الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

واختار العلامة في التحرير جواز إجباره على ذلك إذا لم يتجاوز بذلك المجهود لأنه يملك منافعه ، فله نقلها إلى غيره بالعوض على كره منه والمخارجة مثله. قالوا : وإذا وفي وزاد ما يكتسبه فالزيادة مبرة من السيد إلى عبده وتوسيع عليه.

أقول : هذا مبني على ما هو المشهور بينهم من عدم جواز ملك العبد ، وفيه ما ستعرفه ـ إن شاء الله ـ في المقام ، وقد تقدم أيضا تحقيق ذلك في كتاب البيع. والذي وقفت عليه هنا من الأخبار الدالة على مشروعية المخارجة ما رواه الصدوق في الفقيه (١) عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى ، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة ، قال : فقال : إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه ، فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض ، فإذا أدوها لم يسألهم عما سواها ، قلت : فللمملوك أن يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجر ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكن ولاء المعتق؟ فقال : يذهب فيتولى من أحب إذا ضمن جريرته ، وعقله كان مولاه وورثه ، قلت : أليس قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولاء لمن أعتق؟ فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت. فإن ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه يلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ فقال : لا يجوز ذلك ، لا يرث عبد حرا».

وفي هذا الخبر فوائد عديدة قد ذكرنا وسنذكر ـ إن شاء الله ـ كلا منها

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٩٠ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٧٤ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٢٤ ح ٤٠ وفيها اختلاف يسير مع ما نقله ـ قدس‌سره.

١٤١

في موضعه ، ومن أظهرها دلالة على ملك العبد لفاضل الضريبة ، كما اخترناه مما قدمنا تحقيقه في كتاب البيع (١) وهو أحد القولين في المسألة.

ولو قلنا بأنه لا يملك كما هو القول الآخر كان الأمر كما قدمنا نقله عنهم من أن فاضل الضريبة مبرة من السيد إلى عبده إلا أن النص المذكور على خلافه.

الموضع الثاني : في نفقة البهائم المملوكة ، مأكولة كانت أو غير مأكولة ولا خلاف في وجوب نفقتها كما نقله غير واحد من الأصحاب ، وعلى ذلك تدل الأخبار.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام» قال : للدابة على صاحبها ستة حقوق ، لا يحملها فوق طاقتها ، ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها ، ويبدأ بعلفها إذا نزل ، ولا يسمها ، ولا يضربها في وجهها فإنها تسبح ، ويعرض عليها الماء إذا مر به».

وروى في الفقيه (٣) عن السكوني بإسناده قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للدابة على صاحبها خصال ، يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مر به ، ولا يضرب وجهها فإنها تسبح بحمد ربها ، ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله ، ولا يحملها فوق طاقتها ، ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق». إلى غير ذلك من الأخبار.

ويقوم مقام علفها وسقيها تخليتها في المرعى لترعى فيه ، ويجزي بعلفه كما هو المتعارف في جميع البلدان ، ولو لم يجزها فعلى المالك الإتمام ، ولو امتنع المالك أجبره الحاكم على بيعها أو علفها أو ذبحها لو كانت مأكولة اللحم ، أو للانتفاع بإهابها ، وإذا لم ينتفع بها بالذبح اجبر على أحد الأمرين.

فوائد

الأولى : قالوا : لا يجوز تكليف الدابة ما لا تطيقه من تثقيل الحمل وإدامة

__________________

(١) ج ١٩ ص ٣٩٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٥٣٧ ح ١ ، الوسائل ج ٨ ص ٣٥١ ب ٩ ح ٦.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ١٨٧ ح ١ ، الوسائل ج ٨ ص ٣٥٠ ب ٩ ح ١.

١٤٢

السير. أقول : وقد عرفت ما يدل عليه من الخبرين المتقدمين.

الثانية : قالوا : يجوز غصب العلف لإبقائها إذا لم يوجد غيره ولم يبذله المالك بالعوض ، كما يجوز غصبه كذلك لحفظ نفس الإنسان ، وإن كان يلزمه المثل أو القيمة.

الثالثة : قالوا : لا يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة لقلة العلف وإن لم يضر ولدها ، وتركه إذا لم يكن في الحلب إضرار بها لما فيه من تضييع المال والإضرار بالبهيمة. قيل : ويحتمل الوجوب ، ويستحب أن لا يستقصي في الحلب.

الرابعة : قالوا : ينبغي أن يبقى للنحل شي‌ء من العسل في الكوارة ، ولو احتاجت إليه كوقت الشتاء وجب إبقاء ما يكفيها عادة ، ويستحب أن يبقى أكثر من الكفاءة إلا أن يضر بها.

