الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

ابن مسكان قال : «بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت : سله عن خصي قد دلس نفسه لامرأة ودخل بها فوجدته خصيا ، قال : يفرق بينهما ويوجع ظهره ، ويكون لها المهر بدخوله عليها».

وعن سماعة (١) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن خصيا دلس نفسه لامرأة ، قال : يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ويوجع ظهره كما دلس نفسه».

وأنكر ابن إدريس هذا الحكم وقال : لا دليل على صحة هذه الرواية من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وإن كان أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.

وقال العلامة في المختلف : إن الشيخ بنى ذلك على أصله من ثبوت المهر بالخلوة.

قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد نقل ذلك عن العلامة ـ : وفيه نظر فإن الشيخ إنما استند في هذا الحكم إلى هذه الروايات ، ولو صح سندها لوجب المصير إليه ، وإذا لم يثبت ذلك الأصل فالمسألة محل تردد ، انتهى.

أقول : ومن روايات المسألة ما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد (٢) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن خصي دلس نفسه لامرأة ما عليه؟ قال : يوجع ظهره ويفرق بينهما وعليه المهر كاملا إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فعليه نصف المهر».

وما صرح به الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٣) حيث قال : وإن تزوجها خصي فدلس نفسه لها وهي لا تعلم فرق بينهما ويوجع ظهره كما دلس نفسه ، وعليه نصف الصداق ولا عدة عليها منه». ونقل في المختلف هذه العبارة بلفظها عن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١١ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٢ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٨ ح ٢.

(٢) قرب الاسناد ص ١٠٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٩ ح ٥.

(٣) فقه الرضا ص ٢٣٧ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦٠٤ ب ١٢ ح ٢.

٣٨١

الشيخ علي بن بابويه في الرسالة ، وابنه في المقنع على وجه الإفتاء بها.

وأنت خبير بأن المستفاد من هذه الروايات بعد ضم بعضها إلى بعض هو أن الخصاء وإن كان عيبا إلا أنه يمكن الجماع معه كما ذكره الشيخ وغيره ، ومن هذه الجهة لم يعده عيبا كما تقدم نقله عنه ، قال : لأن غايته أنه لا ينزل ، وإلا فإنه يبالغ في الإيلاج أكثر من الفحل ، وعدم الانزال ليس بعيب ، وحينئذ فنقول إنه متى دخل الخصي بها وجب المهر. وهو مما لا إشكال فيه ، وبه صرحت صحيحة علي بن جعفر ، وعليه يحمل صحيحة ابن مسكان وموثقة سماعة ، وإن لم يدخل بها فنصف المهر كما صرحت به صحيحة علي بن جعفر أيضا وعليه يحمل كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي.

وبذلك يظهر لك أن ما ذكره هؤلاء الأجلاء في المقام فإنه نفخ في غير ضرام ، ومبنى هذا الاشكال عندهم والاختلاف بينهم على دعوى دلالة صحيحة ابن مسكان وموثقة سماعة على وجوب المهر بالخلوة ، فمن ثم اتخذهما الشيخ دليلا على ما ادعاه من وجوب المهر بالخلوة ، وردهما ابن إدريس لذلك ، وهكذا كلام العلامة والسيد المذكور.

وفيه أن غاية ما يدل عليه الخبران المذكوران هو أنه بتزويجه بها ودخوله عليها يجب المهر ، وهو مجمل بالنسبة إلى الوطي وعدمه ، ولكن صحيحة علي بن جعفر قد فصلت الحكم بأنه إن كان قد دخل بها فلها المهر كملا ، وإن لم يدخل فنصفه ، والمجمل يحمل على المفصل كما هو القاعدة الكلية ويعضدها كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقيه ، وحكمه بالتنصيف فإنه محمول على الفسخ مع عدم الدخول ، وهذا بكرامته سبحانه واضح لا سترة عليه ، والله العالم.

المسألة الرابعة : قد ثبت بما قدمناه في المقام الأول من المطلب الأول أن العنن من جملة عيوب الرجل المتفق على جواز فسخ المرأة به ، بقي الكلام هنا في مواضع من أحكامه :

٣٨٢

الأول : إنك قد عرفت أن العنة عبارة عن ضعف الآلة عن الانتشار والولوج في الفرج ، فهو أمر مخفي لا يطلع عليه غير من ابتلى به ، فلا يمكن الاطلاع عليه بالشهادة حينئذ فلا طريق إلى الحكم به إلا بإقرار صاحبه على نفسه أو قيام بينة بإقراره ، فعلى هذا لو ادعت المرأة عليه بذلك وأنكر الرجل فالقول قوله بيمينه عملا بأصالة السلامة الراجعة إلى أصالة العدم ، فإن حلف استقر النكاح ، وإن نكل فإن قضينا بمجرد النكول ثبت العيب ، وإلا ردت اليمين على المرأة ، فإن حلفت ثبت العيب ، إلا أنه لا بد في حلفها من حصول العلم لها به ، وذلك يحصل بممارستها له مدة على وجه يحصل لها بتعاضد القرائن العلم بالعنة.

ونقل الأصحاب عن الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ أن الرجل المدعى عليه العنة يقام في الماء البارد ، فإن تقلص حكم بقوله ، وإن بقي مسترخيا حكم لها.

