الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

الاختلاف في القدر بأن ادعت الزوجة قدرا زائدا على ما أقر به الزوج ، فلا إشكال ولا خلاف في أن القول قول الزوج بيمينه ، بمقتضى القاعدة الكلية المستفادة من النصوص المستفيضة ، وخصوص صحيحة أبي عبيدة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فادعت أن صداقها مائة دينار ، وذكر الرجل أنه أقل مما قالت ، وليس لها بينة على ذلك؟ قال : القول قول الزوج مع يمينه». إلا أنه ينبغي تقييد ذلك بما لو أطلق الدعوى ، أو ادعت هي التسمية هذا القدر في العقد ، وادعى هو تسمية الأقل ، والشيخ في المبسوط فرض المسألة في هذا القسم الأخير.

أما لو اتفقا على عدم التسمية فالواجب مهر المثل ، والاختلاف يقع حينئذ فيه ، فإن كان القدر الذي يعترف به الزوج أقل منه ، فدعواه في قوة إيفاء الزائد أو التخلص منه بالإبراء ونحوه ، ومثل هذا لا يقبل قوله فيه.

وكذا مع اتفاقهما على التسمية ، واعترف بأنهما أكثر ، ويدعي التخلص من الزائد بإبراء أو وفاء ونحوهما ، على أنه يمكن المناقشة أيضا فيما فرضه في المبسوط محلا للمسألة من الاختلاف في دعوى التسمية بأن يقال : إنه مع اختلافهما في قدر التسمية ، يكون كل منهما منكرا لما يدعيه الآخر ، ومقتضى ذلك وجوب التحالف ، والرجوع إلى مهر المثل ، إلا أنه يشكل بأن إطلاق الرواية الصحيحة شامل لهذه الصورة كما فهمه الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ على ما فيه مما عرفت من الحزازة ، ومن هنا قال في القواعد : وليس بعيدا من الصواب تقديم قول من يدعي مهر المثل ، فإن ادعى النقصان وادعت الزيادة تحالفا ، ورد إليه ، ولو كان الاختلاف في صفة المهر كالصحيح والمكسر ، والجيد والردي ، فالقول قول الزوج بيمينه ، لأصالة براءة ذمته مما تدعيه المرأة من الوصف الزائد ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٦ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٤ ح ٣٩ مع اختلاف وص ٣٧٦ ح ٨٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٨ ب ١٨ ح ١.

٥٨١

ولا فرق في ذلك بين الدخول وعدمه ، ولا بين ما لو كان ما تدعيه مهر المثل أم أقل.

وألحق به بعض الأصحاب الاختلاف في الحلول والتأجيل ، أو في تقدير الأجل ، بل جعلها من أفراد الاختلاف في الصفة ، واستشكله في المسالك بأن الأصل عدم التأجيل وعدم زيادة الأجل عما تدعيه ، فهي المنكرة وهو المدعي ، فتقديم قوله فيهما ممنوع ، قال : ولو قيل بالتحالف على تقدير الاختلاف في الصفة لأن كلا منهما منكر ما يدعيه الآخر خصوصا مع تصريح كل منهما بكون ما يدعيه هو الذي وقع عليه العقد كان وجها فيثبت مهر المثل ، إلا أن يزيد على ما تدعيه المرأة أو ينقص عما يدعيه الزوج ، انتهى.

وألحق جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس والعلامة في التحرير اختلافهما في جنسه بالاختلاف في قدره ، كما لو قالت : المهر مائة دينار فقال : بل مائة درهم ، واستدلوا عليه بأن الزوج منكر ، فيكون القول قوله.

قال في المسالك : والاشكال فيه أقوى ، ووجه التحالف فيه أولى ، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنه رأسا ، وجماعة من العامة أثبتوه في أكثر هذه المسائل حتى في الاختلاف في أصل المهر ، وما حققناه أظهر.

أقول : ما ذكره من اختيار القول بالتحالف في هذه المواضع يخالف ما قدمه في كتاب البيع في مسألة اختلاف المتبايعين ، فإنه قد جعل لذلك ضابطة ، وهو ادعاء كل منهما على صاحبه ما ينفيه الآخر ، بحيث لا يتفقان على أمر ، فلو اتفقا على أمر خرج ذلك عن مقتضى الضابطة المذكورة ، وفي هذا الموضع قد اتفقا على أمر ، وإنما الاختلاف في الزيادة التي يدعيها المدعي والزيادة في الوصف أو الزيادة في الجنس ، وقد تقدم منا تحقيق الكلام في ذلك في المسألة المذكورة في كتاب التجارة ، وتحقيق آخر أيضا في آخر أبواب الإجارة فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه. وكيف كان فالاحتياط فيما عدا المنصوص من هذه المواضع بالصلح ونحوه أولى.

٥٨٢

الثانية : لو أقر بالمهر وادعى تسليمه ، وأنكر المرأة ، فمقتضى القواعد الشرعية أن القول قولها بيمينها ، وبه صرح الأصحاب أيضا لثبوته في ذمته باعترافه وأصالة بقائه وعدم تسليمه حتى يثبت ذلك بوجه شرعي ، وأما ما ورد في رواية الحسن بن زياد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر ، وقال الزوج : قد أعطيتك ، فعليها البينة ، وعليه اليمين». فهي غير معمول عليها عند أصحابنا سيما مع ما في منتها من المخالفة للأصول ، فإن المهر إذا تعين في ذمة الزوج فهو المدعى للايفاء ، وهي المنكرة ، فتكون البينة عليه لا عليها ، وأما ما ورد في معنى هذه الرواية من الأخبار التي دلت على سقوط المهر كلا أو بعضا بالدخول فقد تقدم الكلام فيها وأنه لا عامل بها منها ، لمعارضتها بالأخبار الراجحة بعمل الأصحاب وموافقة الضوابط الشرعية ، تقدم ذلك في المسألة الاولى من سابق هذا البحث ، وعمل بمضمونها ابن الجنيد ، فقال بتقديم قول الرجل في البراءة من المهر بعد الدخول ، وقولها في ثبوتها قبله.

