الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

وبالجملة فالغرض من ذكر التسعة بيان الاعتداد بها ، وأنها تخرج بها وإن استلزم حصول أقصى الحمل بذلك ، فلا إشكال بحمد الله المتعال (١).

الرابع : ما ذكره بقوله «إن اعتدادها بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل فإن فيه أن براءة الرحم بعد التسعة كما تضمنته الأخبار المذكورة لا ينافيه وجوب الاعتداد بعدها بالثلاثة الأشهر حتى أنه ينسب إلى مخالفة الأصول ، فإنه لا يخفى على الماهر المتأمل في العلل الواردة في الأخبار أنها ليست عللا حقيقة يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ، وعلى تقدير كونها كذلك في بعض الموارد فإنه لا يجب اطرادها ، وكون ذلك حكما كليا. ألا ترى أنه قد ورد النص بأن مشروعية العدة للعلم ببراءة الرحم من الحمل ، مع أنه لو طلق زوجته أو مات عنها بعد عشرين سنة لم يقربها فيها بالكلية لو جبب عليها العدة في الموضعين المذكورين.

وحينئذ فتصريح الأخبار هنا بوجوب الاعتداد ثلاثة أشهر لا ينافيه معلومية براءة الرحم بمضي التسعة ، كما أنه لا منافاة بين وجوب العدة فيما فرضناه مع

__________________

(١) أقول : وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني في حواشيه على الروضة من أن التربص تسعة غير مروي لكن عليه أكثر الأصحاب والعمل به أقوى. إلخ ، وهو عجيب من مثله ـ قدس‌سره ـ مع نقله في المسالك رواية سورة بن كليب دليلا للقول بالتسعة ، وان اعترضها بما نقلناه عنه من الوجوه المذكورة في الأصل.

ومع قطع النظر عنها فهذه الروايات التي نقلناها ظاهرة في التربص تسعة أيضا ، ولعل ما ذكره من إنكار النص بذلك مبنى على ما مر منه في المسألة في الأصل وهي من رأت الدم في الأشهر الثلاثة مرة أو مرتين ثم احتبس ، وأن رواية سورة ضعيفة ، فهي في حكم العدم إلا أنك قد عرفت مما ذكرناه في الأصل أن مرجع رواية سورة الى ما دلت عليه الاخبار المذكورة وان اختلف وجه الاسترابة بأن استند الى تخلف الحيض كما في رواية سورة أو ادعاء المرأة الحبل كما في تلك الروايات ، وأن حكم المسترابة بأي نحو كانت هو ما ذكر من الاعتداد بالتسعة ثم الثلاثة. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٢١

معلومية براءة الرحم بمدة تلك العشر السنين.

وأما ما ذكروه من أنه مع طرو الحيض قبل تمام الثلاثة إن اعتبرت العدة بالأقراء. إلخ فإن لقائل أن يقول : إن إطلاق الأخبار المذكورة يقتضي الاجتزاء بالثلاثة مطلقا بيضا كانت أم مشتملة على الحيض ، لأنها قد خرجت من العدة بالتسعة ، وإنما هذه الثلاثة لمزيد الاحتياط في البراءة من الحمل وهو حاصل بالثلاثة بيضا كانت أم لا.

على أنك قد عرفت في البحث الأول ورود جملة من الأخبار الدالة على أن من كان عادتها الحيض في كل ثلاثة أشهر مرة فإنها تعتد بها ، وإن لم يوافق ذلك مقتضى قواعدهم ، وإليه أشار في المسالك كما قدمنا ذكره ، وقد عرفت بعد ما تأولها به فليكن الحكم في هذه الصورة ، كذلك إذا اقتضته الأخبار بل هو أولى (١) مما دلت عليه تلك الأخبار وإن لم يوافق قواعدهم.

الخامس : أن ما ذكره في شرح النافع من أن المستفاد من الأخبار الصحيحة الاكتفاء بمضي ثلاثة أشهر خالية من الحيض. إلخ فإن فيه أن الظاهر من تلك الأخبار وإن تفاوتت ظهورا وخفاء أن المراد إنما هو بعد الطلاق ، بمعنى أن أي الأمرين سبق من ثلاثة أشهر بيض أو الأقراء الثلاثة فقد بانت به ، للاتفاق نصا وفتوى ، على أنه متى تمت ثلاثة أشهر بيض بعد الطلاق فإنها تخرج من العدة إلا أن تدعي حبلا كما دلت عليه روايات محمد بن حكيم ، أما لو عرض لها الحيض قبل تمام الثلاثة ولم يحصل بها ثلاثة أقراء متوالية فإنها تكون حينئذ مسترابة.

ففي موثقة جميل (٢) عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «أي الأمرين

__________________

(١) وبيان وجه الأولوية أنه إذا صح الاعتداد بالثلاثة الأشهر المشتملة على الحيض كما دلت عليه الاخبار المشار إليها فالاعتداد بهذه الثلاثة التي إنما زيدت احتياطا ، والا فالعدة الموجبة للخروج لو حصلت بالتسعة أولا أولى بالصحة ، وهو ظاهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الرواية المنقولة ليست بموثقة جميل بل هي موثقة زرارة التي سيرويها المصنف

٤٢٢

سبق إليها فقد انقضت عدتها ، إن مرت بها ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن مضت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها».

وفي رواية أبي مريم (١) «فإن انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلقها فقد بانت منه».

وفي موثقة زرارة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدتها ، إن مرت بها ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن مرت بها ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها».

