الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

أعم من ذلك لاحتمال أن يكون المراد به الطلاق بمعنى أنه يجبر على طلاقها ، وإلا طلقها الحاكم الشرعي ، ويؤيده ما قدمنا نقله من صحيحة جميل أو حسنته الظاهرة في الطلاق إن لم ينفق عليها ، بمعنى أنه يجبر عليه مع عدمه الإنفاق عليها.

ونقل عن فخر المحققين أنه بني الخلاف في هذه المسألة على أن اليسار بالنفقة ليس شرطا في لزوم العقد فلو جعلناه شرطا تسلطت بتجدد العجز بغير إشكال ، قال في المسالك : وهذا البناء ليس بعيد ، إلا أن عبارات الأصحاب مطلقة ، بحيث يحتمل كون الخلاف هنا جاريا على القولين ، إذ يحتمل على القول بأن اليسار جزء من الكفارة أن يختص بالابتداء ، ولا يلزم مثله في الاستدامة كما في العيوب الموجبة للخيار ابتداء ، ولا يثبت مع تجددها كما سيأتي ، وعلى كل حال فكلام فخر الدين موجه. انتهى.

المسألة الرابعة : قالوا : لو خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته على الولي ، وإن كان أخفض نسبا ، وإن منعه الولي كان عاصيا ، وقيد بعضهم وجوب الإجابة بعدم قصد الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة ، فلو قصد الأعلى مع وجوده لم تجب الإجابة بل يتخير بينهما ، وهل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة ، أم يجب على الولي الإجابة وإن كانت صغيرة؟ احتمالان ، من إطلاق الأمر وانتفاء الحاجة ، وعلل تخصيص الأولياء بالحكم بأن الولي هو المجيب ، والمانع غالبا وإن لم يكن له ولاية شرعية ، كما تشير إليه صحيحة علي بن مهزيار (١) المتقدمة الدالة على أنه «كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه‌السلام في أمر بناته أنه لا يجد أحدا مثله ، فكتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام : فهمت ما ذكرت في أمر بناتك ، وأنك لا تجد أحدا مثلك ، فلا تنظر في ذلك» الخبر.

والأصل في هذا الحكم من أصله الأخبار الكثيرة المتقدمة الدالة على قوله عليه‌السلام (٢) «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، وإلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». والتقريب فيها أن مقتضى الأمر الوجوب ، وأن مخالفته معصية.

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٣٤٧ ح ١ و ٢ و ٣، الوسائل ج ١٤ ص ٥١ ح ١ و ٢ و ٣.

٨١

ويمكن أن يناقش في دلالة الأمر على الوجوب هنا حيث إن الظاهر من السياق كونه للإباحة ، ولا ينافي ذلك «إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» إذ الظاهر أن المراد أنه إذا حصل الامتناع من الإجابة لكون المخاطب حقيرا في نسبة لا لغيره من الأغراض فإنه يترتب على ذلك الفساد أو الفتنة من نحو التفاخر بالعشائر والمباهاة بالتكاثر كما في زمن الجاهلية ، وما يترتب على ذلك من القبائح الخارجة عن جادة الدين.

ويعضد ما ذكرناه ما صرح به ابن إدريس في كتابه حيث قال : وروي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن يرضى فعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشي‌ء يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليلا في ماله فلا يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووجه الحديث في ذلك أنه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر ، والأنفة منه لذلك ، واعتقاده أن ذلك ليس بكفو في الشرع ، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك ، بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث. انتهى كلامه زيد إكرامه ، وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

ومنه يعلم ما قدمنا ذكره من أن الولي لو ترك الإجابة لأجل العدول إلى الأعلى لا يكون عاصيا ، وكذا لو ترك الإجابة لما هو عليه من الصفات الذميمة من فسق ونحوه ، فإنه لا حرج عليه ولا يكون عاصيا ، والظاهر من الروايات المذكورة أن الخطاب فيها والأمر بالتزويج والنهي عن الرد إنما توجه إلى الأولياء بالتقريب الذي قدمناه ، وعلى هذا ففي تعلق الحكم بالثيب والبكر البالغ التي لا ولي لها ووجوب الإجابة عليها إن قلنا بالوجوب على الولي إشكال ، من حيث إن ظاهر النصوص كما عرفت أن توجه الخطاب فيها إنما هو لخصوص الولي ، فلا يتعلق بغيره ، وإطلاق هذه الأخبار شامل لجواز مناكحة الأخفض نسبا والأدنى صنعة

٨٢

وحرفة ونحو ذلك ، لأن المدار فيها على المماثلة في الأيمان أو الإسلام خاصة ، وأنت خبير بأنها بإطلاقها شاملة للقادر على النفقة والعاجز عنها ، وهم قد قيدوا وجوب الإجابة بالقدرة على النفقة ، وكأنهم نظروا إلى أن في الصبر على الفقر ضررا عظيما فخصصوا إطلاق هذه الأخبار بذلك ، وفيه ما لا يخفى كما تقدم الكلام عليه في شرط الكفاءة ، ومقتضى الأخبار المذكورة أيضا تزويج الفاسق ، ولا سيما شارب الخمر ، إلا أنه قد ورد في النهي عنه أخبار عديدة حملها أكثر الأصحاب على الكراهة جمعا ، ومنع منه بعض الأصحاب ، لقوله تعالى «أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ» (١).