قال في المسالك بعد نقل ذلك عنه : والمذهب هو الأول ، وأنه لا فرق بين وقوع الدعوى قبل الدخول وبعده.

أقول : لا يبعد حمل الأخبار المشار إليها على التقية كما تقدمت الإشارة إليه.

الثالثة : لو اختلفا في المدفوع بعد أن كان قدر مهرها فقالت : دفعته هبة ، فقال : بل صداقا ، فظاهر جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع أن القول قوله لأنه أبصر بنيته ، وفصل شيخنا في المسالك في ذلك فقال : إن كان دعواها عليه أنه نوى بالدفع الهبة من غير أن يتلفظ بما يدل عليها فالقول قوله بغير يمين ، لأنه لو اعترف لها بما تدعيه لم يتحقق الهبة إلا بانضمام لفظ يدل عليها ، فلا يفتقر إلى اليمين ، وإن ادعت تلفظه بما يدل على الهبة فالقول قوله مع اليمين ، لأصالة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٠ ح ٢٦ وص ٣٧٦ ح ٨٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥ ح ٧.

٥٨٣

العدم ، ولأنه منكر.

أقول : وبهذا التفصيل صرح في القواعد فقال : ولو دفع مساوي المهر فادعت دفعه هبة ، قدم قوله مع اليمين إن ادعت تلفظه بالهبة ، وإلا قبل من غير يمين ، بأن تدعي أنه نوى بالدفع الهبة ، لأنه لو نواه لم يصر هبة.

الرابعة : إذا خلا بها فادعت المواقعة ، فلا يخلو إما أن تكون بكرا أو ثيبا ، وعلى الأول فلا إشكال ، لإمكان استعلام الحال بنظر الثقات من النساء إلى ذلك ، وهو مستثنى لموضع الحاجة ، كنظر الطبيب ونحوه ، وإنما الاشكال والخلاف في الثاني ، فقيل : القول قول الرجل عملا بالأصل ، لأن الأصل العدم حتى يثبت خلافه. وقيل : إن القول قولها عملا بالظاهر من حال الصحيح في خلوته بالحلال مع عدم الموانع وحصول الدواعي ، وتؤيده الأخبار المتقدمة بأن إرخاء الستر يوجب المهر ، وقد تقدم الكلام في هذه الأخبار ، وأن الظاهر عدم العمل عليها.

وبالجملة فمرجع الكلام هنا إلى تعارض الأصل والظاهر ، فمن عمل بظاهر تلك الأخبار فقد رجح البناء على الظاهر ، ويكون الحكم هنا عنده هو تقديم قول المرأة بيمينها ، وأما مع عدم العمل بها فالظاهر هو ترجيح الأصل ، وبه صرح في المسالك ، فقال : لكن الأقوى تقديم الأصل ، لأن وجود القدرة والدواعي وانتفاء الصارف مظنون لا معلوم ، ومعها لا بد لفعل القادر من ترجيح ، والأصل عدمه.

الخامسة : إذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع عقد نكاح بينهما في وقتين ، فادعى الزوج التكرار المحض إما على وجه الاحتياط في تصحيحه أو لقصد اشتهاره أولا كذلك وادعت المرأة أن كلا منهما عقد شرعي مستقل لا مجرد تكرار ، وإن لم تذكر سبب الفرقة من العقد الأول ، لأن الدعوى تدل عليه ، فظاهر كلام الأصحاب أن القول قولها ، وعلل بأن العقد حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع ، واستعماله في مجرد الإيجاب والقبول المجردين عن ذلك الأثر مجاز بحسب الصورة كتسمية الصورة المنقوشة على الجدار فرسا.

٥٨٤

بقي الكلام في أنه مع تقديم قولها فما الواجب من المهر في هذه الصورة؟ قال الشيخ في المبسوط : لو أقامت بينة لعقدين في وقتين فادعى الزوج التكرار وادعت صحة العقدين وتعدد النكاح قدم قولها باليمين ، والأولى أن يقول : أن يلزمه المهران معا ، وقال بعضهم يلزمه مهر ونصف لأنه يقول : طلقتها بعد الأول قبل الدخول فعلي نصف المهر ، ثم تزوجت بها ثانيا ، وهذا أقوى.

قال في المختلف وهو يدل على تردده في ذلك ، قال : وكان والدي ـ رحمه‌الله عليه ـ يقوي الثاني ، وشيخنا أبو القاسم جعفر بن سعيد ـ رحمه‌الله ـ يقوي الأول وهو الأقوى عندي لاعتراف الزوج بثبوت الأول في ذمته ، وقيام البينة عليه بالثاني ، وتعليل الشيخ ليس بجيد ، لأن دعواه الطلاق المتخلل بين العقدين ينافي دعوى التكرار ، ولو ادعى تخلل الطلاق كان القول قوله مع اليمين. انتهى.

