الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

وعليه اليمين».

قال : ولو كان الأمر على ما ذهب إليه بعض أصحابنا من أنه إذا دخل بها هدم الصداق لم يكن لقوله عليه‌السلام «عليها البينة وعليه اليمين» معنى ، لأن الدخول قد أسقط الحق ، فلا وجه لإقامة البينة ولا اليمين.

وتارة على ما إذا لم يسم لها مهرا ، وقد ساق إليها شيئا كما نبه عليه خبر الفضيل (١).

وقد اعترضه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالنسبة إلى الوجه الأول بعد أن نقل عنه الجمع بين الأخبار به فقال : وفي هذا الحمل نظر ، لأن الخصم يستند إلى تلك الأخبار ، وهي صريحة في إسقاط الدخول ، ولا يضره هذا الخبر لأنها أصح منه سندا مع أن في الخبر مع تسليم سنده إشكالا من حيث إن المهر إذا تعين في ذمة الزوج ، فهو المدعي للايفاء ، وهي المنكرة ، فيكون البينة عليه لا عليها ، نعم لو كان النزاع في التسمية وعدمها مع عدم الدخول أمكن توجيه ذلك ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، انتهى.

وأما التأويل الثاني فاعترضه فيه المحدث الكاشاني بأنه ليس في خبر الفضيل ما يدل على عدم التسمية ، بل فيه ما يشير إلى التسمية ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن الخبر غير صريح ولا ظاهر في شي‌ء من الأمرين ، ومع تسليم ظهوره فيما ذكره فهو لا ينافي ارتكاب التأويل فيه بما ذكره الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ إذ التأويل إنما هو على خلاف الظاهر.

ثم إن المحدث المذكور قال : ويخطر بالبال أن يحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها ـ أعني يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منه ـ فإنهم كانوا يومئذ يجعلون بعض الصداق عاجلا وبعضه آجلا ، كما مر التنبيه عليه في

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧ ب ٨ ح ١٣.

٥٠١

بعض ألفاظ خطب النكاح ، وكان معنى العاجل ما كان دخوله بها مشروطا على إعطائه إياها ، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأن المرأة أسقطت عنه حقها العاجل ورضيت بتركه ، ولا سيما إذا كانت قد أخذت بعضه أو شيئا آخر كما دل عليه حديث الفضيل (١) ، وأما الآجل فلما جعلته حين العقد دينا عليه فلا يسقط إلا بالأداء ، وعليه تحمل أخبار أول الباب. انتهى ، وأشار بأخبار أول الباب إلى أخبار القول المشهور.

أقول : ما ذكره من الحمل وإن كان وجيها في حد ذاته ، وعليه يدل خبر غياث بن إبراهيم (٢) المتقدم ، إلا أن فيه أن خبر الفضيل ظاهر بل صريح في خلافه ، فإنه ظاهر كالصريح في أن المهر وهو خمسمائة درهم إنما هي عاجلة لا تأجيل فيها ، وأنها متى قبضت منها ولو درهما واحدا أو دخلت عليه سقط الباقي بمجرد دخوله بها ، وكذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٣) فإنه عليه‌السلام قد قرر فيها ضابطة كلية ، وهي أنه متى عقد على مهر ثم دخلت عليه فليس لها المطالبة ، وإما لها المطالبة قبل الدخول ، والذي يقرب في الفكر العليل أن يقال : إن هذه الأخبار قد خرجت على نوعين :

(أحدهما) إن الدخول يهدم العاجل مثل رواية محمد بن مسلم (٤) ورواية عبيد بن زرارة (٥) وهذه الأخبار ظاهرة في أن المهر آجل وعاجل ، والمعنى فيها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧ ح ١٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٨١ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٨٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥ ح ٨.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٠ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤ ح ٦.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤ ح ٤.

٥٠٢

ما ذكره في الوافي وبه تشهد رواية غياث المتقدمة ، والأقرب عندي حملها على التقية كما ذكره جملة من الأصحاب من تصريح جملة من العامة بذلك ، وأن العاجل عندهم يهدم بالدخول ، وإلا فمجرد رضاها بالدخول بعد استقرار المهر في ذمته وإن اشترط تقديمه على الدخول لا يوجب سقوطه بالدخول.

و (النوع الثاني) سقوط المهر مطلقا بالدخول وإن لم يكن ثمة حال ولا مؤجل ، وهذه محل الاشكال والداء العضال ، فإن بعضها وإن أمكن حمله على عدم التسمية كما احتمله الشيخ إلا أن خبر الفضيل صريح في التسمية ، وعليه يحمل إطلاق باقي الأخبار إلا أن قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (١) «إنه كثير لها أن تستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير». صريح في عدم الهدم ، وإلا لم يكن لتحليفه على ذلك وجه ، ثم إنه بالنظر إلى إطلاق تلك الأخبار وعدم التسمية فيها وقطع النظر عن رواية الفضيل ، وظاهر الأصحاب أن الحكم فيها كما حملت عليه هذه الأخبار من أنه متى لم يسم مهرا وأعطاها شيئا ودخل بها مع رضاها بذلك فإنها لا تستحق سواه ، وليس لها مطالبة بشي‌ء.

وقال شيخنا الشهيد الثاني : هذا القول هو المشهور بين الأصحاب خصوصا المتقدمين منهم ، ولاشتهاره وافقهم ابن إدريس عليه (٢) مستندا إلى الإجماع والموافق

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥ ح ٨.

