الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

دمها قبل تمام العدة لعارض كذلك لأن عود الدم هنا ممكن واحتسابه من الحيض جائز ، بخلاف اليأس الذي تبين به انقطاع الحيض بالمرة.

البحث الرابع : في جملة من الأحكام الملحقة بهذا المقام.

الأول : قال المحقق في الشرائع (١) : ولو استمر الدم مشتبها رجعت إلى عادتها في زمان الاستقامة واعتدت به ولو لم يكن لها عادة اعتبرت صفة الدم واعتدت بثلاثة أقراء ، ولو اشتبه رجعت إلى عادة نسائها ، ولو اختلفن اعتدت بالأشهر ، انتهى.

والمراد باستمراره أي تجاوزه العشرة ، والمراد باشتباهه في هذا المقام هو أنه بعد تجاوز العادة متى كانت ذات عادة إلى أن يتجاوز العشرة محتمل لأن يكون حيضا وعدمه ، وإن كان مع الانقطاع قبل العشرة أو تجاوزها يكون غير مشتبه ، وما ذكر من الرجوع بعد تجاوز العشرة إلى العادة متى كانت ذات عادة والاعتداد بها وكذا لو لم تكن ذات عادة بل كانت مبتدئة أو مضطربة من العمل بالتمييز إذا حصلت شرائطه المتقدمة في باب الحيض مما لا إشكال فيه ولا خلاف.

إنما الإشكال في قوله «ولو اشتبه رجعت إلى عادة نسائها» فإنه على إطلاقه ـ وإن

__________________

(١) أقول. بهذه العبارة التي عبر بها المحقق عبر الشيخ في النهاية ، ومثله العلامة في القواعد والتحرير من غير فرق بين المبتدئة والمضطربة ، وقال في الإرشاد : والمضطربة يرجع الى أهلها أو التميز ، فان فقدت فإلى الأهل ، هذا حكم المضطربة ، ولم يذكر المبتدئة بالكلية مع أن الأمر كما عرفت في الأصل على العكس ، وزاد عطف التميز على الأهل ب «أو» الموجبة للتخيير.

وابن إدريس بعد أن نقل عبارة الشيخ في النهاية المتضمنة لتقديم التميز على عادة الأهل قال : والاولى تقديم العادة على اعتبار صفة الدم ، لأن العادة أقوى ، فان لم يكن لنسائها عادة رجعت الى اعتبار صفة الدم ، فقدم الرجوع الى النساء على التميز ، ولم يفرق بين المبتدئة والمضطربة كما لم يفرق غيره أيضا.

وبالجملة فإن كلامهم هنا لا يخلو من الاضطراب ، وليس لهذا الاختلاف هنا أصل يمضى عليه ، والمعمول على ما تقدم في باب الحيض من التحقيق في ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٤١

كان قد صرح به الشيخ قبله والعلامة في أكثر كتبه بعده ـ محل إشكال ، وذلك لأن من لم يكن لها عادة واعتبرت صفة الدم مراد بها المبتدئة والمضطربة كما عرفت ، ومقتضى العبارة أنهما مع فقد التميز ترجعان إلى عادة نسائهما ، وهذا في المبتدئة جيد لما تقدم في باب الحيض من الأخبار الدالة عليه ، وقول الأصحاب به. وأما المضطربة فلا دليل عليه فيها ، ولا قائل به إلا ما ينقل عن أبي الصلاح ، وهو شاذ مردود بعدم الدليل عليه ، بل الحكم فيها أنها مع فقد التميز ترجع إلى الروايات ، وليس لحكم الحيض في العدة أمر يقتضي هذا بخصوصه.

وبالجملة فإن تصريحهم بذلك هنا ـ على خلاف ما قرروه واتفقوا عليه إلا الشاذ منهم كما عرفت في باب الحيض ـ لا يخلو من تدافع.

نعم مقتضى ما قرروه في باب الحيض أن المبتدئة مع فقد التميز وفقد عادة النساء ، والمضطربة مع فقد التميز ترجعان إلى التحيض بالروايات المتقدمة في باب الحيض.

وأما هنا فإن الأخبار قد صرحت بأنها تعتد بالأشهر الثلاثة في موضع الأخذ بالروايات ثمة التي تنقص عن الثلاثة الأشهر.

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي (١) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء».

وعن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة التي لم تحض والمستحاضة التي لم تطهر ثلاثة أشهر ، وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٠ ح ٨ ، التهذيب ج ٨ ص ١١٨ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٢ ب ٤ ح ٧.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٩٩ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١١٧ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٣ ب ٤ ح ٩.

٤٤٢

وما رواه في التهذيب (١) عن زرارة قال : «إذا نظرت فلم تجد الأقراء إلا ثلاثة أشهر ، فإذا كانت لا يستقيم لها حيض تحيض في الشهر مرارا فإن عدتها عدة المستحاضة ثلاثة أشهر ، وإذا كانت تحيض حيضا مستقيما فهو في كل شهر حيضة بين كل حيضتين شهر ، وذلك القرء».

قال في الوافي : «فلم تجد الأقراء إلا في ثلاثة أشهر» أي لم تجد الأطهار الثلاثة إلا في ثلاثة أشهر ، وهذا ينقسم إلى قسمين كما فصله ، انتهى.

