الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

لم تخرج معه ، فإن أخرجها إلى بلد الشرك يبطل شرطه ولزمته المائة ، وإن أخرجها إلى بلاد الإسلام لزم الشرط.

والمستند في هذا الحكم ما رواه الكليني (١) في الحسن عن علي بن رئاب عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده» فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون دينار ، أرأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال : فقال : إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ، ولها مائة دينار التي أصدقها إياها ، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها ، والمسلمون عند شروطهم ، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي إليها صداقها ، أو ترضى من ذلك بما رضيت وهو جائز له».

أقول : لا ريب أن هذه المسألة من فروع المسألة السابقة ، فكل من منع من صحة هذا الشرط ثمة كابن إدريس ومن تبعه منع من الصحة هنا ، وإن صح العقد.

ومن جوز الشرط وقال بصحته ثمة ، فبعض منهم قالوا بذلك هنا أيضا ، وبعض توقف وتنظر هنا.

ومن الأولين الشيخ في النهاية وجماعة منهم العلامة في أكثر كتبه ، والمحقق في النافع عملا بالخبر المذكور وعموم الأمر بالوفاء بالشروط.

ومن الآخرين المحقق في الشرائع فإنه حكم بالصحة في المسألة الاولى ، وتردد في هذه المسألة.

ثم إن قوله عليه‌السلام في الجواب «إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك» إلى آخره معناه أنه لما اشترط عليها أن يخرج إلى بلاده ، وهو أعم من أن يكون بلاد الإسلام أو بلاد الشرك أراد عليه‌السلام إيضاح الحكم بالنسبة إلى كل

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧٣ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩ ح ٢.

٥٤١

من الفردين ، فقال : إن كان بلاده التي شرط الخروج إليها بلاد الشرك فإنه لا شرط له عليها في ذلك ، بمعنى أن شرطه باطل ، والوجه فيه ظاهر ، لما في الإقامة في بلاد الشرك من الشرر بالمسلم في دينه ، فلا يجب عليها إطاعته ، وكان لها مجموع المائة الدينار التي أصدقها إياها ، وإن كان بلاده بلاد الإسلام فله ما اشترط عليها ، بمعنى أنه يجب عليها متابعته والوفاء بما شرطه عليها من الخروج إلى بلاده ، لدخوله في الحديث المشهور (١) «المسلمون عند شروطهم».

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنه قد طعن جملة من الأصحاب في متن هذه الرواية بمخالفتها لمقتضى الأصول في مواضع : (أحدها) مجهولية المهر وعدم تعينه ، حيث جعله مائة على تقدير ، وخمسين على تقدير.

و (ثانيها) إنه أوجب فيها مائة دينار على تقدير إرادة الخروج بها إلى بلاد الشرك ، وإنه لا شرط له عليها ، بمعنى أنه لا يجب عليها الخروج معها مع أنه خلاف الشرط الذي وقع العقد عليه ، لأن استحقاق المائة إنما وقع على تقدير الخروج معه إلى بلاده كائنة ما كانت ، فكيف تستحق المائة مع عدم الخروج؟

و (ثالثهما) الحكم بعدم جواز إخراجها إلى بلاده ـ وإن كانت دار الإسلام ـ إلا بعد أن يعطيها المهر الشامل لما لو كان ذلك قبل الدخول وبعده ، مع أنه بعد الدخول لا يجوز لها الامتناع عند أكثر الأصحاب ، كما تقدم على أنه لا يجب عليه إعطاء المهر مطلقا من دون أن تطلبه ، مع أنه قد حكم في الرواية بعدم جواز خروجه بها إلا بعد أن يؤدي صداقها ، ولو لم تطلبه ، وربما كان منشأ تردد المحقق كما قدمنا نقله عنه من هذه المخالفات التي اشتملت عليها الرواية ، وظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بناء على مذهبه في المسألة السابقة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ٨ و ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧٣ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩ ح ٢.

٥٤٢

من موافقة ابن إدريس في بطلان الشرط ، رد الرواية هنا بما اشتملت عليه من هذه المخالفات مضافا إلى ما اعتمد من المخالفات التي ذكرها في تلك المسألة.

قال في المسالك : والذي يوافق الأصل بطلان الشرط المذكور لما ذكرناه ، وبطلان المهر لكونه غير معين ، وصحة العقد لعدم ارتباطه به كما سلف في نظائره ، ولعدم القائل ببطلانه ، وإن كان محتملا ، وعلى هذا فيثبت لها مهر المثل لكونه مجهولا ابتداء ، ثم أورد على نفسه جملة من الإشكالات في المقام. إلى أن قال : ولو عملنا بالرواية لجودة سندها كان حسنا ، وسلمنا من هذا الاشكال ، ثم ذكر الاعتذار عن تلك المخالفات.

