الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

بائنة ، وهو خطاب من الخطاب ، وإن اختارت زوجها فلا شي‌ء».

وعن بريد الكناسي (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا ترث المخيرة من زوجها شيئا من عدتها ، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينها وبين زوجها من ساعتها ، فلا رجعة له عليها ولا ميراث بينهما».

وعن حمران (٢) في الحسن قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : المخيرة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما ، لأن العصمة منها قد بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج».

أقول : وهذه الأخبار وما في معناها هي أدلة القول الآخر في المسألة.

وأما ما يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور كما سيظهر لك إن شاء الله غاية الظهور فمنها :

ما رواه في الكافي (٣) في الموثق عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها ، بانت منه؟ فقال : لا ، إنما هذا شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصة أمر بذلك ففعل ، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن ، وهو قول الله عزوجل «قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً».

أقول : ظاهر الخبر المذكور أنه لا بد بعد اختيارها نفسها من الطلاق من الزوج ، لا أنها تبين بمجرد الاختيار أو يحصل الطلاق بذلك ، بل لا بد من اتباعه بالطلاق ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لو اخترن أنفسهن لطلقهن ، ولا يخفى أن ظاهر الآية المذكورة ذلك ، إلا أنه مناف لأخبار المسألة كما عرفت وتعرف ، إلا أن يقال :

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ٩٠ ح ٢٢٥ و ٢٢٦، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٧ ب ٤١ ح ١٠ و ٣٣٨ ب ٤١ ح ١١. والظاهر أن «يزيد الكناسي» هو الصحيح.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٣٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٨٧ ح ٢١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٦ ب ٤١ ح ٤.

٢٢١

إن هذا إنما هو بالنسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو مورد الخبر ، لكن الظاهر أنه لا قائل بالفرق.

قال الشيخ في كتابي الأخبار (١) بعد نقل هذا الخبر : قال الحسن بن سماعة : وبهذا الخبر تأخذ في الخيار.

وما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخيار ، فقال : وما هو وما ذاك؟ إنما ذاك شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

وعن محمد بن مسلم (٣) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني سمعت أباك يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير نساءه فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهن على الطلاق ولو اخترن أنفسهن لبن ، فقال : إن هذا حديث كان أبي يرويه عن عائشة : وما للناس والخيار ، إنما هذا شي‌ء خص الله عزوجل به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

أقول : لعل الوجه في نسبته عليه‌السلام هذا الخبر إلى رواية أبيه عليه‌السلام عن عائشة المؤذن بكذبه هو ما اشتمل عليه من أنهن لو اخترن أنفسهن لبن ، حيث إن ظاهر الخبر الأول الاحتياج إلى الطلاق بعد الاختيار ، وإلا فإنه ليس فيما نقله زرارة عن أبيه عليه‌السلام ما يخالف الواقع في القصة.

وما رواه في الكافي (٤) عن زرارة في الموثق قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن الله عزوجل أنف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مقالة قالتها بعض نسائه ، فأنزل الله تعالى آية التخيير ، فاعتزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة وعشرين ليلة في مشربة أم إبراهيم ، ثم دعاهن فخيرهن فاخترنه فلم يك شيئا ، فلو اخترن أنفسهن كانت واحدة بائنة. قال : وسألته عن مقالة المرأة ما هي؟ قال : فقال : إنها قالت «ترى محمدا» أنه لو طلقنا إنه لا يأتينا الأكفاء من قومنا يتزوجونا».

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٨٨ ذيل ح ٢١٨ وفيه «وبهذا الحديث نأخذ في الخيار».

(٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١٣٦ ح ١ و ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٦ ب ٤١ ح ١ و ٣.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٣٧ ح ١ مع اختلاف يسير.

٢٢٢

وعن محمد بن مسلم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل إذا خير امرأته ، فقال : إنما الخيرة لنا ليس لأحد ، وإنما خير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمكان عائشة ، فاخترن الله ورسوله ، ولم يكن لهن أن يخيرن غير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قوله عليه‌السلام «إنما الخيرة لنا» يعني باعتبار اختصاص ذلك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنزلتهم معه واحدة. وقوله «لمكان عائشة» قيل في معناه : إنه لما لم يطلقهن بل خيرهن لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحب عائشة لحسنها وجمالها ، وكان يعلم أنهن لا يخترن غيره لحرمة الأزواج عليهن. أو أن السبب الأعظم في هذه القضية كان سوء معاشرة عائشة ، وقلة احترامها له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٢) بعد أن ذكر في صدر البحث أقسام الطلاق إجمالا : وإن منه طلاق السنة وطلاق العدة وطلاق الغلام ـ ثم شرح هذه الأشياء كلا على حدة إلى أن قال : ـ وأما التخيير فأصل ذلك أن الله أنف لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقالة قالتها بعض نسائه ، إلى آخر ما في عبارة الشيخ علي بن بابويه ـ رحمه‌الله ـ حيث إنها مأخوذة من الكتاب المذكور على ما عرفت في غير موضع مما تقدم.

أقول : والأقرب عندي هو القول المشهور لوجوه : (أحدها) أن مقتضى القاعدة المنصوصة ـ المتفق على ورودها عنهم عليهم‌السلام من عرض الأخبار مع الاختلاف بل بدونه على مذهب العامة والأخذ بخلافه ـ هو حمل أخبار الوقوع على التقية ، ولذلك أن الشيخ أيضا حملها على ذلك ، لاتفاق العامة على ما دلت هذه الأخبار عليه ، ويؤيده اختلاف الأخبار باختلافهم في أحكامه من كونه طلاقا رجعيا أو بائنا ونحو ذلك.