والمراد بالسبق يعني بعد الطلاق ، بمعنى أن أيهما تقدم على الآخر فقد حصلت به البينونة ، وإلا فحصول الثلاثة البيض بعد تقدم الدم مرة أو مرتين غير مجد ولا موجب للخروج من العدة لحصول الاسترابة بالحمل كما دلت عليه رواية سورة (٣) فإنها قد تضمنت أنه بعد حصول حيضة لها في الثلاثة الأشهر الأول انقطع الدم عنها ثلاثة أشهر أخرى ، وقد حكم عليه‌السلام عليها بالاسترابة ، وأن تعتد بالتسعة ولم يلتفت إلى تلك الثلاثة البيض التي مرت بعد تلك الثلاثة التي فيها الدم.

نعم في صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة ما يوهم ذلك كما تقدمت الإشارة إليه إلا أن المفهوم من كلام الأصحاب إنما هو ما ذكرناه.

ويمكن الجواب عن الرواية المذكورة بأن غاية ما تدل عليه بالمفهوم هو أنه إن مرت بها ثلاث حيض وكان بينها ثلاثة أشهر فإنها لا تعتد بالأقراء.

وأنت خبير بأنه لا يلزم من عدم اعتدادها بتلك الثلاثة الأشهر البيض

__________________

بعد سطور ، أما موثقة جميل فليست بهذه العبارة ، راجع : الكافي ج ٦ ص ٩٨ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٦٨ ح ١٤٥ وص ١١٨ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١١ و ٤١٤ ب ٤ ح ٥ و ١٢.

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٢٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٣ ب ١٣ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٠ ح ٩ ، التهذيب ج ٨ ص ١١٨ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١١ ب ٤ ح ٣ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١١٩ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٣ ب ١٣ ح ٢.

٤٢٣

لجواز أن يرجع حكمها إلى المسترابة كما قلنا ، فتعتد بتسعة أشهر ثم الثلاثة كما دل عليه خبر سورة.

وبالجملة فإن عدم الاعتداد بالأقراء أعم من الاعتداد بتلك الثلاثة الأشهر البيض المفروضة ، ومن الانتقال إلى حكم المسترابة الذي نحن فيه كما هو ظاهر ، وحينئذ فلا منافاة في الرواية لما تدعيه (١).

السادس : ما ذكروه من أنه ليس في الرواية ما يدل على أنه لمكان الحمل ... إلخ ، والظاهر أن المراد بهذا الكلام الرد على الأصحاب فيما ذكروه من الاستدلال بالرواية على ما ادعوه مما قدمنا ذكره من أنها إذا حاضت في الثلاثة الأول ثم احتبست الحيضة الثانية أو الثالثة فقد استرابت بالحمل.

فاعترضوهم بأنه ليس في الرواية ما يدل على مكان الحمل وإن أشعر به التقييد بالتسعة ، إلا أنه يخالفه التقييد بكون التسعة من حين الطلاق.

وفيه ما عرفت آنفا من أنه وإن كان الأمر كما ذكروه بالنسبة إلى هذه الرواية إلا أنه بانضمام ما قدمناه من الأخبار الواردة في هذه المسألة معتضدة باتفاق كلمة الأصحاب فإنه يعلم أن الاعتداد بالتسعة ثم الثلاثة بعدها إنما هو في المسترابة لا غير ، وأما المنافاة التي أشار إليها فقد عرفت الجواب عنها في الموضع الثالث.

وبالجملة فإنه بعد ورود هذه الأخبار التي ذكرناها متضمنة إلى رواية سورة التي اعترضوها بهذه الوجوه لا ينبغي الالتفات إلى ما ذكروه ، لجريان ما ذكروه في الأخبار المذكورة كملا وردها بهذه التخريجات العقلية مع وضوحها في الدلالة وعدم المعارض مما لا يتجشمه محصل.

الثاني من القولين المتقدمين : أنها تصبر سنة لأنها أقصى مدة الحمل ، فإن ظهر بها

__________________

(١) أقول : وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الكفاية تبعا للسيد السند المذكور حيث قال في الكفاية : والمستفاد من صحيحة زرارة الاكتفاء بثلاثة أشهر بيض وان تخلل بين الحيضتين فالقول به متجه ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٢٤

حمل اعتدت بوضعه ، وإن مرت الأقراء الثلاثة بها ضمن هذه المدة اعتدت بها ، وإلا اعتدت بثلاثة أشهر بعد كمال السنة إن لم يتم الأقراء في أثنائها.

وعلى هذا القول يدل ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلقها زوجها؟ فقال : أمرها شديد ، تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ، ثم يترك حتى تحيض ثلاث حيض متى حاضت ، فإذا حاضت ثلاثا فقد انقضت عدتها ، قيل له : وإن مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض؟ فقال : يتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ، ثم قد انقضت عدتها ، قيل : فإن مات أو ماتت؟ فقال : أيهما مات ورثه صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهرا».

وظاهر الشيخ في النهاية الجمع بين رواية عمار المذكورة ورواية سورة ابن كليب بحمل الاولى على احتباس الدم الثالث فيجب عليها الصبر إلى سنة ، والثانية على احتباس الدم الثاني فتصبر إلى تسعة ، ثم تعتد بثلاثة أشهر في كلا الحالتين.

قال ـ رحمة الله عليه ـ في كتاب النهاية (٢) : وإذا كانت المرأة مسترابة فإنها تراعى الشهور والحيض ، فإن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما فقد بانت منه بالشهور ، وإن مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما ثم رأت الدم كان عليها أن تعتد بالأقراء ، فإن تأخرت عنها الحيضة الثانية فلتصبر من يوم طلقها إلى تمام التسعة أشهر ، فإن لم تر دما فلتعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر وقد بانت منه ، فإن رأت الدم فيما بينها وبين التسعة أشهر ثانيا واحتبس عليها الدم الثالث فلتصبر تمام السنة ثم

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٩٨ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١١٩ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٢ ب ١٣ ح ١ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٢) النهاية ص ٥٣٢.