وقال سبطه السيد السند في شرح النافع : والحق أنه إن بلغت الرواية من حيث السند حدا يجب معه العمل بها ، وجب المصير إلى ما تضمنته من الأحكام ، إذ ليس فيها ما يخالف دليلا قطعيا وإلا وجب ردها والرجوع إلى مقتضى الأصول المقررة ، وهو بطلان المسمى إن قدح فيه مثل هذه الجهالة ، والرجوع إلى مهر المثل أو بطلان العقد من رأس ، لعدم الرضاء به دون الشرط ، انتهى.

أقول : وكلامه هنا كلام متردد ومتوقف ، ولعله من حيث إن الرواية ليست من قسم الصحيح باصطلاحهم ، وإنما هي من الحسن ، وكلامه فيه لا يخلو من اضطراب مع أن حسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لحديثه ، بل عده في الصحيح جملة من أرباب هذا الاصطلاح.

ثم إنه لا يخفى أنه قد تقدم في غير موضع من هذا الكتاب في كتب المعاملات مما لا يكاد يحصى كثرة من ورود الأحاديث على خلاف قواعدهم المقررة وضوابطهم المعتبرة واضطراب كلامهم في ذلك ، فما بين أن يعملوا بالأخبار في بعض تلك المواضع ، ويغمضون النظر عن تلك القواعد ، وما بين أن يردوا النصوص وقوفا على تلك القواعد ، وما بين أن يتكلفوا الجمع بين الجميع.

والحق هو الوقوف على ما وردت به الأخبار كما قدمنا في غير موضع على

٥٤٣

أن المخالفة الاولى مدفوعة بما تقدم في كتاب البيع (١) من الأخبار الدالة على صحة البيع مع الترديد في الثمن بين كونه نسبة بكذا وكذا ونقدا بكذا وكذا ، وقد ذكرنا ثمة صحة ذلك كما دلت عليه الأخبار وإن كان خلاف قواعدهم ، وقد صرحوا أيضا بالصحة فيما لو قال : إن خطته كذا فلك كذا ، وإن خطته كذا فلك كذا ، وهذا كله مما يؤيد الصحة هنا مع أنه قد تقدم النقل عنهم بالاكتفاء في المهر بالمشاهدة عن الكيل والوزن فيما يشترط فيه الكيل والوزن نظرا إلى أن مثل هذه الجهالة غير مؤثرة في بطلان المهر ، لأنه ليس على حد المعاوضات المشترطة فيها المعلومية من كل وجه ، وقد تقدم في المسألة الرابعة من البحث الأول من المقصد الثاني في المهور ما فيه مزيد تأييد لما ذكرناه وتأكيد لما سطرناه ، وبالجملة فالعمل على ما دل عليه الخبر في المقام ، وهكذا في غير هذا من الأحكام ، والله العالم.

المسألة الثامنة : المشهور بين الأصحاب بطلان النكاح بشرط الخيار ، وبه قطع الشيخ في المبسوط وغيره من المتأخرين ، وعللوه بأن النكاح ليس من عقود المعاوضات القابلة لخيار الشرط ، بل فيه شائبة العبادة ، فالشرط يخرجه عن وضعه ، وحينئذ فيبطل الشرط ، وأما بطلان العقد فلأن التراضي لم يقع على العقد إلا مقترنا بالشرط المذكور ، وإذا لم يتم الشرط لم يصح العقد مجردا لعدم القصد إليه كذلك ، وصحة العقود مترتبة على القصود ، فليس إلا الحكم ببطلانهما معا وصحتهما معا ، لكن لا سبيل إلى الثاني ، لمنافاته وضع النكاح كما عرفت ، فتعين الأول ، قال في المسالك : وهذا هو الأقوى.

أقول : مبني هذا الاستدلال على ثبوت هذه القاعدة التي تكررت في كلامهم ، وهي أن العقود بالقصود ، والقصد هنا إنما توجه للعقد المقرون بذلك الشرط ، وحينئذ فيبطل مع بطلان الشرط ، لعدم القصد المذكور ، وفيه ما نبهنا

__________________

(١) ج ١٩ ص ١٢٢.

٥٤٤

عليه في غير موضع مما تقدم من أن الأخبار الواردة في هذا المضمار تدفع هذه القاعدة ، وتبطل ما يترتب عليها من الفائدة لتكاثرها بصحة العقد مع بطلان الشرط في غير موضع من الأحكام.

وبذلك يظهر لك قوة ما ذهب إليه ابن إدريس في هذه المسألة من صحة العقد وبطلان الشرط ، ووجهه ما أشار إليه من وجود المقتضي لصحة العقد ، وهو اجتماع شرائط الصحة فيه ، لأنه الفرض ، وانتفاع المانع إذ ليس إلا اشتراط الخيار فيه وإذا كان العقد غير قابل للخيار لنفي شرطه ، وعمل بمقتضى العقد لأصالة الصحة ، وعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (١) كما لو اقترن بغيره من الشرائط الفاسدة ، فإن كل واحد من العقد والشرط أمر منفك عن الآخر ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر ، وبالغ في ذلك فقال : إنه لا دليل على البطلان من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، بل الإجماع على الصحة لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا ، وإنما هو تخريج المخالفين وفروعهم ، إختاره الشيخ على عادته في الكتاب. انتهى ، وهو جيد لما عرفت.