ونقل ذلك في المسالك عن ابن حمزة أيضا قال : ومعنى تقلص انضم وانزوى ، ولفظ الصدوق «وإن تشنج» والمراد به تقبض الجلد ، قال : وأنكر هذه العلامة المتأخرون ، لعدم الوثوق بالانضباط وعدم الوقوف على مستند صالح ، نعم هو قول الأطباء وكلامهم فيثمر الظن الغالب بالصحة ، إلا أنه ليس طريقا شرعيا ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن ما نقلوه عن الصدوق فإنه قد رواه في كتابه من لا يحضره الفقيه (١) عن الصادق عليه‌السلام مرسلا وبه صرح الرضا عليه‌السلام في كتابه (٢) حيث قال : وإذا ادعيت عليه أنه عنين وأنكر الرجل أن يكون كذلك ، فإن الحكم فيه أن يجلس الرجل في ماء بارد فإن استرخى ذكره فهو عنين ، وإن تشنج فليس بعنين». ولكن أصحابنا المتأخرين حيث لم يصل إليهم الكتاب المذكور ولا اطلعوا عليه لم يطلعوا على ما فيه من الأحكام.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٤ ح ٤.

(٢) فقه الرضا ص ٢٣٧ ، مستدرك الوسائل ، ج ٢ ص ٦٠٤ ب ١٤ ح ١.

٣٨٣

وروى الصدوق في الفقيه (١) قال : وفي خبر آخر أنه يطعم السمك الطري ثلاثة أيام ثم يقال له : بل على الرماة ، فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنين ، وإن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين.

الثاني : إذا تحقق العنن للرجل فإما أن يثبت تقدمه على العقد أو تأخره عنه قبل الوطي أو بعده ، وإنما يحصل بعد الوطي ، ولا خلاف في الفسخ به في الصورة الاولى وعليه تدل الأخبار المتقدمة.

وأما بعد العقد وقبل الوطي فالمشهور جواز الفسخ به أيضا ، وربما ظهر من عبارة المبسوط عدمه ، وأما المتجدد بعد الوطي فأكثر الأصحاب على عدم الفسخ به.

وذهب الشيخ المفيد وجماعة إلى أن لها الفسخ به أيضا ، قال الشيخ المذكور ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : وإن تزوجته على أنه سليم فظهر لها أنه عنين انتظرت به سنة ، فإن وصل إليها فيها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ، وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها الخيار ، فإن اختارت المقام معه على أنه عنين لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وإن حدث بالرجل عنة بعد صحته كان الحكم في ذلك كما وصفناه ينتظر به سنة ، فإن تعالج فيها وصلح وإلا كانت المرأة بالخيار ، انتهى.

قال الشيخ في التهذيب ـ بعد نقل ذلك عنه ـ : فأما الذي ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من التسوية بين العنة إذا حدثت بعد الدخول وبينهما إذا كانت قبل الدخول إنما حمله على ذلك عموم الأخبار التي رويت في ذلك مثل ما رواه الحسين بن سعيد ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «العنين يتربص به سنة ، ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت».

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٣٥٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٤ ح ٥.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٣١ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١١ ح ٥.

٣٨٤

وعن أبي الصباح الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا ، أتفارقه؟ قال : نعم إن شاءت».

وعن أبي البختري (٢) عن أبي جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم ترافعه امرأته فإن خلص إليها وإلا فرق بينهما».

ثم قال : والأولى عندي الأخذ بالخبر الذي رويناه عن إسحاق بن عمار (٣) عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها مرة ثم أعرض عنها فليس لها الخيار فلتصبر فقد ابتليت وليس لأمهات الأولاد ولا الإماء ما لم يمسها من الدهر إلا مرة واحدة خيار».

وعن غياث الضبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام «قال في العنين : إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما ، وإذا وقع عليها دفعة واحدة لم يفرق بينهما ، والرجل لا يرد من عيب».

أقول : مرجع كلام الشيخ إلى أن الأخبار التي استدل إليه الشيخ المفيد وإن دلت على ما ذكره بإطلاقها إلا أن هذه الروايات باعتبار ما اشتملت عليه من أنه متى جامعها ولو مرة واحدة فإنه لا خيار لها خاصة صالحه لتقييد تلك الأخبار ، وقضية الجمع بينها تقييد ذلك الإطلاق بهذه الأخبار ، وهو جيد ، فإن ذلك قاعدة كلية عندهم في الجمع بين الأخبار.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٣١ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١١ ح ٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٣١ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٢ ح ٩.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٣٠ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٢ ح ٨.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤١٠ ح ٤ وفيه «عباد الضبي» ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٠ ح ٢٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٧ ح ٤ مع تفاوت يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٠ ح ٢.

٣٨٥

وجملة من المتأخرين منهم صاحب المسالك وسبطه في شرح النافع (١) وغيرهما رجحوا مذهب الشيخ المفيد عملا بذلك الإطلاق حيث إن في رواياته صحيحة محمد ابن مسلم ، والأخبار المقيدة ضعيفة باصطلاحهم لا تصلح لمعارضة تلك الأخبار ، والجمع بين الأخبار عندهم فرع حصول التعارض ، وموجب ذلك أن من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح كالمتقدمين ومن تبعهم من متأخري المتأخرين فإنه يتحتم عندهم الجمع بين الأخبار بما ذكره الشيخ ـ رحمة الله عليه.

قال في المختلف ـ بعد نقل ما ذكرناه ـ : والأشهر قول الشيخ عملا بمقتضى العقد اللازم وبما تقدم في الرواية ، وإن كان قول المفيد لا يخلوا أيضا من قوة ، لما فيه من دفع الضرر بفوات فائدة النكاح ، فنحن في ذلك من المتوقفين ، انتهى.