٤٢٥

تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر تمام الخمسة عشر شهرا وقد بانت منه ، وأيهما مات ما بينه وبين الخمسة عشر شهرا ورثه صاحبه ، انتهى.

وفي الاستبصار صرح بالعمل برواية سورة بن كليب ، وحمل موثقة عمار على الفضل والاستحباب بمعنى أن الأفضل لها أن تعتد إلى خمسة عشر شهرا.

والمحقق في الشرائع بعد أن نقل عن الشيخ في النهاية حمل رواية عمار على احتباس الدم الثالث ، نسبة إلى التحكم ، وهو القول بغير دليل.

ووجهه أن الخبر المذكور لا تعرض فيه لكون المحتبس هو الدم الثالث ، بل غاية ما تضمنت أنها لم تحض في السنة ثلاث حيض أعم من أن تكون حاضت فيها مرة أو مرتين.

واعتذر في ذلك للشيخ ـ رحمة الله عليه ـ عما أورد عليه بأن هذا التنزيل الذي ذكره في النهاية يوافق ظاهر الخبرين ، قال : ولأنه قال في الخبر الأول ـ يعني خبر سورة ـ أنها لم تطمث في الثلاثة الأشهر إلا مرة ثم ارتفع حيضها ، وهو صريح في احتباس الثانية وأوجب التربص تسعة أشهر. إلخ. وقال في الثاني : أنه انقضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض ، وهذا وإن كان شاملا لنفي الثانية أو الثالثة إلا أن طريق الجمع بينهما بحمله على احتباس الثالثة ، والقرينة قوله «لم تحض فيها ثلاث حيض» فإنها لو لم تحض إلا مرة يقال لم تحض فيها حيضتين أو إلا حيضة ، فهذا وجه مصير الشيخ إلى ما ذكره من التنزيل.

ثم اعترضه بأنه مع ذلك لا يسلم من التحكم ، لأن الفرق بين احتباس الثانية والثالثة لا مدخل له في هذه الأحكام ، فإن احتمال الحمل يوجب فساد اعتبار الاثنتين كما يوجب فساد الواحدة ، وأقصى الحمل مشترك بين جميع أفراد النساء بالتسعة أو السنة أو غيرهما ، فالفرق بين جعل مدة التربص للعلم بالبراءة من الحمل تسعة تارة وسنة أخرى يرجع إلى التحكم ، انتهى.

ثم قال : وعلى تقدير الاعتبار برواية عمار فيما ذكره الشيخ في الاستبصار

٤٢٦

من الجمع أدخل في الحكم.

أقول : وإلى الجمع بما ذكره في الاستبصار مال في المختلف أيضا ، وكيف كان فإن الظاهر عندي هو الاعتماد على رواية سورة في هذه المسألة لاعتضادها كما عرفت بالأخبار التي قدمناها حسبما أوضحناه من التحقيق المتقدم.

وبذلك يظهر لك ما في قوله في المسالك (١) «اعلم أن طريق الروايتين قاصر عن إفادة مثل هذا الحكم خصوصا رواية سورة ، لكن الشهرة مرجحة لجانبها على قاعدتهم ، ولو قيل بالاكتفاء بالتربص مدة يظهر فيها انتفاء الحمل كالتسعة من غير اعتبار مدة اخرى كان وجها» فإنه جيد بناء على التمسك بهذا الاصطلاح المحدث وعدم المراجعة لما أسلفناه من الأخبار ، وإلا فمع ملاحظة الأخبار المذكورة سيما مع صحة سند بعضها واعتبار الباقي منها وكثرتها فإنه لا مجال للتوقف في الحكم بالثلاثة بعد التسعة ، وقد تقدم في كلام سبطه السيد السند الميل إلى الاكتفاء بالثلاثة الأشهر الخالية من الحيض ، وقد عرفت ما فيه ، والحق كما عرفت هو وجوب الجميع كما عليه الأصحاب قديما وحديثا.

تنبيهان

الأول : لا يخفى أن ما ذكرنا من الحكم المذكور مخصوص بالحرة كما تقدمت الإشارة إليه في صدر البحث الأول ، ويشير إليه الأمر بالاعتداد بثلاثة أشهر بعد التسعة أو السنة ومراعاة الأقراء الثلاثة ، فلو كانت أمة اعتبر عدتها في الأمرين.

الثاني : قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (٢) : وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها بالحمل وعدمه في وجوب التربص تسعة أو سنة ثم الاعتداد بعدها حتى لو كان زوجها غائبا عنها فحكمها كذلك ، وإن كان ظاهر الحكم

__________________

(١) مسالك الافهام ج ٢ ص ٣٩.

(٢) شرح اللمعة ج ٢ ص ١٣٦.

٤٢٧

يقتضي اختصاصه بالمسترابة ، ثم نقل عن المصنف أنه احتمل في بعض تحقيقاته الاكتفاء بالتسعة لزوجه الغائب محتجا بحصول مسمى العدة.

أقول : ما ذكره من إطلاق النص والفتوى في إيجاب الاعتداد بالتسعة أو السنة ثم ثلاثة أشهر بعدهما وإن لم تكن مسترابة بالحمل عندي محل نظر.

