الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

الأجنبية على إطلاقه ممنوع كما تقدم قريبا ، بل الأدلة الكثيرة صريحة في الجواز فيعلمها ولو من وراء حجاب ـ أنها ترجع بنصف الأجرة؟ احتمالان ، والظاهر أن الحكم في الصنعة إذا طلقها بعد أن علمها إياها كذلك ، ومن وجوب الرجوع عليها بنصف اجرة مثلها كما ذكره عليه‌السلام في السورة ، لاشتراك الجميع في التعليم الذي هو الموجب للأجرة ، وحينئذ فيكون حكم هذه الصورة مستفاد من النص المذكور ، فلا حاجة إلى ما أطالوا به في تعليل ذلك مما تقدم نقله عنهم ، من قولهم : وأما في الثاني فلتعذر رجوعه بعين ما فرض إلى آخره.

الثالث : المشهور بين الأصحاب أنه لو أبرأته من الصداق قبل الدخول بها ثم طلقها قبل الدخول أنه يرجع عليها نصف المهر الذي وقع عليه العقد ، لأنه لا فرق بين تصرفها فيه يصرفه في مصالحها ولا بين تصرفها فيه بالإبراء منه أو بهبته له أو لغيره ، ومجملة أنها متى تصرفت فيه تصرفا ناقلا عن ملكها لازما لا يمكن الرجوع فيه ، فإنه يلزمها عوض النصف.

وحكى في القواعد وجها بعدم الرجوع ، وقبله الشيخ في المبسوط ، قال في المسالك : وهو قول لبعض العامة ، واحتجوا عليه بأنها لم تأخذ منه مالا ولا نقلت إليه الصداق ولا أتلفته عليه ، فلا تضمن.

ورد بأن ضعفه ظاهر ، فإن المهر كان مستحقا لها في ذمة الزوج ، فلما أبرأته منه انتقل عن ملكها إليه فتحقق النقل ، أو يقال : بأنها إسقاط المهر من ذمته بعد أن كان ثابتا فيها قد أتلفته ، إذ لا شبهة في أنه كان ملكها ثم خرج عنه فتغرم له البدل (١).

__________________

(١) قالوا : أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلاشتماله أن يستحق الإنسان في ذمة نفسه شيئا فلا يتحقق نقله اليه ، وأما الثالث فلانه لم يصدر منها الا إزالة استحقاقها في ذمته وهو ليس بإتلاف البتة ، ورد هذه الوجوه في المسالك بكلام يطول ذكره ليس في نقله مزيد فائدة بعد ما عرفت في الأصل ، ومن أحب الوقوف عليه فليرجع الى الكتاب المذكور. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٢١

أقول : والذي حضرني من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن محمد بن مسلم في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فأمهرها ألف درهم ودفعها إليها فوهبت له خمسمائة درهم وردتها عليه ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : ترد عليه الخمسمائة درهم الباقية لأنها إنما كانت لها خمسمائة درهم فوهبتها له ، وهبتها إياها له ولغيره سواء».

وما رواه في التهذيب والفقيه (٢) عن شهاب بن عبد ربه في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة على ألف درهم ، فبعث بها إليها فردتها عليه ووهبتها له ، وقالت : أنا فيك أرغب مني في هذه الألف هي لك ، فقبلها منها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا شي‌ء لها وترد عليه خمسمائة درهم».

وما رواه الشيخ (٣) في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تتمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل ، أيجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه ، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق».

وبذلك يظهر لك ضعف ما احتمله الشيخ والعلامة من عدم الرجوع بناء على تلك التخرصات الباردة والتخريجات الشاردة ، ومنشأ ذلك الغفلة عن ملاحظة الأخبار وعدم إعطاء التأمل حقه في تتبع الآثار الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام.

الرابع : لو أعطاها عوض المهر متاعا أو عبدا آبقا أو شيئا ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف المسمى دون العوض ، والوجه في رجوعه بنصف المسمى دون

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٧ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٨ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤ ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٧ ح ٨ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧٤ ح ٧٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ٩ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٤ ح ٧٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠ ح ٢.

٥٢٢

نصف العوض أن الذي يستحقه الزوج بالطلاق نصف المهر المفروض ، وعوضه غيره ، فلا يرجع به ، وينبغي أن يعلم أن المراد برجوعه بنصف المسمى هنا إنما هو رجوعه بمثله أو قيمته ، لأن المسمى بالمعاوضة ودفع العوض الذي هو أحد هذه المذكورات قد صار ملك الزوج ، فالنصف المحكوم بعوده إليه قد انتقال عن ملكها بالمعاوضة المذكورة ، فيرجع حينئذ إلى مثله أو قيمته ، كما لو انتقل منها إلى غيره ، ولا فرق في ذلك بين انتقاله بعوض يساوي قيمته أو ينقص أو يزيد ، ولا بين أنواع الأعواض لاشتراك الجميع في المقتضى وهو خروجه بذلك عن ملكها كما خرج بغير عوض كالهبة.

ويدل على أصل الحكم المذكور ما رواه الكليني (١) في الصحيح عن الفضيل ابن يسار قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا له آبقا وبردا حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد ، قلت : فإن طلقها قبل أن يدخل بها؟ قال : لا مهر لها وترد عليه خمسمائة ويكون العبد لها».

