الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

امرأة ولم يدخل بها ، قال : إن هلكت أو هلك أو طلقها فلها النصف ، وعليها العدة كملا ولها الميراث».

وما رواه في الكافي (١) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن رجل عن علي بن الحسين عليه‌السلام «أنه قال في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها أن لها نصف الصداق ، ولها الميراث وعليها العدة».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض لها ولها الميراث وعليها العدة».

وبهذا المضمون عدة من الأخبار قد أشركت في الدلالة على أن المتوفى عنها زوجها قبل الدخول عليها العدة كملا.

إلا أنه قد روى الشيخ في التهذيب (٣) عن محمد بن عمر الساباطي قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا عدة عليها وسألته عن المتوفى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها ، قال : لا عدة عليها هما سواء».

وردها المتأخرون كما في المسالك وشرح النافع للسيد السند لضعف السند وشذوذها ومخالفتها للقرآن.

أقول : والأظهر عندي أنها محمولة على التقية كما يشير إليه ما رواه الشيخ في التهذيبين (٤) عن عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٢ ب ٥٨ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ١٠٠ وفيهما «ان لم يكن وقد دخل» ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٢ ب ٥٨ ح ٦.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ٩٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٢ ب ٣٥ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ٩٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٣ ب ٣٥ ح ٥.

٤٦١

امرأته قبل أن يدخل بها ، أعليها عدة؟ قال : لا ، قلت له : المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، أعليها عدة؟ قال : أمسك عن هذا».

وما رواه في الكافي (١) عن عبيد بن زرارة في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها ، قال : هي بمنزلة المطلقة التي لم يدخل بها إن كان سمى لها مهرا فلها نصفه وهي ترثه ، وإن لم يكن سمى لها مهرا فلا مهر لها وهي ترثه ، قلت : العدة؟ قال : كف عن هذا». ولا ريب أن أمره عليه‌السلام للسائل بالكف في هذين الخبرين لا وجه له إلا التقية.

ومن أخبار المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه (٢) في الصحيح أو الحسن عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها ، هل عليها العدة ، قال : تعتد أربعة أشهر وعشرا ـ إلى أن قال : ـ قلت : فتحد؟ قال : فقال : نعم ، إذا مكثت عنده أياما فعليها العدة وتحد وإذا كانت يوما أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدة ولا تحد».

وما رواه عن عمر بن أذينة عن زرارة (٣) في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام : ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة ، أو على أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزوجها أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ، وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها ما على الأمة».

وأما ما ورد في رواية علي بن يقطين (٤) من أن عدتها في الوفاة خمسة وأربعون يوما ، وفي رواية أخرى (٥) خمسة وستون يوما. فقد تقدم الكلام فيها في كتاب النكاح

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٩ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٤ ب ٥٨ ح ١١.

(٢ و ٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٦ ح ٢٤ و ٢٥، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٤ ب ٥٢ ح ١ و ٢ وفيهما اختلاف يسير.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ح ١٤٥ و ١٤٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٤ ب ٥٢ ح ٣ و ٤.

٤٦٢

في الفصل الثالث في نكاح المتعة. (١)

ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن سليمان عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال : «قلت له : جعلت فداك كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر وصارت عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، فقال : أما عدة المطلقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد ، وأما عدة المتوفى عنها زوجها فإن الله عزوجل شرط للنساء شرطا وشرط عليهن شرطا فلم يجي‌ء بهن فيما شرط لهن ، ولم يجر فيما اشترط عليهن ، أما ما شرط لهن في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عزوجل «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ» (٣) فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك وتعالى أنه غاية صبر المرأة من الرجل ، وأما ما شرط عليهن فإنه أمرها أن تعتد إذا مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند إيلائه قال الله تبارك وتعالى في عدتهن «يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» ولم يذكر العشرة الأيام في العدة إلا مع الأربعة الأشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجبه عليها ولها».

قال في الوافي : «فلم يجي‌ء بهن» بسكون الجيم من جاء كسعي أي لم يحبسهن ولم يمسكهن «ولم يجر» بضم الجيم من الجور خلاف العدل ، انتهى.

أقول : قد نقل بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين أن في بعض النسخ بالحاء المهملة قال : من المحاباة بمعنى العطية والصلات ، أي قرر هذا الحكم رفقا لطاقتهن ووسعهن فيما فرض إصلاحهن ، وفيما فرض عليهن فلم يجاب ولم يتفضل عليهن فيما شرط لهن في الإيلاء بأن يفرض أقل من أربعة أشهر ، ولم يجر عليهن من الجور والظلم فيما فرض عليهن في عدة الوفاة بأن

__________________

(١) الحدائق ج ٢٤ ص ١٩٠.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٢ ب ٣٠ ح ٢ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) سورة البقرة ـ آية ٢٢٦.