وفيه إن الظاهر من أكثر آيات القرآن أن إطلاق الفسق فيها إنما هو بمعنى الكفر ، لا بمعنى المشهور الآن من الأمور المخلة بالعدالة ، سيما ما ورد في تفسير هذه الآية من أن المؤمن أمير المؤمنين عليه‌السلام والفاسق الوليد أخو عثمان لامه (٢).

ومن الأخبار الواردة في النهي عن تزويج شارب الخمر ما رواه في الكافي (٣) عن أحمد بن محمد رفعه قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من زوج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها».

وعن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شارب الخمر لا يزوج إذا خطب». إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ، إلا

__________________

(١) سورة السجدة ـ آية ١٨.

(٢) تفسير على بن إبراهيم ج ٢ ص ١٧٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٤٧ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٩٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٤٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٩٨ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣ ح ٤.

٨٣

أنها محمولة عند الأصحاب على الكراهة جمعا بينها وبين ما تقدم.

المسألة الخامسة : المشهور بين الأصحاب أنه إذا تزوج امرأة ثم علم أنها كانت زنت فليس له الفسخ ، ولا الرجوع على الولي بالمهر ، وعلل الأول بأن ذلك مقتضى العقد اللازم ، وأما عدم الرجوع بالمهر فلأن ذلك مقتضى الأصل.

أقول : ويدل على الأول أيضا ما رواه الصدوق (١) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل».

وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله المروية في التهذيب (٢) قال : «وترد المرأة من العفل والبرص والجذام والجنون وأما سوى ذلك فلا».

وذهب ابن بابويه في المقنع إلى أنه يفرق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحديث كان من قبلها ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة (٣) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها الرجل يفرق بينهما ولا صداق لها لأن الحديث كان من قبلها».

ويدل عليه أيضا ما رواه في الفقيه (٤) عن الحسن بن محبوب عن الفضل بن يونس في الموثق قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت ، قال : يفرق بينهما وتحد الحد ولا صداق لها» ، ورد المتأخرون هذه الروايات بضعف السند.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٦ ح ٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٧٣ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٩٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٢٥ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٩٥ ح ١٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٦٦ ح ٤٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٧٣ ح ١٠٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠١ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٩٠ ح ١٧٧ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠١ ح ٢.

٨٤

ونقل عن الشيخ المفيد وجماعة أن له الخيار في المحدودة (١) ، قال في شرح النافع : ولم نقف لهم في ذلك على مستند سوى ما في الالتزام بها من الضرر ، لاشتماله على العار ، ويضعف بأنه قادر على طلاقه ، وبه يندفع الضرر ، ثم نقل صحيحة الحلبي التي قدمنا نقلها عن الصدوق ، وعقبها بما رواه

الكليني (٢) عن رفاعة بن موسى قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحدود والمحدودة ، هل ترد من النكاح؟ قال : لا».

أقول : ونحو هذه الرواية ما رواه الحسين بن سعيد في كتابه عن فضالة عن رفاعة بن موسى (٣) قال : «سألته عن المحدودة؟ قال : لا يفرق بينهما ولا يترادان النكاح» الحديث ، وهو صحيح صريح ، والظاهر أن المستند للشيخ المفيد ـ فيما نقل عنه ـ هو ما قدمناه من الأخبار الدالة على مذهب ابن بابويه ، وإلا فلم نقف على غيرها.

وذهب الشيخ في النهاية إلى أنها لا ترد ، وكذلك التي كانت زنت قبل العقد

__________________

(١) أقول : قال الشيخ المفيد ـ رحمه‌الله ـ : ترد المحدودة في الفجور ، وبه قال : سلار وابن البراج واختاره ابن الجنيد وأبو الصلاح وقطب الدين الكيدري ، وقال الشيخ في النهاية : المحدودة في الزنا ترد ، وأما التي قد زنت قبل العقد فليس للرجل ردها الا أن له أن يرجع على وليها بالمهر ، وليس له فراقها الا بالطلاق ، وقال ابن إدريس : الذي في نفسي أن المحدودة لا ترد بل يرجع على وليها بالمهر إذا كان عالما بدخيلة أمرها ، فإن أراد فراقها طلقها ، انتهى. كذا نقله العلامة في المختلف ، ثم قال : والأقرب عندي عدم الرد للأصل وما رواه الحلبي في الصحيح ، ثم ساق الرواية كما ذكرناه في دليل القول الأول ، واحتج لما ذكره المفيد ـ رحمه‌الله ـ باشتماله على العار فكان موجبا للتسلط على الفسخ ، وقد عرفت ما فيه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٧ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٠ ح ٢.

(٣) البحار ج ١٠٣ ص ٣٦٥ ح ٢٢.