وفيه أنه بعد ثبوت الحكم بالأخبار ودلالتها على أنها قد ابتليت فلتصبر لا وجه لهذا الكلام ، والأدلة العقلية في حد ذاتها غير مسموعة ، فكيف في مقابلة الأخبار الصريحة في ردها.

والعجب من شيخنا المفيد أنه حكم في صورة العنن الأصلي بأنه متى أجل سنة ووصل إليها في تلك المدة ولو مرة فإنه يكون أملك بها ـ يعني لا خيار لها ـ وهو أعم من أن يعود العنن إليه بعد ذلك أم لا ، فإنه لا خيار لها في هذه الصورة على كلا الاحتمالين ، وحينئذ فلا بد من تقييد إطلاق الأخبار بغير هذه الصورة ، لأن مقتضى إطلاق تلك الأخبار هو أن العنن موجب للخيار أعم من أن يكون أصليا أو إنما عرض بعد التزويج والدخول ، ومقتضى ما ذكره من أنه بعد ثبوت العنن وكونه أصليا لو وصل إليها مرة فإنها لا خيار لها وإن عاد العنن له بعد

__________________

(١) قال السيد السند في شرح النافع بعد رده الروايات المقيدة بضعف الاسناد : والمسألة محل تردد وان كان المصير الى ما عليه الأكثر من اشتراط حصول العنة قبل الوطي أولى اقتصارا في فسخ العقد اللازم على موضع الوفاق ، وهو ظاهر في اختياره القول المشهور للتعليل المذكور. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٣٨٦

ذلك كما هو مقتضى إطلاق كلامه ، الخروج عن مقتضى ذلك الإطلاق ، فيجب تخصيصه بغير هذه الصورة.

وأنت خبير بأنه لا فرق بين هذه الصورة ولا بين العنن العارض بعد الوطي إذ الجميع من باب واحد ، فلا معنى لاستثنائه هذه الصورة ، وحكمه بالفسخ في تلك الصورة. وبالجملة فالمعتمد هو القول الأول وهو الذي عليه المعول.

الثالث : ظاهر جملة من الأصحاب أن العنن إنما يتحقق بالعجز عن وطئها قبلا ودبرا ، والعجز عن وطئ غيرها. فلو عجز عنها مثلا وأمكن وطئ غيرها لم يكن عنينا ، ولم يترتب عليه جواز الفسخ.

ويدل على ذلك قوله عليه‌السلام في رواية غياث الضبي (١) المتقدمة «إذا علم أنه لا يأتي النساء فرق بينهما». وقوله في رواية أبي بصير (٢) المتقدمة أيضا «ابتلى زوجها فلم يقدر على الجماع».

واستدل السيد السند في شرح النافع على هذا القول برواية عمار (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها ، فقال : إن كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلا برضاها بذلك ، وإن كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها».

ثم ردها مع رواية الضبي بضعف السند ، وظني أن هذه الرواية ليست من روايات العنن ، وإنما المراد بالأخذ فيها هو عمل شي‌ء كالسحر يمنع من الجماع. قال في القاموس (٤) : والأخذ بالضم رقية كالسحر ، وعلى هذا المعنى حمله في الوافي

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٠ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٠ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٠ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١١ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٠ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤١١ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١١ ح ٣.

(٤) ج ١ ص ٣٥٠.

٣٨٧

أيضا وإن احتمل ارادة العنن أيضا.

وظاهر عبارة الشيخ المفيد المتقدمة في سابق هذا الموضع وقوله «انتظرت به سنة فإن وصل إليها فيها ولو مرة واحدة فهو أملك بها ، وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها الخيار» فإن ظاهرها أن العنن يصدق بمجرد عدم الوصول إليها وإن أمكن الوصول إلى غيرها.

ويدل على ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة أبي حمزة الثمالي (١) وقد تقدمت «فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الامام أن يؤجله سنة فإن وصل إليها ، وإلا فرق بينهما». فإن ظاهر هذا الكلام هو الاكتفاء في حصول العنن ، وجواز الفسخ بعجزه عن وطئها وإن لم يعلم عجزه عن وطئ غيرها ، ويعتريني في هذا المقام إشكال ، وهو أنه قد تقدم في كلام أهل اللغة في معنى العنين أنه الذي لا يقدر على إتيان النساء ولا يريدهن بالكلية ، وفي كلام الفقهاء أنه مرض تضعف معه القوة عن نشر العضو.

وظاهر الكلام في الموضعين أنه لا يختلف باختلاف النساء فيزول بالنسبة إلى بعض ، ويحصل بالنسبة إلى أخرى ، ففرض الأصحاب هذا الخلاف وجعله مسألة في البين ليس في محله ، والروايات المذكورة لا دلالة فيها على ما ادعوه من الاختلاف بل هي بالنسبة إلى ما ندعيه أقرب وبما ذكرناه أنسب.

وأما رواية الضبي وكذا رواية أبي بصير فهما ظاهرتان في أن العنين من لا يقدر على مجامعة النساء من زوجته وغيرها وهو صريح فيما قلناه.

وأما صحيحة أبي حمزة فغاية ما تدل عليه أنه إن جامعها في هذه المدة فإنه يعمل زوال العنة عنه ، وإن لم يمكنه جماعها علم أنه عنين لا يمكن جماعها ولا جماع غيرها ، نعم رواية عمار ظاهرة فيما ذكروه إلا أنك قد عرفت أنها ليست من محل البحث في شي‌ء.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١١ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٩ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٣ ح ١.