أما النص فإنه وإن كان كذلك بالنظر إلى ظاهر روايتي سورة وعمار إلا أن المفهوم أن المستفاد من جملة من الأخبار (١) ومنها روايات ابن حكيم المتقدمة أن انقطاع الحيض إما من فساد من الحيض أو حصول الحمل ، فإنه يحصل العلم بالأمرين بمرور ثلاثة أشهر بيض ، فإنها إن استرابت بالحمل صبرت إلى التسعة أو العشرة ، وإلا انقضت عدتها بتلك الأشهر الثلاثة البيض لمعلومية كون ذلك من فساد في الحيض ، والغائب عنها زوجها كما فرضه لا يقوم فيها احتمال الحمل فلا تكون مسترابة ، ويتعين أن يكون انقطاع دمها في تلك الثلاثة متى مرت بها ثلاثة أشهر بيض إنما هو لفساد في الحيض فتعتد بها وتخرج من العدة ، ولا يجب عليها انتظار التسعة أشهر أو العشرة كما توهمه ـ رحمة الله عليه.

__________________

(١) أقول : والوجه في هذه الاخبار هو أن الحيض الطبيعي الذي جعله الله سبحانه في النساء كل شهر مرة كما دلت عليه جملة من الاخبار ، منها خبر أديم بن الحر عن الصادق عليه‌السلام «أنه سمعه يقول : ان الله تبارك وتعالى حد النساء في كل شهر مرة ، وحينئذ فمتى احتبس الحيض ثلاثة أشهر فهو لا يكون الا عن مرض وفساد في الحيض أو من جهة الحمل ، ومتى انتفى احتمال الحمل بوجه من الوجوه تعين كونه من الفساد في الحيض ، والشارع لأجل ذلك قد جعل الثلاثة الأشهر البيض عوض ثلاث حيض كما صرح به عليه‌السلام في رواية أبي بصير «فقال : إذا انقضت عدتها يحسب لها بكل شهر حيضة». وحينئذ فإذا مرت بها ثلاثة أشهر بيض بعد الطلاق مع عدم الاسترابة بالحمل تعين أن تكون عدتها تلك الثلاثة الأشهر البيض تقدمت أو تأخرت ، ولا موجب للصبر الى بلوغ التسعة بوجه من الوجوه ، والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٢٨

ومن الروايات الدالة على ما ذكرنا زيادة على ما تقدم ما رواه محمد بن حكيم (١) أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة يرتفع حيضها ، فقال : ارتفاع الطمث ضربان : فساد من حيض وارتفاع من حمل ، فأيهما كان فقد حلت للأزواج إذا وضعت أو مرت بها ثلاثة أشهر بيض وليس فيها دم».

وهي كما ترى ظاهرة بل صريحة في أنه مع العلم بعدم الحمل كما هو المفروض في كلامه بالنسبة إلى من غاب عنها زوجها فإنها تخرج من العدة بمرور ثلاثة أشهر بيض سواء كان من أول الأمر كما هو متفق عليه أو بعد ذلك كما فيما نحن فيه ، لأنها بعد أن رأت الدم مرة أو مرتين ثم انقطع ثلاثة أشهر فصاعدا مع غيبة زوجها عنها فإنه لا استرابة بالحمل فيعلم أن ذلك لفساد في الحيض ، فيكفي الثلاثة الأشهر في الخروج من العدة ، لأنه عليه‌السلام في هذا الخبر قد حكم بأنه إذا مرت بها ثلاثة أشهر بيض مع معلومية عدم الحمل خرجت بها من العدة لمعلومية أن انقطاع الحيض إنما هو لفساد في الحيض دون احتمال الحمل ، ومع معلومية الحمل فإنها تعتد بوضعه ، وهو ظاهر.

وعلى هذا فإطلاق الخبرين المذكورين محمول على احتمال الاسترابة بالحمل ، وإلا فمع تعين عدم الاسترابة فإنه لا ضرورة إلى الصبر تسعة فضلا عن العشرة.

وأما ما ادعاه من إطلاق الفتوى فهو وإن وقع في بعض العبارات اعتمادا على ظهور الحكم وأن بلوغ التسعة أو العشرة إنما هو من حيث الاسترابة بالحمل إلا أن أكثر العبارات قد اشتمل على التقييد.

أما في صدر الكلام ـ كما في عبارة الشيخ في النهاية المتقدمة ـ فإنه جعل محل البحث والكلام في المسألة المسترابة ونحوها كلام أتباعه.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٣٠ ح ٤٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٤ ب ٤ ح ١٦ وفيهما «سألت أبا الحسن» مع اختلاف يسير.

٤٢٩

وأما في الأثناء كما عبر به المحقق في الشرائع حيث قال : أما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر لاحتمال الحمل ، ثم اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر. إلخ.

ونحوها عبارته في النافع أيضا (١) وهو كما ترى صريح في أن الصبر تسعة أشهر إنما هو لاحتمال الحمل ، فلو لم يكن محتملا لم يجب عليه الصبر المدة المذكورة ، ولا ما ذكر بعد ذلك.