الخامس : الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في أنه إذا دبر مملوكا ذكرا كان أو أنثى جاز لمن دبره أن يجعله مهرا لزوجته ، لأنه بالتدبير لا يخرج عن ملكه ، بل له التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات من بيع وغيره ، وهو كالوصية بل هو في التحقيق وصية بالعتق ، وحينئذ فلو طلقها قبل الدخول صار المدبر مشتركا بينهما لرجوع نصفه إلى الزوج ، حيث إنه المهر وحكمه الرجوع بنصفه في الطلاق ، وهذا كله مما لا خلاف فيه. إنما الخلاف في أنه يجعله مهرا ، هل يبطل التدبير أو يبقى صحيحا؟ أكثر الأصحاب سيما المتأخرين على الأول ، وهو مذهب ابن إدريس ومن تأخر عنه ، وذهب الشيخ في النهاية وبعض أتباعه

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٠ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٦ ح ٤٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٥ ح ١.

٥٢٣

إلى الثاني.

قال في النهاية : إذا عقد لها على جارية مدبرة له ورضيت المرأة به ثم طلقها قبل الدخول بها كان لها يوم من خدمتها ، وله يوم ، فإذا مات المدبر صارت حرة ولم يكن لها عليها سبيل ، وإن ماتت المدبرة وكان لها مال كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة. ونحوه كلام ابن البراج في كتابيه المهذب والكامل.

وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصول المذهب أن العقد على هذه المدبرة صحيح ، وتخرج عن كونها مدبرة وتستحقها المرأة ، لأن التدبير وصية ، ولو أوصى ببعض أملاكه ثم أخرجه عن ملكه قبل موته بطلت وصيته ، والمدبرة هنا قد أخرجها بجعلها مهرا ـ إلى أن قال : ـ اللهم إلا أن يكون التدبير المذكور واجبا على وجه النذر لا رجوع للمدبر فيه ، فيصح ما قاله شيخنا ـ رحمه‌الله.

واعترضه العلامة في المختلف ببطلان جعلها مهرا حينئذ ، وقيد بقاء التدبير بما لو شرط إبقاء التدبير فإنه يكون لازما لعموم (١) «المؤمنون عند شروطهم». ولأنه كشرط العتق في البيع ونحوه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مستند الشيخ فيما ذهب إليه في النهاية هو ما رواه عن المعلى بن خنيس (٢) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبرة قد عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك وطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : أرى للمرأة نصف خدمة المدبرة ، ويكون للمرأة يوم في الخدمة ، ويكون لسيدها الذي كان دبرها يوم في الخدمة ، قيل له : فإن ماتت المدبرة قبل المرأة والسيد ، لمن يكون الميراث؟ قال : يكون نصف ما تركت

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٧١ ذيل ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٨٠ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٧ ح ٤٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤ ح ١.

٥٢٤

للمرأة والنصف الآخر لسيدها الذي دبرها» (١).

قال في المسالك : وهذه الرواية مع ضعف سندها لا تدل على انعتاقها بموت السيد كما ادعاه الشيخ ، وإنما تضمنت صحة جعلها مهرا وعود نصفها إلى المولى ، وكونها مشتركة بينه وبين المرأة ، وما تركته بينهما كذلك ، وهذا كله لا كلام فيه.

نعم يظهر منها رائحة البقاء على التدبير من قوله «وتقدمت على ذلك» وقوله «فإن ماتت المدبرة» وشبه ذلك ، ومثل هذا لا يكفي في إثبات الحكم بالمخالف للأصل. انتهى ، وهو جيد.

أقول الأقرب في هذه الرواية وإرجاعها إلى ما عليه الأصحاب هو ما ذكره في المختلف من الحمل على الشرط بمعنى أنه أمهرها المدبرة وشرط بقاء التدبير ، فإن الشرط سائغ كما في شرط العتق في البيع ، فيكون التدبير لازما لا يمكن الرجوع فيه لوجوب الوفاء بالشرط ، ويشير إليه قوله في الرواية وقد عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك بمعنى أنها عرفت الشرط عليها بذلك ورضيت به ، وعلى هذا يرتفع منافاة الخبر للقواعد الشرعية وينطبق على ما قاله الأصحاب ، ولا ريب أنه أقرب ما يمكن أن يقال.

المسألة الرابعة : المشهور في كلام الأصحاب أنه إذا اشترط في العقد ما يخالف المشروع مثل أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى بطل الشرط وصح العقد والمهر ، وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل ، فإن لم يسلمه كان العقد باطلا ، لزم العقد والمهر وبطل الشرط.

__________________

(١) أقول : في هذه الرواية ما يدل على ما اخترناه وقدمنا تحقيقه في كتاب البيع من أن العبد يملك وان كان في التصرف محجورا عليه الا بإذن سيده ، وما طعن به ابن إدريس في هذه الرواية من هذه الجهة مردود بأن ما ذكرناه من ملك العبد مستفاد من جملة من الاخبار كما تقدم في الكلام فيه ثمة. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٢٥

قال في المسالك : لا إشكال في فساد الشرط المخالف للمشروع لذلك ، وإنما الكلام في صحة العقد بدون الشرط من حيث إنهما لم يقصدا إلى العقد إلا مقيدا بالشرط المذكور ، وقد سبق غير مرة أن فساد الشرط يوجب فساد العقد عند المصنف والأكثر ، ولكن ظاهرهم هنا هو الاتفاق على صحة العقد ، لأنهم لم ينقلوا فيه خلافا ، انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في شرح النافع فيما ذكره من أن ظاهرهم الاتفاق على صحة العقد وأنهم لم ينقلوا خلافا ، فقال : وهو غير جيد ، فإن العلامة ـ رحمه‌الله عليه ـ حكى في المختلف عن الشيخ في المبسوط أنه قال : إن كان الشرط يعود بفساد العقد ـ مثل أن تشترط الزوجة عليه أن لا يطأها ـ فالنكاح باطل ، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد ، ثم قال في المختلف : والوجه عندي ما قاله الشيخ في المبسوط إلى آخره.

