الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

وأما أنه إذا اعترف به بعد الإنكار الحق به ، فاستدل عليه بخبر (١) «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز». ولأن الملاعن الذي ينتفي عنه الولد باللعان إذا أكذب نفسه الحق به الولد ـ كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى في باب اللعان ـ وإلحاقه به فيما إذا اعترف به بعد النفي بطريق أولى.

تذنيبات

الأول : لا يخفى أن ما ذكروه من هذه الأحكام في ولد الأمة يجي‌ء مثله ـ كما صرح به الأصحاب ـ في ولد المتعة من لزوم الاعتراف به إذا لم يعلم انتفاؤه ، وأنه إذا انفاه ينتفي ظاهرا من غير لعان ، وإذا اعترف به بعد النفي الحق به.

قال السيد السند في شرح النافع : ونقل جدي ـ رحمه‌الله عليه ـ في باب المتعة من الروضة والمسالك الاتفاق على أن ولد المتعة ينتفي بغير لعان ، مع أنه قال في هذا الباب من الروضة : أن انتفاء ولد المتعة بمجرد النفي هو المشهور ، وحكي عن المرتضى ـ رحمة الله عليه ـ قولا بإلحاقها بالدائمة في توقف انتفاء ولدها على اللعان.

أقول : وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في الفصل الثالث في المتعة ، وبينا ما في المسألة من الاشكال ، وإن لم يتنبه إليه أحد من علمائنا الأبدال ، وأن الروايات التي استندوا إليها في ذلك لا تخلو من الإجمال ، فليرجع إليه من أحب تحقيق الحال.

الثاني : لا خلاف بين الأصحاب في أنه متى أقر بالولد فإنه لا يقبل منه إنكاره بعد ذلك ، وقد ادعى الإجماع على ذلك جملة منهم وعليه تدل الأخبار أيضا.

ومنها ما رواه الشيخ (٢) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : وأيما رجل أقر بولد ثم انتفى منه فليس له ذلك ولا كرامة ، يلحق به ولده

__________________

(١) الوسائل ج ١٦ ص ١١١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٧ ص ١٦٣ ح ١ ، التهذيب ج ٩ ص ٣٤٦ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٦٤ ح ١.

٢١

إذا كان من امرأته أو وليدته».

وما رواه في الكافي والفقيه (١) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : من أقر بولد ثم نفاه جلد الحد والزم الولد».

وما رواه في التهذيب (٢) عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف منه أبدا».

وما رواه في الكافي (٣) عن سعد بن سعد في الصحيح قال : «سألته ـ يعني أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ـ عن رجل كان له ابن يدعيه فنفاه وأخرجه من الميراث وأنا وصيه فكيف أصنع؟ فقال ـ يعني الرضا عليه‌السلام ـ : لزمه الولد بإقراره بالمشهد لا يدفعه الوصي عن شي‌ء قد علمه».

وما رواه في التهذيب (٤) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب ثم انتفى من ذلك ، قال : ليس له ذلك».

وما رواه في التهذيب (٥) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أقر الرجل بولد ثم نفاه لزمه».

الثالث : إذا كان للجارية موال عديدة ووطأها كل منهم وولدت ، فإما أن يكون وطء الموالي متفرقا بأن وطأها الأول ثم باعها من الثاني فوطأها ثم باعها من الثالث فوطأها وهكذا ، وإن كان في طهر واحد ، أو يكون وطء الموالي

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٢٦١ ح ٨ ، الفقيه ج ٤ ص ٣٦ ح ١٢ وفيه «أن عليا عليه‌السلام قال :» ، التهذيب ج ١٠ ص ٨٧ ح ١٠٣ ، الوسائل ج ١٨ ص ٤٥٧ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٨٣ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٦٥ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٦٤ ح ٢٦ ، الفقيه ج ٤ ص ١٦٣ ح ٢ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٣٥ ح ١١ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٧٦ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٦٧ ح ٦ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٦٤ ح ٣.

(٥) التهذيب ج ٩ ص ٣٤٦ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٦٤ ح ٢.

٢٢

مجتمعا بحيث يكونون مشتركين في الجارية فوطأها كل منهم من حيث الملك فهنا قسمان :

(أحدهما) أن يكون الموالي متفرقة على الوجه الذي ذكرناه ، والذي ذكره الأصحاب أنه يحكم بالولد للأخير الذي عنده الجارية إن جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا من يوم وطئها ، وإلا كان للذي قبله بالشرط المذكور ، وهكذا في كل واحد منهم ، وهي وإن كانت فراشا للجميع أو كالفراش إلا أن الولد عندهم يلحق بالمالك بالفعل دون الزائد وإن أمكن لحوقه به ، هذا إن حصل شرط الإلحاق وهو التولد على الوجه المذكور ، وإلا فالسابق ، لأنه ناسخ لحكم الذي قبله مع إمكان اللحوق أيضا ، وهكذا.

