الحدائق الناضرة - ج ٢٥

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٥

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٩٦

على وجوبها للزوجة من غير تقييد ، غايته أن النشوز لما ثبت أنه مانع من وجوب الإنفاق كان الشرط عدم ظهور المانع ، فما لم يوجد المانع يستمر الوجوب المعلق على الزوجية الحاصلة بالعقد ، فالعقد مثبت ، والنشوز مسقط ، ولأنها تجب للمريضة والرتقاء ، وقيل : لا تجب بالعقد مجردا بل بالتمكين ، لأن المهر يجب به والعقد لا يوجب عوضين مختلفين ، ولأن النفقة مجهولة الجملة ، والعقد لا يوجب مالا مجهولا ، ولما روي «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج ودخل بعد سنتين ولم ينفق إلا بعد دخوله». ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) «اتقوا الله في النساء فإنهن عوار عندكم ، اتخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». أوجب لهن إذا كن عند الرجال ، وهو يدل على التمكين ، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب النفقة خرج منه حالة التمكين بالإجماع فيبقى الباقي على الأصل ، وفي جميع هذه الأدلة نظر ، لأن عدم إيجاب العقد عوضين مختلفين وعدم إيجابه مالا مجهولا مجرد دعوى أو استبعاد قد دلت الدليل على خلافهما فإن الآيات الدالة على وجوب النفقة على الزوجة من غير تقييد يدل على أن العقد أوجب النفقة على ذلك الوجه ، وأي مانع من إيجاب العقد أمرين مختلفين كما في شراء الدابة والمملوك ، فإن العقد يوجب الثمن كالمهر ، ويوجب الإنفاق المجهول من غير شرط إجماعا ، وعدم إنفاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الدخول ـ لو سلم ـ لا يدل على عدم الوجوب بإحدى الدلالات ، والخبر يدل على خلاف مطلوبكم لأن الضمير في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ولهن عليكم» يعود على النساء المصدر بذكرهن ، وهن أعم من الممكنات ، ووصفهن بالوصفين لا يدل على التمكين المدعى كونه شرطا أو سببا لأن استحلال فروجهن يحصل مع التمكين التام وعدمه ، وأما

__________________

(١) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ١٠٢٥ من باب ٧٤ ، سنن أبى داود ج ٢ ص ١٨٥ من باب ٥٦ ، سنن الدارمي ج ٢ ص ٤٨ ، تحف العقول ص ٣٠ مع اختلاف يسير ، وليس في المصادر «فإنهن عوار عندكم».

١٠١

أصالة البراءة فإنما تكون حجة مع عدم دليل ناقل عنه ، لكنه موجود هنا بالعمومات الدالة على وجوب نفقة الأزواج ، والأصل عدم التخصيص ، وعلى كل حال فالأظهر بين الأصحاب هو القول الثاني كما أشار إليه المصنف ـ رحمه‌الله ـ» انتهى ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى عن الفطن النبيه.

ولكنه ـ رحمة الله عليه ـ لمراعاة الشهرة في المسألة لم يصرح بالفتوى بما قاله ، وفي قوله «وكذا قول المحقق في المتن» إن ذلك يعني شرطية التمكين أو سببيته هو الأظهر بين الأصحاب ما يؤذن بالتردد ، بل المحقق قد صرح في متن عبارته بالتردد ، فقال «وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد ، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين» وهو ظاهر في بقائه على التردد ، لتخصيصه الأظهرية بالأصحاب ، ولم يذكر أن الأظهر عنده ذلك.

وبالجملة فالأظهر هو القول المخالف للمشهور ، فإنه هو المؤيد بالأدلة والمنصور ، وما عدل بمحمل من الضعف والقصور ، وتنقيح البحث في المسألة يتم برسم فوائد :

الأولى : قد صرحوا بأنه يظهر فائدة الخلاف المذكور في مواضع منها ما لو اختلفا في التمكين بأن ادعته المرأة وأنكره الزوج ، فإن قلنا إن التمكين سبب أو شرط فالقول قول الزوج ، وعلى المرأة البينة ، لأنها تدعي ما يخالف الأصل ، وإن قلنا إنها تجب بالعقد والنشوز مانع كان القول قولها لأن الأصل استمرار ما ثبت بالعقد ، وهو يدعي السقوط بالنشوز فعليه البينة.

ومنها ما لو لم يطالبها الزوج بالزفاف ، ولم تمنع هي منه ولا عرضت نفسها عليه ومضت لذلك مدة ، فإن اعتبرنا التمكين فلا نفقة لها لأنه لم يحصل من جانبها تمكين قولي ولا فعلي كما هو المفروض ، وإن قلنا إنها تجب بالعقد وتسقط بالنشوز وجبت النفقة ، إذ المفروض أنه لم يقع من جانبها امتناع يتحقق به النشوز.

أقول : لا يخفى ما في كلامهم في هذا التمكين الذي ادعوا شرطيته أو سببيته

١٠٢

في وجوب الإنفاق من الإجمال ، وعدم ظهور معنى يترتب عليه الخلاف في هذا المجال ، فإنه إن كان عبارة عن أن تبذل نفسها وتعرض نكاحها عليه فهو لا يكون إلا بالقول الذي تقدم ، وقد عرفت أنه خلاف المشهور ، وإن كان عبارة عن إجابتها له متى طلب وتسليم نفسها متى أراد من غير تعلل ولا توقف على زمان ولا مكان كما هو ظاهر تعريف المحقق المتقدم مع تعريفه بالتخلية بينها وبينه ـ فهو حاصل في هذه الصورة المفروضة ، ولا ثالث لهذين المعنيين ، فإنه متى لم يطالبها الزفاف ولم يطلب الدخول بها وهي منتظرة له في ذلك فالتمكين حاصل ، وإنما حصل التأخير بسببه ، إلا أن يقولوا بأنه يجب عليها أن تخرج من بيتها وتمضي إليه وتطالبه بالدخول ، أو تقول له ذلك القول المتقدم ، وهو ظاهر البطلان.

