الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

النافع أظهرهما ذلك ، لأن المهر يختلف باختلاف البلدان اختلاف عظيما ، وفيه تأمل. وقيد جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر أنه المشهور ـ الحكم بلزوم مهر المثل بما إذا لم يتجاوز مهر السنة وهي خمسمائة درهم ، وإلا رد إليها ، وادعى عليه فخر المحققين الإجماع ، مع أن والده في المختلف نقل الاختلاف في ذلك ، وحكى القولين ، ولم يرجح شيئا في البين قال بعد نقل جملة من الأقوال في المسألة : بقي هنا بحثان : (الأول) هل يعتبر البلد؟ قال بعض علمائنا به ، ويحتمل العدم (الثاني) أكثر الأصحاب على أنه لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم ، لما رواه أبو بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن أن يسمي صداقها» ـ الخبر ، وقد تقدم قريبا ـ ثم قال : وهو غير دال صريحا على المطلوب ، وقال بعض علمائنا : لا يتقدر بقدر ، لما دلت الأخبار المطلقة عليه. انتهى.

وربما أشعر ظاهره باختيار القول الأخير ، حيث إنه طعن في رواية أبي بصير التي استند إليه الأكثر بأنها غير دالة صريحا على المطلوب ولم يطعن في دليل الأخر ، وتوجيه ما أشار إليه في رد رواية أبي بصير وعدم دلالتها على القول المذكور ، وما ذكره شيخنا في المسالك قال ـ بعد نقل الرواية ـ : وفيها مع ضعف السند قصور الدلالة ، لأن الكلام في المفوضة ، ومورد الرواية ما إذا وهم أن يسمي صداقها ، وهو يقتضي كونه أراد التسمية فنسيها ، وهذا ليس من التفويض في شي‌ء ، وإن كان العقد قد وقع بصورة التفويض ، فجاز اختلاف الحكم لذلك ، ومن ثم ذهب بعض علمائنا إلى أن مهر المثل لا يتقدر بقدر لإطلاق الأخبار في ذلك ، ثم نقل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وموثقة منصور بن حازم وصحيحة الحلبي ، انتهى.

وبذلك يظهر لك أن الأظهر هو القول الآخر ، وأن القول المشهور بمحل من القصور.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٢ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٥ ح ٢.

٤٨١

ثم إنه لا يخفى أن مهر المثل قد حكموا به في مواضع عديدة غير هذا الموضع ، منها نكاح الشبهة ، والوطي في النكاح الفاسد والإكراه ، والتسمية الفاسدة ، وإذا نكح عدة نساء بمهر واحد كما تقدم كل منها في موضعه.

ولم يذكروا في شي‌ء من هذه المواضع هذا التقييد إلا في مسألة التفويض ، ووجه الشبهة في ذكره هنا دون تلك المواضع من حيث ذهاب معظم الأصحاب إلى التقييد وقصور دليله.

و (ثانيهما) في المتعة ، ومستحقها هي المفوضة إذا طلقها قبل الدخول وقبل أن يفرض لها فريضة ، والاعتبار فيها بحال الزوج في يساره وإعساره كما دلت عليه الآية (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» (١) وعلى ذلك تدل الأخبار.

ومنها ما رواه في الفقيه (٢) عن محمد بن الفضيل عن الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره» الحديث.

وما رواه في الكافي (٣) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ـ إلى أن قال ـ وإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على مثل ما تمتع به مثلها من النساء».

وما رواه في الكافي (٤) عن حفص بن البختري في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته ، أيمتعها؟ قال : نعم أما يحب أن يكون من المحسنين ،

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٣٦.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٥ ح ٨.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٠٨ ح ١١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٢ ح ٩٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٥ ح ٧.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٠٤ ح ١ ، ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٠ ح ٨٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٥ ح ٥.

٤٨٢

أما يحب أن يكون من المتقين».

وما رواه في التهذيب (١) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن متعة المطلقة فريضة».

وما رواه في الفقيه (٢) قال : وفي رواية البزنطي «أن متعة المطلقة فريضة».

وما رواه في الفقيه (٣) عن ابن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «متعة النساء واجبة ، دخل بها أو لم يدخل ، وتمتع قبل أن تطلق».

وما رواه في الكافي (٤) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قول الله عزوجل «وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» (٥) قال : متاعها بعد ما تنقضي عدتها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، وكيف يمتعها وهي في عدتها ترجوه ويرجوها ، ويحدث الله بينهما ما يشاء ، وقال : إذا كان الرجل موسعا عليه يمتع امرأته بالعبد والأمة ، والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم ، وإن الحسن ابن علي عليهما‌السلام متع امرأة له بأمة ، ولم يطلق امرأة إلا متعها».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٦) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل «وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسرا لا يجد؟ قال : خمار وشبهه».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤١ ح ٨٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٤ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٦ ح ٩.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٩ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٠٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٩ ح ٢ و ٣.