(٢) قال ابن إدريس في كتابه : ومن سمى المهر حال العقد ودخل بها كان في ذمته ، وان لم يكن سمى مهرا وأعطاها شيئا قبل دخوله بها ثم دخل بها بعد ذلك لم تستحق عليه شيئا سوى ما أخذته منه قبل الدخول كان ذلك قليلا أو كثيرا على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه ، فان دليل هذه المسألة هو الإجماع المتقدم بغير خلاف ، وفيه الحجة لا وجه لذلك إلا الإجماع ، وان لم يعطها شيئا قبل الدخول بها ، ولم يسم مهرا حال العقد ثم دخل بها لزمه مهر المثل ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٥٠٣

للأصول أنها إن رضيت به مهرا لم يكن لها غيره ، وإلا فلها مع الدخول مهر المثل ويحسب ما وصل إليها منه إذا لم يكن على وجه التبرع ، انتهى.

أقول : ينبغي أن تحمل الأخبار المذكورة على الرضاء به عن المهر ليحسم مادة الاشكال.

وإنما يبقى الكلام في رواية المفضل ، ولعلها لقصورها سندا وعددا لا يعارض بها الأخبار المذكورة سيما مع ما اشتملت عليه مما ظاهر الأصحاب على خلافه من عدم جواز الزيادة على مهر السنة كما تقدم الكلام فيه ، فيجب إرجاعها إلى قائلها ، ولا يبعد حملها على التقية أيضا ، واحتمل العلامة في المختلف هنا وجها آخر ، وهو أن العادة كانت في الزمان السابق أن لا يدخل بالمرأة حتى يقدم المهر ، والأخبار المذكورة إنما خرجت بهذا التقريب ، قال : بقي هنا شي‌ء ، وهو أن تقول : قد كان في الزمن الأول لا يدخل الرجل حتى يقدم المهر ، والعادة الآن بخلاف ذلك ، فلعل منشأ الحكم العادة فنقول : إن كانت العادة في بعض الأزمان أو الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدم ، وإن كانت العادة كالعادة الآن كان القول قولها ، انتهى.

ومنه يظهر حمل الأخبار المذكورة على ما جرت به العادة يومئذ من التقديم قبل الدخول ، فيكون القول قول الزوج عملا بمقتضى العادة ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني ـ رحمه‌الله عليه ـ في المسالك التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل الخلاف في المسألة ونقل بعض الروايات المتعلقة بها ولم يرجح شيئا في البين ، وسبطه السيد السند قد اختار القول المشهور وأشار إلى بعض ما في أدلة خلافه من القصور ، والمعتمد هو القول المشهور ، والله العالم.

تنبيه

قد عرفت مما تقدم أن المشهور بين الأصحاب أنه لو لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا قبل الدخول كان ذلك مهرها ، وأن ابن إدريس قد ادعى عليه الإجماع ، ولم نقف له عليه دليل من الأخبار ، والشيخ قد حمل رواية الفضيل المتقدمة

٥٠٤

على ذلك ، فقال : يدل على صحة التأويل قوله عليه‌السلام في رواية الفضيل الذي أخذته قبل أن يدخل بها فهو الذي حل له به فرجها ، وليس بعد ذلك شي‌ء وأورد عليه أن سكوتها ورضاها بالدخول لا يدل على رضاها به مهرا ، بل هو أعم منه ، والعام لا يدل على الخاص ، على أنه قد تقدم في مفوضة البضع أن المستفاد من أخبارها أنها تستحق بالدخول مهر المثل ، وهذه من جملة أفرادها.

وأما ما نقل عن الشيخ المفيد من تعليل ذلك بأنها لو لم ترض به مهر لما مكنته من نفسها حتى تستوفي تمامه أو توافقه على ذلك وتجعله دينا عليه في ذمته.

فرده في المسالك بأن منعه ظاهر ، إذ لا يلزم من عدم رضاها عدم تمكينها لجواز اعتمادها في ذلك على ما يلزم شرعا بالدخول وهو مهر المثل.

أقول : ومن ثم إن المحقق في الشرائع قال هنا : قيل : إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثم دخل كان ذلك مهرها ، ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول إلا أن تشارطه قبل الدخول ، على أن المهر غيره ، وهو تعويل على تأويل رواية واستناد إلى قول المشهور. انتهى ، وهو جيد ، وقد قدمنا أن الأظهر حمل رواية الفضيل على الرضاء بما قدمه مهر لئلا يلزم مخالفتها للقواعد الشرعية ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف بين الأصحاب في أن الوطي الموجب للغسل موجب لاستقرار ملك جميع المهر المسمى في العقد ، وإنما الخلاف في أنه هل يقوم غيره من مقدمات الوطي ـ كالخلوة ونحوها مما يأتي ذكره ـ مقامه أم لا؟ الأشهر الأظهر الثاني ، وذهب جمع من المتقدمين إلى أن الخلوة توجب المهر ظاهرا حيث لا يثبت شرعا عدم الدخول ، وأما باطنا فلا يستقر المهر جميعه إلا بالدخول ، وأطلق الصدوق وجوبه بمجرد الخلوة ، وأضاف ابن الجنيد إلى الجماع إنزال الماء بغير إيلاج ولمس العورة والنظر إليها والقبلة متلذذا بذلك ، وإن لم يكن قد دخل ، ولا بأس بنقل جملة من عباراتهم فنقول :

قال الشيخ في النهاية : ومتى خلا الرجل بامرأته وأرخى الستر ثم طلقها

٥٠٥

وجب عليه المهر على ظاهر الحال ، وكان على الحاكم أن يحكم بذلك وإن لم يكن بها ، إلا أنه لا يحل للمرأة أن تأخذ أكثر من نصف المهر.