والذي يدل على ما ذكروه من تقديم الحاضر دون من سبق وإن أمكن اللحوق ما رواه المشايخ الثلاثة (١) ـ رحمة الله عليهم ـ عن الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرء رحمها ، قال : بئس ما صنع ، ويستغفر الله ولا يعود ، قلت : فإنه باعها من آخر ولم يستبرء رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرء رحمها فاستبان حملها عند الثالث ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

ورواه الشيخ في التهذيب (٢) بسند آخر عن الصيقل قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وذكر مثله ، إلا أنه قال «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الولد للذي عنده الجارية ، وليصبر لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر».

وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٣) «وإن كانوا ثلاثة واقعوا جارية على

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٩١ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٦٨ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٦٨ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٨ ح ٣.

(٣) فقه الرضا ص ٢٦٢ مع اختلاف يسير.

٢٣

الانفراد بعد أن اشتراها الأول وواقعها ثم اشتراها الثاني وواقعها ثم اشترى الثالث وواقعها ، كل ذلك في طهر واحد ، فأتت بولدها لكان الحق أن يلحق الولد بالذي عنده الجارية ويصبر لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، هذا مما لا يخرج في النظر وليس فيه إلا التسليم ، وفي الخبرين دلالة على كون الأمة فراشا ، والأصحاب قد استدلوا في ذلك بهذين الخبرين لضعف قول من منع كونها فراشا.

و (ثانيهما) أن يطأها الموالي المشتركون فيها في طهر واحد ، ولا ريب أنهم قد فعلوا محرما فإنه لا يجوز لأحد الشركاء الوطء بدون إذن الشركاء الأخر ، لكنه لا يكون بذلك زانيا بل عاصيا يستحق التعزير ويلحق به الولد ، ويقوم عليه الأمة والولد يوم سقط حيا ، وقد تقدم تحقيق الكلام في المسألة في كتاب البيع (١) والكلام هنا فيما إذا اجتمعوا على الوطء فإنهم وإن فعلوا محرما إلا أن الولد لاحق بهم لا بمعنى أنه يكون مشتركا بين الجميع بل يختص بواحد منهم ، يجب الرجوع إلى القرعة في تعيينه كما دلت عليه الأخبار ، فكل من خرج اسمه الحق به الولد واغرم حصص الباقين من قيمته وقيمة امه ، لأنها قد صارت أم ولد بالنسبة إلى من الحق به ، وها أنا أسوق ما وقفت عليه من أخبار المسألة.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (٢) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا وقع الحر والعبد والمشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد أقرع بينهم فكان الولد للذي يخرج سهمه».

وما رواه في الكافي والفقيه (٣) عن عاصم بن حميد عن أبي بصير في الصحيح أو

__________________

(١) ج ١٩ ص ٤٧٨.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٠ ح ١ ، التهذيب ج ٦ ص ٢٤٠ ح ٢٦ مع اختلاف في السند والمتن ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٧ ح ٣ وج ١٨ ص ١٨٧ ح ١ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩١ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٥٤ ح ١١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٧٠ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٧ ح ٤ وج ١٨ ص ١٨٨ ح ٦.

٢٤

الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام إلى اليمن فقال له حين قدم : حدثني بأعجب ما ورد عليك ، قال : يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطؤوها جميعا في طهر واحد فولدت غلاما واحتجوا فيه كلهم يدعيه فأسهمت بينهم وجعلته للذي خرج سهمه ، وضمنته نصيبهم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله عزوجل إلا خرج سهم المحق».

ورواه الشيخ (١) عن عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله. وما رواه في التهذيب عن معاوية بن عمار في الصحيح والصدوق (٢) عنه في الضعيف عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع الوالي بينهم ، فمن قرع كان الولد ولده ، ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية» الحديث.

وما رواه في التهذيب (٣) عن سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى علي عليه‌السلام في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد. وذلك في الجاهلية قبل أن يظهر الإسلام فأقرع بينهم وجعل الولد لمن قرع وجعل عليه ثلثي الدية للآخرين ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بدت نواجده قال : وما أعلم فيها شيئا إلا ما قضى علي عليه‌السلام».

ونحو ذلك صحيحة الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا وقع المسلم واليهودي والنصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم ، وكان الولد للذي تصيبه القرعة».

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٢٣٨ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٨ ص ١٨٨ ح ٥.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٥٢ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٦٩ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٦ ح ١ وج ١٨ ص ١٩٠ ح ١٤.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٦٩ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ج ٩ ص ٣٤٨ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٧١ ب ١٠ ح ١.