وبالجملة فإن كلامهم في تحقق معنى هذا التمكين الذي ادعوه غير منقح ولا موجه كما لا يخفى على المتأمل بعين الإنصاف.

الثانية : لو كانت الزوجة صغيرة يحرم جماعها فالمشهور أنه لا نفقة لها لعدم تحقق التمكين من جانبها من حيث عدم صلاحيتها لذلك عادة.

وقال ابن إدريس (١) : إذا كانت الزوجة صغيرة والزج كبير وجب عليه نفقتها لعموم وجوب النفقة على الزوجة ، ودخوله مع العلم بحالها ، وهذه ليست ناشزا والإجماع منعقد على وجوب النفقة على الزوجات.

واعترضه السيد السند في شرح النافع فقال ـ بعد نقل كلامه ـ : وفي ثبوت ما ادعاه من العموم نظر ، وفي الإجماع منع ، مع أنه ـ رحمه‌الله ـ يعتبر في وجوب النفقة التمكين ، لا انتفاء النشوز ، والتمكين لا يتحقق مع الصغر ، انتهى.

أقول : أما قوله «إن في ثبوت ما ادعاه من العموم نظر» فهو محل نظر لما عرفت من ظاهر الآيات والأخبار الدالة على وجوب النفقة مع تحقق الزوجية من غير تقييد بحال ولا زمان. نعم ما أورده عليه من أنه قائل بشرطية التمكين

__________________

(١) السرائر : ص ٣٢٠.

١٠٣

والتمكين هنا غير حاصل فهو ظاهر الورود عليه ، إلا أنه يمكن أن يجاب عنه بأن التمكين الواجب على تقدير القول به إنما هو ممن له أهلية ذلك ، وإن كان ظاهر كلامهم الأعم من ذلك حيث حكموا هنا بأن العلة في عدم وجوب النفقة هو عدم التمكين من حيث صغرها وعدم قابليتها ، والظاهر أن ما ذكرنا أقرب ، وكيف كان فقول ابن إدريس هو الظاهر من الأخبار المتقدمة المترتب فيها وجوب الإنفاق على مجرد الزوجية بقول مطلق.

الثالثة : لو كانت الزوجة كبيرة والزوج صغيرا قال الشيخ في المبسوط والخلاف لا نفقة عليه ، وظاهر جملة من الأصحاب منهم ابن الجنيد والمحقق في الشرائع والعلامة في المختلف والشهيد الثاني وغيرهم بل الظاهر أنه المشهور الوجوب.

قال في الشرائع (١) : أما لو كانت كبيرة والزوج صغيرا قال الشيخ لا نفقة لها ، وفيه إشكال منشأه تحقق التمكين من طرفها والأشبه وجوب الإنفاق ، انتهى.

واستشكل في شرح النافع كلام المحقق هنا ثم قال : وقول الشيخ متجه لأنه الأصل ولا مخرج عنه.

أقول : قد عرفت بما قدمناه من التحقيق تزعزع هذا الأصل ، وأنه بالبناء عليه غير حقيق ، وقد بينا المخرج عنه وهو عموم الآيات والأخبار المستفيضة ، فالظاهر هو ما ذهب إليه الجماعة ، أما على ما اخترناه في المسألة من ترتب الوجوب على مجرد حصول الزوجية وعدم ظهور النشوز فظاهر ، وأما على ما هو المشهور من اشتراط التمكين فلأنه المفروض ، والأصل عدم اشتراط أمر آخر في الوجوب ، وهو قابلية الزوج للاستمتاع بها.

وعلل ما ذهب إليه الشيخ بوجه عليل نقله في المسالك وأجاب عنه ، على أنه مع ثبوته وصحته فبناء الأحكام الشرعية على مثله ـ من هذه العلل الاعتبارية والتوجيهات العقلية ـ مما حظرت الأخبار جوازه ، كما تقدم ذكره في غير موضع.

__________________

(١) شرائع الإسلام ص ١٧٦.

١٠٤

الرابعة : قالوا : إذا غاب الزوج عن المرأة فإن كانت غيبته بعد أن حصل التمكين من الزوجة وجب عليه النفقة واستمرت عليه مدة غيبته ، وإن كانت غيبته قبل التمكين فإن اكتفينا بالعقد وجعلنا النشوز مانعا فالحكم كذلك حيث لم يثبت النشوز ، وإن اعتبرنا التمكين في الوجوب شرطا أو سببا فلا نفقة لها ، فلو حضرت في هذه الصورة عند الحاكم وبذلت التسليم والطاعة لزوجها اعلم بذلك ، فإن وصل إليها وجبت النفقة حينئذ ، وإن لم يفعل ، فإذا مضى زمان يمكنه الوصول فيه إليها عادة فرض لها الحاكم النفقة في ماله لأن الامتناع منه.

