الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سموا أسقاطكم فإن الناس إذا دعوا يوم القيامة بأسمائهم تعلق الأسقاط بآبائهم فيقولون لم لم تسمونا؟ فقالوا : يا رسول الله هذا من عرفنا أنه ذكر سميناه باسم الذكور ومن عرفناه أنها أنثى سميناها باسم الإناث ، أرأيت من لم يستبن خلقه كيف نسميه؟ قال : بالأسماء المشتركة مثل زائدة وطلحة وعنبسة وحمزة.

أقول : الظاهر أن المراد منه ما اقتران بتاء التأنيث من أسماء الرجال فإنه صالح لكل منهما ، والمستفاد من أكثر الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في أخبار سنن اليوم السابع اختصاص استحباب التسمية باليوم السابع ، وأكثر ما ذكرنا من الأخبار هنا مطلق لا منافاة فيه.

وإنما الإشكال في الخبرين الأخيرين ، والظاهر عندي في الجمع بين هذه الأخبار هو حمل استحباب التسمية قبل الولادة على التسمية بمحمد وأنه يستمر على هذه التسمية إلى اليوم السابع ، فإن شاء استمر وإن شاء غير كما دل عليه الخبر المرسل المتقدم.

وأما السقط فإنه بعد ولادته سقطا يسميه بعد الولادة للعلة المذكورة في الخبر ، ويكون هذا مستثنى من أخبار المسألة ، ثم في اليوم السابع يستحب له التسمية بما شاء كما دلت عليه تلك الأخبار إن أراد التغيير عن اسم محمد الذي قلنا أنه يستحب تسميته به قبل الولادة.

(ومنها) تكنيته ، إلا أن منها ما يستحب ومنها ما يكره ، والكنية ـ بضم الكاف ـ من الأعلام ما صدر بأب أو أم ، ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه

في الكافي (١) عن معمر بن خثيم عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال فيه : قال : «إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخالفة النبز أن يلحق بهم».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٩ ح ١١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٩ ب ٢٧ ح ١.

٤١

أقول : فيه إشارة إلى قوله تعالى «وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ» (١) والمراد بالنبز اللقب السوء.

وروى في الكافي (٢) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من السنة والبر أن يكنى الرجل باسم ابنه».

وعن السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن أربع كنى عن أبي عيسى وعن أبي الحكم وعن أبي مالك وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا».

وعن زرارة (٤) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن رجلا كان يعشي علي ابن الحسين عليه‌السلام كان يكنى أبا مرة ، وكان إذا استأذن عليه يقول : أبو مرة بالباب ، فقال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : يا هذا إذا جئت بابنا فلا تقولن أبو مرة.

(ومنها) أن لا يسمى ببعض الأسماء كما رواه في الكافي (٥) عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يسمى بها فقبض ولم يسمها ، منها : الحكم وحكيم وخالد ومالك وذكر أنها ستة أو سبعة مما لا يجوز أن يسمى بها».

وعن محمد بن مسلم (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن أبغض الأسماء إلى الله حارث ومالك وخالد».

__________________

(١) سورة الحجرات ـ آية ١١.

(٢) الكافي ج ٢ ص ١٦٢ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٩ ب ٢٧ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٢١ ح ١٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٩ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣١ ب ٢٩ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٢١ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣١ ب ٢٩ ح ١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٢٠ ح ١٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٩ ح ١٥ وفيه «حماد عن الحلبي» الوسائل ج ١٥ ص ١٣٠ ح ١.

(٦) الكافي ج ٦ ص ٢١ ح ١٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٩ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٠ ح ٢.

٤٢

وعن صفوان (١) رفعه عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قال : «هذا محمد قد أذن لهم في التسمية به ، فمن أذن لهم في «ياسين» يعني التسمية به ، وهو اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وروى الصدوق في الخصال (٢) عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إن خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وحارثة وهمام ، وشر الأسماء ضرار ومرة وحرب وظالم». قال في المسالك (٣) ـ بعد أن ذكر المصنف أن من جملة الأسماء المنهي عن التسمية به ضرارا ـ ما صورته : وليس في الأخبار تصريح بالنهي عن ضرار بخصوصه ، ولكنه من الأسماء المنكرة ، وهو غفلة منه عن الاطلاع على هذا الخبر حيث إنه ليس في الكتب الأربعة.

وروى الكشي في كتاب الرجال (٤) عن علي بن عنبسة قال : «قال أبو عبد الله لعبد الله بن أعين : كيف سميت ابنك ضريسا؟ قال : كيف سماك أبوك جعفرا؟ قال :

إن جعفرا نهر في الجنة ، وضريس اسم شيطان».