٢٥

قال في المسالك ـ بعد أن ذكر صحيحة أبي بصير (١) المشتملة على بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام إلى اليمن ولم ينقل سواها ـ ما صورته : والأصحاب حكموا بمضمونها وحملوا قوله «وضمنته نصيبهم» على النصيب من الولد والام معا كما لو كان الواطئ واحدا منهم ابتداء ، فإنه يلحق به ويغرم نصيبهم منهما كذلك ، لكن يشكل الحكم بضمانه لهم نصيب الولد لادعاء كل منهم أنه ولده وأنه لا يلحق بغيره ، ولازم ذلك أنه لا قيمة له على غيره من الشركاء ، وهذا بخلاف ما لو كان الواطئ واحدا ، فإن الولد محكوم بلحوقه به ، ولما كان من نماء الأمة المشتركة جمع بين الحقين بإغرامه قيمة الولد لهم وإلحاقه به ، بخلاف ما هنا ، والرواية ليست صريحة في ذلك ، لأن قوله «وضمنته نصيبهم» يجوز إرادة النصيب من الأم ، لأنه هو النصيب الواضح لهم باتفاق الجميع بخلاف الولد ، ويمكن أن يكون الوجه في إغرامه نصيبهم من الولد ، أن ذلك ثابت عليه بزعمه أنه ولده ، ودعواهم لم يثبت شرعا ، فيؤاخذ المدعي بإقراره بالنسبة إلى حقهم ، والنصيب في الرواية يمكن شموله لهما معا من حيث إن الولد نماء أمتهم ، فلكل منهم فيه نصيب سواء الحق به أم لا ، ولهذا يغرم من لحق به نصيب الباقين في موضع الوفاق ، وعلى كل حال فالعمل بما ذكره الأصحاب متعين ولا يسمع الشك فيه مع ورود النص به ظاهرا وإن احتمل غيره ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن الرواية المذكورة وإن أوهمت ما ذكره من حيث عدم الصراحة في كون ما يغرمه نصيبهم من الولد ، إلا أن صحيحة معاوية بن عمار صريحة في ذلك لقوله «فمن قرع كان الولد ولده ، وترد قيمة الولد على صاحب الجارية».

وحاصله : أن من غلب بالقرعة وخرج اسمه يجب عليه إعطاء شريكه في الجارية حصته من قيمة الولد ، فقوله «قيمة الولد» أي حصته من قيمة الولد ،

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧٠ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٨ ص ١٨٨ ح ٦.

٢٦

وهو أيضا ظاهر صحيحة سليمان بن خالد وإن عبر عن القيمة بالدية ، فإنه بعد أن حكم بأن الولد لمن قرع أوجب عليه ثلثي القيمة أي قيمة الولد ، لأن الشركاء ثلاثة كما هو مذكور في صدر الخبر.

وبالجملة فإن ظاهر هذه الروايات المشتملة على القيمة إنما أريد بها قيمة الولد ، لأن سياقها إنما هو في حكم الأولاد لا قيمة الجارية ، وإن كان ذلك أيضا واجبا عليه إلا أنه لم يتعرض له في هذه الأخبار ، وإنما يستفاد من أخبار كما تقدم في كتاب البيع ، وعلى هذا فيمكن أن يقال ـ في دفع ما ذكره من الاستشكال ـ أنه لما دلت الأخبار بعد إلحاق الولد به بالقرعة وصيرورته هو الأب الحقيقي بذلك صار في حكم ما لو كان الواطئ لها واحدا من الشركاء خاصة ، ويترتب عليه هنا ما ذكر في تلك المسألة ، ودعوى كل من الشركاء ـ أنه ولده بزعمه بعد خروج القرعة لواحد معين ـ في حكم العدم ، فإن القرعة قد عينت الأب الحقيقي.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) ولو أن رجلين اشتريا جارية وواقعاها جميعا فأتت بولد لكان الحكم فيه أن يقرع بينهما ، فمن أصابت القرعة الحق به الولد ، ويغرم نصف قيمة الجارية لصاحبه ، وعلى كل واحد منهما نصف الحد. انتهى ، وهذا الخبر قد تضمن قيمة الجارية خاصة.

الرابع : أنه لو وطأها المولى ووطأها أجنبي بالزنا فولدت فإنه لا خلاف في إلحاقه بالمولى ، لأخبار الفراش المتظافرة وصحيحة سعيد الأعرج (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد ، لمن تكون الولد؟ قال : للذي تكون عنده لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر». وموثقة

__________________

(١) فقه الرضا ص ٢٦٢ ، مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٢٠٠ ب ١١ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩١ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٦٩ ح ١٣ وفيه «عنده الجارية» ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٨ ح ٤.

٢٧

سماعة (١) قال : «سألته عن رجل له جارية فوثب عليها ابن له ففجر بها ، قال : قد كان رجل عنده جارية وله زوجة فأمرت ولدها أن يثب على جارية أبيه ففجر بها ، فسأل أبو عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : لا يحرم ذلك على أبيه ، إلا أنه لا ينبغي له أن يأتيها حتى يستبرئها للولد ، فإن وقع فيما بينهما ولد فالولد للأب إذا كانا جامعاها في يوم واحد وشهر واحد».