وأما اشتراط الخيار في الصداق فالظاهر أنه لا مانع من صحته وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة بكلا فرديها في المسألة السادسة من الفصل الأول في العقد.

المسألة التاسعة : المشهور بين الأصحاب أن المرأة تملك المهر بمجرد العقد ، وإن كان الملك كملا لا يستقر إلا بالدخول ، فلو طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه إن كان قد دفعه إليها ، وخالف في ذلك ابن الجنيد ، فقال : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد منه هو الوقاع ، أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك.

__________________

(١) سورة المائدة ـ آية ١.

٥٤٥

احتج من ذهب إلى الأول بقوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (١) حيث أضاف الصداق إليهن ، ولم يفرق بين قبل الدخول وبعده ، وأمر أيضا بإيتائهن ذلك ، فثبت أن الكل لهن ، وأن الصداق عوض البضع ، فإذا ملك الزوج البضع بالعقد وجب أن تملك المرأة عوضه لأن ذلك مقتضى المعاوضة ، وهذا الوجه من حيث الاعتبار جيد.

ويدل على ذلك أيضا موثقة عبيد بن زرارة المروية في الكافي (٢) ، وكذا موثقته المروية في التهذيب (٣) وقد تقدمنا في المسألة الثالثة ، وتقدم القول في تقريب الاستدلال بهما ، ويدل على ذلك أيضا الأخبار الآتية إن شاء الله في مسألة موت أحد الزوجين قبل الدخول الدالة على ان الزوجة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول تستحق المهر كملا.

ومنها صحيحة منصور بن حازم (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها ، قال : لها صداقها كاملا وترثه وتعتد أربعة أشهر وعشرا كعدة المتوفى عنها زوجها».

والتقريب فيها أنه لو كان الأمر كما يدعيه ابن الجنيد من أنها لا تملك بالعقد إلا النصف ، والنصف الآخر إنما تملكه بالدخول والتمكين لما حكم عليه‌السلام بأن الصداق بعد الموت لها كاملا ، إلا أنه قد تقدم في المسألة المشار إليها دلالة رواية أبي بصير على ما ذهب ابن الجنيد بالتقريب الذي ذكرناه ثمة ، ومن أجل ذلك بقي الإشكال في المسألة ، والعلامة في المختلف احتج لابن الجنيد بأنه لو ملكت بالعقد لاستقر ولم يزل عن ملكها إلا بسبب ناقل كبيع ونحوه.

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٨٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٤٦ ح ١٠٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٦ ح ٢٣.

٥٤٦

وما رواه يونس بن يعقوب (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».

وعن محمد بن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام قال : «سألته متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها».

قال : وهو يقتضي عدم الوجوب مع عدم الدخول ، ثم رده بما ملخصه : منع الملازمة في الأول ، فإن الوجوب أعم من الاستقرار ، ولأن المتبادر من الوجوب اللزوم ، والاستقرار وانتفاؤه قبل الدخول لا يقتضي انتفاء أصل الملك.

وبالجملة فإن محل الاشكال إنما هو باعتبار دلالة ظاهر رواية أبي بصير المذكورة على ما ادعاه ، وما أجيب به عنها قد عرفت ما فيه مما قدمناه في تلك المسألة ، ولا يحضرني الآن وجه تحمل عليه.

ثم إن مما يتفرع على الخلاف المذكور جواز التصرف لها في المهر قبل القبض وعدمه ، فمتى قلنا بملكها له بمجرد العقد فإنه يجوز لها التصرف فيه قبل القبض وبعده عملا بالخبر المشهور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «الناس مسلطون على أموالهم». وقضية التسلط جواز التصرف.

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه منع منه قبل القبض استنادا إلى ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) «أنه نهى عن بيع ما لم يقبض». وبأن تصرفها بعد القبض جائز بالإجماع ، ولا دليل على جوازه قبله ، وضعفه أظهر من أن يخفى.

أما (أولا) فلأن النهي في الخبر على إطلاقه ممنوع ، ومورده إنما هو النهي عن بيع ما اشتراه قبل قبضه لا مطلقا ، سلمنا ، لكن لا يلزم من النهي عن بيعه النهي عن مطلق التصرف الذي هو المدعى ، لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.

وأما (ثانيا) فإنه يمكن حمل النهي على الكراهة جمعا.

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٤ ح ٦٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٦ ح ٦ و ٧.

(٣) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ ح ٧.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٣١ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٢ ص ٣٨٢ ح ٦.

٥٤٧

وأما (ثالثا) فلأن نفي الدلالة على جواز التصرف فيه قبل القبض ممنوع ، وسند المنع قد عرفته ، والدليل لا ينحصر في الإجماع.