أقول : فيه أن الظاهر من كلام جده في المسالك ومثله المحقق في الشرائع أن مسألة اشتراط أن لا يطأها الزوج غير مسألة اشتراط أن لا يتزوج ولا يتسرى عليها ، وأن الثانية منهما مما لا خلاف في كون الشرط مخالفا للمشروع بخلاف الأولى ، فإن المحقق قد صرح بالمسألتين كل منهما في مقالة على حدة ، فذكر مسألة اشتراط أن لا يتسرى ولا يتزوج بنحو ما قدمنا ، ووصفه بأنه شرط يخالف المشروع ، وحكم فيها ببطلان الشرط وصحة العقد ، ثم ذكر بعدها بلا فصل مسألة اشتراط أن لا يطأها ، واختار لزوم الشرط وصحة العقد ، ومثله الشارح في المسالك فإنه اختار ذلك أيضا ، ونقل كلام الشيخ في المبسوط الذي اعترض به عليه في شرح هذه المقالة ، وهو ظاهر في تغاير المسألتين واختلاف الحكمين ، وأن الاتفاق الذي ادعاه إنما هو بالنسبة إلى الشروط المتفق على كونها مخالفة للمشروع ، وشرط عدم الوطي ـ عنده ، وعند من قال بجواز اشتراطه وهو مذهب الشيخ في النهاية وغيره كما سيأتي إن شاء الله ـ غير مخالف للمشروع ، وبذلك يظهر لك

٥٢٦

أن إيراده عليه غير متوجه كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى تمام الظهور من الكلام في ثاني هذه المسألة ، على أن جده قد نقل في شرح هذه المسألة ـ أعني مسألة أن لا تشترط ما يخالف المشروع كعدم التزويج والتسري ـ عن الشيخ في المبسوط أنه قال في هذه المسألة : ولا يفسد المهر عندنا. قال في المسالك : وهو ظاهر في الاتفاق عليه ، وصحة المهر إنما يكون مع صحة العقد.

أقول : وفيه كما ترى دلالة واضحة على ما قلناه من تغاير المسألتين ، وأن ظاهر كلام الشيخ في المبسوط في هذه المسألة الاتفاق على صحة العقد بالتقريب الذي أشار إليه جده ، وفي مسألة اشتراط أن لا يطأها ، ذكر ذلك الكلام الظاهر في بطلان العقد كما عرفت ، ويدل أيضا على اختلاف المسألتين اختلاف أخبارهما كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى (١).

والواجب هنا أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار في هذه المسألة ، ثم الكلام بما يتعلق بها من نقض أو إبرام.

فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب (٢) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق ، فقضى في ذلك بأن شرط الله قبل شرطكم ، فإن شاء وفي لها بالشرط ، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها».

وعن ابن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل قال لامرأته : إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق قال : ليس ذلك بشي‌ء ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له ولا عليه».

__________________

(١) فان أخبار اشتراط أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى قد اتفقت على بطلان الشرط مع صحة العقد ، وأخبار اشتراط أن لا يطأها قد اتفقت على صحة الشرط. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٠ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦ ب ٣٨ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٣ ح ٧١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧ ب ٣٩ ح ٣٩ ح ٢.

٥٢٧

وما رواه في الكافي (١) عن زرارة «أن ضريسا كان تحته بنت حمران بن أعين ، فجعل لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى أبدا في حياتها ولا بعد موتها على إن جعلت له هي أن لا تتزوج بعده وجعلا عليهما من الهدي والحج والبدن وكل ما لهما في المساكين إن لم يف كل واحد منهما لصاحبه ، ثم إنه أتى أبا عبد الله عليه‌السلام فذكر ذلك له ، فقال : إن لابنة حمران لحقا ، ولن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحق ، اذهب وتزوج وتسر ، فإن ذلك ليس بشي‌ء ، وليس شي‌ء عليك ولا عليها وليس ذلك الذي صنعتما بشي‌ء ، فجاء فتسرى وولد له بعد ذلك أولاد».

ورواه في الفقيه (٢) عن موسى بن بكر عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن ضريسا كان تحته أنبه حمران» الحديث. على تفاوت في ألفاظه وزيادة ونقصان.

إلا أنه قد ورد بإزاء هذه الأخبار ما يدل أيضا على لزوم الشرط المذكور.

