الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

وصحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري (١) المتقدمة ثمة أيضا قال : «سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية : قال : لا أرى بذلك بأسا قال : قلت : بالمجوسية؟ قال : أما المجوسية فلا».

وروى الشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل المسلم يتزوج المجوسية؟ فقال : لا ، ولكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها».

قال في المسالك : وليس في حكم المجوسية أوضح من هذه الرواية ، وقد دلت على النهي عن تزويجها مطلقا الشامل للدوام والمتعة ، ونفي البأس عن وطئها بملك اليمين ، ويمكن أن يستنبط منها جواز المتعة ، لما روي أن المتمتع بها بمنزلة الأمة ، إلا أن يلحق بأهل الكتاب حقيقة أو حكما ، وفيه نظر لأن الرواية عامية. انتهى.

أقول : قد دلت صحيحة محمد بن مسلم وكلامه عليه‌السلام في الفقه الرضوي على تحريم التزويج بالمجوسية ، وظاهرهما الإطلاق أعم من أن يكون دائمة أو متعة إلا أن غيرهما من هذه الأخبار قد اختلفت في المتعة ، فمما يدل على الجواز رواية محمد بن سنان ومنصور الصيقل ، ومما يدل على المنع صحيحة إسماعيل بن سعد.

وحينئذ فمن يعمل بالأخبار كلها ضعيفها وصحيحها فوجه الجمع عنده هو حمل صحيحة إسماعيل على ما ذكره الشيخ من الكراهة عند التمكن من غير المجوسية ، وتخصيص إطلاق كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه وصحيحة محمد بن مسلم بهذه الأخبار الدالة على جواز المتعة ، فيحمل ذلك الإطلاق على الدائمة وهذا هو الأظهر.

ومن يعمل على الاصطلاح المحدث كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك وغيره ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٦ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦١ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٩٢ ح ٦٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٨ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٨ ح ١.

٢١

فإنهم يقفون على إطلاق الصحيحة المذكورة ونحوها فيمنعون من التزويج بها مطلقا ، إلا أن فيه أنك قد عرفت الروايات المتقدمة أنها دالة على أن المجوس من جملة أهل الكتاب فيلحقهم في هذا المقام ما يلحق اليهود والنصارى من الأحكام ولا سيما التمتع الذي تكاثرت به الأخبار.

وقوله في المسالك : أن الرواية بكونهم ملحقين بأهل الكتاب عامية ـ بناء على ما قدمنا نقله عنه من إيراد تلك الرواية العامية ـ ضعيف لما عرفت من الروايات التي أوردناها من طرق أصحابنا ـ رضوان الله عليهم.

وبالجملة فالأظهر هو المنع من تزويجها دواما ، وأنه يجوز تزويجها متعة وبملك اليمين.

وأما قوله في المسالك ـ بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم ـ أنه ليس في روايات المسألة أوضح من هذه الرواية يعني باعتبار السند وصحته ، ففيه أن صحيحة إسماعيل مثلها في الصحة لأنه نقلها في التهذيب عن أحمد بن محمد بن عيسى عن إسماعيل ، وطريقه إلى أحمد المذكور صحيح كما صرحوا به في الرجال ، وهي في المعنى مؤكدة لظاهر إطلاق صحيحة محمد بن مسلم.

الثاني : قد اختلف كلام الأصحاب في الصابئة ودينهم فقال الشيخ في المبسوط كما قدمنا نقله : فأما السامرة والصابئون فقد قيل (١) إن السامرة قوم من اليهود ، والصابئون قوم من النصارى ، والصحيح في الصائبة أنهم غير النصارى ، لأنهم يعبدون الكواكب.

وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير (٢) : وصبأ من دين الى دين يصبأ ـ مهموز

__________________

(١) أقول : وهذا القول حكاه أيضا العلامة في القواعد فقال : وأما السامرة فقيل : أنهم من اليهود ، والصابئون من النصارى ، والأصل أنهم ان كانوا يخالفون القبلتين في فروع الدين فهم منهم ، فان خالفوهم في أصله فهم ملاحدة لهم حكم الحربيين ، انتهى. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) المصباح المنير ج ١ ص ٤٥٤.

٢٢

بفتحتين ـ : خرج ، فهو صابئ ، ثم جعل هذا اللقب علما على طائفة من الكفار يقال أنهم تعبد الكواكب في الباطن ، وتنسب إلى النصرانية في الظاهر ، وهم الصابئة والصابئون ويدعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم ، ويجوز التخفيف فيقال : الصابون.

وقال في القاموس (١) : والصابئون يزعمون أنهم على دين نوح عليه‌السلام وقبلتهم من مهب الشمال عند منتصف النهار.

وقال في الصحاح : هم جنس من أهل الكتاب. ونقل العلامة في التذكرة عن الشافعي أنهم مبتدعة النصارى كما أن السامرة مبتدعة اليهود.

أقول : والظاهر أن هذا هو القول الذي رده الشيخ في المبسوط.

وقال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : ويقال إن الصابئين فرقتان ، فرقة توافق النصارى في أصول الدين ، والأخرى تخالفهم فيعبدون الكواكب السبعة ، وتضيف الآثار إليها وتنفي الصانع المختار.