الخامسة : قد صرحوا بأنه حيث إن ديدان القز إنما تعيش بالتوت ، فعلى مالكها القيام بكفايتها منه وحفظها من التلف ، فإن عن الورق ولم يعتن بها باع الحاكم من ماله واشترى لها منه ما يكفيها. قال في شرح النافع بعد نقل ذلك عن جده في المسالك : وهو كذلك ، وإذا جاء وقتها بتخفيف جوزها في الشمس وإن هلكت تحصيلا للغرض المطلوب منها. قال في شرح النافع : وعليه عمل الناس كافة عصرا بعد عصر من غير نكير فكان إجماعا ، ويدل عليه قوله تعالى «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (١) أي لأجل انتفاعكم به في دنياكم ودينكم.

السادسة : ما كان من المال ما لا روح له كالعقار ، فالمفهوم من كلام الأصحاب أنه لا يجب عمارته ولا زراعة الأرض ، لكنه يكره تركه إذا أدى إلى الخراب. قال في المسالك : وفي وجوب سقي الزرع والشجرة وحرثه مع الإمكان قولان ، أشهرهما العدم.

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٩.

١٤٣

ولنقطع الكلام حامدين للملك العلام على جزيل نعمائه الجسام ، وجميل أياديه العظام ، التي من أهمها الفوز بسعادة الاختتام ، مصلين على نبيه محمد وآله مصابيح الظلام ، وأركان الإسلام ، وكعبة الاعتصام ، وبدور التمام ، سائلين منه عزوجل الأمداد بالتوفيق ، الذي هو خير صاحب ورفيق ، إلى الفوز بإتمام الكتب الباقية ، وأن ينيم عني عيون العوائق ، ويجعلني في درعه الحصينة الواقية ، وأن يعصمني من زلل الأقدام ، وزيغ الأفهام ، وطغيان الأقلام ، في نعمه منه سبحانه وعافيته ، إنه أكرم مقصود ومسؤول ، وأجود مرجو ومأمول ، وقد اتفق الفراغ من هذا المجلد وهو المجلد التاسع (١) من كتاب «الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ويتلوه المجلد العاشر (٢) في كتاب الطلاق وما يتبعه من الكتب في اليوم الثاني من شهر جمادى الثانية أحد شهور السنة الخامسة والثمانين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية في الأرض المقدسة كربلاء المعلى بيد العبد يوسف بن أحمد ابن إبراهيم البحراني جزاه الله تعالى بإحسانه وجوده وامتنانه ، آمين آمين آمين.

__________________

(١ و ٢) حسب تجزئة المؤلف ـ قدس الله روحه الزكية.

١٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وعترته الطاهرين ، وسلام على المرسلين وعلى عباده الصالحين.

كتاب الطلاق

ولهم فيه تعريفات قد أردفت بإيرادات ليس في التعرض لذكرها مزيد فائدة بعد ظهور المعنى لكل من خاض الفن ومارس الأخبار وكلام علمائنا الأبرار.

مقدمة

قد تكاثرت الأخبار وبه صرح جملة من علمائنا الأبرار ، بكراهة الطلاق مع التئام الأخلاق.

فروى في الكافي (١) عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجل فقال : ما فعلت امرأتك؟ فقال : طلقتها يا رسول الله ، قال : من غير سوء؟ قال : من غير سوء. ثم إن الرجل تزوج فمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : تزوجت؟ فقال : نعم. ثم مر به فقال له بعد ذلك : ما فعلت امرأتك؟ قال : طلقتها قال : من غير سوء؟ قال : من غير سوء. ثم إن الرجل تزوج فمر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٥٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٧ ب ١ ح ٦ وفيهما اختلاف يسير.

١٤٥

تزوجت؟ فقال : نعم ، ثم قال له بعد ذلك : ما فعلت امرأتك؟ قال : طلقتها ، قال : من غير سوء؟ قال : من غير سوء. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عزوجل يبغض أو يلعن كل ذواق من الرجال ، وكل ذواقة من النساء».

وما رواه فيه (١) أيضا عن ابن أبي عمير في الصحيح أو الحسن عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما من شي‌ء مما أحله الله عزوجل أبغض إليه من الطلاق ، وأن الله يبغض المطلاق الذواق».

وعن أبي خديجة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الله عزوجل يحب البيت الذي فيه العرس ، وما من شي‌ء أبغض إلى الله عزوجل من الطلاق».

وعن طلحة بن زيد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعت أبي عليه‌السلام يقول : إن الله عزوجل يبغض كل مطلاق ذواق».

وبإسناده (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «بلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أبا أيوب يريد أن يطلق امرأته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن طلاق أم أيوب لحوب». أقول : يعني بالحوب الإثم.