وهو ما رواه في الكافي (٣) عن ابن بزرج قال : «قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام وأنا قائم : جعلني الله فداك إن شريكا لي كانت تحته امرأة فطلقها فبانت منه فأراد مراجعتها ، وقالت المرأة : لا والله لا أتزوجك أبدا حتى تجعل الله عليك لي إلا تطلقني ولا تزوج علي ، قال : وفعل؟ فقلت : نعم قد فعل ، جعلني الله فداك ، قال : بئس ما صنع وما كان يدريه ما وقع في قلبه في جوف الليل أو النهار ، ثم قال له : أما الآن فقل له : فليتم للمرأة شرطها فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «المسلمون عند شروطهم» الحديث.

وما رواه في التهذيب (٤) عن بزرج عن عبد صالح عليه‌السلام قال : قلت : إن رجلا

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٣ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧١ ح ٦٥ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٩ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٠ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٩ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠ ح ٤ مع اختلاف.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٧١ ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠ ح ٤.

٥٢٨

من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك ، فكيف يصنع؟ قال : بئس ما صنع وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ، قل له فليف للمرأة بشرطها ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «المؤمنون عند شروطهم».

قال في التهذيب بعد ذكر الرواية الثانية : ليس بين هذه الرواية والرواية الأولى تضاد ، لأن هذه الرواية محمولة على الاستحباب على أن هذه الرواية تضمنت أنه جعل الله عليه ذلك ، وهذا نذر وجب عليه الوفاء ، وما تقدم في الرواية الأولى جعلا على أنفسهما ولم يقل لله فلم يكن ذلك نذرا يجب الوفاء به.

وفي الاستبصار جوز حمله على التقية ، قال : لموافقته العامة.

أقول : وهذا هو الظاهر الذي يجب حمل الخبرين المذكورين عليه وإلا فالاستحباب قد عرفت ما فيه فيما تقدم ، وأما الحمل على النذر ، ففيه إشكال لأن الظاهر أنه يرجع إلى نذر المباح ، وفي انعقاده خلاف ، أظهره عدم الانعقاد كما تحقق في محله ، والأخبار دلت على أن النذر ليس بشي‌ء حتى يسمى لله شيئا صدقة أو صلاة أو نحو ذلك من الطاعات الراجحة ، ومجرد قوله لله مع كون المنذور إنما هو أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها لا يخرج عن المباح.

وبالجملة فالظاهر هو حمل الخبرين على التقية ، ويكون العمل على تلك الأخبار المؤيدة باتفاق الأصحاب على الحكم المذكور.

ثم إن من الأخبار الدالة على صحة العقد مع بطلان الشرط خلافا لما زعموه من أن مقتضى القواعد بطلان العقد ببطلان الشرط من حيث عدم القصد إلى العقد إلا مقيدا بالشرط ـ ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل مسمى فإن جاء بصداقها إلى أجل

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٠ ح ٦١ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦ ب ٣٨ ح ١.

٥٢٩

مسمى فهي امرأته ، وإن لم يأت بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل ـ وذلك شرطهم بينهم حين أنكحوا ـ فقضى للرجل أن بيده بضع امرأته وأحبط شرطهم».

ورواه الكليني (١) أيضا بسند فيه سهل.

وعن محمد بن قيس (٢) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى علي في رجل تزوج امرأة وأصدقها واشترطت في ذلك أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنة ، وولت الحق من ليس بأهله ، قال : فقضى علي عليه‌السلام أن على الرجل النفقة وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة».

وفي معناها أخبار عديدة تقدمت في كتاب البيع ، ومنها أخبار بريرة (٣).

ومما يدل على ما هو المشهور هنا ما رواه في الكافي والتهذيب (٤) عن هارون ابن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : ولى الأمر من ليس أهله وخالف السنة ، ولم يجز النكاح».

أقول : ويمكن حمل إطلاق الخبر الأول على هذا الخبر : فإنه صريح في بطلان النكاح ، والسابق لا ظهور له في ذلك ، وإن استدل به أصحابنا على صحة العقد مع بطلان الشرط ، إلا أنه عندي غير ظاهر في حكم العقد من صحة أو بطلان ، بل هو مطلق ، والذي قدمناه من التحقيق في هذا المقام هو أنه لما كانت الأخبار مختلفة في ذلك فالواجب الوقوف على ما دلت عليه من غير أن يكون

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦ ب ٣٨ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٣ ح ٧ وفيه «عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ» مع اختلاف ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٩ ح ٦٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٩ ح ٦١ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٠ ب ٢٩ ح ١ مع اختلاف يسير.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٤١ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦١ ح ٩.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٣٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٨ ص ٨٨ ح ٢٢٠ وفيه «مروان بن مسلم» ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣٦ ح ٥.

٥٣٠

هنا قاعدة يبنى عليها كما ذكروه ، وما لم يرد فيه خبر ينبغي التوقف في الحكم.

وكيف كان فالعمل في المسألة على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من صحة العقد وبطلان الشرط في صورة اشتراط أن لا يتزوج ولا يتسرى ، وكذا في صورة اشتراط تسليم المهر إلى أجل.

وقد صرح في المسالك بأن في المسألة وجها أو قولا بصحة العقد دون المهر ، ثم شرح ذلك بما هو مذكور ثمة (١) وهو اجتهاد في مقابلة النصوص ، ومن ثم أعرضنا عن ذكره وطوينا الكلام دون نشره ، فإن مقتضى النصوص المذكورة هو صحة العقد والمهر وبطلان الشرط خاصة ، والله العالم.