٤٦٣

يفرض أكثر من أربعة أشهر ، وأما العشر فلعله لم تحسب لاشتغالها فيه بالتعزية وانكسار شهوتها بالحزن ، فكأنه غير محسوب ، وفي بعض النسخ بالجيم ، ويمكن أن يكون مهموزا من جأي كسعي : أي جلس ، أي لم يحبسهن ولم يمسكهن ، والأول أظهر ، انتهى.

أقول : والمحاباة لغة بمعنى المسامحة ، إلا أنها ترجع إلى العطية ، قال في كتاب المصباح المنير (١) : بأن محاباة مسامحة مأخوذة من حبوة إذا أعطيته ، وحينئذ فالمراد أنه سبحانه لم يسامحهن بأن يفرض لهن في الإيلاء أقل من الأربعة أشهر.

قال في المسالك : تعتبر مدة العدة بالهلال ما أمكن ، فإن مات الزوج في خلال شهر هلالي وكان الباقي منه أكثر من عشرة أيام تعد ما بقي وتحسب ثلاثة أشهر عقيبه بالأهلة ، وتكمل ما بقي من شهر الوفاة ثلاثين من الشهر الواقع بعد الثلاثة وتضم إليها عشرة أيام ، فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوج يوم مات فقد انتهت العدة ، وإن كان الباقي أقل من عشرة أيام ولم تعتده وتحسب أربعة أشهر بالأهلة عقيبه وتكمل الباقي عشرة من الشهر السادس ، وإن كان الباقي عشرة بلا زيادة ولا نقصان اعتدت بها ، وتضم إليها أربعة أشهر بالأهلة ، وفي هذا المنكسر ثلاثين ، أو الاكتفاء بإكمال ما فات منه خاصة ما تقدم في نظائره من الخلاف ، وإن انطبق الموت على الشهر الهلالي حسبت أربعة أشهر بالأهلة وضمت إليها عشرة أيام من الشهر الخامس ، فلو كانت محبوسة لا تعرف الهلال ولا تجد من يخبرها ممن يعتمد بقوله اعتدت بالأيام ، وهي مائة وثلاثون يوما ، انتهى كلامه وهو جيد.

والعشرة المعتبرة في العدة هي عشرة ليال مع أيامها ، وإن كانت الأيام غير داخلة في العشر المجردة عن التاء على المشهور عند أهل اللغة.

الثاني : في عدة الحامل ، وهي أبعد الأجلين من وضعها واستكمال أربعة

__________________

(١) المصباح المنير ص ١٦٥ وفيه هكذا «وحاباه محاباة سامحه مأخوذ من حبوته إذا أعطيته».

٤٦٤

أشهر وعشرة أيام ، وهو موضع وفاق وإجماع كما نقله غير واحد منهم ، وعليه تدل الأخبار المتكاثرة.

قيل : وفيه جمع بين عموم الآيتين ، وهما قوله عزوجل «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» وقوله تعالى «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ».

والتقريب في ذلك أن الحامل داخلة تحت عموم الآيتين وشملها عمومها ، وامتثال الأمر يقتضي التربص بأبعد الأجلين ليحصل كل من العدتين.

وفيه أن الظاهر من سياق آية وضع الحمل موردها إنما هو عدة الطلاق فلا عموم فيها بحيث يشمل عدة الوفاة ، وبالجملة فالمرجع في ذلك إنما هو إلى الأخبار الواردة بذلك.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن سماعة في الموثق قال : «قال : المتوفى عنها زوجها الحامل ، أجلها آخر الأجلين إذا كانت حبلى فتمت لها أربعة أشهر وعشرا ولم تضع فإن عدتها إلى أن تضع ، وإن كانت تضع حملها قبل أن يتم لها أربعة أشهر وعشرا تعتد بعد ما تضع تمام أربعة أشهر وعشرا ، وذلك أبعد الأجلين».

وما رواه في الكافي (٢) عن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الحبلى المتوفى عنها زوجها عدتها آخر الأجلين».

وعن محمد بن قيس (٣) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة توفي عنها زوجها وهي حبلى ، فولدت قبل أن تنقضي أربعة أشهر وعشر فتزوجت ، فقضى أن يخلى عنها ثم لا يخطبها حتى ينقضي آخر الأجلين

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٣ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٠ ح ١١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٥ ب ٣١ ح ٢ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٤ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٥ ب ٣١ ح ٥.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١١٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٦ ب ٣١ ح ٣.

٤٦٥

فإن شاء أولياء المرأة أنكحوها وإن شاءوا أمسكوها ، فإن أمسكوها ردوا عليه ماله».

وعن محمد بن مسلم (١) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها تضع وتزوج قبل أن يخلو أربعة أشهر وعشر؟ قال : إن كان زوجها الذي تزوجها دخل بها فرق بينهما واعتدت ما بقي من عدتها الاولى وعدة اخرى ، ومن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت ما بقي من عدتها ، وهو خاطب من الخطاب».