أقول : وهنا قول ثالث ، لم يتعرض إليه في المختلف وهو وجوب مهر واحد وقد نقله في المسالك ثالثا للقولين المذكورين ، وعلل القول بوجوب المهرين بأن كل عقد له سبب تام في وجوب المهر والأصل استمراره ولأنه لا ينتصف إلا بالطلاق ، وسماع دعواه الطلاق الموجب للتنصيف ينافي دعواه التكرار كما عرفت من كلامه في المختلف ، وعلل القول الثاني بأن الفرقة متحققة ليصح فرض العقد الثاني ، والوطؤ غير معلوم مع أن الأصل عدمه فيجب النصف بالعقد الأول والمهر كملا بالعقد الثاني.

وعلل القول الثالث بأن من أسباب الفرقة ما لا يوجب مهرا ولا نصفها كردتها وإسلامها ، وفسخه بعيبها قبل الدخول ، وفسخها بعيب غير العنة قبله ، أيضا فإنه يجوز أن تكون الفرقة الموجبة لتعدد العقد من أحد هذه المذكورات ، فلا توجب شيئا بالكلية ، ويبقى المهر بالعقد الثاني ، على أنه يمكن أيضا كونه مهرا واحدا بالطلاق في الأول قبل الدخول ، وفي الثاني كذلك ، فإن كل واحد من الطلاقين موجب للنصف ، ومن المجموع يحصل مهر واحد.

وظاهر في المسالك اختيار القول الأول على تردد قال : والأقوى وجوب

٥٨٥

المهرين لأصالة بقائهما في ذمته حتى يحصل المزيل وهو غير معلوم ، ومجرد الفرقة أعم من كونها مسقطة وعدمه ، إلا أن يدعي عدم الإصابة والطلاق ، فيلزم مهر ونصف ، أو يدعي الطلاق في الثاني أيضا قبل الدخول فمهر واحد يجتمع منهما ، أو يدعي الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم المهر مع إمكانه ، فيجب المهر الثاني خاصة أو يدعي الطلاق قبل الدخول في الثاني فنصفه لا غير ، لكن يشكل قبول دعواه الفسخ بالعيب ، لأصالة عدمه ، ويظهر من الشهيد في شرح الإرشاد قبوله محتجا بأن تجويزه ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني ، وهذا بخلاف دعوى الطلاق ، فإنه بفعله ، ويرجع فيه إليه ، وأما الدخول فالأصل عدمه ، كما أن الأصل استصحاب المهر كملا إلا إن يدعي المزيل ، فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى ، وهذا كما يقال : إن المستودع بعد ثبوت الإيداع مطالب بها ، ومحبوس عليها ما دام ساكتا ، فإن ادعى تلفا أو ردا صدق بيمينه ، وانقطعت المطالبة ، انتهى.

هذا ملخص كلامهم في المقام ، قد أوردناه لتطلع على ما وقع لهم فيه من النقض والإبرام ، والمسألة لخلوها عن النص القاطع لمادة القيل والقال لا تخلو من الاشكال ، ولهذا كثر فيها الاحتمال وتعددت الأقوال.

المقصد الثالث في القسم والنشوز والشقاق :

فهنا مقالتان ، الاولى في القسم : وهو بفتح القاف مصدر قسم يقسم ، وبالكسر : الحظ والنصيب ، قال : في كتاب المصباح المنير (١) : قسمته قسما من باب ضرب فرزته أجزاء فانقسم ، والموضع مقسم مثل مسجد ، والفاعل قاسم ، وقسام مبالغة ، والاسم القسم بالكسر ، ثم أطلق على الحصة والنصيب ، فيقال هذا قسمي ، والجمع أقسام مثل حمل وأحمال.

__________________

(١) المصباح المنير ص ٦٩٠.

٥٨٦

وعرفه في المسالك بأنه حق واجب لمن يجب الإنفاق عليه من الزوجات.

وأورد عليه سبطه في شرح النافع بأنه ينتقض طردا بوطى‌ء الزوجة الواجب في أربعة أشهر ، فإن التعريف صادق عليه ، وعكسا بمن لا يجب عليه الإنفاق من الأزواج ، كالمعسر والصغير ، فإن القسم يجب عليه مع أن النفقة غير واجبة ، قال : ويمكن دفعها بتكلف ، والأمر في ذلك هين. انتهى ، والكلام هنا يقع في موارد : الأول لا خلاف ولا إشكال في أن لكل من الزوجين على الآخر حقوقا واجبة ومستحبة ، ومن الواجب على الزوج النفقة والكسوة والإسكان.

ومن الواجب عليها التمكين من الاستمتاع ، وإلى ما ذكرنا يشير قوله عزوجل «قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ» (١) وقوله عزوجل «وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (٢) وقال «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (٣) والمراد تشبيه أصل الحقوق بالحقوق لا في الكيفية والكمية لاختلافهما.

وأما الأخبار الواردة في هذا المقام الدالة على حقوق كل منهما على الآخر فهي مستفيضة متكاثرة ، وقد تقدم جملة منها في الفائدة السادسة عشر من فوائد المقدمة.

ومجمل حقوق الزوج عليها كما دلت عليه الأخبار المشار إليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه ، وعليها أن تطيب وتزين له بأطيب طيبها وأزين زينتها ، وأن لا تبيت ليلة وهو عليها ساخط وان كان ظالما لها.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد

__________________

(١) سورة الأحزاب ـ آية ٥٠.