٨٥

إلا أن له الرجوع على وليها بالمهر ، وقريب منه قول ابن إدريس ، إلا أنه قيل الرجوع عليه بعلمه بحالها.

أما عدم ردها وفسخ نكاحها فلما تقدم في القول المشهور.

وأما الرجوع على وليها فلما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها أنها قد كانت زنت ، قال : إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن شاء تركها ، قال : وترد المرأة من العفل والبرص والجذام». إلى آخر ما تقدم في أدلة القول الأول.

وروى هذا الخبر الكليني في الكافي (٢) في الصحيح عن معاوية بن وهب بدون الزيادة التي في آخره ، ومنه يظهر قوة القول بالرجوع إلى المهر لكن ينبغي تقييده بما ذكره ابن إدريس من علم الولي بالزنا ، وعدم إخباره الزوج (٣) والظاهر أن مراد الشيخ ذلك وإن أطلق ، ويؤيده عموم الأخبار الدالة على الرجوع على الولي إذا كان عالما بالعيب ، والزنا من أظهر العيوب وأفحشها.

وخصوص ما رواه في الكافي (٤) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٢٥ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠١ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠١ ح ٤.

(٣) والى ما اخترناه من العمل بهذه الاخبار يميل كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث انه بعد نقل صحيحة معاوية بن وهب التي في الكافي قال : ولو عمل به لم يكن به بأس ، وحمله ـ على ما لو شرط للزوج كونها عفيفة ـ خلاف الظاهر ، وكون مقتضى النكاح أن المهر على الزوج ، وانما يرجع به على الولي لكونه غره بإخفاء أمر المرأة. انتهى وهو جيد ، ويعضد كلامه الأخير تكاثر الاخبار بكون المهر على الولي إذا علم بالعيب ، ولم يخبر الزوج بذلك ، والزنا من أفحش العيوب فلا اشكال. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٠٨ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٠ ب ٦ ح ١.

٨٦

عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة تلد من الزنا ولا يعلم بذلك أحد إلا وليها ، أيصلح له أن يزوجها ويسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال : إن لم يذكر ذلك لزوجها ، ثم علم بعد ذلك ، فشاء أن يأخذ صداقها من وليها مما دلس عليه ، كان له ذلك على وليها ، وكان الصداق الذي أخذت لها لا سبيل عليها فيه بما استحل من فرجها ، وإن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس».

ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي (١) قال : «سألته عن المرأة» الحديث ، وهو صحيح وبما ذكرنا يظهر ضعف ما تقدم في القول الأول من تعليل عدم الرجوع بالمهر ، من أن ذلك مقتضى الأصل فإن فيه أنه وإن كان ذلك مقتضى الأصل لكن يجب الخروج عنه بالدليل وقد عرفته.

بقي الكلام في الروايات المتعارضة في الفسخ وعدمه ، والظاهر ترجيح الروايات الدالة على العدم ، وقد تقدم الكلام في هذا المقام بالنسبة إلى الرد بالزنا وعدمه في المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة في الإلحاق الذي في آخر المقام الثاني في الزنا ، وإنما ذكرناه هنا بالنسبة إلى ما يتعلق به من الرجوع بالمهر وعدمه ، ومما يؤيد أخبار عدم الرد أيضا صحيحة رفاعة المتقدمة ثمة ، وإن كان موردها إنما هو زنا الزوج ، إلا أن الصدوق قائل بالرد وفسخ العقد بالزنا ، أعم من أن يكون من الزوج أو الزوجة كما تضمنته عبارة المقنع المتقدمة ثمة.

المسألة السادسة : قال الشيخ في النهاية ، إذا ائتمن الرجل إلى قبيلة وتزوج ، فوجد على خلاف ذلك بطل التزويج ، واختاره ابن الجنيد وابن حمزة ، وجعله ابن البراج في كتابيه معا رواية.

وقال الشيخ في المبسوط : إن كان الغرور بالنسب ، فهل لها الخيار أم لا؟

__________________

(١) البحار ج ١٠٣ ص ٣٦٥ ح ٢٣ الطبع الحديد ـ طهران ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٠ ب ٦ ح ١.

٨٧

قولان ، والأقوى أن الاختيار لها ، وفي الناس من قال لها الخيار وقد روي ذلك في أخبارنا ، واختار ابن إدريس المنع ، قال : وقد روي (١) أن الرجل إذا انتسب إلى قبيلة فخرج من غيرها ، سواء كان أرذل أو أعلى ، يكون للمرأة الخيار في فسخ النكاح. والأظهر أنه لا يفسخ بذلك النكاح لقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٢) ونسب ما قاله الشيخ في النهاية إلى أنه خبر واحد ، ثم قال : إلا أن هذا وإن لم يكن عيبا ، فإنه يرد به لأنه تدليس ، فرددناه من حيث التدليس بالاشتراط ، لا من حيث إنه عيب يرد به من غير اشتراط ، لأن العيوب في الخلقة يرد بها النكاح وإن لم يشترط السلامة في حال العقد ، بل بمجرد العقد يرد النكاح بعيب الخلقة ، فأما التدليس فإنه إذا اشترط أنه حر فخرج عبدا أو انتسب إلى قبيلة فخرج بخلافها ، سواء كان أعلى منها أو أدنى ، وكذلك السواد والبياض إذا شرطه فخرج بخلافه ، وما أشبه ذلك ، فلا يرد به النكاح إلا إذا اشترط خلافه ، وأما بمجرد العقد دون تقدم الشرط فلا يرد به النكاح ، فهذا الفرق بين عيب الخلقة وبين التدليس.