(٥) سورة البقرة ـ آية ٢٤١.

(٦) الكافي ج ٦ ص ١٠٥ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٤٠ ح ٨٥ مع اختلاف يسير الوسائل ج ١٥ ص ٥٧ ح ٢.

٤٨٣

قال في الفقيه (١) : وروي أن الغني يمتع بدار أو خادم ، والوسط يمتع بثوب ، والفقير يمتع بدرهم أو خاتم ، وروي أن أدناه خمار وشبهه.

وما رواه في التهذيب (٢) عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : يمتعها قبل أن يطلقها فإن الله تعالى قال «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» (٣).

وعن محمد بن مسلم (٤) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته ، قال : يمتعها قبل أن يطلق ، فإن الله تعالى يقول (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد (٥) عن ابن الوليد عن ابن بكير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» ما قدر الموسع والمقتر؟ قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يمتع بالراحلة».

وروى هذا الخبر العياشي في تفسيره (٦) وزاد «يعني حملها الذي عليها». وظاهره أن المتعة إنما هو الحمل لا أصل الراحلة ، فهو على حذف مضاف مثل وسأل القرية.

وفي كتاب الفقيه الرضوي (٧) «كل من طلق امرأته من قبل أن يدخل بها

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٧ ح ٤ و ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٧ و ٥٨ ح ٣ و ٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٤١ ح ٨٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٤ ح ٤.

(٣) سورة البقرة ـ آية ٢٣٦.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٤٢ ح ٩١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٤ ح ١.

(٥) قرب الاسناد ص ٨١.

(٦) تفسير العياشي ج ١ ص ١٢٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٨ ح ٥.

(٧) فقه الرضا ص ٢٤٢ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦١٠ ب ٣٣ ح ٥ وص ٦١١ ب ٣٤ ح ٥.

٤٨٤

فلا عدة عليها منه ، فإن كان سمى لها صداقا فلها نصف الصداق ، فإن لم يكن سمى لها صداقا فلا صداق لها ولكن يمتعها بشي‌ء قل أم كثر على قدر يساره ، فالموسع يمتع بخادم أو دابة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم ، كما قال الله تبارك وتعالى «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ».

وتمام الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول : المفهوم من ظاهر الآية وأكثر الأخبار هو انقسام حال الزوج إلى قسمين ، اليسار والإعسار ، والمشهور في كلام الأصحاب زيادة قسم ثالث وهو المتوسط ، وعليه يدل كلام الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقيه الرضوي ، ومرسلة الصدوق المتقدمة ، والظاهر أنها من الكتاب فإنها عين عبارته ، ولا ريب أنها منه حسب ما تقدم بيانه في غير مقام ، سيما في كتب العبادات ، والظاهر كما استظهره في المسالك أن مرجع الثلاثة الأقسام المذكورة إلى القسمين المذكورين ، لأن القسم الثالث الذي هو الوسط بعض أفراده ما يلحق بالأعلى ، وبعضها ما يلحق بالأسفل ، فهو لا يخرج منهما ، ومن ثم أنه عليه‌السلام في كتاب الفقه بعد أن ذكر الأقسام الثلاثة استدل عليه بالآية التي ظاهرها إنما هو التقسيم إلى قسمين ، وما ذاك إلا من حيث ما ذكرنا.

الثاني : قال المحقق في النافع : فالغني يمتع بالثوب المرتفع وعشرة دنانير وأزيد ، واعترضه السيد السند في شرحه بأنه لم يقف على مستنده ، قال : وزاد في الشرائع الدابة أيضا ، وهو كالذي قبله ، ثم قال : والأجود اتباع ما ورد به النقل ، وهو أن الغني يمتع بالعبد أو الأمة أو الدار ، والفقير بالحنطة والزبيب والخاتم والثوب والدرهم فما فوق.

أقول : الظاهر أن ما ذكره في هذه الأخبار التي قدمناها من ذكر هذه الأشياء المعدودة إنما خرج مخرج التمثيل لا الحصر ، وكلام الأصحاب في عد هذه الأشياء الغير المنصوصة إنما هو بناء على ما ذكرناه ، ويشير إلى ذلك قول

٤٨٥

الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (١) المذكور «يمتعها بشي‌ء قل أم كثر على قدر يساره». ويؤيد ذلك أيضا إطلاق الآية ، وأما ما ذكره ـ من أن المحقق في الشرائع ذكر الدابة وهي غير موجودة في النصوص ـ فالجواب عن ذلك ما عرفت مع أنها مذكورة في كتاب الفقه الرضوي فلعله وإن لم يقف على الكتاب المذكور إلا أنه تبع من عد الدابة لورودها في هذا الكتاب كالشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد ونحوهم ، والمحقق تبعهم في عدها.

