الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

من الحيضة الثالثة فقد بانت منه».

وعن إسماعيل الجعفي (١) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل طلق امرأته ، قال : هو أحق برجعتها ما لم تقع في الدم من الحيضة الثالثة».

وعن زرارة (٢) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «المطلقة ترث وتورث حتى ترى الدم الثالث : فإذا رأته فقد انقطع».

وعن زرارة (٣) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : المطلقة تبين عند أول قطرة من الدم في القرء الأخير».

وعن إسماعيل الجعفي (٤) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته ، فقال : هو أحق برجعتها ما لم تقع في الدم الثالث».

وما رواه في التهذيب (٥) عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إني سمعت ربيعة الرأي يقول : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه ، وإنما القرء ما بين الحيضتين ، وزعم أنه إنما أخذ ذلك برأيه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : كذب ، لعمري ما قال ذلك برأيه ولكنه أخذه عن علي عليه‌السلام ، قال : قلت : وما قال علي فيها؟ قال : كان يقول : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها ولا سبيل له عليها ، وإنما القرء ما بين الحيضتين ، وليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة».

وعن محمد بن مسلم (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته متى تبين منه؟ قال : حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها ، قلت : فلها

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٦ ص ٨٧ ح ٤ و ٥، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٧ ب ١٥ ح ٢ و ٣.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ٨٧ ح ٧ و ٨، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٩ ب ١٥ ح ١٠ و ١١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٨٨ ح ٩ ، التهذيب ج ٨ ص ١٢٣ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٧ ب ١٥ ح ٤ وما في المصادر «وما قال فيها على».

(٦) الكافي ج ٦ ص ٨٨ ح ١١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٢٤ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٢ ب ١٦ ح ١.

٤٠١

أن تتزوج في تلك الحال؟ قال : نعم ، ولكن لا تمكن من نفسها حتى تطهر من الدم».

وما رواه في الكافي (١) عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المطلقة تبين عند أول قطرة من الحيضة الثالثة «قال : قلت : بلغني أن ربيعة الرأي قال : من رأيي أنها تبين عند أول قطرة ، فقال : كذب ما هو من رأيه ، إنما هو شي‌ء بلغه عن علي عليه‌السلام».

وعن زرارة (٢) في الصحيح أو الحسن قال : «سمعت ربيعة الرأي يقول : إن من رأيي أن الأقراء التي سمى الله عزوجل في القرآن إنما هو الطهر بين الحيضتين ، فقال : كذب لم يقله برأيه ، ولكنه إنما بلغه عن علي عليه‌السلام ، فقلت : أصلحك الله كان علي عليه‌السلام يقول ذلك؟ فقال : نعم إنما القرء الطهر تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض دفعته».

وعن زرارة (٣) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «القرء ما بين الحيضتين».

وعن محمد بن مسلم (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح أو الحسن مثله.

وعن زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام في الحسن قال : «الأقراء هي الأطهار».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة إذا طلقها زوجها متى تكون هي أملك بنفسها؟ قال : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها ، قلت : فإن عجل الدم عليها قبل أيام قرئها؟ فقال : إذا كان الدم قبل عشرة أيام فهو أملك بها وهو من الحيضة التي طهرت منها ، فإن

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٨ ب ١٥ ح ٨ وفيهما «عن أبى عبد الله».

(٢) الكافي ج ٦ ص ٨٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٥ ب ١٤ ح ٤ مع اختلاف يسير.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ٨٩ ح ٢ و ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٢٢ ح ٢٢ و ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٤ ب ١٤ ح ١ و ٢.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٨٩ ح ٤ وفيه «عن أبى عبد الله» ، التهذيب ج ٨ ص ١٢٣ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٤ ب ١٤ ح ٣.

(٦) الكافي ج ٦ ص ٨٨ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٣ ب ١٧ ح ١.

٤٠٢

كان الدم بعد العشرة أيام فهو من الحيضة الثالثة وهي أملك بنفسها».

وما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان والعياشي في تفسيره (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : إنما القرء الطهر يقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض قذفته ، قلت : رجل طلق امرأته طاهرا من غير جماع بشهادة عدلين ، قال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها وحلت للأزواج ، قلت : إن أهل العراق يروون أن عليا عليه‌السلام يقول : إنه أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، فقال : كذبوا».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور وهي كما ترى فيه واضحة الظهور ، وما دل منها كما هو المصرح به في أكثرها على أن انقضاء الأطهار الثلاثة تحصل بالدخول في الدم الثالث مبني على عد الطهر الذي طلقت فيه ، وأنه في الغالب يكون الحيض بعده متأخرا عنه بزمان وإن قصر ، إلا فلو فرض حصول أول الحيض بعد انقضاء صيغة الطلاق بلا فصل فإنها لا تخرج من العدة برؤية الدم الثالث حيث إنه لم يسبق لها إلا طهران خاصة ، بل لا بد من الطهر بعد الدم الثالث ، وبذلك صرح الشيخان وغيرهم كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وأما ما يدل على القول الآخر فمن ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة أقراء وهي ثلاث حيض».