المسألة الخامسة : اختلف الأصحاب فيما لو شرطت أن لا يفتضها على أقوال : (أحدها) ما ذهب إليه الشيخ في النهاية من لزوم الشروط وصحة العقد في الدائم والمنقطع ، وبه قال جمع من الأصحاب منهم المحقق في الشرائع ، والشارح في المسالك.

__________________

(١) قال ـ قدس‌سره ـ في تعليل ما نقلناه عنه : لان الشرط كالعوض المضاف الى الصداق حيث يكون من المرأة ، أو كجزء من المعوض ، والصداق مبذول في مقابلة الجميع ، وبفساد الشرط يفوت بعض العوض والمعوض وقيمته مجهولة ، فلا يعلم قدر الصداق في الأول ولا نصيب الباقي في الثاني ، فيثبت مهر المثل وهو متجه لأنه في الأول قد رضى ببذله مع التزام ترك حق ، فمع انتفاء اللزوم يكون الرضا به أولى ، ولأنها في الثاني قد رضيت به مع ترك حق لها ، فبدونه أولى به ، انتهى.

وفيه ما عرفت من غير مقام من الكتاب من أن مقابلة النصوص بهذه التعليلات العقلية جرأة عليهم ـ صلوات الله عليهم ـ ، أرأيت أنهم ـ عليهم‌السلام ـ يطلقون الأحكام في النصوص ، ولا يعلمون ما ذكره هو وغيره من هذه التعليلات المذكورة ونحوها ، ولله در سبطه في شرح النافع حيث قال بعد نقل ملخص كلامه : وهذا الاحتمال لا يخلو من ضعف ، لأنه ان اعتبر حصول الرضا بالعقد بدون الشرط اتجه الحكم بفساد العقد ، وان عول على الرواية وجب المصير الى القول بالصحة في مواردها ، والله العالم (ـ منه قدس‌سره ـ).

٥٣١

قال في النهاية : لو شرطت عليه في حال العقد أن لا يفتضها لم يكن له افتضاضها فإن أذنت له بعد ذلك في الافتضاض جاز له ذلك.

وقال المحقق في الشرائع : وإذا شرط أن لا يفتضها لزم الشرط ، ولو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية ، وقيل : يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع وهو تحكم.

واستدلوا على ذلك بما تكرر من الحديث المستفيض (١) «المؤمنون عند شروطهم».

وما رواه الشيخ (٢) عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له منها إلا ما اشترط».

ورواه في الكافي (٣) عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

وعن إسحاق بن عمار (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس».

والرواية الأولى دالة على جواز اشتراط عدم الوطي مطلقا ، وإن لم يكن بطريق الافتضاض ، وهما بإطلاقهما شاملتان للعقد الدائم والمنقطع.

و (ثانيها) ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط من بطلان الشرط والعقد معا في الدائم وصحة الشرط في المنقطع ، وهو مذهب العلامة في المختلف وولده في الشرح

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٧١ ذيل ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٩ ذيل ح ٥٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٦٧ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٠ ح ٨٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩١ ب ٣٦ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٩ ذيل ح ٥٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥ ح ٢.

٥٣٢

واختاره المحقق الشيخ علي في شرح القواعد (١) والسيد السند في شرح النافع ، قال في المبسوط : إذا كان الشرط يعود بفساد العقد مثل أن تشترط الزوجة عليه أن لا يطأها فالنكاح باطل ، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد ، قال : وقد روى أصحابنا أن العقد صحيح والشرط صحيح ولا يكون له وطؤها ، فإن أذنت فيما بعد كان له ذلك ، قال : وعندي أن هذا يختص عقد المتعة دون عقد الدوام ، ومثله قال القطب الكيدري.

قال في المختلف بعد نقل الأقوال في المسألة : والوجه عندي ما قاله الشيخ في المبسوط من بطلان العقد والشرط معا ، أما الشرط فلأنه مناف لمقتضى العقد ، ومن أهم مقتضياته حصول التناسل ، وهو يستدعي الوطي ، وأما العقد فلعدم الرضاء به بدون الشرط.

واحتجوا على الجواز في المنقطع بأن المقصود الأصلي من التمتع التلذذ وكسر الشهوة دون التوالد والتناسل ، وذلك لا يستدعي الوطي ، وعليه نزلوا الروايتين المذكورتين.

قال في المسالك : وهذا لا يخلو من التحكم كما قاله المصنف ، لأن النص مطلق ، والمقاصد في النكاح مطلقا مختلفة ، وجاز أن يكون المطلوب من الدائم ما ادعوه في المنقطع وبالعكس ، ولا يعتبر في صحة العقد تتبع غايته ، ولا رعاية مقاصده الغائية ، بل يكفي قصد بعضها ، وهو متحقق في المتنازع فيهما ، انتهى ، وهو جيد.