وقال في الخلاف : إذا طلقها بعد أن خلا بها وقبل أن يمسها اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب ، فذهبت طائفة إلى أن وجود هذه الخلوة وعدمها سواء ، وترجع عليه نصف الصداق ولا عدة عليها ، وهو الظاهر من روايات أصحابنا ، وذهب طائفة إلى أن الخلوة يستقر بها المسمى وتجب لها العدة ، وبه قال قوم من أصحابنا ، ونحوه قال في المبسوط.

وقال ابن الجنيد : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب من العقد منه الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك ، فإن وقعت الخلوة بحيث لا مانع ظهر من علة ولا غيرها فالحكم بالأغلب يقع بوجوب المهر من الحاكم ، ولا يحل للمرأة أخذه إذا علمت أنه لم يقع جماع ولا ما يقوم مقام ذلك من إنزال الماء من غير إيلاج أو لمس عورة أو نظر إليها أو قبلة ، فإن تلذذ بشي‌ء من ذلك خصيا كان أو عنينا أو فحلا لزمه المهر.

وقال ابن أبي العقيل : وقد اختلف الأخبار عنهم عليهم‌السلام في الرجل يطلق المرأة قبل أن يجامعها وقد دخل بها ومس كل شي‌ء منها إلا أنه لم يصبها ، فروي عنهم في بعض الأخبار أنهم قالوا : إذا أغلق الباب وأرخيت الستور وجب لها المهر كاملا ووجبت العدة. وفي بعض الأخبار أن لها نصف المهر ولا عدة عليها ، وهذا أدل الخبرين بدلالة الكتاب وأشبه بقولهم ، لأن الله عزوجل يقول «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (١) فأخبر أنه إذا طلقها قبل أن يجامعها أن لها نصف المهر.

وقد جاء عنهم عليهم‌السلام ما يخص هذا في قضائهم في العنن أن الرجل إذا تزوج

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢٧.

٥٠٦

المرأة فدخل بها فادعت المرأة أنه لم يصبها وخلا بها أجله الإمام سنة ، فإذا مضت السنة ولم يصبها فرق بينهما وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها منه ، وفي هذا إبطال لرواية من روى عنهم عليهم‌السلام أنه إذا أغلق الباب وأرخى الستور وجب المهر كاملا ، وهذا العنين قد أغلق الباب وأرخى الستور وأقام معها سنة لا يجب عليه إلا نصف الصداق ، والمسألتان واحدة لا فرق بينهما.

وابن البراج وقطب الدين الكيدري وافقا الشيخ في النهاية.

وقال الصدوق في المقنع : وإذا تزوج الرجل المرأة وأرخى الستور وأغلق الباب ثم أنكرا جميعا المجامعة فلا يصدقان ، لأنها ترفع عن نفسها العدة ، ويرفع عن نفسه المهر.

وقال ابن حمزة : وإذا دخل بها وأرخى الستر عليها وادعى الرجل أنه لم يواقعها وأمكنه إقامة البينة وأقامها قبلت منه ، وإن لم يمكنه كان له أن يستحلفها ، فإن استحلفها وإلا لزمه المهر.

أقول : والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ثم الكلام في المقام بما رزق الله عزوجل فهمه منها ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

فمنها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل دخل بامرأته ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة».

وعن حفص بن البختري (٢) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل».

وعن داود بن سرحان (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أولج فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٥ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٩ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٥ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٠٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٥ ح ٥.

٥٠٧

وعن يونس بن يعقوب (١) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فأغلق بابا وأرخى سترا ولمس وقبل ثم طلقها ، أيوجب عليه الصداق؟ قال : لا يوجب الصداق إلا الوقاع».

وعن عبد الله بن سنان (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها ، هل عليها عدة منه؟ فقال : إنما العدة من الماء ، قيل له : وإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ قال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس بن يعقوب (٣) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».

وعن محمد بن مسلم (٤) في الموثق قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها».

وعن حفص بن البختري (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل دخل بامرأته ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة».

وعن يونس بن يعقوب (٦) في الحسن أو الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فأغلق الباب وأرخى الستر وقبل ولمس من غير أن يكون وصل إليها بعد ، ثم طلقها على تلك الحال ، قال : ليس عليه إلا نصف المهر».

أقول : وهذه الأخبار هي أدلة القول المشهور.

ويدل على القول الآخر ما رواه في الكافي عن الحلبي (٧) في الصحيح أو

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٩ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٧ ب ٥٥ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٩ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٥ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٤ ح ٦٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٦ ح ٦.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٤ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٦ ح ٧.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٤ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٦ ح ٨.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٧ ح ٧٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٨ ح ٥.

(٧) الكافي ج ٦ ص ١٠٩ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٧ ح ٢.

٥٠٨

الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق المرأة وقد مس كل شي‌ء منها إلا أنه لم يجامعها ، إلها عدة؟ فقال : ابتلى أبو جعفر عليه‌السلام بذلك فقال له أبوه علي بن الحسين عليه‌السلام : إذا أغلق بابا وأرخى سترا وجب المهر والعدة».