وعن صفوان بن مهران (٥) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تزوجوا وزوجوا ـ إلى أن قال : ـ وما من شي‌ء أحب إلى الله عزوجل من بيت يعمر بالنكاح ، وما من شي‌ء أبغض إلى الله عزوجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة ، يعني الطلاق».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٥٤ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٧ ب ١ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٥٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٧ ب ١ ح ٢ وفيهما «ويبغض البيت الذي فيه الطلاق».

(٣) الكافي ج ٦ ص ٥٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٧ ب ١ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٥٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٧ ب ١ ح ٤.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٣٢٨ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٦ ب ١ ح ١.

١٤٦

وروى الفضل الطبرسي في مكارم الأخلاق (١) قال : «قال عليه‌السلام : تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش. قال : وقال عليه‌السلام : تزوجوا ولا تطلقوا فإن الله لا يحب الذواقين والذواقات».

أقول : وإنما حملنا هذه الاخبار مع إطلاقها على التئام الأخلاق ، لورود أخبار أخر في مقابلتها دالة على الأمر بالطلاق مع عدم التئام الأخلاق.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن عثمان بن عيسى عن رجل عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه كانت عنده امرأة تعجبه ، وكان لها محبا ، فأصبح يوما وقد طلقها ، واغتم لذلك ، فقال له بعض مواليه : جعلت فداك لم طلقتها؟ فقال : إني ذكرت عليا عليه‌السلام فتنقصته فكرهت أن ألصق جمرة من جمر جهنم بجلدي».

وعن خطاب بن سلمة (مسلمة خ ل) (٣) قال : «كانت عندي امرأة تصف هذا الأمر ، وكان أبوها كذلك ، وكانت سيئة الخلق فكنت أكره طلاقها لمعرفتي بإيمانها وإيمان أبيها ، فلقيت أبا الحسن موسى عليه‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن طلاقها ـ إلى أن قال : ـ فابتدأني فقال : يا خطاب كان أبي زوجني ابنة عم لي وكانت سيئة الخلق ، وكان أبي ربما أغلق علي وعليها الباب رجاء أن ألقاها ، فأتسلق الحائط وأهرب منها ، فلما مات أبي طلقتها ، فقلت : الله أكبر أجابني والله عن حاجتي من غير مسألة».

وعن خطاب بن مسلمة (٤) قال : «دخلت عليه ـ يعني أبا الحسن موسى عليه‌السلام وأنا أريد أن أشكو إليه ما ألقى من امرأتي من سوء خلقها ، فابتدأني فقال : إن أبي كان زوجني مرة امرأة سيئة الخلق فشكوت ذلك إليه فقال : ما يمنعك من فراقها ، قد جعل الله ذلك إليك ، فقلت فيما بيني وبين نفسي : قد فرجت عني».

__________________

(١) مكارم الأخلاق ص ١٩٧ ط الاعلمى بيروت ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٨ ب ١ ح ٧ و ٨.

(٢ و ٣ و ٤) الكافي ج ٦ ص ٥٥ ح ١ و ٢ و ٣، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٩ ب ٣ ح ١ و ٢ و ٣.

١٤٧

بقي هنا إشكال وهو أنه قد تكاثرت الأخبار بأن الحسن عليه‌السلام كان رجلا مطلقا للنساء حتى عطب به أبوه علي عليه‌السلام على ظهر المنبر.

ومن الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي (١) عن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن عليا عليه‌السلام قال وهو على المنبر : لا تزوجوا الحسن ، فإنه رجل مطلاق ، فقام إليه رجل من همدان فقال : بلى والله أزوجه ، وهو ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن أمير المؤمنين عليه‌السلام فإن شاء أمسك وإن شاء طلق».

وعن يحيى بن أبي العلاء (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الحسن بن علي عليهما‌السلام طلق خمسين امرأة فقام علي عليه‌السلام بالكوفة فقال : يا معاشر أهل الكوفة لا تنكحوا الحسن عليه‌السلام فإنه رجل مطلاق ، فقام إليه رجل فقال : بلى والله أنكحته إنه ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن فاطمة عليها‌السلام فإن أعجبته أمسك ، وإن كره طلق».

وروى البرقي في كتاب المحاسن (٣) عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال : «أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : جئتك مستشيرا إن الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر خطبوا إلى فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : المستشار مؤتمن ، أما الحسن فإنه مطلاق للنساء ، ولكن زوجها الحسين فإنه خير لابنتك».