٣٨٨

الرابع : أطلق الأكثر بأنه لو ادعى الوطي وأنكرت فالقول قوله بيمينه ، سواء كان بعد ثبوت العنن أو قبله ، والمحقق في الشرائع فرض المسألة فيما لو ادعى الزوج الوطي بعد ثبوت العنن ، وحكم بأن القول قوله بيمينه ، والحكم ظاهر فيما لو ادعى الزوج الوطي قبل ثبوت العنن ، فإنه يقبل قوله بيمينه.

قالوا : لأن دعوى الوطي يتضمن إنكار العنن المؤيد بأصالة السلامة من العيب فيكون قوله مقبولا بيمينه ، ويدل عليه ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن أبي حمزة قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت زوجا غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها فإن القول في ذلك قول الرجل ، وعليه أن يحلف بالله لقد جامعها ، لأنها المدعية ، قال : فإن تزوجها وهي بكر فزعمت أنه لم يصل إليها فإن مثل هذا تعرفه النساء فلينظر إليها من يوثق به منهن ، فإذا ذكرت أنها عذراء فعلى الامام أن يؤجله سنة ، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما ، وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها».

وقال في الفقه الرضوي (٢) «وإذا ادعت أنه لا يجامعها ـ عنينا كان أو غير عنين ـ فيقول الرجل أنه قد جامعها ، فعليه اليمين وعليها البينة لأنها المدعية».

والخبران ظاهران في أن الدعوى المذكورة قبل ثبوت العنن.

وإنما الإشكال فيما إذا كانت الدعوى بعد ثبوت العنن كما فرضه المحقق ونحوه العلامة في القواعد ، ووجه الاشكال أنه مدع لزوال ما قد ثبت ، فلا يكون قوله مقبولا ، مع أنهم حكموا هنا بقبول قوله بيمينه.

والمفهوم من كلام المحقق الشيخ علي في شرح القواعد أن الوجه فيما حكموا به من قبول قوله بيمينه في هذه الدعوى مع ثبوت العنن أحد أمرين :

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١١ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٩ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٣ ح ١.

(٢) فقه الرضا ص ٢٣٧ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦٠٤ ب ١٤ ح ١.

٣٨٩

إما لأن هذا الفعل لا يعلم إلا من قبله فيقبل قوله فيه ، كدعوى المرأة انقضاء العدة بالأقراء ، وإما لأن العنة لا تثبت قبل مضي السنة ، وإلا لثبت الفسخ ، وأما الثابت العجز الذي يمكن أن يكون عنة وأن يكون غيرها ، ولهذا يجب أن يؤجل سنة لينظر فيها هل يقدر على الوطي أم لا ، فإن قدر فلا عنة وإلا ثبتت وحكم بها ، فيكون الزوج بدعواه الوطي وإن كان بصورة المدعي ، إلا أنه في الحقيقة منكر للعنة والأصل الصحة وحصول العيب على خلاف الأصل ، وإن كان بعد ثبوت العجز ، وحينئذ فيقبل قوله فيه ، واستدلوا أيضا بصحيحة أبي حمزة المذكورة بدعوى أنها مطلقة فإن موردها اختلافهما في حصول الوطي وعدمه المتناول لما إذا وقع ذلك قبل ثبوت العنة وبعده.

وفيه أن الظاهر بعده ، لأنه بعد ثبوت العنة يثبت لها الخيار في الفسخ وعدمه ، فلا وجه لما تضمنه الخبر حينئذ من الحكم المذكور فيه ، ولا ضرورة تلجأ إليه.

وفي المسألة قول آخر أيضا صرح به الشيخ في الخلاف والصدوق في المقنع وجماعة من الأصحاب ، وهو أن دعواه الوطي إن كان في القبل ، فإن كانت بكرا صدق بشهادة أربع نساء يشهدون بذهابها ، وإن كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا ، ثم يؤمر بالوطء فإن خرج الخلوق على ذكره كان القول قوله ، وإلا فلا.

واستدل عليه في الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم.

والذي ورد من الأخبار في ذلك أما بالنسبة إلى البكر فما تقدم في صحيحة أبي حمزة.

وأما بالنسبة إلى الثيب فهو ما رواه الشيخ في التهذيب والكليني في الكافي (١) عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن بعض مشيخته قال : «قالت امرأة لأبي عبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١١ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٩ ح ٢١ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٣ ح ٢.

٣٩٠

عليه‌السلام ، أو سأله رجل عن رجل تدعي عليه امرأته أنه عنين وينكر الرجل ، قال : تحشوها القابلة بالخلوق ولا تعلم الرجل ويدخل عليها الرجل ، فإن خرج وعلى ذكره الخلوق صدق ، وكذبت ، وإلا صدقت وكذب».

ورواه الشيخ في التهذيب (١) عن عبد الملك بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له ، أو سأله رجل عن رجل ادعت عليه امرأته» الحديث (٢).

وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ادعت امرأة على زوجها على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لا يجامعها ، فأمرها أمير المؤمنين عليه‌السلام أن تستذفر بالزعفران ثم يغسل ذكره فإن خرج الماء أصفر صدقه ، وإلا أمره بطلاقها».

ورد المتأخرون الروايات المذكورة بضعف الاسناد ، فلا يسوغ التعلق بها ، والأظهر بناء على إطراح هذا الاصطلاح المحدث العمل بها كما عمل بها المشايخ المتقدمون.

