الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

المسألة الثالثة : اختلف الأصحاب فيما لو عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة ، فقال الشيخ في النهاية أن له ردها ، فإن لم يكن دخل بها لم يكن لها عليه شي‌ء وكان المهر على أبيها ، وإن كان قد دخل بها كان المهر عليه بما استحل من فرجها ، وقال ابن البراج : إذا تزوج من رجل على ابنته أنها بنت مهيرة فوجدها بنت أمة كان مخيرا بين ردها وبين إقرارها على العقد ، فإن ردها فعلى قسمين : إما أن يكون دخل بها فعليه المهر بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل بها لم يكن عليه شي‌ء ، وقد ذكر أن المهر يجب لها على أبيها إذا لم يدخل بها ، والأولى أن ذلك لا يجب.

وقال الكيدري : إن لم يدخل بها فلا شي‌ء عليه والمهر على أبيها على ما روي ، والأصل انه غير واجب.

وقال ابن إدريس : إن لم يكن دخل بها لم يكن عليه شي‌ء ، وروي أن المهر على أبيها ، وليس عليه دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، فمن شغل ذمة الأب بالمهر يحتاج إلى دليل ، وإن دخل بها كان المهر عليه لها بما استحل من فرجها ، ورجع على أبيها به ، فإن رضي بعد ذلك بالعقد لم يكن له بعد رضاه الرجوع بالمهر ولا خيار الرد.

وقال المحقق في الشرائع : قيل : إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة كان له الفسخ ، والوجه ثبوت الخيار مع الشرط لا مع إطلاق العقد ، فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر ، ولو فسخ بعده كان لها المهر ويرجع به على المدلس أبا كان أو غيره.

أقول : وقد اتضح بما ذكرناه أن الخلاف هنا في مواضع ثلاثة :

(أحدها) إنه مع عدم الدخول بها هل يثبت لها المهر على أبيها أم لا؟ والأول قول الشيخ في النهاية خاصة ، والثاني هو المشهور.

و (ثانيها) إنه هل الحكم في هذه الصورة هو ردها على أبيها كما ذكره

٤٠١

الشيخ ، أو أنه يتخير بين الرد والقبول كما هو المشهور.

و (ثالثها) إنه على تقدير أن الحكم هو الخيار كما هو المشهور ، هل الخيار مخصوص بما إذا شرط كونها بنت مهيرة في أصل العقد أو مطلقا؟ عبارة المحقق المذكورة صريحة كما ترى في الأول ، ومثله العلامة في المختلف حيث قال : والوجه عندي أنه لا خيار إلا مع الشرع ، واختاره في المسالك فقال ـ بعد أن نقل عن المحقق ذلك ـ : وهذا هو الأقوى وظاهر الأكثر الثاني.

ثم إن الأصحاب ذكروا مسألة أخرى على أثر هذه المسألة ، فقالوا : لو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه بنته من أمة فعليه ردها ، ولها مهر المثل إن دخل بها ، ويرجع به على من سائقها إليه ويرد عليه التي زوجها ، وكذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته ، قالوا : والفرق بين المسألتين أن العقد في السابقة على بنت الأمة مع دخوله على أن تكون بنت الحرة ، فلذا كان له الخيار لفوات شرطه ، أو ما أقدم عليه ، وفي هذه الصورة وقع على بنت الحرة باتفاقهما ، وإنما أدخل عليه بنت الأمة بغير عقد ، والحكم بوجوب رد التي أدخلت عليه ظاهر ، لأنها ليست هي المعقود عليها ، ولها مهر المثل إذا دخل بها جاهلا بالحال ، لأنه وطء شبهة ، ومهر المثل عوضه ، ويرجع به على المدلس الذي ساقها إليه لغروره.

وقال الشيخ في النهاية (١) : ومتى كان للرجل بنتان أحدهما بنت مهيرة والأخرى بنت أمة فعقد الرجل على بنته من المهيرة ، ثم ادخل عليه بنته من أمة كان له ردها ، وإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان المهر لها بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر ، وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته من المهيرة ، وكان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد وصل إلى

__________________

(١) النهاية ج ٢ ص ٤٨٥ طبعة قم.

٤٠٢

ابنته الاولى ، وإن لم يكن قد وصل إليها ولا يكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج.

وقال ابن البراج : وإن كان الرجل قد دفع الصداق إلى الأولى لم يكن لهذه عليه شي‌ء ، ووجب على أبيها في ماله صداقها دون الزوج.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه في الكافي والتهذيب (١) في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل خطب إلى رجل ابنة له من مهيرة ، فلما كان ليلة دخولها على زوجها ادخل عليه ابنة له اخرى من أمة قال : ترد على أبيها وترد إليه امرأته ، ويكون مهرها على أبيها».

وهذه الرواية ظاهرة في المسألة بل صريحة في المسألة الثانية لدلالتها على أن التي أدخلت عليه غير الابنة التي وقع العقد عليها ، وقد حكم عليه‌السلام بأنه ترد الابنة التي أدخلت عليه إلى أبيها لأنها ليست هي الزوجة ، ويرد إلى الرجل ابنته التي وقع عليها العقد لأنها زوجته ، ومهرها على أبيها عوض تدليسه ، والمهر الذي دفعه أولا للتي أدخلت عليه بناء على أنه دخل بها ، والرواية وإن كانت مجملة في ذلك إلا أن هذا التفصيل معلوم مما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مهيرة فأتاه بغيرها ، قال : ترد إليه التي سميت له بمهر آخر من عند أبيها ، والمهر الأول للتي دخل بها».