وعن الحلبي (٢) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : في الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها آخر الأجلين».

وعن زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «عدة المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين لأن عليها أن تحد أربعة أشهر وعشرا وليس عليها في الطلاق أن تحد». وإطلاقها محمول على الحامل لما عرفت من أخبار المسألتين.

وما رواه في الكافي والتهذيب (٤) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشرا ، فقال : إن كان دخل بها فرق بينهما ، ثم لم تحل له أبدا ، واعتدت بما بقي عليها من الأول ، واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ، واعتدت بما بقي عليها من الأول وهو خاطب من الخطاب».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٤ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٦ ب ٣١ ح ٦ وفيهما اختلاف يسير.

(٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١١٤ ح ٢ و ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٥ ب ٣١ ح ١ و ٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٢٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٦ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٦ ب ١٧ ح ٦ وما في المصادر اختلاف يسير.

٤٦٦

وخالف العامة في هذا الحكم فجعلوا عدتها وضع الحمل كالطلاق ولو بلحظة من يوم الوفاة ، والأخبار كما ترى ترده.

الثالث : فيما يترتب عليها وهو الحداد ، ولا خلاف فيه بين كافة أهل العلم من الخاصة والعامة ، والأخبار به من الفريقين متضافرة ، وهو عبارة عن ترك الزينة ، وعلى ذلك اتفقت كلمة الفقهاء وأهل اللغة أيضا.

قال في كتاب المصباح المنير (١) حدت المرأة على زوجها تحد ، وتحد حدادا بالكسر فهي حاد بغير هاء ، وأحدت إحدادا فهي محد ، ومحدة ، إذا تركت الزينة لموته ، وأنكر الأصمعي الثلاثي واقتصر على الرباعي ، انتهى.

وقال في الصحاح (٢) أحدت المرأة أي امتنعت من الزينة والخضاب بعد وفاة الزوج.

وقال في القاموس (٣) والحادة المحدة تاركة الزينة للعدة.

وظاهر عبارة الصحاح الاقتصار على الرباعي كما ذكره الأصمعي ، وعبارة القاموس ظاهرة فيهما.

ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه في الكافي (٤) عن ابن أبي يعفور في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها ، فقال : لا تكتحل للزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا تبيت عن بيتها ، وتقضي الحقوق ، وتمتشط بغسله ، وتحج وإن كانت في عدتها».

قال في كتاب مجمع البحرين (٥) والغسلة بالكسر الطيب وما تجعله المرأة

__________________

(١) المصباح المنير ص ١٧١.

(٢) الصحاح ج ٢ ص ٤٦٣.

(٣) القاموس المحيط ج ١ ص ٢٨٧.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٠ ب ٢٩ ح ٢.

(٥) مجمع البحرين ج ٥ ص ٤٣٤.

٤٦٧

في شعرها عند الامتشاط ، ونحوه ما نقل عن الصحاح. (١)

وفي القاموس (٢) ما تجعله المرأة في شعرها عند الامتشاط وما يغسل به الرأس من خطمي ونحوه قال في كتاب المصباح المنير (٣) وظاهر عبارة الصحاح وكتاب المجمع اشتماله على الطيب.

وما رواه في الكافي (٤) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في حديث قال فيه : فتمسك عن الكحل والطيب والأصباغ».

وعن أبي العباس (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المتوفى عنها زوجها قال : لا تكتحل للزينة ولا تطيب ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا تخرج نهارا ، ولا تبيت عن بيتها ، قلت : أرأيت إن أرادت أن تخرج إلى حق كيف تصنع؟ قال : تخرج بعد نصف الليل وترجع عشاء».

وعن زرارة (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المتوفى عنها زوجها ليس لها أن تطيب ولا تزين حتى تنقضي عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام».

وعن أبي بصير (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة يتوفى عنها زوجها وتكون في عدتها ، أتخرج في حق؟ فقال : إن بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سألته فقالت : إن فلانه توفي عنها زوجها ، فتخرج في حق ينوبها؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أف لكن قد كنتن من قبل أن ابعث فيكن ، وأن المرأة منكن إذا توفي عنها زوجها أخذت بعسرة فرمت بها خلف ظهرها ، ثم قالت : لا أمتشط ولا أكتحل

__________________

(١) الصحاح ج ٥ ص ١٧٨١.

(٢) القاموس المحيط ج ٤ ص ٢٤.

(٣) المصباح المنير ص ٦١٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٢ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٩ ب ٢٩ ح ١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١١٦ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٠ ب ٢٩ ح ٣.

(٦) الكافي ج ٦ ص ١١٧ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٠ ب ٢٩ ح ٤.

(٧) الكافي ج ٦ ص ١١٧ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٩ ب ٣٣ ح ٧.