قال : وكلام المفيد قريب من هذا ، لأنه قال : إن جمهور الصابئين توحد الصانع في الأزل ، ومنهم من يجعل معه هيولى في القدم صنع منها العالم ، فكانت عندهم الأصل ، ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة والنطق أنه المدبر في هذا العالم الدال عليه وعظموا الكواكب وعبدوها من دون الله ، وسموها بعضهم ملائكة ، وجعلها بعضهم آلهة وبنوا لها بيوتا للعبادات ، انتهى.

وفي كتاب تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي (٢) : الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون ، ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم.

وفي التبيان (٣) للشيخ أبي جعفر الطوسي ، ومجمع البيان (٤) لأبي علي الطبرسي :

__________________

(١) القاموس ج ١ ص ٢١.

(٢) تفسير على بن إبراهيم القمي ج ١ ص ٤٨.

(٣) التبيان ج ١ ص ٢٨٣.

(٤) مجمع البيان ج ١ ص ١٢٦.

٢٣

إنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية عن الصابئة لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.

إلى غير ذلك من أقوال العلماء المختلفة فيهم ، ولا سيما في كتاب الملل والنحل ، فإنهم تكلم فيهم في مواضع وأطال.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه الطائفة ما نقله الشيخ فخر الدين ابن طريح في كتاب مجمع البحرين (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سمي الصابئون لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل والشرائع ، وقالوا كلما جاءوا به باطل ، فجحدوا توحيد الله ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين ، ووصية الأوصياء ، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول» ، ومن هذا الخبر يظهر أنهم ملاحدة كفار ، ولا مجرى لهم في هذا المضمار.

وأما السامرة فظاهر كلام من تعرض لذكرهم أنهم قوم من اليهود كما تقدم في عبارة الشيخ في المبسوط ، والشيخ إنما أنكر ذلك في الصابئين ، ولم يتعرض لذكر السامرة ، وربما أشعر كلامه بالموافقة على ما ذكره.

قال في كتاب المصباح المنير (٢) : فالسامرة فرقة من اليهود وتخالف في أكثر الأحكام. ونحو ذلك نقل العلامة ـ أجزل الله إكرامه ـ في القواعد ، وحينئذ فالظاهر إجراء أحكام اليهود عليهم لصدق الاسم ، ودوران الأحكام مداره ، والله العالم.

الثالث : قال في المسالك : واعلم أنه لا فرق في أهل الكتاب بين الحربي منهم والذمي لشمول الاسم لهما ، ولكن تتأكد الكراهة في نكاح الحربية حذرا من أن يسترق وهي حامل منه ، ولا يقبل قولها في أن حملها من مسلم.

أقول : الظاهر بعد ما ذكره ـ قدس‌سره ـ من الشمول للحربي في هذا الحكم ، فإنه وإن كان الأمر كذلك من حيث الإطلاق ، وإلا أن حكم الحربي لما كان إنما هو القتل أو الدخول في الإسلام كتابيا أو غير كتابي وجب تخصيص

__________________

(١) مجمع البحرين ج ١ ص ٢٥٩.

(٢) المصباح المنير ج ١ ص ٣٩٢.

٢٤

الحكم بغير الحربي ، وإلا لجاز نكاح الحربية من غير أهل الكتاب ، لأن الجميع واحد من حيث الأحكام ، مع أنه لا يقول به.

على أن بعض روايات المسألة تضمن التعبير بالذمية كرواية منصور بن حازم (١) ورواية هشام بن سالم (٢) المتقدمتين في النوع الأول ، وحينئذ فيجب حمل ما عداهما من أخبار المسألة عليهما ، ويصير الحكم مختصا بالذمية دون الحربية ، وبالجملة فإن ما ذكره من العموم عندي محل إشكال.

ثم إنه قال في المسالك أيضا : وإنما اختص أهل الكتاب باليهود والنصارى دون غيرهم ممن يتمسكون بكتب الأنبياء كصحف شئت وإدريس وإبراهيم أو بالزبور ، لأن تلك الكتب لم تنزل عليهم بنظم تدرس وتتلى ، وإنما أوحي إليهم معانيها ، وقيل : إنها كانت حكما ومواعظ لم تتضمن أحكاما وشرائع ، ولذلك كان كل خطاب في القرآن لأهل الكتاب مختصا بهاتين الملتين ، انتهى.

المسألة الثانية : في ارتداد أحد الزوجين أو إسلامه ، والكلام هنا يقع في مواضع :

الأول : قد صرح الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأنه لو ارتد أحد الزوجين عن الإسلام قبل الدخول انفسخ العقد بينهما في الحال ، ونسب ذلك إلى عامة أهل العلم من الأصحاب وغيرهم ، سواء كان الارتداد عن ملة أو عن فطرة ، لأن الارتداد نوع من أنواع الكفر الذي لا يباح التناكح معه.

ثم إنه لا يخلو إما أن يكون المرتد هو الزوجة أو الزوج ، فإن كان الزوجة فإنه لا شي‌ء لها لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول بها ، ويمكن الاستدلال بفحوى ما يدل على أن النصرانية إذا أسلمت قبل الدخول انفسخ نكاحها ولا مهر لها ، كما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، فإن ذلك

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٢٤١ ح ٨ ، التهذيب ج ١٠ ص ١٤٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٨ ص ٤١٥ ب ٤٩ ح ١.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٩ ح ٦٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٩ ح ٤.