__________________

(١) ما عثرنا على هذه الرواية بهذا السند في التهذيب نعم روى في الفقيه عن محمد ابن على بن محبوب عن أحمد بن محمد عن أبيه عن أبيه عن عبد الله الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ الى آخر الحديث.

(٢) أقول : الذي في الكافي عبد الله بن الفضل الهاشمي وهو ثقة في الرجال ، الا أن الحديث فيه ضعف باعتبار الإرسال عن بعض مشيخته ، وفي التهذيب عبد الملك بن الفضل الهاشمي وهو غير موجود في الرجال ، ولا يبعد عندي أنه عبد الله المذكور في رواية الكافي وانما حصل الغلط من قلم الشيخ بإبداله عبد الملك وله أمثال ذلك مما لا يخفى كثرة ، فيكون الحديث صحيحا لانه رواه الحسن بن محبوب عن أحمد بن محمد عن أبيه عن عبد الملك وطريقه الى الحسن محبوب صحيح. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤١٢ ح ١١ وفيه اختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٤٣٠ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٤ ح ٣.

٣٩١

أما بالنسبة إلى البكر فحيث كان الخبر كما عرفت صحيحا باصطلاحهم ، فإنهم حكموا بمضمونه ، ثم إنه لو ادعى عود البكارة بعد ثبوتها بشهادة النساء وأنه قد وطأها ، ولكن هذه البكارة التي شهدت النساء بها إنما تجددت بعد الوطي فالقول قول المرأة بيمينها ، وإما بعدم الوطي أو بأن هذه البكارة بكارة الأصل لا متجددة ، فإن دعواها معتضدة بأصالة بقاء البكارة ، وأن الظاهر عدم العود ، هذا كله فيما لو كانت الدعوى وطؤها قبلا.

أما لو ادعى وطؤ غيرها من النساء أو وطؤها دبرا فإن القول قوله بيمينه أيضا كما تقدم في سابق هذا الموضع عملا بما تقدم في تينك المسألتين من أصالة الصحة وعدم العيب في إحداهما وتعذر إقامة البينة في الأخرى.

الخامس : قد تقدم أن العنن يثبت بأحد الطرق المتقدمة من اعتراف الرجل بالعجز عن المجامعة ، أو القيام في الماء البارد كما ذهب إليه الشيخ في الخلاف والصدوق في المقنع ، أو أكل السمك طريا ثلاثة أيام والبول على الرماد كما روي ، وحينئذ فإن صبرت المرأة مع علمها بأن لها الخيار ورضيت به فلا خيار لها بعد ذلك لأن الخيار فوري ، وإن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجله سنة من يوم المرافعة ، فإن واقعها في ضمن تلك المدة فلا خيار لها ، وإلا تخيرت وفسخت ، ولها نصف المهر ، وقد تقدمت جملة من الأخبار الدالة على هذه الأحكام.

وعلل التمديد بالسنة الواقع في الأخبار بأن تعذر الجماع ربما كان لعارض من خارج من حرارة ، فيزول في فصل الشتاء ، أو برودة فيزول في فصل الصيف ، أو يبوسة فيزول في فصل الربيع ، أو رطوبة فيزول في الخريف ، والمشهور أنه ليس لها الفسخ قبل المرافعة ومضي المدة المذكورة.

وقد تقدم نقل خلاف ابن الجنيد وقوله : إن كانت العنة متقدمة على العقد جاز للمرأة الفسخ في الحال ، وإن كانت حادثة بعد العقد أجل سنة ، ويدل

٣٩٢

عليه خبر غياث الضبي وخبر أبي الصباح الكناني ، إلا أنهما مطلقان فيحمل إطلاقهما على ما تضمنته الأخبار المقيدة بذكر السنة.

والمفهوم من الاخبار وكلام الأصحاب أن العجز عن إتيان النساء الذي فسر به العنن ليس باعتبار بعض دون بعض ، لأنه مرض مخصوص يمنع من حركة العضو وانتشاره مطلقا ، وهو لا يختلف باختلاف النسوة ، فأما مع العجز عن امرأة مخصوصة فإنه قد يتفق ويكون لانحباس الشهوة عنها بسبب نفرة أو حياء أو نحو ذلك ، ولا يكون بذلك عنينا ، وقد يكون له نوع اختصاص بالقدور على جماعها بالإنس بها والميل إليها وانتفاء ذلك من غيرها ، ولا فرق في العنة عندهم بين كونها خلقية أو عارضة ، بين كونها قبل العقد وبعده قبل الدخول ، وأما بعد الدخول فقد تقدم أن الأشهر الأظهر عدم الخيار وحيث يختار لها الفسخ فلها نصف المهر ، وإن كان على خلاف القاعدة المقررة بينهم ، لصحيحة أبي حمزة ، وقد تقدمت وتقدم الكلام في ذلك والله العالم.

المطلب الثالث في التدليس : تفعيل من الدلس وهو الظلمة ، قال في كتاب المصباح المنير (١) : دلس البائع تدليسا كتم عيب السلعة من المشتري وأخفاه. وقال الخطابي وجماعة ويقال : دلس دلسا من باب ضرب ، والتشديد أشهر في الاستعمال. قال الأزهري : سمعت أعرابيا يقول : ليس لي الأمر دنس ولا دلس ، أي لا خيانة ولا خديعة ، والدلسة بالضم الخديعة أيضا. وقال ابن فارس : أصله من الدلسة وهي الظلمة ، انتهى.