٤٦٨

ولا أختضب حولا كاملا ، وإنما أمرتكن بأربعة أشهر وعشرا ثم لا تصبرن ، لا تمتشط ولا تكتحل ولا تختضب ولا تخرج من بيتها نهارا ولا تبيت عن بيتها ، فقالت : يا رسول الله فكيف تصنع إن عرض لها حق؟ فقال : تخرج بعد زوال الليل وترجع عند المساء ، فتكون لم تبت عن بيتها قلت له : فتحج؟ قال : نعم».

وعن محمد بن مسلم (١) قال : «جاءت امرأة إلى أبي عبد الله عليه‌السلام تستفتيه في المبيت في غير بيتها وقد مات زوجها ، فقال : إن أهل الجاهلية كان إذا مات زوج المرأة أحدت عليه امرأته اثني عشر شهرا ، فلما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحم ضعفهن فجعل عدتهن أربعة أشهر وعشرا ، وأنتن لا تصبرن على هذا!!».

وما رواه في كتاب الفقيه (٢) في الصحيح قال : «كتب الصفار إلى أبي محمد الحسن ابن علي عليهما‌السلام في امرأة مات عنها زوجها ، وهي في عدة منه ، وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها ، وهي تعمل للناس ، هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها في عدتها قال : فوقع عليه‌السلام : لا بأس بذلك إن شاء الله».

وما رواه في الفقيه والتهذيب (٣) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المرأة يموت زوجها ، هل يحل لها أن تخرج من منزلها في عدتها؟ قال : نعم وتختضب وتدهن وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج».

وما رواه في الكافي (٤) عن ابن بكير في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٧ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦١ ب ٣٤ ح ٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٢ وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦١ ب ٣٤ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٨٣ ذيل ح ١٩٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٨ ب ٣٣ ح ١ مع اختلاف يسير في الأخيرين.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ١٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٩ ب ٣٣ ح ٣.

٤٦٩

عن التي توفي عنها زوجها أتحج؟ قال : نعم وتخرج وتنتقل من منزل». ورواه في الفقيه مرسلا مقطوعا.

وما رواه في الكافي (١) عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها أتخرج من بيت زوجها؟ قال : تخرج من بيت زوجها وتحج وتنتقل من منزل إلى منزل».

أقول : والمفهوم من هذه الأخبار أن الحداد هو ترك كل ما يعد زينة في البدن أو اللباس وإن اختلف ذلك باختلاف العادات في البلدان ، فيحكم على كل بلد بما هو المعتاد فيها ، فلا يحرم عليها دخول الحمام ولا تنظيف البدن ولا تسريح الشعر ولا تقليم الأظفار ولا السواك ولا السكنى في المساكن العالية ولا التدثر بالفرش الفاخرة ، لأن ذلك لا يعد من الزينة عرفا.

وظاهر صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة ورواية أبي العباس جواز الكحل للضرورة وعدم قصد الزينة به ، وفيها إشارة إلى أن ما كان زينة وألجأت إليه الضرورة فإنه لا بأس به. ويؤيده ما ورد من أن الضرورات تبيح المحظورات ، وإن لم يرد بهذا اللفظ ، إلا أن هذا المعنى مستفاد من عدة من الأخبار تقدمت الإشارة إليها في غير موضع.

وفي المسالك أنه مع الضرورة إلى الاكتحال فتكتحل ليلا وتمسحه نهارا وفيه أن إطلاق الخبرين المتقدمين تدفعه ، فإنه متى كان الاكتحال لغير الزينة فلا بأس ببقائه نهارا ، والنفع المترتب عليه لا يختص بالليل وإن كان آكد والاحتياط يقتضي الوقوف على ما ذكره إذا لم تلجأ الضرورة إليه نهارا.

وأما ما يظهر من موثقة عمار من أنها تختضب وتدهن وتصبغ وتصنع ما شاءت ، فلا يخلو من مدافعة لما تقدمها من الأخبار ، ومن ثم قال في الوافي ذيل الموثقة المذكورة : ينبغي حمل هذا الخبر على الشذوذ.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٦ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٩ ب ٣٣ ح ٥.

٤٧٠

أقول : أما ما اشتمل عليه الخبر المذكور من التدهن والامتشاط فالظاهر أنه غير داخل في الزينة لما عرفت ، وأما الخضاب والصبغ وأن تصنع ما تشاء فالظاهر حمله على الضرورة ، وإليه يشير قوله «لغير زينة من زوج» أي يجوز فعل هذه الأشياء لا لقصد التزين للأزواج وليس بعد ذلك إلا لغرض ألجأت إليه الضرورة.