(ومنها) سنن اليوم السابع من ولادته ، وهي ما رواه في الكافي (٥) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المولود قال : يسمى في اليوم السابع ويعق عنه ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره فضة ، ويبعث إلى القابلة بالرجل مع الورك ويطعم منه ويتصدق».

وعن أبي بصير (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا ولد لك غلام أو جارية فعق

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٠ ح ٣.

(٢) الخصال ص ٢٥٠ ح ١١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣١ ح ٥.

(٣) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٨.

(٤) الكشي ص ١١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣١ ح ٦.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٢٩ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٩ ح ١.

(٦) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥١ ح ٧.

٤٣

عنه يوم السابع شاة أو جزورا وكل منهما وأطعم وسم واحلق رأسه يوم السابع وتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة وأعط القابلة طائقا من ذلك ، فأي ذلك فعلت فقد أجزأك».

أقول : الظاهر أن المراد بقوله «أي ذلك» بالنسبة إلى ما خير فيه من الشاة أو الجزور والفضة أو الذهب.

وعن أبي الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصبي المولود متى يذبح عنه ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ويسمى؟ قال : كل ذلك في يوم السابع».

وعن عمار بن موسى (٢) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن العقيقة عن المولود وكيف هي؟ قال : إذا أتى للمولود سبعة أيام سمي بالاسم الذي سماه الله ، ثم يحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، ويذبح عنه كبش ، وإن لم يوجد كبش أجزأه ما يجزي في الأضحية ، وإلا فحمل أعظم ما يكون من حملان السنة ، ويعطي القابلة ربعها ، وإن لم تكن قابلة فلأمه ، تعطيها من شاءت وتطعم منه عشرة من المسلمين ، فإن زادوا فهو أفضل وتأكل منه ، والعقيقة لازمة إن كان غنيا أو فقيرا إذا أيسر فعل ، وإن لم يعق عنه حتى ضحي عنه فقد أجزأته الأضحية ، وقال : إن كانت القابلة يهودية لا تأكل من ذبيحة المسلمين أعطيت قيمة ربع الكبش». ، وفي الفقيه «فإن زاد فهو أفضل» وليس فيه «وتأكل منه» وفي نسخ التهذيب «ولا تأكل منه».

وقال في كتاب الفقيه الرضوي (٣) «فإذا ولد فأذن في اذنه الأيمن وأقم

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٠ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٣ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٠ ح ٤.

(٣) فقه الرضا ص ٢٣٩ مع اختلاف يسير.

٤٤

في اذنه الأيسر وحنكه بماء الفرات إن قدرت عليه أو بالعسل ساعة يولد ، وسمه بأحسن الاسم ، وكنه بأحسن الكنى ، ولا يكنى بأبي عيسى ولا بأبي الحكم ولا بأبي الحارث ولا بأبي القاسم إذا كان الاسم محمدا ، وسمه اليوم السابع ، واختنه ، واثقب اذنه واحلق رأسه ، وزن شعره بعد ما تحلقه بفضة أو بالذهب وتصدق بها وعق عنه كل ذلك يوم السابع». ثم ذكر أحكام العقيقة كما سننقله كملا في موضعه إن شاء الله تعالى.

وظاهر بعض الأخبار أنه لو لم يحلق في اليوم السابع سقط الاستحباب ، رواه الكليني (١) في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن مولود يحلق رأسه بعد يوم السابع ، فقال : إذا مضى سبعة أيام فليس عليه حلق».

(ومنها) حلق الرأس كملا فلا يترك له قنازع فإنه مكروه كما تكاثرت به الأخبار ، فروى في الكافي (٢) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تحلقوا الصبيان القزع ، والقزع أن يحلق موضعا ويدع موضعا».

قال في الوافي (٣) : وفي بعض النسخ «لا تخلفوا الصبيان» ـ بالخاء المعجمة والفاء ـ والنسخة الأولى تكون على حذف مضاف ، أي لا تحلقوا الصبيان حلق القزع ، والقزع ـ بالتحريك ـ قطع من السحاب واحدها قزعة سمي حلق بعض رأس الصبي وترك بعضه في مواضع متعددة القزع تشبيها بقطع السحاب المتفرقة ، ويقال : القنازع أيضا كما في بعض الأخبار الآتية إن شاء الله ، وواحدتها قنزعة بضم القاف والزاي وفتحهما وكسرهما.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٦ ح ٥٠ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٩ ب ٦٠ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٧ ح ٥٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٣ ب ٦٦ ح ١ مع اختلاف يسير.

(٣) الوافي ج ٣ ص ٢٠٦ ب ٢١٨.

٤٥

وروى في الكافي (١) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «اتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصبي يدعو له وله قنازع فأبى أن يدعو له ، وأمر أن يحلق رأسه».