(وثانيها) أنه مع العمل بأخبار الوقوع فإنه يلزم طرح الأخبار الدالة على العدم ، إذ لا محمل لها ، ومن القواعد المقررة عندهم أن إعمال الدليلين مهما

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٣٩ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٦ ب ٤١ ح ٢ وفيهما «أن يخترن».

(٢) فقه الرضا ص ٢٤١ و ٢٤٤ مع اختلاف يسير.

٢٢٣

أمكن أولى من طرح أحدهما.

(وثالثها) تأيد أخبار المنع بجملة من الأخبار الدالة على عدم صحة تفويض أمثال ذلك إلى النساء.

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق فقال : خالف السنة وولى الحق من ليس أهله ، وقضى أن على الرجل الطلاق ، وأن بيده الجماع والطلاق ، وتلك السنة».

وما رواه في الفقيه والتهذيب (٢) في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى علي عليه‌السلام في رجل تزوج امرأة وأصدقها واشترطت أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالف السنة وولت الحق من ليس بأهله ، قال : قضى أن على الرجل النفقة ، وبيده الجماع والطلاق ، وذلك السنة».

أقول : في الفقيه «فأصدقته» مكان «فأصدقها وأن عليه الصداق» بدل «على الرجل النفقة».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٣) عن مروان بن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : ولى الأمر من ليس أهله وخالف السنة ولم يجز النكاح».

وقد اشتركت هذه الأخبار في الدلالة على أن جعل الطلاق بيد المرأة خلاف

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٣ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤٠ ب ٤٢ ح ١ وفيهما «أن على الرجل الصداق».

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٩ ح ٦١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٩ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠ ب ٢٩ ح ١ وما في المصادر اختلاف يسير.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٣٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ٨٨ ح ٢٢٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٦ ب ٤١ ح ٥.

٢٢٤

السنة النبوية والشريعة المحمدية صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكل ما خالفها فهو باطل البتة ، حتى أنه عليه‌السلام في الحديث الأخير حكم ببطلان النكاح ، ومورده كما ترى مورد تلك الأخبار لأنه قال فيه : «إنه جعل أمر امرأته بيدها» وهذا هو معنى التخيير فهو أصرح الأخبار في بطلان التخيير ، إذ لو كان ذلك سائغا كما يدعونه لصح شرطه في العقد ولم يحكم ببطلان النكاح ، والخبر كما ترى على خلافه.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ باعتبار تصلبه في العمل بهذا الاصطلاح المحدث ـ ترجيح القول بالوقوع لرجحان أخباره بالكثرة والصحة والصراحة ، قال ـ رحمه‌الله ـ : وأجاب المانعون عن الأخبار الدالة على الوقوع بحملها على التقية ، ولو نظروا إلى أنها أكثر وأوضح سندا وأظهر دلالة لكان أجود ، ووجه الأول واضح ، والثاني أن فيها الصحيح والحسن والموثق ، وليس فيها ضعيف ، بخلاف أخبار المنع ، فإن فيها الضعيف والمرسل والمجهول.

أقول : لا يخفى أن الحمل على التقية لا تنافيه صحة الأخبار وتكاثرها ، بل لو ادعي كون ذلك مؤكدا للحمل على التقية لكان أقرب لشيوع التقية وخفاء الحق الواقعي بتلك البلية ، فلا جرم قلت أخباره وقل انتشاره على أن هذا الاصطلاح المحدث لا وجود له عند أصحابنا المتقدمين ، بل الأخبار كلها صحيحة عندهم بهذا الاعتبار ، وإنما الضعف بوجوه أخر لا تعلق لها بالسند كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في أول جلد كتاب الطهارة (١) ، والقاعدة المروية عنهم عليهم‌السلام في تعارض الأخبار صادقة على الجميع ، لا اختصاص لها بمادة دون اخرى ، ولا ريب في صدقها على ما نحن فيه ، فيجب العمل بمقتضاها ، إلا أنه لما كانت هذه القاعدة مطرحة في كلامهم ـ كما لا يخفى على من خاض بحور نقضهم

__________________

(١) الحدائق ج ١ ص ١٤.

٢٢٥

وإبرامهم ـ وأن بما اخترعوا لهم في الجمع بين الأخبار ولا وجود لها في السنة ولا في الكتاب من حمل النواهي الكراهة والأوامر على الاستحباب ، ضربوا عنها صفحا ، وطووا عنها كشحا بمثل هذه التعليلات العليلة ونحوها.

تفريعات على القول بالتخيير

الأول : أنه هل يكون الطلاق الواقع بالتخيير إذا اختارت نفسها طلاقا رجعيا أم بائنا؟ ظاهر عبارة ابن أبي عقيل المتقدمة أنه يكون رجعيا ، وعليه تدل من أخبار التخيير المتقدمة صحيحة محمد بن مسلم المروية في الفقيه ، لقوله فيها ، «وهو أحق برجعتها» ونحوها صحيحة الفضيل بن يسار لحكمه فيها بالموارثة التي هي فرع بقاء الزوجية ، ورواية زرارة لقوله فيها «وهو أحق برجعتها قبل أن تنقضي عدتها».

وقيل : إنها تكون بائنة ، وعليه تدل من الأخبار المذكورة رواية الصيقل ، لقوله فيها «فإن اختارت نفسها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب» ورواية زرارة الأخرى لقوله فيها «إذا اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة ، وهو خاطب من الخطاب» ورواية بريد الكناسي ، وهي أصرح الجميع ، ونحوها حسنة حمران ، والظاهر أن هذا الاختلاف في هذه الأخبار منشؤه اختلاف العامة في ذلك ، ولكن لا يحضرني الآن نقل مذاهبهم ، إلا أنك لما عرفت أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج التقية وجميع ما تضمنته إنما هو من أقوالهم ، فالظاهر أن منشأ هذا الاختلاف فيها هو ما ذكرناه.