وما رواه المشايخ الثلاثة (٢) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه قال في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة أشهر والمستحاضة التي لم تبلغ الحيض ، والتي تحيض مرة وترتفع مرة ، والتي لا تطمع في الولد والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنها لم تيأس ، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر أن عدة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر».

وبهذه الأخبار خرجت المستحاضة المستمر دمها بالنسبة إلى العدة عن الحكم التي تقرر لها في باب الحيض فحكمها بالنسبة إلى العدة الاعتداد ثلاثة أشهر ، وأما بالنسبة إلى العبادات فترجع فيها إلى الروايات المتقدمة في باب الحيض.

قال في المسالك : ويمكن أن تكون حكمة العدول عن الروايات إلى الأشهر انضباط العدة بذلك ، دون الروايات من حيث إنها تتخير في تخصيص العدد بما شاءت من الشهر ، وذلك يوجب كون العدة بيدها زيادة ونقصانا ، وذلك غير موافق لحكمة العدة ، انتهى.

ومن جملة أخبار المسألة ما رواه الشيخ (٣) عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٠ ح ١٠ ، ولم نعثر عليه في التهذيب ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١١ ب ٤ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٩٩ ح ٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣٢ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ١١٩ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٠ ب ٤ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٢٧ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٥ ب ٥ ح ١.

٤٤٣

عليهما‌السلام قال : «تعتد المستحاضة بالدم إذا كان في أيام حيضها ، أو بالشهور إن سبقت لها ، فإن اشتبه فلم تعرف أيام حيضها من غيرها فإن ذلك لا يخفى ، لأن دم الحيض دم عبيط حار وأن دم الاستحاضة دم أصفر بارد».

أقول : وفي هذه الرواية دلالة على ما تقدم نقله عن الأصحاب من العمل بالتميز مبتدئة كانت أو مضطربة بحمل عدم المعرفة على ما هو أعم من وجود أيام حيض لها سابقا ، ولكن أضلتها أو لم تكن بالكلية ، ومرجعه إلى توجه التقي إلى القيد والمقيد ، أو القيد خاصة ، ويحتمل اختصاصها بالمضطربة.

وما رواه في الفقيه (١) عن محمد بن مسلم في الصحيح «أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن عدة المستحاضة ، قال : تنظر قدر أقرائها فتزيد يوما أو تنقص يوما ، فإن لم تحض فلتنظر إلى بعض نسائها فلتعتد بأقرائها».

وفي هذا الخبر دلالة على ما تقدم أيضا من أن ذات العادة مع استمرار الدم ترجع إلى عادتها السابقة ، والمبتدئة تنظر إلى حيض نسائها وتعتد بأقرائهن.

وأما ما ذكروه هنا من جريان هذا الحكم في المضطربة فقد عرفت ما فيه ، وأنه لا دليل عليه لا في باب الحيض ولا في هذا الباب.

الثاني : قد صرح الأصحاب بأنه متى طلقت في أول الهلال وكانت تعتد بالأشهر اعتدت بثلاثة أشهر هلالية ، لأن الشهر حقيقة في الهلالي ، وهو مما لا خلاف فيه.

إنما الخلاف فيما لو طلقت في أثناء الشهر فقيل : إنها متى طلقت في أثناء الشهر وانكسر ذلك الشهر اعتبر بعده شهران هلاليان وأكمل المنكسر ثلاثين يوما.

(أما) الأول فلما عرفت من أن الشهر متى أطلق فإنه حقيقة في الهلالي.

(وأما) الثاني فلأنه لما امتنع في الشهر الأول أن يكون هلاليا لفوات بعضه وجب الانتقال إلى الشهر العرفي وهو الثلاثون.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٣٣ ح ٩ وفيه «سأله محمد بن مسلم» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٦ ب ٥ ح ٢.

٤٤٤

وقيل بأنه تجبر الأول بقدر ما فات منه ، ووجهه أن إطلاق الشهر محمول على الهلالي ، فإذا فات بعضه أكمل من الرابع بقدر الفائت ، فلو فرض كونه تسعة وعشرين يوما وطلقها وقد مضى منه عشرون يوما أكمله بتسعة من الشهر الرابع وقيل : إنه ينكسر الجميع فيسقط اعتبار الأهلة في الثلاثة ، ووجهه أن المنكسر أولا يتمم مما يليه فينكسر أيضا وهكذا.

وإلى القول الأول مال المحقق في الشرائع والشهيد الثاني في شرحه ، وتحقيق الكلام في المقام قد مر مستوفى في باب السلم من كتاب المعاملات (١) فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.

قال في المسالك : واعلم أن انطباق الطلاق ونحوه من العقود على أول الشهر يتصور بأن يبتدأ في اللفظ قبل الغروب من ليلة الهلال بحيث يقترن بأول الشهر لا بابتدائه في أول الشهر ، لأنه إلى أن يتم لفظه يذهب جزء من الشهر فينكسر.

أقول : لا يخفى ما فيه من العسر وتعذر معرفة ذلك على سائر الناس ، مع أن الذي صرح به في كتاب السلم إنما هو بناء الابتداء على العرف ، فلا يقدح فيه اللفظة ولا الساعة ، وهو ظاهر غيره أيضا كما قدمنا ذكره في كتاب السلم.