وربما نافى ما ورد في الكراهة في هذين الخبرين ما روي من ثبوت القنازع للحسن والحسين عليهما‌السلام كما رواه في الكافي (٢) عن الحسين بن خالد قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن التهنئة بالولد متى؟ قال : إنه لما ولد الحسن بن علي عليه‌السلام هبط جبرئيل بالتهنئة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في اليوم السابع وأمره أن يسميه ويكنيه ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب اذنه ، وكذلك كان حين ولد الحسين عليه‌السلام أتاه في اليوم السابع فأمره بمثل ذلك ، قال : وكان لهما ذؤابتان في القرن الأيسر وكان الثقب في الاذن اليمنى في شحمة الاذن ، وفي اليسرى في أعلى الأذن ، فالقرط في اليمنى والشنف في اليسرى» ـ. قال في الكافي (٣) : ـ «وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك لهما ذؤابتين في وسط الرأس وهو أصح من القرن».

وقد ذكر بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين للجمع بين هذا الخبر وما قبله وجوها لا تخلو من التكلف والبعد ، والأقرب أن يقال في ذلك إن الأخبار الدالة على الكراهة مخصوصة بما إذا كان ما يترك بغير حلق في مواضع متفرقة ، لا في موضع واحد ، ويؤيده أن ظاهر كلام أهل اللغة تخصيص اسم القنازع بما إذا كان كذلك ، وما ذكر في خبر الحسن والحسين عليهما‌السلام إنما هو في موضع واحد.

قال في النهاية الأثيرية (٤) في الحديث أنه نهى عن القنازع وهو أن

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٧ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٤ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٣ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٩ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٤ ذيل ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٤ ح ٥.

(٤) النهاية لابن الأثير ج ٤ ص ١١٢.

٤٦

يؤخذ بعض الشعر ويترك منه مواضع متفرقة لا يؤخذ كالقزع.

وقال في القاموس (١) : وأما نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن القنازع فهو أن يؤخذ الشعر ويترك منه مواضع.

إلا أنه ربما أشكل ذلك بما رواه في الكافي (٢) عن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه كان يكره القزع في رؤوس الصبيان ، وذكر أنه القزع أن يحلق الرأس إلا قليلا ويترك وسط الرأس يسمى القزعة».

وفي بعض النسخ حذف قوله «ويترك» وبذلك يظهر بقاء المسألة في زاوية الإشكال إلا أن يقال باختصاص ذلك بهما عليهما‌السلام.

(ومنها) ثقب الاذن ، واستحبابه متفق عليه بين الأصحاب ويدل عليه جملة من الأخبار منها ما تقدم في حديث الحسن والحسين عليهما‌السلام (٣) وما تقدم من كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه (٤) وما رواه في الكافي (٥) عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن ثقب اذن الغلام من السنة ، وختانه لسبعة أيام من السنة».

وعن عبد الله بن سنان (٦) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن ثقب اذن الغلام من السنة وختان الغلام من السنة».

وما رواه الصدوق (٧) عن السكوني قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا فاطمة اثقبي أذني الحسن والحسين عليهما‌السلام خلافا لليهود». ونقل عن بعض العامة تحريمه لما

__________________

(١) القاموس المحيط ج ٣ ص ٧٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٤٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٤ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٣ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٩ ح ٢.

(٤) فقه الرضا ص ٢٣٩.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٣٥ ذيل ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٩ ح ١.

(٦) الكافي ج ٦ ص ٣٦ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٠ ح ٣ وليس فيهما «ان».

(٧) الفقيه ج ٣ ص ٣١٦ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٠ ح ٤.

٤٧

فيه من تأليم الولد وإنه أذى لم يؤذن فيه.

وفيه أن الاذن قد ظهر من هذه الأخبار ، واستمرت عليه سيرة الناس في سائر الأعصار والأمصار ، قال في المسالك (١) ـ بعد الاستدلال برواية الحسين ابن خالد ونقل كلام هذا البعض من العامة ـ ما لفظه : فإن صح حديثنا أو جبرته الشهرة فهو الاذن ، وإلا فما قال موجه.

وفيه أن صحيحة عبد الله بن سنان قد صرحت به ، ولكنه لم يقف عليها ، وإلا لذكرها ولم يتعرض لهذا الكلام.

بقي الكلام في أن ظاهر إطلاق كلام الأصحاب حصول السنة بثقب اذن واحدة ، وهو ظاهر إطلاق رواية مسعدة بن صدقة وصحيحة عبد الله بن سنان وصريح روايتي الحسين بن خالد والسكوني الواردتين في الحسنين عليهما‌السلام حصول ذلك في الأذنين ، والظاهر حمل إطلاق ما عداهما عليهما فيكون السنة في ثقب الأذنين ، ولم أقف على من تعرض لذلك من الأصحاب.