وأما (رابعا) فإنه قد اعترف قبل هذا الكلام ـ في الكتاب المذكور كما نقله عنه في المختلف ـ بأن المرأة تملك الصداق بالعقد ، وهو في ضمان الزوج إن تلف قبل القبض ، وهو ظاهر المناقضة لما ذكره ، وبالجملة فإن كلامه هنا عليل لا يلتفت إليه ولا يعول عليه.

المسألة العاشرة : قد عرفت أن الأشهر الأظهر هو وجوب المهر كملا بمجرد العقد ، إلا أنه لا يستقر إلا بالدخول ، وأنه لا خلاف نصا وفتوى في استقراره بالدخول. وعليه تدل الأخبار المستفيضة ، وقد تقدم شطر منها في المسألة الثانية من هذا البحث ، وأنه ينتصف بالطلاق قبل الدخول من غير خلاف ، كما دلت عليه الأخبار ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة.

بقي الكلام هنا في حكم المهر مع موت أحد الزوجين قبل الدخول ، وأنه هل ينتصف المهر بذلك أم لا؟

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من كلامهم ، ثم نقل الأخبار الواردة في المقام ، والكلام فيها بما يسر الله تعالى فهمه ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

فنقول : قال الشيخ في النهاية : ومتى مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها وجب على ورثته أن يعطوا المرأة المهر كاملا ، ويستحب لها أن تترك نصف المهر ، فإن لم تفعل كان لها المهر كله. وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر ، وتبعه ابن البراج في الكامل ، وقال في المهذب : لورثتها المطالبة بالمهر ، وقطب الدين الكيدري تابع الشيخ أيضا ، وقال ابن حمزة : يلزم المهر المعين بنفس العقد ، ويستقر بأحد ثلاثة أشياء بالدخول والموت وارتداد الزوج (١).

__________________

(١) أى ارتداده عن فطرة ، وبنحو هذه العبارة عبر الشهيد الثاني في الروضة ، فقال : ويستقر بأحد أمور أربعة : الدخول إجماعا ، وردة الزوج عن فطرة وموته في الأشهر. انتهى ، والظاهر أن الوجه في استقراره بالردة هو ثبوت المهر عليه بالعقد ، فيجب الحكم

٥٤٨

وقال ابن إدريس : متى مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر جميع المهر كاملا ، لأن الموت عند محصلي أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه ، وهو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء ، وهو الصحيح لأنا قد بينا بغير خلاف بيننا أن بالعقد تستحق المرأة جميع المهر المسمى ، ويسقط بالطلاق قبل الدخول نصفه ، والطلاق غير حاصل إذا مات ، فيقينا على ما كنا عليه من استحقاقه فمن ادعى سقوط شي‌ء منه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على ذلك من إجماع ، لأن أصحابنا مختلفون في ذلك ، ولا من كتاب الله تعالى ، ولا تواتر أخبار ولا دليل عقلي ، بل الكتاب قاض بما قلناه ، والعقل حاكم بما اخترناه ، ثم نسب كلام الشيخ في النهاية إلى أنها أخبار آحاد أوردها إيرادا لا اعتقادا ، فلا رجوع عن الأدلة القاهرة اللائحة ، والبراهين الواضحة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

قال في المختلف : وقول ابن إدريس قوي ، ثم قال في المختلف : تذنيب : لو مات الزوج قبل الدخول وجب لها المهر كملا كما نقلناه في صدر المسألة.

وقال الصدوق في المقنع : وفي حديث آخر إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصفه ، ولها الميراث وعليها العدة ، وهو الذي أعتمده وأفتي به ، والوجه الأول لما تقدم ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامه أنه لا مخالف في وجوب المهر كملا بموت الزوج إلا الصدوق في المقنع ، وقد اقتفاه في نقل هذا القول من تأخر عنه ، والذي وقفت عليه في كتاب المقنع لا يساعد ما تذكروه ، بل ظاهره إنما هو موافقة القول المشهور.

وهذه صورة عبارته في النسخة التي عندي : والمتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها ، إن كان فرض لها صداقا فلها صداقها الذي فرض لها ، ولها الميراث وعدتها أربعة أشهر وعشرا ، كعدة التي دخل بها. وإن لم يكن فرض لها مهرا

__________________

باستمراره الى أن يعمل وجود المسقط ، ولم يثبت أن الردة توجب السقوط.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٤٩

فلا مهر لها ، وعليا العدة ولها الميراث. وفي حديث آخر إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصفه ولها الميراث وعليها العدة.

هذه صورة ما في الكتاب والظاهر منه هو الفتوى بما ذكره أولا من وجوب المهر كملا ، والقول بالنصف إنما نسبه إلى الرواية مؤذنا بضعفه أو التوقف فيه ، كما هو الجاري في عبائر غيره ، فقوله «وهو الذي أعتمده وأفتى به» يعني القول بالتنصيف لا أعرف له وجها ، وهذه عبارته كما عرفت ، ولا يحضرني الآن نسخة اخرى من الكتاب المذكور ، فليتأمل في ذلك.