وقال ابن إدريس في السرائر بعد نقل كلام النهاية المتقدم : والذي يقوى في نفسي أنها إذا احتبس عنها الدم الثالث بعد مضي تسعة أشهر اعتدت بعدها بثلاثة أشهر تمام السنة لأنها تستبرئ بتسعة أشهر وهو أقصى مدة الحمل ، فيعلم أنها ليست حاملا ثم تعتد بعد ذلك عدتها وهي ثلاثة أشهر. إلخ. وهو صريح أيضا فيما قلناه ، فإن الغائب عنها زوجها قد علم أنها ليست حاملا من أول الأمر فلا يحتاج إلى التربص تسعة أشهر ، وهو ظاهر ، إلى غير ذلك من عباراتهم. (٢)

وبالجملة فإن ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من الكلام المذكور بمحل من القصور كما عرفت ، وبذلك يظهر أيضا ما في الذي نقله عن الشهيد من الاحتمال فإنه أبعد بعيد في هذا المجال ، إذ المفهوم من الأخبار أن التسعة إنما هي من حيث احتمال الاسترابة بالحمل ، وهو الموافق للأصول كما اعترف به وعبر عنه بظاهر الحكم لا في مقام يقطع فيه بعدمه ، بل الظاهر إنما هو الخروج بالثلاثة البيض الحاصلة قبل بلوغ التسعة.

__________________

(١) أقول : قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد قول المصنف : صبرت تسعة أشهر لاحتمال الحمل ـ ما لفظه : ويستفاد من التعليل باحتمال الحمل أنه لو علم انتفاؤه بغيبة الزوج ونحوه لم يجب عليها التربص كذلك بل تعتد بثلاثة أشهر. انتهى ، ومنه يعلم ضعف ما ذكره جده ـ قدس‌سره ـ وتوهمه من إطلاق عبارات الأصحاب. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) وقال في القواعد : أما لو رأت الدم في الثالث وتأخرت الحيضة الثانية والثالثة صبرت تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها ثم اعتدت بعد ذلك ثلاثة أشهر ،. إلخ ، فانظر الى تعليله الصبر إلى التسعة بالعلم ببراءة رحمها ، فلو كان براءة الرحم معلومة كما في زوجة الغائب فإنه لا يوجب الصبر تسعة أشهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٣٠

البحث الثالث : قد عرفت أن المرأة إذا كانت في سن من تحيض وهي لا تحيض فإن عدتها ثلاثة أشهر بلا خلاف ، ولكن الأصحاب قد اختلفوا هنا في الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين إذا طلقت بعد الدخول بها وإن فعل زوجها محرما ، وكذا في اليائسة هل عليها عدة أم لا؟ وكذا في صورة الفسخ ووطء الشبهة الموجبين للعدة في غير هذا الموضع.

فالمشهور بين الأصحاب أنه لا عدة عليها ، وبه صرح الشيخان والصدوقان وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة ومن تأخر عنه.

قال السيد المرتضى : الذي أذهب إليه أن على الآية ـ من الحيض والتي لم تبلغ ـ العدة على كل حال من غير شرط الذي حكيناه عن بعض أصحابنا ـ يعني بذلك أن لا تكون في سن من تحيض ـ وتبعه في ذلك ابن زهرة ، والمعتمد هو الأول كما تكاثرت به الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام.

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ثلاث يتزوجن على كل حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال : قلت : وما حدها؟ قال : إذا اتي لها أقل من تسع سنين ، والتي لم تدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قال : قلت : وما حدها؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٢) في الموثق عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ثلاث يتزوجن على كل حال ، التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض قلت : ومتى تكون كذلك؟ قال : إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قلت : ومتى تكون كذلك؟ قال : ما لم تبلغ تسع سنين ، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض ، والتي لم يدخل بها».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٦ ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٩ ح ٨٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٩ ب ٣ ح ٥.

٤٣١

وما رواه في الكافي (١) عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها وقد كان دخل بها ، والمرأة التي قد يئست من الحيض وارتفع حيضها ولا تلد مثلها ، قال : ليس عليهما عدة وإن دخل بهما».

وما رواه في الفقيه (٢) عن جميل أنه قال «في الرجل ـ الحديث إلى قوله ـ عدة». فيكون الخبر صحيحا.

وما رواه في الكافي (٣) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الصبية التي لا تحيض مثلها والتي قد يئس من المحيض ، قال : ليس عليهما عدة وإن دخل بهما».

وعن محمد بن مسلم (٤) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «التي لا تحبل مثلها لا عدة عليها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٥) ـ رحمة الله عليهم ـ عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في المرأة التي قد يئست من المحيض يطلقها زوجها ، قال : قد بانت منه ولا عدة عليها».

وما رواه في التهذيب (٦) في الصحيح عن حماد بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التي قد يئست من المحيض ، والتي لا تحيض مثلها ، قال : ليس عليهما عدة».

وعن جميل بن دراج (٧) عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٦ ب ٢ ح ٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٣١ ح ٤.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ٨٥ ح ٢ و ٣، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٩ ب ٣ ح ٣ و ٢.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٨٥ ح ٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣١ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٦٨ ح ١٣٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٨ ب ٣ ح ١.

(٦ و ٧) التهذيب ج ٦ ص ٦٦ ح ١٣٧ و ١٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٥ ب ٢ ح ١ و ٢.

٤٣٢

يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها ، قال : ليس عليها عدة وإن دخل بها».

ونقل عن المرتضى ـ رحمة الله عليه ـ الاحتجاج على ما ذهب إليه بقوله تعالى «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» (١) قال : وهذا صريح في أن الآيات واللائي لم يحضن عدتهن الأشهر على كل حال.

ثم أورد على نفسه بأن في الآية شرطا وهو قوله تعالى «إِنِ ارْتَبْتُمْ» وهو منتف عنهما ، ثم أجاب بأن الشرط لا ينفع أصحابنا ، لأنه غير مطابق لما يشترطونه وإنما يكون نافعا لهم لو قال تعالى : إن كان مثلهن يحضن في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض. وإذا لم يقل تعالى ذلك بل قال «إِنِ ارْتَبْتُمْ» وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به. ولا يخلو قوله تعالى «إِنِ ارْتَبْتُمْ» أن يريد به ما قاله جمهور المفسرين وأهل العلم بالتأويل من أنه تعالى قال : إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها.