بقي الكلام في اختلاف هذه الأخبار في جواز الخروج من بيتها والبيات في غيره ، فإن أكثر الأخبار قد دل على المنع بآكد وجه إلا مع الضرورة ، فتخرج بعد نصف الليل وتعود عشاء ، وجملة منها قد دل على الجواز مطلقا ، وهي الأخبار الأخيرة ، والظاهر الجمع بينهما بما تضمنته صحيحة الصفار المتقدمة من إلجاء الحاجة إلى ذلك والضرورة فتخرج نهارا ، وتبيت في غيره ليلا.

والشيخ في كتابي الأخبار جمع بينها بحمل أخبار النهي عن البيتوتة عن بيتها على الاستحباب كما هو قاعدته غالبا في جميع الأبواب ، وظاهر الأخبار المانعة بآكد منع لا يساعده.

ومن أخبار المسألة زيادة على ما قدمنا ما رواه أبو منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج والشيخ في كتاب الغيبة (١) عن صاحب الزمان عليه‌السلام مما كتب في أجوبة مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث سأله عن المرأة يموت زوجها ، هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟ التوقيع : تخرج في جنازته ، وهل يجوز لها وهي في عدتها أن تزور قبر زوجها؟ التوقيع : تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها ، وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها أم لا تخرج من بيتها في عدتها؟ التوقيع : إذا كان حق خرجت فيه وقضته ، وإن كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى تقضيها ، ولا تبيت إلا في منزلها.

أقول : وهذا الخبر قد اشتمل على ما فصلناه في تلك الأخبار بعد حمل مطلقها على مقيدها وملخصه أنه مع الضرورة إلى الخروج فلا إشكال في جواز الخروج

__________________

(١) الاحتجاج ص ٢٦٩ ، الغيبة ص ٢٤٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٠ ب ٣٣ ح ٨.

٤٧١

وإن استلزم البيات في غير بيتها ، ومع عدم الضرورة فإنه يرخص لها الخروج لقضاء الحقوق التي يلزمها من عيادة مريض أو حضور تعزية ونحو ذلك من الحقوق التي يقوم بها النساء بعضهن لبعض ونحو ذلك من الأمور المستحبة ، لكن لا تبيت إلا في بيتها ، ولا ينافي ذلك الأخبار الدالة على جواز الانتقال من منزل إلى آخر.

ومنها زيادة على ما قدمناه ما رواه في الكافي (١) عن معاوية بن عمار في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها أو حيث شاءت؟ قال : بل حيث شاءت ، إن عليا عليه‌السلام لما توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته».

وعن سليمان بن خالد (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة توفي عنها زوجها ، أين تعتد في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال : بل حيث شاءت ، ثم قال : إن عليا عليه‌السلام لما مات عمر أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته».

وعن عبد الله بن سليمان (٣) «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتوفى عنها زوجها أتخرج إلى بيت أبيها وأمها من بيتها إن شاءت فتعتد؟ فقال : إن شاءت أن تعتد في بيت زوجها اعتدت ، وإن شاءت اعتدت في أهلها ، ولا تكتحل ولا تلبس حليا».

وعن يونس (٤) عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها أتعتد في بيت تمكث فيه شهرا أو أقل من شهر أو أكثر ثم تتحول منه إلى غيره فتمكث في المنزل الذي تحولت إليه مثل ما مكثت في المنزل الذي تحولت

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٨ ب ٣٢ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٦١ ح ١٥٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٧ ب ٣٢ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١١٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٨ ب ٣٢ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٦ ح ٩ ، التهذيب ج ٨ ص ١٦٠ ح ١٥٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦١ ب ٣٤ ح ٢.

٤٧٢

منه ، كذا صنعتها حتى تنقضي عدتها؟ قال : يجوز ذلك لها ولا بأس».

والشيخ ومن تبعه قد عملوا بهذه الأخبار ، فقالوا بجواز ترك البيات في المنزل وجواز الخروج حيث شاءت ، وحملوا أخبار النهي على الكراهة.

والأقرب أن جواز الانتقال من منزل إلى آخر لا ينافي وجوب الاستقرار في ذلك المنزل الذي استقرت فيه ، فلا يجوز لها الخروج والرجوع إليه إلا في الصورة التي قدمنا ذكرها من الضرورة وقضاء الحقوق ، فلا منافاة.

وفي المقام فوائد يجب التنبيه عليها :

الاولى : ما ذكرنا من الحكم المذكور مختص بالزوجة ، فلا يتعدى إلى غيرها من أقارب الميت وبناته ولا إلى إمائه ولو كن موطوءات أو أمهات أولاد ، للأصل ، وتعليق الحكم في الأخبار على الزوجة المشار إليها بالمتوفى عنها زوجها نعم قد ورد في بعض الأخبار الأمر بالاعتداد لهن ثلاثا.

فروى الشيخ في التهذيب (١) عن محمد بن مسلم قال : «ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها».

وعن أبي يحيى الواسطي (٢) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يحد الحميم على حميمه ثلاثا ، والمرأة على زوجها أربعة أشهر وعشرا». والظاهر أنه على الاستحباب.