وربما حمل بعضهم هذه الأخبار على ما تقدم في سابقها من سوء خلق في أولئك النساء أو نحوه مما يوجب أولوية الطلاق ، ولا يخفى بعده ، لأنه لو كان كذلك لكان عذرا شرعيا ، فكيف ينهى أمير المؤمنين عليه‌السلام عن تزويجه والحال كذلك. وبالجملة فالمقام محل أشكال ، ولا يحضرني الآن الجواب عنه ، وحبس القلم عن ذلك أولى بالأدب.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٥٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٧١ ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٥٦ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٨ ب ٢ ح ٢ وفيهما «لننكحنه فإنه».

(٣) المحاسن ص ٦٠١ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٨ ب ٢ ح ١.

١٤٨

والكلام في هذا الكتاب في أركان الطلاق وأقسامه ولواحقه ، فهنا مقاصد ثلاثة :

الأول : في الأركان

وهي أربعة : الأول : المطلق ويعتبر فيه شروطا أربعة أحدها البلوغ والكلام فيه يقع في موضعين :

الأول : لا خلاف بين الأصحاب في عدم صحة طلاق من لم يبلغ عشرا وإن كان مميزا ، كما لا خلاف في صحة طلاق من كان بالغا ، وإنما الخلاف فيمن بلغ عشرا وهو مميز ، فذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وغيرهم إلى صحة طلاقه ، وذهب ابن إدريس إلى العدم وهو المشهور بين المتأخرين ، وقال علي بن بابويه في رسالته : والغلام إذا طلق للسنة فطلاقه جائز ، وظاهره عدم التقييد بالعشر ولا بالتمييز.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين».

وما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته ، قال : إذا هو طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها فلا بأس وهو جائز».

وما رواه في الكافي (٣) في الموثق عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٤ ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٢٤ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٥ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٦ ح ١٧٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٥ ب ٣٢ ح ٧.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٢٤ ح ٤ وفيه «لا يجوز» ، التهذيب ج ٨ ص ٧٦ ح ١٧٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٥ ب ٣٢ ح ٥.

١٤٩

يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم».

وما رواه الشيخ (١) بطريقه عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم».

وما رواه في الكافي (٢) عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه أو الصبي أو مبرسم (٣) أو مجنون أو مكره».

وعن أبي الصباح الكناني (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس طلاق الصبي بشي‌ء».

وعن أبي بصير (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يجوز طلاق الصبي ولا السكران».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٦) «والغلام إذا طلق للسنة فطلاقه جائز».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (٧) عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم».

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ١٨٢ ح ٨ ، الوسائل ج ١٣ ص ٣٢١ ب ١٥ ح ٢ وفيه «جميل ابن دراج عن أحدهما».

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٢٦ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٤ ب ٣٢ ح ٣.

(٣) البرسام : هو التهاب في الحجاب الذي بين الكبد والقلب.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٢٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٦ ح ١٧٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٤ ب ٣٢ ح ١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١٢٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٤ ب ٣٢ ح ٤.

(٦) فقه الرضا ص ٢٤٣ ، مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٨ ب ٢٤ ح ٣.

(٧) قرب الاسناد ص ٥٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٥ ب ٣٢ ح ٨.

١٥٠

أقول : هذه جملة ما حضرني من الأخبار في المسألة ، وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك نقل متن مرسلة ابن أبي عمير عن ابن بكير ، ونقل ذلك عن ابن أبي عمير أيضا قال في الكتاب المذكور ـ بعد قول المصنف : وفي من بلغ عشرا عاقلا فطلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف ـ ما صورته : الرواية التي أشار إليها رواها ابن فضال عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين». وضعفها بالرجلين المذكورين فإنهما فطحيان ، ومع ذلك عمل بمضمونها الشيخان وجماعة من المتقدمين ، وقد روى في معناها ابن أبي عمير في الحسن مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين». وروى ابن بكير جواز طلاقه غير مقيد بالعشر أيضا عنه عليه‌السلام قال : «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ووصيته وصدقته وإن لم يحتلم». انتهى.

أقول : ما ذكره من رواية ابن بكير الاولى وهم نشأ من الشيخ في التهذيب تبعه عليه من لم يتأمل المقام مثل شيخنا المذكور ، ومثله صاحب الوسائل ، وقد نبه على ما ذكرناه السيد السند ـ رحمة الله عليه ـ في شرح النافع حيث قال بعد نقل مرسلة ابن أبي عمير كما نقلناه : وقد جعل الشيخ في التهذيب هذه الرواية رواية ابن بكير ، وهو غير جيد ، فإن رواية ابن بكير رواه الكليني متقدمة على هذه الرواية بغير فصل ، وكأن نظر الشيخ سبق من سند رواية ابن بكير إلى متن رواية ابن أبي عمير ، وقد وقع نحو ذلك في عدة مواضع من التهذيب فينبغي التنبيه عليه.