ووجه المصير في هذا التأويل ما روي في سبب نزول هذه الآية أن ابي بن كعب قال : يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال ، فأنزل الله تعالى «وَاللّائِي يَئِسْنَ» إلى قوله «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» فكان هذا دالا على أن المراد بالارتياب ما ذكرناه ، لا الارتياب بأنها يائسة أو غير يائسة لأنه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض والمشكوك في حالها والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون يائسة.

ثم أطال في الكلام على عادته ـ رحمة الله عليه ـ في كل مقام ، وأجيب عن ذلك بمنع كون المراد بالريبة بالمعنى الذي ذكره إذ من المحتمل عودها إلى اليأس من المحيض ، وإنما أتى بالضمير مذكرا لكون الخطاب مع الرجال كما يدل عليه قوله «مِنْ نِسائِكُمْ» ، ولأن النساء يرجعن في معرفة أحكامهن أو إلى

__________________

(١) سورة الطلاق ـ آية ٤.

٤٣٣

رجالهن أو إلى العلماء فكأن الخطاب لهم لا للنساء.

أقول : ويؤيد ما ذكروه من رجوع الريبة إلى النساء ما رواه الشيخ (١) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألت عن قول الله عزوجل «إِنِ ارْتَبْتُمْ» ما الريبة؟ فقال : ما زاد على شهر فهو ريبة ، فلتعتد ثلاثة أشهر ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدتها ثلاث حيض».

قال الشيخ (٢) ـ رحمة الله عليه ـ : الوجه فيه أنه إن تأخر الدم عن عادتها أقل من الشهر فليس لريبة الحبل بل ربما كان لعلة ، فلتعتد بالأقراء ، فإن تأخر الدم شهرا فإنه يجوز أن يكون للحبل فتعتد ثلاثة أشهر ما لم تر فيها دما ، انتهى.

وتوضيحه : أنه لما كان مقتضى الطبيعة والعادة التي جعلها الله في النساء هو الحيض في كل شهر مرة فلو انقطع عنها ذلك شهرا فصاعدا كان ذلك لريبة فلتعتد بالشهور ، وإذا مضت لها ثلاثة أشهر بيض ولا تنتظر الحيض التي كانت تعتاده سابقا إن رأت الدم في الشهر فلا ريبة هنا ، وإن تأخر عن عادتها فلتعتد بالحيض. ومرجع ذلك إلى ما تقدم من الأخبار الدالة على أن أيهما سبق من الشهور أو الأقراء اعتدت به ، وقد تقدم في صدر البحث الأول نقلا عن الطبرسي في مجمع البيان معنى آخر للريبة يرجع إلى تعلقها بالنساء أيضا ، وقد أسنده إلى أئمتنا عليهم‌السلام.

وبذلك يظهر لك أن ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من المعنى الذي اعتمد فيه على تلك الرواية العامية التي نقلها ليس مما يعول عليه ولا يلتفت إليه ، ومع الإغماض عن ذلك فلا أقل أن يكون ما ذكرناه محتملا في الآية ومساويا لما ذكره من الاحتمال ، فإنه كاف في دفع تعلقه بالآية والاستناد إليها في الاستدلال. نعم ربما ظهر ما ذكره من بعض الأخبار الواردة في المقام ، ومنها :

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١١٨ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٠ ب ٤ ح ٢.

(٢) الاستبصار ج ٣ ص ٣٢٥ ذيل ح ١٠.

٤٣٤

ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : «عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر ، والتي قد قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر».

قال في الكافي ـ بعد ذكر الروايات التي قدمنا نقلها عنه دالة على القول المشهور ـ : وقد روي أن عليهن العدة إذا دخل بهن ـ ثم أورد هذه الرواية ثم قال : ـ وكان ابن سماعة يأخذ بها ، ويقول : إن ذلك في الإماء لا يستبرئن إذا لم يكن بلغن الحيض ، فأما الحرائر فحكمهن في القرآن ، يقول الله عزوجل «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» وكان معاوية بن حكيم يقول : ليس عليهن عدة ، وما احتج به ابن سماعة فإنما قال الله عزوجل «إِنِ ارْتَبْتُمْ» وإنما ذلك إذا وقعت الريبة بأن قد يئسن ، فأما إذا جازت الحد وارتفع الشك أنها قد يئست أو لم تكن الجارية بلغت الحد فليس عليهن عدة ، انتهى ما ذكره في الكافي.

وكلامه هنا في معنى الريبة يرجع إلى ما قدمنا نقله عن الطبرسي الذي أسنده إلى الأئمة عليهم‌السلام ، وعلى هذا فالمراد باللائي يئسن من المحيض في الآية يعني في الجملة ، فإن حصل الشك والريبة في تحققه وعدمه فالحكم الاعتداد بالأشهر الثلاثة وكذا من لم تحض لصغر كان أم لا ، فإن عدتها ثلاثة أشهر.