قال في كتاب السلم : يعتبر في أولية الشهر وأثنائه العرف لا الحقيقة لانتفائها دائما أو غالبا إذ لا يتفق المقارنة المحضة بغروب ليلة الهلال ، فعلى هذا لا يقدح فيه نحو اللحظة ، ويقدح فيه نصف الليل ونحوه ، وحيث كان المرجع إلى العرف فهو المعيار ، والظاهر أن الساعة غير قادحة. انتهى وهو جيد ، لا ما ذكره في هذا الكتاب من اعتبار الأولية الحقيقية.

الثالث : لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو ارتابت بالحمل بأن وجدت علامة تفيد الظن به بعد العدة نكحت أو لم تنكح جاز لها التزويج ، وكان نكاحها صحيحا

__________________

(١) الحدائق ج ١٩ ص ١٣١.

٤٤٥

للحكم شرعا بانقضاء العدة المبيح للتزويج ، فلا يعارضه الظن الطارئ بالريبة ، ومرجعه إلى أن الشك لا يعارض اليقين ، وهي قاعدة كلية متفق عليها.

إنما الخلاف فيما لو حصلت الريبة قبل انقضاء العدة ، فهل يجوز لها التزويج بعد انقضاء العدة أم لا؟

وبالثاني قال الشيخ في المبسوط ، فإنه حكم بأنه لا يجوز لها أن تنكح بعد انقضاء العدة إلى أن يتبين الحال ، وعلله بأن النكاح مبني على الاحتياط.

وبالأول صرح المحقق والعلامة لوجود المقتضي ، وهو الخروج من العدة وانتفاء المانع ، إذ الريبة بذاتها لا توجب الحكم بالحمل ، والأصل عدمه.

أقول : ويمكن تأييد ما ذهب إليه الشيخ هنا بروايات محمد بن حكيم المتقدمة (١) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) المتقدمة أيضا ، والتقريب فيها أنها دلت على أن المسترابة بعد الثلاثة الأشهر التي هي العدة لذات الشهور تعتد بتسعة أشهر ، بناء على كون مدة الحمل هي التسعة أو سنة كما في موثقة عمار (٣) بناء على كونها سنة ، ثم إنها تحتاط بعد المدة المذكورة بثلاثة أشهر ، ولعل تعبير الشيخ بالاحتياط وقع تبعا لما صرحت به الروايات المذكورة ، فإنها صرحت بأنها بعد التسعة أو العشرة لا ريبة عليها ، ولكن تحتاط بالصبر ثلاثة أشهر ، وأنه لا يجوز لها التزويج إلا بعد مضي الثلاثة الأخيرة مع الحكم بانتفاء الريبة عنها بعد التسعة أو السنة ، إلا أنه يمكن تخصيص محل البحث بما لو حصلت الريبة في الثلاثة الأشهر التي هي العدة لذات الشهور ، وإلا فإنها بعد تمام الثلاثة وعدم الريبة يجوز لها التزويج كما يدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد بن حكيم (٤) في الحسن عن

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٢٩ ح ٤٤ و ٤٦ و ٤٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٢ ب ٢٥ ح ٢ و ٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٢٨ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢١ ب ١١ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١١٩ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٢ ب ١٣ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٠٢ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٢ ب ٢٥ ح ٤ وفيهما اختلاف يسير.

٤٤٦

العبد الصالح عليه‌السلام قال : «قلت له : المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ، ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : جعلت فداك فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر ، فتبين لها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل ، قال : هيهات من ذلك يا ابن حكيم ، رفع الطمث ضربان : إما فساد من حيضة فقد حل لها الأزواج وليس بحامل ، وإما حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر ، لأن الله تعالى قد جعله وقتا يستبين فيه الحمل ، قال : قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : إنما الحمل تسعة أشهر ، قلت : فتزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : ليس عليها ريبة ، تزوج».

المقام الرابع في عدة الحامل : والمشهور في كلام الأصحاب أن عدتها وضع الحمل حيا كان أو ميتا تاما كان أو ناقصا إذا تحقق أنه مبدأ نشو آدمي ، ويدل عليه قوله عزوجل «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» وهي بإطلاقها شاملة لما ذكرناه من الأفراد ، ويدل على ذلك الأخبار أيضا ، منها :

ما رواه في الكافي (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا طلقت المرأة وهي حامل فأجلها أن تضع حملها وإن وضعت من ساعتها».

وما رواه في الفقيه في الصحيح والكليني (٢) في الموثق عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن الحبلى إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا ثم أو لم يتم فقد انقضت عدتها ، أو إن كان مضغة ، قال : كل شي‌ء وضعته يستبين أنه حمل ثم أو لم يتم فقد انقضت عدتها وإن كان مضغة». وهو صريح فيما ذكرناه من الأفراد المتقدمة.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٢ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٩ ب ٩ ح ٧ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٨٢ ح ٩ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣٠ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢١ ب ١١ ح ١.

٤٤٧

وما رواه في التهذيب (١) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل طلق امرأته وهي حبلى وكان في بطنها اثنان فوضعت واحدا وبقي واحد ، قال : تبين بالأول ولا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها».

وعن عبد الله بن سنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة تضع ، أيحل لها أن تتزوج قبل أن تطهر؟ قال : إذا وضعت تزوجت ، وليس لزوجها أن يدخل بها حتى تطهر».

وعن الحلبي (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق الحبلى واحدة ، وإن شاء راجعها قبل أن تضع ، وإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب».