هذا وأما روايات المسألة فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها العدة كاملة».

وما رواه في التهذيب (٢) عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها ، قال : إن هلكت أو هلك أو طلقها ولم يدخل بها فلها النصف وعليها العدة كملا ولها الميراث».

وما رواه في الكافي (٣) عن عبد الرحمن بن حجاج في الصحيح عن رجل عن علي بن الحسين عليه‌السلام «أنه قال في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها : أن لها نصف الصداق ولها الميراث وعليها العدة».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٤) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ٩٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧١ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ٩٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٢ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ٣ وج ٧ ص ١٣٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٢ ح ٥.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٤ ح ١٠٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٢ ح ٦.

٥٥٠

عبد الله عليه‌السلام قال : «إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض ولها الميراث وعليها العدة».

وعن زرارة (١) في الصحيح قال : «سألته عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها؟ فقال أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها ، وإن لم يكن فرض لها ، فلا مهر لها».

وما رواه في الكافي (٢) عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في امرأة توفيت قبل أن يدخل بها ، ما لها من المهر؟ وكيف ميراثها؟ فقال : إذا كان قد فرض لها صداقا فلها نصف المهر ، وهو يرثها ، وإن لم يكن فرض لها صداقا فلا صداق لها. وقال في رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته ، قال : إن كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر ، وهي ترثه ، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر لها».

ورواه في التهذيب (٣) في الصحيح مثله إلى قوله «فلا صداق لها».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٤) عن عبيد بن زرارة وأبي العباس «قالا : قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ فقال : لها نصف الصداق وترثه من كل شي‌ء ، وإن ماتت فهو كذلك».

وعن عبيد بن زرارة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها ، قال : هي بمنزلة المطلقة التي لم يدخل بها ، إن كان سمى لها مهرا فلها نصفه» الحديث.

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٩ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٦ ح ١٠٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٣ ح ٧.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١١٨ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٣ ح ٨.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٤٧ ح ١٠٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٣ ح ٨.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٩ ح ٧ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٧ ح ١١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٣ ح ٩.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١١٩ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٤ ح ١١.

٥٥١

وعن الصيقل وأبي العباس (١) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة يموت عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، قال : لها نصف المهر». الحديث.

وما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة هلك زوجها ولم يدخل بها ، قال : لها الميراث وعليها العدة كاملة ، وإن سمى لها مهرا فلها نصفه ، وإن لم يكن سمى لها مهرا ، فلا شي‌ء لها».

وما رواه في الفقيه (٣) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة ثم يموت قبل أن يدخل بها ، فقال : لها الميراث ـ إلى أن قال : ـ وإن كان سمى لها مهرا يعني صداقا فلها نصفه» الحديث.

وما رواه في التهذيب (٤) عن الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا فمات قبل أن يدخل بها ، قال : هي بمنزلة المطلقة».

هذا ما وقفت عليه من أخبار التنصيف في موت الزوج.

وأما الأخبار الدالة على الجميع فمنها :

ما رواه في التهذيب (٥) عن سليمان بن خالد قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها ، فقال : إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها وعليها العدة ولها الميراث وعدتها أربعة أشهر وعشرا ، وإن لم يكن قد فرض لها مهرا فليس لها مهر ، ولها

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١١٩ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٤ ح ١٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٢٠ ح ١١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٧ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٢ ح ٤.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ٢٢٩ ب ١٥٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٢٩ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٨ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٨ ح ٤.

(٥) التهذيب ج ٨ ص ١٤٥ ح ١٠١ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٥ ح ٢٠.

٥٥٢

الميراث وعليها العدة».

وعن الكناني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا توفي الرجل عن امرأته ولم يدخل بها فلها المهر كله إن كان سمى لها مهرا وسهمها من الميراث ، وإن لم يكن سمى لها مهرا لم يكن لها مهر وكان لها الميراث».

وعن الحلبي (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ولها الميراث» الحديث.

ورواه بسند آخر عن زرارة مثله (٣).

وعن منصور بن حازم (٤) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها ، قال : لها صداقها كاملا وترثه» الحديث.

وعن منصور بن حازم (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة وسمى لها صداقا ، ثم مات عنها ولم يدخل بها ، قال : لها المهر كاملا ولها الميراث ، قلت : فإنهم رووا عنك أن لها نصف المهر ، قال : لا يحفظون عني إنما ذلك في المطلقة».

أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وهي كما ترى إنما اختلفت بالنسبة إلى موت الرجل وأكثرها قد دل على التنصيف.

وأما بالنسبة إلى موت المرأة فهي متفقة على التنصيف ، وليس في شي‌ء منها

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٤٥ ح ١٠٢ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٦ ح ٢١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٤٦ ح ١٠٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٦ ح ٢٢.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٤٦ ح ١٠٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٦ ح ٢٢.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٤٦ ح ١٠٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٦ ح ٢٣.