قال في الكافي : قال ابن أبي عمير ، اختلف الحديث في أن لها المهر كملا ، وبعضهم قال : نصف المهر ، وإنما معنى ذلك أن الوالي إنما يحكم بالحكم الظاهر إذا أغلق الباب وأرخى الستر وجب المهر ، وإنما هذا عليها إذا علمت أنه لم يمسها فليس لها فيما بينهما وبين الله إلا نصف المهر.

وما رواه في التهذيب (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا تزوج الرجل المرأة ثم خلا بها فأغلق عليها بابا وأو أرخى سترا ثم طلقها فقد وجب عليه الصداق ، وخلاؤه بها دخول».

وعن السكوني (٢) عن جعفر عن أبيه ع أن عليا ع كان يقول : من أجاف من الرجال على أهله بابا وأرخى سترا ثم طلقها فقد وجب عليه الصداق».

والشيخ حمل هذين الخبرين على ما إذا كانا متهمين ، يعني يريد الرجل أن يدفع المهر عن نفسه ، والمرأة أن تدفع العدة عن نفسها.

واستدل عليه بما رواه في الكافي (٣) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة فيرخي عليها وعليها الستر ويغلق الباب ثم يطلقها ، فتسأل المرأة : هل أتاك؟ فتقول : ما أتاني ، ويسأل هو : هل أتيتها؟ فيقول : لم آتها ، فقال : لا يصدقان ، وذلك أنها تريد أن تدفع العدة عن نفسها ، ويريد هو أن يدفع المهر عن نفسه ، يعني إذا كانا متهمين». قال : ومتى كانا صادقين أو كان هناك طريق

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٤ ح ٧١ لكن عن إسحاق بن عمار ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٧ ح ٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٤ ح ٧٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٧ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١١٠ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٦٥ ح ٧٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٩ ح ١.

٥٠٩

يمكن أن يعرف به صدقهما فلا يوجب المهر إلا المواقعة.

واستدل عليه برواية زرارة (١) الدالة على تنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول ، ثم ذكر ما نقله في الكافي عن ابن أبي عمير قال : وهذا وجه حسن ولا ينافي ما قدمناه ، لأنا إنما أوجبنا نصف المهر مع العلم بعدم الدخول ومع التمكن من معرفة ذلك ، فإما مع ارتفاع العلم وارتفاع التمكن فالقول ما قاله ابن أبي عمير ، انتهى.

ومنها ما رواه في التهذيب (٢) عن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن المهر متى يجب؟ قال : إذا أرخيت الستور وأجيف الباب ، وقال : إني تزوجت امرأة في حياة أبي علي بن الحسين عليه‌السلام وإن نفسي تاقت إليها ، فذهبت إليها فنهاني أبي فقال : لا تفعل يا بني ، لا تأتها في هذه الساعة ، وإني أبيت إلا أن أفعل فلما دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان علي ، وكرهتها وذهبت لأخرج ، فنامت مولاة لها فأرخت وأجافت الباب ، فقلت : مه ، وقد وجب الذي تريدين».

وعن أبي بصير (٣) قال : «تزوج أبو جعفر عليه‌السلام امرأة فأغلق الباب ، فقال : افتحوا ولكم ما سألتم ، فلما فتحوا صالحهم».

وما رواه في الكافي (٤) عن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها فيغلق بابا ويرخي سترا عليها ويزعم أنه لم يمسها ، وتصدقه هي بذلك ، عليها عدة؟ قال : لا ، قلت : فإنه شي‌ء دون شي‌ء؟ قال : إن أخرج الماء اعتدت ، يعني إذا كانا مأمونين صدقا».

وما رواه في الصدوق عن كتاب العلل (٥) عن أبي عبيدة في الصحيح عن أبي عبد الله

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٥ ح ٧٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٠ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٦ ح ٧٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٨ ح ٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٧ ح ٧٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٩ ح ٨.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١١٠ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٩ ح ٢.

(٥) علل الشرائع ص ٥١٧ ب ٢٨٩ ح ٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٠ ح ٣.

٥١٠

عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة البكر أو الثيب ويرخي عليه وعليها الستر أو أغلق عليه وعليها الباب ، ثم يطلقها فتقول : لم يمسني ، ويقول هو : لم أمسها ، قال : لا يصدقان ، فإنها تدفع عن نفسها العدة ويدفع عن نفسه المهر.

أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ فيما تقدم من كلامه قد جنح إلى ما ذكره ابن أبي عمير في الجميع بين هذه الأخبار وهذه الأخبار ، وإلى هذا مال السيد السند في شرح النافع حيث قال بعد نقل كلام ابن أبي عمير : واستحسن الشيخ ـ رحمة الله ـ هذا الوجه من الجمع ، ولا بأس به ، انتهى.