ولو نشزت المرأة مع حضور الزوج فغاب عنها وهي كذلك ثم عادت إلى الطاعة لم تجب نفقتها إلى أن يعلم بعودها ، ويمضي زمان يمكنه الوصول إليها لخروجها بالنشوز عن استحقاق النفقة ، فلا تعود إلا مع تحقق التمكين.

أقول : قد عرفت مما قدمناه من التحقيق في المسألة ما في بعض هذه الشقوق من الاختلال وبعض من الإجمال ، وما ذكروه من حضورها عند الحاكم على تقدير اعتبار التمكين فلا أعرف له وجها ولا ما يوجبه.

نعم الواجب عليها إعلامه ، وبعد علمه بذلك فإنه يجب عليه الإنفاق عليها لزوال المانع ، وهو النشوز ، رجع من سفره أم لم يرجع ، فلو لم يرجع ولم ينفق عليها رفعت أمرها إلى الحاكم حينئذ وأخبرته بالحال ليجزي عليها النفقة من ماله.

الخامسة : لا تسقط النفقة بامتناعها عن الوطء لعذر شرعي كالحيض وفعل الواجب أو عقلي كالمرض ، وهل يفرق في الواجب بين المضيق والموسع أم لا؟ قولان ، فاعتبر الشيخ والعلامة في القواعد في جواز مبادرتها إلى الواجب الموسع من الصوم إذن الزوج ، ونقل عن الشيخ في موضع من المبسوط أنه اعتبر ذلك في قضاء الفريضة أيضا ، وظاهر جمع منهم السيد السند في شرح النافع عدم الفرق صوما كان أو صلاة ، لأصالة عدم ثبوت سلطنته عليها في فعل الواجب ، وهو الأقرب ، والظاهر أنه المشهور ، واتفق الجميع على جواز مبادرتها إلى الصلاة

١٠٥

الواجبة في أول الوقت بغير إذنه ، وفرقوا بينهما بما لا يخلو من نظر ، وعلى ما اخترناه فلا ضرورة إلى الفرق المذكور ، والمشهور بين الأصحاب أنه لو كان الفعل مندوبا فإن كان مما يتوقف على إذن الزوج كالحج والصوم فإن فعله بدون إذنه موجب لفساده ، ولكنه لا يوجب منع النفقة ، لأنه غير مانع من التمكين ، إلا أن تمنعه من الاستمتاع ، فيكون هو السبب في عدم وجوب النفقة لا نفس العبادة.

ونقل عن الشيخ أنه أسقط النفقة مع امتناعها من الإفطار ، وأورد عليه بأنه على إطلاقه مشكل ، فإن النشوز لا يتحقق بترك غير الاستمتاع فلا يتحقق بمخالفتها في ترك الأكل والشرب إذ لا يجب عليها إطاعته في ذلك ، إلا أن يقال : إن ترك الإفطار يقتضي الامتناع عن الوطء.

وفيه أن الموجب حينئذ إنما هو الامتناع من الوطء ، وعبارة الشيخ أعم لأنه رتب النشوز على المطالبة بالفطر فتمتنع.

وبالجملة فضعف القول المذكور ظاهر ، وإن كان مما لا يتوقف على إذنه جاز لها فعله بغير الإذن إلا أن يكون ذلك مانعا من الاستمتاع بأن يطلبه منها في ذلك الوقت فتجب عليها طاعته ، لأن المندوب لا يعارض الواجب ، ولو استمرت والحال هذه لم تستحق نفقة لتحقق النشوز ، بل يحكم ببطلان الفعل نظرا إلى النهي ، أو يصح وإن أثمت بالمخالفة ، وجهان مبنيان على أن الأمر بالشي‌ء هل يستلزم النهي عن ضده الخاص أم لا؟ والأظهر عندي الثاني كما تقدم تحقيقه في غير موضع من الكتب المتقدمة.

السادسة : قال في الشرائع (١) : لو كانت مريضة أو رتقاء أو قرناء لم تسقط النفقة لإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا وظهور العذر فيه.

قال في المسالك (٢) : لما حكم بعدم وجوب الإنفاق على الصغيرة ، وإن مكنت

__________________

(١) شرائع الإسلام ص ٢٠٢.

(٢) مسالك الافهام ج ١ ص ٥٨٥.

١٠٦

من حيث تعذر الوطء ذكر ما يمكن أن يشاركها في الحكم وهو المريضة والرتقاء والقرناء ، ونبه المصنف على الفرق بينها وبين الصغيرة بأن الاستمتاع بالرتقاء والقرناء ممكن في ما دون الفرج وظهور العذر فيه من حيث كونه مانعا دائما ، فلا يناسب إدامة الحبس عليها مع عدم النفقة ، بخلاف الصغيرة فإن لها أمدا يرتقب ، وأما المريضة فإن الوطء وإن تعذر لها مطلقا إلا أن ذلك عارض متوقع الزوال كالحيض فلا يؤثر ، انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة في بيان الفرق بين الصغيرة وغيرها مما ذكر هنا من الوهم وعدم صلوحها لتأسيس الأحكام الشرعية المبنية على التوقيف من صاحب الشريعة.

على أن لقائل أن يقول : إن إمكان الاستمتاع بما دون الوطء الذي جعلوه موجبا للنفقة في هذه الأفراد المذكورة يجري في الصغيرة ، إذا المحرم إنما هو وطؤها الذي ربما أوجب إفضاؤها ، وأما الاستمتاع بها بالملاعبة ونحوها فهو ممكن كما في أولئك ، فلم لا تجب لها النفقة!