وبالجملة فإن الآية ظاهرة في تقييد اعتداد اليائسة بالثلاثة الأشهر بالريبة فلا تثبت بدونها ، والريبة على ما عرفت من الخبر ، وكلام هذين الفاضلين إنما ترجع إلى الشك في بلوغ السن الذي يحصل اليأس ، كما هو ظاهر كلام الفاضلين المذكورين ، أو الريبة في الحمل كما هو ظاهر الخبر ، وعلى كل منهما يسقط تعلقه بالآية ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

ثم إنه في الكافي لم يتعرض للجواب عن الخبر المذكور مع رده له ، والمتأخرون

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٥ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ٦٧ ح ١٤٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٧ ب ٢ ح ٦.

٤٣٥

قد ردوه بضعف السند بجماعة من رواته مع أنها غير مستندة إلى إمام ، فلا يعارض بها تلك الأخبار المتقدمة.

وقال الشيخ في الكتابين (١) : هذا الخبر نحمله على من يكون مثلها تحيض لأن الله تعالى شرط ذلك وقيده بمن يرتاب بحالها ، قال الله تعالى «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» فشرط في إيجاب العدة ثلاثة أشهر بأن تكون مرتابة ، وكذلك كان التقدير في قوله «وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» أي فعدتهن ثلاثة أشهر ، وهذا أولى مما قاله ابن سماعة لأنه قال : تجب العدة على هؤلاء كلهن ، وإنما سقط عن الإماء العدة ، لأن هذا تخصيص منه في الإماء من غير دليل ، والذي ذكرناه مذهب معاوية بن حكيم من متقدمي فقهاء أصحابنا وجميع الفقهاء المتأخرين ، وهو مطابق لظاهر القرآن وقد استوفينا تأويل ما يخالف ما أفتينا به مما ورد من الأخبار فيما تقدم ، انتهى.

أقول : وما ذكره من التأويل للخبر المذكور ظاهر بالنسبة إلى التي قعدت عن المحيض ، وهي اليائسة بمعنى أنها قعدت عن المحيض والحال أن مثلها تحيض.

أما بالنسبة إلى الصغيرة التي عبر عنها بأنها لم تبلغ الحيض فهو مشكل ، لأن المتبادر منها أنها التي لم تبلغ التسع ، وحينئذ فلا يتجه قوله «إن مثلها تحيض» إلا أن يحمل قوله «لم تبلغ المحيض» أي لم تحض بالفعل ، وهو وإن كان بعيدا إلا أنه في مقام الجمع غير بعيد لضرورة الجمع بين الأخبار. وكيف كان فإنه ينافيه الخبر الآتي.

ومنها ما رواه في التهذيب (٢) عن محمد بن حكيم قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : المرأة التي لا تحيض مثلها ولم تحض كم تعتد؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت ، قال : تعتد آخر الأجلين تعتد تسعة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٦٨ ذيل ح ١٤٣ الاستبصار ج ٣ ص ٣٣٨ ذيل ح ٤ ويظهر أن المصنف نقله بالمعنى.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٦٨ ح ١٤٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٤ ب ٤ ح ١٨.

٤٣٦

قال : ليس عليها ارتياب ، لأن الله تعالى جعل للحبل وقتا فليس بعده ارتياب».

والخبر كما ترى ظاهر في أن من لم تحض ولا تحيض مثلها فإنها تعتد ثلاثة أشهر وهو صادق على الصغيرة واليائسة ، ولا وجه للجواب عنها إلا بالحمل على زيادة «لا» في قوله «التي لا تحيض مثلها» من قلم الشيخ أو النساخ. إلا أن في الخبر إشكالا من وجه آخر ، وهو أن السائل قال : «قلت : فإن ارتابت ـ يعني بعد الثلاثة أشهر ـ قال عليه‌السلام : تعتد تسعة أشهر» وحينئذ فمتى حملنا الخبر على الصغيرة التي لم تبلغ التسع فكيف يمكن فرض الارتياب فيها باحتمال الحبل وهي لم تبلغ التسع؟

وبالجملة فالخبر على ظاهره غير مطابق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، فلا أوسع من رده إلى قائله عليه‌السلام.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في الجارية التي لم تدرك الحيض ، قال : يطلقها زوجها بالشهور ، وقيل : فإن طلقها تطليقة ثم مضى شهر ثم حاضت في الشهر الثاني؟ قال : فقال : إذا حاضت بعد ما طلقها بشهر ألقت ذلك الشهر واستأنفت العدة بالحيض ، فإن مضى لها بعد ما طلقها شهران ثم حاضت في الثالث أتمت عدتها بالشهور ، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب ، وهي ترثه ويرثها ما كانت في العدة».

وهو ظاهر كما ترى في وجوب العدة بالشهور على الصغيرة التي لم تدرك الحيض أي لم تبلغ. ويمكن الجواب عنه بحمل قوله «لم تدرك الحيض» أي لم يقع بها حيض وإن كانت في سن من تحيض ، وباب المجاز واسع.

ولكن يبقى في الخبر أيضا إشكال من وجه آخر ، حيث إنه حكم بأنه إذا

__________________

(١) لم نعثر عليه في الكافي ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٨ ح ٨١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٧ ب ٢ ح ٧ وفيهما اختلاف يسير.

٤٣٧

مضى لها شهران بعد ما طلقها ثم حاضت في الثالث فقد انقضت عدتها ، وقد مضى نظيره في الأخبار التي تقدمت في البحث الأول من هذا المقام ، إلا أن يحمل قوله «ثم حاضت في الثالث» يعني بعد الثالث ، فلا يبعد حمل ما تضمن وجوب العدة على الصغيرة واليائسة من الأخبار على التقية لما صرح به في الوسائل (١) من موافقتها لمذاهب المخالفين ، فإن ثبت فإنه لا مندوحة عنه ، بل وإن لم يثبت إذ ليس بعد دلالة ظاهر الآية على ما ذكرناه واستفاضة الأخبار به كما عرفت واتفاق علماء الفرقة الناجية إلا من شذ على ذلك إلا خروج هذه الأخبار مخرج التقية بالمعنى المشهور أو المعنى الآخر الذي تقدمت الإشارة إليه مرارا.