وعن أبي بصير (٣) وهو المرادي في الصحيح مقطوعا مثله ، وحملهما الشيخ في التهذيبين تارة على التقية ، واخرى على عدم استيفاء الثالثة.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٢٦ ، تفسير العياشي ج ١ ص ١١٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣١ ب ١٥ ح ١٩ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٨ ص ١٢٦ ح ٣٣ و ٣٣، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٥ ب ١٤ ح ٧ وذيله.

٤٠٣

وعن القداح (١) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام : إذا طلق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة».

وعن إسحاق بن عمار (٢) عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة إلى عمر فسألته عن طلاقها ، قال : اذهبي إلى هذا فاسأليه ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ فقالت لعلي عليه‌السلام : إن زوجي طلقني ، قال : غسلت فرجك؟ قال : فرجعت إلى عمر فقال : أرسلتني إلى رجل يلعب ، قال : فردها إليه مرتين كل ذلك ترجع فتقول : يلعب ، قال : فقال لها : انطلقي إليه فإنه أعلمنا ، قال : فقال لها علي عليه‌السلام : غسلت فرجك؟ قالت : لا ، قال : فزوجك أحق ببضعك ما لم تغسلي فرجك».

وعن محمد بن مسلم (٣) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع يدعها حتى تدخل في قرئها الثالث ويحضر غسلها ثم يراجعها ويشهد على رجعتها ، قال : هو أملك بها ما لم تحل لها الصلاة».

وعن الحسن بن زياد (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «هي ترث وتورث ما كان له الرجعة من التطليقتين الأولتين حتى تغتسل».

هذا ما حضرني من الأخبار الدالة على القول الآخر ، والشيخ كما عرفت قد حملها على التقية ، وحمل خبر عمر على التقية في الفتوى أو في الرواية.

ونقل عن شيخه المفيد ـ رحمة الله عليه ـ أنه قال : إذا طلقها في آخر طهرها اعتدت بالحيض ، وإن طلقها في أوله اعتدت بالأطهار ، وجعله وجه جمع بين الأخبار ، ثم قال : وهذا وجه قريب غير أن الأولى ما قدمناه.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٢٥ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٥ ب ١٤ ح ١٢.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٢٥ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٩ ب ١٥ ح ١٣ وفيهما اختلاف يسير.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٢٧ ح ٣٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٠ ب ١٥ ح ١٥.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٢٧ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٠ ب ١٥ ح ١٦ وفيهما اختلاف يسير.

٤٠٤

أقول : لا يخفى قرب ما قربه من تأويل الشيخ المفيد ، إلا أن الأخبار خالية من الإشارة إليه فضلا عن الدلالة عليه ، والمعتمد هو الحمل على التقية كما يشير إليه صحيح زرارة المتقدم في صدر الأخبار حيث كذب عليه‌السلام أهل العراق فيما نقلوه عن علي عليه‌السلام من جعل الأقراء هي الحيض بعد أن أسنده إليهم ، ونحوه الرواية المنقولة من كتاب مجمع البيان وتفسير العياشي.

وقد تضمنت جملة من الروايات المذكورة أن مذهب علي عليه‌السلام إنما هو كون القرء بمعنى الطهر ، ولعل ما تضمنه خبر المرأة التي سألت عمر هو مستند أهل العراق فيما نقلوه عن علي عليه‌السلام من أن القرء بمعنى الحيضة ، إلا أنه ينافيه تكذيبه عليه‌السلام فيما نقلوه.

واحتمل في التهذيبين (١) في خبر المرأة أن يكون على وجه إضافة المذهب إليهم فيكون قول أبي عبد الله عليه‌السلام : قال علي عليه‌السلام : إن هؤلاء يقولون كذلك ، لا أنه يكون مخبرا في الحقيقة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : وقد صرح أبو جعفر عليه‌السلام في رواية زرارة وغيرها بأنهم كذبوا على علي عليه‌السلام. انتهى ، وهو في مقام الجمع بين هذه الأخبار غير بعيد ، وبه ترتفع المنافاة المتقدم ذكرها.

وبذلك يظهر أن المعتمد هو القول المشهور لما عرفت من تضافر الأخبار به مؤيدة بفتوى الطائفة بذلك.

الرابع : لا خلاف بين الأصحاب في أنها تحتسب بالطهر الذي طلقت فيه ، فيكون أحد الأطهار الثلاثة الموجبة للخروج من العدة. قال السيد السند في شرح النافع : هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهرهم أنه موضع وفاق أقول : وتدل عليه الأخبار المتقدمة الدالة على أنها بالدخول في الدم الثالث فقد انقضت عدتها ، فإنه مني كما عرفت آنفا على الاحتساب بالطهر الذي طلقت فيه كما أوضحناه آنفا لأن هذا هو الغالب ، فمن أجل ذلك بني عليه

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٢٥ ذيل ح ٣٢ ، الاستبصار ج ٣ ص ٣٢٩ ذيل ح ٨.

٤٠٥

إطلاق الأخبار ، فإن وقوع الطلاق على وجه يكون الحيض بعده بلا فصل نادر أشد الندور. ولو اتفق ذلك بأن حاضت بعد انتهاء لفظ الطلاق ولم يحصل زمان بين الطلاق والحيض صح الطلاق لوقوعه في الطهر ، ولم يحسب ذلك الطهر من العدة ، لأنه لم يعقب الطلاق بل يفتقر ذلك إلى ثلاثة قروء مستأنفة بعض الحيض.