أقول : ومنه يعلم أنه لغة بمعنى الظلمة والمخادعة ، وكأن المدلس لما أتى بالمعيب أو الناقص إلى المخدوع وقد كتم عليه عيبه ونقصانه أتاه به في الظلمة وخدعه.

قال في المسالك : والفرق بينه ـ يعني التدليس ـ وبين العيب أن التدليس لا يثبت إلا بسبب اشتراط صفة كمال ، وهي غير موجودة أو ما هو في معنى الشرط ،

__________________

(١) المصباح المنير ص ٢٧٠.

٣٩٣

ولولاه لم يثبت الخيار بخلاف العيب ، فإن منشأه وجوده ، وإن لم يشترط الكمال وما في معناه فمرجع التدليس إلى إظهار ما يوجب الكمال أو إخفاء ما يوجب النقص ، ومنشأ الخيار فوات مقتضى الشرط أو الظاهر ، انتهى.

وظاهر هذا الكلام يقتضي أن للتدليس معنى أخص فيقابل العيب ، ومعنى أعم يشمل به العيب ، والمفهوم من كلام أهل اللغة هو الثاني ، إلا أنه سبب الخيار في العيب غيره بالنسبة إلى إظهار ما يوجب الكمال ، وكيف كان فالأمر في ذلك سهل بعد وضوح المقصود.

وتحقيق الكلام في هذا المطلب يقع في مسائل :

الأولى : إذا تزوج امرأة على أنها حرة باشتراط ذلك في نفس العقد فبانت أمة ، فللزوج فسخ النكاح إذا وقع النكاح بإذن المولى وكان ممن يجوز له نكاح الإماء ، أما بدون ذلك فإنه يقع العقد باطلا في الثاني ، وفي الأول موقوفا على الإجازة على المشهور ، وقيل : إنه باطل ، وهو الأظهر ، ولا فرق في جواز الفسخ في الصورة المذكورة بين الدخول بها وعدمه.

أما ثبوت الفسخ فلأن ذلك قضية الشرط دخل أم لم يدخل ، فإن التصرف لا يسقط خيار الشرط كما سبق في موضعه ، أما لو وقع ذلك بغير شرط ، بل أخبرته أو أخبره المتولي لنكاحها بالحرية فتزوجها لذلك على وجه حصل به تدليس بأن وقع الخبر في معرض التزويج ، ففي إلحاقه بالشرط قولان ناشئان من تحقق التدليس وأصالة لزوم العقد ، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه صرح باختصاص الحكم بما لو شرط ذلك ، وعن القواعد أنه صرح بمساواة الأمرين.

قال في المسالك : وعبارة المصنف وجماعة يحتمل إرادة القسمين ، وكذلك الرواية التي هي مستند الحكم وهي رواية الوليد بن صبيح (١) عن أبي عبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٧ ح ١.

٣٩٤

عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها».

إلى آخره ، انتهى. وظاهر السيد السند في شرح النافع القول بمساواة الأمرين حيث قال : إذا تزوج امرأة على أنها حرة فظهرت أمة ، سواء شرط ذلك في نفس العقد أو ذكر قبله وجرى العقد عليه ، وكان للزوج فسخ النكاح ـ إلى أن قال : ـ أما ثبوت الفسخ مع اشتراط ذلك في العقد فظاهر ، لأن ذلك فائدة الشرط ، وأما مع ذكره قبل العقد وجريان العقد عليه ، فإن التراضي إنما وقع على هذا الوجه المخصوص فإذا لم يبطل العقد بفواته فلا أقل من ثبوت الخيار ، انتهى.

أقول : لم أقف لما ذكره من الحكم بأن له الفسخ في الصورة المذكورة على نص واضح ، إلا أنه في صورة الشرط الظاهر أنه لا إشكال فيه عملا بقضية الشرط وهو موضع اتفاق ، وأما مع عدمه فليس إلا ما ذكره السيد السند هنا ، وظاهر جملة منهم الاستدلال على ذلك برواية الوليد بن صبيح التي أشار إليها في المسالك ، وهي ما رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها قال : إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : وكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال : إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شي‌ء له عليها ، وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فإن جاءت منه بولد؟ قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الولي» (١).

وأنت خبير بأن هذه الرواية لا دلالة فيها على المدعى ، وإنما الظاهر

__________________

(١) أقول : ربما يتسارع الى الوهم المغايرة بين لفظ الولي في الرواية والموالي وهو باطل ، فإنه لا ولى للأمة الا مولاها ، فالولي بالنسبة إليها والمولى بمعنى واحد كما لا يخفى ، ويؤيده قرينة المقابلة بينه وبين قوله في صدر الخبر «ان كان الذي زوجه إياها من غير مواليها» فإنه ظاهر في كون الولي من مواليها. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٣٩٥

منها أنه متى كان الذي زوجها من غير مواليها فالنكاح فاسد ، وفيه رد لما يدعونه من أنه موقوف على الإجازة كما تقدمت الإشارة إليه ، ومتى كان المزوج لها من مواليها فإنه يرجع عليه بالمهر الذي أخذته منه ، وهو ظاهر في بطلان النكاح ، ولكن لمولاها عوض ما استحل من فرجها العشر أو نصف العشر ، والمدعى هو أنه لو كان التزويج بإذن المولى والتدليس إنما وقع منه فإن الزوج يتخير بين الرضا بالعقد وفسخه ، والرواية إنما تدل بظاهرها على البطلان ، لقضية الرجوع على المولى بالمهر الذي دفعه ، وحينئذ فالخبر بالدلالة على خلاف ما يدعونه أنسب ، وإلى ما ذكرناه أقرب.