وإنما الاشكال والخلاف فيما لو حصل في الولد أمارة تغلب على الظن أن الولد ليس من المولى ، قال الشيخ في النهاية : إذا حصل في الولد أمارة يغلب معها الظن أنه ليس من المولى لم يجز له إلحاقه به ولا نفيه عنه ، وينبغي أن يوصي له بشي‌ء ولا يورثه ميراث الأولاد ، وتبعه على ذلك جملة من الأصحاب منهم المحقق في النافع ، وفي الشرائع نسبه إلى قيل ، وتردد فيه ، والظاهر أنه المشهور.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن عجلان قال : «إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر عليه‌السلام فقال له : إني قد ابتليت بأمر عظيم ، إني وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي فانصرفت من الطريق ، فأصبت غلامي بين رجلي الجارية فاعتزلتها فحبلت ثم وضعت جارية لعدة تسعة أشهر ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : احبس الجارية لا تبعها وأنفق عليها حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجا ، فإن حدث بك حدث فأوص بأن ينفق عليها من مالك حتى يجعل الله لها مخرجا» الحديث.

ورواه الكليني والشيخ في التهذيب (٣) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٧٩ ح ٥١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٤ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٨٠ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٣ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٨٨ ح ١ ، الفقيه ج ٤ ص ٢٣٠ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٧٩ ح ٥٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٣ ح ١.

٢٨

أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن رجلا من الأنصار أتى أبي ـ الحديث. كما تقدم إلى قوله ـ حتى يجعل الله لها مخرجا» وفيه أيضا «فقال له أبي عليه‌السلام : لا ينبغي لك أن تقربها ولا تنفيها» عوض قوله «فقال له أبو جعفر عليه‌السلام» إلخ.

وما رواه في الفقيه والتهذيب (١) عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل كان يطأ جارية له وأنه كان يبعثها في حوائجه وأنها حبلت وأنه بلغه عنها فساد ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا ولدت أمسك الولد ولا يبيعه ويجعل له نصيبا في داره ، قال : فقيل له : رجل يطأ جارية له وأنه لم يكن يبعثها في حوائجه وأنه اتهمها وحبلت ، فقال : إذا هي ولدت أمسك الولد ولا يبيعه ويجعل له نصيبا من داره وماله ، وليس هذه مثل تلك».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٢) عن عبد الحميد بن إسماعيل قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له جارية يطؤها وهي تخرج في حوائجه فحبلت فخشي أن لا يكون منه ، كيف يصنع؟ أيبيع الجارية والولد؟ قال : يبيع الجارية ولا يبيع الولد ولا يورثه من ميراثه شيئا».

وأنت خبير بأنه ليس في شي‌ء من هذه الأخبار على تعددها دلالة على ما ذكره الشيخ من اشتراط حصول أمارة يغلب معها الظن بأنه ليس من المولى في ترتب ما ذكره من الأحكام التي جعلها حالة وسطى بين الولد والأجنبي ، وغاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة هو حصول الزنا منها مع وطء المولى لها أو التهمة لها بالزنا ، وأن هذه الأحكام مترتبة على ذلك ، وفيه ما لا يخفى من الاشكال لما عرفت من الأخبار المتقدمة وأخبار القاعدة المشهورة من أن «الولد للفراش

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٩ ح ٢ ، الفقيه ج ٤ ص ٢٣١ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٨٢ ح ٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٥ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٩ ح ٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٣٠ ح ٢ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٨ ص ١٨٠ ح ٥٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٥ ح ٤.

٢٩

وللعاهر الحجر» (١) ومحل البحث أحد أفراد القاعدة ومقتضى جميع ذلك حرية الولد وإلحاقه بالأب.

قال في المسالك : القول المذكور للشيخ وأتباعه وأكثر الأصحاب استنادا إلى روايات كثيرة دالة بظاهرها على ذلك لكنها مختلفة الدلالة والاسناد ، والواضح السند منها ليس بصريح في المطلوب ، والدال عليه الآخر ضعيف السند ، ولكثرتها أعرضنا عن نقلها مضافا إلى مخالفتها للقواعد الشرعية ، والأخبار الصحيحة المتفق عليها (٢) من أن «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وأنه لا عبرة في الولد بمشابهة الأب أو غيره ، ولأن الولد المذكور إن كان لاحقا به فهو حر وارث ، وإلا فهو رق ، فجعله طبقة ثالثا وقسما آخر ليس بجيد ، ومقتضى النصوص أن الولد يملك الوصية ولا يملكه المولى ولا الوارث ، وهي من خواص الحر ، لكن عدم إلحاقه به ينافي ذلك ، فالأقوى الاعراض عن مثل هذه الروايات ، والأخذ بالمجمع عليه من أن الولد للفراش حيث تجتمع شرائط إلحاقه به ، انتهى.

أقول : ومن أخبار المسألة ما رواه في التهذيب (٣) عن جعفر بن محمد بن إسماعيل ابن الخطاب «أنه كتب إليه يسأله عن ابن عم له كانت له جارية تخدمه وكان يطؤها ، فدخل يوما إلى منزله فأصاب معها رجلا تحدثه فاستراب بها فهدد الجارية فأقرت أن الرجل فجر بها ثم إنها حبلت فأتت بولد ، فكتب عليه‌السلام : إن كان الولد لك أو فيه مشابهة منك فلا تبعهما فإن ذلك لا يحل لك ، وإن كان الابن ليس منك ولا فيه مشابهة منك فبعه وبع أمه».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٩١ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٦٩ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٨ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٦٩ ح ١٢ و ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٨ ب ٥٨ ح ٣ و ٤.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٨٠ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٤ ح ٤.