٢٥

يقتضي سقوط المهر هنا بطريق أولى (١).

وإن كان المرتد الزوج فعليه نصف المهر المسمى إن كانت التسمية صحيحة ، لأن الفسخ جاء من قبله فأشبه الطلاق ، وإن كانت التسمية فاسدة فنصف مهر المثل وإن لم يكن سمى شيئا فالمتعة ، كذا صرح جملة منهم.

وقيل بثبوت جميع المهر في الصورة المذكورة ، لأنه هو الثابت بالعقد ، وتنصيفه يحتاج إلى دليل ، وقيام الدليل على التنصيف بالطلاق أو بإضافة الموت على قول لا يوجب إلحاق ما لا دليل عليه إلا بطريق القياس المحظور في الشريعة.

واختار هذا القول شيخنا في المسالك ، وسبطه السيد السند في شرح النافع وقوته ظاهره (٢) إلا أنه قد روي في الكافي والتهذيب (٣) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لزوجها : أسلم ، فأبى زوجها أن يسلم ، فقضى لها عليه نصف الصداق ، قال : ولم يزدها الإسلام إلا عزا».

والظاهر أنه إنما قضى عليه‌السلام لها بنصف المهر عليه ، لأن الفسخ جاء من قبله بعد إسلامه بعد تكليفه له عليه‌السلام بذلك ، فإنه لو أسلم لكانا على نكاحهما ، فيكون من قبيل ما نحن فيه ، وفيه إشكال يأتي التنبيه عليه ، قالوا : ولو وقع الارتداد

__________________

(١) وجه الأولوية أنه إذا كان المهر يسقط بالإسلام فإنه يسقط بالكفر بطريق أولى (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) وبنحو ذلك صرح سبطه في شرح النافع فقال : ان كان الارتداد بعد الدخول وقف انفساخ العقد على انقضاء العدة إذا كان الارتداد من الزوجة وكان عن ملة فإن رجع المرتدة قبل انقضائها ثبت النكاح ، والا تبين انفساخه من حين الارتداد من غير خلاف عندنا وعند أكثر العامة. انتهى ، والرواية كما ترى بخلافه (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٣٦ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ٩٢ ح ٢٣٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢٢ ح ٧.

٢٦

منهما دفعة انفسخ النكاح إجماعا ، كذا نقل عن التذكرة ، وهل يسقط المهر أم لا؟ وجهان ، والأصل يقتضي العدم.

هذا فيما إذا كان الارتداد قبل الدخول ، وأما بعد الدخول ، فإن كانت المرتدة هي المرأة ملية كانت أو فطرية وقف انفساخ العقد على انقضاء العدة وهي عندهم عدة الطلاق ، ولم أقف فيها على نص ، فإن انقضت العدة ولم ترجع إلى الإسلام فقد بانت ، ولا يجوز له في ضمن العدة التزويج بأختها ولا بخامسة لأنها كالعدة الرجعية ، حيث إنه يرجى رجوعها وعودها في كل وقت ، كذا ذكروه ، ولا يحضرني الآن نص في أنها هل تبين بمجرد الارتداد ، أو يقف على انقضاء العدة كما ذكروه.

وإن كان المرتد هو الزوج فإن كان عن ملة وقف الفسخ على انقضاء العدة وهي كعدة الطلاق ، فإن عاد قبل انقضاء عدتها فهو أملك بها ، وإلا فقد بانت منه ، كذا قالوا ، وبه صرح في المسالك.

والذي حضرني من الأخبار المتعلقة بهذه الصورة حسنة أبي بكر الحضرمي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا وتعتد منه كما تعتد المطلقة ، فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن يتزوج فهو خاطب من الخطاب ، ولا عدة عليها منه ، وإنما عليها العدة لغيره ، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وهي ترثه في العدة ولا يرثها إن ماتت ، وهو مرتد عن الإسلام».

وهذه الرواية ـ كما ترى ـ دالة على أنها تبين منه بمجرد الارتداد كما تبين المطلقة ثلاثا ، وأنه لو تاب وهي في العدة فهو خاطب من الخطاب ، وهو أيضا صريح في البينونة بمجرد الارتداد ، غاية الأمر أن له أن يتزوجها في العدة ، حيث

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١٥٣ ح ٣ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٩ ص ٣٧٣ ح ١ وج ١٠ ص ١٤٢ ح ٢٤ ، الفقيه ج ٤ ص ٢٤٢ ب ١٦٩ ح ٢ ، الوسائل ج ١٧ ص ٣٨٦ ح ٤.

٢٧

إنها عدته ، وأما غيره فلا يتزوجها إلا بعد انقضاء العدة.

ومورد الخبر هو الملي ، لأن الفطري ـ كما سيأتي الكلام فيه ـ يجب قتله ، ولا يتزوج ولا يقبل توبته بالنسبة إلى التزويج ونحوه ، وهم قد ذكروا ـ كما قدمنا نقله عنهم ـ أنه يقف فسخ عقد النكاح على انقضاء عدة المرأة منه ، وأنه إن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء العدة فهو أملك بها ولا يحتاج إلى عقد آخر والرواية ـ كما ترى ـ على خلافه ، وقد صرحوا بأنه لا يسقط من المهر هنا شي‌ء لاستقراره بالدخول ، وهو كذلك.