وهذه الرواية أيضا ظاهرة بل صريحة في المسألة الثانية ، وأن التي أدخلت عليه غير زوجته المعقود بها ، وقد كني عن العقد في الخبرين بالخطبة ، وقد حكم

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٦ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٣ ح ١.

٤٠٣

عليه‌السلام بأن ما ساقه الزوج من المهر يكون للتي أدخلت عليه لمكان دخوله بها مع جهله بالحال ، وأن على الأب أن يدفع لزوجته التي عقد بها عليه المهر من ماله.

والروايتان المذكورتان كما ترى على خلاف قواعدهم (١) من إيجاب مهر المثل للتي أدخلت عليه لأنه نكاح شبهة ، وهو موضع مهر المثل ، وأنه يرجع به على الأب لتدليسه ، مع أن الروايتين ظاهرتان في أن لها المهر الذي ساقه الزوج أولا ، ومقتضى قواعدهم أنه يجب للزوجة المهر الذي سمي في العقد ، ويجب على الزوج دفعة لها ، مع أنه عليه‌السلام حكم في الخبرين بإيجابه على الأب.

ويعضد هذين الخبرين أيضا ما رواه الثقة الجليل أحمد بن محمد بن عيسى في كتاب النوادر (٢) عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن عليا عليه‌السلام قضى في رجل له ابنتان إحداهما لمهيرة والأخرى لأم ولد ، فزوج ابنته المهيرة فلما كان ليلة البناء أدخلت عليه ابنته لام ولد فوقع عليها ، قال : ترد عليه امرأته التي كانت تزوجها ، وترد هذه على أبيها ، ويكون مهرها على أبيها».

ورواه الصدوق في المقنع (٣) مرسلا قال : «قضى علي عليه‌السلام» الحديث.

أقول : قول «ويكون مهرها على أبيها» راجع إلى التي كانت قد تزوجها

__________________

(١) قال السيد السند في شرح النافع : ما تضمنته الرواية من كون مهر الزوجة على أبيها مخالف للأصل ، ويمكن حملها على أن المسمى مساو لمهر المثل ، فان ما أخذته التي دخل بها من المهر يكون للشبهة ، ويرجع الى أبيها إذا كان قد ساقها اليه ويدفع الى ابنته الأخرى ، ويكون ذلك معنى كون المهر من عند أبيها ، انتهى.

ولا يخفى ما فيه من التعسف الظاهر ، وأي ضرورة تلجئ الى ذلك ، إذ من الجائز بل هو الظاهر أن الحكم بذلك وان كان على خلاف القواعد الا أنه وقع عقوبة ومؤاخذة للأب بما فعله من التدليس ، وله نظائر قد تقدمت. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) النوادر ص ٦٥ ، البحار ج ١٠٣ ص ٣٦٥ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٣ ذيل ح ٢.

٤٠٤

كما صرح به الخبر المتقدم.

ويؤكده أيضا ما رواه ابن شهرآشوب في كتاب المناقب (١) عن إسماعيل بن موسى بإسناده «أن رجلا خطب إلى رجل ابنة له عربية فأنكحها إياه ، ثم بعث إليه بابنة له أمها أعجمية فعلم بذلك بعد أن دخل بها ، فأتى معاوية وقص عليه القصة فقال : معضلة لها أبو الحسن ، فاستأذنه وأتى الكوفة وقص على أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : على أبي الجارية أن يجهز لابنة التي أنكحها إياه بمثل صداق التي ساق إليه فيها ، ويكون صداق التي ساق منها لأختها بما أصاب من فرجها ، وأمره أن لا يمس التي تزف إليه حتى تقضي عدتها ، ويجلد أبوها نكالا لما فعل» (٢).

وأنت خبير بأن هذه الأخبار بعد حمل مجملها على مفصلها قد اتفقت على أن الحكم في المسألة الثانية هو وجوب مهر الزوجة التي أخر دخولها على أبيها ، والمهر الذي ساق الزوج أولا يكون للتي أدخلت عليه لمكان الدخول بها ، وإن كان ذلك على خلاف قواعدهم المشهورة إلا أنه صريح كلام الشيخ في النهاية كما قدمناه ، وكذا كلام ابن البراج ، والمشهور بين المتأخرين خلافه كما عرفت مما قدمنا نقله عنهم.

قال العلامة في المختلف ـ بعد ذكر المسألة الثانية ونقل قول الشيخ في النهاية بنحو ما نقلناه آنفا وذكر رواية محمد بن مسلم الاولى ـ : والحق أن نقول إن كانت الأولى عالمة بأنها ليست الزوجة ودخل بها على علمها بالتحريم لم يكن لها مهر لأنها زانية ، وإن لم تكن عالمة أو جهلت التحريم كان لها مهر مثلها ـ إلى أن

__________________

(١) المناقب ج ٢ ص ٣٧٦ ، البحار ج ١٠٣ ص ٣٦١ ح ٣.

(٢) قد تضمنت هذه الرواية زيادة على غيرها من روايات المسألة عدم جواز وطئ زوجته حتى تنقضي عدة التي أدخلت عليه ، والوجه فيه ظاهر حيث انها أختها ، ونكاحها صحيح لانه نكاح شبهة ، والوطي ما دامت في العدة يستلزم الجمع بين الأختين ، وتضمنت جلده تأديبا جزاء لما فعله من التدليس وارتكاب أمر محرم شرعا. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٠٥

قال : ـ وأما الأولى فلها مهرها على الزوج لأنه لا يسقط بدفع الزوج إلى الثانية ، ثم الزوج يطالب الأب الرافع بما دفعه الزوج إلى الثانية لأنه غره ، انتهى.