٣٠

وعن يعقوب بن يزيد (١) في الصحيح قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام في هذا العصر رجل وقع على جاريته ، ثم شك في ولده ، فكتب عليه‌السلام : إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده».

وأنت خبير بما عليه أخبار هذه المسألة من الاختلاف والاضطراب بما لا يقبل الإصلاح ويزيل الارتياب ، فجملة منها وهو أكثرها على الإلحاق بصاحب الفراش مع العلم بالزنا فضلا عن التهمة به ، أعم من أن يظهر في الولد مشابهته له أم المشابهة للزاني أم لا ، وجملة وافرة ظاهرة في أنه مع التهمة فضلا عن وقوع الزنا بالفعل يجعل للولد تلك الحالة الوسطى كما هو صريح أكثر هذه الأخبار الأخيرة ، ونحوها مفهوم الأخبار المتقدمة في صدر المسألة كما أشرنا إليه ثمة ، وهذان الخبران قد تضمنا أنه مع تحقق الزنا يرجع إلى مشابهة الولد لمولى الجارية وعدمها.

مع أن هنا جملة من الأخبار دالة بصريحها على أنه قد يخرج الولد على غاية من البعد عن الأب في اللون ونحوه من الأمور التي جعلوها منشأ للإلحاق به ، وأنه ابنه حقيقة ، وإن كنا لا نهتدي لأسباب عدم المشابهة والاختلاف التام بينهما في الخلق والخلق مثل ما رواه في الكافي (٢) عن عبد الله بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أتى رجل من الأنصار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم إلا خيرا وقد أتتني بولد شديد السواد منتشر المنخرين جعد قطط ، أفطس الأنف ، لا أعرف شبهه في أخوالي ولا في أجدادي ، فقال لامرأته : ما تقولين؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق نبيا ما أقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره ، قال : فنكس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برأسه مليا ثم رفع بصره إلى السماء ثم أقبل على الرجل فقال : يا هذا إنه ليس من أحد إلا بينه وبين آدم تسعة وتسعون عرقا كلها تضرب في النسب ، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٨١ ح ٥٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٤ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٥٦١ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢١٨ ح ١.

٣١

تسأل الله لشبه لها ، فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك ، خذ إليك ابنك ، فقالت المرأة : فرجت عني يا رسول الله».

وما رواه في الكافي (١) عن ابن مسكان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن رجلا أتى بامرأته إلى عمر فقال : إن امرأتي هذه سوداء وأنا أسود ، وإنها ولدت غلاما أبيض ، فقال لمن بحضرته : ما ترون؟ فقالوا : نرى أن ترجمها ، فإنها سوداء وزوجها أسود وولدها أبيض ، قال : فجاء أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد وجه بها لترجم فقال : ما حالكما؟ فحدثاه ، فقال للأسود : أتتهم امرأتك؟ فقال : لا ، قال : فأتيتها وهي طامث؟ قال : قد قالت لي في ليلة من الليالي : إني طامث ، فظننت أنها تتقي البرد فوقعت عليها ، فقال للمرأة : هل أتاك وأنت طامث؟ قالت : نعم سله قد حرجت عليه وأبيت ، قال : فانطلقا فإنه ابنكما وإنما غلب الدم النطفة فابيض ، ولو قد تحرك اسود فلما أيفع اسود». (٢).

وروى الصدوق في الفقيه (٣) مرسلا قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من نعم الله عزوجل على الرجل أن يشبهه ولده».

قال : «وقال الصادق عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين آدم ، ثم خلقه على صورة إحداهن ، فلا يقولن أحد لولده هذا لا يشبهني ولا يشبه شيئا من آبائي».

أقول : ويمكن تفسير خبر العروق بهذا الخبر ، ومقتضى ذينك الخبرين أنه لو كان الحاكم غير المعصومين عليهم‌السلام هو نفي الولد في هاتين الصورتين عن أبيه عملا بما دلا عليه ، وهذان الخبران كما ترى على خلافهما ، فكيف يصح أن يجعل ما اشتمل عليه قاعدة شرعية ، والحال كما عرفت.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٦ ح ٤٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢١٩ ح ٢.

(٢) أيفع الغلام فهو يافع : إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣١٢ ح ٢٢ و ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢١٩ ح ٣ و ٤.

٣٢

ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل خبر جعفر بن محمد بن إسماعيل وصحيحة يعقوب بن يزيد على مورديهما ، وأنها قضية في واقعة فلا تتعدى إلى غيرها.