(٢) سورة النساء : آية ١٩.

(٣) سورة البقرة ـ آية ٢٢٨.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥٠٧ ح ٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٧٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ١١٥ ب ٨١ ح ١.

٥٨٧

لزوجها». وفي خبر آخر (١) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «وأكثر من ذلك حقوقه عليها».

ومجمل حقوقها عليه أن يكسوها ويشبعها ، وإن جهلت غفر لها ، وفي خبر عنه (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله «فقلت : فليس لها عليه شي‌ء غير هذا؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ، قالت : لا والله لا تزوجت أبدا».

وفي خبر آخر (٣) «يسد جوعها ويستر عورتها ولا يقبح لها وجها ، وإذا فعل ذلك فقد والله أدى إليها حقوقها».

إذا تقرر ذلك فالواجب على كل منهما القيام بالحق الواجب عليه من غير أن يخرج صاحبه إلى طلبه له والاستعانة بالغير على ذلك.

الثاني : لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القسمة بين الزوجات لما فيه من العدل والمعروف وحسن المعاشرة المشار إليه بقوله عزوجل «وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (٤) والتأسي به صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) فإنه كان يقسم بين زوجاته ، حتى أنه كان في مرضه يطاف به بينهن ، وكان يقول : هذا قسمي فيما أملك ، وأنت أعلم بما لا أملك» يعني المودة والميل القلبي.

وروي (٦) «أن عليا عليه‌السلام كان له امرأتان ، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى».

وروي في كتاب عقاب الأعمال (٧) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله «أنه قال : ومن كانت له امرأتان

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٠٨ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ١١٢ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٥١١ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥١١ ح ٥ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢٦ ح ١.

(٤) سورة النساء ـ آية ١٩.

(٥) مجمع البيان ج ٣ ص ١٢١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٤ ح ٢.

(٦) مجمع البيان ج ٣ ص ١٢١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٥ ح ٣.

(٧) عقاب الأعمال ص ٣٣٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٤ ب ٤ ح ١.

٥٨٨

فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه وماله جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شقه حتى يدخل النار».

وينبغي أن يعلم أن وجوب العدل في القسم إنما هو باعتبار المساواة فيما تقدم ذكره من الأمور الواجبة عليه من النفقة والكسوة والإسكان والمبيت والإقامة عندها في يومها وليلتها لا بالنسبة إلى المودة التي هي أمر قلبي ، لقوله عزوجل «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» الآية (١) وإليه يشير الحديث النبوي المتقدم.

وروي في الكافي في الصحيح أو الحسن عن نوح بن شعيب ومحمد بن الحسن (٢) قال : «سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له : أليس الله حكيما؟ قال : بل هو أحكم الحاكمين ، قال : فأخبرني عن قول الله عزوجل «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» (٣) أليس هذا فرض؟ قال : بلى ، قال : فأخبرني عن قول الله عزوجل «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ، فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» أي حكيم يتكلم بهذا؟ فلم يكن عنده جواب ، فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة؟ قال : نعم جعلت فداك لأمر أهمني ، إن ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شي‌ء ، قال : وما هي؟ قال : ـ فأخبره بالقصة ـ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أما قوله عزوجل «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» يعني في النفقة ، وأما قوله «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» يعني في المودة ، قال : فلما قدم عليه هشام بهذا

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ١٢٩.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٦٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٦ ح ١.

(٣) سورة النساء ـ آية ٣.

٥٨٩

الجواب وأخبره قال : والله ما هذا من عندك» (١).

وبالجملة فإنه لا خلاف في وجوب القسمة ، إنما الخلاف في أنه هل تجب بنفس العقد والتمكين ، أم يتوقف على الشروع؟ قولان ، المشهور ـ على ما نقله في المختلف ـ الأول ، ومبنى هذا الخلاف على أن القسمة هل هي حق للزوج خاصة أو مشتركة بينه وبين الزوجة؟ وقال الشيخ في المبسوط : لا يجب عليه القسمة ابتداء ، لكن الذي يجب عليه النفقة والكسوة والمهر والسكنى ، فمتى تكفل بهذا لا يلزمه القسم ، لأنه حق له ، فإذا أسقطه لا يجبر عليه ، ويجوز له تركه ، وأن يبيت في المساجد وعنه أصدقائه ، فأما إذا أراد أن يبتدئ بواحدة منهن فيجب عليه القسمة ، لأنهن ليس واحدة منهن أولى بالتقديم من الأخرى ، انتهى.

واعترضه في المختلف بأنا نمنع أنه حقه المختص به بحيث يكون له تركه ، فإنه حق مشترك ، فللمرأة المطالبة بحقها منه ، والأخبار وردت مطلقة بالأمر بالقسمة ، فإن الباقر عليه‌السلام قسم للحرة الثلثين من ماله ونفسه ، وللأمة الثلث من ماله ونفسه ، وإلى القول بما ذهب إليه الشيخ في المبسوط ذهب المحقق في الشرائع والعلامة في التحرير ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، قال ـ رحمه‌الله ـ

__________________

(١) أقول : روى هذه القصة على بن إبراهيم في تفسيره عن أبى جعفر الأحول وأنه سأله رجل من الزنادقة فقال : أخبرني عن قول الله «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ـ الى قوله ـ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» وقال في آخر السورة «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ» فبين القولين فرق ، فقال أبو جعفر الأحول : فلم يكن عندي في ذلك جواب فقدمت المدينة فدخلت الى أبي عبد الله عليه‌السلام فسألته عن الآيتين ، فقال : أما قوله «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» فإنما عنى في النفقة ، وأما قوله «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ» فإنما عنى في المودة ، فإنه لا يقدر أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة. فرجع أبو جعفر الى الرجل فأخبره فقال : هذا شي‌ء حملته الإبل من الحجاز ، انتهى. (منه ـ رحمه‌الله ـ). تفسير القمي ج ١ ص ١٥٥ طبع النجف.