وأما ما اشتمل عليه صدر الخبر من أنه إذا كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، وأنه يرجع بالمهر عليها فيأخذ مما وجده دون أن يرجع على الذي زوجها ، فيجب حمله على عدم علم الذي زوجها بالتدليس كما يشير إليه قوله «دلست نفسها» فإنه في هذه الحال إنما يرجع عليها ، وأما لو كان المدلس هو الذي زوجها فالرجوع بالمهر إنما هو عليه دونها ، كما تقدم تحقيقه.

وبالجملة فالظاهر عندي من الخبر المذكور هو بطلان النكاح في الصورة التي ادعوا أن للزوج الفسخ ، بمعنى التخيير بين الرضا بالعقد وبين فسخه ، فليتأمل في المقام.

ثم إنه بناء على ما ذكره من تخيير الزوج في الفسخ لو فسخ قبل الدخول فإنه لا مهر ، والظاهر أنه لا خلاف فيه كما سبق في العيوب ، وإن فسخ بعده فحيث كان بإذن السيد كما هو المفروض يلزم المسمى ، وأما لو لم يكن بإذنه فإنه بناء على ما قالوه ، من أن العقد يقع موقوفا على إذنه تأتي الأقوال الثلاثة المتقدمة في مثله من المسمى أو مهر المثل أو العشر ونصف العشر على التقديرين ، إلا أنك قد عرفت أن الظاهر من الأخبار في هذه الصورة إنما هو البطلان. ومنها رواية الوليد المذكورة وقوله فيها «إن كان الذي زوجها من غير

٣٩٦

مواليها فالنكاح فاسد» ونحوها غيرها مما تقدم في المسألة الاولى من الفصل الرابع في نكاح الإماء.

وأنت خبير بأن ما ذكروه أيضا من لزوم المسمى بالدخول متى كان بإذن المولى مشكل بما ذكرناه ، من أن المفهوم من رواية الوليد المذكورة هو أنه يرجع في الصورة المذكورة على وليها بالمهر الذي أخذته منه ، ولكن الولي يرجع عليه بالعشر أو نصف العشر ، فالواجب في هذه الحال إنما هو العشر أو نصف العشر ، وفيه إشارة إلى بطلان المسمى في الصورة المذكورة ، والرجوع إلى العشر ونصف العشر.

هذا مقتضى الخبر ، وهم ـ رضوان الله عليهم ـ قد نقلوا الخبر المذكور ولم يتكلموا في معناه وما اشتمل عليه من هذه الأحكام بشي‌ء بالكلية ، وما ذكرناه من بيان معناه وما اشتمل عليه من هذا التفصيل الذي ذكرناه ظاهر لمن تأمل بعين البصيرة ، ونظر بمقلة غير حسيرة ، وتناوله بيد غير قصيرة.

ثم إنهم قالوا بناء على ما ذكره من أن للزوج الفسخ في الصورة المذكورة أنه لو فسخ بعد الدخول فلا كلام في وجوب المهر للمولى ، وأنه لو فسخ بعد الدخول وغرم المهر وما في معناه وتبين بطلان العقد فإنه يرجع به على المدلس ، وقد تقدم في أحكام العيوب ما يدل عليه.

ثم إنه لا يخلو إما أن يكون المدلس هو المرأة أو مولاها أو أجنبيا ، فإن كانت هي المدلسة لم يكن الرجوع عليها حال الرقية ، لأنه يكون كالرجوع على المولى وهو باطل ، بل إنما يرجع عليها بعد العتق واليسار ، فإن لم يكن دفع المهر إليها غرمه المولى ، لأنه له ، ولكن يرجع به عليها كما عرفت على الوجه المتقدم ، وإن كان قد دفعه إليها استعاده ، لأنه باق على ملكه حيث إن قبضها إياه قبض فاسد إن كانت عينه باقية كلا أو بعضا ، وتبعها بالباقي حسبما تقدم ، وإن كان المدلس المولى قالوا : فإن أتى في لفظه بما يقتضي العتق ، مثل

٣٩٧

قوله هي حرة ، إنشاء أو إخبارا حكم عليه بحريتها إعمالا لسبب بحسب مقتضاه ، وحينئذ فيصح العقد ويكون المهر لها دون السيد ، لأنها قد تحررت ، ويعتبر في صحة النكاح حينئذ إذنها سابقا أو إجازتها لاحقا كغيرها من الحرائر.

وإن لم يتلفظ بما يقتضي العتق بل تكلم بكلام يحتمل الحرية وغيرها فلا شي‌ء للسيد ، ولا للمملوكة ، أما المملوكة فإنها لا تستحق من مهرها شيئا ، والسيد وإن استحقه بالدخول إلا أن للزوج الرجوع عليه لتدليسه عليه وتغريره إياه ، ولا وجه لدفعه إليه ثم استرجاعه منه.

وهل يستثني للسيد أقل ما يصح أن يجعل مهرا وهو أقل ما يتمول أو أقل ما يكون مهرا لأمثالها كما ذهب إليه ابن الجنيد؟ قيل : لا ، وهو ظاهر اختيار المحقق تمسكا بإطلاق ما دل على الرجوع على المدلس مما غرمه وإن كان هو المولى. وقيل : نعم ، لأن الوطي المحرم في غير صورة التحليل يمتنع خلوه من العوض ، وأجيب بأن العوض متحقق لكن يرجع به على المدلس.