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وإن كان الأقرب هو اللحوق بمن عنده الجارية ، وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل إلى القول المشهور لصحة بعض أخباره حيث قال : وعذر المصنف في العمل بهذه الروايات واضح لصحة بعضها واعتضادها بالبعض الآخر وعمل الأصحاب بها ، ومع ذلك فالمسألة بمحل تردد ، انتهى.

وفيه أن هذه الروايات (١) سيما ما اشتمل عليه أكثرها من التهمة لا يبلغ قوة المعارضة لما دلت عليه تلك الأخبار لكثرتها وصراحتها في اللحوق بصاحب الفراش ، ولا يحضرني الآن مذهب العامة في هذه المسألة ، فينبغي أن يراجع.

المسألة الثالثة : في وطء الشبهة ، قال في المسالك : لا خلاف في أن وطء

__________________

(١) أقول : ومما يؤيد ما ذكرناه من عدم البناء على التهمة ما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (*) عن الحسين بن إسماعيل الكيدري عن أبى طاهر البلالي «قال : كتب جعفر بن حمدان فخرجت اليه هذه المسائل : استحللت بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولم ألزمها منزلي ، فلما أتى لذلك مدة قالت قد حبلت ثم أتت بولد ثم أنكرته ـ الى أن قال : ـ فخرج جوابها ـ يعنى عن صاحب الزمان صلوات الله عليه. وأما الرجل الذي استحل بالجارية وشرط عليها أن لا يطلب ولدها : فسبحان الله من لا شريك له في قدرته ، شرطه على الجارية شرط على الله ، هذا ما لا يؤمن أن يكون ، وحيث عرض له في هذا شك ، وليس يعرف الوقت الذي أتاها ، فليس ذلك يوجب البراءة من ولده».

أقول : مرجع كلام السائل إلى أنه شرط العزل عن الجارية ، ومع هذا لم يلتزمها العزل فأتت بولد والحال هذه وهو ظاهر في تهمتها وقد حكم عليه‌السلام بأن الولد له ، وأن شكه وتهمته لها ليس بشي‌ء ، وأن اشتراط العزل كما قدمناه غير موجب لنفى الولد عنه.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(*) إكمال الدين وإتمام النعمة ص ٥٠٠ توقيع ٢٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١١٩ ب ١٩ ح ١.

٣٣

الشبهة كالصحيح في لحوق أحكام النسب ، انتهى.

أقول : وقد تقدم الكلام في تعريفه وبيان الخلاف في نشر حرمة المصاهرة به في الفصل الثاني في أسباب التحريم ، وأما لحوق ولد الشبهة بالواطئ كما في النكاح الصحيح فيدل عليه مضافا إلى الإجماع المذكور جملة من الأخبار.

ومنها صحيحة جميل بن دراج (١) «في المرأة تزوج في عدتها : قال : يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما ، فإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير ، وإن جاءت بولد في أقل من ستة أشهر فهو للأول» هكذا في الفقيه. ورواه الكليني والشيخ (٢) في الضعيف عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام في المرأة. إلخ.

وما رواه في الكافي (٣) عن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن تزوج امرأة ثم تزوج أمها وهو لا يعلم أنها أمها؟ قال : قد وضع الله عنه بجهالة لذلك ، ثم قال : إذا علم أنها أمها فلا يقربها ، ولا يقرب البنت حتى تنقضي عدة الام منه ، فإذا انقضت عدة الام حل له نكاح البنت ، قلت : فإن جاءت الام بولد؟ قال : هو ولده وأخو امرأته».

وقد تقدم الكلام (٤) في أنه لو وطأ أمة الغير بشبهة فولدت الحق الولد بالحر وعليه فكه بالقيمة لمولى الجارية على خلاف في ذلك.

ومن أفراد نكاح الشبهة ما لو تزوج امرأة بظن أنها لا زوج لها بموت أو

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٠١ ح ٢٤ مع اختلاف يسير.

(٢) لم نعثر عليه في الكافي ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٩ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١١٧ ح ١٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٣١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٨ ب ٢٦ ح ١ وفيه اختلاف يسير.

(٤) تقدم ذلك في المسألة الرابعة من المطلب الأول من الفصل الرابع في أحكام الإماء.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٣٤

طلاق ، فظهر أنه لم يمت أو لم يطلق فإنها ترد على الأول بعد الاعتداد من الثاني ، وما أتت من الأولاد بعد تزويج الثاني يلحق بالثاني بالشرائط المتقدمة ، هذا إذا كان التزويج بحكم الحاكم أو شهادة الشاهدين ، لأن وطء الثاني يكون شبهة مسوغة للوطء وموجبة لإلحاق الولد ، وثبوت الاعتداد بعد ظهور الفساد ، وأما لو كان التزويج وقع بالعمل بخبر من لا يثبت به الحكم شرعا كالواحد فإن كان لظن جواز التعويل عليه شرعا جهلا منهما بالحكم الشرعي فإنه شبهة أيضا ، وإلا كان ذلك زنا فلا مهر ولا يلحق الولد بالواطئ ولا عدة عليها منه إلا على القول بوجوبها في الزنا مطلقا ، والظاهر أنه لا خلاف في هذه الأحكام ، وعليها يدل أيضا جملة من الأخبار.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا نعي الرجل إلى أهله أو خبروها أنه طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الأول بعد فإن الأول أحق بها من هذا الآخر دخل بها الأول أو لم يدخل ، ولها من الأخير المهر بما استحل من فرجها».