٥٩٠

بعد نقل ذلك عن هؤلاء المذكورين : وهو المعتمد تمسكا بمقتضى الأصل السالم عما يصلح للمعارضة ، فإن الأخبار الواردة في هذا الباب قليلة جدا وليس فيها ما يدل على وجوب القسم ابتداء بخصوصه أو إطلاقه كما يظهر للمتتبع ، وكذا الكلام في التأسي ، فإنه لم يثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قسم بين نسائه ابتداء على وجه الوجوب ليجب التأسي به في ذلك ، على أن المشهور بين الخاصة والعامة أن القسم لم يكن واجبا عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انتهى.

أقول : والحق أنه لا دليل في الأخبار على شي‌ء من القولين ، إلا أن ما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه مؤيد بالأصل كما ذكره السيد السند ، فلا يبعد ترجيحه لذلك ، وأدلة القول المشهور كلها مدخولة كما بسط عليه الكلام في المسالك.

الثالث : ينبغي أن يعلم أن مما يتفرع على الخلاف المتقدم كما صرح به الأصحاب أيضا أنه لو لم يكن له إلا زوجة واحدة فعلى المشهور من وجوب القسم ابتداء ، فإن لها ليلة من أربع ليال يبيت فيها عندها ، وثلاث له يضعها حيث يشاء ، لأن الله تعالى أباح له أن ينكح أربع نساء لا أزيد ، فللواحدة من الأربع ليلة ، فإذا انقضت الأربع وجب أن يبيت عندها ليلة ، ثم له ثلاث يضعها حيث يشاء وهكذا ، ومن كان له زوجتان فلكل واحدة ليلة من الأربع ، واثنتان من الدور له ، يضعها حيث يشاء ، ومن كان له ثلاث زوجات يبقى له من الدور ليلة يضعها حيث يشاء ، ومن كان له أربع فقد كل الدور لهن فليس له شي‌ء زائد ، ولم يكن له الإخلال بالمبيت عند صاحبة الليلة أبدا مع الاختيار ، وعدم الاذن ، وكل ما فرغ الدور استأنف الدور على الترتيب الذي فعل في الدور الأول وله أن يخص بعض الزوجات بالليلة التي له ، إلا أن الفضل المساواة بينهن.

وأما على القول الآخر من عدم الوجوب إلا إذا ابتدأه ، فلو لم يكن عنده إلا زوجة واحدة لم يجب القسم لها مطلقا ، بل له أن يبيت عندها متى شاء ، ويعتزلها متى شاء ، ومن كانت عنده زوجتان فإنه لا يجب عليه القسم لها ابتداء

٥٩١

بل له أن يبيت حيث يشاء ، فإن بات عند واحدة منهن ليلة وجب عليه أن يبيت عند الأخرى ، مراعاة للعدل بينهما ، وعملا بالأمر بالمعاشرة بالمعروف. ونحو ذلك من الأدلة الدالة على وجوب العدل كما تقدم ، فإذا ساوى بينهما في المبيت كما ذكرنا جاز له اعتزالهما وترك القسمة إلى أن يبيت عند واحدة منهما فيلزمه المبيت عند الأخرى لما تقدم ، وهكذا ، ومثله يأتي فيما لو كان عنده ثلاث أو أربع ، فإنه بعد كمال دوره عليهن والمساواة بينهن في ذلك الدور له الاعراض عنهن كما في الابتداء.

ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن الحسن ابن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون له المرأتان وإحداهما أحب إليه من الأخرى ، إله أن يفضلها بشي‌ء؟ قال : نعم له أن يأتيها ثلاث ليال ، والأخرى ليلة ، لأن له أن يتزوج أربع نسوة ، فليلتاه يجعلهما حيث يشاء ـ إلى أن قال : ـ وللرجل أن يفضل نساءه بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا».

وما رواه في الفقيه (٢) في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم قال : «سألته عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى؟ قال : له أن يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة ، فإن شاء أن يتزوج أربع نسوة كان لكل امرأة ليلة ، ولذلك كان له أن يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا».

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى ، أله أن يفضل إحداهما على الأخرى؟ قال : نعم يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤١٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٠ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨١ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٢٠ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٠ ح ١.

٥٩٢

وما رواه في كتاب قرب الاسناد (١) عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل له امرأتان هل له أن يفضل إحداهما على الأخرى؟ قال : له أربع ، فليجعل لواحدة ليلة ، وللأخرى ثلاث ليال ، قال : وسألته عن رجل له ثلاث نسوة ، هل له أن يفضل إحداهن؟ قال : له أربع ليال فليجعل لواحدة إن أحب ليلتين ، وللاخرتين لكل واحدة ليلة ، وفي الكسوة والنفقة مثل ذلك».

وغاية ما تدل عليه هذه الأخبار ونحوها هو أنه يجوز له التفضيل بما له من ليالي الدور بمن شاء من نسائه ما لم يكن أربعا.