وفيه أنه وإن كان ذلك مقتضى قواعدهم المقررة ، لكن اتفاق هذه الروايات ودلالتها صريحا على ما ذكرناه يمنع من ردها وطرحها في مقابلة ما ذكروه سيما مع ما عرفت في غير موضع مما تقدم من وقوع نحو ذلك في مواضع لا تحصى كثرة.

وكيف كان فجملة هذه الأخبار إنما تضمنت حكم المسألة الثانية ، وليس غيرها في الباب ، وعلى هذا فالمسألة الأولى خالية من الدليل ، وإن كثر فيها القال والقيل ، وما ذكروه فيها من الرواية بأن مهر تلك المرأة مع عدم الدخول بها على أبيها لم نقف عليه في خبر بالكلية ، وكذا المواضع التي وقع فيها الخلاف كما قدمنا ذكره لم نقف فيها على خبر.

وبالجملة فإنه لم يصل إلينا خبر يتضمن تلك المسألة بالكلية ، وإنما الذي وصل إلينا هذه الأخبار التي ذكرناها ، وموضعها إنما هو المسألة الثانية ، وحينئذ فيشكل الكلام فيها وإن أمكن بالنظر إلى تقريباتهم العقلية في بعض المواضع منها ، إلا أنها غير معمول عليها عندنا كما عرفت في غير موضع مما تقدم.

والعلامة في المختلف بعد أن اختار فيها أنه لا خيار إلا مع الشرط كما قدمنا نقله عنه قال : والشيخ عول على رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، ثم ساق الرواية الاولى من روايته ، ثم قال : وإن كان ضامنا في هذه الصورة فكذا في المتنازع لعدم التفاوت ، وفي إيجاب المهر على الأب إشكال ، انتهى.

وأنت خبير بأن ظاهر كلامه أن الشيخ إنما قال بوجوب المهر على الأب في المسألة الأولى إلحاقا لها بالمسألة الثانية ، حيث أوجب على الأب المهر للزوجة ، ولا يخفى أنه مع كونها قياسا ، فهو قياس مع الفارق ، لأن التي حكم بإيجاب المهر لها على الأب في المسألة الأولى ليست زوجة ، لأن الشرط والتراضي إنما وقع على بنت المهيرة ، وهذه إنما هي مدلسة ، ولذا حكم بردها على أبيها ، ومن أجل

٤٠٦

ذلك استشكل أيضا في إيجاب المهر على الأب ، والتي حكم بإيجاب المهر لها في المسألة الثانية زوجة شرعية مستحقة للمهر ، لكن لما كان الأب سببا في فوات مهرها باستحقاق الأخت التي أدخلت عليه لدخوله بها ، غرم المهر عقوبة لابنته التي أخر إدخالها على زوجها.

وبالجملة فالمسألة حيث كانت عارية عن النص فالكلام فيها مشكل ، وحبس الفكر عن الجولان في ميدانها أوفق بالامتثال لما أمروا به في أمثالها.

فوائد

الأولى : قد وقع التعبير بالمهيرة في الأخبار وكلام الأصحاب ، وفي الحديث كان لداود عليه‌السلام (١) ثلاثمائة مهيرة ، وسبعمائة سرية. وهي فعلية بمعنى مفعولة ، والمراد بها على ما ذكره أهل اللغة الحرة كالجوهري وغيره ، سميت بذلك لأنها لا ينكح إلا بمهر ، بخلاف الأمة فإنها قد توطئ بالملك والتحليل.

قال في القاموس (٢) المهيرة هي الحرة الغالية المهر. وفي الصحاح (٣) : المهيرة هي الحرة.

الثانية : قال في المسالك : واعلم أنه لا فرق في بنت المهيرة بين كون أمها حرة في الأصل ، أو معتقة لما عرفت من أن المراد منها لغة الحرة ، وهي شاملة لهما ويحتمل ضعيفا (٤) الفرق ، بناء على أن المعتقة يصدق عليها أنها كانت أمة ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٧ ح ٥٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ١٨١ ح ٩ ، وما في المصدرين «كان لسليمان بن داود».

(٢) القاموس ج ٢ ص ١٣٧.

(٣) الصحاح ج ٢ ص ٨٢١.

(٤) أقول : أشار بهذا الاحتمال الى ما ذكره جملة منهم السيد عميد الدين في شرح القواعد فإنه استشكل في المسألة لهذا الاحتمال ، والمذكور فيها جوابه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٠٧

إذ لا يشترط في صدق المشتق بقاء المعنى المشتق منه ، ولا يخفى ضعفه إذ لا اشتقاق هنا ، بل الأمة اسم للرقية ، وهو منتف بعد العتق ، وتعريف أهل اللغة ينافيه ، انتهى.

الثالثة : لا يخفى أن ما صرحت به أخبار المسألة الثانية من ثبوت المهر لمن أدخلت عليه مبني على الدخول بها مع عدم علمها بالحال ، وإلا فلو كانت عالمة بأنها ليست زوجة فإنه لا شي‌ء لها لأنها زانية ، ولو علم هو مع جهلها كان هو زانيا ، ولكن لها مهر المثل عند الأصحاب لموضع الشبهة ، والمهر الذي تضمنته الأخبار ، هذا مع الدخول بها وإلا فلا شي‌ء لها لا على الرجل الذي أدخلت عليه ولا غيره ، لأنها ليست معقودا عليها ولا موطوءة ، والله أعلم.

المسألة الرابعة : إذا تزوج الرجل امرأة على أنها بكر فظهرت ثيبا فظاهر كلام جملة من الأصحاب التفصيل في ذلك بأنه إن كان شرط كونها بكرا وثبت سبق الثيبوبة على العقد فإنه يجوز له الفسخ لفوات الشرط المقتضي للتخيير كنظائره ، وإلا فلا ، لأن الثيبوبة في نفسها ليست عيبا بحيث ترد به المرأة ، ولذلك لم يذكر في العيوب المتقدمة ، وإنما جاز الفسخ من حيث الشرط.