(٥) التهذيب ج ٨ ص ١٤٧ ح ١١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٧ ح ٢٤.

٥٥٣

دلالة على استحقاق ورثتها لجميع المهر ، وبذلك يظهر لك ضعف قول من ذهب إلى وجوب الجميع في هذه الصورة ، ولا أعرف لهم مستندة في وجوب ذلك إلا وجوب المهر بأصل العقد كما هو ظاهر كلام ابن إدريس فيستصحب الحكم المذكور.

وفيه أنهم قد خرجوا عن ذلك في الطلاق بورود الأخبار الدالة على التنصيف ، والأخبار هنا أيضا قد اتفقت على التنصيف بغير معارض ، فيجب الخروج بها عن حكم الاستصحاب المذكور.

ولهذا قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب : على أن الذي اختاره وأفتي هو أن أقول : إذا مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها كان لها المهر كله ، وإن ماتت هي كان لأوليائها نصف المهر ، وإنما فصلت هذا التفصيل ، لأن جميع الأخبار التي قدمناها في وجوب المهر فإنها تتضمن إذا مات الزوج ، وليس في شي‌ء منها أنها إذا ماتت هي كان لأوليائها المهر كاملا ، وأنا لا أتعدى الأخبار. وأما ما عارضها من التسوية بين موت كل واحد منهما في وجوب نصف المهر فمحمول على الاستحباب الذي قدمناه. وأما الأخبار التي تتضمن أنه إذا ماتت كان لأوليائها نصف المهر ، فمحمولة على ظاهرها ولست أحتاج إلى تأويلها ، وهذا المذهب أسلم لتأويل الأخبار انتهى كلامه.

أقول : أما ما ذكره بالنسبة إلى موت الزوجة فجيد لما عرفته. وأما بالنسبة إلى موت الزوج من أن الواجب هو الجميع فمحل إشكال ، وإن كان هو المشهور في كلامهم ، إلا أن ظاهر صاحبي الكافي والفقيه هو القول بالتنصيف حيث إنهما اقتصرا في نقل أخبار المسألة على أخبار التنصيف ، ولم ينقلا شيئا من أخبار وجوب الجميع ، وإلى هذا يميل كلام المحدثين الفاضل المحسن الكاشاني في الوافي ، والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل ، وإلى ذلك أيضا يميل كلام السيد السند في شرح النافع بعد الإشكال في المقام ، وهو الأقرب عندي.

أما (أولا) فلتكاثر الأخبار بالتنصيف كما عرفت منها ما نقلناه ، ومنها ما لم

٥٥٤

ننقله مما ورد في مواضع من الأحكام.

منها ما رواه في الفقيه (١) عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في أختين أهديتا إلى أخوين ـ ثم ساق الحديث إلى أن قال : ـ فإن ماتتا؟ قال : يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثانهما الزوجان ، قيل : فإن مات الزوجان؟ قال : ترثانهما ولهما نصف الصداق».

وعن عبد العزيز بن المهتدي عن عبيد بن زرارة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يزوج ابنه يتيمة في حجره ، وابنه مدرك واليتيمة غير مدركة ، قال : نكاحه جائز على ابنه ، فإن مات عزل ميراثها منها حتى تدرك ، فإذا أدركت حلفت بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالنكاح ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر» الحديث.

وفي صحيح أبي عبيدة الحذاء (٣) وقد تقدم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن الرجل أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر» الحديث.

وفي حديث زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في جارية لم تدرك لا يجامع مثلها أو رتقاء ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن مات الزوج عنهن قبل أن يطلق؟ قال : لها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٧ ح ١١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٤ ح ٤١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٧ ح ٥٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٦ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ٢٢٧ ح ٢ وفيه «عبد العزيز العبدي» ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٤ ح ١٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٠١ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨٨ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧١ ح ٢ وج ١٧ ص ٥٢٧ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٠٧ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٦٥ ح ٧٤ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٠ ح ١.

٥٥٥

الميراث ونصف الصداق وعليهن العدة».

وفي حديث عبد الله بن بكير (١) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل أرسل يخطب عليه امرأة وهو غائب فأنكحوا الغائب وفرضوا الصداق ، ثم جاء خبره أنه توفي بعد ما سبق الصداق لها ، قال : إن كان أملك بعد ما توفي فليس لها صداق ولا ميراث ، وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق وهي وارثة وعليها العدة».

ويؤيده مفهوم الروايات الكثيرة الدالة على أنه لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج ، وإذا أدخله وجب الجلد والغسل والمهر ، ونحو ذلك من العبارات.

وأنت خبير بأن أخبار المهر كملا ، وهي الأربع الروايات المتقدمة لا تبلغ قوة في معارضة هذه الأخبار المستفيضة في أحكام عديدة ومواضع متفرقة ، فالواجب هو جعل التأويل في جانبها لقلتها ورجحان ما عارضها بالكثرة والاستفاضة.