الثالث : الظاهر أنه لا خلاف في وجوب المتعة هنا للآية والروايات المتقدمة ونحوها المشتملة على الأمر بها الذي هو حقيقة في الوجوب وفي بعضها أنها فريضة ، وظاهر جملة من الأخبار المتقدمة أنها قبل الطلاق كرواية أبي حمزة (٢) وصحيحة محمد بن مسلم (٣) ورواية زرارة (٤) المنقولة في الفقيه ، إلا أن رواية الحلبي (٥) المنقولة في الكافي صريحة في أن المتعة إنما هي بعد أن تنقضي عدتها معللا ذلك بأنها في العدة ترجوه ويرجوها ، والجمع بين هذه الأخبار لا يخلو من إشكال ، ولا يحضرني الآن وجه يعتمد عليه في ذلك ، هذا على تقدير ما دلت عليه الأخبار من ثبوت المتعة للمدخول بها ، وأما على ما ذكره الأصحاب من تخصيصها بغير المدخول بها فالظاهر أنها قبل الطلاق ، كما هو ظاهر هذه الأخبار ، ولم أقف على من ذكر هذا الحكم من الأصحاب ، بل ظاهرهم وجوب دفع ذلك وإن كان بعد الطلاق ، ولعل مستندهم الإطلاق في أكثر الأخبار ، إلا أن مقتضى القاعدة بعد ورود هذه

__________________

(١) فقه الرضا ص ٢٤٢ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦١٠ ب ٣٣ ح ٥.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٤١ ح ٨٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٤ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٤٢ ح ٩١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٤ ح ١.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٩ ب ٥٠ ح ١.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١٠٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٩ ح ٨٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٩ ب ٥٠ ح ٢ و ٣.

٤٨٦

الأخبار بالتقييد هو حمل المطلق على المقيد.

الرابع : قد عرفت مما قدمنا في صدر هذه المسألة أن مستحق المتعة هي المطلقة على الوجه المتقدم ، فلو حصلت البينونة بينهما بغيره من فسخ أو موت أو لعان أو غير ذلك من قبله أو من قبلها أو منهما فلا مهر ولا متعة للأصل ، وهذا هو المشهور ، وقوى الشيخ في المبسوط ثبوتها بما يقع من قبله من طلاق أو فسخ أو من قبلهما ، دون ما كان من قبلها خاصة ، وقوى في المختلف وجوبها في الجميع.

قال في المبسوط : الفراق أربعة أضرب : إما أن يكون من جهته بطلاق أو لعان أو ردة أو إسلام ، فإن كان بالطلاق فلها المتعة لعموم الآية ، وإن كان باللعان أو بالارتداد أو الإسلام قال قوم : تجب المتعة ، لأن الفراق من قبله ، وهو الذي يقوى في نفسي ، ولو قلنا لا يلزمه متعة ـ لأنه لا دليل عليه ـ لكان قويا.

وإما من جهتها بارتداد أو إسلام أو بعتق تحت عبد فتختار نفسها ، أو تجد به عيبا فتفسخ ، أو يجد بها عيبا فإنه وإن كان الفاسخ هو ، فهي المدلسة ، فالكل من جهتها ، ولا متعة في ذلك كله ، فأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ، وقال قوم : لها متعة ، وقال آخرون : لا متعة لها وهو الصحيح.

وأما إن جاءت الفرقة من جهتهما معا كالخلع وهو كالطلاق يجب المتعة.

وأما من جهة أجنبي بأن ترضعها امه فهو كالخلع المغلب فيه حكم الزوج ، لأنه يعود إليه بها قبل الدخول نصف المهر ، فكأنه طلقها هو ، فعليه المتعة.

قال في المختلف ـ بعد نقل ذلك عنه ـ وهذا الكلام يدل على تردده في إيجاب المتعة باللعان وشبهه ، والوجه عندي الوجوب ، وكذا في زوجة العنين لما تقدم في الأول ، ولوجوب نصف المهر في الثاني ، انتهى.

والشيخ في الخلاف قد وافق القول المشهور ، فقال : كل فرقة تحصل بين الزوجين سواء كان من قبله أو من قبلها أو من قبل أجنبي أو من قبلهما فلا يجب بها المتعة إلا الطلاق فحسب ، وبه قال ابن إدريس وجل من تأخر عنه وهو

٤٨٧

الأظهر ، لدلالة الآية والأخبار المتقدمة ، على أن ذلك في الطلاق مع تأيدها بالأصل ، وحمل غيره عليه بمجرد المشابهة قياس لا يوافق أصول المذهب.