وكيف كان فهو مما يوهن التمسك بها والاعتماد عليها إذ لا حاجة للجمع بينها في ذلك ، فلم يبق إلا تعارضها وتساقطها.

وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم أن كون ذلك رجعيا أو بائنا إنما هو باعتبار أمر آخر ، وهو أنه إن كان التخيير بعوض كان بائنا ، كالطلاق بالعوض وإلا كان رجعيا.

٢٢٦

قال في المسالك : وفيه جمع بين الأخبار ، وفيه أنه لا يكاد يشم لهذا التفصيل ولا لهذا العوض رائحة في الأخبار بالكلية ، وكيف يكون جمعا بينها مع أنه لا إشارة في شي‌ء من الأخبار إليه فضلا عن الدلالة الظاهرة عليه ، بل ظاهر سياق الأخبار المذكورة بل صريحها أن كلا من الأمرين إنما يترتب على مجرد التخيير ، ولا دليل على العوض بالكلية ولا سيما رواية بريد الكناسي وحسنة حمران ، فإنهما تناديان بأوضح دلالة على أن نفي الميراث وانقطاع العصمة والبينونة وعدم الرجعة إنما يترتب على اختيارها نفسها خاصة ، ودعوى كون ذلك بعوض إنما هو من قبيل الرمي في الظلام والقياس في الأحكام الذي منعت منه شريعة الملك العلام ، إذ مرجع ما ذكروه إنما هو إلى أنه حيث ثبت ذلك في الطلاق بعوض أثبتناه في التخيير إذا كان ثمة عوض بل هذا أشد بعدا لعدم الجامع بين المقيس والمقاس عليه.

وبالجملة فإن بعد هذا القول في المقام مما لا يخفى على ذوي الأفهام ، إلا أن شيخنا المذكور لما كان مائلا إلى القول بالتخيير كما عرفت تشبث في الذب عنه بذلك.

وأما قوله أيضا على أثر ما تقدم ـ ويمكن الجمع بينها بحمل البائن على تخيير من لا عدة لها كغير المدخول بها واليائسة والرجعي على من لها عدة رجعية لأن التخيير جائز للجميع على القول به ـ فهو في البعد مثل سابقه ، فإن سياق أخبار التخيير ينادي بأفصح لسان وأوضح بيان بأن ما تضمنته تلك الأخبار من الأحكام إنما ترتب على التخيير ، بمعنى أنه متى خيرها واختارت نفسها لزم كذا وكذا ، أعم من أن تكون ذات عدة أم لا ، ومقتضى ما ذكره من احتمال الجمع بما ذكر إنما هو ترتب البينونة وعدم الإرث وعدم الرجعة على عدم الدخول بها أو على كونها يائسة ، والأخبار خالية من الاشعار به ، بل ظاهرها كما عرفت إنما هو ترتب ذلك على مجرد التخيير ، وبالجملة فإن مقتضى إطلاق هذه الأخبار

٢٢٧

هو ما ذكرناه ، والتخصيص يحتاج إلى دليل وليس فليس.

الثاني : عبارة ابن أبي عقيل المتقدمة اشتراط وقوع الخيار في المجلس قبل التفرق لقوله «وإن اختارت نفسها في المجلس فهي تطليقة واحدة» وعليه تدل رواية زرارة لقوله فيها «إنما الخيار لها ما داما في المجلس فإذا افترقا فلا خيار لها» وصحيحة محمد بن مسلم وهي الأولى لقوله فيها «فهي بالخيار ما لم يتفرقا» وقوله في صحيحة الفضيل بن يسار «واختارت نفسها قبل أن تقوم» وهو وإن كان في كلام الراوي ، إلا أن الحجة تقرير الامام عليه‌السلام ، وإطلاق المجلس يقتضي عدم الفرق بين طول المجلس وقصره ، وعدم الفرق بين تخلل كلام أجنبي بين التخيير والاختيار أم لا.

لكن الظاهر من عبارة ابن الجنيد هو اتصال الاختيار بالتخيير اتصالا عرفيا بمعنى عدم ضرر الفصل بالسعال ونحوه من الفصل القليل ، لقوله «فإن اختارت نفسها من غير أن تشاغل بحديث من قول أو فعل كان يمكنها أن لا تفعله صح اختيارها ، وإن اختارت بعد فعلها ذلك لم يكن اختيارها ماضيا. انتهى وظاهره فورية التخيير ، وعلى هذا يكون المجلس كناية عن هذا الاتصال العرفي إلا أنه ينافيه قوله «ما لم يتفرقا» في رواية زرارة وصحيحة محمد بن مسلم (١) و «قبل أن يقوم» في صحيحة الفضيل فإن ظاهره أن الغاية المبطلة للخيار هي التفرق عن المجلس ، فما لم يتفرقا وإن طال الجلوس أو حصل الفصل فإنه لا يبطل التخيير وعلى هذا فما ذكره ابن الجنيد من هذا الشرط لا دليل عليه من الأخبار المذكورة.