و (ثالثهما) ما ذهب إليه ابن إدريس وجماعة من فساد الشرط في الدائم

__________________

(١) قال المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ وأما البطلان في الدوام فلانه مناف لمقتضاه لان المقصود الأصلي منه النسل ، ومن أهم مقتضياته حصول التناسل وهو يستدعي الوطي فيكون الشرط فاسدا ويفسد به العقد للمنافاة وعدم الرضا بالعقد الا به ، انتهى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٣٣

والمنقطع ، وصحة العقد ، قال في كتاب السرائر : إن شرط ما يخالف الكتاب والسنة كان العقد صحيحا ، والشرط باطلا ، وروى أنه إن شرطت عليه في حال العقد أن لا يفتضها لم يكن له افتضاضها ، فإن أذنت له بعد ذلك في الافتضاض جاز له ذلك ، فأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، لأنه رجع عنه في مبسوطه ، وقال : ينبغي أن يخص هذه الرواية بالنكاح المؤجل دون الدوام ، لأن المقصود من ذلك الافتضاض ، والذي يقتضيه المذهب الأول ، إذ الشرط باطل لأنه مخالف لموضوع الكتاب والسنة ، ولأن الأصل براءة الذمة من لزوم هذا الشرط ، والإجماع غير منعقد عليه ، بل ما يورد ذلك إلا في شواذ الأخبار ، انتهى.

أقول : أما ما ذهب إلى بطلان العقد استنادا إلى تلك القاعدة التي قرروها ، والضابطة التي اعتبروها فهو مردود بما قدمنا تحقيقه في غير موضع من أن أكثر الأخبار خرجت على خلاف هذه الضابطة وإن دل بعضها على اعتبارها ، فهي حينئذ لا تصلح لأن تكون ضابطة كلية ترد في مقابلتها الأخبار ، بل الواجب هو العمل على الأخبار في كل حكم وأفقت تلك الضابطة أو خالفتها ، ومع عدم وجود خبر فالتوقف في المسألة والرجوع إلى الاحتياط.

وأما من ذهب إلى فساد الشرط فهو أيضا مبني على ما ذكروه وادعوه من أن الغرض من النكاح الدائم والتوالد والتناسل الذي يتوقف على الجماع ، وأنه بذلك يكون هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة.

وفيه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني فإنه كلام موجه ، ويرجع ذلك إلى منع مخالفة الكتاب والسنة ، فإنه حيث دل الخبر على صحة اشتراطه فلا مخالفة فيه ، وأنه شرط سائغ كغيره من الشروط السائغة ، والغرض من النكاح غير منحصر في الجماع ولا طلب الولد فإن (١) كان هو أعظم غاياته.

بقي الكلام في الأخبار المذكورة ، ولا ريب أن ظاهرها العموم للنكاح الدائم

__________________

(١) الصحيح «وان» ولعله اشتباه وقع من النساخ.

٥٣٤

والمنقطع ، إلا أن احتمال الحمل على المنقطع قائم بقرينة ذكر خوف الفضيحة في الرواية الاولى.

و (رابعها) ما ذهب إليه ابن حمزة وهو كقول ابن إدريس في الدائم مع الحكم بصحتها في المنقطع ، قال ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : الشرط الذي لا يقتضيه العقد ويخالف الكتاب والسنة يبطل الشرط ، دون العقد ، وهي تسعة ، اشتراطها عليه أن لا يتزوج عليها في حياتها وبعد وفاتها ولا يتسرى ولا يجامعها إلا في نكاح المتعة.

أقول : ووجهه يعلم مما تقدم ، وكيف كان فإن المسألة لما عرفت لا تخلو من شوب الاشكال ، وإن كان الأقرب هو القول الأول (١) وينبغي التنبيه على أمرين :

الأول : المذكور في كلام الأصحاب في هذا المقام هو اشتراط عدم الافتضاض ، والظاهر جريان الحكم في الوطي مطلقا كما تضمنه خبر سماعة ، وحينئذ فيجري فيه الكلام كما في الافتضاض ، وهل اشتراط عدم التقبيل ونحوه ومن مقدمات الوطي معه كذلك؟ قال في شرح القواعد : لم أقف فيه على شي‌ء ، وإلحاقه باشتراط عدم الوطي ليس ببعيد ، وينبغي أن يستوي في ذلك الدوام والمتعة ، انتهى.

وقال في المسالك : ولو اشترط ترك بعض مقدمات الوطي ففي إلحاقه باشتراط تركه وجهان : من مساواته له في المقتضي ، واختصاص الوطي بالنص ، وفي الأول قوة ، لضعف المخصص.

أقول : لا يخفى أن المقتضي لاشتراط عدم الوطي هو خوف الفضيحة كما تضمنه الخبر الأول ، وهذا لا يجري في مقدمات النكاح من تقبيل ونحوه ، ومورد النص هو الوطي خاصة والخروج عنه إلى تلك الأمور قياس لا يوافق أصول المذهب ،

__________________

(١) لاعتضادها بعموم الآية أعنى قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» والخبر المستفيض المتقدم الدال على وجوب الوفاء بالشرط والخبرين المذكورين ، وليس لذلك معارض الا ما يدعونه من منافاة الشرط المقصود بالنكاح ، وقد عرفت ما فيه ، ومن هنا استشكل العلامة في القواعد ، وقد عرفت ضعف المعارض. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٣٥

وهو قد عمل بمقتضى النص ، ووافق الشيخ في النهاية فيما أفتى به عملا بالنص المذكور ، وكيف يطعن فيه بالضعف هنا ، وهو قد عمل به في الأصل المسألة؟

الثاني : قد عرفت أنه على القول بصحة شرط عدم الافتضاض فإنه يلزم ولا يجوز له الاقتضاض ، فإذا أذنت بعد ذلك ففي جوازه قولان :

(أحدهما) الجواز ، وبه قطع الشيخ والمحقق فيما تقدم من عبارتيهما ، وعليه دل خبر إسحاق بن عمار ، وعلل أيضا بأن المنع حق لها فيزول بإذنها إذ الزوجية متحققة.