الخامس : أطلق المحقق في النافع انقضاء العدة في رؤية الدم الثالث كما هو ظاهر إطلاق الأخبار ، وقيده في الشرائع بما إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان ، قال : وإن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض آخذا بالاحتياط ، ومرجعه إلى اشتراط أن يكون أول الحيض منضبطا ، وفي ذلك إنما يكون في المعتادة وقتا وعددا وفي المعتاد وقتا ، أما لو اختلفت عادتها وقتا ولم تكن مستقرة بأن كانت تحيض تارة في أول الشهر واخرى في وسطه وتارة في آخره فإنها بالنسبة إلى أوله كالمضطربة فلا يحكم بانقضاء العدة إلا مع العلم بكونه حيضا ، وذلك بعد مضي ثلاثة أيام.

أقول : الكلام هنا مبني على ما تقدم تحقيقه في باب الحيض من كتاب الطهارة (١) من أن المبتدئة والمضطربة هل تحيض برؤية الدم؟ أو تستظهر للعبادة بأن لا تتحيض إلا بعد مضي ثلاثة أيام؟ قولان ، وفي المسألة قول ثالث اختاره السيد السند في المدارك ، وهو أنها تتحيض برؤية الدم إذا كان بصفة دم الحيض ، وإلا فإنها إنما تتحيض بعد الثلاثة الأيام ، فعلى القول بأنها تتحيض بمجرد رؤية الدم جرى الإطلاق في عبارة النافع ، وهو أنها تخرج من العدة برؤية الدم الثالث للحكم بكونه حيضا بمجرد رؤية الدم بعد الطلاق ، وعلى القول الثاني لا تخرج من العدة إلا بعد مضي الثلاثة لتحقق كونه حيضها بعدها ، واحتمال عدم الحيض قبل إتمامها.

__________________

(١) الحدائق ج ٣ ص ٢٣٤.

٤٠٦

ويحتمل في عبارة الشرائع أنه وإن قلنا بأن المضطربة وأختها تتحيضان بمجرد رؤية الدم إلا أن الأحوط للعدة الأخذ بالقول الآخر ، وهذا هو الظاهر من العبارة فإن التعبير بالاحتياط إنما ينطبق على هذا المعنى ، والذي حققناه في باب الحيض كما تقدم في كتاب الطهارة أنه لا دليل على اعتبار التربص ثلاثة أيام كما قالوه ، والأخبار الواردة في المسألة صريحة في التحيض ، بمجرد رؤية الدم في المضطربة والمبتدئة ، وحينئذ فلا إشكال ، وما ادعى من الاحتياط هنا يتوقف على وجود الدليل على اعتبار الثلاثة في تلك المسألة ، وعلى هذا جرى إطلاق أخبار المسألة هنا كما لا يخفى.

السادس : قد صرح الأصحاب بأن أقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ، واللحظة الأخيرة ليست من العدة وإنما هي دالة على الخروج.

وبيانه : أنه يمكن أن يفرض أن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة بعد الطلاق ، ثم تحيض أقل الحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر أقل الطهر عشرة ، والجميع ثلاثة عشر يوما ولحظة وقد حصل لها طهران ، ثم تحيض أقل الحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر أقل الطهر عشرة ، فهذه ثلاثة عشر اخرى ، والجميع ستة وعشرون يوما ولحظة ، ثم تحيض بعد تمام العشرة الأخيرة وبالحيض لحظة من أوله يتبين انقضاء الطهر الثالث وتمامه ، فتكون هذه اللحظة الأخيرة من الحيض كاشفة عن الخروج من العدة ، ولا مدخل لها في العدة لانقضائها بالطهر الثالث ، وحينئذ فأقلها في الحقيقة ستة وعشرون يوما ولحظة ، وهي التي من أولها لا غير ، وقيل بأن اللحظة الأخيرة جزء من العدة ، ونسب إلى الشيخ لتوقف انقضاء العدة عليها فكانت كغيرها من الأجزاء ، ولا ريب في ضعفه ، فإن مجرد توقف انقضاء العدة عليها لا يستلزم كونها جزء منها ، وإنما هي كاشفة عن سبق انتهاء الطهر الثالث الذي هو نهاية العدة ومظهر الخلاف في الرجوع في تلك اللحظة ، فتصح على قول الشيخ المذكور ، لأنها من العدة وتبطل على المشهور ، وكذا فيما لو

٤٠٧

تزوجت بغيره ، فيها فيصح على المشهور ويبطل على قول الشيخ ، وفيما لو مات الزوج فيها فعلى المشهور ينتفي الإرث وعلى قول الشيخ ترث.