وأما ما نحن فيه من الخلاف فلا دلالة ولا إشارة في هذه الأخبار إليه ، وقد عرفت أنه على المشهور يجب عليه استئناف الدور كلما فرغ وعلى القول الآخر لا يجب عليه بل له أن يبيت حيث شاء إلى أن يبيت عند واحدة منهن ، فيجب عليه المبيت عند الأخرى متحدة أو متعددة.

ومما يتفرع على القولين أنه لو كان عنده منكوحات لا يجب لهن قسمة ، فعلى الأول بعد تمام الدور لا يجوز له المبيت عند واحدة منهن إلا بإذن مستحقة تلك الليلة ، وعلى الثاني يجوز له المبيت عند كل من لا يستحق قسمته إلى أن يبيت عند واحدة من ذوي القسم فيجب عليه إتمام الدور ، وله بعد تمام الدور أن يعدل إلى من لا يستحق قسمة ، وذلك واضح ، والله العالم.

الرابع : لا خلاف ولا إشكال في أن أقل أفراد القسم لو تعددت الزوجة ليلة ليلة فإنه هو المستفاد من الأخبار ومن سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة الأبرار عليهم‌السلام وإنما الخلاف والاشكال في الزيادة.

فقيل : يجوز أن يجعلها أزيد من ليلة ، ونقل عن الشيخ في المبسوط وجمع من الأصحاب للأصل وحصول الغرض حيث تحصل التسوية بينهن في الزمان ، ولأن الحق له ، فتقديره إليه ، وحقهن إنما هو في العدل والتسوية وهو متحقق.

__________________

(١) قرب الاسناد ص ١٠٨ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٨ ب ٩ ح ١ و ٢.

٥٩٣

وقيل : لا يجوز الزيادة على ليلة ، وهو اختيار المحقق في الشرائع وغيره ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولما فيه من الإضرار والتضرير ، إذ قد يحصل لبعضهن القسم ، ويلحقه ما يقطعه عن القسم للباقيات ، ولا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من الضعف والقصور لو جوزنا بناء الأحكام الشرعية على مثلها ، وقد أوضحه شيخنا في المسالك.

وبالجملة فإنه بالنظر إلى تعليلاتهم في المقام ، فالأول هو الأقرب ، وقد اختلفوا أيضا في أنه على تقدير جواز الزيادة ، فهل لها قدر محدود؟ ففي المبسوط قدرها بثلاث ليال ، واعتبر في الزائد عنها رضاهن.

ونقل عن ظاهر ابن الجنيد جواز جعلها سبعا ، والظاهر ـ كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم سيما في كتب المعاملات ـ أن هذه التفريعات ونحوها الأصل فيها العامة ، والشيخ حذا حذوهم كما هي عادته في المبسوط ، ومن تأخر عن الشيخ أخذ ذلك عنه ، وهي بمعزل عن الأخبار ، والكلام فيها بمثل هذه التخرصات والتخريجات مشكل ، وطريق الاحتياط يقتضي الوقوف على القسمة ليلة ليلة ، من غير زيادة ولا نقصان ، فإنه هو المعلوم من سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرة أبنائه الطاهرين عليهم‌السلام وشيعتهم الماضين.

الخامس : إذا أراد القسمة سواء قلنا بوجوبها ابتداء أو بعد الاختيار ، فقد اختلف الأصحاب في كيفية البدأة ، فهل له أن يبدأ بمن شاء منهن ، ثم يختار ثانيا وثالثا إلى أن يتم الدور على العدد الذي عنده ، ولا يتوقف ذلك على القرعة؟ أو أنه يجب الرجوع إلى القرعة؟ قولان ، المشهور الأول ، وهو اختيار المحقق في الشرائع والشارح في المسالك ، وعلى الثاني فمن خرج اسمها بدأ بها ، فإن كانتا اثنتين اكتفى بالقرعة مرة واحدة ، لأن الثانية تعينت ثانيا ، وإن كن ثلاثا أقرع بين الباقين في الليلة الثانية ، وإن كن أربعا أقرع بين الثلاث ثانيا ثم بين الاثنين ثالثا تحرزا عن التفضيل والترجيح ، ولأنه ليس واحدة منهن أولى

٥٩٤

بالتقدم من الأخرى ، فالتقديم بالقرعة عدل ، ولأن تقديم واحدة بغير قرعة يقتضي الميل إليها فيدخل في الوعيد السابق من الخبر النبوي ، ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا ويصحب من أخرجتها القرعة ، ومن هذا الكلام علم أدلة القول الثاني.

وأما الأول فاستدل عليه في المسالك بالأصل ، ولأنه على القول بعدم وجوب الابتداء بالقسمة ، بسبيل من الاعراض عنهن جميعا ، ولما لم يبت عند بعضهن لا يلزم شي‌ء للباقيات ، فلا يحتاج إلى القرعة ابتداء ، قال : وهذا أقوى ، وهو الذي اختاره المصنف والأكثر.

أقول : والكلام في هذا الفرع كغيره مما تقدم مما لا نص فيه ولا دليل عليه ، ولهم فيه تفريعات ليس في التطويل بها مزيد فائدة بعد ما عرفت من عدم ثبوت الأصل.

السادس : قد صرح الأصحاب بأن الواجب في القسمة هو المضاجعة ليلا دون المجامعة ، والمراد بالمضاجعة النوم معها على فراش واحد قريبا منها عادة بحث لا يعد هاجرا وإن لم يتلاصقا ، قالوا : ويدل عليه التأسي ، وظاهر قوله تعالى «وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».