ومرجعه إلى حمل أخبار إرخاء الستر وإغلاق الباب على الكناية عن الدخول بها ، وأن الظاهر من هذا العمل وقوع الدخول لوجوب التستر به عن الناس ، وحينئذ فترجع هذه الأخبار إلى الأخبار الأولة الدالة على وجوب المهر كملا بالدخول ، ويخطر بخاطري القاصر وذهني الفاتر بعد ما ذكروه بل الذي يظهر من هذه الروايات بعد التأمل في مضامينها وعباراتها والنظر في مطاوي قرائنها وإشاراتها هو أن الموجب للمهر إنما هو إرخاء الستر وإغلاق الباب من حيث هو ، لا من حيث إنه مظنة للوقاع ، وكاشف عن وقوعه ، بل وإن علم عدم الوقاع فالواجب هو ذلك ، وينبهك على ذلك قوله عليه‌السلام في رواية زرارة المتقدمة بعد أن حكم بوجوب الصداق بمجرد إغلاق الباب وإرخاء الستر «خلاؤه بها دخول» بجعل مجرد خلائه بها دخولا ، والحمل على أنه إنما حكم بذلك من حيث كونه مظنة للدخول ، خلاف الظاهر ، وأوضح منه في ذلك أخبار تزويج الباقر عليه‌السلام وقد تضمن خبر محمد بن مسلم أنه عليه‌السلام بعد أن قذف عليها بالكساء ورآها كرهها فذهب ليخرج ، فقامت مولاتها لما رأته عازما على الخروج وأرخت الستر وأجافت الباب ، فقال عليه‌السلام : «قد وجب الذي تريدين» يعني المهر كملا ، ومن الظاهر أنه لم يجامعها كما يدل عليه سياق الخبر ، وقد حكم عليه‌السلام لها بوجوب المهر بمجرد ما فعلته مع عدم الجماع ، وهو أظهر ظاهر فيما قلناه ، وهو أيضا ظاهر

٥١١

خبر أبي بصير وإن كان الخبر الأول أوضح ، ويقرب عندي حمل هذه الأخبار بناء على ما ذكرناه على التقية.

أما (أولا) فلأنها هي الأصل في اختلاف الأخبار كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب من جلد كتاب الطهارة (١).

وأما (ثانيا) فلأنه بعد بطلان الحمل الذي ذكروه بما عرفت فليس إلا رد الأخبار المذكورة ، وقد تقدم أن الحمل على التقية لا يشترط فيه وجود القائل به منهم ، على أنه يمكن وجود القائل به ، فإنه لا يحضرني الآن مذاهب العامة في هذه المسألة ، وكيف كان فالظاهر الذي عليه العمل هو القول المشهور ، وأما ما ذكره ابن الجنيد من تلك الأمور الزائدة على الخلوة فلم نظفر له في أخبارنا على أثر ، وهذه أخبار المسألة كملا ، والظاهر أنه تبع في ذلك العامة كما هي عادته غالبا ، والعجب من أصحابنا في نقل أقوال ، والاعتداد بها مع ما يطعنون به عليه من اقتفاء العامة ، ولا سيما في العمل بالقياس والاستحسان ، هذا بالنسبة إلى ما عدا رواية أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة المنقولة من كتاب العلل وموثقة إسحاق ابن عمار ، وأما هذه الأخبار الثلاثة فالمستفاد منها بعد ضم بعضها إلى بعض أنه إن كانا في اعترافهما بعدم الدخول متهمين يجر كل منهما النفع إلى نفسه من جهة كما صرح به في خبري أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة فإنها لا يقبل قولهما ، ولو كانا مأمونين صدقا كما صرح به موثق إسحاق بن عمار ، والظاهر حمل خبر أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة على وقوع الدخول في الخلوة وظهور ذلك بقرائن الحال ، وأنهما إنما أنكرا ذلك للعلة المذكورة في كل منهما وموثقة إسحاق ابن عمار على عدم ظهور ذلك مع كونهما مأمونين ، وحينئذ فلا ينافي ما قدمنا ذكره من أن ظاهر تلك الأخبار هو ترتب وجوب المهر على مجرد الخلوة وإن علم عدم الدخول ، والله العالم.

__________________

(١) ج ص ٤.

٥١٢

المسألة الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب في أنه إذا طلق زوجته قبل الدخول وقد فرض لها مهرا فإنه يرجع بنصفه ، فإن كان قد دفع المهر لها استعاد نصفه ، وإلا أعطاها النصف خاصة ، سواء قلنا بأنها تملك المهر جميعا بمجرد العقد أو نصفه خاصة.

ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه في الفقيه (١) عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن سمي لها مهرا فمتاع بالمعروف» الحديث.

وما رواه في الكافي (٢) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا» الحديث.

وما رواه في الكافي (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فقد بانت منه وتزوج إن شاءت من ساعتها ، وإن كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر» الحديث.

وعن الحلبي (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا» الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار الآتي جملة منها إن شاء الله تعالى في المقام ، ثم إن في هذا المقام صورا عديدة :

الاولى : أن يكون المهر دينا في ذمته ، ولا إشكال في أنه إذا طلقها قبل الدخول برءت ذمته من نصفه ، ووجب عليه دفع النصف الآخر إليها.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٥ ح ٨.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٨ ح ١١ وص ١٠٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦١ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦١ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٢ ح ٩٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٥ ح ٧.