هذا ، ومما ذكر من أن أقل ما تنقضي به العدة المدة المذكورة مبني على الغالب ، وإن كان أيضا في حد ذاته نادرا ، إلا أنه قد يتفق أيضا فيما هو أقل من ذلك ، بأن يطلقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ، ثم ترى دم النفاس لحظة لأنه محسوب بحيضة وإن كان لحظة كما تقدم في بابه ، فإذا رأت بعد الطلاق دم النفاس لحظة ثم مضى لها أقل الطهر ثم رأت الدم ثلاثة أيام أقل الحيض ثم انقطع عشرة أيام ثم رأت الدم الثالث انقضت عدتها بأول لحظة من الدم الثالث ، ومجموع ذلك ثلاثة وعشرون يوما وثلاث لحظات ، والكلام في اللحظة الأخيرة هنا كما سبق من الدخول والخروج.

السابع : لو اختلف الزوجان فادعت المرأة بقاء جزء من الطهر بعد الطلاق ليكون أول الأطهار الثلاثة وتقصر بذلك العدة وأنكر الزوج ذلك بأن ادعى وقوع الحيض بعد الطلاق بلا فاصلة لتكون الأطهار الثلاثة متأخرة عن الحيض فتطول مدة العدة ليتمكن من الرجوع فيها ، والمعروف من كلام الأصحاب وعليه تدل ظواهر الآية والأخبار الدالة على الرجوع إليها في الحيض والطهر أن القول قول المرأة هنا وإن كان معه أصالة بقاء العدة واستصحاب حكم الزوجية ، إلا أنك قد عرفت أن دليل تقديم قولها أقوى ، للآية والرواية ، وهي مقدمة على دليل الاستصحاب وإن كان حجة في هذا الباب ، لأن مرجعه إلى الاستناد إلى عموم الدليل وإطلاقه.

بقي الكلام في النفقة في المدة الزائدة على تقدير دعواه ، فمقتضى ما ادعته أنها لا تستحق فيها نفقة لخروجها من العدة ، فإن كان قد دفعها إليه لم يرجع بها ، لأنه معترف باستحقاقها لذلك ، فليس له انتزاعها ، وإن لم يكن دفعها لم يكن لها المطالبة بها لاعترافها بعدم الاستحقاق.

٤٠٨

قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك : ويحتمل جواز أخذها منها في الأول لما تقدم من أن شرط استحقاق المطلقة رجعيا النفقة بقاؤها على الطاعة كالزوجة ، وبادعائها البينونة لا يتحقق التمكين من طرفها ، فلا تستحق نفقة على القولين ، فله المطالبة بها حينئذ ، فلا يكون كالمال الذي لا يدعيه أحد لأن مالكه هنا معروف ، ويمكن الفرق بين عدم التمكين المستند إلى دعوى البينونة وبينه على تقدير الاعتراف ببقاء العدة بالنسبة إليه ، لأنها بزعمها ليست ناشزا في الأول بخلاف الثاني ، والأجود الأول ، انتهى.

المقام الثالث : في المسترابة ، وهي المسترابة الحيض أو الحمل ، وتسمى ذات الشهور ، وما يلحق بذلك من الأحكام ، وفيه بحوث :

الأول : في المسترابة بالحيض ، وهي التي لا تحيض مع كونها في سن من تحيض ، فإنها تعتد من الطلاق والفسخ ـ وفي معناهما وطء الشبهة ـ بثلاثة أشهر إذا كانت حرة تحت عبد أو حر ، ولا فرق عندهم في كون انقطاع حيضها خلقيا أو لعارض من حمل أو إرضاع أو مرض ، فإنها تعتد بالأشهر الثلاثة لظاهر عموم قوله عزوجل «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» (١) أي فعدتهن كذلك.

قال في كتاب مجمع البيان (٢) للطبرسي «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ» فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهن أم لعارض «فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» وهن اللواتي أمثالهن يحضن ، لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى ، وهذا هو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام ، انتهى.

__________________

(١) سورة الطلاق ـ آية ٤.

(٢) مجمع البيان ج ١ ص ٣٠٦.

٤٠٩

وعلى هذا فالريبة تتحقق بأن تكون في سن من تحيض ولا تحيض ، أما من لا تحيض مثلها فلا ريبة فيها ، وحينئذ فيحمل قوله تعالى «وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» على من كان انقطع الحيض عنها خلقة وطبيعة ، والظاهر أن المراد من اليأس من الحيض في الآية ليس ما يتبادر من ظاهر اللفظ ، بل المراد منه أن ينقطع عنها الدم ثلاثة أشهر فصاعدا ، فإن الاعتداد بالأشهر هو والذي سيقت له الآية إنما يترتب على ما قلناه لا على اليأس منه بالكلية ، إذ لا عدة على اليائس.

وينبغي أن يعلم أن ظاهر الآيات والأخبار أن الأصل في عدة الحامل الأقراء وأما الاعتداد بالأشهر فإنما هو لفقد الأقراء ، قال عزوجل «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ» وقال سبحانه «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ» إلى قوله «وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» فاشترط في اعتدادهن بالأشهر فقد الأقراء من حيث عدم الحيض.

وأما الأخبار الواردة في المقام فهي مستفيضة ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (١) في الحسن أو الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أمران أيهما سبق بانت به المطلقة المسترابة تستريب الحيض إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت به ، وإن مرت بها ثلاثة حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض. قال ابن أبي عمير : قال جميل : وتفسير ذلك إن مرت ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ، ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ، ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ، فهذه تعتد بالحيض على هذا الوجه ولا تعتد بالشهور ، وإن مرت ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت».