وإن كان ارتداد الزوج عن فطرة فإن زوجته تبين منه في الحال ، وتعتد عدة الوفاة لوجوب قتله وعدم قبول توبته بالنسبة إلى الأحكام الدنيوية من بينونة زوجته ، وقسمة أمواله ووجوب قتله ، وإن قبلت فيما بينه وبين الله عزوجل ، كما تقدم تحقيقه في باب القضاء من كتاب الصلاة ، والأخبار بما ذكرنا من حكم المرتد الفطري متظافرة.

منها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرتد ، فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد إسلامه فلا توبة له ، وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٢) عن عمار الساباطي في الموثق قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله نبوته وكذبه ، فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد ، فلا تقربه ، ويقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١٥٣ ح ٤ ، التهذيب ج ١٠ ص ١٣٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٨ ص ٥٤٤ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٢٥٧ ح ١١ ، التهذيب ج ١٠ ص ١٣٦ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٨٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٨ ص ٥٤٤ ح ٣.

٢٨

الامام أن يقتله ، ولا يستتيبه». إلى غير ذلك من الأخبار ، ويثبت المهر أيضا في هذه الصورة كما في سابقتها للعلة المتقدمة.

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنهم قالوا : لو كان ارتداده عن فطرة وبانت منه فلو وطأها شبهة عليها فعليه مهر آخر للشبهة ، والظاهر أنه مما لا إشكال فيه.

وإن كان ارتداده عن ملة وكان بعد الدخول بها فإنه يقف نكاحه على العدة ـ كما تقدم ـ فإن رجع إلى الإسلام فيها استمر على نكاحه الأول ، وإن بقي على ارتداده تبين انفساخ النكاح من حين الردة ، وعلى هذا لو وطأها بشبهة على المرأة فإن رجع في العدة فلا شي‌ء عليه ، لأن إسلامه كشف عن كونها زوجته حال النكاح ، ومن ثم إنه بنى على العقد الأول.

وإن بقي على كفره حتى مضت العدة ، فهل عليه مهر لو وطأ الشبهة زائدا على الأول أم لا؟ قولان :

أولهما للشيخ ، قال : لأن عدم عوده إلى الإسلام كشف عن بطلان النكاح بالردة فكانت كالأجنبية.

وقيل (١) : لا يلزمه لهذا الوطي مهر لأنها في حكم الزوجة وإن حرمت عليه ولهذا لو رجع لم يفتقر إلى عقد جديد ، بل يبني على الأول ، فدل على بقاء حكمه وإن حصل التحريم ، غايته أن يكون الردة كالطلاق الرجعي ، وهو لا يوجب البينونة.

قال في المسالك : ولعل هذا أقوى ، والظاهر أنه بناء على ما اختاره في المسالك من أنه لا حد عليه لو وطأها لأنها في حكم الزوجة وإن كان ممنوعا من وطئها.

وأما على مذهب الشيخ فيشكل ذلك بما ذكرنا ، وما ذكره من كونها بحكم الأجنبية ، إلا أن يحمل كلامه على أنها بحكم الأجنبية بالنسبة إلى المهر لوطء

__________________

(١) هذا هو القول الثاني.

٢٩

الشبهة خاصة.

قال في المسالك : ويجب العدة لهذا الوطي ، وهما عدتان من شخص واحد فهو بمثابة ما لو طلق امرأته ثم وطأها في العدة واجتماعهما في الإسلام بمثابة الرجعة هناك ، انتهى.

وأنت خبير بأن ظاهر كلام الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ أن الأصل في مسألة المرتد هو ما تقدم في الكافر الغير الكتابي من عدم جواز مناكحته ، بناء على الاشتراك في الكفر كما تقدمت الإشارة إلى صدر المسألة فبنوا الأحكام في جميع شقوقها المذكورة على ذلك.

وأيده ببعض ما ورد في أحكام المرتد ، وللنظر في ذلك مجال ، فإن الأدلة الدالة على تحريم نكاح الكفارة ذكورا واناثا من الآيات والروايات إنما يتبادر منها المشرك الغير الكتابي مثل قوله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» «وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا» (١) «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (٢) ونحو ذلك الروايات أيضا ، وليس بعد ذلك إلا الأخبار الواردة في المرتد ، وهي غير وافية بالأحكام المذكورة هنا ، وحينئذ فيشكل الحكم في جملة منها كما أشرنا إليه آنفا سيما بما عرفته من كلامهم في حكم المرتد الملي إذا كان بعد الدخول ، ودلالة الرواية على خلاف ما ذكروه.

الثاني : قالوا إذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه سواء كان إسلامه قبل الدخول. أو بعده ، وهو موضع وفاق من العلماء المجوزين نكاح الكتابية والمانعين ، ومحل الخلاف المتقدم إنما هو في ابتداء نكاح المسلم الكتابية دون استدامته ، قالوا : ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون الزوج كتابيا أو غير كتابي من أصناف الكفار.

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢١.

(٢) سورة الممتحنة ـ آية ١٠.

٣٠

أقول : يمكن الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي (١) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما» الخبر.

فإنه بإطلاقه شامل لما نحن فيه إلا أنه قد روي في الكافي (٢) أيضا عن منصور ابن حازم قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأة فأسلم أو أسلمت قال : ينظر بذلك انقضاء عدتها وإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول ، وإن هو لم يسلم حتى تنقضي العدة فقد بانت منه».