٥١٣

الثانية : أن يكون عينا إلا أنها باقية في يد الزوج ، وحينئذ فإن كانت باقية إلى وقت الطلاق من غير زيادة ولا نقصان فلا إشكال في أنه يستحق نصفها ويكونان شريكين فيها ، وإن زادت بزيادة من الله سبحانه فالزيادة لها بناء على ما هو الأشهر الأظهر من انتقال المهر كملا إليها بالعقد وأنها تملكت ، وإن كان ملك أحد النصفين متزلزلا وإن كانت الزيادة بفعله فهو بمنزلة الغاصب بناء على القول بانتقال المهر إليها كملا كما هو المعتمد فإنه كالأجنبي ويصير كالغاصب. وإن نقصت كان النقص مضمونا عليه ، وإن تلف رجعت عليه بالقيمة أو المثل.

الثالثة : أن يكون عينا إلا أنه قد سلمها إليها ، فإن كان باقيا استعاد نصفه ، وإن وجده تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليا ، ونصف قيمته إن كان قيميا ، ثم إنه إن اتفقت قيمته من حين العقد إلى حين القبض فلا إشكال ، وإن اختلفت قالوا : يرجع بأقل القيم ، لأن قيمته يوم العقد إن كانت هي الأكثر منها حين قبضها فما نقص قبل القبض كان مضمونا عليه ، فلا يضمنها ما هو في ضمانه ، وإن كانت القيمة يوم القبض أكثر مما زاد بعد العقد لها ، فلا يضمنها ما هو ملكها ، قالوا : وفي حكم التلف ما لو انتقل عن ملكها انتقالا لازما كالبيع والعتق والهبة اللازمة.

الرابعة : كسابقتها إلا أنه وجد العين ناقصة ، وكان النقص نقصان عين ، كعور الدابة أو صفة كنسيان الصنعة ، ففي كيفية الرجوع أقوال ثلاثة :

(أحدها) وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط أن الزوج يتخير بين الرجوع بنصف القيمة سليما ، وبين أخذ نصف العين من غير أرش.

و (ثانيها) الرجوع بنصف العين ونصف الأرش لأن العين لا تخرج عن حقيقتها بالتعيب ، ومستحقة إنما هو العين وتعيبها مجبور بالأرش ، وظاهره في المسالك اختيار هذا القول.

و (ثالثها) التفصيل بأن النقص إن كان بفعلها أو فعل الله سبحانه تخير بين أخذ نصفه ناقصا وبين تضمينها نصف قيمته ، وإن كان من قبل أجنبي لم يكن

٥١٤

له سبيل على المهر وضمنها نصف القيمة يوم قبضه ، وهو قول ابن البراج.

الخامسة : الصورة بحالها إلا أنه وجد العين زائدة ، وحينئذ فلا يخلوا إما أن تكون الزيادة باعتبار القيمة السوقية ، ولا إشكال في أنه يأخذ نصف العين كما لو نقصت كذلك ، وإن كانت الزيادة منفصلة كالولد واللبن وثمرة الشجرة والكسب فهي للمرأة بناء على ما هو الأشهر الأظهر من ملكها المهر كملا بمجرد العقد وهذه الأشياء نماء ملكها سواء كانت العين في يدها أو في يده ، ويختص رجوعه بنصف الأصل.

ويدل على خصوص هذا الحكم من الأخبار ما رواه في الكافي (١) عن عبيد ابن زرارة في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة على مائة شاة ، ثم ساق إليها الغنم ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها وقد ولدت الغنم ، قال : إن كان الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها ، وإن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها ولم يرجع من الأولاد بشي‌ء».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٢) عن عبيد بن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة ومهرها مهرا فساق إليها غنما ورقيقا فولدت عندها فطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : إن كان ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كن حملن عندها فلا شي‌ء له من الأولاد».

والتقريب فيها أن تلك الغنم والرقيق إذا حملن عنده فالمهر مجموع الأمهات والأولاد ، فمع الطلاق قبل الدخول يرجع بنصف كل منهما ، وأما إذا حملن عندها فإن المهر إنما هو الأمهات خاصة ، وقد فرضنا أنها تملك المهر بأجمعه بمجرد العقد فيكون هذا النماء نماء ملكها ، وفي الخبر دلالة واضحة على القول المشهور من ملكها المهر بمجرد العقد خلافا لابن الجنيد إذ لو كان كما يدعيه من ملكها

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٨ ح ٥٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣ ح ١.

٥١٥

النصف خاصة بالعقد والنصف الآخر إنما تملك بالدخول لكان الرجوع عنها بنصف الأولاد إذا حملن عندها.

إلا أنه قد روى الصدوق في الفقيه (١) عن الحسن بن محبوب عن حماد الناب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على بستان له معروف وله غلة كثيرة ، ثم مكث سنين لم يدخل لها ثم طلقها ، قال : ينظر إلى ما صار إليه من غلة البستان من يوم تزوجها فيعطيها نصفه ويعطيها نصف البستان ، إلا أن تعفو فتقبل منه ويصطلحا على شي‌ء ترضى به منه فإنه أقرب للتقوى».

وهو كما ترى ظاهر فيما ذهب إليه ابن الجنيد من أنها بالعقد لا تملك إلا النصف خاصة ، ولهذا حكم بأن غلة البستان في تلك السنين التي بين العقد والطلاق تقسم أنصافا بينهما ، ومن المعلوم أن الغلة تابعة للأصل.