وبالجملة فالجميع مشتركة في العذر المانع من الوطء وإن تفاوتت ، باعتبار كون عذر الصغيرة مرجو الزوال ، وعذر أولئك ليس كذلك ، ومشتركة في إمكان الاستمتاع بغير الجماع فلا فرق حينئذ ، والحق الحقيق بالاتباع الذي لا يحتاج إلى تكلف ولا يتطرق إليه النزاع هو اشتراك الجميع في وجوب النفقة نظرا إلى عموم الآيات والروايات التي قد اعترف سابقا فيما قدمنا من كلامه بأن مقتضاها ترتب وجوب النفقة على مجرد تحقق الزوجية ، وهؤلاء كملا أزواج بغير خلاف ولا إشكال ، فتجب لها النفقة على كل حال ، والركون إلى خلاف ذلك ـ بناء على هذه التكلفات البعيدة والتخريجات الغير السديدة ـ مجازفة محضة في أحكامه.

١٠٧

المسألة الثانية : قد صرح المحقق (١) بأنه تثبت النفقة للمطلقة الرجعية كما تثبت للزوجة ، وتسقط نفقة البائنة وسكناها سواء كانت عن طلاق أو فسخ.

نعم لو كانت حاملا لزم الإنفاق عليها حتى تضع ، وهل النفقة للحمل أو لامه؟ قولان ، وفي الحامل المتوفى عنها زوجها روايتان أشهرهما أنه لا نفقة لها ، والأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها.

وتفصيل ما اشتمل عليه هذا الكلام من الأحكام يقع في مقامات :

الأول : ما ذكره من وجوب النفقة للمطلقة الرجعية كما تثبت للزوجة موضع وفاق لأنها بسبب بقائها تحت سلطنة الزوج وحبسها عن الأزواج بمنزلة الزوجة بل هي زوجة وإن خرجت عنها في بعض الأحكام.

ويدل على ذلك أيضا ما رواه المشايخ الثلاثة (٢) بأسانيده متعددة عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن المطلقة ثلاثة ليس لها نفقة على زوجها ، إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة».

وما رواه في الكافي (٣) عن سعد بن أبي خلف في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن شي‌ء من الطلاق ، فقال : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها ، وتعتد حيث شاءت ولا نفقة لها ، قال : قلت : أليس الله يقول «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ» (٤) قال : فقال : إنما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك التي لا تخرج حتى تطلق الثالثة ، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه ولا نفقة لها ،

__________________

(١) شرائع الإسلام ص ٢٠٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٤ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٣ ح ٥٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٢ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٩٠ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٢ ح ٥٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣١ ح ١.

(٤) سورة الطلاق ـ آية ١.

١٠٨

والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها ، ولها النفقة والسكنى حتى تنقضي عدتها».

وروى الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد (١) عن عبد الله ابن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن المطلقة إلها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال : نعم». وإطلاقه محمول على الرجعية لما يظهر لك إن شاء الله تعالى من أن غيرها لا نفقة لها.

وبالجملة فالحكم المذكور اتفاقي نصا وفتوى فلا إشكال ، واستثنى بعضهم من النفقة الواجبة لها آلة التنظيف لأن الزوج لا ينتفع بذلك.

قال في المسالك : وهو حسن ، وقال سبطه في شرح النافع : والإطلاق أجود فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

أقول : ما ذكره سبطه ـ رحمه‌الله ـ هو المؤيد بالأخبار الكثيرة ، ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن أبي بصير في الموثق عن أحدهما عليهما‌السلام «في المطلقة تعتد في بيتها وتظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».

وعن محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المطلقة تشوق لزوجها ما كان عليها رجعة ولا يستأذن عليها». والمراد تتزين له بحيث يشتاق إليها.

وفي رواية زرارة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المطلقة تكتحل وتختضب وتلبس ما شاءت من الثياب لأن الله عزوجل يقول «لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» (٥). لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها» إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) قرب الاسناد ص ١١٠.

(٢) الكافي ج ٦ ص ٩١ ح ١٠ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣١ ح ٥٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٧ ب ٢١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٩١ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣٧ ب ٢١ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٦ ص ٩٢ ح ١٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣١ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٧ ب ٢١ ح ٢.

(٥) سورة الطلاق ـ آية ١.

١٠٩

ولا تسقط نفقة المعتدة إلا بما تسقط به نفقة الزوجة ، ويستمر إلى انقضاء العدة ، ولو ظهر بالمرأة أمارات الحمل بعد الطلاق فعلى الزوج الإنفاق عليها إلى أن تضع ، ولو أنفق عليها ثم تبين أنها لم تكن حاملا قيل : إنها ترد ما دفع إليها ، وفيه تردد.

الثاني : ما ذكره من سقوط نفقة البائن وسكناها إذا لم تكن حاملا ، فالظاهر أنه موضع وفاق ، وتدل عليه الأخبار المتكاثرة.

ومنها ما تقدم في رواية زرارة وصحيحة سعد وما رواه في الكافي (١) عن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال : لا».

وعن أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المطلقة ثلاثا إلها سكنى ونفقة؟ قال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا».