الخامس : الظاهر من كلام الأصحاب هو اختصاص المتعة بغير المدخول بها كما قدمناه في عنوان المسألة ، وعليه تدل أكثر أخبار المسألة المتقدمة ، إلا أن جملة من الأخبار قد دلت على ثبوتها للمدخول بها أيضا كرواية زرارة (١) وقوله فيها «متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل» ، ورواية الحلبي (٢) لقوله فيها «متاعها بعد ما تنقضي عدتها ، إلى أن قال : وكيف يمتعها وهي في عدة ترجوه ويرجوها». فإنه ظاهر في المدخول بها إذ لا عدة على غير المدخول بها إجماعا نصا وفتوى ، وصحيحة الحلبي (٣) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها ، فقال : لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها». وهي صريحة في مجامعة المتعة للمهر.

والشيخ قد حمل هذه الأخبار على الاستحباب ، وتبعه الجماعة ، ولا يخفى بعد سيما مع قوله في رواية زرارة «واجبة دخل بها أو لم يدخل» والمسألة لا تخلو من توقف وإشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

السادس : لا إشكال في صحة التفويض من البالغة الرشيدة الغير المولى عليها ، لأن الحق في ذلك لها ، وأمر نكاحها بيدها ، تختار ما تريد من الوجوه الصحيحة ، ومنها التفويض وإنما الكلام في المولى عليها بجميع أنواعها ، فهل للولي أن يزوجها مفوضة أم لا؟ قولان : (أحدهما) صحة التفويض كغيرها ، فعلى هذا ليس لها بعد الطلاق وقبل الفرض أو الدخول إلا المتعة.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٢٨ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٩ ب ٥٠ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٠٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٩ ح ٨٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٩ ب ٥٠ ح ٢ و ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٢ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٤ ح ١.

٤٨٨

و (الثاني) صحة العقد ، وأن الثابت لها مهر المثل بمجرد العقد ولا تفويض ، وعلى هذا فبالطلاق ينتصف المهر.

وأنت خبير بأن إطلاق الأخبار المتقدمة الواردة في التفويض شامل للتفويض من الزوجة والولي ، مثل قولهم في تلك الأخبار «رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا» ونحو ذلك من العبارات ، وحينئذ فإذا صح التفويض من الولي كما هو أحد القولين المذكورين ترتب عليه أحكام التفويض ، والقائل بوجوب مهر المثل هنا إنما علله بأن تصرف الولي منوط بمهر المثل وثمن المثل ، لأن النكاح يلحق بالمعاوضات فيجب مراعاة عوض البضع ، فإذا فرض دون مهر المثل وقع فاسدا ، فوجب مهر المثل كما لو فسد المهر بغيره.

وفيه أنك قد عرفت ما في قياس النكاح على المعاوضات ، وأنه متى كانت الأخبار شاملة لهذا الفرد ، فالتفصيل الذي اشتملت عليه ـ بأنه إن دخل بها فلها مهر المثل أو فرض لها فرضا فهو ما فرضه ، وإلا فالمتعة إن وقع الطلاق بدون أحد الأمرين ـ جار فيه. والله العالم بأحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.

المطلب الثاني : في تفويض المهر ، وهو كما تقدمت الإشارة إليه أن يذكر في العقد مجملا ، ويفوض تعيينه إلى أحد الزوجين ولا خلاف بين أصحابنا في جوازه ، وأخبارهم دالة عليه ، وإنما خالف فيه العامة ، فحكموا بأن المهر الواقع على هذه الكيفية فاسد ، فيكون الكلام فيه على قياس المهر الفاسد من من الرجوع إلى مهر المثل.

وتحقيق الكلام في هذه المطلب يتوقف على نقل الأخبار الواردة في المقام ، ثم الكلام فيما دلت عليه من الأحكام.

فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب (١) في الحسن عن الحسن بن زرارة عن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٧٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٥ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣١ ح ١.

٤٨٩

أبيه قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها ، قال : لا تجاوز بحكمها مهر نساء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتي عشرة أوقية ونش ، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضة ، قلت : أرأيت إن تزوجها على حكمه ورضيت بذلك ، فقال : ما حكم به من شي‌ء فهي جائز عليهما قليلا كان أو كثيرا ، قال : فقلت له : كيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال : فقال : لأنه حكمها فلم يكن لها أن تجوز ما سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتزوج عليه نساءه فرددتها إلى السنة ، ولأنها هي حكمته وجعلت الأمر إليه في المهر ورضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا».

قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعد ذكر هذا الخبر : الحكم إجماعي والتفصيل والفرق غير واضح ، ولعله يرجع إلى أنه لما حكمها فلو لم يقدر لها حد فيمكن أن تجحف وتحكم بما لا يطيق ، فلذا حد لها ، ولما كان خير الحدود ما حده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ذلك حده ، انتهى.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (١) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : لها المتعة والميراث ، ولا مهر لها ، قلت : فإن طلقها وقد تزوجها على حكمها؟ قال : إذا طلقها وقد تزوجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه أكثير من وزن خمسمائة درهم فضة مهور نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله «أكثر من وزن خمسمائة درهم». هكذا في الكافي والفقيه ، وفي التهذيبين «لم يتجاوز بحكمها على خمسمائة درهم» وهو الصواب.