وما رواه في الكافي (٤) عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «طلاق الحامل واحدة ، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه».

ورواه الصدوق عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وطريقه إليه في المشيخة صحيح ، فيكون الخبر صحيحا.

وقال الصدوق في الفقيه : واعلم أن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وهو أقرب الأجلين ، فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلقها أو بعده متى كان فقد بانت منه وحلت للأزواج فإذا مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ولا تحل للأزواج حتى تضع ، انتهى ونقل ذلك عن ابن حمزة أيضا.

وقال العلامة في المختلف : المشهور أن عدة الحامل وضع الحمل في الطلاق ، وقال الصدوق ـ ثم أورد العبارة المذكورة ثم قال : ـ وقال السيد المرتضى : مما

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٢ ح ١٠ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٣ ح ١٦٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٠ ب ١٠ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٨٩ ح ١٧٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨١ ب ٤٩ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٧١ ح ١٥٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٩ ب ٩ ح ٨.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٨١ ح ٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٨ ب ٩ ح ٤ و ١.

٤٤٨

يظن أن الإمامية مجمعة عليه ومنفردة به القول إن عدة الحامل المطلقة أقرب الأجلين ، بمعنى أن المطلقة إذا كانت حاملا ووضعت قبل مضي الأقراء الثلاثة فقد بانت بذلك ، وإن مضت الأقراء الثلاثة قبل أن تضع حملها بانت بذلك أيضا ، وقد بينا في جواب المسائل الواردة من أهل الموصل المتضمنة أنه ما ذهب جميع أصحابنا إلى هذا المذهب ، ولا أجمع العلماء منا عليه ، وأكثر أصحابنا يفتي بخلافه ، وإنما عول من خالف من أصحابنا على خبر يرويه زرارة عن الباقر عليه‌السلام وقد بينا أنه ليس بحجة ، ثم سلمناه وتأولناه.

وقال ابن إدريس : وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن الحامل عدتها أقرب الأجلين من جملتهم ابن بابويه ، ومعنى ذلك أنه إن مرت بها ثلاثة أشهر فقد انقضت عدتها ولا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها ، وإن وضعت الحمل بعد طلاقه بلا فصل بانت منه وحلت للأزواج ، وتعجب منه ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامي المرتضى وابن إدريس ذهاب جملة من الأصحاب إلى هذا القول وأن منهم الصدوق ، وظاهر كلام المتأخرين تخصيص الخلاف بالصدوق.

والذي يدل على هذا القول ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين».

وعن الحلبي (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق الحبلى واحدة ، وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين».

ورواه في الكافي (٣) أيضا عن ابن مسكان عن أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

والسيد السند في شرح النافع إنما استدل لهذا القول برواية أبي الصباح ،

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨١ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٠ ح ١٥١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٨ ب ٩ ح ٣.

(٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ٨٢ ح ٨ و ٦، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٩ و ٤١٨ ب ٩ ح ٦ و ٢.

٤٤٩

ثم ردها بضعف السند لاشتماله على محمد بن الفضيل وهو مشترك ، مع أنك قد عرفت ورود هذين الخبرين الصحيحين بذلك.

والتحقيق عندي في الجواب أن هذه الأخبار غير صريحة بل ولا ظاهرة فيما ادعاه الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ لأن المفهوم من أخبار المسألة كملا بعد ضم بعضها إلى بعض هو أن عدة الحامل وضع الحمل ، فإنه أقرب الأجلين كما هو مدلول صحيحتي الحلبي وأبي بصير ، وإنما وصف وضع الحمل بأنه أقرب الأجلين لجواز حصوله بعد الطلاق بلحظة أو أيام يسيرة ، ونحو ذلك بخلاف التحديد بالثلاثة الأشهر فإنه لا قرب فيها بالكلية ، وحينئذ فمعنى قوله في رواية الكناني «وعدتها أقرب الأجلين» أن عدتها هو وضع الحمل الذي هو أقرب الأجلين ، فهو صفة لموصوف محذوف لا أن المراد ما توهمه ـ رحمة الله عليه ـ ومن معه من أن المعنى أقرب العدتين ، بمعنى أن أيهما سبق اعتدت به ، فإنه مردود بالآية والأخبار المتكاثرة كما عرفت.

وعلى تقدير ما ذكرناه تجمع الآية وأخبار المسألة كملا ويرتفع التنافي من البين.

وأما ما ذكره المرتضى من دلالة رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام على قول الصدوق فإنا لم نقف فيما وصل إلينا من الأخبار عليها ، وإنما الذي وصل إلينا ما ذكرناه من الروايات الثلاث المنقولة ، وتمام تحقيق الكلام في المقام يتم برسم مسائل :

الأولى : ـ اختلف الأصحاب فيما لو كانت حاملا باثنين فولدت واحدا فهل تبين بوضع الأول ، وإن لم ينكح إلا بعد وضع الثاني؟ أو أنها لا تبين إلا بوضعهما معا؟ قولان :

(أولهما) للشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وابن الجنيد وعليه تدل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) المتقدمة.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٢ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٠ ب ١٠ ح ١.