انتهى ، وهو جيد لما قدمناه في مواضع عديدة سيما في كتب العبادات من ذكر ما وقع للشيخ من أمثال ذلك في متون الأخبار وأسانيدها ، وقل ما يخلو خبر من نحو ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن غاية ما تعلق به السيد السند في شرح النافع ـ دليلا لما اختاره من القول المشهور بين المتأخرين ـ هو تمسك بمقتضى الأصل فيما لم يقم دليل على خلافه ، ورواية أبي الصباح الكناني ورواية أبي بصير

١٥١

المتقدمين ، ثم أجاب عن مرسلة ابن أبي عمير بضعف الإسناد بالإرسال ، ولم ينقل غيرها من الأخبار الدالة على مذهب الشيخ ومن تبعه.

وأنت خبير بما فيه أما (أولا) فلأن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل كما سنوضحه إن شاء الله تعالى. وأما (ثانيا) فإن الطعن في مرسلة ابن أبي عمير مع كونه خلاف قواعدهم وما صرحوا به من عدهم مرسلاته في حكم المسانيد ، فهو وارد عليه في استدلاله بروايتي الكناني وأبي بصير.

والتحقيق أنه بالنظر إلى الأخبار فإن قوة قول الشيخ مما لا يداخله الإنكار بعد ضم الأخبار المذكورة بعضها إلى بعض بحمل مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها ، فيحمل الصبي في رواية الكناني وأبي بصير ونحوهما مما دل على عموم عدم جواز طلاقه على من لم يبلغ العشر أو من بلغ ، ولكن لا يعقل ذلك ، وما دل على جواز طلاقه مطلقا كموثقات محمد بن مسلم وسماعة وابن بكير ونحوها على من بلغ عشرا ، وكان يعقل ذلك ، وبه يجتمع الأخبار على وجه واضح المنار ، ويظهر قوة قول الشيخين وأتباعهما وهو ظاهر الصدوق في الفقيه لاقتصاره على نقل موثقة سماعة الدالة على هذا القول ، وهو صريح عبارة أبيه في الرسالة كما عرفت ، والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين.

وقال السيد السند في شرح النافع ـ بعد نقله عبارة الشيخ علي بن الحسين بن بابويه المذكورة ـ ما لفظه : وربما كان مستنده في هذا الإطلاق ما رواه ولده في الفقيه عن زرعة عن سماعة ـ ثم نقل الرواية حسبما قدمناه ، ثم قال : ـ وهذه الرواية ضعيفة بالإضمار ، واشتمال سندها على عدة من الواقفية ، فلا يصلح التعلق بها في إثبات هذا الحكم ، انتهى.

أقول : فيه أن مستند الشيخ المذكور إنما هو كتاب الفقه الرضوي ، فإن عبارته التي قدمنا نقلها عنه عين عبارة الكتاب المتقدمة ، حسبما عرفت في غير موضع مما تقدم من إفتائه في الرسالة بعبارات هذا الكتاب كما أوضحناه

١٥٢

سابقا ، بما لا يداخله الشك ولا الارتياب. ولكنهم لعدم اطلاعهم على الكتاب المذكور يتكلفون له تحصيل الأدلة المناسبة ، كما هي قاعدته في المختلف.

وبالجملة فإن الظاهر عندي هو القول المذكور لاجتماع الأخبار عليه ، والقول بما عليه المتأخرون موجب لطرح أخبار المسألة مع اعتبار أسانيدها قوتها ، والجمع بين الأخبار مهما أمكن روي من طرح بعضها ، وإلى هذا القول يميل كلام صاحب الكفاية.

الثاني : لا خلاف بين الأصحاب في أنه ليس للولي أن يطلق عن الصبي قبل بلوغه ، ويدل عليه الخبر المشهور (١) من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «الطلاق بيد من أخذ بالساق».

وما رواه في الكافي (٢) عن الفضل بن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير؟ قال : لا بأس. قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال : لا». ووصف السيد السند في شرح النافع هذه الرواية بالصحة ، مع أن في طريقها عبد الله بن محمد المشهور بنيان أخا أحمد بن محمد بن عيسى وهو مجهول في الرجال.

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم. قلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : لا».

وعن عبيد بن زرارة (٤) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

نعم لو بلغ فاسد العقل جاز للولي أن يطلق عنه مع مراعاة الغبطة على المشهور بين المتقدمين والمتأخرين ، بل ادعى عليه فخر المحققين الإجماع ، ولم

__________________

(١) الجامع الصغير ج ٢ ص ٥٧ ط القاهرة سنة ١٣٧٣ ه‍. ق.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٠ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨٩ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٩ ب ٢٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٨٨ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٠ ب ١٢ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٩ ص ٣٨٢ ح ١ لكن عن عبيد بن زياد ويحتمل اشتباه قد وقع ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٢٨ ب ١١ ح ٣.