وعن سماعة (٣) في الموثق قال : «قلت : المطلقة ثلاثا إلها سكنى أو نفقة؟ فقال : حبلى هي؟ فقلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا نفقة».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٤) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المطلقة ثلاثا. لها النفقة والسكنى؟ فقال : أحبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا». إلا أنه روى الشيخ (٥) أيضا في الصحيح عن ابن سنان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المطلقة ثلاثا على العدة لها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم». والشيخ حمله على

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٣ ح ٥٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٣ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٣ ح ٦.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٣٣ ح ٦١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٣ ح ٧.

(٥) التهذيب ج ٨ ص ١٣٣ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٣ ح ٨.

١١٠

الاستحباب ، قال : ويحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة حاملا.

أقول : وكلا الاحتمالين بعيد إلا أن الثاني أقل بعدا.

الثالث : ما ذكره من أنها لو كانت حاملا لزم الإنفاق عليها حتى تضع ، وهو مما لا أعرف فيه خلافا ، ويدل عليه قوله عزوجل «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (١) وهي تدل بعمومها على من كانت رجعية أو بائنة.

ومن الأخبار ما رواه ثقة الإسلام (٢) في الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الحامل أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها».

وعن عبد الله بن سنان (٣) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته وهي حبلى قال : أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها حتى تضع حملها».

ونحوهما صحيحة الحلبي ورواية الكافي ، والجميع دال على البائن التي هي محل البحث من حيث الإطلاق كالآية ، فإن الطلاق فيها أعم من أن يكون بائنا أو رجعيا ، وإنما الخلاف بينهم في أن النفقة هنا هل هي للحامل لأجل الحمل؟ أو أنها للحمل؟ قولان ، الأكثر على الثاني وهو قول الشيخ في المبسوط ، وتبعه عليه أكثر الجماعة مستندين إلى دوران وجوب النفقة مع الحمل وجودا وعدما ، فإنها لو كانت حائلا فإنها لا نفقة لها ومتى كانت حاملا وجبت النفقة ، فلما وجبت بوجوده وسقطت بعدمه دل على أنها له كدورانها مع الزوجية وجودا وعدما ،

__________________

(١) سورة الطلاق ـ آية ٦.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٣ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٣ ح ٦٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣١ ب ٧ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٠٣ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٤ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٠ ب ٧ ح ١.

١١١

ولوجوبها له منفصلا فكذا متصلا ، ولنص الأصحاب على أنه ينفق عليها من مال الحمل.

وذهب جمع منهم ابن حمزة إلى الأول ، مستندين إلى أنه لو كانت النفقة للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها مقدرة بحال الزوج ، لأن نفقة الأقارب غير مقدرة بخلاف نفقة الزوجة ، ولأنها لو كانت للحمل لوجبت على الجد كما لو كان منفصلا وهي لا تجب عليه هنا ، ولأنها لو كانت للولد لسقطت بيسار الولد كما إذا ورث أو أوصى له بشي‌ء فقبله أبوه.

قال في المسالك ـ بعد ذكر ذلك ـ : والشيخ التزم بعض هذه الإلزامات فحكم بسقوطها بيسار الولد وثبوتها على الجد ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك التوقف في المسألة حيث اقتصر فيه على نقل القولين المذكورين ونقل أدلتهما ولم يتعرض لترجيح شي‌ء منهما ، ولا للطعن في أدلة أحدهما.

وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع ترجيح القول الأول قال : وقيل إنها للحامل وهو الأصح لأنه المستفاد من الآية ، فإن الضمير في «عليهن» يرجع إلى الحامل بغير إشكال ، ثم أورد بعض الأدلة المتقدمة.

أقول : والمسألة محل إشكال لعدم النص الواضح القاطع لمادة القيل والقال ، وأما قوله في شرح النافع في الاستدلال على ما اختاره بأنه المستفاد من الآية من حيث إن الضمير في «عليهن» يرجع إلى الحامل فهو عجيب ، إذ الجميع متفقون على أن الإنفاق إنما هو على الام ، وهي التي تأكل وتشرب وتلبس ، وإنما الخلاف في أن هذا الإنفاق عليها هل لاستحقاقها له وأنها هي صاحبة الحق وإن كان السبب في ذلك الحمل الذي في بطنها؟ أو أن المستحق لذلك إنما هو الحمل والإنفاق عليها إنما هو لأجل الحمل بأن يعيش في بطنها حتى تلده فهو المستحق أولا وبالذات ، والإنفاق عليها إنما هو بمنزلة الطريق إلى بقائه؟

وبالجملة فإن الآية لا دلالة فيها على ما ادعاه ، ثم إنهم قد ذكروا هنا

١١٢

فروعا عديدة على القولين المذكورين لا بأس بذكرها ، وإن كان قليل الجدوى في هذا المجال لما عرفت من عدم ثبوت الأصل وأنه محل الاشكال ، فكل ما يتفرع عليه باق في زاوية الإجمال والاحتمال.

و (منها) إذا تزوج الحر أمة وشرط مولاها رق الولد وقلنا بجواز ذلك فأبانها وهي حامل فعلى القول بأنها للحمل لا تجب على والده ، لأن الولد ملك لغيره ، وإنما يجب على سيده ، وهو سيد الأمة ، وعلى القول بأنها للحامل تجب على الزوج.

و (منها) إذا تزوج عبد بأمة فأبانها حاملا فعلى القول بأن النفقة للحمل تكون على سيد الولد منفردا أو مشتركا دون الأب لأنه عبد والعبد لا تجب عليه نفقة أقاربه : وعلى القول بأنها للحامل فإن النفقة على العبد في كسبه أو على سيده.