أقول : ويشير إليه أيضا قوله عزوجل «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً» الآية ، روى الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ في كتاب علل الشرائع (١) بإسناده إلى عبد الله بن زيد بن سلام «أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : أخبرني لم سمي الليل ليلا؟ قال : لأنه يلائل الرجال من النساء ، جعله الله عزوجل ألفه ولباسا ، وذلك قول الله عزوجل «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» (٢) فقال : صدقت يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحديث.

وأما المواقعة فلا تجب عند الأصحاب إلا في كل أربعة أشهر مرة وقد تقدم

__________________

(١) علل الشرائع ص ٤٧٠ ح ٣٣ ط النجف الأشرف.

(٢) سورة النبإ ـ آية ١٠ و ١١.

٥٩٥

أن مورد الخبر إنما هو المرأة الشابة لا مطلقا.

وأما النهار فالمشهور أنه لا قسمة فيه ، ووجوب القسمة مختص بالليل لقوله سبحانه «وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» أي لتحصيل المعاش ، وهو وقت التردد والانتشار في الحوائج.

وربما ظهر من كلام الشيخ في المبسوط وجوب الكون مع صاحبته الليلة نهارا ، فإنه قال : قد بينا أن القسم يكون ليلا ، وكل امرأة قسم لها ليلا فإن لها نهار تلك الليلة ، فإن أراد أن يبتدأ بالنهار جاز ، وإن أراد أن يبتدأ بالليل جاز ، لكن المستحب أن يبتدأ بالليل.

وقريب منه كلام العلامة في التحرير ، لكنه جعل النهار تابعا لليلة الماضية فقال : النهار تابع لليلة الماضية فلصاحبتها نهار تلك الليلة ، لكن له أن يدخل فيه إلى غيرها لحاجة كعبادة أو دفع نفقة أو زيارتها أو استعلام حالها ، أو لغير حاجة ، وليس له الإطالة ، والأقرب جواز الجماع ولو استوعب النهار قضاء لصاحبة الليلة ، انتهى.

ونقل عن ابن الجنيد أنه أضاف إلى الليلة القيلولة ، ولم نقف له على مستند بالخصوص.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما رواه المشايخ الثلاثة (١) عن إبراهيم الكرخي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل له أربع نسوة ، فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن ويمسهن ، فإذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها ، فهل عليه في هذا إثم؟ قال : إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ويظل عندها صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك».

وظاهر هذه الرواية تخصيص المقام عندها نهارا بصبيحة تلك الليلة ، وهي

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٤ ح ٣٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٢ ح ١١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٧٠ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٤ ب ٥ ح ١.

٥٩٦

عبارة عن أول النهار ، ويحتمل على بعد كون هذا التعبير كناية عن مجموع النهار أيضا.

وكيف كان فإنه يظهر ضعف قول من استدل بهذه الرواية لابن الجنيد ، والأصحاب ـ لضعف الرواية بالراوي المذكور ـ حملوها على الاستحباب ، فإنه لا قائل بها على ظاهرها ، وقد تقدمت الرواية عن علي عليه‌السلام (١) «إنه كان له امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى». ولعله محمول على الفضل والاستحباب ، ثم إن ما تقدم ذكره من تخصيص القسم بالليل ليس المراد به أنه يجب المقام عندها من أول الليل إلى آخره بل يجب الرجوع إلى ما جرت به العادة من كون ذلك بعد قضاء الحوائج كالصلاة في المسجد ومجالسة الضيف ونحو ذلك. نعم ليس له الدخول في تلك الليلة عند ضربتها إلا للضرورة فيما قطع به الأصحاب ، ومن الضرورة عيادتها إذا كانت مريضة ، وقيده في المبسوط بما إذا كان المرض ثقيلا ، وإلا لم يصح ، فإن مكث عندها وجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعد إقامة عرفا ، فيأثم خاصة ، قيل : هذا كله فيمن لا يكون كسبه ليلا كالحارس وشبهه ، وإلا فعماد القسمة في حقهم النهار ، وحكم الليل عندهم كنهار غيرهم ، والنهار كالليل عند غيرهم في جميع ما ذكر.

السابع : إذا اجتمع عنده حرة وأمة بالعقد فالمشهور أن للأمة ليلة وللحرة ليلتين ، وهو مبني على جواز الجمع بينهما ، كما تقدم تحقيقه في موضعه ، فكل موضع يجوز الجمع بينهما فإن للحرة الثلثين ، وللأمة الثلث على المشهور ، ونقل عن الشيخ المفيد (٢) ـ رحمة الله عليه ـ أن الأمة لا قسمة لها ، والأخبار ترده.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٣ ص ١٢١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٥ ح ٣.

(٢) أقول : صورة كلامه على ما نقله في المختلف أنه قال : «وهذا الحكم يعني القسمة في حرائر النساء ، فأما الإماء وملك اليمين منهن فله أن يقسم بينهن كيف شاء ، ويقيم عند

٥٩٧

ومنها ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المملوكة على الحرة؟ قال : لا ، فإذا كانت تحته امرأة مملوكة فتزوج عليها حرة قسم للحرة مثلي ما يقسم للمملوكة».