ويثبت سبق الثيبوبة بإقرارها وبالبينة ، أو بقرائن الأحوال المفيد للعلم ، ولو تجددت الثيبوبة بعد العقد فلا خيار أيضا ولا رجوع لعدم المقتضي ، وما تجدد بعد العقد من جملة العوارض اللاحقة لها لا توجب شيئا ، ولا يترتب عليها أثر ، ولو اشتبه الحال بأن لم يعلم تقدم ذلك على العقد أو تأخره عنه ، فلا خيار أيضا لأصالة عدم التقدم ، ثم إنه متى فسخ فإن كان قبل الدخول فلا شي‌ء لها ، وإن كان بعده فقد استقر المهر ويرجع به على المدلس ، وإن كانت هي المدلسة فلا شي‌ء لها ، إلا أنهم قالوا هنا جريا على ما تقدم من نظائر هذا الموضع أنه يستثني لها أقل ما يصلح لأن يكون مهرا كما هو أحد القولين.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه ثقة الإسلام (١) في الصحيح

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٣ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٨ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٥ ب ١٠ ح ١.

٤٠٨

عن محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام «في الرجل يتزوج امرأة على أنها بكر فيجدها ثيبا ، يجوز له أن يقيم عليها؟ قال : فقال : قد تفتق البكر من المركب ومن النزوة».

وما رواه في الكافي والتهذيب (١) في الصحيح عن محمد بن جزك قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا ، هل يجب لها الصداق وافيا أم ينتقص؟ قال : ينتقص».

وظاهر الخبر الأول يتناول من اشترط بكارتها في العقد أو ذكرت قبله وجرى العقد عليها من غير اشتراط له في نفس العقد ، وأنه مع عدم العلم بالتقدم على العقد يجوز تجدده بأحد الوجهين المذكورين فلا يوجب ذلك الخيار ، وظاهر الثانية هو أنه مع ظهور الثيبوبة ينقص شي‌ء من المسمى ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى ، وأما باقي الأحكام في المقام فقد علم وجهها مما سبق.

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنه حيث لا فسخ إما لعدم وجود موجبه ، أو لاختياره المقام معها وإن جاز له الفسخ ، فهل للزوج أن ينقص شيئا من المهر لظهور الثيبوبة التي هي على خلاف ما وقع عليه الاتفاق من البكارة أم لا؟ قولان ، والثاني منقول عن أبي الصلاح وبن البراج (٢) والأول هو المشهور.

قال أبو الصلاح على ما نقل عنه في المختلف في بحث المهور : إذا تزوج بكرا فوجدها ثيبا وأقرت للزوج بذلك حسب ، أو قامت به البينة فليس يوجب الرد ولا نقصانا في المهر.

وظاهر هذا الكلام عدم ثبوت الخيار ، وإن تقدم حصول الثيبوبة على العقد

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٣ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٨ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٥ ب ١٠ ح ٢.

(٢) وأما ابن البراج فإنه قال : إذا تزوجها على أنها بكر فوجدها ثيبا جاز أن ينقص من مهرها شيئا ، وليس ذلك بواجب. انتهى ، وربما أشعرت هذه العبارة بخلاف ما نقل عنه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٠٩

وشرط البكارة ، وهو خلاف ما يفهم من كلام الأصحاب كما عرفت ، ولهذا أن العلامة في المختلف قال : وأبو الصلاح إن قصد التزويج بالبكر مع عدم شرط البكارة فهو مسلم ، وإن قصد ذلك مع اشتراط البكارة فهو ممنوع ، ثم إنه على تقدير القول المشهور من جواز أن ينقص من المهر شيئا فإنهم قد اختلفوا في قدر ذلك على أقوال :

(أحدها) أن ينقص شي‌ء في الجملة ، حيث قد ورد عن الشارع نقص شي‌ء ولم يقدره كما تشعر به صحيحة محمد بن جزك المتقدمة ، والتقريب فيها استلزام النقص تقدير منقوص ، والمناسب تقدير لفظ شي‌ء مبهم لاقتضاء المقام إياه ، وهذا القول للشيخ في النهاية.

و (ثانيها) إن الناقص السدس ، ونقل عن القطب الراوندي في شرح مشكل النهاية محتجا بأن الشي‌ء في عرف الشرع السدس ، فلهذا حمل عليه في الوصية فكذا هنا ، وغلطه المحقق فقال : بأن الشي‌ء لم يذكر في الرواية ، وإنما وجب تقديره لاقتضاء اللفظ نقصان قدر مبهم ، وهو الشي‌ء المنكر ، لا الشي‌ء المعين الذي هو السدس ، ثم كون الشي‌ء سدسا في الوصية لا يقتضيه في غيرها ، لانتفاء الدليل عليه مع كونه أعم ، ورده العلامة أيضا في المختلف فقال : الجواب المنع من العرف الشرعي في ذلك ، ولهذا لا يحمل عليه في الإقرار وغيره ، ولا يلزم من تقديره في الوصية تقديره في غيرها ، إذ ليس في الرواية لفظ شي‌ء.

و (ثالثها) إنه ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر والثيب ، وهو قول ابن إدريس حيث قال ـ على ما نقله في المختلف ـ : الصحيح أنه ينقص من المسمى مقدار مثل ما بين مهر البكر إلى مهر الثيب ، وذلك يختلف باختلاف الجمال والسن والشرف وغير ذلك ، فلأجل هذا قيل ينقص من مهرها شي‌ء منكر غير معروف ، واختاره في المختلف ، وهو قول المحقق في الشرائع.