وما رواه في التهذيب (٣) عن أحمد بن محمد أبي نصير في الصحيح قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم ، هل يحل لها أن تقيم معه؟ قال : إذا أسلمت لم تحل له ، قلت : جعلت فداك فإن الزوج أسلم بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال : لا ، بتزويج جديد (٤).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٨ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٢ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢١ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠١ ح ١٦ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢١ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٧ ح ٥.

(٤) أقول. قد وقع في رواية هذا الخبر اختلاف في النسخ ، ففي بعضها بغير لفظ «لا» ، قال : بتزويج جديد ، وفي بعض ـ كما ذكرنا في الأصل ـ قال : لا ، بتزوج جديد ، وفي بعضها بالتائين الفوقيتين مع لفظ لا وهو «لا تتزوج» وعلى هاتين النسختين فكلمة «لا» منفصلة ، وعلى الأخرى يحتمل اتصالها وان بعد ، فيحمل قوله بعد ذلك على ما قبل انقضاء العدة جمعا بين الاخبار ، كذا ذكره في الوافي.

أقول : ونحو هذا الخبر ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن البزنطي «قال : سمعت رجلا يسأل أبا الحسن عليه‌السلام عن النصراني

٣١

قوله «فإن الزوج أسلم بعد ذلك» ينبغي حمله على انقضاء العدة ، أي أسلم بعد انقضاء العدة كما دل عليه الخبر المتقدم ، والمفهوم منهما أنه مع إسلام أحدهما فإنه يكون ثبوت النكاح واستمراره مشروطا بإسلام الآخر قبل انقضاء العدة ، وإطلاقهما شامل لما نحن فيه.

وعلى هذا يمكن تقييد خبر محمد بن مسلم المتقدم بمورده ، وهو أهل الذمة خاصة بأن يكون الزوج والزوجة ذميين ، ويكون من جملة الأخبار المتقدمة الدالة على جواز نكاحهن ، إلا أنه يشكل بما يدل عليه على إطلاقه من جواز نكاح المسلمة ، والأقرب تقييده بخبر منصور بن حازم بأن يكون معنى قوله «يكونان على نكاحهما» يعني إذا أسلم الآخر قبل انقضاء العدة.

وكيف كان فالظاهر أنه لا مستند لما ذكروه من الحكم الذي قدمنا نقله عنهم إلا الإجماع المدعى في المقام ، إذ لم أقف في الأخبار بعد الفحص على ما يدل على ذلك بخصوصه ، والله العالم.

الثالث : إذا أسلمت زوجة الكافر فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، لعدم العدة وامتناع كون الكافر زوجا للمسلمة ، ولا مهر لأن الفرقة جاءت من قبلها ، ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام (١) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج

__________________

تسلم امرأته ثم يسلم زوجها ، أيكونان على النكاح الأول؟ قال : لا ، يجددان نكاحا آخر». وهذا الخبر أيضا لا يخلو عن اشكال ، لاحتمال أن يكون «لا» منفصلة ، وبها حصل الجواب عن السؤال بمعنى أنهما لا يكونان على النكاح الأول ، بل يجددان نكاحا آخر ، وهذا هو الظاهر ، ويحتمل أن يكون متصلة دالة على النهى عن تجديد نكاح آخر ، وحاصله أنهما يكونان على النكاح الأول ولا يجددان نكاحا آخر ، وعلى كل منهما فهو مشكل من حيث التفصيل الذي عرفته في الأصل بالإسلام قبل انقضاء العدة وبعدها وأنه انما يصح النكاح على الأول دون الثاني. (منه ـ قدس‌سره ـ) والرواية المذكورة في التعليقة في قرب الاسناد ص ١٦٧ ، والوسائل ج ١٤ ص ٤١٧ ذيل ج ٥.

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢٢ ح ٦.

٣٢

عن أبي الحسن «في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها ، قال : قد انقطعت عصمتها منه ولا مهر لها ولا عدة عليها منه».

أقول : ما دل عليه الخبر من عدم المهر لها في هذه الصورة هو المعروف من مذهب الأصحاب كما صرحوا به ، إلا أنه قد تقدم في رواية السكوني (١) المذكورة في صدر المسألة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقضى (عليه‌السلام) أن لها عليه نصف الصداق».

ويمكن الجمع بين الروايتين : بأن رواية السكوني قد تضمنت أن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قد دعاه إلى الإسلام فلم يجب ، ولو أجاب لكانا على نكاحهما ، فلما لم يجب كان الفسخ من قبله فيكون في حكم الطلاق ، بخلاف صحيحة عبد الرحمن ، فإنها لم تتضمن ذلك ، فكان الفسخ من قبل الزوجة ، ولعل قصر رواية السكوني على موردها ، والعمل بما دلت عليه الصحيحة المذكورة أولى ، سيما مع اعتضادها بفتوى الأصحاب (٢).

وإن كان بعد الدخول وقف انفساخ العقد على انقضاء العدة ، وهي عدة الطلاق من حين إسلامها فإن انقضت العدة وهو على كفره تبين أنها قد بانت منه حين إسلامها ، وإن أسلم قبل انقضائها تبين بقاء النكاح.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٦ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ٩٢ ح ٢٣٤ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢٢ ح ٧.

(٢) أقول : ومن هنا يظهر أن غير الكتابي محل اتفاق فيما ذكرناه من الحكم ، وأنه مع عدم الدخول يجب انفساخ العقد ، ومع الدخول يقف على انقضاء العدة ، فإنه ان كانت المسلمة هي الزوجة فلا سبيل للكافر عليها ـ كما تقدم دلالة الآيات عليه ـ ولا تحل له ، وان كان هو الزوج فقد عرفت أن المسلم انما يجوز له التزويج بالكتابية على الخلاف المتقدم ، هذا في الابتداء ، وأما الاستدامة فقد تقدم أن الجواز متفق عليه ، وأما غير الكتابية فلا دليل على جوازه ، بل الآيات والاخبار دالة على المنع منه ، وبالجملة فالمسألة ليس محل اشكال. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

٣٣

ويدل على هذا رواية منصور بن حازم (١) المتقدمة في سابق هذا الموضع ، ونحوها ما رواه الشيخ في التهذيب (٢) عن السكوني «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) إن امرأة مجوسية أسلمت قبل زوجها ، قال علي (عليه‌السلام) : أتسلم؟ قال : لا ، ففرق بينهما ، ثم قال : إن أسلمت قبل انقضاء عدتها فهي امرأتك ، وإن انقضت عدتها قبل أن تسلم ثم أسلمت فأنت خاطب من الخطاب».

والمشهور بين الأصحاب أنه لا فرق فيما ذكرناه بين أن يكون الزوج كتابيا أو غير كتابي ، وذهب الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار إلى اختصاص الحكم المذكور بغير الكتابي ، أما الكتابي فإنه ذهب فيه إلى بقاء النكاح وعدم انفساخه إذا كان الزوج بشرائط الذمة ، ولكنه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ، ولا من الخلوة بها نهارا.

واستدل على المشهور بما تقدم من أخبار المسألة ، وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر (٣) المتقدمة في سابق هذا الموضع.

ويدل على ما ذهب إليه الشيخ (٤) ما رواه عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) «أنه قال في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم قال : هما على نكاحهما ، ولا يفرق بينهما ، ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى دار الكفر».

وعن محمد بن مسلم (٥) في الحسن بإبراهيم بن هاشم مع إرسال ابن أبي عمير

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠١ ح ١٦ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢١ ح ٣.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٠١ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢١ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٧ ح ٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٠٠ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢٠ ح ١.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٣٥٨ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٢ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢١ ح ٥.

٣٤

الذي ينظمون مرسلاته في الصحاح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ، ولا يبيت معها ، ولكنه يأتيها بالنهار ، وأما المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدة ، فإن أسلمت المرأة ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ، وإن لم يسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد بانت منه ولا سبيل له عليها ، وكذلك جميع من لا ذمة له (١).

وما رواه في الكافي (٢) عن يونس قال : «الذمي تكون له المرأة الذمية فتسلم امرأته ، قال : هي امرأته يكون عندها بالنهار ، ولا يكون عندها بالليل ، قال : فإن أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار».

وطعن السيد السند في شرح النافع في الروايتين الأولتين بضعف السند من حيث إرسال الاولى مع اشتمال سندها على علي بن حديد ، وإرسال الثانية ، حيث إن ابن أبي عمير قد رواها عن بعض أصحابه وهو مشعر باعترافه بصراحة دلالة الخبرين ، وحينئذ فمن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث يتحتم عليه العمل بالروايتين المذكورتين سيما مع تصريحه هو وغيره بقبول مرسلات ابن أبي عمير ، وأنها في حكم المسانيد عندهم.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد إيراد خبر محمد بن مسلم وما قبله ـ ما لفظه : أفتى في التهذيبين بهذا الخبر في حكم أهل الذمة ، وأول المقيد من الأخبار بانقضاء العدة فيهم بما إذا أخلوا بشرائط الذمة ، وفيه بعد ، بل هذا الخبر وما قبله أولى بالتأويل مما تقدمها لمخالفتها قوله عزوجل «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى

__________________

(١) وروى الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه عن أبيه عن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام في امرأة تسلم تحت نصراني ، قال : هي امرأته ما لم يخرجها من دار الهجرة ، وهذه الرواية في معنى مرسلة جميل المذكورة في الأصل ورواية محمد بن مسلم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣٧ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢٢ ح ٨.

٣٥

الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» (١) انتهى.

أقول : فيه (أولا) إن الأخبار المتضمنة للتقييد بانقضاء العدة بمعنى أنه لا يحكم بالبينونة إلا بعد انقضاء العدة ليست إلا رواية منصور بن حازم ، ورواية السكوني ، وليس في شي‌ء منهما ما يدل على أن الزوج كان ذميا بل هما مطلقتان بل رواية منصور ظاهرة في كون الزوج ليس من أهل الذمة ، ورواية محمد بن مسلم المذكورة قد فصلت حكم الذمي وغيره ، ومقتضى القاعدة حمل المجمل على المفصل والمطلق على المقيد.