وعن محمد بن قيس (٢) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى في رجل نكح أمة ثم وجد طولا ـ يعني استغناء ـ ولم يشته أن يطلق الأمة نفسه فيها ، فقضى أن الحرة تنكح على الأمة ، ولا تنكح الأمة على الحرة إذا كانت الحرة أولهما عنده ، وإذا كانت الأمة عنده قبل نكاح الحرة على الأمة ، قسم للحرة الثلثين من ماله ونفسه ـ يعني نفقته ـ وللأمة الثلث من ماله ونفسه».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن الرجل يتزوج الأمة على الحرة؟ قال : لا يتزوج الأمة على الحرة ويتزوج الحرة على الأمة ، وللحرة ليلتان وللأمة ليلة».

وما رواه في الكافي (٤) والتهذيب (٥) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نكاح الأمة ، قال : يتزوج الحرة على الأمة ـ إلى أن قال : ـ وإن اجتمعت عندك حرة وأمة فللحرة يومان وللأمة يوم» الحديث.

وما رواه الصدوق في الفقيه (٦) مرسلا قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : تزوج

__________________

كل واحدة منهن ما شاء ، وليس للأخرى عليه اعتراض في ذلك بحال. قال في المختلف : وهذا يوهم أنه لاحق للأمة المزوجة في القسم ، فان قصد شيخنا المفيد عدم القسمة صارت المسألة خلافية والا فلا ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٢١ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٧ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٢١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٧ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٢١ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٧ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٥٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٢ ح ٢.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٨ ح ٤.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٠ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٣ ح ٧.

٥٩٨

الأمة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة ، وتزوج الحرة على الأمة ، فإن تزوجت الحرة على الأمة فللحرة ثلثان وللأمة الثلث ، وليلتان وليلة».

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير في حديث قال : «ولا بأس أن يتزوج الحرة على الأمة ، فإن تزوج الحرة على الأمة فللحرة يومان وللأمة يوم».

وفي رواية محمد بن الفضيل (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام فالقسم للحرة يومان وللأمة يوم». إلى غير ذلك من الأخبار الجارية في هذا المضمار.

قال في المسالك : والمشهور أن للأمة نصف حق الحرة ، ولما كانت القسمة لا تصح من دون ليلة كاملة جعل للحرة ليلتان ، وللأمة ليلة ، وليكن ذلك من ثمان جمعا بين حقهما وحق الزوج ، فيكون الذي له منها خمس ليال ولهما ثلاث ، هكذا ذكره جماعة من المتأخرين ، ولا يخلو من نظر لأن تنصيف الليلة في في القسمة يجوز لعوارض كما سيأتي ، فإن لم يجز ابتداء فلا مانع من كونه هنا كذلك ، ولما كان الأصل في دور القسمة أربع ليال فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل.

أقول : الظاهر أن منشأ هذا الكلام هو الإجمال الذي في بعض هذه الروايات كما في صحيحة محمد بن مسلم (٣) وهي التي أوردها في هذا المقام من قوله «قسم للحرة مثلي ما قسم للمملوكة» ونحوها موثقة محمد بن قيس (٤) المشتملة أيضا على الثلثين والثلث ، فإن ذلك يمكن بجعل نصف ليلة للأمة ، وليلة كاملة للحرة فيكون الدور من أربع ، ولا يتوقف صحة القسمة على جعل ليلة كاملة للأمة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٦٠ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٤ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٣ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٢١ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٧ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٢١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٨٧ ح ٢.

٥٩٩

وليلتين للحرة كما ذكروه ، ولما فيه من أنه يلزم الخروج عن الدور الأول بجعل ثمان ليال.

وفيه أنه لا يخفى أن جملة من أخبار المسألة قد خرجت مجملة كما حكيناه ، وجملة قد اشتملت على التفصيل ، وتعيين القسمة بكونها ليلتين وليلة ، ويومين ويوما ، فإذا حمل مجملها على مفصلها ومبهمها على مبينها ظهر أن القسمة إنما هي على ما ذكره الأصحاب لا ما ذكره هو ، وإيراده بأن الدور يلزم أن يكون من ثمان لا خير فيه ، بعد اقتضاء ما تضمنته الأخبار له ، وحينئذ فالعمدة فيما ذكره الأصحاب ـ من جعل القسمة ليلة وليلتين ـ إنما هو الأخبار ، والظاهر أنها لا تصح بدون ذلك ، وإلا لوقعت الإشارة إليه فيها ، ولعل الوجه في ذلك دون أن يكون بنصف ليلة وليلة كاملة كما ذكر أن في ذلك رفعا للاستئناس وتنقيصا للعيش مضافا إلى تعسر ضبط النصف غالبا ، فلا يصح أن يكون مناطا للأحكام الشرعية ، وبذلك يتضح لك ما في قوله «فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل» فإن العدول إنما وقع لاقتضاء الأخبار ـ الدالة على القسمة بالليلة والليلتين ـ ذلك ، واتفاقها على ذلك بعد حمل مجملها على مبينها لا بمجرد ما توهم.

قيل : ويجب تفريق ليلتي الحرة في الثمان الذي هو الدور ، بأن يكون واحدة في الأربع الاولى ، والثانية في الأربع الثانية ليقع لها من كل أربع واحدة إن لم ترض بغيره.

وفيه أن إطلاق الأخبار المذكورة يدفعه ، والله العالم.

هذا ولو اجتمع عنده حرة وزوجة كتابية ، فالمشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف أن للكتابية مثل ما للأمة في هذه الصورة ، فلها ليلة وللحرة المسلمة ليلتان.

٦٠٠