وقال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والأقرب أنه إذا انتسب إلى قبيلة فبان أدنى منها بحيث لا يلائم شرف المرأة كان لها الخيار في الفسخ ، لما فيه من الفضاحة والنقص والتضرر بذلك.

وما رواه الحلبي (٣) في الصحيح «قال في رجل يتزوج المرأة ، فيقول لها أنا من بني فلان ، فلا يكون كذلك؟ قال : تفسخ النكاح أو قال : ترد النكاح». انتهى.

أقول : وهذا التفصيل صار قولا ثالثا في المسألة لأن المشهور فيها القولان المتقدمات خاصة من الخيار مطلقا ، أو عدمه مطلقا ، وأنت خبير بأن الرواية

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٣٢ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٤ ح ١.

(٢) سورة المائدة ـ آية ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٣٢ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٤ ح ١.

٨٨

مطلقة لا دلالة لها على ما ذكره من التفصيل كما عرفت من كلام ابن إدريس.

وإلى القول بعدم الخيار يميل كلام المحقق في كتابيه ، وهو اختيار شيخنا في المسالك حيث قال ـ بعد نقل الصحيحة المذكورة ـ ما لفظه : والرواية موقوفة لا تصلح للحجية على فسخ مثل هذا العقد اللازم المعتضد بقوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وأصالة بقاء النكاح ، نعم لو شرط ذلك في متن العقد توجه التسلط على الفسخ بالإخلال بالشرط ، وإن لم يرد في ذلك رواية عملا بالعموم.

وفي المختلف وافق الشيخ على الفسخ بدون الشرط بزيادة قيد آخر ، وهو ظهوره أدنى مما انتسب إليه بحيث لا يلائم شرف المرأة ، والأقوى عدم الخيار بدون الشرط في متن العقد وهو قول الشيخ في المبسوط والأكثر ، انتهى.

وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل إلى العمل بالرواية المذكورة ، فقال ـ مشيرا إلى الجواب عما طعن به جده على الرواية ، ونعم ما قال ـ : وهذه الرواية صحيحة السند ، لكن ردها المتأخرون بالإضمار ، حيث إن المسؤول فيها غير مذكور ، وعندي أن ذلك غير قادح إذ من المعلوم أن الحلبي إنما يروي عن الامام عليه‌السلام خاصة ، والوجه في وقوع هذه الإضمار في روايات الأصحاب أن الحلبي وغيره من الرواة إذا أورد عدة أحاديث عن الامام عليه‌السلام يصرح أولا باسم المروي عنه ثم يرجع الضمير إليه ، فيقول وسألته عن كذا إلى أن يستوفي الأحاديث التي رواها ، فلما نقل من بعده تلك الروايات ، وفرقها ذلك الناقل على مقتضى ما أراد ، اتفق فيها مثل هذه الإضمار ، وهو غير قادح قطعا ، انتهى.

أقول : وبمثل ذلك صرح المحقق الشيخ حسن في مقدمات منتقى الجمان وغيره من الأعيان.

ثم قال السيد المذكور : ومقتضى الرواية تسلط المرأة على الفسخ إذا انتسب الرجل إلى قبيلة ، فبان بخلاف ذلك ، وكان الباعث على تزويجه ذلك الانتساب ، والعمل بها متجه ، ولو بشرط ذلك في متن العقد وظهر بخلافه تسلط على الفسخ

٨٩

بغير إشكال. انتهى ، وهو جيد.

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : لو انتسب أحد الزوجين إلى نسب أو صناعة ولم يكن كذلك كان النكاح منفسخا إن لم يرضه الآخر بعد علمه به ، فإن تأول تأويلا يكون به صادقا لم يبطل النكاح ، وقد روي «أن رجلا تزوج على أنه يبيع الدواب ، فوجد بايعا للسنانير لم يفسخ أمير المؤمنين عليه‌السلام نكاحه ، وقال : السنانير دواب».

وقال في المختلف بعد ذلك : والبحث هنا يقع في مقامين :

الأول : هل حكم الصنعة حكم القبيلة؟ نص ابن الجنيد عليه في كلامه ، هذا وفي الرواية دلالة ما من حيث المفهوم عليه.

الثاني : هل الانتساب إلى القبيلة مشترك بين الرجل والمرأة؟ نص ابن الجنيد عليه ، وهو قول ابن حمزة ولم يتعرض الشيخ في النهاية لانتساب المرأة ، انتهى.