وما رواه في الكافي (٢) عن زرارة في الموثق عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «أي

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٦ ص ٩٨ و ١٠٠ ح ١ و ٩ ، التهذيب ج ٨ ص ١١٨ ح ٨ و ٧، الوسائل ج ١٥ ص ٤١١ ب ٤ ح ٥ و ٣ ، وما في المصادر اختلاف يسير.

٤١٠

الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدتها ، إن مرت بها ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن مرت ثلاثة أقراء فقد مضت عدتها».

وعن الحلبي (١) في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تمضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض».

وعن داود بن سرحان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المطلقة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض».

وعن محمد بن مسلم (٣) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة أشهر ، والمستحاضة التي لم تبلغ الحيض والتي تحيض مرة وترتفع مرة والتي لا تطمع في الولد والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنها لم تيأس والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر أن عدة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر».

وعن أبي العباس (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما ولدت وطهرت وهي امرأة لا ترى دما ما دامت ترضع ، ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر».

أقول : وقد اشتركت هذه الأخبار في الدلالة على ما أشرنا إليه آنفا من أن الاعتداد بالأشهر إنما هو مع عدم إمكان حصول الأقراء ، وأنه مع إمكان حصول الأقراء فأيهما سبق اعتدت به ، وبه يظهر أن المراد باليأس في الآية الذي رتب عليه الاعتداد بالأشهر إنما هو انقطاع الدم ثلاثة أشهر فصاعدا كما تقدم ذكره ، وعليه دلت الأخبار.

بقي هنا شي‌ء وهو أن ظاهر حسنة زرارة أو صحيحته وهي المتقدمة في

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٨٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٤ ب ١٨ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٩٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٢ ب ١٢ ح ٣.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ٩٩ ح ٥ و ٧، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٠ ب ٤ ح ١ و ٦.

٤١١

صدر هذه الروايات أنه متى مرت بها ثلاثة أشهر بيض قبل الثلاث حيض تعتد بها ، ومتى مرت بها ثلاثة حيض لم يتخلل بينها ثلاثة أشهر بيض اعتدت بها.

وربما يستفاد منها الاكتفاء بثلاثة أشهر بيض وإن تخللت بين الحيضتين ، ولا تتخصص بالسبق كما يعطيه ظاهر كلام الأصحاب ، إلا أن فيه ما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله.

وحينئذ فلو فرض أن حيضها إنما يكون فيما زاد ثلاثة أشهر ولو ساعة وطلقت في أول الطهر فمضت الثلاثة من غير أن ترى الدم فيها اعتدت بالأشهر ، ولو فرض كونها معتادة الحيض في آخر كل ثلاثة بحيث لم تسلم لها ثلاثة أشهر بيض لم تعتد بالأشهر.

واستشكل ذلك في المسالك (١) بعد ذكر نحو ما ذكرناه قال : ويشكل على هذا بما لو كانت عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مثلا مرة ، فإنه على تقدير طلاقها في أول الطهر أو ما قاربه بحيث يبقى له منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق تنقضي عدتها بالأشهر كما تقرر ، لكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامة كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء ، فربما صارت عدتها سنة وأكثر على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتم بعده ثلاثة أشهر بيضا ، والاجتزاء بالثلاثة على تقدير سلامتها ، فتختلف العدة باختلاف الطلاق الواقع بمجرد الاختيار مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرة في الحيض ، ويقوى الاشكال لو كانت لا ترى الدم إلا في كل سنة أو أزيد ، فإن عدتها بالأشهر على المعروف في النص والفتوى ومع هذا فيلزم مما ذكروه هنا من القاعدة أنه لو طلقها في وقت لا يسلم بعد الطلاق ثلاثة أشهر أن تعتد بالأقراء وإن طال زمانها ، وهذا بعيد مناف لما قالوه من أن أطول عدة تفرض عدة المسترابة وهي سنة أو تزيد ثلاثة أشهر كما سيأتي. ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر إما مطلقا أو بيضا كما لو خلت من الحيض ابتداء كان

__________________

(١) مسالك الافهام ج ٢ ص ٣٨.

٤١٢

حسنا ، انتهى كلامه.

أقول : الظاهر عندي في الجواب عن هذا الإشكال الذي عرض له ـ رحمة الله عليه ـ في هذا المجال هو أن المتبادر من المعتادة كما تقدمت الإشارة إليه في الموضع الثاني من سابق هذا المقام هي من كانت الحيض يأتيها على عادة نسائها وأمثالها في كل شهر مرة ، فإن هذا الفرد هو الغالب المتكرر المتكثر دون من تعتاد ذلك في كل أربعة أشهر أو خمسة أو أزيد ، فإن ذلك من الفروض النادرة ، وقد عرفت في غير مقام أن من القواعد المقررة بينهم حمل إطلاق الأخبار على الأفراد الشائعة المتكررة ، فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ، وحينئذ فجميع من ذكره من هذه الفروض النادرة إنما يعتددن بالأشهر خاصة ، وتخرج صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة شاهدة على ذلك حيث عد ممن يعتددن بالأشهر من تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة.