__________________

(١) وصحيحة محمد بن مسلم أظهر دلالة على ذلك حيث انه قال «فهي بالخيار ما لم يتفرقا» فجعل الغاية في سقوط الخيار هو التفرق خاصة ، وكذا قوله في صحيحة الفضيل «قبل أن يقوم» فان الجميع ظاهر في صحة التخيير وان طال الجلوس في مقامها وجواز الفصل بكلام أجنبي طال أو قصر ما لم يحصل التفرق. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٢٨

وبذلك يظهر أن ما ذكروه في هذا المقام ـ من أنه إذا كان بمنزلة عقد التمليك لم يكن العبرة بالمجلس بل بالمقارنة ، وإن جعل بمنزلة التوكيل لم يكن المجلس أيضا معتبرا بل يجوز مع التراخي ـ لا معنى له ، بل إن الذي ينبغي أن يقال بناء على ما قالوه من صحة التخيير : إن هذا حكم برأسه والمجلس فيه أثر على الوجه المتقدم في الأخبار بالتقريب الذي شرحناه. وأما بناء على ما قلناه من عدم القول بذلك ، فإن الوجه فيه أنه حيث كان العامة القائلون بهذا القول قد اشترطوا فيه هذا الشرط خرجت الأخبار مصرحة به وفاقا لهم

الثالث : يشترط في هذا التخيير عند القائل به ما يشترط في صحة الطلاق من استبراء المرأة وسماع الشاهدين وغير ذلك. وهل يكفي سماعهما نطقها خاصة ، أو يعتبر سماعهما نطقهما معا؟ قال في المسالك : ظاهر الرواية والفتوى الأول ، وأن الفراق يقع بمجموع الأمرين فيعتبر سماعهما من الشاهدين ، فينزل حينئذ منزلة الخلع حيث يقع البذل من جانبها والطلاق من جانبه ، وإن اختلفا في كون الطلاق هنا من جانبها ويحتمل الاكتفاء بسماع اختيارها ، لأن الفراق إنما حصل به ، ولهذا لو ردته أو اختارته لم يقع ، فيكون ذلك بمنزلة تفويض الطلاق إليها ، فلا يشترط إلا سماع ما دل على الطلاق لا سماع ما هو بمنزلة الوكالة فيه ، انتهى.

أقول : اتفقت السنخ على لفظ الأول في قوله «ظاهر الرواية والفتوى الأول» ومنها نسخة بخط المصنف ـ رحمة الله عليه ـ والأنسب في التعبير إنما هو الثاني عوض لفظ الأول لأن العبارة المتقدمة كما ذكرناه هو أنه هل يكفي سماعهما نطقها خاصة أو يعتبر سماعهما نطقهما معا ، والأول منهما هو الاكتفاء بسماع نطقها خاصة ، والثاني هو سماعهما نطقهما معا ، والذي ادعاه من النص والفتوى ورتب عليه الكلام بقوله «وأن الفراق يقع بمجموع الأمرين. إلخ» إنما يتجه على الثاني ، ويدلك على ذلك أيضا قوله أخيرا «ويحتمل الاكتفاء

٢٢٩

بسماع اختيارها» وهذا هو الأول قد جعله احتمالا. وبالجملة فالظاهر وقوع السهو من قلم المصنف في التعبير بلفظ الأول في هذا المقام ، وإنما حقه أن يقول الثاني.

وكيف كان فالذي تقدم في أخبار المسألة مما يدل على ذلك ما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم من قوله «وإن خيرها أو جعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين. إلخ» وهو ظاهر في كون شهادة الشاهدين على تخيير الرجل لها أو جعله الأمر بيدها مع اختيارها إن اختارت نفسها ، وهو ظاهر فيما ادعاه من كون الشهادة على الأمرين وما تضمنته رواية الصيقل من قوله «ولا يكون تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين» وهو أيضا يرجع إلى الأول ، وإن كان الأول أظهر.

وما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم من قوله عليه‌السلام «لا خيار إلا على طهر من غير جماع بشهود» وهو يرجع إلى سابقه ، والمعنى فيهما أنه لا خيار أو لا تخيير بأن يخير الرجل امرأته فتختار نفسها إلا بهذه الشروط.

وأما الاحتمال الذي ذكره أخيرا فهو جيد من حيث الاعتبار كما ذكره ـ رحمه‌الله ـ إلا أن ظواهر النصوص على خلافه ، والأظهر هو الوقوف على مقتضى ما دلت عليه الأخبار.

الرابع : قال في المسالك : يجوز له الرجوع في التخيير مطلقا ، وهو الظاهر من رواية زرارة «إنما الخيار لهما ما داما في مجلسهما» ولأنه إن كان تمليكا كان الرجوع فيه قبل القبول جائزا ، وإن كان توكيلا فكذلك بطريق أولى ، ومقتضى قوله «إن الخيار لهما ما داما في المجلس» جواز فسخه لكل منهما في المجلس وإن وقع التخيير من كل منهما ، وهو مشكل من جانبها مطلقا ، إذ لا خيار لها في الطلاق مطلقا ، ومن جانبه لو كان بائنا ، إلا أن الأمر فيه أسهل لإمكان تخصيصه بالرجعي.

أقول : الظاهر أن المعنى في قوله عليه‌السلام في خبر زرارة «إنما الخيار لها

٢٣٠

ما داما في مجلسهما» إنما هو أنه متى خيرها فاختارت نفسها فإنه يشترط أن يكون في مجلس واحد ، بمعنى أنه لو خيرها وسكتت حتى تفرقا ثم اختارت نفسها لم يقع ، فلا بد من أن يكون التخيير منه والاختيار منها في مجلس واحد. ويشير إلى ذلك قوله في صحيحة محمد بن مسلم «فإن خيرها أو جعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عدتها فهي بالخيار ما لم يتفرقا» فإنه دال على أنه يشترط أن يكون اختيار نفسها في مجلس تخيير الزوج لها ، لا بعد مفارقته ، وفي معناه صحيحة الفضيل.