(ومنها) الختان ، وعده الأصحاب من مستحبات اليوم السابع أيضا ، وقد تقدم ما يدل عليه.

ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي (٢) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم وإن الأرض لتكره بول الأغلف». ونحوه ما تقدم في حديث مسعدة بن صدقة.

وعن السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طهروا

__________________

(١) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٨.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٤ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦١ ج ٥ وما في المصادر «عن مسعدة بن صدقة» وهناك رواية عن السكوني قريبة منها بالمعنى نقلها : الكافي ج ٦ ص ٣٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٥ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦١ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٦١ ح ٤.

٤٨

أولادكم يوم السابع فإنه أطيب وأطهر وأسرع لنبات اللحم ، وإن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين صباحا».

وعن عبد الله بن جعفر (١) في الصحيح «أنه كتب إلى أبي محمد علي بن الحسن عليه‌السلام أنه روى عن الصادقين أن اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا ، وأن الأرض تضج إلى الله من بول الأغلف ، وليس جعلت فداك لحجامي بلدنا حذق بذلك ، ولا يختنونه يوم السابع وعندنا حجام اليهود ، فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا؟ فوقع عليه‌السلام : السنة يوم السابع فلا تخالفوا السنن إن شاء الله».

وعن علي بن يقطين (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ختان الصبي لسبعة أيام من السنة هو أو يؤخر ، وأيهما أفضل؟ قال : لسبعة أيام من السنة وإن أخر فلا بأس».

وعن المغيرة (٣) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المولود يعق عنه ويختن لسبعة أيام».

إذا تقرر ذلك فاعلم أن تمام تحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مواضع :

الأول : لا خلاف بين علماء الإسلام ، كما ادعاه جملة من الأعلام في أنه يجب الاختتان بعد البلوغ ، وإنما الخلاف فيما قبله ، فذهب الأكثر إلى أنه كغيره من التكاليف التي لا تجب إلا بالبلوغ ، والأصل براءة ذمة الولي من هذا التكليف ، ونقل عن العلامة في التحرير أنه قال : ولا يجوز تأخيره إلى البلوغ.

قال السيد السند في شرح النافع : وربما كان مستنده الروايات المتضمنة لأمر الولي بذلك ، وهو ضعيف للتصريح في صحيحة علي بن يقطين بأنه لا بأس

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٠ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٦ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٥ ح ٤٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٥ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٦ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٥ ح ٢.

٤٩

بالتأخير ، انتهى.

وفيه أن الظاهر من الصحيحة المذكورة إنما هو أنه لا بأس بالتأخير عن السابع ، بمعنى أنه لا يتحتم له فعله وجوبا أو استحبابا في اليوم السابع بل يجوز التأخير عنه ، والقائل بالوجوب إنما أراد به الوجوب الموسع إلى ما قبل البلوغ فيتضيق حينئذ ، وعلى هذا فلا تكون الرواية منافية لتلك الأخبار التي استند إليها ذلك القائل بالوجوب ، وليس المراد أنه لا بأس بالتأخير إلى البلوغ ليتم ما ذكره. نعم يمكن الاستدلال على الاستحباب بالأخبار الدالة على أنه من السنن.

مثل ما رواه في الكافي (١) عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ختان الغلام من السنة وخفض الجواري ليس من السنة».

وما تقدم في رواية مسعدة بن صدقة (٢) من قوله عليه‌السلام «ثقب اذن الغلام من السنة ، وختانه لسبعة أيام من السنة».

فجعله في قرن ثقب الاذن ظاهر في كونه مثله في الاستحباب ، إلا أن باب المناقشة غير مسدود ، وظاهر المحقق في الشرائع (٣) الميل إلى هذا القول أيضا حيث قال : وأما الختان فمستحب يوم السابع ، ولو أخر جاز ، ولو بلغ ولم يختن وجب أن يختن نفسه ، والختان واجب وخفض الجواري مستحب.

قال في المسالك (٤) ـ بعد أن ذكر أنه هل أول وقت وجوبه قبل التكليف بحيث إذا بلغ الصبي يكون قد اختتن قبله ولو بقليل ، أم لا يجب إلا بعد البلوغ كغيره من التكليفات المتعلقة بالمكلف ـ ما صورته : يظهر من عبارة المصنف الأول ، لإطلاق حكمه عليه بالوجوب ولا ينافيه حكمه باستحبابه يوم السابع ، لأن الوجوب على هذا القول موسع من حين الولادة إلى أن يقرب التكليف ، وعلى

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٧ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٩ ح ١.

(٣) شرائع الإسلام ص ١٧٥.

(٤) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٨.