وقد اعترض على هذا القول السيد عميد الدين في شرحه على القواعد فقال : وأنا أقول : إن كلام ابن إدريس ليس جيدا على إطلاقه ، فإنه ربما

٤١٠

أدى إلى سقوط المهر بالكلية ، وذلك لأنا لو فرضنا أن مهرها بكرا خمسون وثيبا أربعون كان له أن يسقط التفاوت وهو عشرة ، كما قال ابن إدريس ، فلو فرضنا أن المسمى كان عشرة لزم خلو البضع من المهر بإسقاط جميعه ، بل ينبغي أن يقال أنه يسقط نسبة ما بين مهرها بكرا وثيبا ، ففي هذه الصورة يسقط خمس ما وقع عليه العقد ، وذلك ديناران. انتهى وهو جيد ، وقد تقدم نظيره في كتاب البيع.

ونقل الشيخ ابن فهد في الموجز عن فخر المحققين أنه رده بأن قيمة المثل يعتبر في المعاوضات المحضة والنكاح ليس منها ، وهو ظاهر في رد قول ابن إدريس.

وظاهره في المسالك (١) وسبطه في شرح النافع حمل كلام ابن إدريس على ما ذكره السيد عميد الدين من إرادة النسبة بين المهرين لا مجموع ما بينهما. ونسبه في المسالك إلى العلامة في التحرير أيضا ، وقال : ووجهه أن الرضاء بالمهر المعين إنما حصل على تقدير اتصافها بالبكارة ولم تحصل إلا خالية من الوصف ، فيلزم التفاوت كأرض ما بين المبيع صحيحا ومعيبا ، قال : ويضعف بأن ذلك إنما يتم حيث يكون فواته قبل العقد ، أما مع إمكان تجدده فلا ، لعدم العلم بما يقتضي السقوط. انتهى وهو جيد.

و (رابعها) ما نقله في المسالك عن المحقق أيضا وهو إحالة تقدير ذلك على نظر الحاكم ، لانتفاء تقدير النص شرعا مع الحكم بأصله بالرواية الصحيحة فيرجع فيه إلى رأي الحاكم ، قال : وهذا القول منسوب إلى المصنف أيضا وهو أوجه الأقوال ، لثبوت النقص بالرواية الصحيحة وعدم تقديره لغة وشرعا ، فلا

__________________

(١) حيث قال في ثالثها : أنه ينقص منه مقدار ما بين مهر البكر والثيب أى بنسبة ما بينهما لا مجموع ما بينهما لئلا يلزم استيعاب المسمى في بعض الموارد بل الزيادة عليه ، فلو فرض مهر مثل البكر مائة والثيب خمسين نقص من الفرض نصف المسمى ، وهو قول ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ ورجحه المصنف ـ رحمة الله عليه ـ والعلامة في التحرير ... الى آخر ما ذكرناه في الأصل. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤١١

شي‌ء أنسب له من نظر الحاكم ، وحينئذ فينظر في أصل المسألة برأيه ، انتهى.

أقول : الموجود من الأقوال في المسألة هو الثلاثة الأول كما ذكره في المختلف ، ومثله السيد عميد الدين في شرح القواعد ، وهذا القول نقله الشيخ أحمد ابن فهد عن المحقق في النكت (١).

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المسألة غير خالية من الاشكال ، والظاهر عندي ضعف القول الرابع بعد الثاني فإنه أضعف الأقوال ، وما احتج في المسالك بهذا القول من ثبوت النقص بالرواية ، وعدم تقديره لغة وشرعا يعني عدم تقدير الشي‌ء ، فإنه لا يستلزم الرجوع إلى الحاكم بوجه من الوجوه ، وكيف والحاكم إنما يجوز له الحكم بشي‌ء بعد قيام دليل عليه عنده ، ولم يرد من الشرع تفويض الأحكام الشرعية أو تقدير المجهولات إليه يحكم فيها برأيه كما ادعاه من قوله ، وينظر في أصل المسألة برأيه ، وأي دليل دل على تفويض ذلك إليه يحكم فيه برأيه ، مع أنه مأخوذ عليه آية ورواية أن لا يحكم إلا بما أنزل الله ، وأقرب هذه الأقوال القول الأول والثالث ، بل يمكن إرجاعهما إلى قول واحد كما هو ظاهر العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد اختيار مذهب ابن إدريس ـ وهو غير مناف لما قاله الشيخ ، والله العالم.

المسألة الخامسة : قد صرح جملة من الأصحاب بأنه إذا تزوج رجلان بامرأتين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على الآخر فوطأها ، فلكل واحدة منهما على واطئها مهر المثل ، وترد كل واحدة على زوجها ، وعليه مهرها المسمى ، وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطئ الأول ، ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل منهما زوجة نفسه وورثته.

__________________

(١) وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل الى هذا القول تبعا لجده ـ قدس‌سرهما ـ حيث قال ـ بعد ذكر الوجه الذي نقلناه عن جده ـ : ولا بأس به. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤١٢

وقال الشيخ في النهاية (١) إذا عقد الرجلان على امرأتين فأدخلت امرأة هذا على هذا ، والأخرى على الآخر ثم علم بعد ذلك فإن كانا قد دخلا بهما فإن لكل واحدة منهما الصداق ، فإن كان الولي تعمد ذلك ، اغرم الصداق ، ولا يقرب كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها ، فإن ماتتا قبل انقضاء العدة فليرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتها ، ويرثانهما الزوجان ، وإن مات الرجلان وهما في العدة فإنهما يرثانهما ، ولهما المسمى.