٤٥٠

وقال أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (١) «وروى أصحابنا أن الحامل إذا وضعت واحدا انقطعت عصمتها من الزوج ، ولا يجوز لها أن تعقد على نفسها لغيره حتى تضع الآخرة». ويحتمل إرادة الرواية المذكورة ونقلها بالمعنى ، ويحتمل أن يكون رواية أخرى بهذا اللفظ ، ولعله الأقرب.

(وثانيهما) للشيخ في الخلاف والمبسوط وابن إدريس والعلامة والمحقق ، وادعى في الخلاف إجماع أهل العلم عليه ، واختاره في المسالك وسبطه السيد السند في شرح النافع تمسكا بظاهر الآية ، فإنه مع بقاء شي‌ء من الحمل في الرحم لا يصدق وضع حملهن ، واستضعافا للرواية ، قال : والرواية واضحة المتن ، لكن في طريقها عدة من الواقفية والمجاهيل ، وذلك مما يمنع العمل بها.

وأنت خبير بأنه وإن كان ظاهر الآية كما ذكروه إلا أن مقتضى كلامه ـ رحمة الله عليه ـ أنه لو صح الخبر لأمكن تخصيص الآية به ، وحينئذ فمن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث ويحكم بصحة الأخبار جريا على ما جرت عليه متقدمو علمائنا الأبرار ، فإنه له أن يخصص الآية المذكورة به إذ لا معارض له في البين إلا إطلاق الآية ، والجمع بين الدليلين بما ذكرنا أولى من طرح أحدهما كما هي القاعدة المطردة في كلامهم.

وممن ذهب إلى ما اخترناه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل.

الثانية : ظاهر الآية والأخبار المتقدمة أن انقضاء العدة إنما يحصل بخروجه أجمع ، فلو خرج نصفه أو أزيد متصلا أو منفصلا فإنه لا يصدق وضع الحمل المترتب عليه الخروج من العدة في الآية والأخبار ، فتبقى أحكام الزوجية من الرجعة في الرجعية والميراث لو مات أحدهما ، ونحو ذلك وهو ظاهر.

الثالثة : لا خلاف ولا إشكال في أنه لا يكفي وضعه نطفة مع عدم استقرارها

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٠٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢١ ب ١٠ ح ٢.

٤٥١

في الرحم ، وأما معه فظاهر الشيخ الحكم بانقضاء العدة بها مطلقا ، وفيه إشكال للشك في كونه قد صار حملا ، ويأتي مثل ذلك في العلقة من الدم التي لا تخطيط فيها ، ووافق الشيخ هنا جماعة من الأصحاب منهم المحقق.

قال في المسالك : وهو قريب مع العلم بأنها مبدأ نشو آدمي ، وإلا فلا ، ولو سقطت مضغة فالأقرب كما استقربه في المسالك أيضا أنها تكفي في العلم بذلك.

الرابعة : قال في المسالك : يشترط في الحمل كونه منسوبا إلى من العدة منه ، إما ظاهرا أو احتمالا ، فلو انتفى عنه شرعا لم يعتد به ، وإمكان تولده منه بأن يكون فحلا أو مجبوبا له بقية أو لا معها ، لما تقدم من لحوق الحمل به ، ولو انتفى عنه شرعا بأن ولدته تاما لدون ستة أشهر من يوم النكاح أو لأكثر وبين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة لم تنقض به العدة. وكذا لا يلحق بالممسوح على الأظهر وإن أمكنت المساحقة في حقه لفقد آلة التولد ، انتهى وهو جيد.

الخامسة : قد صرح الأصحاب بأنه لو طلقت المرأة فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل ، وهو تسعة أشهر عند بعض ، وهو المشهور كما تقدم ، وسنة عند آخر ، وعشرة أشهر عند ثالث ، ثم لا يقبل دعواها ، وقد تقدمت جملة من الروايات الدالة على هذا الحكم في صدر البحث الثاني من سابق هذا المقام ، وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) وروايات محمد بن حكيم ، (٢) وهي متفقة في الدلالة على التسعة ، وموثقة عمار المتقدمة في المذكور آنفا وهي دالة على القول بالسنة. وأما القول بالعشرة فلم نقف له على خبر.

واستدل شيخنا في المسالك ونقله سبطه السيد السند في شرح النافع على القول بالسنة بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المشار إليها ، وهي ما رواه في الصحيح «قال : سمعت أبا إبراهيم عليه‌السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته وادعت أنها حبلى انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه».

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٦ ص ١٠١ ح ١ و ٢ و ٤ و ٥.

٤٥٢

قال في شرح النافع : وهذه الرواية صريحة في وجوب التربص سنة ، لكنها لا تدل صريحا على أن ذلك أقصى الحمل. انتهى ، ونحوه كلام جده في المسالك.

وأنت خبير بما فيه ، فإن الظاهر أن مرجع هذه الرواية إلى ما دلت عليه روايات محمد بن حكيم المتقدمة من أنها بعد الاسترابة أو ادعاء الحمل بعد الثلاثة فإنها تصبر تسعة أشهر ، فإن ظهر الحمل فيها وإلا اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، إلا أن أكثر روايات محمد بن حكيم صرحت بأن تلك التسعة أقصى مدة الحمل ، وهذه الرواية فيها نوع إجمال ، إلا أنها عند التأمل ترجع إلى ذلك ، لأن قوله «انتظر تسعة أشهر فإن ولدت وإلا اعتدت» ظاهر في أن التسعة أقصى مدة الحمل ، وإلا فلا معنى لفرض الولادة فيها ، ولو كان أقصى الحمل سنة كما يدعون دلالة هذا الخبر عليه لكان تخصيص هذا الفرض بالتسعة لاغيا ، لأن محله السنة لا التسعة ، والثلاثة التي بعد التسعة قد عرفت آنفا أنها هي العدة الشرعية بعد تيقن براءة الرحم بمضي التسعة.