١٥٣

ينقل الخلاف هنا إلا عن الشيخ في الخلاف ، فإنه ذهب إلى عدم الجواز محتجا بإجماع الفرقة ، وتبعه ابن إدريس ، واحتج كل من القائلين المذكورين بجملة من الأدلة العقلية التي ليس في التطويل بذكرها مزيد فائدة ، والظاهر هو القول المشهور للأخبار التي هي المعتمد في الورود والصدور.

ومنها ما رواه ثقة الإسلام والشيخ (١) في الصحيح عن أبي خالد القماط قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الأحمق الذاهب العقل أيجوز طلاق وليه عليه؟ قال : ولم لا يطلق هو؟ قلت : لا يؤمن إن هو طلق أن يقول غدا لم أطلق ، أو لا يحسن أن يطلق ، قال : ما أرى وليه إلا بمنزلة السلطان».

وما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن أبي خالد قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يعرف رأيه مرة وينكره اخرى ، يجوز طلاق وليه عليه؟ قال : ما له هو لا يطلق؟ قلت : لا يعرف حد الطلاق ولا يؤمن عليه إن طلق اليوم أن يقول غدا لم أطلق ، قال : ما أراه إلا بمنزلة الإمام يعني الولي».

أقول : المراد من كون الولي بمنزلة السلطان أو بمنزلة الإمام يعني في تولي الطلاق عنه كما يفصح به الخبر الآتي ، والظاهر أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لم لا يطلق؟» مبني على كون الجنون أدوارا كما هو ظاهر الخبر الثاني ، وحينئذ فيطلق في وقت إفاقته ، فأجاب السائل بأنه في حال الإفاقة ليس كامل العقل ، لما ذكره في الخبرين.

وما رواه في الكافي (٣) عن أبي خالد القماط عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في طلاق

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢٥ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٥ ح ١٧٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٩ ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٢٥ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٧ ب ٣٤ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٢٦ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٩ ب ٣٥ ح ٣.

١٥٤

المعتوه قال : يطلق عنه وليه فإني أراه بمنزلة الامام».

وعن شهاب بن عبد ربه (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : المعتوه الذي لا يحسن أن يطلق ، يطلق عنه وليه عن السنة» الحديث.

احتج ابن إدريس بأن الأصل بقاء العقد وصحته ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) «الطلاق بيد من أخذ بالساق».

وفيه أن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفت ، والخبر مع تسليم صحة سنده مطلق يجب تقييده بما ذكرنا من الأخبار ، على أنه غير مناف للمراد ، وذلك لأن طلاق الولي طلاقه ، كما أنه يجوز طلاق الوكيل بالإجماع ، إذ لم يوجب أحد من الأصحاب إيقاع الطلاق مباشرة من الزوج.

قال في المسالك ـ بعد أن استدل للقول المشهور بالروايتين الأولتين ـ : وفي الاحتجاج بهذه الأخبار نظر ، لأن جعل الولي بمنزلة الامام والسلطان لا يدل على جواز طلاقة عنه ، ولأن متن الحديث لا يخلو من قصور ، لأن السائل وصف الزوج بكونه ذاهب العقل ، ثم يقول له الامام «ماله لا يطلق» مع الإجماع على أن المجنون ليس له مباشرة الطلاق ، ولا أهلية التصرف ، ثم يعلل السائل عدم طلاقه بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده ، ثم يجيبه بكون الولي بمنزلة السلطان وكل هذا يضعف الاحتجاج بها ، وأيضا فهذه الأخبار ليس فيها تقييد باشتراط طلاقه بالمصلحة والغبطة للمجنون ، ومن ثم ذهب ابن إدريس إلى عدم الجواز ، وقبله الشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة ، وبأصالة بقاء العقد وصحته ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ثم أورد الخبر النبوي المتقدم.

أقول : أما ما طعن به من عدم دلالة جعل الولي بمنزلة السلطان ـ على جواز طلاقه عنه ـ فقد عرفت إفصاح الرواية الثالثة به ، وبها كشف نقاب الإبهام عن

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٩ ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الجامع الصغير ج ٢ ص ٥٧.

١٥٥

الروايتين المذكورتين كما أشرنا إليه آنفا ، وآكد ذلك الرواية الرابعة ، ولكن العذر له واضح حيث لم يطلع عليها وإلا لأوردهما.

وأما الطعن في المتن بما ذكره فقد تقدم الجواب عنه.

وبالجملة فإنه إذا ضمت هذه الأخبار الأربعة بعضها إلى بعض فإنه لا إشكال في قوة القول المشهور ، وما عليه القول الآخر من القصور. وشيخنا المذكور قد رجع في آخر كلامه إلى القول المشهور ، وإنما كلامه هنا نوع مناقشة أوردها في البين ، مع أنك قد عرفت أنه لا أثر لها ولا عين.