وقال ابن إدريس : والصحيح من الأقوال أن بموت أحد الزوجين يستقر جميع المهر كملا ، سواء دخل بها الرجل أو لا.

أقول : والأصل في هذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن جميل بن صالح عن بعض أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام «في أختين هديتا إلى أخوين في ليلة ، فأدخلت امرأة هذا على هذا ، وأدخلت امرأة هذا على هذا ، قال : لكل واحد منهما الصداق بالغشيان ، وإن كان وليهما تعمد ذلك اغرم الصداق ، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة صارت كل واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول ، قيل له : فإن ماتتا قبل انقضاء العدة؟ قال : فقال : يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثانهما الرجلان ، قيل : فإن مات الرجلان وهما في العدة؟ قال : ترثانهما ولهما نصف المهر المسمى ، وعليهما العدة بعد ما تفرغان من العدة الأولى تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها».

وروى هذه الرواية الصدوق في الفقيه (٣) عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح أن أبا عبد الله عليه‌السلام قال : «في أختين أهديتا» الحديث ،. وهو صحيح لأن طريق

__________________

(١) النهاية ص ٤٨٨ ط قم مع إضافات فراجع.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٧ ح ١١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٤ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٦ ب ٤٩ ح ٢.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٧ ح ٥٤.

٤١٣

الصدوق إلى الحسن بن محبوب صحيح ، وباقي رجاله ثقات ، والأصحاب في كتب الاستدلال كالمختلف والمسالك وغيرهما إنما نقلوا الخبر برواية الكليني والشيخ ، وردوه بضعف السند ، لما عرفت من الإرسال ، وطعن فيه المسالك باشتماله على تنصيف المهر في موت كل منهما ، ولا بأس بنقل كلامه ، وإن طال به زمام الكلام ليظهر لك ما فيه من صحة أو سقام.

قال ـ رحمة الله عليه ـ بعد الكلام في المسألة وذكر الرواية : وقد ظهر أن الرواية ضعيفة بالإرسال والقطع معا ، ومع ذلك فالشيخ لم يعمل بموجبها في الزوجين لتضمنها لثبوت نصف المهر بالموت في كل منهما ، والشيخ خصه بموت الزوجة ، وأوجب مع موت الزوج المسمى ، ولعل لفظ المسمى وقع سهوا ، وكان حقه نصف المسمى كما في الرواية ، لأنها هي مستند ذكره لها في النهاية ، وقد ذكرها الصدوق في المقنع كما ذكرها في التهذيب ، ولكن الصدوق لم يجعلها مقطوعة ، بل قال : وسئل الصادق عليه‌السلام عن أختين أهديتا إلى أخوين. إلى آخر الحديث ، وفي المختلف اقتصر في نقل الرواية على ما تضمنه كلام الشيخ ، وترك حكاية آخرها المتضمن لثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوج ، فلم يحصل فيها مخالفة إلا في موضع واحد ، وهو ثبوت نصف المهر على تقدير موت الزوجة كما ذكره في النهاية ، ثم حمل الرواية على أن المرأتين ليس لهما ولد ، فيرجع الزوجان بالنصف فيما دفعاه مهرا على سبيل الميراث ، ورضيه منه المتأخرون ، وهذا الحل مع بعده يتم في جانب الزوج دون الزوجة لحكمه لها أيضا بالنصف ، مع أن أول الرواية تضمن حصول الغشيان ووجوب الصداق ، وآخرها اقتضى ثبوت النصف بالموت ، وحملها على ما لوقع ذلك قبل الدخول خلاف ظاهرها ، وعلى كل تقدير ، فإطراح الرواية لما ذكر من وجه الضعف أولى من تكلف حملها على ما لا تدل عليه ، انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق ـ : إن ما طعن به من ضعف السند فقد عرفت جوابه ،

٤١٤

وأنه مبني على نقله الرواية من التهذيب أو الكافي ، وإلا فهي كما عرفت صحيحة في الفقيه ، وعبارة المقنع التي حكاها مبنية على ذلك.

وأما ما طعن به في متن الخبر من اشتماله على تنصيف المهر بموت الزوج والزوجة مع ذكر الغشيان الذي هو كناية عن الدخول في صدر الخبر ، فالجواب عنه أنه لا يخفى أن الغشيان الذي وقع إنما هو من ذلك الرجل الأجنبي الذي أدخلت عليه المرأة بظن أنه زوجها فجامعها على أنها زوجته ، والصداق المذكور الذي استحقه بالغشيان مراد به مهر المثل الذي ذكره الأصحاب ، حيث إن النكاح هنا وقع نكاح شبهة يوجب مهر المثل ، غاية الأمر أنه عبر عنه بالصداق ، وهو غير بعيد ولا مستغرب.

وأما ما ذكره من السؤال في الرواية بقوله : فإن ماتتا قبل انقضاء العدة؟ قال : يرجع بنصف الصداق. فالمراد بالصداق هنا إنما هو المسمى في العقد بين تلك المرأة وزوجها لا مهر المثل الذي تقدم في صدور الرواية.

وبذلك على ذلك أن هذا السؤال إنما وقع على أثر قوله : ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت العدة صارت كل امرأة منهما إلى زوجها ، فإنه لما تضمن وجوب إرجاع كل واحدة منهما إلى زوجها الذي عقد عليها ، بعد أن تنقضي عدة نكاح الشبهة رجع السائل وسأل عن موت أحد الزوجين من المرأة أو الرجل في تلك العدة.