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في شرح النافع حيث قال في الجواب عن دلالتها على مذهب ابن الجنيد ما صورته : وهذه الرواية غير دالة على المطلوب صريحا ، إذ لا مانع من ثبوت هذا الحكم وإن قلنا إن المرأة تملك المهر بأجمعه بالعقد ، فإن فيه إن من القواعد المقررة المتفق عليها نصا وفتوى أن النماء تابع للأصل ، فإذا فرض أن المرأة تملك المهر كملا بمجرد العقد ، فكيف يحكم عليه‌السلام للزوج بنصفه؟ وما الوجه فيه؟ ومقتضى القواعد إنما هو كونه للمرأة ، والموافق للقاعدة إنما هو ما ذكرناه من كون نصف الأصل لها بمجرد العقد والنصف الآخر قبل الدخول للزوج ، هذا كلامه في تلك المسألة ـ أي مسألة ملك الكل أو النصف بالعقد ـ وأما في هذه المسألة فأقصى ما أجاب به عنها هو ضعف السند.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال في كل من الموضعين لعدم ظهور محمل لرواية أبي بصير المذكورة ، وليس في سندها ممن ربما يتوقف في شأنه إلا أبو بصير لاشتراكه بين يحيى بن القاسم الضعيف باصطلاحهم والمرادي

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٢ ح ٧٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤١ ح ١.

٥١٦

الثقة ، والحق عندي كما عليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين هو جلالة يحيى بن القاسم وعد حديثه في الصحيح ، فإن المستفاد من جملة من الأخبار أنه بالمحل الأعلى عندهم عليهم‌السلام ، وحينئذ فتكون الرواية صحيحة معتبرة ، وبذلك يعظم الاشكال.

هذا كله في الزيادة المنفصلة ، وأما لو كانت متصلة كالسمن وكبر الحيوان فإنه قطع جماعة من الأصحاب بأن للزوج نصف قيمته من دون الزيادة ، وأن المرأة لا تجبر على دفع العين ، لأن الزيادة ليست مما فرض فلا يكون للزوج الرجوع بها ، وعلله في المسالك بأن الزيادة ملكها ولا يمكن فصلها ولا تجبر على بذلها مجانا ولا بالعوض ، لكنها تتخير حينئذ بين دفع نصف المشتمل على الزيادة وبين بذل نصف القيمة مجردة عنها ، فإن سمحت ببذل العين اجبر على القبول ، لأن النفع عائد إليه واصل حقه في العين عملا بظاهر الآية ، وإنما منع تعلق حقها بها الذي لا يمكن فصله ، فإذا سمحت ببذله زال المانع ، انتهى.

أقول : روى الشيخ في التهذيب (١) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن أبيه أن عليا عليه‌السلام «قال في الرجل يتزوج المرأة على وصيف فكبر عندها فيريد أن يطلقها قبل أن يدخل بها قال : عليه نصف قيمته (٢) يوم دفعه إليها لا ينظر في زيادة ولا نقصان».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٩ ح ٥٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤ ح ٢.

(٢) أقول : الذي رواه الشيخ في التهذيب «عليه نصف قيمته» الى آخره ، وقال السيد السند في شرح النافع ولعل المراد بقوله عليه نصف قيمته أنه يتعلق بالوصيف نصف القيمة لمولاه ، إذ لا وجه لإلزام المولى بدفع نصف قيمة الوصيف إلى المرأة ، ولو كان بدل «عليه» «عليها ، أو له» كان أوضح ، انتهى.

أقول : الظاهر أن ما وقع من تذكير الضمير هنا انما هو من سهو قلم الشيخ ـ رحمة الله ـ كما نبهنا عليه في مواضع لا يخفى سيما في كتب العبادات مما وقع له من التحريف بالتغيير والتبديل في متون الاخبار وأسانيدها بحيث انه لا يكاد يسلم خبر من شي‌ء من ذلك الا نادرا

٥١٧

ورواه الكليني (١) عن السكوني «عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في المرأة : تزوج على الوصف فيكبر عندها فتزيد أو ينقص ثم يطلقها قبل أن يدخل بها» الحديث. كما تقدم ، وهو كما ترى ظاهر بل صريح فيما ذكره الأصحاب من حكم المسألة ، والشيخ في المبسوط بعد أن قوى تخيرها بين دفع نصف العين ونصف قيمتها من دون الزيادة كما قدمنا نقله عن المسالك قال : ويقوى في نفسي أن له الرجوع بنصفه مع الزيادة التي لا يتميز لقوله تعالى «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (٢) وظاهره أنها تجبر على دفع نصف العين في صورة الزيادة التي لا يتميز ، وأورد عليه في المسالك بأن الزيادة ليست مما فرض فلا تدخل في مدلول الآية.

وأجاب سبطه السيد السند في شرح النافع فقال : ويمكن دفعه بأن العين مع الزيادة التي لا تتميز يصدق عليها عرفا أنها المفروضة فتناوله الآية الشريفة ، وبالجملة فما قوى في نفس الشيخ لا يخلو من قوة ، انتهى.

أقول : لا يخفى أنه بعد دلالة الخبر المذكور على أن الحكم في المسألة هو دفع نصف القيمة لا ينظر في زيادة ولا نقصان ، فما ذكره الشيخ وقواه بمكان من الضعف ، وأن ظاهره كما عرفت أن الحكم الشرعي هو جبر المرأة على دفع نصف العين في الصورة المذكورة ، ولهذا أن المحقق في الشرائع أشار إلى رده بقوله : ولا تجبر المرأة على الأظهر ، وهل هو إلا الاجتهاد في مقابلة النصوص ، وبذلك يظهر لك ما في تقوية السيد السند لقول الشيخ هنا من النظر الظاهر ، والله العالم.