نعم ما ذكره ـ من أنه ليس في هذه الأخبار تقييد باشتراط الطلاق بالمصلحة ـ متجه ، إلا أنه يمكن الرجوع في ذلك إلى الأدلة العامة الدالة على أن تصرف الولي منوط بالمصلحة إن ثبت ذلك.

الثاني من الشروط الأربعة المتقدمة العقل ، فلا يصح طلاق المجنون ولا السكران ولا من زال عقله بإغماء أو شرب مرقد لعدم القصد. والمراد بالمجنون المطبق ، لأن من كان جنونه أدوارا فله أن يطلق في حال الإفاقة بغير إشكال. والمراد بالسكران من بلغ بتناول المسكر إلى حد يرتفع معه القصد ، وقيل في حده إنه الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم.

ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (١) عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق المعتوه الذاهب العقل أيجوز طلاقه؟ قال : لا. وعن المرأة إذا كانت كذلك أيجوز بيعها وصدقتها؟ قال : لا».

وما رواه في الكافي (٢) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل طلاق

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢٥ ح ٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٦ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٥ ح ١٧٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٧ ب ٣٤ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٢٦ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٧ ب ٣٤ ح ٣.

١٥٦

جائز إلا طلاق المعتوه أو الصبي أو مبرسم أو مجنون أو مكره».

وما رواه في التهذيب (١) عن زكريا بن آدم قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن طلاق السكران والصبي والمعتوه على عقله ومن لم يتزوج ، فقال : لا يجوز».

وما رواه في الكافي (٢) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن طلاق السكران ، فقال : لا يجوز ولا كرامة».

وعن أبي الصباح الكناني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال ليس طلاق السكران بشي‌ء».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٤) في الصحيح برواية التهذيب عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن طلاق السكران ، قال : لا يجوز ولا عتقه» وزاد في التهذيب «قال : وسألته عن طلاق المعتوه ، فقال : وما هو؟ قلت : الأحمق الذاهب عقله ، قال : لا يجوز. قلت : والمرأة كذلك يجوز بيعها وشراؤها؟ قال : لا».

وما رواه في التهذيب (٥) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن السكران يطلق أو يعتق أو يتزوج ، أيجوز له وهو على حاله؟ قال : لا يجوز له».

وأما ما رواه في التهذيب والفقيه (٦) عن شعيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المعتوه أيجوز طلاقه؟ فقال : ما هو؟ فقلت : الأحمق الذاهب العقل فقال : نعم». فحمله الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في الفقيه والشيخ في الكتابين على ما

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٧٣ ح ١٦٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٨ ب ٣٤ ح ٧.

(٢ و ٣) الكافي ج ٦ ص ١٢٦ ح ١ و ٢، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٠ ب ٣٦ ح ١ و ٢.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٢٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٣ ح ١٦٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٠ ب ٣٦ ح ٤ وص ٣٢٨ ب ٣٤ ح ٥.

(٥) التهذيب ج ٨ ص ٧٣ ح ١٦٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٨ ب ٣٤ ح ٦.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٦ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٥ ح ١٧١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٨ ب ٣٤ ح ٨.

١٥٧

إذا طلق عنه وليه ، وجوز في الاستبصار حمله على ناقص العقل دون فاقده.

أقول : ظاهر هذه الأخبار أن المعتوه هو المجنون الذاهب العقل ، وظاهر كلام جملة من أهل اللغة أنه الناقص العقل.

قال الفيومي في كتاب المصباح المنير (١) : عته عتها من باب تعب وعتاها بالفتح : نقص عقله من غير جنون أو دهش ، وفيه لغة ثانية عته بالبناء للمفعول عتاهة بالفتح وعتاهية بالتخفيف فهو معتوه بين العته.

وفي التهذيب (٢) : المعتوه المدهوش من غير حس أو جنون ، انتهى.

وقال في القاموس (٣) : عته كعني عتها وعتها وعتاها بضمها فهو معتوه نقص عقله أو فقد أو دهش ، انتهى.

والظاهر من سؤالهم عليهم‌السلام السائل في بعض هذه الأخبار بعد ذكر المعتوه «ما هو» هو أنه يطلق على كل من الأمرين ـ أعني فاقد العقل وناقصه ـ فإذا أجاب بأنه فاقد العقل منع عليه‌السلام من جواز وقوع تلك الأمور منه ، ومفهومه أنه لو لم يكن كذلك جاز وقوعها ، وقد تقدم حكم طلاق الولي. عن المجنون.