٥٠

هذا فيكون فعله يوم السابع أفضل أفراد الواجب ، ولأجل ذلك أطلق عليه الاستحباب كما يقال : يستحب صلاة الفريضة في أول وقتها ، وعلى هذا فيكون الوجوب متعلقا بالولي فإن لم يفعل إلى أن بلغ الصبي أثم ، وتعلق الوجوب حينئذ بالصبي ، وبهذا القول صرح في التحرير ، انتهى.

أقول : ما ذكره جيد ، إلا أنه لا يتحتم حمل العبارة المذكورة عليه بحيث لا يمكن احتمال غيره ، إذ من الجائز أن يكون قوله «والختان واجب» وهو الذي أشار إليه بقوله «لإطلاق حكمه عليه بالوجوب» إنما هو بالنسبة إلى ما بعد البلوغ ، فإنه لما ذكر أولا أن الختان مستحب يوم السابع ولو أخر جاز ، وعلم منه استحباب الختان بعد الولادة وأن الفضل في اليوم السابع ذكر حكم الختان بعد البلوغ بقوله «ولو بلغ ولم يختن وجب عليه أن يختن نفسه» وقوله «والختان واجب» يعني بعد البلوغ.

وبالجملة فإن هذه الجملة متعلقة بما قبلها مما يدل على وجوبه بعد البلوغ ولا ارتباط لها بصدر العبارة الدالة على استحبابه بعد الولادة. وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ، فإن التمسك بالأصل أقوى متمسك حتى يقوم دليل واضح على الخروج عنه ، والأمر في الروايات المتقدمة غير ظاهر في الوجوب سيما بالنظر إلى تلك التعليلات التي اشتملت عليها تلك الأخبار ، فإنها بالحمل على الاستحباب أنسب كما وقع نحوه في غير هذه المسألة.

قال في المسالك (١) ـ في تعليل قول المشهور ـ : ووجه الثاني أن الختان شرط في صحة الصلاة ونحوها من العبادات ، فلا يجب إلا مع وجوب المشروط ، ولو سلم أنه واجب لنفسه فمتعلقه المكلف والأصل براءة ذمة الولي من فعله ، والأمر قبل البلوغ محمول على الاستحباب ، انتهى.

أقول : أما ما ذكره من أن الختان شرط في صحة الصلاة فلا يحضرني دليل يدل عليه ولا نص يوجب المصير إليه ، واستدل بعضهم على ذلك بنجاسة الجلدة

__________________

(١) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٨.

٥١

الساترة فإنها لوجوب قطعها في حكم الميتة ، وضعفه أظهر من أن يخفى. نعم ما ذكره بعد ذلك جيد كما أشرنا إليه.

الثاني : لا خلاف بين الأصحاب في استحباب ذلك في النساء ، وليس بواجب إجماعا ، ويعبر عنه بالخفض بالنسبة إلى النساء والختان بالنسبة إلى الرجال.

فروى في الكافي (١) عن عبد الله بن سنان في الصحيح قال : «ختان الغلام من السنة وخفض الجواري ليس من السنة».

وعن السكوني (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «خفض النساء مكرمة ، ليست من السنة ولا شيئا واجبا ، وأي شي‌ء أفضل من المكرمة».

قال بعض مشايخنا : مكرمة أي موجبة لحسنها وكرامتها عند زوجها ، والمعنى ليست من السنن بل من التطوعات. أقول : ويؤيده ما يأتي إن شاء الله تعالى في حديث أم حبيب.

وعن عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الختان سنة في الرجال ومكرمة في النساء».

وعن أبي بصير (٤) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الجارية تسبى من أرض الشرك فتسلم فتطلب لها من يخفضها ، فلا تقدر على امرأة؟ فقال : إنما السنة في الختان على الرجال ، وليس على النساء».

وروى الفقيه (٥) عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : «

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٧ ح ٢ وفيه «وخفض الجارية».

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٥ ح ٤٦ وفيه «خفض الجواري» ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٧ ح ٣ وما في المصادر «عن مسعدة بن صدقة».

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٥ ح ٤٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٨ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٦ ح ٤٨ وفيه «وليست» ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٦ ب ٥٦ ح ١.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٣١٤ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٣ ح ٨.

٥٢

قال علي عليه‌السلام : لا بأس أن لا تختن المرأة ، فأما الرجل فلا بد منه».

وروى الشيخ في التهذيب (١) عن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «لا تخفض الجارية حتى تبلغ سبع سنين». وفي هذا الخبر دلالة على أن وقت الخفض في النساء بلوغ السبع وفي الذكور اليوم السابع.

وروى محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لما هاجرت النساء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاجرت فيهن امرأة يقال لها أم حبيب ، وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : يا أم حبيب العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن يكون حراما فتنهاني عنه ، فقال : لا ، بل حلال فادني مني حتى أعلمك ، قالت : فدنوت منه فقال : يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تهتكي ـ أي لا تستأصلي ـ فإنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج» الحديث.