أقول : ونحوها ما زاد على ذلك ، فإن ما ذكره عليه‌السلام إنما خرج مخرج التمثيل ، ومن ثم إنه نقل في المسالك عن المصنف والعلامة في كتبه أن من كانت لا تحيض إلا في كل خمسة أشهر أو ستة أشهر عدتها بالأشهر وأطلق ، وزاد في التحرير : أنها متى كانت لا تحيض في كل ثلاثة أشهر فصاعدا تعتد بالأشهر ولم تعتد بفروض الحيض في أثنائها كما فرضناه ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم المذكورة وقال بعدها : وهي تؤيد ما ذكرناه ، انتهى.

وبالجملة فإن المعتادة التي حكمها التحيض بالأقراء هي التي تعتاد الحيض في كل شهر مرة ، وفي معناها من تعتاد الحيض فيما دون الثلاثة ، وعلى هذا فلو كانت تعتاد الحيض في كل أربعة أشهر مرة مثلا وطلقت في وقت لا يسلم لها ثلاثة أشهر بيض فإنها تعتد بالأشهر ، وتحسب مبدأ الثلاثة الأشهر من طهرها من الحيض الذي عرض لها بعد الطلاق حتى يكمل الثلاثة.

بقي الإشكال هنا فيمن تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة ، فإن ظاهر كلامه

٤١٣

الاكتفاء بها في الخروج من العدة كما أشار إليه بقوله «ولو قيل. إلخ»

ومما يؤيد ما ذكره من الاكتفاء بثلاثة أشهر مطلقا يعني وإن لم يكن بيضا صحيحة محمد بن مسلم الدالة على أن من تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة فإنها تعتد بالشهور.

ونحوها صحيحة أبي مريم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «عن الرجل كيف يطلق امرأته وهي تحيض في كل ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ فقال : يطلقها تطليقة واحدة في غرة الشهر ، فإذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلقها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب».

إلا أن ظاهر صحيحة زرارة (٢) المتقدمة الاعتداد في هذه الصورة بالأقراء كما عرفته من تفسير جميل للرواية المذكورة ، ولهذا أن السيد السند في شرح النافع حمل الروايتين الأولتين على من تحيض بعد الثلاثة الأشهر ولا يخفى بعده ، فإن مفاد لفظة «في» هو الظرفية وكون الحيض في أثناء الثلاثة لا بعدها.

ومثل الروايتين أيضا رواية أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في المرأة يطلقها زوجها وهي تحيض في كل ثلاثة أشهر حيضة ، فقال : إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدتها ، تحسب بها لكل شهر حيضة».

وظاهر هذه الروايات كما ترى هو أن من كانت عادتها في الحيض في كل ثلاثة أشهر فإنها تعتد بالأشهر ، ولا قائل به من الأصحاب بل ظاهرهم الاتفاق على اعتدادها بالأقراء كما تقدم في كلام جميل في ذيل صحيحة زرارة ، وهو ظاهر الصحيحة المذكورة وغيرها ، ولكن هذه الأخبار كما ترى على خلافه. وما تأولوها به مما قدمنا نقله عن السيد السند وكذا كما يأتي من تأويل الشيخ بعيد غاية البعد ، إلا أن الأوفق

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٢٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٣ ب ١٣ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٩٨ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٢٠ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٠ ب ٤ ح ٢.

٤١٤

بالقواعد هو ما عليه الأصحاب.

وقد وقع نحو ذلك من الإشكال أيضا فيمن تعتاد الحيض في كل خمسة أشهر أو ستة أشهر مثلا مرة واحدة ، فإن المفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف أنها تعتد بالأشهر لحصول ثلاثة أشهر بيض في تلك المدة فتخرج بها من العدة ، وعليه تدل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وصحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة أيضا وغيرهما. وأولى بالحكم المذكور منهما ما لو كانت تحيض في كل سنة أو سنتين مرة ، فإنها تعتد بالأشهر أيضا.

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو أربع سنين ، قال : تعتد ثلاثة أشهر ثم تزوج إن شاءت».

إلا أنه قد ورد بإزائها من الأخبار ما يدل على اعتدادها بالأقراء كما رواه في التهذيب (٢) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو أكثر من ذلك ، قال : تنتظر مثل قروئها التي كانت تحيض إلا في استقامتها ، ولتعتد ثلاثة قروء وتزوج إن شاءت».

وعن الغنوي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال «في المرأة التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو خمس سنين ، قال : تنتظر مثل قروئها التي كانت تحيض فلتعتد ثم تزوج إن شاءت».

وعن أبي الصباح (٤) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن التي لا تحيض إلا في

__________________

(١) لم نعثر عليه في الكافي ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣٢ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٢١ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٣ ب ٤ ح ١١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٢١ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٤ ب ٤ ح ١٤ وليس فيهما «تنتظر» مع اختلاف يسير.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٨ ص ١٢٢ ح ٢١ و ١٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١٥ و ٤١٤ ب ٤ ح ١٩ و ١٥ وفيهما «تنتظر» مع اختلاف يسير.

٤١٥

ثلاث سنين ، قال : تنتظر مثل قروئها التي كانت تحيض في استقامتها ، ولتعتد ثلاثة قروء ثم تزوج إن شاءت».