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٢) عن صفوان بن يحيى في الصحيح عن أبي جعفر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٧٩ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٥ ح ٤٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ ح ٣٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢ ب ٢١ ح ٣.

٤٩٠

ـ يعني الأحوال ـ قال : «قلت لأبي بعد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم ، قال : ليس لها صداق وهي ترث».

ورواه في الفقيه (١) أيضا عن البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وما رواه في التهذيب (٢) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يفوض إليه صداق امرأته ، فينقص عن صداق نسائها ، قال : يلحق بمهر نسائها». وحمله الشيخ في كتابي الأخبار على ما إذا فوض إليه على أن يجعله مثل مهر نسائها.

قال في الوافي : وبعده لا يخفى ، والصواب حمله على ما هو الأولى وإن لم يلزمه أكثر مما أوفي. انتهى وهو جيد.

إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع :

الأول : الظاهر من الأخبار المذكورة هو اختصاص تفويض تقدير المهر بأحد الزوجين ، وهو المتفق عليه ، وقيل بجواز التفويض إليهما معا ، واختاره في المسالك. وقيل بجوازه إلى أجنبي ورده في المسالك ، قال ـ رحمه‌الله ـ في الكتاب المذكور : ويفوض تقديره إلى أحد الزوجين ، وعليه اقتصر المصنف أو إليهما معا ولا إشكال في جوازه أيضا ، وألحق بعضهم جعله للأجنبي غيرهما ، لأنه وإن لم يكن منصوصا بخصوصه ، إلا أنه في معنى التوكيل وقد تراضيا عليه ، ولعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) «المؤمنون عند شروطهم». ووجه المنع أن المهر حق يتعلق بالزوجين فلا يتعدى إلى غيرهما بغير إذن شرعي وهذا أجود ، انتهى.

وفيه أن ما أورده على هذا القول وارد عليه فيما ذهب إليه من جعل الاختيار إليهما معا مع أن الوارد في النصوص إنما هو التفويض إلى أحدهما ،

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ٢٢٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٢٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٦ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٧١ ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠ ح ٤.

٤٩١

فالخروج عنه إلى كل من الفردين الآخرين يكون بغير إذن شرعي ، وهو قد منع من التعدي إلا بإذن شرعي بل يمكن أن يدعى أن المنع هنا أظهر منه في الأجنبي ، لأن التفويض إليهما معا مظنة النزاع والاختلاف ، ثم إنه قال في المسالك بناء على ما اختاره من التفويض إليهما معا وتفويضه إلى الزوجين معا يتوقف على اتفاقهما معا عليه كاتفاقهما على فرضه في القسم الأول ، فإن اختلفا قال الشيخ في المبسوط : وقف حتى يصطلحا. وتبعه العلامة ، ولم يذكروا الرجوع هنا إلى الحاكم ، ولو قيل به كان حسنا ، لوجود المقتضي فيهما مع اشتراكهما في عدم النص على الخصوص ، انتهى.

أقول : هذا ما أشرنا إليه آنفا من مفسدات هذا القول ، فإنه لو لم يتفقا بالكلية يلزم الحرج والعسر المنفيين بالآية والرواية ، وكلما أدى إليهما يكون باطلا ، وما اختاره من الرجوع إلى الحاكم بمجرد تخرج لا دليل عليه ، نعم لو كان أصل الحكم مما ثبت بالدليل فلا بأس بما ذكره إلا أن الأصل غير ثابت كما اعترف به. وبالجملة فالأظهر هو الوقوف على مورد النصوص.

الثاني : المفهوم من الأخبار المذكورة أن المهر متى فوض تقديره إلى الزوج كان له الحكم بما شاء من قليل أو كثير ، فلا تقدير له في طرف الكثرة ، ومتى فوض إلى الزوجة لم يتقدر في طرف القلة ، ويتقدر في طرف الكثرة بمهر السنة ، فلا يمضي حكمها فيما زاد عليه ، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب أيضا ، إذا لم ينقل في المسألة خلاف فيما أعلم ، ويظهر من السيد السند في شرح النافع المناقشة في الدليل حيث إنه استدل على الحكم المذكور برواية الحسن بن زرارة ، ثم طعن فيها من حيث السند باشتماله على الحسن بن زرارة وهو مجهول ، وأن ما تضمنه من تعليل الفرق غير واضح ، فإنه فرق بنفس الدعوى.