وبالجملة فالحكم للذكر والأنثى معلوم كما عرفت ، وإنما يبقى الكلام في الخنثى ، قال في المسالك (٣) : وأما الخنثى فإن الحق بأحدهما لحقه حكمه ، وإن أشكل أمره ففي وجوبه في حقه وتوقف صحة صلاته عليه وجهان : من الشك في ذكوريته التي هي مناط الوجوب ، معتضدا بأصالة البراءة ، ولاشتماله على تأليم من لا يعلم وجوبه عليه ، ومن انحصار أمره فيهما ، فلا يحصل اليقين بصحة العبادة بدونه ، ولأنه مأخوذ بمراعاة الجانبين حيث يمكن ، ولدخوله في عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الختان من الفطرة الحنفية». وقولهم عليهم‌السلام (٤) «اختنوا أولادكم

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٣٦٠ ح ١٥٤ ، الوسائل ج ١٢ ص ٩٣ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٨ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٦ ح ٤٩ ، الوسائل ج ٦ ص ٣٦٠ ح ١٥٦ وج ١٢ ص ٩٢ ح ١ وفيه اختلاف يسير.

(٣) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٩.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٣٥ ح ٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٣١٤ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٠ ح ١.

٥٣

يوم السابع يطهروا». لأن لفظ الأولاد يشمل الجميع خرج منه الإناث بدليل من خارج فيبقى الباقي ، ولا ريب أن هذا أولى ، انتهى.

أقول : أما التعليل بتوقف صحة الصلاة عليه فعليل ، لما عرفت من عدم قيام دليل عليه ، وإن اشتهر ذلك بينهم.

وأما التمسك بإطلاق هذه الأخبار ففيه أن إطلاق الأخبار إنما ينصرف إلى الافراد المتكررة المتعارفة ، فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد إلا فرضا ، ومع تسليم شموله لها فإنه يجب تخصيصه بما دل من الأخبار على اختصاص ذلك بالذكر من الأولاد دون الإناث ، والخنثى ليست بذكر ، وبالجملة فالظاهر إنما هو الوجه الأول من كلامه.

الثالث : قد عرفت أنه قد ادعى الإجماع من علمائنا الأعلام على وجوب الختان على البالغ ، ولا أعرف لهم دليلا واضحا ولا معتمدا صريحا غير هذا الإجماع المدعى ، مع أن أكثر النصوص مصرح بالاستحباب ، وها أنا أتلو عليك ما وقفت عليه من الأخبار في هذا الباب.

فمنها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن هشام بن سالم عن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من الحنيفية الختان».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من سنن المرسلين الاستنجاء والختان».

وقد تقدم قريبا في رواية عبد الله بن سنان (٣) «أن الختان سنة في الرجال ومكرمة في النساء».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٦ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦١ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٣٦ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٥ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦١ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٨ ح ١.

٥٤

وفي رواية أبي بصير (١) «إنما السنة في الختان على الرجال وليس على النساء».

وفي تفسير العياشي (٢) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «ما أبقت السنة شيئا حتى أن منها قص الشارب والأظفار والأخذ من الشارب والختان».

وعن طلحة بن زيد (٣) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عزوجل بعث خليله بالحنيفية وأمره بأخذ الشارب وقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان».

ولا يخفى أن عد الختان في قرن هذه الأشياء المتفق على استحبابها قرينة ظاهرة في الاستحباب.

وروى في الكافي (٤) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين سنة».

وروى في كتاب عيون أخبار الرضا (٥) بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام «أنه كتب إلى المأمون : والختان سنة واجبة للرجال ومكرمة للنساء».

وهذان الخبران أقصى ما ربما يتوهم منه الدلالة على الوجوب ، وقيام الحمل على تأكد الاستحباب أقرب قريب. وبالجملة فإنه لا دليل في الأخبار يعتمد عليه ، وإنما العمدة هو الإجماع المدعى.

الرابع : ويستحب الدعاء وقت ختن الصبي بما رواه في الفقيه (٦) عن مرازم بن حكيم

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٦ ب ٥٦ ح ١.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٦١ ح ١٠٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٣ ح ١٠.

(٣) تفسير العياشي ج ١ ص ٣٨٨ ح ١٤٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٣ ح ١١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٣٧ ح ١٠ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٥ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٦ ب ٥٥ ح ١.

(٥) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٢٣ ط النجف الأشرف ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٣ ح ٩.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٣١٥ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦٩ ب ٥٩ ح ١.