وأما (ثانيا) فإنه قد نقل جملة من أصحابنا أن جمهور العامة على القول في هذه المسألة بوجوب المهر كملا.

ويؤيده ما نقله بعض أصحابنا عن كتاب ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام حيث قال : ويتقرر المهر كله بالوطء ولو حراما وموت أحدهما ، لانتهاء العقد به ، وهو كاستيفاء المعقود عليه به قبله. انتهى ، قال : وضابطه في الكتاب نقل مذاهبهم الأربعة ، متفقة كانت أو مختلفة ، انتهى.

ويشير إلى ما ذكرناه من حمل أخبار المهر كملا على التقية ، قوله في رواية منصور بن حازم الثانية (٢) «قلت : فإنهم رووا عنك أن لها نصف المهر ، قال : لا يحفظون عني إنما ذلك في المطلقة.

ويوضحه ما رواه الثقة الجليل سعد بن عبد الله في بصائر الدرجات عن محمد

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٧ ح ٥٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٥ ح ١٦.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٤٧ ح ١١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٧ ح ٢٤.

٥٥٦

ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن منصور بن حازم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أما أحد أجد أحدثه وإني لأحدث الرجل بالحديث ، فيتحدث به فأوتى فأقول : إني لم أقله». فإن فيه إشعار بالشكاية من أصحابه في عدم كتمان ما يحدث عن غير أهله ، وأنه إذا سئل بعد ذلك أنكر ما قاله أولا تقية ، ولا يخفى أن الأمر هنا كذلك ، فإن قوله عليه‌السلام بالتنصيف قد استفاض كما عرفت من هذه الأخبار التي ذكرناها على وجه لا يقبل الإنكار ، فإنكاره عليه‌السلام لذلك ، وقوله «لا يحفظون عني» بعد إفتائه بوجوب الجميع إنما خرج مخرج التقية ، وهو بحمد الله سبحانه واضح لكل ذي فكر وروية ، وحمل رواية التنصيف على الاستحباب ـ كما زعمه الشيخ ، بمعنى أنه يستحب للمرأة أخذ النصف خاصة ـ أبعد بعيد لما عرفت من هذه الأخبار وتكاثرها في غير حكم من الأحكام مضافا إلى ما عرفته في غير موضع مما تقدم مما في الحمل على الاستحباب ، وإن اتخذوه قاعدة كلية في جميع الأبواب.

وبالجملة فالظاهر عندي بالنظر إلى ما ذكرته من الأخبار هو القول بالتنصيف وحمل الأخبار المعارضة على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية ، إلا أن لقائل أن يقول : إن مرجع ما اخترعوه إلى ترجيح أخبار التنصيف باعتبار مخالفتها للعامة ، وأخبار الجميع موافقة لهم عملا بالقاعدة المنصوصة من عرض الأخبار عند الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه ، وهو جيد إلا أنه يمكن أن يقال أيضا إن من القواعد عرضها ـ عند الاختلاف ـ على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه ، وطرح ما خالفه ، وأخبار الجميع موافقة له بقوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (٢) الشامل بإطلاقه لحال الحياة والموت ، وأخبار التنصيف مخالفة له ، فيجب طرحها بمقتضى هذه القاعدة.

ويمكن الجواب بأن الأمر وإن كان كذلك ، إلا أنه هنا لا يمكن العمل

__________________

(١) الوسائل ج ١٥ ص ٧٧ ح ٢٥ نقلا عن مختصر البصائر ص ١٠٢.

(٢) سورة النساء ـ آية ٤.

٥٥٧

بهذه القاعدة لما عرفت من تكاثر الأخبار الدالة على التنصيف ، وتعددها في موارد عديدة بحث لا يمكن طرحها ، ولو جاز ردها على ما هي عليه من الاستفاضة وصحة الأسانيد ورواية الثقات لها في الأصول المعتمدة ، لأشكل الحال أي إشكال ، وصار الداء عضالا وأي عضال ، والتأويلات التي ذكرها الشيخ بعيدة غاية البعد ، لا وجه للقول بها فلم يبق إلا طرحها بل الواجب تخصيص الآية بها كما جرى عليه الأصحاب في غير موضع من نظائر هذه المسألة ، حسبما قدمناه في غير موضع ، ويبقى حمل تلك الأخبار على التقية كما قلناه ، وهذه هو الأقرب ، والله العالم.

المسألة الحادية عشر : قد عرفت أن الأشهر الأظهر هو أن المرأة تملك المهر بمجرد العقد إلا أنه متى طلقها قبل الدخول عاد نصفه إلى الزوج ، وينبغي أن يعلم أن عود النصف إلى الزوج مقيد بأن لا تعفو عن النصف الباقي لها ، فيصير الجميع للزوج حينئذ أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، لقوله عزوجل «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» (١) إلا أن من له عقدة النكاح ليس له أن يعفو عن الجميع ، وأما هي فإن لها العفو عن الجميع كما تدل عليه الأخبار.