وفيه أن الحسن بن زرارة وإن لم يذكر في كتب الرجال كما ذكره إلا أن مدح الصادق عليه‌السلام له ولأخيه الحسين في الحديث الصحيح الذي ورد في حق

٤٩٢

أبيه كما رواه الكشي مما يوجب عد حديثه في الحسن ، حيث قال عليه‌السلام : ولقد أدى إلى ابناك الحسن والحسين رسالتك أحاطهما الله وكلأهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما. إلى آخره ، ولذا قال شيخنا المجلسي في رسالته الوجيزة في الرجال إنه مهمل على المشهور ، ممدوح على الظاهر.

وأما الطعن في المتن بما ذكره من عدم وضوح الفرق ، فغير مضر بالمقصود من الاستدلال بالخبر.

الثالث : قد ذكر الأصحاب أنه لو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم ألزم من إليه الحكم أن يحكم ، وكان لها النصف مما حكم به ، ولو كانت الحاكمة هي المرأة وحكمت بما يزيد على مهر السنة ، فالواجب هو نصف مهر السنة لما تقدم من بطلان ما زاد عليه ، ولو كان الحكم بعد الدخول فالواجب هو جميع ما يحكم به الحاكم لأنه مقتضى العقد ، وقد استقر بالدخول ولا موجب لتنصيفه.

ويشير إلى هذه الصورة قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «فإن طلقها ، وقد تزوجها على حكمها لم تتجاوز بحكمها على خمسمائة درهم» الحديث. والرواية وإن كان موردها كون الحاكم هو المرأة إلا أنه لا قائل بالفرق ، والأصل بقاء الحكم حتى يحكم الحاكم أيهما كان ، والحكم بالتنصيف بالطلاق وإن لم يتضمنه هنا روايات المسألة إلا أنه مستفاد من أدلة أخرى.

الرابع : اختلف الأصحاب فيما لو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول ، فالمشهور بينهم ومنهم الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة والصدوق في المقنع والعلامة في المختلف وولده في الشرح والشهيد في شرح الإرشاد أن لها المتعة وعلى هذا القول تدل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، وربما قيل : إن الرواية غير صريحة الدلالة على المطلوب لأن قوله «فمات أو ماتت» محتمل لكون الميت هو الحاكم ، أو كونه المحكوم عليه ، ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال.

ورد بأنه لا ريب أن الظاهر منها كون الميت هو الحاكم ، لأنه الأقرب

٤٩٣

والمحدث عنه ، ولأنه عليه‌السلام في آخر الحديث ذكر أن الحكم لا يسقط بالطلاق مع بقاء الحاكم ، وإذا لم يسقط بالطلاق لم يسقط بالموت بطريق أولى.

قال في المسالك في الجواب عن الاحتمال المذكور : لأنا نقول : لفظها وإن احتمل ذلك بمجرده إلا أن فيها ما ينفي كون الميت المحكوم عليه ، لأنه ذكر فيها أن المحكوم عليه لو مات قبل الحكم لا يبطل الحكم ، ويحكم الحاكم بعد ذلك ، ويثبت ما يحكم به ، وإذا كان الطلاق لا يسقط الحق مع بقاء الحاكم فلأن لا يسقط مع موت أحدهما مع بقائه أولى ، ووجه الأولوية بقاء حكم الزوجية بالموت دون الطلاق ، ولا يضر اختلاف الحق حيث إنه هنا المتعة ، وهناك المهر المحكوم به ، لاشتراكهما في أصل الاستحقاق ، وإن فرق النص بينهما في المقدار ، وأيضا فموت المحكوم عليه خارج بالإجماع ، على أنه لا أثر له في وجوب المتعة ، فيبقى الآخر. انتهى المقصود من كلامه ، وفيه زيادة في إيضاح الحكم على ما نقلناه.

وذهب العلامة في القواعد إلى ثبوت مهر المثل ، وعلله بأنه هو قيمة البضع حيث لم يتعين غيره ، وبأن المهر مذكور ، غايته أنه مجهول ، فإذا تعذرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل.

ورد الأول بأن الزوج لم يتحقق منه الدخول ليثبت عليه عوض البضع ، والثاني بأنه نفس المدعى ، فكيف يجعل دليلا عليه مع أنهما معارضان بالنص الصحيح المتقدم.

قال السيد السند في شرح النافع : وحكى الشيخ في المبسوط في هذه المسألة قولا بلزوم مهر المثل وقواه ، واختاره العلامة في القواعد واستدل له ثم ذكر الدليل المتقدم.

أقول : إن كتاب المبسوط لا يحضرني الآن ، ولكن الذي نقله العلامة عن المبسوط لا يساعد ما ذكره ، بل هو على خلافه ، حيث نقل عنه إنه قال : لو مات

٤٩٤

أحدهما فقولان : أحدهما أن لها مهر مثلها ، والثاني لا مهر لها ، وهو الصحيح عندنا ، وفيه خلاف ، هذه صورة ما نقله في المختلف عنه ، ومع ذلك فإن الشهيد الثاني في المسالك بعد أن نقل عن المختلف ما ذكرناه ، وكذا عن الشهيد في شرح الإرشاد ، اعترضهما بأن في هذا النقل نظرا لأن الشيخ إنما ذكر هذه العبارة والخلاف المذكور في مفوضة البضع ، وأما مفوضة المهر فلم يذكر حكم موت الحاكم فيها أصلا.