أقول : والرواية التي أشار إليها ابن الجنيد هي ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «خطب رجل إلى قوم ، فقالوا : ما تجارتك؟ فقال : أبيع الدواب ، فزوجوه ، فإذا هو يبيع السنانير ، فاختصموه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأجاز نكاحه وقال : السنانير دواب». ويفهم منه أن إجازة النكاح إنما هو من حيث صدق الدواب على السنانير ، فلو لم يثبت صدقها عليها لم يجز النكاح ، وحينئذ يكون حكم الصنعة حكم القبيلة والله العالم.

المسألة السابعة : قد صرح الأصحاب بأنه لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية لأنها زوجة ، ويجوز للمطلقة ثلاثا من الزوج وغيره ، ولا يجوز التصريح لها منه ولا من غيره ، أما المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان فلا يجوز

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٣٣ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٥ ح ٢.

٩٠

التعريض لها من الزوج ويجوز من غيره ، ولا يجوز التصريح في العدة منه ولا من غيره.

وأما المعتدة البائنة فيجوز التعريض من الزوج وغيره ، والتصريح من الزوج دون غيره.

أقول : التصريح هو الخطاب بما لا يحتمل إلا النكاح ، مأخوذ من الصراحة وهو الخلوص ، ومنه تسمية اللبن الخالص من المذق بالصريح مثل أن يقول : أتزوجك بعد العدة ، ونحوه ، والتعريض هو الخطاب بما يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها ، وإن كان في النكاح أقرب كما سيأتي في الأخبار إن شاء الله.

وأما تحريم التعريض لذات العدة الرجعية فلما ذكروه من أنها زوجة ، فيتعلق بها ما يتعلق بالزوجة ، ومن ذلك تحريم خطبتها تعريضا وتصريحا بواسطة وغيرها من غير خلاف يعرف.

وأما جواز التعريض للمعتدة في العدة البائنة دون التصريح لها فقيل بأنه موضع وفاق ، واستدل عليه بقوله «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ ، أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ، عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا ، إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» (١).

وبالجملة فالضابط عندهم في جميع ما ذكر أن التصريح بالخطبة للمعتدة حرام مطلقا ، إلا من الزوج في العدة التي يجوز له نكاحها بعدها بحيث لا تكون محرمة عليه كالعدة الرجعية ، وكذا إذا كانت بائنا إذا كانت تحل له في الحال ، وإن توقف الحل على رجوعها في البذل كما في المختلعة ، والتعريض جائز من كل من يجوز له تزويجها بعد العدة ، ومن الزوج وإن لم يجز له تزويجها حينئذ كالمطلقة ثلاثا قبل المحلل ما لم تكن محرمة عليه مؤبدا.

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٣٥.

٩١

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : هو الرجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها : أوعدك بيت آل فلان ، ليعرض لها بالخطبة ، ويعني بقوله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» التعريض بالخطبة «ولا يعزم عقدة النكاح (حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)».

وعن عبد الله بن سنان (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» الآية ، قال : السر أن يقول الرجل موعدك بيت آل فلان ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها ، فقلت. فقوله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً»؟ قال : هو طلب الحلال في غيره أن يعزم عقدة النكاح (حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ)».

وعن علي بن أبي حمزة (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» قال : يقول الرجل أواعدك بيت آل فلان يعرض لها بالرفث ويرفث ، يقول الله عزوجل «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» والقول المعروف التعريض بالخطبة على وجهها وحلها «وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : يلقاها فيقول إني فيك لراغب وإني للنساء

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٤ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣٤ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٣ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٣٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٧١ ح ٩٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٤ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٣٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٤ ح ٤.

٩٢

لمكرم ، ولا تسبقيني بنفسك ، والسر لا يخلو معها حيث وعدها».

وعن عبد الرحمن بن سليمان عن خالته (١) «قالت : دخل علي أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي ، فقال : قد علمت قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام ، فقلت له : غفر الله لك أتخطبني وأنا في عدتي ، وأنت يؤخذ عنك ، فقال : أو قد فعلت؟ إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وموضعي ، وقد دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفي عنها فلم يزل يذكر لها منزلته من الله وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله عليها فما كانت تلك خطبة».

وروى أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (٢) عن الصادق عليه‌السلام في قوله «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ـ إلى قوله ـ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا» قال : «لا تصرحوا لهن بالنكاح والتزويج» قال : «ومن السر أن يقول لها موعدك بيت آل فلان».

وروى العياشي في تفسيره (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ، ترغبها في نفسك : ولا تقول : إني أصنع كذا وأصنع كذا القبيح من الأمر في البضع وكل أمر قبيح».

وعن مسعد بن صدقة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله «إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : «يقول الرجل للمرأة وهي في عدتها : يا هذه ما أحب إلا ما أسرك ولو قد مضى عدتك لا تفوتني إن شاء الله فلا تسبقيني بنفسك ، وهذا كله من غير أن يعزموا عقدة النكاح».

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨١.

(٢) مجمع البيان ج ١ ص ٣٣٩ ط صيدا ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٤ ح ٥.

(٣ و ٤) تفسير العياشي ج ١ ص ١٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٤ ح ٦ وص ٣٨٥ ح ٧.