وأما السكران ونحوه من المغمى عليه وشارب المرقد فظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم جواز طلاق الولي عنه ، لعدم الدليل على ذلك ، ولظهور الفرق بأن لهؤلاء أمدا قريبا إلى الإفاقة ورجوع العقل لهم ، فهم في حكم النائم بخلاف المجنون المطبق بناء على الغالب.

الثالث من الشروط المتقدمة الاختيار ، فلا يصح طلاق المكره كما لا يصح شي‌ء من تصرفاته ، وهو إجماعي كما نقله السيد السند في شرح النافع ، ويدل

__________________

(١) المصباح المنير ص ٥٣٦.

(٢) تهذيب اللغة للأزهري ج ١ ص ١٣٩ وفيه «من غير مس جنون».

(٣) القاموس المحيط ج ٤ ص ٢٨٧.

١٥٨

عليه مضافا إلى الإجماع المذكور جملة من الأخبار منها ما رواه في الكافي (١) عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن طلاق المكره وعتقه ، فقال : ليس طلاقه بطلاق ، ولا عتقه بعتق» الحديث.

وعن يحيى بن عبد الله بن الحسن (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لا يجوز طلاق في استكراه ولا يجوز يمين في قطيعة رحم ـ إلى أن قال : ـ وإنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه ولا إضرار».

وعن عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لو أن رجلا مسلما مر بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتى يتخوف على نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل لم يكن عليه شي‌ء».

وينبغي أن يعلم أن الإكراه الموجب لبطلان ما يترتب عليه من طلاق وغيره مشروط بأمور :

(منها) قدرة المكره على ما توعده به لغلبة أو سلطان أو تغلب.

(منها) عجز المكره عن دفع ذلك عن نفسه ، ولو بفرار أو استعانة بالغير.

(ومنها) أن يعلم أو يظن غالبا أنه لو لم يفعل ما يريده وامتنع من ذلك أو وقع به المكروه.

(ومنها) أن يكون ما توعده به مضرا بالمكره في نفسه أو من يجري مجراها من والديه وولده وأقاربه من قتل أو جرح أو ضرب شديد أو حبس أو شتم أو أخذ مال مضر به ، ويختلف ما عدا القتل والجرح باختلاف طبقات الناس ومراتبهم ، فربما كان قليل الشتم يضر بالوجيه صاحب الوقار ، والضرب لا يضر ببعض آخر ولا يبالي به ، وربما ضر أخذ عشرة دراهم ببعض لفقره ، ولا يضر مائة دراهم أو

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣١ ب ٣٧ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٢٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ٧٤ ح ١٦٧ وفيه «لا يجوز طلاق في استكراه ولا يجوز عتق في استكراه» ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣١ ب ٣٧ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٢٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣١ ب ٣٧ ح ٢.

١٥٩

أكثر بآخر لكثرة أمواله.

ومن الأصحاب من جعل المال مطلقا من قبيل القتل والجرح ، فجعل القليل والكثير منه محققا للإكراه ، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (١) والأظهر ما ذكرناه ، وهو الذي استظهره في المسالك ، ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع ، ومجمل الكلام في المقام أنه يتحقق الإكراه بتوعده بما يكون مضرا به بحسب حاله في نفسه أو من يجري مجراه مع قدرة المتوعد على ما توعد به وحصول الظن بأنه يفعله لو لم يفعل.

فروع

الأول : قالوا : لو خير الزوج بين الطلاق ودفع مال غير مستحق وألزم أحد الأمرين فهو إكراه ، بخلاف ما لو خير بينه وبين فعل يستحقه الآمر من دفع مال أو غيره.

أقول : يمكن الاستدلال على الثاني بما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن الحسن الأشعري قال : «كتب بعض موالينا إلى أبي جعفر عليه‌السلام : إن معي امرأة عارفة أحدث زوجها فهرب عن البلاد فتبع الزوج بعض أهل المرأة ، فقال : إما طلقت وإما رددتك فطلقها ومضى الرجل على وجهه ، فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطه : تزوجي يرحمك الله».

والتقريب فيه أن ما خيره فيه من الوجه الثاني ـ وهو رده للقيام بواجب الزوجة ـ أمر واجب عليه ، والامام قد أمرها بالتزويج لصحة الطلاق.

__________________

(١) قال في الروضة : ولا فرق بين كون المتوعد به قتلا وجرحا وأخذ مال ـ وان قل ـ وشتما وضربا وحبسا ، ويستوي في الثلاثة الأول جميع الناس ، أما الثلاثة الأخيرة فتختلف باختلاف الناس. إلخ. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٦ ص ٨١ ح ٩ ، التهذيب ج ٨ ص ٦١ ح ١١٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠٧ ب ٢٦ ح ٤.

١٦٠