وبالجملة فإن روايات محمد بن حكيم وهذه الرواية قد اشتركت في الدلالة على أنها بالاسترابة ودعوى الحمل بعد الثلاثة تصبر تسعة أشهر ، فإن ظهر بها حمل وإلا اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، غاية الأمر أن أكثر روايات ابن حكيم صرحت بكون التسعة أقصى مدة الحمل ، وهذه وإن لم تكن صريحة في ذلك إلا أنها ظاهرة فيه. ومع تسليم عدم ظهورها وأنها مطلقة في ذلك فإنه يجب تقييد إطلاقها على ما قيد به تلك الأخبار ، وإلا كان ذكر التسعة في البين لغوا.

والدليل على القول بالسنة إنما هو موثقة عمار (١) كما تقدم ، ولكنها حيث دلت على التربص سنة ثم الاعتداد بثلاثة أشهر فيكون الجميع خمسة عشر شهرا. مع أنه لا قائل بكون الحمل كذلك أطرحوها. وكيف كان فالعمل

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١١٩ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٢ ب ١٣ ح ١.

٤٥٣

على القول بالتسعة.

السادسة : (١) قد صرح الأصحاب بأنه لو طلقها رجعيا ثم مات استأنف عدة الوفاة ، أما لو كانت بائنا فإنها تقتصر على إتمام عدة الطلاق. وعلل بأن المطلقة رجعيا بحكم الزوجة فيثبت لها ما يثبت للزوجة من الأحكام كالتوارث بينهما والظهار والإيلاء وغيرهما من أحكام الزوجية. ومنها ما هنا من وجوب استئناف عدة الوفاة وعدم البناء على ما تقدم بخلاف البائنة ، فإنها في حكم الأجنبية.

ويدل على ما ذكروه من الحكم الأول جملة من الأخبار.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) في الصحيح أو الحسن عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات عنها قال : تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشرا».

وعن هشام بن سالم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد أبعد الأجلين عدة المتوفى عنها زوجها».

وعن زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «عدة المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين لأن عليها أن تحد أربعة أشهر وعشرا ، وليس عليها في الطلاق أن تحد».

__________________

(١) أقول : هذه المسألة وان لم تكن مناسبة بعنوان البحث في هذا المقام حيث ان موضوعه في عدة الحامل ، والمفروض فيها انما هو عدة من مات عنها زوجها وهي في عدة الطلاق ، فلا مناسبة ، الا أن أصحابنا قد صرحوا بهذا الحكم في هذا الموضع فحذونا حذوهم وجرينا على ما جروا عليه ، فلا يظن بنا ظان الغفلة عن ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٢٠ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٩ ح ١١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٣ ب ٣٦ ح ٥.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٢١ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٩ ح ١١٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٣ ب ٣٦ ح ٥.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٤ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٠ ح ١١٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٦ ب ٣١ ح ٤.

٤٥٤

أقول : قوله «عدة المتوفى عنها زوجها» يعني إذا كانت مطلقة آخر الأجلين أي أبعدهما ، وفيه تعليل استئناف عدة الوفاة بأنها يجب عليها الحداد فيها وهي أربعة أشهر وعشرا ، فلا بد من الحداد فيها من أولها إلى آخرها ، بخلاف عدة الطلاق فإنه ليس فيه حداد ، ومن ثم وجب عليها استئناف عدة الوفاة.

وما رواه في الكافي والتهذيب (١) في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه ، ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، وإن توفيت وهي في عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها ـ وزاد في التهذيب ـ وإن قتل ورثت من ديته ، وإن قتلت ورث من ديتها ، ما لم يقتل أحدهما الآخر».

وما رواه في الفقيه (٢) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن رجل طلق امرأته ثم إنه مات قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ولها الميراث».

وعن محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة من غير جماع ثم توفي عنها وهي في عدتها ، قال : ترثه ، ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها» الحديث.

وأما الحكم الثاني وهو أنه متى كان الطلاق بائنا فإنها تقتصر على إتمام عدة الطلاق ، فيدل عليه الأصل السالم من المعارض لأن ما تقدم من الروايات بعد ضم مطلقه إلى مقيده تقتضي اختصاص الاستئناف بالموت العدة الرجعية ، ويدل عليه أيضا مفهوم قوله في صحيحة محمد بن قيس «ولم تحرم عليه» الذي هو كناية عن الطلاق بائنا.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢١ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ٨٠ ح ١٩٤ وص ١٤٩ ح ١١٦ الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٤ ب ٣٦ ح ٣ و ٤ وما في المصدرين الأخيرين اختلاف يسير.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٣ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٥ ب ٣٦ ح ٩.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٨١ ح ١٩٥ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٣١ ب ١٣ ح ٥ وفيهما «تطليقة على طهر ثم.» مع اختلاف يسير.