و (منها) ما لو تزوج عبد بحرة وشرط مولى العبد رقية الولد ، فإن جعلنا النفقة للحمل فهي على المولى ، وإن جعلناها للحامل فهي في ذمة المولى أو كسب العبد على الخلاف في ذلك.

وعلى هذه الفروع اقتصر الشيخ والمحقق ، وزاد المتأخرون أن (منها) ما لو لم ينفق عليها حتى مضت مدة أو مجموع العدة ، فمن قال بوجوبها للحمل فإنه لا يوجب قضاءها لأن نفقة الأقارب لا تقضى ، ومن قال أنها لها أوجب القضاء لأن نفقة الزوجة مما يقضى كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

قال في المسالك : وأورد على هذا بأن القضاء إنما هو للزوج لكونها معاوضة ، والزوجية هنا منتفية قطعا ، وأجيب بأن الوجوب لها على حد الوجوب للزوجة وفيه منع. ويمكن الجواب بأن النفقة حق مالي والأصل فيه وجوب القضاء ، خرج القريب من ذلك بدليل خارج ، لأنها معونة لسد الخلة فيبقى الباقي على الأصل ، انتهى.

١١٣

أقول : لا يخفى ما في هذا الجواب من تطرق المناقشة إليه ، فإن مرجع كلام المورد إلى أنه ليس كل نفقة يجب قضاؤها ، فإن نفقة الأقارب لا يجب قضاؤها ونفقة الزوجة التي قام الدليل على وجوب قضائها إنما هي التي وجبت من حيث الزوجية لأنها في مقابلة التمكين كما تقدم ، فهي معاوضة كما ذكره ومن ثم إن الناشز ومن أخلت بالتمكين لا نفقة لهما ، وما عدا ذلك فالأصل براءة الذمة من النفقة أو قضائها ، وبذلك يظهر لك ما في قوله «إن النفقة حق مالي والأصل فيه وجوب القضاء» فإنه مغالطة ، إذ الخصم يمنع الكبرى على الإطلاق.

وبالجملة فإنه لما كان المعلوم من الأدلة أن وجوب نفقة الزوجة إنما هو من قبيل المعاوضة ، فهي لا تكون إلا من حيث الزوجية ، ووجوب القضاء إنما يفرع على ذلك ، والزوجية مفقودة في محل البحث ، كما هو المفروض ، فالقول بوجوب القضاء في محل البحث خلف ظاهر ، والأصل الذي ادعاه من وجوب القضاء معارض بأن الأصل براءة الذمة.

و (منها) ما لو كانت ناشزا حال الطلاق ، أو نشزت بعده ، فعلى القول بأن النفقة لها تسقط لما علم من أن المطلقة حيث يجب نفقتها كالزوجة تسقط نفقتها حيث تسقط ، وتجب حيث تجب ، وعلى القول بأنها للحمل لا تسقط.

أقول : ويعتريني في هذا المقام إشكال حيث إن ظاهر كلامهم وقولهم هنا النفقة للحامل ليس المراد به أنها تستحق النفقة أصالة كما في استحقاقها لو كانت زوجة أو مطلقة رجعية ، وإنما المراد استحقاقها لا لأجل الحمل وبقائه وحفظه إلى أن تلده ، وحينئذ فالنشوز لا يؤثر في منع النفقة ، وهم متفقون على أن البائن لا تستحق نفقة وهذه بائن ، وإنما استحقاقها من أجل الحمل ، ولهذا قيل : بأن النفقة إنما هي للحمل دونها. وبالجملة فالظاهر أن النشوز سيما بعد الطلاق البائن لا يؤثر في منع النفقة على القول بأن النفقة لها.

و (منها) ما لو ارتدت بعد الطلاق فيسقط نفقتها على الأول دون الثاني. إلى

١١٤

غير ذلك من المواضع التي من أراد الوقوف عليها فليرجع إلى المسالك وغيره من المطولات.

الرابع : ما ذكره من الحامل المتوفى عنها زوجها ، والخلاف في هذه المسألة مشهور بين الأصحاب لاختلاف أخبارها ، فذهب الشيخ في النهاية والأكثر ومنهم الصدوق في المقنع وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة إلى وجوب الإنفاق عليها من مال الولد ، وذهب جمع منهم ابن إدريس والمحقق والعلامة وسائر المتأخرين إلى العدم ، وهو المنقول عن الشيخ المفيد كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، ونقله في المختلف عن ابن أبي عقيل حيث قال : وقال ابن أبي عقيل : لا نفقة للمتوفى عنها زوجها سواء كانت حبلى أو غير حبلى ، واختاره في المسالك.

والذي وصل إلى من الأخبار في هذا المقام منه ما رواه ثقة الإسلام (١) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في الحبلى المتوفى عنها زوجها : أنها لا نفقة لها».

وعن أبي الصباح الكناني (٢) في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال : لا».

وعن زرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ فقال : لا».

وما رواه في التهذيب (٤) عن زيد أبي أسامة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥١ ح ١٢١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٤ ب ٩ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٥ ح ٨ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٠ ح ١٢٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٤ ب ٩ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١١٥ ح ٩ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥١ ح ١٢٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٤ ب ٩ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٥١ ح ١٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٥ ح ٧.

١١٥

عن الحبلى المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ فقال : لا».

وعن محمد بن مسلم (١) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها إلها نفقة؟ قال : لا».