٩٣

وقال الشيخ علي بن إبراهيم في تفسيره (١) وقوله «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ» فهو أن يقول الرجل للمرأة في العدة إذا توفي عنها زوجها : لا تحدثي حدثا ، ولا يصرح لها بالنكاح والتزويج ، فنهى الله عن ذلك ، والسر في النكاح ، فقال «وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً» قال : من السر أيضا أن يقول الرجل في عدة المرأة موعدك بيت آل فلان ، انتهى.

وأنت خبير بأنه ليس في هذه الأخبار ما يفي بالتفصيل الذي ذكروه في أفراد العدد من العدة الرجعية والبائنة بينونة مؤبدة ، أو يمكن الرجوع فيها بعد المحلل من الزوج وغيره.

نعم ظاهر كلام الشيخ علي بن إبراهيم فرض ما ذكره في عدة الوفاة ، لكنه لا يفيد الاختصاص ، وغاية ما يستفاد من هذه الأخبار ـ بعد ضم بعضها إلى بعض ـ هو أنه إذا خطبها لا يصرح لها بالنكاح ، وإنما يعرض بها تعريضا ، ولا يخلو بها ، ويقول بها ما يستهجن من القول ترغيبا لها ، مثل أنه عظيم الآلة أو أني كثير المجامعة للنساء ، ونحوه ، وإليه يشير خبر علي بن أبي حمزة ، وأصرح منه خبر العياشي وتفسير «السر» المواعدة في مكان كما في أكثر هذه الأخبار كأن فيه إشارة إلى أنهم في السابق هكذا كانوا يفعلون ، بأن يواعدها في مكان ويخلو بها ويقول لها من تلك الأقوال القبيحة ، فنهى في الآية عنه إلا أن يقولوا قولا سديدا ، وهو التعريض الذي دلت الأخبار على جوازه ، فالنهي راجع إلى الخلوة بها على المذكور.

وبالجملة فإن ما ذكروه من التفصيل ، الظاهر أنه لا مستند له إلا اتفاقهم كما يظهر من بعض عباراتهم ، ثم أن ما قدمنا نقله عنهم من جواز التعريض للمطلقة ثلاثا قبل المحلل للزوج وغيره دون التصريح ظاهر السيد السند في شرح

__________________

(١) تفسير القمي ج ١ ص ٧٧.

٩٤

النافع المناقشة فيه بالنسبة إلى الزوج حيث قال ـ بعد نقل ذلك عنهم ـ : والأجود تحريمهما معا ، لامتناع نكاحه لها قبل المحلل ، وهو جيد بناء على ما يفهم من كلامهم من أنه متى كانت المرأة محرمة مؤبدا ، فإنه لا يجوز التصريح ولا التعريض لها كالمطلقة تسعا للعدة ، وهذه قبل المحلل كذلك ، إلا أنك قد عرفت ما في أصل هذه الأحكام من عدم دليل واضح حتى بالنسبة إلى التعريض ، بل التصريح في العدة الرجعية حيث إنها زوجة ، بل الزوجة فضلا عن العدة ، فأي دليل دل على التحريم (١) فإني لم أقف على نص يقتضيه ، والتحريم حكم شرعي يترتب عليه المؤاخذة والعقاب من الله سبحانه ، وثبوت الفسق مع المخالفة ، والحكم به من غير دليل مشكل.

ومن الممكن أن يقال : إنه لغو من القول لا أثر يترتب عليه. نعم يمكن أن يقال : إن النهي في الآية عن الخلوة بها وهي في العدة وقول ما هو غير المعروف من التصريح بالخطبة أو الكلام المستهجن يدل على النهي عن ذلك لذات الزوج بطريق أولى.

وفيه ما فيه إذ يمكن منع الأولوية بأنه يجوز أن يكون للعدة خصوصية في ذلك ، نعم اتفاقهم على الحكم المذكور كما يظهر من كلامهم من أقوى المؤيدات.

وبالجملة فباب المناقشة غير مسدود ، وكيف كان فإنه لو صرح بالخطبة في موضع المنع فالظاهر كما صرحوا به أيضا أنه لا يفيد أزيد من الإثم ، فلو نكحها بعد انقضاء العدة فنكاحه صحيح ، ولا يؤثر فيه ما صنعه أولا كما لو نظر إليها محرما ثم تزوجها ، ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن بعض العامة.

__________________

(١) وأما حديث الباقر ـ عليه‌السلام ـ الدال على إنكاره الخطبة حيث اعترضت عليه المرأة بذلك فهو غير صريح في التحريم ، بل يمكن حمله على الكراهة.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٩٥

المسألة الثامنة : قالوا : إذا تزوجت المطلقة ثلاثا وشرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما بطل العقد ، وربما قيل بلغوا الشرط ، فلو شرطت الطلاق قيل يصح النكاح ويبطل الشرط ، وإن دخل بها فلها مهر المثل ، وأما لو لم يصرح بالشرط في العقد ، وكان ذلك في نيته أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد ، وكل موضع قيل يصح العقد فمع الدخول تحل للمطلق مع الفرقة وانقضاء العدة ، وكل موضع قيل يفسد لا تحل له ، لأنه لا يكفي الوطي ما لم يكن عن عقد صحيح.