وذهب ابن إدريس إلى عدم ثبوت شي‌ء مع موت الحاكم قبل الحاكم قال : لو مات الحاكم قبل الدخول وقبل الحكم لم يثبت للزوجة مهر ولا متعة كمفوضة البضع ، لأن مهر المثل ، إنما يجب بالدخول ، والمتعة إنما تجب بالطلاق ، والأصل براءة الذمة : وإلحاق الموت بالطلاق قياس ، وإلى هذا القول ذهب الشيخ في الخلاف وابن الجنيد أيضا ، والخبر الصحيح حجة على من عدا ابن إدريس ، فإنه بمقتضى أصوله الغير الأصيلة لا يلزمه القول به ، والله العالم.

البحث الثالث : في اللواحق وفيه مسائل :

الاولى : المشهور بين الأصحاب أن المهر كلا أو بعضا لا يسقط بالدخول لو لم تقبضه بل يكون دينا عليه ، طالت المدة أم قصرت ، طالبت أم لم تطالب ، ويدل عليه ظاهر قوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (١).

ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه في الكافي (٢) في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة على الصداق المعلوم ، فيدخل بها قبل أن يعطيها؟ فقال : يقدم إليها ما قل أو كثر إلا أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث ادي عنه فلا بأس».

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٣ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٨ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٣ ح ١.

٤٩٥

وعن عبد الحميد بن عواض (١) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها؟ قال : لا بأس إنما هو دين عليه لها».

وعن غياث بن إبراهيم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج بعاجل وآجل؟ قال : الأجل إلى موت أو فرقة».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٣) عن عبد الحميد الطائي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا؟ قال : نعم يكون دينا عليك».

ورواه الكليني (٤) في الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن عبد الحميد.

وعن عبد الحميد بن عواض (٥) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة أتزوجها أيصلح أن أواقعها ولم أنقدها من مهرها شيئا؟ قال : نعم إنما هو دين عليك».

ورواه الكليني (٦) أيضا مثله.

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي (٧) عن آبائه عن علي عليه‌السلام «أن امرأة أتته ورجل قد تزوجها ودخل بها وسمى لها مهرا وسمى لمهرها أجلا ، فقال له علي عليه‌السلام : لا أجل لك في مهرها إذا دخلت بها فأد إليها حقها» (٨).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٤ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٨ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٨١ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٧ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦ ح ٩.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤١٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦ ح ٩.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٨ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦ ح ١٠.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٤١٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦ ح ١٠.

(٧) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٨ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٦ ح ١١.

(٨) أقول : هذا الخبر على ظاهره لا أعلم به قائلا. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٩٦

وعن عبد الخالق (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئا ، قال : هو دين عليه».

ومما يؤيد ذلك تأييدا ظاهرا جملة من الروايات الدالة على أن من لم ينو إعطاء المهر فهو زان ، ولا فرق بين عدم نيته سابقا أو لاحقا.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن الفضيل بن يسار في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج المرأة ، ولا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها فهو زان».

وعن حماد بن عثمان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من تزوج امرأة ولا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها فهو زنا».

وعن السكوني (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله ليغفر كل ذنب يوم القيامة إلا مهر امرأة ، ومن غصب أجيرا أجرته ، ومن باع حرا».

وما رواه الصدوق في الفقيه (٥) مرسلا قال : «قال الصادق عليه‌السلام من تزوج امرأة ولم ينو أن يوفيها صداقها فهو عند الله زان».

«قال (٦) وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج».

وروى في حديث المناهي عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد (٧) عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٨ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧ ح ١٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٨٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٨٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢١ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٨٢ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢ ح ٤.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٢ ح ١١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢ ح ٦.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٢ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٢ ح ٧.

(٧) الفقيه ج ٤ ص ٧ ضمن حديث مناهي النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، والوسائل ج ١٥ ص ٢٢ ح ٨.

٤٩٧

زان ، يقول الله عزوجل يوم القيامة : عبدي زوجتك أمتي على عهدي فلم توف بعهدي وظلمت أمتي ، فيؤخذ من حسناته فيدفع إليها بقدر حقها ، فإذا لم تبق له حسنة أمر به إلى النار ، بنكثه العهد إن العهد كان مسؤولا».

وروى الراوندي في كتاب النوادر (١) عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام ـ في قوله تعالى «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» ـ : أعطوهن الصداق الذي استحللتم به فروجهن ، فمن ظلم المرأة صداقها الذي استحل به فرجها فقد استباح فرجها زنا».