الثانية : قد صرح في المسالك بأنه لا فرق في الزوجية بين الصغير والكبير ولا المسلمة والكافرة ، ولا بين المدخول بها وغيرها ، لإطلاق الأدلة المتقدمة ، وعلى هذا فالتكليف في الصغيرة متعلق بالولي ، فعليه أن يجنبها ما تتجنبه الكبيرة من الأمور المعتبرة في الحداد ونحوها المجنونة ، انتهى.

وظاهره أن الحكم المذكور اتفاقي ، حيث لم يشر إلى خلاف فيه ، مع أن المنقول عن ابن إدريس منع ذلك في الصغيرة فإنه لا حداد عليها ، وإليه مال

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ١٦٠ ح ١٥٥ و ١٥٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٠ ب ٢٩ ح ٥ و ٦.

٤٧٣

العلامة في المختلف أيضا ، حيث نقل ذلك عن ابن إدريس فقال في الكتاب المذكور ـ بعد أن نقل عن الشيخ (١) في الخلاف والمبسوط القول بوجوب العدة عليها ـ ما لفظه : وقال ابن إدريس : ولي في الصغيرة نظر ، لأن لزوم الحداد حكم شرعي وتكليف سمعي ، والتكاليف لا تتوجه إلا إلى العقلاء ، وإنما ذهب شيخنا في مسائل خلافه إلى أن الصغيرة يلزمها الحداد ، ولم يدل بإجماع الفرقة ولا بالأخبار ، وهذه المسألة لا نص لأصحابنا عليها ولا إجماع.

ثم قال في المختلف : وقول ابن إدريس لا بأس به ، لأن الحداد هو ترك ما يحصل به الجمال والزينة ، ولبس الثياب المزعفرات والملونات التي تدعو النفس إليها وتميل الطباع نحوها ، وهو إنما يؤثر في البالغ دون الصبية غالبا ، انتهى.

أقول : ما استدل به ابن إدريس ـ من اختصاص الخطابات بهذه التكاليف في الأخبار المتقدمة بالبالغة العاقلة ، والأصل براءة ذمة الولي ـ جيد وجيه ، كما لا يخفى على الفطن النبيه.

الثالثة : هل يفرق في الزوجة بين الحرة والأمة؟ قولان.

فذهب الشيخ في النهاية إلى الفرق بينهما ، واختاره ابن البراج في كتابيه ونقله في المختلف عن ابن الجنيد وشيخنا المفيد وابن أبي عقيل من المتقدمين ، وهو اختيار العلامة في المختلف وشيخنا في المسالك وسبطه في شرح النافع.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم الفرق بينهما فيجب عليهما الحداد معا ،

__________________

(١) وصورة ما نقله عن الشيخ أنه قال : المتوفى عنها زوجها إذا كانت صغيرة عليها الحداد بلا خلاف ، وينبغي لوليها أن يجنبها ما يجب على الكبيرة اجتنابه من الإحداد بلا خلاف ، واستدل بعموم الخبر وطريقة الاحتياط ، وما روى أن امرأة أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله ان ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها ، أفأكحلها؟ قال : لا ، ولم يسأل هل هي كبيرة أو صغيرة ، فدل على أن الحكم لا يختلف ، وتبعه ابن البراج ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٧٤

واختاره ابن إدريس ، وهو ظاهر أبي الصلاح وسلار وابن حمزة ، حيث أوجبوا الحداد على المعتدة ولم يفصلوا.

والأظهر الأول ، لما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة ، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد».

احتج الشيخ على ما ذهب إليه في المبسوط وابن إدريس على ما نقله العلامة في المختلف بقوله عليه‌السلام «لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا» ولم يفرق.

قال في المختلف : والجواب : إن هذه الرواية لم تصل إلينا مسندة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما رواها الشيخ مرسلة ولا حجة فيها ، انتهى.

أقول فيه : إن هذه الرواية بعينها وإن لم ترد من طرقنا ، إلا أن نظيرها مما قدمناه في الفائدة الاولى ، وهو رواية محمد بن مسلم ورواية الواسطي قد ورد من طرقنا ، وهو وإن دل على ما دل عليه الخبر المذكور لكن الجواب من ذلك ظاهر بأن إطلاق الخبرين المذكورين مقيدة بالصحيحة المذكورة ، ومن القاعدة المسلمة تقديم العمل بالمقيد وتقييد المطلق به.

ثم إن العلامة في المختلف قال ونعم ما قال : والعجب أن ابن إدريس ترك مقتضى العقل والنقل وهو أصالة البراءة من التكليف بالحداد وما تضمنته الرواية الصحيحة التي قدمناها وعول على هذا الخبر المقطوع السند ، مع ادعائه أن الخبر الواحد المتصل لا يعمل به ، فكيف المرسل ، وهذا يدل على قصور قريحته وعدم تفطنه بوجوه الاستدلال ، انتهى وهو جيد.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧٠ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٣ ب ١٢٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ب ٤٢ ح ٢.