__________________

ولهذا أنه في الوافي إنما ذكر الخبر بلفظ «عليها» ومن عادته مراعاة أمثال هذا الغلط والتحريف في الاخبار فلا حاجة الى ما تكلفه السيد السند ـ قدس‌سره ـ من الحمل ، والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

ويحتمل أن يكون من سهو النساخ لا من قلم الشيخ ولذا في الكافي «وعليها».

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٨ ح ١٣ ، وفيه «وعليها» ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٤ ح ٢.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٣٧.

٥١٨

تنبيهات

الأول : قالوا : لو أصدقها حيوانا حاملا وحكمنا بدخول الحمل في الصداق إما بمجرد الإطلاق كما هو مذهب الشيخ وجماعة أو بالشرط كما هو القول الآخر صار الجميع مهرا ، فإذا طلقها قبل الدخول رجع بنصف الجميع لأنه هو المهر.

أقول : وقد تقدم ما يدل على ذلك من روايتي عبيد بن زرارة (١) وقوله عليه‌السلام في الأولى منهما «إن كانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها». ونحوه في الثانية ، وقد تقدم بيان الوجه فيه ، وإطلاق الخبرين المذكورين شامل لما لو وقع الطلاق قبل وضع الحمل أو بعده فإنه يرجع بالنصف في كلتا الحالين ، لأنه قد علق الرجوع بالنصف على حصول الحمل عنده المستلزم لوقوع العقد بعد الحمل ، وهو أعم من أن تضع قبل الطلاق أو بعده ، وبذلك يظهر أن ما وقع لهم في هذا المقام من الاحتمالات والتفريعات والتكلفات ـ كما نقله في المسالك حتى ذهب بعضهم في صورة الطلاق بعد الوضع إلى الرجوع بنصف الأم خاصة وأرش نقصانها ، قال : لأن الحمل زيادة ظهرت بالانفصال عن ملكها ، وبعضهم جعله احتمالا في المسألة ـ كله نفخ في غير ضرام وخروج عما جاء عنهم عليهم‌السلام ، والظاهر أنه لم تخطر لهم هذه الأخبار بالبال ، وإنما بنوا على مجرد التخريجات العقلية كما هي عادتهم غالبا.

الثاني : قالوا : لو أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف اجرة تعلمها ، ولو كان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة. وعلل الرجوع بنصف الأجرة في الموضعين المذكورين بأنه (في الأول) يتعذر تعليمها نصف الصنعة خاصة ، إذ ليس للنصف حد يوقف عليه أو لا نصف لها مطلقا فينزل ذلك منزلة

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٨ ح ٥٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٣ ح ١.

٥١٩

ما لو تلف الصداق في يده ، فترجع بنصف الأجرة ، ولأنه صار أجنبيا لا يصلح تعلمها منه لو فرض إمكان التوصل إلى الحق.

وأما (في الثاني) فلتعذر رجوعه بعين ما فرض ، إذ لا يمكن تخليص نصف الصنعة منها فيكون المهر بمنزلة التالف في يدها ، فيرجع بنصف الصنعة منها فيكون المهر بمنزلة التالف في يدها ، فيرجع بنصف الأجرة. قالوا : والحكم في الموضعين مما لا إشكال فيه.

قالوا : ولو كان الصداق تعليم سورة وطلقها قبل الدخول ، فإن كان قد علمها رجع عليها بنصف الأجرة كالصنعة ، وإن لم يكن علمها فليس الحكم فيها كالصنعة لأن تعليم نصف السورة أمر ممكن في نفسه ، ولكن الزوج صار أجنبيا منها ، فإن حرمنا على الأجنبي سماع صوت المرأة أو جوزناه ، ولكن خيف الفتنة أو لم يمكن ذلك إلا بالخلوة المحرمة رجعت عليه بنصف الأجرة كالصنعة ، لتعذر الرجوع إلى نصف المفروض بمانع شرعي ، فيكون كالمانع العقلي ، وإن أمكن ذلك من غير محذور قيل : جاز تعليمها النصف من وراء حجاب ، لأنه موضع ضرورة كمعاملة الأجنبية ، أو لأنه تعليم واجب ، أو لأن مطلق سماع صوتها غير محرم ، وهذا الوجه خيرة الشيخ في المبسوط ، وقيل : ترجع عليه بنصف الأجرة مطلقا ، لما ذكر من الموانع ، ولأن النصف يعسر الوقوف عليه ، لاختلاف الآيات في سهولة التعليم وصعوبته ، وعلى الأول تقسم السورة بالحروف ، لا بالآيات.

أقول : لم أقف في هذا المقام على شي‌ء من الأخبار إلا ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة على سورة من كتاب الله عزوجل ثم طلقها من قبل أن يدخل بها ، وبما يرجع عليها؟ قال : بنصف ما يعلم به مثل تلك السورة». ومورد الرواية ما إذا علمها السورة ، لأن الرجوع عليها دليل وصول المهر إليها ، وإلا لكانت هي التي ترجع عليه ، ويبقى الاشكال فيما لو لم يعلمها السورة ، فهل الواجب عليه تعليمها النصف لأنه ممكن؟ وما ذكروه من تحريم سماع

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٨٢ ح ١٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٤ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٧ ح ١.

٥٢٠