وما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها».

قال في شرح النافع بعد ذكر هذه الرواية : وجمع من الأصحاب وصفوها بالصحة ، وهو منظور فيه ، فإن في طريقها محمد بن الفضيل وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، ولعلهم اطلعوا على قرائن أفادت أنه ثقة ، ونحوه قال في المسالك.

أقول : بل الظاهر أن وصفها بالصحة إنما وقع سهوا من المتقدم ، فتبعه عليه من تأخر عنه لعدم المراجعة إلى السند ، وأمثاله كثيرة كما لا يخفى على المتتبع.

وما رواه في الكافي (٣) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله».

وما رواه في الفقيه (٤) عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : «نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع». وأكثر هذه الأخبار قد دل على أنه لا نفقة لها كما ذهب إليه ابن إدريس ومن تأخر عنه.

والشيخ قد حملها على أنه لا نفقة لها يعني من مال الميت وإن كان لها النفقة

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٥٢ ح ١٢٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٥ ح ٦.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٥ ح ١٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣٠ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٢ ح ١٢٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٦ ب ١٠ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٢٠ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥١ ح ١٢٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٥ ح ٤.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٣٣٠ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٢ ح ١٢٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣٦ ب ١٠ ح ٢.

١١٦

من مال الولد ، قال في شرح النافع بعد نقل ذلك عنه : ولا بأس بهذا الجمع لو تكافأت الروايات في السند والدلالة ، لكنه محل نظر.

وفيه أن صحيحة محمد بن مسلم الاولى قد صرحت ـ بعد نفي النفقة أو النهي عنها ـ بأنه ينفق عليها من مالها ، وبذلك يظهر أنه لا يتم هذا الجمع ، فنفي البأس عنه إنما نشأ عن الغفلة عن ملاحظة الصحيحة المذكورة ، فإنها صريحة في أنه إنما ينفق عليها من مالها لا من مال الميت ، ولا مال الولد ، ونقل عن الشيخ المفيد في كتاب التمهيد أنه أنكر الحكم بالإنفاق عليها من مال الحمل تمام الإنكار ، فقال : إن الولد إنما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض حيا ، فأما وهو جنين لا يعرف له موت من حياة فلا ميراث له ولا مال على الاتفاق ، فكيف ينفق على الحبلى من مال من لا مال له لو لا السهو في الرواية أو الإدخال فيها. انتهى ، كذا نقله عنه ابن إدريس لتأييد ما ذهب إليه.

وقال العلامة في المختلف : والتحقيق أن نقول : إن جعلنا النفقة للحمل فالحق ما قاله الشيخ ، وإن جعلناها للحامل فالحق ما قاله المفيد.

واعترضه السيد السند في شرح النافع فقال : ما ذكره بعيد عن التحقيق ، إذ ليس في الروايات المتضمنة لهذا الحكم (١) دلالة على أن النفقة للحمل بوجه ، وإنما المستفاد منها أن ينفق على الحامل من نصيب الحمل ، فإن وجب العمل بها تعين المصير إلى هذا الحكم مطلقا ، وإن ترجح ردها ـ إما لقصورها من حيث السند أو الدلالة أو لما ذكره المفيد من أن الحمل لا مال له ـ وجب نفي هذا الحكم رأسا كما ذكره المفيد وابن إدريس ، أما التفصيل فلا وجه له ، انتهى.

أقول : الظاهر أن مراد العلامة من هذا الكلام هو الجمع بين أخبار المسألة بحمل ما دل على وجوب الإنفاق عليها من مال ولدها الذي في بطنها ، على أن هذه النفقة للولد لا للحامل ، وحمل ما دل على أنه لا نفقة بالكلية كما دلت عليه

__________________

(١) أي الأمر بالإنفاق (منه ـ قدس‌سره ـ).

١١٧

أكثر الأخبار على النفقة للحامل ، ومرجعه إلى أنها تستحق النفقة للولد ، ولا تستحقها لنفسها ، وحينئذ فقول السيد «أن المستفاد من الأخبار أن ينفق على الحامل من نصيب الحمل ، فإن وجب العمل. إلخ» مردود بأنه وإن استفيد ما ذكره من هذا الخبر إلا أن الأخبار الأخر ظاهرة في أنه لا نفقة مطلقا والواجب الجمع بين الجميع بوجه يرفع الاختلاف من البين ، فكيف يتم قوله إنه إن عمل بهذه الرواية كان كذا ، وإن وجب ردها كان كذا ، فإن فيه إنا نريد العمل بالرواية المذكورة على وجه تجتمع به مع الروايات الأخر وهو يحصل بالتفريع على تلك المسألة.

قوله «ليس في الروايات المتضمنة لهذا الحكم دلالة على أن النفقة للحمل بوجه» مسلم لكن ارتكاب التأويل لا يتوقف على ذلك كما لا يخفى فإن التأويل ليس إلا الحكم بخلاف الظاهر ، والرواية وإن لم تكن متضمنة لذلك ولا دلالة عليه إلا أنه يمكن حملها على ذلك.

وبالجملة فالظاهر أن ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ لا يخلو من شوب المناقشة بحسب فهمي القاصر ، وبعض مشايخنا المحدثين (١) من متأخري المتأخرين احتمل في الجمع بين روايات المسألة بحمل ما دل على وجوب الإنفاق من نصيب الولد على ما إذا كانت محتاجة لأنه تجب نفقتها عليه ، وحمل ما دل على عدم الإنفاق على ما إذا لم تكن محتاجة ، وهو لا يخلو من قرب.