أقول : وتفصيل هذه الجملة وبيان ما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مواضع :

الأول : فيما إذا شرطت في العقد أنه بعد التحليل فلا نكاح بينهما ، والظاهر أنه لا ريب في بطلان هذا الشرط لمنافاته لمقتضى العقد ، إذ قضيته بقاء التزويج إلى أن يحصلا ما يزيله شرعا من طلاق ونحوه بما علم من الشارع كونه مزيلا ورافعا للنكاح ، ولم يثبت من الشارع أن شرط ارتفاعه من نفسه وإن كان على هذا الوجه المعين من جملة ذلك ، فقضية الأصل بمعنى الاستصحاب الشرعي المتفق على صحة الحكم به بقاء النكاح وبطلان هذا الشرط.

بقي الكلام في صحة العقد على هذا التقدير وعدمه ، والمشهور بين المتأخرين بطلانه ، وعللوه بأن التراضي بالعقد إنما وقع على هذا الوجه المخصوص ولم يتم لهما ، فلو لم يبطل النكاح لزم صحته بدون التراضي ، وهو باطل ، ومرجعه إلى أن العقود بالقصود ، فلو قيل بالصحة للزم أن ما وقع غير مقصود ، وما قصد غير واقع.

وذهب جمع من الأصحاب إلى صحة العقد وإن بطل الشرط ، منهم الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس استنادا إلى ما دل على أن الأصل في العقد الصحة ، وقال في المسالك ـ بعد أن نقل أن القول بالبطلان للأكثر بل ادعى عليه

٩٦

الشيخ الإجماع ، ثم علله بما ذكرناه ـ ما لفظه : والقول بصحة العقد دون الشرط لم يظهر قائله ، وينسب إلى الشيخ وقد صرح بخلافه. نعم هو بابن إدريس أنسب لأنه صرح في غير موضع من النكاح وغيره أن فساد الشرط لا يفسد العقد محتجا عليه بعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ، ولأنهما شيئان كل منهما منفك عن الآخر ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر.

وجوابه : أن الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من صحة وبطلان ، سلمنا أن المراد به العمل بمضمونه لكنه مشروط بوقوعه صحيحا بالتراضي ولم يحصل هنا ، وانفكاك العقد عن الشرط في نفسه مسلم ، لكنه في العقد المخصوص مرتبط به ، لأن التراضي إنما وقع كذلك ، والأقوى بطلان العقد أيضا. انتهى ، وفيه أن ما ذكره من أن القول بصحة العقد دون الشرط لم يظهر قائله إن أراد به في خصوص هذه المسألة فهو ممكن ، إلا أن ما ذكره بقوله «وهو بابن إدريس أنسب» ـ حيث إنه صرح في مواضع عديدة بأن الشرط الفاسد لا يفسد العقد ـ يجري أيضا في غيره ممن قال بهذا القول ومنهم الشيخ والجماعة الذين قدمنا ذكرهم ، وقد تقدم في كتاب البيع في الفصل الثاني عشر في نكت متفرقة ذكر المسألة ، وأنه لو اشتمل العقد على شرط فاسد ، فهل يبطل الشرط خاصة مع صحة العقد أو يبطل العقد أيضا؟ وأن العلامة ـ رحمه‌الله ـ نقل في المختلف القول الأول عن الشيخ وابن الجنيد وابن البراج ، وقد حققنا في الموضع المذكور وكذا في مواضع أخر مما تقدم ولا سيما في مقدمات الكتاب في أول جلد كتاب الطهارة أن ما ذكروه من هذا التعليل وإن كان المتسارع إلى الذهن صحته وقبوله ، إلا أنه بالنظر إلى الروايات الواردة في ذلك واختلافها فيما هناك فالحكم لا يخلو من الاشكال ، حيث إن جملة من الأخبار ظاهرة بل صريحة في القول بصحة العقد وفساد الشرط خاصة وبعضا دل على بطلان العقد من أصله.

ومن الأخبار الدالة على صحة العقد وفساد الشرط خاصة زيادة على ما

٩٧

قدمناه ثمة من الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن زرارة قال : «سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن النهارية يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها متى شاء كل شهر أو كل جمعة يوما ، ومن النفقة كذا وكذا؟ فليس ذلك الشرط بشي‌ء ، ومن تزوج امرأة فلها ما للمرأة من النفقة والقسمة» الحديث.

أقول : والنهارية على ما ذكره بعض محققي المحدثين هو أن الرجل يخاف من زوجته فيتزوج امرأة أخرى سترا عنها ، ويشترط على الثانية إلا يأتيها ليلا ، وحاصل كلامه عليه‌السلام أن أصل العقد صحيح والشرط باطل ، وأنه بعد تمام عقد النكاح تستحق المرأة القسمة والنفقة كغيرها من الزوجات ، وهو صريح كما ترى في المدعى ، ومنه يظهر أن جعل ذلك قاعدة كلية كما يظهر من كلامهم بالنظر إلى هذا التعليل الذي ذكره غير جيد ، بل الواجب الوقوف على مقتضى الأدلة إن وجدت ، وإلا فالتمسك بالاحتياط في هذا الموضع وغيره ، والمسألة عارية هنا من النص فيتحتم الاحتياط فيها.