بقي الكلام في من بيده عقدة النكاح أنه من هو؟ هل هو الولي الجبري الذي هو الأب أو الجد له؟ أو هو مع من توليه أمرها في النكاح كان من كان؟ والأول مذهب أكثر الأصحاب ، ومنهم الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع ، والثاني قوله في النهاية ، وتلميذه القاضي.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من عباراتهم ثم عطف الكلام على نقل أخبار المسألة ، ثم الكلام في المقام بما وفق الله سبحانه لفهمه منها ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

فنقول : قال الشيخ في النهاية : الذي بيده عقدة النكاح الأب أو الأخ إذا

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢٧.

٥٥٨

جعلت الأخت أمرها إليه ، أو من وكلته في أمرها ، فأي هؤلاء كان جاز له أن يعفو عن بعض المهر ، وليس له أن يعفو عن جميعه.

وقال في كتاب الخلاف : الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الولي الذي هو الأب أو الجد ، إلا أن عندنا له أن يعفو عن بعضه ، وليس له أن يعفو عن جميعه.

وقال في كتاب التبيان : قوله تعالى «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ» معناه من يصح عفوها من الحرائر البالغات غير المولى عليها لفساد عقلها ، فيترك ما يجب لها من نصف الصداق. وقوله «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال مجاهد والحسن وعلقمة أنه الولي ، وهو المروي عن الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام غير أنه لا ولاية لأحد عندنا إلا الأب والجد على البكر غير البالغ ، فأما من عداهما فلا ولاية له إلا بتولية منها ، وروي عن علي عليه‌السلام وسعيد بن المسيب وشريح أنه الزوج ، وروي ذلك أيضا في أخبارنا ، غير أن الأول أظهر وهو المذهب ، ومن جعل العفو للزوج ـ قال : ـ له أن يعفو عن جميع النصف ، ومن جعله للولي قال أصحابنا : له أن يعفو عن بعضه ، وليس له أن يعفو عن جميعه ، وإن امتنعت المرأة من ذلك لم يكن لها ذلك إذا اقتضت المصلحة ، ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام واختار الجبائي أن يكون المراد به الزوج ، لأنه ليس للولي أن يهب مال المرأة.

وقال ابن البراج : الذي بيده عقدة النكاح من الأب وغيره ممن تجعل المرأة إليه ذلك ، وتوليه إياه يجوز له العفو عن بعض المهر ، ولا يجوز له العفو عن جميعه.

وقال ابن إدريس : الذي يقوى في نفس ويقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته النظر والاعتبار والأدلة القاهرة والآثار ، أنه الأب والجد من قبله مع حياته أو موته إذا عقدا على غير البالغ ، فلهما أن يعفوا عما تستحقه من نصف المهر بعد الطلاق إذا رأيا ذلك مصلحة لها ، ويكون المرأة وقت عفوهما غير بالغ ، فأما من عداهما أو هما مع بلوغها ورشدها فلا يجوز لهما العفو عن النصف ، وصارا

٥٥٩

كالأجانب ، لأنهما لا ولاية لهما في هذه الحال ، ولا يجوز لأحد التصرف في مالها بالهبة والعفو وغير ذلك إلا عن إذنها للمنع من التصرف في مال الغير عقلا وسمعا إلا بإذنه ، وليس في الآية متعلق سوى ما ذكرناه ، لأنه تعالى قال «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ» فدل هذا القول أنهن ممن لهن العفو وهن الحرائر البالغات الواليات على أنفسهن في العقد والعفو والبيع والشراء وغير ذلك ، ثم قال «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» معناه إن لم يكن بالغات ، ولا واليات على أنفسهن ، فعند هذه الحال لا يلي عليهن عندنا سوى الأب والجد بغير خلاف ، فلهما العفو بعد الطلاق عما تستحقه ، ولو لا إجماع أصحابنا ـ على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والجد على غير البالغ ـ لكان قول الجبائي قويا ، مع أنه قد ورد في بعض أخبارنا أنه الزوج.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق أن نقول : الزوجة إن كانت صغيرة كان ولي أمرها الأب والجد له ، ولهما العفو عن جميع النصف وبعضه مع المصلحة في ذلك ، وإن كانت بالغة رشيدة فالأمر لها. إلى آخره.

وأما الأخبار الواردة في المسألة فمنها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي في حديث قال : «وقال في قول الله عزوجل «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه ، والرجل يجوز أمره في مال المرأة ، فيبيع لها ويشتري لها فإذا عفى فقد جاز».

وما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن سماعة كما في الأول ، وعن الحلبي وأبي بصير وسماعة كما في الثاني ، والخبر في الموثق على الأول والصحيح على الثاني عن

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٢ ح ٩٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٢ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٧ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٢ ح ١.

٥٦٠