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، وإن كان ما ذهب إليه المتأخرون أقرب ، لتكاثر الأخبار به ، وعدم نهوض رواية أبي الصباح التي استند إليها المتقدمون بالمعارضة ، إلا أن شهرة الفتوى بها بين المتقدمين ـ سيما الصدوق فإنه قال في الفقيه «والذي نفتي به رواية الكناني» ـ مما يوجب مزيد اعتبار لها.

بقي الكلام في الروايات الباقية ومنها صحيحة محمد بن مسلم الثانية ، وقوله فيها «ينفق عليها من ماله» والشيخ قد استدل بهذه الرواية على ما ذهب إليه من

__________________

(١) هو شيخنا المجلسي ـ قدس‌سره ـ في حواشيه على كتب الاخبار. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١١٨

وجوب الإنفاق من مال الولد ، مدعيا أن الضمير في قوله «من ماله» يعود إلى الولد ، قال في الاستبصار : قوله عليه‌السلام «ينفق عليها من ماله» محمول على أنه ينفق عليها من مال الولد إذا كانت حاملا ، والولد وإن لم يجر له ذكر جاز لنا أن نقدره لقيام الدليل كما فعلناه في مواضع كثيرة من القرآن وغيره. انتهى ، ولا يخفى ما فيه من البعد ، فإن تقدير الولد فرع الدلالة عليه في الخبر بوجه ، والخبر لا دلالة فيه على محل البحث وهي الحامل ، وإنما مورده المتوفى عنها زوجها وهذا الخبر أورده في الكافي في باب الرجل يطلق امرأته ثم يموت قبل أن تنقضي عدتها ، وهو يشعر بأنه حمل الخبر على المطلقة قبل الوفاة وإن لم تكن حاملا.

وكيف كان فالخبر مع كونه بحسب ظاهره لا يخلو من الاشكال ليس من أخبار المسألة التي يمكن الاعتماد إليها في الاستدلال ، وحمله بعض المحدثين من متأخري المتأخرين أنه يستحب للورثة ذلك.

ومنها رواية السكوني المتضمنة لأن نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال (١) والشيخ حمله في التهذيبين تارة على الاستحباب مع رضاء الورثة ، واخرى على نصيب الولد قبل القسمة لعدم تميزه بعد لتوقفه بعد على العلم بكونه ذكرا أو أنثى ، ولعل الثاني أقرب ، وأقرب منه الحمل على التقية ، لمخالفة الخبر لفتوى الطائفة وأخبارهم مضافا إلى أن الرواية من العامة.

المسألة الثالثة : الظاهر أن الرجوع في قدر النفقة إلى العرف والعادة ، وكذا في الاخدام وعدمه ، وتفصيل الكلام في المقام أنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الأوامر بالنفقة في الكتاب والسنة مطلقة مثل قوله عزوجل

__________________

(١) أقول : وفي معنى رواية السكوني المذكورة ما رواه الراوندي عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال على عليه‌السلام : الحامل المتوفى عنها زوجها نفقتها من جميع مال الزوج حتى تضع. (منه ـ قدس‌سره ـ) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦٣٦ ب ٥ ح ٢.

١١٩

«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» (١) وقوله «فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ» (٢) وقولهم عليهم‌السلام فيما تقدم من الأخبار (٣) «يشبعها ويقيم ظهرها ويطعمها ما يقيم صلبها». ونحو ذلك كان المرجع فيها إلى العرف والعادة فيما جزم له الأصحاب ، لأنه الحكم في ذلك حيث لا يرد له تقدير من الشارع.

وهكذا الكلام في الكسوة فإنه قد تقدم في الأخبار أن الواجب عليه الكسوة وفي بعض ما يستر العورة ونحو ذلك ، والأصحاب قد صرحوا بأنها ترجع فيما تحتاج إليه ـ من الطعام وجنسه من البر والشعير والتمر والزبيب والذرة وغيرها ، والإدام الذي تأتدم به من السمن والزيت والشيرج واللحم واللبن وغيره ، والكسوة من القميص والسراويل والمقنعة والجبة وغيرها وجنسها من الحرير والقطن والكتان ، والإسكان في دار وبيت لا يقين بحالها ، والإخدام إذا كانت من ذوي الحشمة والمناصب المقتضية لذلك ، وآلة الادهان التي تدهن به شعرها وترجله من شيرج أو زيت مطلق أو مطيب بالورد أو البنفسج أو غيرهما مما يعتاد لأمثالها والمشط وما تغسل به الرأس من السدر والطين والصابون على حسب عادة البلد ونحو ذلك مما يحتاج إليه ـ إلى عادة أمثالها من أهل بلدها ، وإن اختلفت العادة رجع إلى الأغلب ، ومع التساوي فما يليق منه بحاله.

أقول : والذي حضرني من الأخبار المتعلقة مضافا إلى الأخبار المتقدمة ما رواه الشيخ في الصحيح والكليني (٤) بسنده فيه إرسال عن شهاب بن عبد ربه قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما حق المرأة على زوجها؟ قال : يسد جوعتها ويستر عورتها

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٣٣.

(٢) سورة الطلاق ـ آية ٧.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٣ ب ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥١١ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٥٧ ح ٣٨ وفيهما اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٦ ب ٢ ح ١.

١٢٠