وزاد في الكافي والتهذيب «وليس للآخر أن يتزوجها أبدا». وروى هذا المضمون بعدة طرق في كتب الأخبار المشهورة ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة مستوفى في الفصل الثاني.

المقام الثاني : في سنن الولادة وما يستحب فعله بالمولود.

قالوا : والواجب استبداد النساء بالمرأة عند الولادة دون الرجال إلا مع عدم النساء ، وأما الزوج فلا بأس به وإن وجد النساء ، وعلل وجوب استبداد النساء بها بأن مثل ذلك يوجب سماع صوتها غالبا والاطلاع على ما يحرم عليهم.

وفيه ما تقدم في غير موضع من عدم ثبوت تحريم سماع صوت الأجنبية

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٤٩ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٨ ح ١٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٤٢ ب ١٦ ح ٦ وج ١٥ ص ٤٦٦ ب ٣٧ ح ١.

٣٥

بل قيام الدليل على جوازه ، نعم التعليل الثاني لا بأس به إن لزم ذلك ، والظاهر. جواز ذلك للرجال المحارم إلا أن يستلزم المباشرة لما لا يجوز لهم المباشرة ونظر ما لا يجوز نظره ، ومع الضرورة لتعذر النساء بالكلية يسقط البحث لأن الضرورات تبيح المحظورات كما يستفاد من جملة من الروايات ، وكما صرحوا به من إباحة ذلك للطبيب في وقت الحاجة ولو إلى العورة ، وهذا الوجوب في جميع المراتب كفائي يجب على كل من بلغه حالها من النساء إلى أن يحصل من يقوم به فيسقط عن الباقين ، وهكذا في الرجال حيث تلجئ الضرورة إليهم.

وأما السنن التي أشرنا إليها (فمنها) إخراج من في البيت من النساء وقت الولادة ، وهو حكم غريب لم أقف في كلام الأصحاب ، وقد رواه في الكافي والفقيه (١) عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا حضرت ولادة المرأة قال : أخرجوا من في البيت من النساء لا يكون أول ناظر إلى عورة».

قال في الوافي (٢) : يعني لا يكون أول من ينظر إليه امرأة ويقع نظرها إلى عورته منه ، فإنهن ينظرن أولا إلى عورته ليعلم أنه ذكر أو أنثى ، بل ينبغي أن يقع عليه أولا نظر رجل وأن ينظر منه إلى غير عورة.

(ومنها) الأذان في اذن المولود اليمنى والإقامة في اليسرى ، روى في الكافي (٣) عن أبي يحيى الرازي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا ولد لكم المولود أي شي‌ء تصنعون به؟ قلت : لا أدري ما نصنع به ، قال : فخذ عدسة من جاوشير فذيفه بماء ثم قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة واحدة ، وأذن في اذنه

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٦٥ ح ٢٨ وفيه «لا تكون المرأة أول ناظر الى عورته» ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١١٩ ب ١٨ ح ١.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٢٠٠ ب ٢١١ من أبواب النكاح.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٢٣ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٦ ح ٢ وفيهما «فدفه» ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٧ ب ٣٥ ح ٢.

٣٦

اليمنى وأقم في اليسرى تفعل به ذلك قبل قطع سرته ، فإنه لا يصرع أبدا ولا تصيبه أم الصبيان». قوله «فخذ عدسة» أي مقدار عدسة.

وعن حفص الكناسي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «مروا القابلة أو بعض من يليه أن تقيم الصلاة في اذنه اليمنى».

وعن السكوني (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ولد له مولود فليؤذن في اذنه اليمنى بأذان الصلاة وليقم في اليسرى فإنه عصمة من الشيطان الرجيم».

وروى في الفقيه (٣) مرسلا قال : «قال الصادق عليه‌السلام : المولود إذا ولد يؤذن في اذنه اليمنى ويقام في اليسرى». والظاهر حمل رواية حفص على الرخصة.

(ومنها) تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين عليه‌السلام قالوا : فإن لم يوجد ماء الفرات فبماء قراح ، ولو لم يوجد إلا ماء ملح جعل فيه شي‌ء من التمر أو العسل.

والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه في الكافي (٤) عن يونس عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «يحنك المولود بماء الفرات ويقام في اذنه».

قال : وفي رواية أخرى (٥) «حنكوا أولادكم بماء الفرات وتربة الحسين عليه‌السلام وإن لم يكن فبماء السماء».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٧ ب ٣٥ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٢٤ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٧ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٦ ب ٣٥ ح ١.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٩٥ ح ٤٩ ، الوسائل ج ٤ ص ٦٧٢ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٨ ح ٢.