٥٥

عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الصبي إذا ختن قال : يقول : اللهم هذه سنتك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله واتباع منا لك ولنبيك بمشيتك وبإرادتك وقضائك لأمر أردته وقضاء حتمته وأمر أنفذته فأذقته حر الحديد في ختانه وحجامته لأمر أنت أعرف به مني ، اللهم فطهره من الذنوب وزد في عمره وادفع الآفات عن بدنه والأوجاع عن جسمه ، وزده من الغنى وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا نعلم» قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أي رجل لم يقلها عند ختان ولده فليقلها عليه من قبل أن يحتلم ، فإن قالها كفى حر الحديد من قتل أو غيره».

(ومنها) العقيقة ، وقد تقدم ذكرها في سنن يوم السابع إلا أنها لكثرة ما يتعلق بها من الأحكام حسن إفرادها بالذكر ، وأصل العقيقة على ما يفهم من كلام أهل اللغة الشعر الذي يخرج به المولود آدميا كان أو غيره من بطن أمه ، ويقال : بمعنى الشق.

قال في المصباح المنير (١) : عق عن ولده عقا من باب قتل ، والاسم العقيقة وهي الشاة التي تذبح يوم الأسبوع ، ويقال للشعر الذي يولد عليه المولود من آدمي وغيره عقيقة ، وعق بالكسر ، يقال : أصل العق الشق ، يقال : عق ثوبه كما يقال : شق ثوبه ، بمعناه ، ومنه يقال : عن الولد أباه عقوقا ـ من باب قعد ـ إذا عصاه وترك الإحسان إليه. انتهى ، ومثله كلام غيره ، وكأن الشعر الذي يولد عليه المولود سمي بالعقيقة ، لأنه يحلق عنه ثم قيل للذبيحة التي تذبح لأنه يشق حلقومها.

قال الهروي في كتاب الغريبين : والعق في الأصل الشق والقطع ، وسمي الشعر الذي يخرج على المولود من بطن امه وهو عليه عقيقة لأنها إن كانت على إنسي حلقت وإن كانت على بهيمة نسلتها ، وقيل للذبيحة عقيقة لأنها يشق حلقومها ، ثم قيل للشعر الذي ينبت بعد ذلك الشعر عقيقة على جهة الاستعارة ، انتهى.

__________________

(١) المصباح المنير ص ٥٧٧ وفيه اختلاف يسير.

٥٦

وكيف كان فتحقيق الكلام فيها يقع في مواضع :

الأول : اختلف الأصحاب في وجوبها واستحبابها ، والمشهور الثاني وإلى الأول ذهب المرتضى وابن الجنيد ادعى إليه في الانتصار إجماع الإمامية ويظهر من المحدث الكاشاني في الوافي الميل إليه حيث قال : باب العقيقة ووجوبها ، ثم أورد جملة من الأخبار الظاهرة في ذلك.

ومنها ما رواه في الكافي والفقيه (١) عن علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : «العقيقة واجبة إذا ولد للرجل فإن أحب أن يسميه من يومه فعل».

وما رواه في الكافي (٢) عن علي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «العقيقة واجبة».

وعن أبي خديجة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل مولود مرتهن بالعقيقة».

وما رواه في الفقيه (٤) مرسلا قال : وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل إنسان مرتهن بالفطرة ، وكل مولود مرتهن بالعقيقة». قال في الوافي ـ بعد ذكر هذين الخبرين ـ : يعني أن زكاة الفطرة والعقيقة حقان واجبان في عنق الإنسان والمولود ، وهما مقيدان بهما لا ينفكان عنهما إلا بالأداء».

وما رواه في الكافي (٥) في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل مولود مرتهن بعقيقته».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٤ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣١٢ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٠ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٤ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٥ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤١ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٤ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٢٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤١ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٤ ح ٦.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٣١٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٤ ح ٢.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٢٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٤ ح ٧.

٥٧

وعن أبي بصير (١) في الموثق أو الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن العقيقة أواجبة هي؟ قال : نعم واجبة».

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان وفي الفقيه (٢) عن عمر بن يزيد في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني والله ما أدري كان أبي عق عني أم لا ، قال : فأمرني أبو عبد الله عليه‌السلام فعققت عن نفسي وأنا شيخ. وقال عمر : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل امرئ مرتهن بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الأضحية».

وذهب الشيخ ومن تأخر عنه إلى الاستحباب ، وغاية ما استدل به العلامة في المختلف (٣) بعد اختياره الاستحباب هو أصالة البراءة ، ثم أورد دليلا للمرتضى روايتي علي بن أبي حمزة وأبي بصير ، وأجاب بأن المراد شدة الاستحباب.