٤٥٥

وأما ما رواه في الكافي (١) عن علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا «في المطلقة البائنة إذا توفي عنها زوجها وهي في عدتها قال : تعتد بأبعد الأجلين». فردها المتأخرون بضعف السند ، قال في شرح النافع : وضعف هذه الرواية يمنع من العمل بها ، وحمله بعض محدثي متأخري المتأخرين (٢) على الاستحباب وفيها ما لا يخفى ، ولا يحضرني الآن وجه وجيه تحمل عليه.

بقي هنا شي‌ء وهو أنه لا إشكال فيما ذكرنا من وجوب استئناف عدة الوفاة لو مات الزوج في عدة الرجعية فيما إذا زادت عدة الوفاة على عدة الطلاق كما هو الغالب ، إنما الإشكال فيما لو انعكس الفرض كالمسترابة التي عدتها في الطلاق تسعة أشهر أو سنة ثم ثلاثة أشهر بعد ذلك ، فإن عدة الطلاق هنا أزيد من عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشرة أيام.

وحينئذ فهل تجتزي في هذه الحال بعدة الوفاة نظرا إلى عموم أدلة عدة الوفاة وأنه لا فرق بين المسترابة وغيرها؟ أو تعتبر بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن مدة يعلم فيها انتفاء الحمل لأنها بالاسترابة تكون في معرض الحمل وفرض الحامل المتوفى عنها زوجها الاعتداد بأبعد الأجلين كما سيأتي ذكره إن شاء الله؟ أو أنه يجب عليها إكمال عدة المطلقة بثلاثة أشهر بعد التسعة أو السنة أو أربعة أشهر وعشرة أيام بعدهما عوض الثلاثة الأشهر؟ أوجه :

رجح في القواعد الأول على إشكال. واستوجهه السيد السند في شرح النافع قصرا لما خالف الأصل على موضع النص.

وقال في المسالك في توجيه الأوجه المذكورة من إطلاق الحكم بانتقالها إلى عدة الوفاة : ولا دليل فيها على اعتبار ما زاد عن أبعد الأجلين ، ثم يتجه فيها

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢٠ ح ٢ وفيه «توفى عنها وهي.» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٤ ب ٣٦ ح ٦.

(٢) هو المحدث الحر في كتاب الوسائل (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٥٦

الاكتفاء بأربعة أشهر وعشرة ما لم يظهر الحمل لأصالة العدم ومن أن انتقالها إلى عدة الوفاة انتقال إلى الأقوى والأشد ، فلا يكون سببا في الأضعف.

ووجه الثالث أن التربص بها مدة يظهر فيها عدم الحمل لا يحتسب من العدة كما سبق ، وإنما تعتد بعدها ومن ثم وجب للطلاق ثلاثة أشهر ، فيجب للوفاة أربعة أشهر وعشرة ، والحق الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورده ، والرجوع في غيره إلى ما تقتضيه الأدلة ، وغايتها هنا التربص بها إلى أبعد الأجلين من الأربعة الأشهر وعشرة والمدة التي يظهر فيها عدم الحمل ولا يحتاج بعدها إلى أمر آخر ، ودعوى الانتقال هنا إلى الأقوى مطلقا ممنوع ، وإنما الثابت الانتقال إلى عدة الوفاة كيف اتفق. انتهى.

أقول : والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، لعدم الدليل الواضح في هذا المجال وتدافع التعليلات وقيام الاحتمال ، إلا أنه يمكن أن يقال ـ ولعله الذي تجتمع عليه الأخبار ـ : إن مقتضى أخبار عدة الوفاة هو وجوب إلغاء عدة الطلاق والعمل بعدة الوفاة ، ومقتضى أخبار المسترابة هو التربص تسعة أشهر أو سنة ، ثم الثلاثة الأشهر بعد أي منهما ، والجمع بين روايات الطرفين يقتضي الانتقال إلى عدة الوفاة ، بأن يكون في الثلاثة الأخيرة بعد إتمام التسعة أو السنة ، لأن عدة الطلاق في المسترابة إنما هي الثلاثة الأشهر الأخيرة ، دون التسعة أو السنة كما مر تحقيقه ، والتسعة أو السنة إنما هي لاستبراء الرحم ، وإن أطلق عليها لفظ العدة في بعض الأخبار توسعا وتجوزا ، وحينئذ فلو مات في ضمن التسعة أو السنة وجب إتمامها ثم الاعتداد بعدة الوفاة ، ولو مات في ضمن الثلاثة وجب استئناف عدة الوفاة.

وبالجملة فإن روايات استئناف عدة الوفاة دلت على أن ذلك إذا وقع الموت في ضمن العدة الرجعية ، والعدة بالنسبة إلى المسترابة إنما هي الثلاثة الأخيرة كما عرفت فيختص الحكم بها ، ويؤيده أن ذلك هو الأحوط ، وفيه عمل بروايات

٤٥٧

الطرفين وعدم إلغاء شي‌ء منها في البين.