وما رواه الصدوق في كتابي العلل والعيون (٢) عن الرضا عليه‌السلام في علل محمد بن سنان أنه كتب إليه أن «علة المهر ووجوبه على الرجال ، ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن؟ قال : لأن على الرجال مؤنة المرأة وهي بائعة نفسها ، والرجل مشتر ، ولا يكون البيع بلا ثمن ، ولا الشراء بغير إعطاء الثمن».

والتقريب في هذه الأخبار الأخيرة أن المرأة متى جاءت تطلب مهرها الذي وقع عليه العقد كلا أو بعضا ومنعها إياه من أجل رضاها بالدخول أو جبرها عليه ، فقد دخل تحت مصداق هذه الأخبار ، إذ النواقل الشرعية محصورة ، وليس مجرد الدخول بالمرأة منها ، والأصل بقاء الحق الثابت أولا حتى يظهر ما يوجب البراءة منه.

ونقل الشيخ في التهذيب عن بعض أصحابنا أنه إذا دخل بها هدم الصداق ، وعليه تدل جملة من الأخبار أيضا.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (٣) في الصحيح عن الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام

__________________

(١) نوادر الراوندي ص ٣٧.

(٢) علل الشرائع ص ٥٠٠ ب ٢٦٢ ، عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٤٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٢٣ ح ٩.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٨٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧ ح ١٣.

٤٩٨

«في رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم أولدها ثم مات عنها فادعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها ، فجاءت تطلبه منهم وتطلب الميراث ، فقال : أما الميراث فلها أن تطلبه ، وأما الصداق فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها ، فهو الذي حل للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه وقبلت ودخلت عليه به ، ولا شي‌ء لها بعد ذلك».

وما رواه في الكافي (١) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزوج والمرأة يهلكان جميعا فيأتي ورثة المرأة فيدعون على ورثة الرجل الصداق ، فقال : وقد هلكا وقسم الميراث؟ فقلت : نعم ، فقال ليس لهم شي‌ء ، فقلت : وإن كانت المرأة حية فجاءت بعد موت زوجها تدعي صداقها؟ فقال : لا شي‌ء لها وقد أقامت معه مقرة حتى هلك زوجها ، فقلت : فإن ماتت وهو حي فجاءت ورثتها يطالبونه بصداقها؟ فقال : وقد أقامت معه حتى ماتت لا تطلبه؟ فقلت : نعم ، فقال : لا شي‌ء لهم ، قلت : فإن طلقها فجاءت تطلب صداقها؟ قال : وقد أقامت لا تطلبه حتى طلقها لا شي‌ء لها ، قلت : فمتى حد ذلك الذي إذا طلبته كان لها؟ قال : إذا أهديت إليه ودخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شي‌ء لها ، إنه كثير لها أن تستحلف بالله مالها قبله من صداقها قليل ولا كثير».

وعن محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ثم تدعي عليه مهرها ، فقال : إذا دخل بها فقد هدم العاجل».

وعن عبيد بن زرارة (٣) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يدخل

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٨٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥ ح ٨.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٨٣ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٠ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤ ح ٦.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٨٣ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٩ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٤ ح ٤.

٤٩٩

بالمرأة ثم تدعي عليه مهرها ، فقال : إذا دخل بها فقد هدم العاجل».

وما رواه في التهذيب (١) عن الحسن بن علي بن كيسان قال : «كتبت إلى الصادق عليه‌السلام أسأله عن رجل يطلق امرأته وطلبت منه المهر ، وروى أصحابنا أنه إذا دخل بها لم يكن لها مهر ، فكتب : لا مهر لها».

وعن المفضل بن عمر (٢) قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : أخبرني مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه ، قال : فقال : السنة المحمدية خمسمائة درهم فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ولا شي‌ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم ، فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي‌ء عليه ، قال : قلت : فإن طلقها بعد ما دخل بها؟ قال : لا شي‌ء لها ، إنما كان شرطها خمسمائة درهم ، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم الصداق ، فلا شي‌ء لها ، إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شي‌ء لها».

وأنت خبير بأن هذه الأخبار على كثرتها وصحة جملة منها لم أقف على قائل بما دلت عليه غير ذلك البعض الذي نقل عنه الشيخ ، وإلا فالشيخ ومن تأخر عنه كلهم قد صرحوا بخلاف ما دلت عليه ، وارتكبوا التأويل فيها ، وهو لما عرفت من وضوح أدلة القول المشهور وموافقتها لأصول المذهب ، ومخالفة هذه.

والشيخ حمل هذه الأخبار تارة على أنه ليس لها شي‌ء بمجرد الدعوى من دون بينة كما يدل عليه خبر الحسن بن زياد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر ، وقال الزوج : قد أعطيتك ، فعليها البينة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٦ ح ٨٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨ ح ١٥.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٦١ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٧ ح ١٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٨٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٠ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٥ ح ٧.

٥٠٠