و (ثانيا) ما استند إليه في الاستدلال على ما اختاره من جعل التأويل في جانب هذه الروايات الثلاثة من الآية المذكورة تبعا للأصحاب فيما استدلوا به في جملة من الأبواب بهذه الآية ، مع أنه روى في تفسيره الصافي (٢) عن الرضا عليه‌السلام ما يدل على أن المراد من السبيل إنما هو من حيث الحجة والدليل لا الاستيلاء والغلبة ، فإن استيلاء الكفرة والفراعنة على المؤمنين بل الأنبياء والأئمة المعصومين عليهم‌السلام بالقتل والإهانة أمر لا ينكر ـ كما صرح به عليه‌السلام في الخبر ـ وقد تقدم ذكرنا ذلك في غير موضع.

وبالجملة فإن قول الشيخ المذكور قوي لا أعرف له علة إلا ما يتخيل من ضعف أخباره ، بناء على هذا الاصطلاح المحدث الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح ، وروايات المسألة التي استدل بها للقول المشهور مطلقة قابلة للتقييد بهذه الأخبار (٣).

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ١٤١.

(٢) تفسير الصافي ج ١ ص ٤٠٦.

(٣) أقول : وغاية ما استدل به العلامة ـ للقول المشهور ـ الاية المذكورة المتضمنة لنفي السبيل من الكافرين على المؤمنين ، وصحيحة البزنطي ، وأنت خبير بما في الاستدلال بالآية كما ذكرنا في الأصل.

وأما الرواية فإنما عبر فيها عن الزوج بالرجل ، وهو أعم من كونه ذميا أو غيره ، فهو قابل في التقييد بما استدل به الشيخ من التفصيل ، ومثلها أيضا رواية السكوني التي استدل بها ثمة ، فإنها تضمنت لفظ «الزوج» وهو أعم أيضا.

٣٦

قال السيد السند في شرح النافع : والعجب أن الشيخ في الخلاف وافق الجماعة على انفساخ النكاح بخروجها من العدة محتجا بإجماع الفرقة ، مع اختياره لهذا القول في النهاية وكتابي الأخبار.

أقول : من يعرف حال الشيخ وطريقته في دعوى الإجماع واختلاف أقواله وفتاويه في كتبه لا يتعجب منه ، فإنه في بعض كتبه كالخلاف والمبسوط من رؤوس المجتهدين ، وفي بعض آخر كالنهاية وكتابي الأخبار من رؤوس الأخباريين وشتان ما بين الحالتين.

وقال في المسالك : واعلم أنه على قول الشيخ بعدم بطلان النكاح في الذمي لا فرق بين كون إسلامها قبل الدخول وبعده لتناول الأدلة للحالتين ، وربما فهم من عبارة بعض الأصحاب اختصاص الخلاف بما لو كان الإسلام بعد الدخول وليس كذلك.

__________________

وأما الرواية التي أشرنا إليها في تفسير الآية بأن المراد بالسبيل انما هو من طريق الحجة والدليل فهي ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار(١) عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال فيه : وفيهم قوم يزعمون أن الحسين بن على عليهما‌السلام لم يقتل ، وأنه القى شبهة على حنظلة بن أسعد الشامي ، وأنه رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم ويحتجون بهذه الآية «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» فقال : كذبوا ، عليهم غضب الله ولعنته ـ الى أن قال ـ فأما قوله عزوجل «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» فإنه يقول لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة ، ولقد أخبر الله عن كفار قتلوا نبيين بغير الحق ومع قتلهم إياهم لن يجعل الله لهم على أنبيائه ـ عليهم‌السلام ـ ، سبيلا من طريق الحجة. انتهى.

أقول : فإذا كان معنى الآية انما هو ما ذكره ـ عليه‌السلام ـ ، فكيف يصح الاستدلال بها في أمثال هذه المقامات على هذه الأحكام ، لكن يمكن العذر لأصحابنا من حيث عدم الوقوف على الخبر المذكور ، وأما مثل المحدث الكاشاني ـ رحمة الله عليه ـ الذي ذكره في تفسيره الصافي(٢) فكيف يسوغ معه الاستدلال به هنا تبعا للأصحاب ، والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(١) عيون أخبار الرضا ـ عليه السلام ـ ج ٢ ص ٢٠٤ ح ٥ طبع النجف الاشرف.

(٢) تفسير الصافي ج ١ ص ٤٧٤ طبع بيروت نقلا عن العيون.

٣٧

انتهى وهو جيد.

تذنيب

لو انتقلت زوجة الذمي من دين الكفر الذي كانت عليه إلى دين آخر من أديان الكفر أيضا قالوا : وقع الفسخ في الحال ، وإن عادت بعد ذلك إلى دينها ، وظاهره أن الدين الذي انتقلت إليه أعم من أن يقر أهله عليه أم لا ، لعموم قوله تعالى «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) «من بدل دينه فاقتلوه» وحينئذ فيقع الفسخ بينهما في الحال لأنها لا تقر على ذلك ، وإنما الحكم فيها القتل ، أو الدخول في الإسلام ، وعلى التقديرين ينفسخ النكاح بينهما وبين الذمي.

وأورد عليه أنه محل نظر من وجهين : (أحدهما) إن حكمنا على الذمي بذلك غير لازم لجواز انتقالها إلى دين يصح فيه التناكح في دينهم ، فلا ينفسخ ما دامت حية ، وعلى تقدير قتلها فالانفساخ من جهته لا من جهة الكفر.