أقول : قد تقدم الكلام في هذا المقام في المسألة الثالثة من المطلب الثاني ، وقد ذكرنا ثمة أن ما ادعوه من هذه القاعدة ، وهو أن الوطي المحرم يمتنع خلوه من العوض على إطلاقه ممنوع ، بل ظاهر الأخبار خلافه كما قدمنا بيانه وشيدنا بنيانه.

وإن كان المدلس أجنبيا رجع عليه بجميع المهر المسمى للمولى. قالوا : ولو دفعه إليها في هذه الصورة وتلف في يدها غرم مهرا آخر للسيد ورجع به على المدلس ، لأن دفعه لها غير شرعي ، حيث إن المهر للمولى ، فيجب عليه دفعه مرة أخرى للمولى ، ويرجع به على المدلس.

أقول : حيث إنه لم يرد في الأخبار ماله تعلق بهذه المسألة إلا رواية الوليد ابن صبيح المتقدمة بالتقريب الذي ذكرناه فيها ، فإنه يعسر الجمع بينها وبين ما قرروه في هذا المقام في جملة من المواضع :

٣٩٨

(منها) إنهم ذكروا في صورة ما إذا كانت هي المدلسة ، أنه لو دفع إليها المهر استعاده إن كان موجودا كلا أو بعضا ، وإن لم يكن تبعها به العتق واليسار ، وظاهر الرواية في هذه الصورة كما بيناه أنه إن لم يجد شيئا فلا شي‌ء له عليها.

(ومنها) إن ما ذكروه في صورة تزويج المولى لها من التفصيل في الألفاظ التي حصل بسببها التدليس من حصول العتق بها في بعض وعدم حصوله في آخر يرده إطلاق الخبر المذكور فإن غاية ما دل عليه أنه إذا زوجها الولي ـ وهو الذي عرفت أن المراد به المولى ـ فإنه يرجع عليه بما أخذت منه أعم من أن يأتي بتلك الألفاظ المذكورة أو غيرها ، ويؤيده أن الحكم بحصول العتق بمجرد تلك الألفاظ كما ذكروه من غير قصد إليه ـ ولا سيما أنه مشروط بالقربة ولم تحصل ـ مشكل.

(ومنها) ما تقدم ذكره من أن مقتضى كلامهم أنه متى كان النكاح بغير إذن المولى فإنه يقع صحيحا موقوفا على إجازته ، والخبر المذكور صريح في أن النكاح فاسد ويعضده في ذلك جملة من الأخبار التي قد تقدمت الإشارة إليها.

(ومنها) ما تقدم الإشارة إليه أيضا من أنهم صرحوا بأنه متى كان التزويج بإذن السيد فإن له المسمى مع الدخول ، مع أن الرواية المذكورة تدل بناء على ما شرحناه في معناها على أن الزوج يرجع على السيد بالمهر المسمى لتدليسه ، ولكن للسيد عليه العشر أو نصف العشر بما استحل منها ، وهو ظاهر في بطلان المسمى الذي حكموا به والانتقال عنه إلى العشر أو نصف العشر.

وبالجملة فإن من تأمل الرواية المذكورة حق التأمل لا يخفى عليه صحة ما قلناه ، ولم أر من تعرض للكلام على ما اشتملت عليه من هذه الأحكام ، وقد تقدم الكلام في المسألة بالنسبة إلى المهر والولد في المسألة الرابعة من الفصل الرابع في نكاح الإماء.

المسألة الثانية : إذا تزوجت الحرة عبدا على أنه حر ـ وإن كان بمجرد

٣٩٩

إخباره قبل العقد بكونه حرا ـ ثم ظهر كونه عبدا ، فإن كان التزويج بغير إذن مولاه ولم يجز العقد بعد وقوعه كان العقد باطلا ، وإن كان بإذنه أو إجازته صح العقد وكان للمرأة الفسخ ، ولا فرق في ذلك بين أن تتبين الحال قبل الدخول أو بعده إلا أنه إن فسخت قبل الدخول فلا مهر ، وكذا لو تبين بطلان العقد لعدم إذن السيد قبل الدخول بها فإنه لا مهر لها أيضا ، وإن فسخت بعد الدخول فلها المهر ، وإن وقع النكاح برضاء السيد كان لها عليه المسمى وإلا كان لها مهر المثل على المملوك يتبع به بعد العتق.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة حرة قد تزوجت مملوكا على أنه حر فعلمت بعد أنه مملوك ، فقال : هي أملك بنفسها إن شاءت قرت معه ، وإن شاءت فلا ، فإن كان دخل بها بعد ما علمت أنه مملوك وأقرت بذلك فهو أملك بها». ورواه الكليني والصدوق.

وما رواه في الكافي (٢) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة حرة دلس لها عبد فنكحها ولم تعلم إلا أنه حر ، قال : يفرق بينهما إن شاءت المرأة».

والروايتان صريحتان في ثبوت الخيار لها بعد العلم وإطلاقها دال على أنه لا فرق في ذلك بين كون ذلك بعد الدخول أو قبله ، وأما باقي الأحكام فهي معلومة مما سبق في غير مقام.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٠ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٨ ح ١٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٧ ح ١٣ وفيها «سألت أبا جعفر» ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٥ ب ١١ ح ١ ، وما في المصادر اختلاف يسير مع ما نقله ـ قدس‌سره.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٠ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٦ ح ٢.

٤٠٠