السابعة : قد تقدم (١) أنه يشترط في الحمل الذي تنقضي العدة بوضعه كونه منسوبا إلى من العدة منه ، وعلى هذا فلو حملت من الزنا ثم طلقها الزوج بأن يعلم انتفاؤه عن الفراش بكونه غائبا عنها تلك المدة ، أو تلد تاما لدون ستة أشهر من يوم النكاح فإنها تعتد بما كانت تعتد به لو لا الزنا ، فإن لم يجامع حملها حيض اعتدت بالأشهر ، وإن جامعه وقلنا بجواز حيضها كما هو أظهر القولين اعتدت بالأقراء وبانت بانقضاء الأشهر أو الأقراء ، وإن لم تضع حملها فإن الزنا لا حرمة له ، حملت منه أو لم تحمل ، ولذا أيضا أنه لو حملت من الزنا ولم تكن ذات بعل فإنه يجوز لها التزويج قبل أن تضع ، وعليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب.

أما لو لم تحمل من الزنا فظاهر الأكثر أنها كذلك. وقرب في التحرير أن عليها مع عدم الحمل العدة وهو الظاهر عندي.

وعليه يدل ما رواه في الكافي (٢) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها ، هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها» الخبر.

وفي معناه رواية كتاب تحف العقول (٣) للحسن بن علي بن شعبة ، وقد تقدمت.

__________________

(١) تقدم ذلك في المسألة الرابعة من هذه المسائل. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣١ ب ١١ ح ٤.

(٣) وهي ما رواه في الكتاب المذكور عن أبى جعفر محمد بن على الجواد عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا ، أيحل له أن يتزوجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره كما أحدثت معه ، ثم يتزوج بها إذا أراد» الحديث.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٥٨

وتؤيدهما الأخبار (١) الدالة على أنه إذا أدخله فقد وجبت العدة والمهر والرجم والغسل.

ولو كان الوطء بشبهة وحملت ثم طلقها فلا يخلو إما أن يكون إلحاق الولد بالزوج من حيث الفراش أم لا ، بل بالواطئ لبعد الزوج عنها في تلك المدة فلا يمكن إلحاقه به ، وحينئذ فيجب عليها عدة الطلاق خاصة (٢) على الأول ، وعلى الثاني يجب عليها كما صرحوا به عدتان بأن تعتد أولا من الواطئ بوضع الحمل ثم من الزوج عدة الطلاق. قالوا : ولا يتداخلان عندنا لأنهما حقان مقصودان للآدميين كالدين ، فتداخلهما على خلاف الأصل.

وأنت خبير بما في هذا التعليل وأمثاله كما عرفت في غير موضع مما تقدم وقد تقدم في كتاب النكاح اختلاف الروايات في اتحاد العدة أو تعددها في مثل هذا الموضع ، وهو نكاح الشبهة ، وأن المشهور بين الأصحاب بل كاد يكون إجماعا هو التعدد ، مع أن المفهوم من جملة من الأخبار أن التعدد مذهب العامة ومقتضاه حمل أخبار التعدد على التقية ، وأن القول بالاتحاد هو الأظهر.

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه المشايخ الثلاثة (٣) عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها وفارقها الآخر ، كم تعتد للناس؟ قال : ثلاثة قروء ، وإنما يستبرء رحمها بثلاثة قروء ، وتحل للناس كلهم ، قال زرارة : وذلك أن أناسا قالوا : تعتد عدتين من كل واحد عدة ،

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٩ ح ١ و ٢ و ٣ و ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٥ ب ٥٨ ح ١٧ و ١٨.

(٢) ما ذكر حكم ما لو تقدم وطء الشبهة على الطلاق ، أما لو انعكس الأمر بأن طلقها ثم وطئت بالشبهة فإنهم صرحوا بأن ما مضى بعد الطلاق من المدة قبل الوطء يحسب من العدة وتعتد من الوطء بوضع الحمل ثم تعود إلى إتمام بقية عدة الطلاق بعد الوضع ، حيث انه لا تداخل في العدتين. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٥٠ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٦ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٩ ح ١٧١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٨ ب ٣٨ ح ١ وما في المصادر اختلاف يسير.

٤٥٩

فأبى ذلك أبو جعفر عليه‌السلام وقال : تعتد ثلاثة قروء وتحل للرجال».

وما رواه في الكافي (١) عن يونس عن بعض أصحابه «في امرأة نعي إليها زوجها وتزوجت ، ثم قدم الزوج الأول ، فطلقها وطلقها الآخر قال : فقال إبراهيم النخعي عليها أن تعتد عدتين ، فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال : عليها عدة واحدة». وبالجملة فإنهم لقصور تتبعهم للأخبار يقعون في مثل هذا وأمثاله.

المقام الخامس : في عدة الوفاة وما يترتب عليها ، والمعتدة عدة الوفاة إما أن تكون حائلا أو حاملا ، فالكلام هنا في مواضع :

الأول : في عدة الحائل ، لا خلاف بين الأصحاب وغيرهم في أن الحرة الحائل المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام صغيرة كانت أو كبيرة مدخولا بها أم غير مدخول بها دائمة أو متمتعا بها ، والأصل في ذلك قوله عزوجل «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» (٢) وهي بإطلاقها شاملة لما ذكرنا من الأفراد وغيرها من الأمة والحامل ، إلا أن هذين الفردين المذكورين خرجا بالدليل كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وأما الأخبار الواردة في المقام فهي مستفيضة.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (٣) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها العدة كاملة».

وعن عبيد بن زرارة (٤) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥١ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٨ ب ٣٨ ح ٢.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٣٤.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ٩٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٢ ب ٣٥ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ٩٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٢ ب ٥٨ ح ٣.

٤٦٠