(الثاني) إنه على تقدير الإسلام لا ينبغي إطلاق الحكم بالانفساخ بل يجي‌ء فيه التفصيل السابق حتى لو كان بعد الدخول فوقف الانفساخ على انقضاء العدة قبل إسلامه ، ولو كان انتقالها إلى دين يقر أهله عليه كما لو انتقلت اليهودية إلى النصرانية ، فيبني على أنها هل تقر على ذلك أم لا؟ وعلى تقدير عدم إقرارها لو عادت إلى دينها هل تقر على ذلك كما كانت تقر ابتداء أم لا؟ خلاف ، ذكر في بحث الجهاد. انتهى.

أقول : وحيث كانت المسألة عارية من النص ، فالكلام فيها مشكل ، إلا أن هذا خلاصة ما ذكروه في المقام.

__________________

(١) سورة آل عمران ـ آية ٨٥.

(٢) في هامش الجامع الصغير ج ٢ ص ١٠١.

٣٨

المسألة الثالثة : إذا أسلم الذمي على أكثر من أربع منكوحات بالعقد الدائم من الحرائر وأمتين وحرتين فارق ما زاد على العدد المذكور ، ولو كان عبدا استدام حرتين أو حرة وأمتين وفارق ما زاد ، واستدل عليه في المسالك (١) بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لغيلان «أمسك أربعا وفارق سائرهن». حيث إنه أسلم وعنده ثمان نسوة فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك.

أقول : الظاهر أن الخبر المذكور من أخبار العامة فإني لم أقف عليه في كتب أخبارنا ، والموجود فيها ما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المجوسي أسلم وله سبع نسوة وأسلمن معه كيف يصنع؟ قال : يمسك أربعا ويطلق ثلاثا». إلا أن مورد هذه الرواية خارج عما نحن فيه لكونها متضمنة لاسلامهن معه ، ومحل البحث بقاء الزوجات على دينهن ، نعم الرواية الأولى دالة بإطلاقها على ذلك ، إلا أنك قد عرفت ما فيها ، والظاهر أن قوله في الرواية المذكورة «يطلق» من الإطلاق من باب الأفعال ، أو يحتمل على التطليق اللغوي بمعنى التخلية والترك ، فإن المعلوم من كلام الأصحاب أنه ينفسخ عقد الزائد على من يختاره من الأربع ولا يتوقف على طلاق ، إلا أني لم أقف لهم على نص فيه ، والخروج عن ظاهر الخبر بغير معارض مشكل.

وكيف كان فلا بد من تقييد هذا الحكم المذكور في صدر المسألة بقيود ، منها تقييد الزوجات بكونهن كتابيات مثله ليصح استدامة نكاح العدد المعتبر لما تقدم في الموضع الثاني من سابق هذه المسألة من أن الخلاف في نكاح المسلم الكتابية إنما هو في الابتداء دون الاستدامة ، فإن الجواز فيها موضع وفاق ، وحينئذ فيجب تخصيص الزوجات بالذميات ، فلو كن كافرات غير ذميات فلا بد

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٤ ب ٤ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣٦ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٥ ح ٧٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٤ ح ١.

٣٩

من مراعاة ما تقدم فيهن من أنه إن أسلمن معه في العدة إن كان بعد الدخول ، أو مطلقا إن كان قبله ، وإلا انفسخ نكاحهن بإسلامه لعدم جواز تزويج المسلم الكافرة الغير الكتابية.

ومنها أنه يجب تقييدهن بكونهن ممن يجوز نكاحهن في دين الإسلام كما نبه عليه بعض الأعلام وهو واضح.

ومنها أن تخيير الحر أمتين وحرتين كما تقدم مبني على جواز نكاح الأمة بدون الشرطين ، وحينئذ اعتبرنا الشرطين في جواز نكاح الأمة كما هو أحد القولين احتمل انفساخ النكاح ههنا إذا جامعت حرة لفوات الشرط ، ويحتمل عدم الانفساخ بناء على أن اعتبار الشرطين إنما هو بالنسبة إلى ابتداء النكاح لا في استدامته ، وإلى هذا مال في التذكرة ونسبه إلى علمائنا واستوجهه في المسالك ، قالوا : ولا فرق في جواز اختياره لمن شاء منهن على تقدير زيادتهن على العدد الشرعي بين من ترتب عقدهن أو اقترن ، ولا بين الأوائل والأواخر ، ولا بين من دخل بهن وغيرهن.

وظاهر العلامة في التذكرة أن ذلك موضع وفاق بين علمائنا حيث إنه إنما نقل الخلاف في ذلك عن بعض العامة (١) واستدل على هذا الحكم بحديث غيلان المتقدم من حيث إن عدم الاستفصال فيه يفيد العموم. قال في شرح النافع : وفي السند والدلالة نظر ، ولا فرق عندهم في هذا الحكم بين ما لو أسلم بعض تلك الزوجات وعدمه ، فإن التخيير باق حتى لو كان عنده ثمان فأسلم معه أربع منهن لم يمنع ذلك من اختيار الكتابيات ، لأن الإسلام لا يمنع الاستمرار على نكاح الكتابية ولا يوجب تحتم نكاح المسلمة. نعم الأولى والأفضل اختيار المسلمات لشرف المسلمة

__________________

(١) أقول : الخلاف المنقول عن بعض العامة هنا هو أنه إذا تزوجهن في عقد واحد اندفع نكاح الجميع وان كان في عقود مترتبة لزمه الأربع الأوائل ، وأصحابنا لم يعتدوا به. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٠