وهذه الأخبار حملها في الاستبصار على المستحاضة التي كانت لها عادة مستقيمة تغيرت عن ذلك فتعمل على عادتها السابقة المستقيمة ، وحمل أخبار الأشهر على ما إذا لم تكن لها عادة بالحيض أو نسيت عادتها فإنها تعتد بالأشهر.

وفي التهذيب حمل الجميع على من كانت لها عادة مستقيمة وكانت عادتها في كل شهر مرة ، قال : وقد نبه عليه‌السلام بقوله «تحسب بها كل شهر حيضة على ذلك» يعني في خبر أبي بصير المتقدمة.

وكيف كان فالعمل على ما عليه الأصحاب ودلت عليه تلك الأخبار ، وترد هذه الأخبار إلى قائلها وهو أعلم بها.

البحث الثاني : في المسترابة بالحمل ، وهي التي ابتدأت العدة بالأشهر فرأت في الشهر الثالث أو قبله حيضا ، فإن كملت لها ثلاثة قروء بأن حصل لها قرءان بعد الأول وهو السابق على الدم فإنه محسوب بقرء كما تقدم ، ولو أزيد من ثلاثة أشهر (١) اعتدت بها وإن تأخرت الحيضة الثانية أو الثالثة فقد استرابت بالحمل.

وقد اختلف الأصحاب على قولين : أحدهما ـ وهو اختيار ابن إدريس والمحقق وهو الذي عليه الأكثر ـ : أنها تصير مدة يعلم بها براءة رحمها من الحمل وهي عندهم تسعة أشهر من حين الطلاق ، لأنها أقصى الحمل على المشهور ، فإن ظهر بها حمل اعتدت بوضعه ، وإن لم يظهر بها حمل علم براءة رحمها واعتدت بعد التسعة بثلاثة أشهر.

__________________

(١) قوله «ولو أزيد من ثلاثة أشهر» متعلق بقوله «فان كملت لها ثلاثة قروء».

(منه ـ رحمه‌الله ـ).

٤١٦

والأصل في هذا الحكم ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن سورة بن كليب «قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع طلاق السنة وهي ممن تحيض ، فمضى ثلاثة أشهر فلم تحض إلا حيضة واحدة ، ثم ارتفعت حيضتها حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى ، ولم تدر ما رفع حيضها ، قال : إذا كانت شابة مستقيمة الطمث فلم يطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة ثم ارتفع طمثها فلا تدري ما رفعها فإنها تربص تسعة أشهر من يوم طلاقها ، ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر ثم تزوج إن شاءت».

واعترض هذا الخبر في المسالك ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع (أولا) بضعف السند.

و (ثانيا) بأنها مخالفة للأصل في اعتبار الحمل بتسعة أشهر من حين الطلاق فإنه لا يطابق شيئا من الأقوال في أقصى الحمل ، لأن مدته معتبرة من آخر وطء يقع بها لا من حين الطلاق ، فلو فرض أنه كان معتزلا لها أزيد من ثلاثة أشهر تجاوزت مدته أقصى الحمل على جميع الأقوال ، فقد يكون أزيد من شهر فيخالف القولين بالتسعة والعشرة.

(وثالثا) أن اعتدادها بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل غير مطابق لما سلف من الأصول لأنه مع طرو الحيض قبل تمام الثلاثة ـ إن اعتبرت العدة بالأقراء وإن طالت كما يقتضيه الضابط السابق ـ لم يتم الاكتفاء بالثلاثة ، وإن اعتبر خلو ثلاثة أشهر بيض بعد النقاء فالمعتبر بعد العلم بخلوها من الحمل حصول الثلاثة كذلك ولو قبل العلم ، لأن عدة الطلاق لا يعتبر فيها القصد إليها بخصوصها ، بل لو مضت المدة وهي غير عالمة بالطلاق كفت ، فكذلك هنا.

(ورابعا) أن المستفاد من الأخبار الصحيحة الاكتفاء بمضي ثلاثة أشهر خالية من الحيض ، فلو قيل بالاكتفاء بها مطلقا كان متجها ، كذا صرح به في شرح النافع.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١١٩ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٢٣ ب ١٣ ح ٢ وفيهما اختلاف يسير.

٤١٧

(وخامسا) أنه ليس في الرواية ما يدل على أنه لمكان الحمل بل في التقييد بالتسعة ما يشعر به ، وفي تقييدها بكونها من حين الطلاق ما قد يقتضي خلافه.

أقول ـ وبه سبحانه التوفيق لإدراك كل مأمول ونيل كل مسؤول ـ : إنه لا يخفى أنه قد روى ثقة الإسلام في الكافي (١) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سمعت أبا إبراهيم عليه‌السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه».

وعن محمد بن حكيم (٢) في الموثق عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قلت له : المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها ويرتفع حيضها ، كم عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر قلت : فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ادعت الحبل بعد التسعة أشهر ، قال : إنما الحبل تسعة أشهر ، قلت : تزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ادعت بعد ثلاثة أشهر ، قال : لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت».