و (ثانيهما) العدم ، لأن الفروج لا تحل بالاذن بل بالعقد ، ولما لم يكن العقد مثمرا للحل لم يكن للاذن اعتبار.

وأجيب عنه بأن السبب في الحل هو العقد المتقدم ، لا مجرد الإذن ، غاية الأمر أن الشرط كان مانعا من عمل السبب عمله ، وبالاذن يرتفع المانع ، وظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد اختيار الثاني محتجا بما نقلناه ، وأن الرواية ضعيفة ، وفيه ما عرفت من الجواب عما احتج به ، والطعن بضعف الرواية غير مسموع عندنا.

وقال في شرح النافع ـ بعد ذكر دليل القول الثاني وجوابه ـ : والمسألة محل تردد ، وإن كان القول بالجواز لا يخلو من قرب ، والظاهر أن منشأ التردد عنده ضعف الرواية الدالة على الجواز.

وبالجملة فالعمل على ما دل عليه الخبر ، ولا يلتفت إلى هذه التعليلات في مقابلته.

المسألة السادسة : اختلف الأصحاب فيما إذا اشترط أن لا يخرجها من بلدها ، فقيل : يلزم الشرط ، وهو قول الشيخ في النهاية ، قال في الكتاب المذكور : ومتى شرط الرجل لامرأته في حال العقد أن لا يخرجها من بلدها لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها ، وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب منهم ابن حمزة وابن البراج

٥٣٦

والعلامة في المختلف والإرشاد والشهيد في اللمعة وشرح نكت الإرشاد ، وظاهر المحقق في الشرائع التوقف فيه ، حيث قال : قيل يلزم وهو المروي ، فإن نسبته إلى قيل ثم إلى الرواية مما يؤذن بتمريضه والتوقف فيه ، ونحو ذلك عبارة العلامة في القواعد أيضا.

ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج امرأة ويشترط لها أن لها يخرجها من بلدها ، قال : يفي له لذلك (أو قال :) يلزمه ذلك».

وما رواه في التهذيب (٢) عن علي الميثمي عن ابن عمير قال : «قلت لجميل ابن دراج : رجل تزوج امرأة وشرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم ، فقال : قد روى أصحابنا عنهم عليهم‌السلام أن ذلك لها ، وأنه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها».

ويدل عليه عموما أيضا ما رواه في التهذيب عن السكوني (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المؤمنين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما».

ويؤكده أيضا أن ذلك شرط مقصود للعقلاء ، والأغراض تتعلق باللبث في المنازل والاستيطان في البلدان التي حصل بها الأنس ، والنشوء بين الأهل ورعاية مصلحتها وذلك أمرهم ، فجاز اشتراطه لهذه الأغراض الصحيحة المترتبة عليه.

وذهب ابن إدريس إلى بطلان الشرط وصحة العقد ، وتبعه عليه جميع منهم المحقق الشيخ علي في شرح القواعد ، ونقل أيضا عن الشيخ في المبسوط والخلاف

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٢ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧٢ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٣ ح ٧٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٩ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٧ ح ٨٠ لكن عن إسحاق بن عمار وفيه «المسلمين» بدل «المؤمنين» ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠ ح ٤.

٥٣٧

قالوا : لأن الاستمتاع بالزوجة في جميع الأزمنة والأمكنة حق للزوج بأصل الشرع فإذا شرط ما يخالفه بطل.

وأجابوا عن الرواية الأولى حيث إنها هي المتداولة في كلامهم بالحمل على الاستحباب ، وفيه أن الحمل على الاستحباب ـ الذي هو خلاف الظاهر ـ فرع وجود المعارض الأقوى ، والمعارض هنا ليس إلا هذا التعليل ، وضعفه ظاهر للمتأمل بعين الإنصاف.

فإن فيه (أولا) إن ما ادعى من كون الاستمتاع في جميع الأزمنة والأمكنة حقا للزوج إن أريد مع عدم الشرط فهو مسلم ولا يضرنا ، وإن أريد ولو مع الشرط فهو محل البحث وعين المتنازع فيه ، فالاستدلال به مصادرة محضة.

و (ثانيا) إنه لا تخفى أن الشروط إنما هي بمنزلة الاستثناء في الكلام الذي هو عبارة عن إخراج ما لو لا استثناء لدخل بمعنى أن مقتضى العقد هو الدخول ولكن بالاشتراط يجب خروجه ، ولو كان اشتراط ما يخالف الثابت بالعقد والشرع باطلا للزم بطلان جميع الشروط المخالفة لمقتضى العقد كاشتراط تأجيل المهر ، وإسقاط الخيار في البيع ، وانتفاع البائع بالمبيع مدة معينة ، وكذا المشتري بالثمن مدة معينة ، وهو معلوم البطلان ، والمستفاد من الأخبار أن البطلان في الشروط إنما هو باعتبار المخالفة للكتاب والسنة ، وهو المشار إليه بقولهم في تلك الأخبار ، ومنها الرواية التي قدمناها ما أحل حراما أو حرم حلالا ، وبذلك يظهر لك ضعف القول المذكور وأنه بمحل من القصور ، سيما بعد دلالة الأخبار الواضحة عليه كما عرفت عموما وخصوصا ، وينبغي التنبيه على أمور :

الأول : قد نقل جملة من الأصحاب منهم المحقق الشيخ على كما تقدم موافقة مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف لما ذهب إليه ابن إدريس من بطلان الشرط ، وصحة العقد في صورة اشتراط أن لا يخرجها من بلدها ، والموجود في عبارة الشيخ في الكتابين إنما هو اشتراط أن لا يسافر بها ، ولهذا اعترضهم في المسالك بأن

٥٣٨

عد الشيخ من جملة القائلين بالمنع في المسألة كابن إدريس وغيره ليس كذلك ، قال : لأن السفر أمر آخر غير الخروج من البلد كما لا يخفى والخروج من البلد قد يصدق من غير السفر ، انتهى.