٤٧٥

الرابعة : الظاهر أنه لا خلاف في أن المطلقة لا حداد عليها رجعية كانت أو بائنة.

أما الرجعية فلبقاء أحكام الزوجية وتوقع الرجعة ، بل ظاهر جملة من الأخبار استحباب التزين لها كما ستقف عليه.

وأما البائن فعلله في المسالك بأنها مجفوة بالطلاق ، فلا يلائم التكليف بما يقتضي التفجع على الزوج والحزن بخلاف المتوفى عنها زوجها.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المطلقة تكتحل وتختضب وتلبس ما شاءت من الثياب لأن الله عزوجل يقول «لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» (٢) لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها.

وعن محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المطلقة تشوق لزوجها ما كان له عليها رجعة ولا يستأذن عليها».

وعن أبي بصير (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام «في المطلقة تعتد في بيتها وتظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».

وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة في نفي الحداد في المطلقة الرجعية ، وأنه يستحب لها الزينة كما قدمنا ذكره.

وما رواه في الفقيه (٥) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٩٢ ح ١٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٨ ح ١٤٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٧ ب ٢١ ح ٢ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٢) سورة الطلاق ـ آية ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٩١ ح ٧ وفيه «تشوفت» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٧ ب ٢١ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٩١ ح ١٠ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣١ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٧ ب ٢١ ح ١.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٨٢ ضمن ح ١٩٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥١ ب ٢٩ ح ٧ وما في المصادر اختلاف يسير.

٤٧٦

سئل عن المرأة إذا اعتدت ، هل يحل لها أن تختضب في العدة؟ قال : لها أن تكتحل وتدهن وتمتشط وتصبغ وتلبس الصبغ وتختضب بالحناء وتصنع ما شاءت لغير زينة من زوج».

وما رواه في الكافي (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «عدة المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين لأن عليها أن تحد أربعة أشهر وعشرا وليس عليها في الطلاق أن تحد».

وهذان الخبران ظاهران في نفي الحداد عن المطلقة بائنة كانت أو رجعية.

وما رواه الشيخ في التهذيب (٢) عن محمد بن يعقوب بسنده إلى مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن علي عليه‌السلام قال : «المطلقة تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها ولا تكتحل ولا تطيب ولا تختضب ولا تمتشط».

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر كما نقلناه : هذا الحديث لم نجده في الكافي والذي يظهر من كلام صاحب الوسائل أنه موجود فيه ، حيث إنه نقل ذلك عن العدة عن سهل عن أبي شمعون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام. إلى آخر الخبر ، ثم قال : ورواه الشيخ بإسناده عن محمد ابن يعقوب إلا أنه يحتمل أنه اعتمد على كلام الشيخ وروايته عن محمد بن يعقوب بهذه الاسناد فأسنده عن محمد بن يعقوب ثم أسنده إلى الشيخ.

وبالجملة فإنه لا يحضرني الآن كتاب الكافي فليراجع.

وكيف كان فهذه الرواية كما ترى ظاهرة المخالفة لما قدمناه من الأخبار ، والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ حملها على البائن ، وأنه يستحب لها الحداد ، قال : لأن استعمال الزينة إنما يستحب لها في الطلاق الرجعي ليراها الرجل فربما يراجعها ولا بأس به في مقام الجمع وإن كان لا يخلو من نوع بعد ، إذ ليس بعد ذلك إلا

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٧ ب ٢١ ح ٣.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٦٠ ح ١٥٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٨ ب ٢١ ح ٥.

٤٧٧

طرحه من البين.

وما رواه في كتاب قرب الاسناد (١) عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن المطلقة لها أن تكتحل وتختضب وتلبس ثوبا مصبوغا؟ قال : لا بأس إذا فعلته من غير سوء».

وهذا الخبر نظير ما تقدم في خبر عمار من قوله عليه‌السلام «تصنع ما شاءت لغير ريبة من زوج». ومرجعها إلى أنها يجوز لها الزينة ما لم يكن التزين لغير زوجها الذي طلقها من الأجانب.

ومن هنا يمكن حمل خبر مسمع وما تضمنه من النهي عن تلك الأشياء المذكورة فيه على ما إذا لم يكن لغير الزوج من الأجانب ، كما يشير إليه هذان الخبران ، وإن سماها حدادا ، وهو محمل قريب كما لا يخفى على الأريب.

الخامسة : لو أخلت بما وجبت عليها من الحداد فلا إشكال في أنها تكون عاصية لإخلالها بالواجب ، وهل تنقضي عدتها؟ أم لا بل يجب عليها استئناف ما أخلت به بأن تحد في قدر ما مضى من تلك الأيام؟ قولان.