وبالجملة فالمراد بالخيار هو التخيير الذي يترتب عليه الفراق لا الخيار في الرجوع عن مقتضى التخيير كالخيار في سائر العقود بمعنى فسخها ، حتى أنه يدعى أنه مقتضى قوله «إن الخيار لها ما داما في المجلس» جواز فسخه لكل منهما في المجلس ، وإن وقع التخيير ، من كل منهما ، وكيف يتم الفسخ بعد اختيارها نفسها وأكثر الأخبار قد دل على أنها باختيارها نفسها قد بانت منه وانقطعت العصمة بينهما من ساعته كما صرحت به حسنة بكير ، ورواية بريد الكناسي ، وكيف يتم الفسخ بعد حصول البينونة وانقطاع العصمة ، وعلى تقدير الروايات الأخر الدالة على أنه بمنزلة الطلاق الرجعي كيف يتم لها فسخ الطلاق حسبما ذكره من أنه لا خيار لها في الطلاق مطلقا ، وبهذا يظهر لك أن حمله الرواية على ما ذكره ـ من جواز الرجوع في التخيير بمعنى فسخه من الزوج أو من كل منهما ـ ليس في محله ، وإنما المعنى فيها ما قلناه.

وأما تكرارهم التفريع على التمليك أو التوكيل فقد عرفت أن الظاهر أن يقال : إن هذا حكم برأسه عند من قال به ، يترتب عليه من الأحكام ما دلت عليه أخباره.

وخامسها : قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه يشترط تجريد صيغة الطلاق من الشرط والصفة. بل ادعى عليه ابن إدريس كما نقل عنه الإجماع ، ومثله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ، فإنه قال بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : وهو موضع وفاق منا. وظاهرهم أن المستند فيه إنما

٢٣١

هو الإجماع ، والظاهر أنه لذلك نسب المحقق في الشرائع الحكم المذكور إلى قول المشهور مؤذنا بالتوقف فيه والطعن في دليله. وظاهره في المسالك الميل أيضا إلى ذلك ، قال ـ رحمه‌الله ـ : نبه بقوله على قول المشهور على ضعف مستنده ، فإنه ليس عليه نص ، وإنما أوردوا عليه أدلة ظاهرية كقولهم : إن النكاح أمر ثابت متحقق ، ولا يزول إلا بسبب متحقق ، ووقوعه مع الشرط مشكوك فيه. وقولهم : إنه مع عدم الشرط إجماعي ، ولا دليل على صحته بالشرط ، ونحو ذلك ، فإن هذا كله مندفع بعموم الأدلة على ثبوت حكم الطلاق حيث يقع أعم من كونه منجزا أو معلقا على شرط.

وقال سبطه في شرح النافع بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد لو ثبت ما ادعاه من العموم لكنه محل نظر ـ ثم قال : ـ ويمكن أن يستدل على اعتبار هذا الشرط مضافا إلى ما سبق بقوله عليه‌السلام في حسنة محمد بن مسلم (١) «إنما الطلاق أن يقول لها. أنت طالق أو اعتدي». فإن الصيغة المعلقة على شرط أو صفة خارجة عن هذين اللفظين ، والمعتمد ما عليه الأصحاب ، انتهى.

أقول : ما ادعاه شيخنا المذكور من العمومات ليس في محله ، وإنما هنا إطلاقات ، والظاهر أن مراده ذلك ، فإنهم يعبرون عن أحدهما بالآخر ، إلا أنه قد تقرر أن الإطلاق إنما يحمل على الأفراد الشائعة المتكررة ، فإنها هي التي يتبادر إليها الإطلاق ، دون الفروض النادرة ، ولا ريب أن المتكرر في الطلاق إنما هو المنجز الغير المعلق ، بل ذكر المعلق إنما هو فرض أرادوا التنبيه على حكمه لو وقع.

نعم لو استدل على صحة الطلاق مع التعليق بالأدلة الدالة على وجوب الوفاء

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٦٩ ضمن ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٣٧ ضمن ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٩٥ ب ١٦ ضمن ح ٣.

٢٣٢

بالشروط لكان وجها ، إلا أنه يمكن الجواب عنه بأن النكاح والطلاق من الأمور التوقيفية يحتاج في ثبوتها إلى ما دل شرعا على ما يوجب النكاح أو الطلاق كما تقدم ذكره ، ولم يعلم من الشارع صحة الطلاق مع التعليق ، والأصل بقاء عصمة النكاح حتى يقوم الدليل الشرعي على انقطاعها. وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، وهو الأوفق بالاحتياط (١) كما لا يخفى.

والمراد بالشرط المعلق عليه هو ما يحتمل وقوعه وعدمه كدخول الدار مثلا ، وبالصفة ما لا بد من وقوعه عادة كطلوع الشمس ، وقد استثني من الحكم ببطلان الطلاق المعلق على الشرط ما إذا كان الشرط معلوم الوقوع عند إيقاع الصيغة كما لو قال : أنت طالق إن كان الطلاق يقع بك ، وهو يعلم وقوعه ، فإن الطلاق هنا يقع صحيحا حيث إنه لا تعليق في المعنى ، ونقل عن الشيخ أن الطلاق لا يقع لصدق تعليقه على الشرط ، وهم اتفقوا على بطلان الطلاق المعلق على الشرط وهذا منه ، لأن قوله «إن كان يقع بك» شرط لغة وعرفا ورده المحقق في الشرائع بأن ما ذكره حق إن كان المطلق لا يعلم ، وأما مع علمه بأن الطلاق يقع بها وهي مستكملة لشرائطه فلا.