تنبيهات

الأول : قال السيد السند في شرح النافع : واعلم أن المصنف وجمعا من الأصحاب صرحوا بأن المراد بالصغيرة من نقص سنها عن التسع ، ومورد الروايات التي لا تحيض مثلها ، وهي تتناول من زاد سنها على التسع إذا لم يحض مثلها ، وقد وقع التصريح في صحيحة جميل بعدم وجوب العدة على من لم يحمل مثلها وإن كان قد دخل بها الزوج ، مع أن الدخول بمن دون التسع محرم ، وحمله على الدخول المحرم خلاف الظاهر ، ولو قيل بسقوط العدة عن الصبية التي لم يحمل مثلها وإن كانت قد تجاوزت التسع لم يكن بعيدا من الصواب وإن كان الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه ، انتهى.

وفيه نظر ، وذلك لأنه وإن كان قد ورد في بعض الأخبار التعبير بالتي لا تحيض مثلها كما ذكره ، إلا أنهم قد فسروه عليهم‌السلام في جملة من الأخبار بمن لم تبلغ التسع كما في رواية عبد الرحمن بن الحجاج (٢) وهي الاولى من الروايات

__________________

(١) الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٧ ب ٢ ذيل ح ٦.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٨٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٦ ب ٢ ح ٤.

٤٣٨

المتقدمة ، فإنه لما عد عليه‌السلام من جملة الثلاث اللائي يتزوجن على كل حال التي لا تحيض ومثلها لا تحيض سأله السائل : ما حدها؟ قال : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ومثلها موثقته (١) وهي الثانية من الروايات ، وحينئذ فيجب حمل ما أطلق من الأخبار على هذين الخبرين ليرتفع التنافي بينهما والتدافع.

وأما ما اعتضد به من صحيحة جميل (٢) الدالة على الدخول بمن لا تحمل مثلها من أن الدخول بها حرام وأن الحمل على الدخول المحرم خلاف الظاهر ففيه أن مرسلة جميل وهي الأخيرة من الروايات المتقدمة قد تضمنت بأن الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها فقال عليه‌السلام «ليس عليها عدة وإن دخل بها» ومعلوم أن الدخول بها محرم.

ونحوها مرسلة جميل (٣) الأخرى وهي الثالثة من الروايات في الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها وقد كان دخل بها ، ومن المعلوم أن الدخول بها حرام.

وفي معنا هما صحيحة حماد بن عثمان أو حسنته (٤) عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وبذلك يظهر لك أن استبعاده الحمل على الدخول المحرم ـ باعتبار إطلاق الرواية التي ذكرها ـ ليس في محله ، بل إطلاق الرواية المذكورة محمول على تقييد هذه الأخبار.

ومنه يظهر أن الحق ما قاله الأصحاب من أن محل البحث هي الصغيرة التي لم تبلغ التسع وإن دخل بها وارتكب المحرم في الدخول بها. وأن ما توهمه من سقوط العدة عمن بلغت التسع إذا لم تحمل مثلها في غاية البعد عن الصواب لمنافاته

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٦٧ ح ١٤١ وص ١٣٧ ح ٧٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠١ ب ٣٣ ح ٤ وح ٢ ص ٥٨١ ب ٣١ ح ٦.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٨٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٦ ب ٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٦٦ ح ١٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٥ ب ٢ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٨٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠٩ ب ٣ ح ٣.

٤٣٩

لما دلت عليه أخبار الباب. وبالجملة فإن ما ذكره مجرد وهم نشأ عن قصور التتبع للأخبار كما عرفت.

الثاني : اختلف الأصحاب في تحديد السن الذي به تكون المرأة يائسة لاختلاف الأخبار ، ونحن قد حققنا الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه في باب الحيض من كتاب الطهارة (١) فمن أحب الوقوف عليه فليرجع إلى الكتاب المذكور.

الثالث : قد صرح الأصحاب بأنه لو رأت المطلقة الحيض مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين.

واستدلوا عليه بما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ عنه في التهذيب (٢) عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في امرأة طلقت وقد طعنت في السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها ، فقال : تعتد بالحيضة وشهرين مستقبلين ، فإنها قد يئست من المحيض».

وعلل أيضا بأن الوجه في ذلك حكم الشارع عليها بوجوب العدة قبل اليأس وقد كانت حينئذ من ذوات الأقراء ، فإذا تعذر إكمالها لليأس المقتضي انتفاء حكم الحيض مع تلبسها بالعدة أكملت بالأشهر لأنها بدل عن الأقراء كما تقرر فيجعل لكل قرء شهر.

والأولى أن يجعل هذه وجها للخبر المذكور لا علة مستقلة لما قدمنا لك في غير موضع من أن أمثال هذه التعليلات لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، ولو فرض بلوغها حد اليأس بعد أن حاضت حيضتين احتمل إكمال العدة بشهر كما هو مقتضى ما دلت عليه الرواية المذكورة ، ولكن الأصحاب اقتصروا على مورد الرواية ، ولا تكاد توجد عدة ملفقة من الأمرين إلا هذه ، وإنما لم تجعل من انقطع

__________________

(١) الحدائق ج ٣ ص ١٧١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٠ ح ١١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٢١ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٦ ب ٦ ح ١.

٤٤٠