أشهرهما على ما نقله في المسالك الأول ، قال : للأصل ، وعدم المنافاة بين المعصية له تعالى وانقضاء العدة ، فتدخل في عموم الأدلة الدالة على انقضاء العدة بما بعد المدة المضروبة لعموم قوله تعالى «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (٢) ثم نقل عن أبي الصلاح والسيد الناصر شارح الرسالة أنه لا يحسب من العدة ما لا يحصل فيه الحداد من الزمان للإخلال لمراد الشارع ، فلم يحصل الامتثال ويجب الاستئناف ، ثم رده بأنه نادر ، والأظهر هو قول المشهور.

السادسة : لو وطئت المرأة بعقد الشبهة ثم مات الواطئ فإن العدة الواجبة عليها عدة الطلاق لا عدة الوفاة ، لأن أخبار عدة الوفاة موردها الزوجة ولا زوجية

__________________

(١) قرب الاسناد ص ١١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٨ ب ٢١ ح ٦.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٣٤.

٤٧٨

هنا وإن عوملت معاملة الزوجة في بعض الأحكام لدليل خاص.

وبالجملة فالحكم في الأخبار متعلق بالزوجة وهي المنكوحة بالعقد الصحيح والعدة هنا إنما ترتبت على الوطء لا على العقد حتى أنه لو وطأها شبهة عن غير عقد بالكلية كأن يطأها بظن أنها زوجته مثلا فإنه يجب عليها عدة الطلاق ، فهذه العدة واجبة عليها لذلك حيا كان أو ميتا ، فلا يتعلق بها حكم عدة الوفاة ولا ما يترتب عليها من الحداد.

المقام السادس : في حكم المفقود زوجها ، وتفصيل الكلام في المقام حسب ما ذكره علماؤنا الأعلام أن يقال : لا إشكال ولا خلاف في أن الغائب إن علمت حياته فهو كالحاضر ، وإن علم موته اعتدت منه وجاز تزويجها ، ولو علمت الوفاة هي خاصة جاز لها التزويج وإن لم يحكم بها الحاكم ، لكن لا يجوز لمن علم بالزوجية ولم يثبت عنده موت الزوج تزويجها ، نعم لو كان جاهلا بحالها وعول على إخبارها بعدم الزوج أو وفاته فإنه يجوز له تزويجها لأنها مصدقة في إخبارها كما دلت عليه الأخبار.

إنما الإشكال فيما لو انقطع خبره ولم يثبت موته ولا حياته ، فإن الذي تقتضيه الأصول واستصحاب حكم الزوجية هو وجوب الصبر إلى أن يثبت موته شرعا ، لكن قد وردت الأخبار عنهم عليهم‌السلام بخلاف ذلك في الباب ، إلا أنها أيضا لا يخلو بعضها مع بعض من التدافع والاضطراب.

وقد اتفقت كلمة الأصحاب كما هو ظاهر الأخبار الآتية أيضا على أنه يجب الصبر عليها ما أنفق عليها في مال المفقود أو الولي أو غيرهما ، وأما مع عدم من ينفق فإنه يجب الصبر عليها أربع سنين ليطلب فيها ، وأن النفقة في ضمن الأربع إما من مال المفقود إن كان له مال ، وإلا فمن بيت المال ، وبعد الأربع مع حصول الفحص فيها أو بعدها يجري عليها الحكم المذكور.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ثم الكلام فيها بما وفق

٤٧٩

الله تعالى فهمه منها ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المفقود ، فقال : المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليه أن ينفق عليها فما أنفق عليها فهي امرأته ، قال : قلت : فإنها تقول : فإني أريد ما تريد النساء ، قال : ليس ذلك لها ولا كرامة ، فإن لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره أن يطلقها فكان ذلك عليها طلاقا واجبا».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٢) عن بريد بن معاوية قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المفقود كيف يصنع بامرأته؟ قال : ما سكتت عنه وصبرت يخلي عنها ، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين ، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه يسأل عنه ، فإن خبر عنه بحياة صبرت ، وإن لم يخبر عنه بشي‌ء حتى تمضي الأربع سنين دعي ولي الزوج المفقود فقيل له : هل للمفقود مال؟ فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته ، وإن لم يكن له مال قيل للولي : أنفق عليها ، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما أنفق عليها ، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي طاهرة ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الوالي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين ، وإن انقضت العدة قبل أن يجي‌ء ويراجع فقد حلت للأزواج ، ولا سبيل للأول عليها».

قال في الفقيه : وفي رواية اخرى (٣) «أنه إن لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٨٩ ب ٢٣ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٤٧ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٧٩ ح ١٣٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٨٩ ب ٢٣ ح ١ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٩٠ ب ٢٣ ح ٢.

٤٨٠