أقول : الظاهر أن ما استدركه ـ رحمه‌الله ـ على الأصحاب ليس في محله لعدم خطور هذه التدقيقات ـ التي جرى عليها هو وغيره من المتأخرين ـ ببال الشيخ ، وذكره عدم السفر إنما أراد به عدم الخروج تجوزا على الغالب من أن الخروج عن البلد لأجل الاستيطان إنما يكون بالسفر.

الثاني : قد صرح في المسالك وغيره في غيره بأنه على قدير القول بصحة الشرط هنا ، فهل يتعدى الحكم إلى شرط أن لا يخرجها من منزلها ومن محلها أم لا؟ وجهان ، من مشاركته النصوص في الحكمة الباعثة على الحكم وعموم الأدلة الأخرى ، ومن عدم النص وبطلان القياس. وقطع الشهيد في اللمعة بالأول ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، وقواه جده في المسالك.

وبالثاني صرح المحقق الشيخ علي في شرح القواعد معللا له بأن اشتراط ذلك على خلاف الأصل لما قلناه من أن سلطنة إسكان الزوجة بيد الزوج ، فيقتصر فيه على مورد النص ، قال : والأصح عدم التعدي.

أقول : لا يخفى أن كلام كل من هذين القائلين وما اعتمد عليه في البين مبني على أنه ليس في المسألة إلا صحيحة أبي العباس المذكورة التي موردها الإخراج من البلد ، فإنها هي المتداولة في كلامهم ، والجارية في هذا المقام على رؤوس أقلامهم ، وأما على ما نقلناه من الخبرين الأخيرين فإنه لا إشكال في صحة التعدي إلى ما ذكروه من هذه المواضع.

فإن (الأولى) منهما دلت على أنه لو شرط لها المقام في أهلها أو بلد معلوم وجب عليه الوفاء به ، والأول منهما هو ما ذكروه من أنه شرط لها أن لا يخرجها من منزلها.

و (الثانية) منهما قد دلت على أن من شرط لامرأته شرطا فليف به ،

٥٣٩

وعلله بالخبر المستفيض ، ولا ريب أن المفروض هنا من قبيل ذلك ، وحينئذ فالواجب هو الاستدلال بما ذكرناه من الأخبار ، ولا يحتاج إلى ما بنوه عليه ، ووقعوا به بسببه في التردد من تلك الوجوه ، إلا أنهم لعدم الاطلاع على هذه الأخبار في عذر مما أوردناه عليهم ، ثم إنه مع قطع النظر عن هذين الخبرين والرجوع إلى ما ذكروه من التعليلات ، فالظاهر تعدي الحكم إلى هذه المذكورات عملا بعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالشروط إلا ما استثني ، وليس هذا منه ، وبه يندفع ما قيل من أنه قياس فإن العمل كما يجب بالأدلة الخاصة كذلك بالعمومات مع عدم التخصيص ، وما استند إليه المحقق الشيخ علي من أن سلطنة إسكان الزوجة بيد الزوج قد عرفت الجواب عنه آنفا.

الثالث : هل يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد؟ قيل : لا ، لأن الذي يعقل سقوطه بالإسقاط هو الحق الثابت واستحقاق السكنى يتجدد بتجدد الزمان ، فلا يسقط بالإسقاط كالنفقة ، ويحتمل السقوط كما في إسقاط الخيار ، وهبة مدة المتمتع بها ، وتوقف لذلك السيد السند في شرح النافع.

أقول : لا ريب أن الشرط المذكور هو أن لا يخرجها من البلد ، وإسقاطه هو الرضاء بالخروج ، ولا ريب في أنه مع الرضاء بالخروج مع طلب الزوج ذلك ، فإن الواجب شرعا هو الخروج لوجوب طاعته بمقتضى الأدلة ، ولا معارض لها هنا مع رضاها ، ولو تم ما ذكروه من عدم السقوط بإسقاطها الشرط المذكور لكان لها التخلف عن طاعته بغير عذر شرعي ، وهو باطل ، والظاهر أن ما ذكروه من عدم السقوط بالإسقاط إنما هو بالنسبة إلى الحق المالي الذي يتجدد بتجدد الزمان كنفقة الزوجة مثلا ، لا مطلق الحق ، والحق الذي لها هنا هو عدم الخروج ومتابعته فيه لا السكنى كما ذكروه ، فإذا أسقطت حقها ورضيت بالخروج سقط ووجب عليها الخروج مع طلب الزوج ذلك.

المسألة السابعة : لو شرط لها مائة دينار إن خرجت معه ، وخمسين إن

٥٤٠