وتوضيحه : أن التعليق على الشرط لم يكن مبطلا من حيث كونه تعليقا على شرط ، وإنما أبطل من حيث عدم التنجيز وإيقاعه في الحال ، فالمدار في صحته إنما هو على التنجيز ، ومطلق الشرط لا ينافيه ، بل الشرط الذي لا يعلم وقوعه ، وإلا فلو علم حال الطلاق أنها جامعة للشرائط من عدم الحيض وكونها في طهر لم يقربها فيه فقد علم حينئذ صلاحيتها لوقوع الطلاق بها ، فإذا علقه على وقوعه بها فقد علقه على أمر يعلم حصوله حال الطلاق ، فلم يناف ذلك بتنجيزه بخلاف

__________________

(١) فان النكاح موجب لتحلل ما كان محرما قبله ، والطلاق موجب لتحريم ما كان محللا قبله ، فلا بد في كل من التحليل في الأول والتحريم في الثاني من موجب شرعي ودليل قطعي ، ولم يعلم من الشارع وقوع الطلاق المعلق ، ولا بيان حاله من أنه صحيح أو باطل كما لا يخفى (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٣٣

ما لو جهل حالها ، وكذا القول في كل شرط يعلم وقوعه حالة الطلاق كقوله : إن كان يوم الجمعة فأنت طالق ، مع علمه بأنه يوم الجمعة ، فإن الطلاق يقع البتة ، لأن الشرط في قوة الوصف ، فكأنه قال بناء على المثال الأول : أنت طالق في هذا الوقت الذي يقع فيه الطلاق بك ، وأنت طالق في هذا اليوم بناء على المثال الثاني.

وسادسها : اختلف الأصحاب فيما لو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث ، فهل يبطل الطلاق من أصله؟ أو يلغو التفسير وتصير واحدة؟ قولان : (الأول) للسيد المرتضى في الانتصار وسلار وابن أبي عقيل وابن حمزة (والثاني) للشيخ في النهاية والمرتضى في القول الآخر وابن إدريس والمحقق والعلامة في المختلف وجماعة ، والظاهر أنه هو المشهور سيما بين المتأخرين ، واتفق الجميع على عدم وقوع المجموع ، بمعنى أنه لا يقع ثلاثا أو اثنين بمجرد قوله ذلك ، بل لا بد لوقوع العدد من تخلل الرجعة ، والأصل في هذا الاختلاف الروايات والتعليلات.

أما القول الثاني فإن العلامة في المختلف قد استدل عليه بوجود المقتضي ، وهو قوله «أنت طالق» وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا قوله ثلاثا ، وهو غير معارض لأنه مؤكد لكثرة الطلاق وإيقاعه وتكثير سبب البينونة ، والواحدة موجودة في الثلاث لتركبها منها ومن وحدتين اخرتين ، ولا منافاة بين الكل وجزئه. فيكون المقتضي وهو الجزء خاليا من المعارض.

ورد (١) بأنه ضعيف جدا لمنع كون الثلاث مؤكدة للواحدة ـ أعني المقيدة بقيد الوحدة ـ بل منافية لها ، والموجود في ضمن الثلاث الواحدة لا بشرط ، والمطلوب هنا الواحدة بشرط لا بمعنى المقيدة بقيد الوحدة ، وهي غير داخلة في الثلاث قطعا. وهو جيد ، والأولى الرجوع إلى الأخبار ، وها أنا أسوق ما حضرني من الأخبار الدالة على هذا القول

__________________

(١) الراد هو السيد السند في شرح النافع. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

٢٣٤

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن زرارة في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد وهي طاهر ، قال : هي واحدة».

وفي الصحيح أو الحسن (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن الذي يطلق في حال طهر في مجلس ثلاثا؟ قال : هي واحدة».

وفي الصحيح عن أبي بصير الأسدي (٣) ومحمد بن علي الحلبي وعمر بن حنظلة جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الطلاق ثلاثا في غير عدة ، إن كانت على طهر فواحدة ، وإن لم تكن على طهر فليس بشي‌ء». قوله «في غير عدة» أي إذا لم يكن للعدة ، بأن يرجع في العدة ويجامع.

وعن عمرو بن البراء (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أصحابنا يقولون : إن الرجل إذا طلق امرأته مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة ، وقد كان يبلعنا عنك وعن آبائك عليهم‌السلام أنهم كانوا يقولون : إذا طلق مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة ، فقال : هو كما بلغكم».

وما رواه في التهذيب (٥) عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام «في التي تطلق في حال طهرها في مجلس ثلاثا ، قال : هي واحدة».

وعن بكير (٦) في الحسن أو الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن طلقها للعدة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحد بطلاق».

وما رواه الكليني (٧) في الصحيح عن شهاب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٧٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١١ ب ٢٩ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٧١ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٢ ب ٢٩ ح ٣.

(٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ٧١ ح ٣ و ٤، الوسائل ج ١٥ ص ٣١١ ب ٢٩ ح ١ و ٧.

(٥ و ٦) التهذيب ج ٨ ص ٥٣ ح ٩٠ و ٩١، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٢ ب ٢٩ ح ٣ وص ٣١٤ ب ٢٩ ح ١٢ ..

(٧) الكافي ج ٦ ص ١٢٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٢ ب ٢٩ ح ٤.

٢٣٥

«في حديث قال : قلت : فطلقها ثلاثا في مقصد ، قال : ترد إلى السنة ، فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة».