وعن محمد بن حكيم (٣) أيضا في الموثق عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : «قلت له : المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ، ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر قلت : جعلت فداك فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر فتبين لها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل ، قال : هيهات من ذلك يا ابن حكيم ، رفع الطمث ضربان : إما فساد من حيض فقد حل له الأزواج وليس بحامل ، وإما حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر لأن الله تعالى قد جعله وقتا يستبين منه الحمل ، قال : قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : إنما الحمل تسعة أشهر ، قلت : فتزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة

__________________

(١ و ٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١٠١ ح ١ و ٢ و ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٢ ب ٢٥ ح ١ و ٢ و ٤ وفيهما اختلاف يسير.

٤١٨

أشهر ، قلت : فإن ارتابت بعد ثلاثة أشهر؟ قال : ليس عليها ريبة ، تزوج».

وما رواه محمد بن حكيم (١) أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل طلق امرأته ، فلما مضت ثلاثة أشهر ادعت حبلا ، فقال : ينتظر بها تسعة أشهر ، قال : قلت : فإنها ادعت بعد ذلك حبلا ، فقال : هيهات هيهات إنما يرتفع الطمث من ضربين : إما حمل بين ، وإما فساد من الطمث ، ولكنها تحتاط بثلاثة أشهر بعد» الحديث.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذا المقام يقع في مواضع :

الأول : أنه لا يخفى على المتأمل في هذه الروايات أن الاعتداد بتسعة أشهر ثم ثلاثة بعدها حكم المسترابة بالحمل ، فإنه لا فرد هنا سواها يثبت له هذا الحكم اتفاقا نصا وفتوى ، ورواية سورة المذكورة وإن لم يصرح فيها بالاسترابة كما في الروايات التي نقلها ، إلا أن إطلاقها محمول على ما صرحت به هذه الأخبار لما عرفت من الاتفاق نصا وفتوى في أنه ليس هنا فرد يثبت له هذا الحكم غير المسترابة بالحمل.

وحينئذ فجميع ما أوردوه على الرواية المتقدمة يجري في هذه الأخبار لاشتراك الجميع في محل هذه الإيرادات ، ولا فرق بين ما نقلناه من هذه الروايات وبين رواية سورة إلا من حيث إن الاسترابة مستندة في هذه الأخبار إلى دعوى المرأة الحبل ، وفي تلك الرواية إلى رؤية الدم مرة أو مرتين وانقطاعه ، وإلا فالجميع مشترك في حصول الاسترابة ، وأن حكمها هو ما ذكره في هذه الأخبار ، والظاهر أن الذي حملهم على هذه الإيرادات هو ضعف سند الرواية وعدم المعاضد لها فيما دلت عليه.

وقد عرفت مما نقلناه من هذه الأخبار التي فيها الصحيح باصطلاحهم والموثق وتعدد الخبر بذلك أن ذلك غير مختص برواية سورة ، بل هو جار في جميع هذه

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٢ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤٣ ب ٢٥ ح ٥ وفيهما اختلاف يسير.

٤١٩

الأخبار ، وحينئذ فردها جميعا بهذه التشكيكات والإيرادات من غير مخالف في البين من الأخبار ولا من علمائنا الأبرار إلا الشاذ النادر غير ملتفت إليه ، بل لا يخلو من الرد على الشارع والجرأة عليه ، والواجب العمل بها وتطبيقها على الأصول والقواعد المقررة كما سيظهر لك إن شاء الله.

الثاني : أن ما ذكره من الطعن في الرواية بضعف السند ـ وهذا الإيراد من خصوصيات سبطه السيد السند ـ ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم أنه غير مرضي ولا معتمد ، أما (أولا) فلانجبار ضعفها بشهرة العمل بها بين الأصحاب ، وأما (ثانيا) فلاعتضادها بما ذكره من الأخبار ، فإن الحكم بما تضمنته غير منحصر فيها كما عرفت.

الثالث : ما ذكروه من مخالفة الرواية للأصل في اعتبار الحمل تسعة أشهر من حين الطلاق ، فإن فيه أن غاية ما تدل عليه الرواية المذكورة أنها تربص تسعة أشهر من يوم طلقها ، ولا تعرض فيها لكون ذلك مدة الحمل ، ومثلها الروايات المذكورة ، على أن موثقتي ابن حكيم (١) قد صرحتا بكون هذه التسعة عدة لها ، ولا يخفى أن من شأن العدة أن يكون مبدؤها بعد الطلاق.

نعم صرح في الموثقتين المذكورتين بأنها بعد الاعتداد تسعة أشهر لا تكون مسترابة لأن أقصى الحمل تسعة أشهر ، وقد حصلت ، ولكن هذا لا يستلزم ما ذكره لجواز أن يكون المراد أنه لما مضت لها تسعة أشهر من حين الطلاق واعتدت بها فإنه لا استرابة عليها لحصول أقصى مدة الحمل ، بمعنى أن عدتها وقعت بما هو أقصى الحمل ، فلا ريبة ، غاية الأمر أن العدة الشرعية لها هنا قد وقعت بما هو أقصى الحمل وإن كان ذلك زائدا على مدة أقصى الحمل متى اعتبر من بعد الوطء.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠١ ح ٢ و ٤.

٤٢٠