وأما ما ذكره في معنى قوله عزوجل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» من أنه العمل بمقتضاه من صحة وبطلان فهو بعيد غاية البعد ، بل المعنى فيه إنما هو ما سلمه من أن المراد بالعمل بمضمونه كما هو الظاهر لكل ناظر. نعم ما اعترضه به جيد في الظاهر إلا أنه بالرجوع إلى الأخبار يزول عنه الاعتبار كما ذكرناه ، ومن أراد تحقيق المسألة رجع إلى أحد المواضع التي أشرنا إليها.

الثاني : فيما لو شرط الطلاق ، والكلام يجري على نحو ما تقدم في سابقه ، قال في المسالك : وبطلان الشرط هنا متفق عليه ، ثم إنه على القول بصحة العقد وبطلان الشرط يبطل المهر ، لأن الشرط جزء من العقد ومحسوب منه وله قسط من المهر ، فيتجهل المهر حيث فات منه ما يجهل نسبته إلى المجموع فيبطل ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٣ ح ٤ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧٢ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨ ح ٣ مع اختلاف يسير.

٩٨

وحينئذ فيجب مع الدخول مهر المثل ، وعلى القول ببطلان العقد من أصله ، فإن كانت جاهلة بالتحريم ودخل بها صار نكاح شبهة والواجب فيه مهر المثل ، وإلا فلا مهر لها لأنها بغي.

الثالث : ما لو لم يصرح بالشرط ، وإن كانت ذلك في نية أحدهما فإن النكاح صحيح ، قال في المسالك : وهو موضع اتفاق ، وهو الدليل مضافا إلى عموم الوفاء بالعقود ، حيث لم يثبت المخصص ، ونية الطلاق من حيث العقد لم يثبت كونها مانعة من الصحة وإنما المانع اشتراطه في متن العقد.

أقول : ويؤيده ما ورد في بعض الأخبار من أنه إنما يحرم الكلام.

الرابع : ما ذكره من أن كل موضع قيل فيه بصحة العقد. إلى آخره ، فإنه مما لا إشكال فيه ، لأنه شرط التحليل التزويج ، والدخول بالزوجة ، وهذا لا يحصل إلا بصحة العقد مع الدخول بها ، فلو قيل بفساد العقد ـ كما هو أحد القولين في المسألة ـ لم يترتب عليه التحليل وإن نكح ، لأنه نكاح لا عن تزويج وعقد ، وهو ظاهر.

المسألة التاسعة : قد صرح الأصحاب بأن نكاح الشغار باطل ـ وهو بكسر الشين وفتحها ثم الغين المعجمتين ، نكاح كان معمولا عليه في الجاهلية وهو أن يجعل بضع امرأة مهرا لأخرى.

قال الجواهري : الشغار ـ بكسر الشين ـ نكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لآخر : زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك ابنتي أو أختي على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى.

وقريب منه في القاموس والمصباح المنير ، وهو مأخوذ إما من شغر الكلب برجله ليبول أي رفعها ، وشغرت المرأة رفعت رجلها للنكاح ، ومنه قول زياد لبنت معاوية التي كانت عند ابنه عبيد الله بن زياد لما افتخرت عليه يوما وتطاولت فشكاها إلى أبيه فدخل عليهما بالدرة ليضربها ، وهو يقول : أشغرا وفخرا. أو

٩٩

مأخوذ من شغر البلد إذا خلا من القاضي والسلطان ، لخلوه من المهر ، وهو باطل بإجماع العلماء والأخبار.

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن غياث بن إبراهيم قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته ، ويتزوج هو ابنة المتزوج أو أخته ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا من هذا وهذا من هذا».

أقول : الظاهر أن هذا التفسير في الخبر من الامام عليه‌السلام لكلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأما الجلب والجنب ، محركين ـ فلهما معان.

منها : أن ينزل عامل الصدقات موضعا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقاتها ، والجنب أيضا أن ينزل العامل بأقصى مواضع الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر بين يديه.

ومنها : أن يجنب رب المال بماله ، أي يبعده عن موضعه ، حتى يحتاج العامل إلى الابعاد في طلبه.

ومنها : أي يجلب الرجل على فرسه في السباق حثا له على الجري ، يقال : أجلب عليه إذا صاح به واستحسنه.

ومنها : أي يجنب فرسا في السياق إلى فرسه الذي يسابق عليه ، فإذا عجز المركوب تحول إلى المجنوب ، والظاهر أن المراد في الخبر إنما هو بالنسبة إلى عامل الصدقات في كل من اللفظين كما تقدم في كتاب الزكاة.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن ابن جمهور عن أبيه رفعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن نكاح الشغار وهي الممانحة وهو أن يقول الرجل

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٦١ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٥ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٩ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٦٠ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٩ ح ٣.

١٠٠