ونحو رواية أبي محمد الوابشي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وعن الكلبي النسابة (٢) عن الصادق عليه‌السلام «في حديث قال فيه : فقلت : فرجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ، فقال : ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه».

وعن محمد بن سعيد الأموي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق ثلاثا في مقصد واحد ، قال : فقال : أما أنا فأراه قد لزمه ، وأما أبي فكان يرى ذلك واحدة».

أقول : الظاهر أن ما أفتى به عليه‌السلام من لزوم الطلاق وأنه يكون بائنا إنما خرج مخرج التقية ، ويؤيده أن الراوي اموي ، والذي نقله عن أبيه هو الموافق للأخبار المذكورة ، وأورد شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد على الاستدلال بهذه الأخبار أن السؤال فيها عمن طلق ثلاثا في مجلس وهو أعم من أن يكون بلفظ الثلاث أو بلفظ لكل واحد مرة ، والثاني لا نزاع فيه ، فلم قلتم أنه غير مراد ، وبتقدير عدم تعينه للإرادة يكون أعم من كل واحد ، والعام لا يستلزم الخاص.

وأجاب عنه في المسالك فقال : إن لنا الاستدلال بعمومه الشامل للقسمين فإن «من» من صيغ العموم ، فيتناول من طلق ثلاثا مرسلة ، كذا وبثلاثة ألفاظ ، وقد حكم على هذا العام بوقوع واحدة ، فيتناول بعمومه موضع النزاع كما هو شأن كل عام.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٥٣ ح ٩٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٤ ب ٢٩ ح ١٣.

(٢) الكافي ج ١ ص ٣٥٠ ضمن ح ٦ طبع دار الكتب الإسلامية ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٢ ب ٢٩ ح ٥.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٥٣ ح ٩٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٤ ب ٢٩ ح ١٤.

٢٣٦

واعترضه سبطه في شرح النافع فقال : وعندي في هذا الجواب نظر ، فإن لفظة «من» وإن أفاد العموم وتناول كل مطلق ، لكن لفظ «طلق» مثبت فلا يفيد العموم على وجه يتناول أقسام الطلاق ، وعموم المطلق يتحقق بتناول اللفظ لكل مطلق أوقع الطلاق بثلاثة ألفاظ ، فلا يجب تناوله لمن طلق ثلاثا بلفظ واحد مرسل ، مع أن المتبادر من قوله «طلق ثلاثا» أنه أوقع الطلاق بثلاث صيغ ، إذ لا يصدق على من قال «سبحان الله عشرا» أنه سبح الله عشر مرات. وبالجملة فهذه الروايات غير دالة على المطلوب صريحا ولا ظاهرا. انتهى ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه ، إلا أن آخر العبارة لا يخلو من خزازة ولعله لغلط وقع فيها.

وحق الكلام أن يقال : إذ لا يصدق على من قال «سبح الله عشرا» إلا أنه سبح الله عشر مرات لا أن يقول «سبحان الله» عشرا خاصة ، ونحو ذلك من الألفاظ المؤدية لهذا المعنى ، ويؤيد قوله في حسنة بكير أو موثقته المتقدمة إن طلقها للعدة أكثر من واحدة ، فليس الفضل على الواحد بطلاق ، فإن المراد منها كما هو الظاهر إنما هو تعدد الطلاق. وحينئذ فيحمل عليها إطلاق الأخبار المذكورة ، وكيف كان فإن لم يكن ما ذكرناه هو الأظهر من الأخبار المذكورة فلا أقل من كونه أحد الاحتمالين ، وبه يبطل الاستدلال لقيام الاحتمال.

ومما يدل على كونه واحدة متى تعددت العبارة ثلاثا مثلا وأن الزائد لغو ـ مضافا إلى ما ذكره شيخنا الشهيد من أنه لا نزاع فيه ـ رواية إسحاق بن عمار الصيرفي (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثا في كلمة واحدة فقد بانت منه ، ولا ميراث بينهما ولا رجعة ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وإن قال : هي طالق ، هي طالق ، هي طالق فقد بانت منه بالأولى ، وهو خاطب من الخطاب ، إن شاءت

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٥٣ ح ٩٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٥ ب ٢٩ ح ١٥.

٢٣٧

نكحته نكاحا جديدا ، وإن شاءت لم تفعل». وصد الخبر إنما خرج مخرج التقية ، كما هو مذهب العامة ، وعلى ذلك حمله الشيخ وغيره ، ويدل عليه ما رواه الشيخ (١) عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كنت عنده فجاء رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا ، قال : بانت منه. قال : فذهب ثم جاء رجل آخر من أصحابنا فقال : رجل طلق امرأته ثلاثا ، فقال : تطليقة. وجاء آخر فقال : رجل طلق امرأته ثلاثا ، فقال : ليس بشي‌ء. ثم نظر إلي فقال : هو ما ترى ، قال : قلت : كيف هذا؟ قال : هذا يرى أن من طلق امرأته ثلاثا حرمت عليه ، وأنا أرى أن من طلق امرأته ثلاثا على السنة فقد بانت منه ، ورجل طلق امرأته ثلاثا وهي على طهر فإنما هي واحدة ، ورجل طلق امرأته ثلاثا على غير طهر فليس بشي‌ء» (٢).

أقول : في هذا الخبر دلالة على أنهم عليهم‌السلام كثيرا ما يجيبون باعتبار علمهم بالحال ، والأول كان من المخالفين وأجابه عليه‌السلام بما يوافق معتقده ظاهرا من حصول البينونة بمجرد الثلاث ، ولكنه عليه‌السلام أراد مع وقوعه على السنة كما أوضحه. والثاني حيث كان من أصحابنا أجابه بما أجاب به أصحابه عليه‌السلام في هذه الأخبار حيث

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٥٤ ح ٩٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٥ ب ٢٩ ح ١٦.

