لم تطأ يجب عليها عدة الوفاة عن سيدها مثل الزوجة الغير المدخول بها. ولم أقف على مصرح به منهم إلا أنه المفهوم من عموم المسألة الأولى التي فرضها في المسالك ، لأنه فرضها فيمن مات عنها سيدها وهي غير مزوجة.

وأنت خبير بأن أصحاب المتون لم يتعرضوا لهذه المسألة كالمحقق في الشرائع ومختصره والعلامة في القواعد والإرشاد وغيرهما في غيرهما ، وإنما أشار إليها أصحاب المطولات مع ما عرفت من الاضطراب فيه.

المسألة السادسة : المشهور بين الأصحاب أن الأمة إذا أعتقها سيدها في حياته وكان يطؤها فإنه لا يجوز لها التزويج بغيره إلا بعد العدة بثلاثة أقراء ، وإذا توفي عنها اعتدت عدة الوفاة كالحرة ، وكذا لو دبرها فإنها تعتد بعد موته عدة الوفاة.

ذكر ذلك الشيخ في النهاية وغيره ، وخالف في ذلك ابن إدريس فقال : قد ورد حديث بما ذكره الشيخ فإن كان مجمعا عليه فالإجماع هو الحجة ، وإن لم يكن مجمعا عليه فلا دلالة على ذلك ، والأصل براءة ذمتها من العدة لأن إحداهما غير متوفى عنها زوجها ـ أعني من جعل عتقها بعد موتها فلا يلزمها عدة الوفاة ـ والأخرى غير مطلقة ـ أعني من أعتقها في حياته فلا يلزمها عدة المطلقة ـ ولزوم العدة حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد ، والأصل براءة الذمة. انتهى وهو جيد على أصله الغير الأصيل ، وقاعدته التي خالف فيها العلماء جيلا بعد جيل.

ومن الأخبار الدالة على ما هو المشهور وهو المؤيد المنصور ما تقدم في سابق هذه المسألة من رواية زرارة (١) وحسنة الحلبي (٢) وموردهما «من غشيها سيدها ثم أعتقها

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٥ ح ١٣٧ و ١٣٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٤ ب ٤٣ ح ٥ و ١.

٥١٨

فإنها تعتد عدة المطلقة ، وإن مات قبل العدة اعتدت عدة الوفاة».

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في رجل كانت له أمة فوطأها ثم أعتقها ، وقد حاضت عنده حيضة بعد ما وطأها ، قال : تعتد بحيضتين». قال ابن أبي عمير في حديث آخر : تعتد بثلاث حيض.

قال السيد السند في شرح النافع : ومقتضى هذه الرواية احتساب الحيضة الواقعة بعد الوطء وقبل العتق من العدة ، ولا أعلم بمضمونها قائلا.

وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يعتق سريته ، أيصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال : نعم ، قلت : فغيره؟ قال : لا ، حتى تعتد ثلاثة أشهر» الحديث. (٣).

ورواه الشيخ في التهذيب (٤) في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله إلى قوله : ثلاثة أشهر.

ومن هذا الخبر وسابقه يستفاد أنها لو لم تكن من ذوات الأقراء فإنها تعتد بالأشهر كما سيأتي التصريح به في صحيحة داود الرقي.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٥ ب ٤٣ ح ٢ و ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٧٢ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٥ ب ٤٣ ح ٤.

(٣) أقول : ومن صحيحة الحلبي المذكورة وموثقة أبي بصير التي بعدها يظهر بطلان الحيلة التي أدعوها في إسقاط العدة حيث انهم قالوا : انه في مثل هذه المسألة لو أعتقها ثم تزوجها في العدة حيث لا عدة عليها من مائه ثم طلقها فإنه يجوز لها أن تنكح غيره بغير عدة ، لأنها غير مدخول بها ولا عدة عليها من هذا الطلاق.

وفيه كما تقدم تحقيقه أن الساقط انما هو عدة هذا الطلاق ، وأما العدة السابقة التي نشأت من العتق فهي على ما هي ، حيث ان سقوطها انما ثبت للزوج خاصة إذ لا يجب عليها الاستبراء من مائه كما ذكره في خبر أبى بصير ، وأما غير فلا دليل على سقوطها ، ومجرد تزويج السيد بها وطلاقه لها لا يصلح لان يكون سببا في إسقاطها ، لأن هذا مختص به خاصة ، والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٧٥ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١١ ب ١٣ ح ١.

٥١٩

وما رواه في التهذيب (١) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن أعتق رجل جاريته ثم أراد أن يتزوجها مكانه فلا بأس ، ولا تعتد من مائه ، وإن أرادت أن تتزوج من غيره فلها مثل عدة الحرة».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن داود الرقي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المدبرة إذا مات عنها مولاها أن عدتها أربعة أشهر وعشرا من يوم يموت سيدها إذا كان سيدها يطؤها ، قيل له : فالرجل يعتق مملوكته قبل موته بساعة أو بيوم ، قال : فقال : هذه تعتد بثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء من يوم أعتقها سيدها».

وأما ما رواه في الكافي (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل أعتق وليدته عند الموت ، فقال : عدتها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا. قال : وسألته عن رجل أعتق وليدته وهو حي وقد كان يطؤها ، فقال : عدتها عدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء».

فظاهر صدرها الدلالة على أن المعتقة تعتد عدة المتوفى عنها زوجها إذا كان قبل الموت ، مع استفاضة هذه الأخبار بأن عدتها عدة المطلقة سواء كان صحيحا (حيا خ ل) أو في مرض الموت ، ولهذا أن الشيخ حمل صدرها على المدبرة الموصي بعتقها ، كما تدل عليه رواية داود الرقي لا أنه أعتقها بالفعل.

وما رواه في الكافي (٤) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل تكون عنده السرية له وقد ولدت منه ومات ولدها ثم يعتقها ، قال : لا يحل لها أن تتزوج حتى تنقضي عدتها ثلاثة أشهر».

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢١٤ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٢ ب ١٣ ح ٢ وفيهما اختلاف يسير.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٧٢ ح ٨ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٦ ح ١٤١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٧٥ ب ٤٣ ح ٧ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ١٧٢ ح ٧ و ٩، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٥ ب ٤٣ ح ٦ و ٨.

٥٢٠