(٥) الكافي ج ٦ ص ٢٤ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٨ ح ٣.

٣٧

وعن أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : حنكوا أولادكم بالتمر ، هكذا فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحسن والحسين عليهما‌السلام».

وروى في كتاب عيون أخبار الرضا (٢) بسنده فيه عن أم الرضا عليه‌السلام «تقول في حديث : لما وضعت ابني عليا دخل على أبوه موسى بن جعفر عليه‌السلام فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذن في اذنه اليمنى وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم رده إلى فقال : خذيه فإنه بقية الله في أرضه».

وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) كما سيأتي نقل كلامه التحنيك بالعسل وهو مستند الأصحاب فيما قدمنا نقله عنهم. لكن الظاهر أنهم أخذوا ذلك من كلام الصدوقين اللذين من عادتهما الإفتاء بعبارات هذا الكتاب كما عرفته.

وروى في الفقيه (٤) عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عن علي بن الحسين عليهم‌السلام عن أسماء بنت عميس عن فاطمة عليها‌السلام «قالت : لما حملت بالحسين عليه‌السلام وولدته جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هلمي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأذن في اذنه اليمنى وأقام في اذنه اليسرى».

أقول : التحنيك إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم ، وأنت خبير بأن أكثر الأخبار اشتمل على استحباب الأذان في الاذن اليمنى والإقامة في الاذن اليسرى وبعضها اشتمل على الإقامة في الاذن اليمنى خاصة ، والظاهر أنه محمول على الرخصة ، وإن كان الأفضل الأول.

ثم إن المستفاد من هذه الأخبار هو استحباب التحنيك بماء الفرات ، وهو

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٢٤ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٦ ح ٥ وفيه «أبى بصير قال :

قال أمير المؤمنين» ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٧ ح ١.

(٢) عيون أخبار الرضا ج ١ ص ١٦ ح ٢ ط النجف الأشرف ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٨ ح ٤.

(٣) فقه الرضا ص ٢٣٩.

(٤) عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٤ ح ٥ ط النجف الأشرف ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣٨ ح ٥.

٣٨

النهر المشهور ، ومع عدمه فبماء المطر ، والأصحاب ذكروا أنه مع عدمه فبماء عذب ، ومع تعذره بأن كان مالحا يوضع فيه التمر أو العسل ، ولم أقف فيه على نص ، والذي يقتضيه الجمع بين هذه الأخبار أنه يحنك بماء الفرات وإلا فبماء المطر يوضع فيه شي‌ء من التربة وشي‌ء من حلاوة التمر أو العسل فيحصل العمل بالجميع.

(ومنها) غسل المولود ، وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الطهارة (١).

(ومنها) أن يسميه بأحد الأسماء المستحسنة وأفضلها ما يتضمن العبودية لله ويليها في الفضل أسماء الأنبياء والأئمة ، كذا ذكره جملة من الأصحاب ، منهم المحقق والعلامة.

أقول : ما ذكره من الأفضل ما تضمن العبودية لله ويليها في الفضل أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام لم نقف عليه فيما وصل إلينا من نصوص المسألة.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن ثعلبة بن ميمون عن رجل قد سماه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء».

وعن موسى بن بكر (٣) عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : «أول ما يبر الرجل ولده أن يسميه باسم حسن ، فليحسن أحدكم اسم ولده».

وعن عبد الله بن الحسين (٤) بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استحسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة ، قم يا فلان بن فلان إلى نورك ، قم يا فلان بن فلان لا نور لك».

__________________

(١) ج ٤ ص ١٨٩.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٨ ح ١١ مع زيادة ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٤ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٧ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٢ ب ٢٢ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٩ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٢ ب ٢٢ ح ٢.

٣٩

وعن أحمد (١) عن بعض أصحابنا عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمدا ، فإذا مضى سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا».

وعن فلان بن حميد (٢) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام وشاوره في اسم ولده ، فقال : سمه بأسماء من العبودية ، فقال : أي الأسماء هو؟ فقال : عبد الرحمن».

وعن عاصم الكوزي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني».

وعن سليمان بن جعفر الجعفري (٤) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء».

ويستفاد من بعض الأخبار استحباب التسمية قبل الولادة وإلا فبعد الولادة حتى السقط ، فروى في الكافي (٥) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سموا أولادكم قبل أن يولدوا ، فإن لم تدروا أذكر أم أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى ، فإن أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسموهم يقول السقط لأبيه ألا سميتني وقد سمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محسنا قبل أن يولد».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (٦) عن السندي بن محمد عن أبي البختري

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٨ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٧ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٥ ب ٢٤ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٥ ب ٢٣ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٩ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٦ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٩ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٨ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٨ ب ٢٦ ح ١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١٨ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢١ ح ١.

(٦) قرب الاسناد ص ٧٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٢٢ ب ٢١ ح ٢.

٤٠