(٢) أقول : ومن هذا القبيل ما رواه في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن أبى الحسن عليه‌السلام قال : «سألته رجل وأنا حاضر عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : من طلق امرأته ثلاثا للسنة فقد بانت عنه ، قال : ثم التفت الى فقال : يا فلان لا تحسن أن تقول مثل هذا».

أقول : الظاهر أن السائل كان مخالفا فأجاب عليه‌السلام بجواب يظن أنه مطابق لسؤاله والحال أنه ليس كذلك لأنه أراد بطلاق السنة ، هو الطلاق المشتمل على الرجوع بين الطلقات والدخول ، فان هذا هو المحرم ثانيا إذا كان ثلاثا ، والسائل يظن أن مراده ما سأل عنه من الطلاق ثلاثا في مجلس واحد وأنه من السنة عنده ، وقوله عليه‌السلام «لا يحسن أن تقول مثل هذا» يعنى أن يجيب بالحكم الواقعي مع كونه موافقا لمراد السائل يعتقد أنك أجبته بمقتضى اعتقاده الباطل. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٣٨

إنه فهم منه أنه طلق ثلاثا في مجلس واحد. والثالث لما علم أنه طلق على غير طهر أجابه بالبطلان من حيث فوات أحد شروط الطلاق.

احتج من قال بالبطلان (أولا) بأن الواحدة المنفردة ـ أعني المقيدة بقيد الوحدة ـ غير مرادة فلا تقع ، لأن من جملة شرائط الصحة القصد إلى الطلاق ، والمقصود هو التطليقات الثلاث غير واقع إجماعا ، ومرجعه إلى أن المقصود غير واقع والصالح للوقوع غير مقصود ، لأنه غير مريد للواحدة المقيدة بقيد الوحدة.

وأجيب عنه بأن قصد الثلاث يستلزم قصد كل واحدة ، وفيه ما تقدم في صدر المسألة في الجواب عما استدل به في المختلف.

(وثانيا) الروايات ، وهي التي عليها المعول في الاستدلالات ، لما عرفت ما في هذه الأدلة العقلية من المناقضات.

ومنها ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشي‌ء ، من خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله».

وعن علي بن إسماعيل (٢) قال : «كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يطلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنه يلزمه تطليقة واحدة ، فوقع بخطه عليه‌السلام : أخطأوا على أبي عبد الله عليه‌السلام أنه لا يلزم الطلاق ، ويرد إلى كتاب الله وسنته إن شاء الله».

أقول : والذي يظهر لي في الجمع بين أخبار المسألة هو حمل ما دل أنها واحدة على ما إذا وقع الطلاق بصيغ ثلاث في مجلس واحد ، فإنه هو المتبادر من هذه العبارة بالتقريب الذي عرفته آنفا ، وحمل الأخبار الدالة على أنه ليس بشي‌ء

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٥٤ ح ٩٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٣ ب ٢٩ ح ٨.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٥٦ ح ١٠١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٦ ب ٢٩ ح ١٩ وفيهما اختلاف يسير.

٢٣٩

وأنه باطل على ما إذا وقع الطلاق بصيغة واحدة تضمنت لفظ «ثلاثا» والعامة هنا على لزوم الطلاق وكونه بائنا لا تحل له بعده إلا بالمحلل كما عرفت ، والأئمة عليهم‌السلام قد ردوه وحكموا ببطلانه رأسا.

وتوضيح هذا الجمع مكاتبة عبد الله بن محمد المذكورة حيث إنها تضمنت تخطئة من حكم بالواحدة في صورة تضمن الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة ، ومنه يفهم أن كونه واحدة في الأخبار المتقدمة إنما هو في صورة تعدد الصيغة ثلاثا في مجلس واحد ، وقد حكم عليه‌السلام في الخبر ببطلان ذلك ، وأنه لا يلزمه طلاق مطلقا ، لا واحدة كما هو المشهور عندهم ، ولا أزيد كما ذهب إليه العامة ، بل هو باطل يرد إلى الكتاب والسنة ، فهو ظاهر في الجمع المذكور بكل طرفيه ، ويؤكده ما تقدم من التقريب المشار إليه.

ومما يؤيد البطلان متى كان دفعة واحدة دون أن يكون ذلك تطليقة واحدة ما رواه

الراوندي في كتاب الخرائج عن هارون بن خارجة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثا في دفعة ، فسألت أصحابنا فقالوا : ليس بشي‌ء ، وأن المرأة قالت : لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : ارجع إلى أهلك فليس عليك شي‌ء».

وبالجملة فإنه ليس لما ذكرناه من هذا الجمع مناف إلا شهرة الحكم بين أصحابنا بكونه يقع واحدة متى كان الطلاق بصيغة واحدة مشتملة على لفظ «ثلاثا» وعلى ما ذكرناه من أن الطلاق ثلاثا في مجلس بلفظ «ثلاثا» خاصة دون تعدد الصيغ باطل من أصله تحمل الأخبار المتكاثرة القائلة (٢) «إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد ، فإنهن ذوات أزواج».

__________________

(١) الوسائل ج ١٥ ص ٣١٩ ب ٢٩ ح ٢٩.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٥٨ و ٥٦ ح ١٠٩ و ١٠٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١٦ ب ٢٩ ح ٢٠ و ٢١.

٢٤٠