وحاصله يرجع إلى موت أحد الزوجين قبل الدخول وهي مسألة مشهورة سيأتي تحقيق الكلام فيها ، وقد قيل بتنصيف المهر في الموضعين ودلت عليه جملة من الأخبار أيضا ، وهذا الخبر من جملتها ، وإن عارضها غيرها من الأخبار.

وبالجملة فإن كلا من المرأتين المذكورتين لها صداقان : أحدهما وهو مهر المثل على الواطئ لها ، وهو المذكور في صدر الرواية ، والمهر الآخر المسمى في العقد على الزوج ، وهذا هو الذي وقع السؤال عن وجوبه كملا أو

٤١٥

تنصيفه بالموت ، وهي مسألة مشهورة ، وأخبارها من الطرفين مأثورة ، وهذا الخبر من جملتها ، وبذلك يظهر أنه لا طعن من هذه الجهة لوجود القائل ، ودلالة الأخبار على تنصيف المهر في الموضعين ، ولا ضرورة إلى ما تكلفه في المختلف ولا غيره ، ولا إشكال بحمد الملك المتعال في هذا المجال كما لا يخفى على من عرف الرجال بالحق ، لا الحق بالرجال.

ومن روايات المسألة أيضا وإن لم تشتمل على هذه الأحكام ما رواه في الفقيه (١) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجلين نكحا امرأتين ، فأتى هذا بامرأة هذا ، وهذا بامرأة هذا؟ قال : تعتد هذه من هذا ، وهذه من هذا ، ثم ترجع كل واحدة إلى زوجها».

أقول : حكمه عليه‌السلام بالعدة هنا محمول على وقوع الدخول ، وإلا فمع عدمه فإنه ترجع كل واحدة إلى زوجها من حين العلم بالحال ، وبه صرح الأصحاب أيضا ، وقد صرحوا أيضا بأنه متى كان الرجل عالما بالحال وهي جاهلة فإنه يكون زانيا فيحد لذلك ، ولها المهر ، وعليها العدة ولو علمت هي وجهل هو كانت زانية لا مهر لها ، ويجب عليها الحد وعليها العدة لوطئه المحرم ، والعدة تثبت مع احترام الوطي من جهتها أو من جهته كما عرفت ، ولو علما معا كانا زانيين فلا مهر ولا عدة ، ولو فرض دخول أحدهما دون الآخر أو العلم من أحدهما دون الآخر اختص كل بما يلزمه من الأحكام المذكورة ، والله العالم.

المسألة السادسة : من القواعد المقررة بينهم أن كل موضع حكم فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطي مهر المثل لا المسمى ، وكل موضع حكم فيه بصحة العقد فلها مع الوطي المسمى وإن تعقبه الفسخ.

وعلل الأول بأن مهر المثل عوض البضع المحرم حيث لا عقد ، ومع بطلان العقد ينزل كعدمه فيكون كالوطئ لشبهة المجرد عن العقد.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٧ ح ٥٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٩٥ ب ٤٩ ح ١.

٤١٦

وعلل الثاني بأن المسمى تابع لصحة العقد ، فمتى صح العقد وجب المسمى وإن تعقبه الفسخ لوجوبه بالعقد ، والفسخ إنما يرفع العقد من حين الفسخ لا من أصل العقد ، فلا يبطل المسمى الذي قد استقر بالدخول سواء كان الفسخ بعيب سابق له أو لا حق ، وللشيخ في المبسوط قول بالتفصيل ، وهو أنه إن كان الفسخ بعيب سابق على الوطي لزم مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

المقصد الثاني في المهور :

جمع مهر وهو على ما عرفة في الصحاح والقاموس (١) : الصداق ، قالا : والصداق بكسر الصاد وفتحها : المهر.

قال في المسالك : وهو مال يجب بوطى‌ء غير زنا منهما ولا ملك يمين أو بعقد النكاح أو تفويت بضع قهرا على بعض الوجوه كإرضاع ورجوع شهود.

قال سبطه في شرح النافع بعد نقل ذلك : وأورد عليه طردا عقر الأمة الزانية إن جعلنا العقر مهرا كما ذكره المعرف فإنه جعل من أسماء المهر العقر ، وعكسا أرض البكارة ، فإنه يجب بالوطء المخصوص وليس مهرا والنفقة إن قلنا أنها تجب بالعقد ، والنشوز مانع ، ثم قال : والأمر في ذلك هين.

ثم إنه قال في المسالك : وله أسماء كثيرة منها الصداق بفتح الصاد وكسرها سمي به لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجابه ، والصدقة بفتح أوله وضم ثانيه ، والنحلة ، والأجر ، والفريضة ، وقد ورد بها القرآن ، قال الله تعالى «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (٢) وقال «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (٣) وقال «وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً» (٤) والعليقة ، والعلائق ، وقد روي (٥) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أدوا العلائق ، قيل : وما العلائق؟ قال : ما ترضى به الأهلون.

__________________

(١) الصحاح ج ٤ ص ١٥٠٦ ، القاموس ج ٢ ص ١٣٦.

(٢ و ٣) سورة النساء ـ آية ٤ و ٢٤.

(٤) سورة البقرة ـ آية ٢٣٧.

(٥) النهاية لابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٩.

٤١٧

والعقر بالضم ، والحباء بالكسر ، ويقال من لفظ الصداق والصدقة : صدقتها ، ومن المهر : مهرتها ، ولا يقال : أصدقتها وأمهرتها ، ومنهم من جوزه ، وقد استعمله المصنف وغيره من الفقهاء ، انتهى كلامه.

قال في كتاب المصباح المنير (١) : ومهرت المرأة مهرا من باب نفع أعطيتها المهر ، وأمهرتها بالألف كذلك ، والثاني لغة تميم وهي أكثر استعمالا ، ومنهم من يقول مهرتها إذا زوجها من رجل على مهر فهي مهيرة ، فعلى هذا يكون مهرت وأمهرت لاختلاف معنيين. انتهى.