وأنت خبير بما فيه ، واعترضه في المسالك (٤) في استدلاله للمرتضى بهاتين الروايتين بأن السيد لا يستند في مذهبه إلى الأخبار الصحيحة إذا كانت من طريق الآحاد ، وكيف يحتج برواية ابن أبي حمزة وهو مصرح بكفره وكفر أضرابه من الفرق ، وإنما أوجبها لما توهمه من إجماع الإمامية عليه كما أشار إليه في الانتصار ، وجعل الإجماع مستنده في أكثر المسائل ، وإن كان في تحقق الإجماع نظر ، إلا أنه رأى ذلك حسبما اتفق عليه. انتهى ، وهو جيد يعلم منه التساهل في دعاويهم الإجماع ، ولم يذكر في المسالك دليلا على الاستحباب ، وإنما قال ـ بعد إيراد رواية أبي بصير ورواية علي بن أبي حمزة ورواية أبي المعزا المصرحة بالوجوب ـ : وهذه الأخبار مع قطع النظر عن سندها محمولة على تأكد الاستحباب

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٤ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٥ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٣١٢ ح ٣ و ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤١ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤٥ ب ٣٩ ح ١ وص ١٤٣ ب ٣٨ ح ١.

(٣) مختلف الشيعة ص ٥٧٦ و ٥٧٧.

(٤) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٧٩.

٥٨

أو ثبوته لأنه معنى الوجوب لغة. ويؤيد الثاني قول الصادق عليه‌السلام في رواية عمر بن يزيد «والعقيقة أوجب من الأضحية».

وفيه أن الحمل على خلاف الظاهر يتوقف على وجود المعارض وهو لم يذكر ما يعارضها ، وأما الطعن بضعف السند فهو ليس بمرضي ولا معتمد ، وأما رواية عمر بن يزيد فهي ظاهرة فيما ذكره ، وقال السيد السند في شرح النافع : وأما الروايات المتضمنة للوجوب فكلها ضعيفة السند ، ومع ذلك إنما يتم الاستدلال بها إذا ثبت كون الوجوب حقيقة شرعية أو عرفية في اصطلاحهم في المعنى المتعارف الآن عند الفقهاء وهو غير معلوم.

أقول : والتحقيق أن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما عرفت مما قدمناه من الأخبار الظاهرة في الوجوب.

وأما الطعن فيها بضعف السند فقد عرفت أنه عند من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح غير مرضي ولا معتمد ، إلا أن مما يعارض ذلك ويدافعه أولا ما قدمناه تحقيقه في غير موضع من أن الوجوب في الأخبار من الألفاظ المتشابهة لاستعماله فيها في معان عديدة :

(أحدها) هذا المعنى المصطلح عليه الآن بين الفقهاء ، وهذا هو الذي أشار إليه السيد السند ـ رحمة الله عليه.

و (ثانيا) عد العقيقة في قرن تلك الأمور المتفق على استحبابها في الأخبار التي تقدمت في سنن اليوم السابع فإنه مما يثمر الظن الغالب بكونها مثلها.

و (ثالثا) ما عرفت من رواية عمر بن يزيد التي هي صحيحة برواية الصدوق حيث جعل العقيقة أوجب من الأضحية التي هي مستحبة اتفاقا ، فالظاهر أن الوجوب إنما هو بمعنى الثبوت أو تأكد الاستحباب اللذين هما أحد معاني هذا اللفظ ، فإنه هو الذي يجري فيه التفضيل بمعنى أشد ثبوتا

٥٩

أو آكد استحبابا.

ونحو ذلك ما ورد في موثقة سماعة (١) قال : «سألته عن رجل لم يعق عن ولده حتى كبر وكان غلاما شابا أو رجلا قد بلغ ، قال : إذا ضحي عنه أو ضحى الولد عن نفسه فقد أجزأه عن العقيقة».

وموثقة عمار الساباطي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وفيها «وإن لم يعق عنه حتى ضحى فقد أجزأه الأضحية». والتقريب فيها أنها لو كانت واجبة كغيرها من الواجبات فإنه لا يعقل إجزاء الأضحية المستحبة اتفاقا عنها إذ لا نظير له في الأحكام الشرعية. ومقتضى الوجوب تعلق الخطاب بها حتى يأتي بها ، وقيام غيرها مما لا يخاطب به حتما يحتاج إلى دليل ، فإن ثبت له نظير في الأحكام فذلك ، وإلا فلا.

هذا ، وأما ما رواه في الكافي (٣) عن ذريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في العقيقة قال : إذا جاز سبعة أيام فلا عقيقة له». مما يدل على سقوطها بعد السبعة فهو معارض بالأخبار المستفيضة الدالة على الإتيان بها مطلقا ، سيما أخبار الوجوب وأنه مرتهن بها ، وحمله بعض المحدثين على نفي العقيقة الكاملة ، من قبيل من لم يصل في جماعة فلا صلاة له ، أو على الرخصة ، والأول أقرب.

الثاني : قد ذكر جملة من الأصحاب أنه يستحب مساواة العقيقة للمولود ،

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٩ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٧ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٣ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٨ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٣ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥٠ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٤٦ ح ٥١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧٠ ح ٢.

٦٠