وقال أيضا في الكتاب المذكورة : وصداق المرأة فيه لغات أكثرها فتح الصاد ، والثانية كسرها ، والجمع صدق بضمتين ، والثالثة لغة الحجاز صدقة ، ويجمع صدقات على لفظها ، وفي التنزيل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ» والرابعة لغة تميم صدقة ، والجمع صدقات ، مثل غرفة وغرفات ، وصدقه لغة خامسة وجمعها صدق مثل قرية وقرى ، وأصدقتها بالألف أعطيتها صداقها ، وأصدقتها تزوجتها على صداق ، انتهى.

وكيف كان ففي هذا المقصد بحوث :

الأول : فيما يصح أن يكون مهرا ، وفيه مسائل :

الأولى : المفهوم من كلام الأصحاب الاتفاق على أن كل ما يملكه المسلم مما يعد مالا يصلح جعله مهرا للزوجة عينا كان أو دينا أو منفعة ، والمراد بالمنفعة ما يشمل منفعة العقار والحيوان والغلام والأجير ، وإنما وقع الخلاف في جعل المهر عملا من الزوج للزوجة أو وليها ، فمنعها الشيخ في النهاية ، والمشهور الجواز وهو قوله في الخلاف والمبسوط ، وإليه ذهب الشيخ المفيد وابن الجنيد وابن إدريس ، وجملة من تأخر عنه.

قال في النهاية : يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شي‌ء من الحكم والآداب ، لأن ذلك له أجر معين ، وقيمة مقدورة ، ولا يجوز العقد على إجارة ،

__________________

(١) المصباح المنير ص ٨٠١.

٤١٨

وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليها أياما معلومة ، أو سنين معينة.

وظاهر كلامه في الخلاف أن القول بما ذهب إليه في النهاية كان موجودا قبله حيث قال : يجوز أن يكون منافع الحر مهرا مثل تعليم قرآن أو شعر مباح أو تعليم بناء أو خياطة ثوب وغير ذلك مما له أجر ، واستثنى أصحابنا من جملة ذلك الإجارة ، وقالوا : لا يجوز ، لأنه كان يختص بموسى عليه‌السلام ، ونحوه في المبسوط.

وابن البراج قد تبع الشيخ في النهاية في كتاب الكامل ، ووافق المشهور في المهذب فقال : ويجوز أن يكون منافع الحر مهرا ، مثل أن يخدمها شهرا وعلى خياطة ثوب ، وعلى أن يخيط له شهرا ، وكذلك البناء وما أشبهه ، وكذلك تعليم القرآن ، والمباح من الشعر ، وروى أصحابنا أن الإجارة مدة لا تصلح أن تكون صداقا لأن ذلك مخصوص بموسى عليه‌السلام.

وقال ابن إدريس : يجوز أن يكون منافع الحر مهرا ، مثل تعليم القرآن أو شعر مباح أو بناء أو خياطة ثوب وغير ذلك مما له اجرة ، لأن كل ذلك له أجر معين وقيمة مقدرة.

واستثنى بعض أصحابنا من جملة ذلك الإجارة إذا كانت معينة يعملها الزوج بنفسه ، قال : لأن ذلك كان مخصوصا بموسى عليه‌السلام ، والوجه في ذلك أن الإجارة إذا كانت معينة لا تكون مضمونة ، بل إذا مات المستأجر لا يؤخذ من تركته ، ولا يستأجر لتمام العمل ، وإذا كانت في الذمة تؤخذ من تركته ، ويستأجر لتمام العمل ، قال : والذي أعتمده وأعمل عليه وأفتي به أن منافع الحر ينعقد بها عقود النكاح ، وتصح الإجارة ، والأجرة على ذلك ، سواء كانت الإجارة في الذمة أو معينة لعموم الأخبار ، وما ذكره بعض أصحابنا من استثنائه الإجارة وأنها كانت مخصوصة بموسى عليه‌السلام فكلام في غير موضعه ، واعتماد على خبر شاذ نادر.

٤١٩

فإذا تأمل حق التأمل بان ووضح أن شعيبا عليه‌السلام استأجر موسى عليه‌السلام ليرعى له ، لا ليرعى لبنته ، وذلك كان في شرعه وملته أن المهر للأب دون البنت ، وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز في شرعنا ما جاز في شرع شعيب عليه‌السلام ، فأما إذا عقد على إجارة ليعمل لها فالعقد صحيح سواء كانت الإجارة معينة أو في الذمة.

وقد أورد شيخنا في التهذيب (١) خبرا عن السكوني عن الصادق عليه‌السلام «قال لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بأن يقول : أعمل عندك كذا سنة على أن تزوجني أختك أو بنتك ، قال : حرام ، لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها».

فهذا يدلك على ما حررناه وبيناه ، فمن استثنى من أصحابنا الإجارة ، إن أراد الإجارة التي فعلها شعيب عليه‌السلام مع موسى عليه‌السلام فصحيح ، وإن أراد غير ذلك فباطل. انتهى كلامه ، وهو جيد للأخبار الدالة على ذلك عموما وخصوصا.

ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال سألته عن المهر ما هو؟ قال : ما تراضى عليه الناس».

وعن الفضيل بن يسار (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير فهذا الصداق».

وعن الحلبي (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المهر ، فقال : ما تراضى عليه الناس» الحديث.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٦٧ ح ٥١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٨ ح ٥٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٧٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٧٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٤ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ١ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٧٩ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٤ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ١ ح ١.

٤٢٠