الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

إنما هو الرجل يحل جاريته لأخيه ، ومنها ما هو مخصوص بالمرأة تحل لزوجها أو المرأة لابنها ونحو ذلك ، وليس فيها إشارة إلى الحل للمملوك بالكلية.

وتردد المصنف إنما هو من تعارض الخبرين المذكورين ، ولكنه لما لم يطلع على الخبر الدال على الجواز ارتكب هذا التكلف مع ما عرفت من بطلانه.

وكيف كان فالظاهر هو حمل صحيحة علي بن يقطين على التقية ، كما قدمنا ذكره في المورد الأول ، لاعتضاد رواية الجواز المذكورة بجملة من الأخبار الدالة على جواز تسري العبد الجواري بإذن مولاه.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن المملوك كم يحل أن يتزوج؟ قال : حرتان أو أربع إماء : وقال : لا بأس إن كان في يده مال ، وكان مأذونا له في التجارة أن يتسري ما شاء من الجواري ويطأهن».

وما رواه في الكافي (٢) عن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك يأذن له مولاه أن يشتري من ماله الجارية والثنتين والثلاث ورقيقة له حلال؟ قال : يحد له حدا لا يجاوزه».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أذن الرجل لعبده أن يتسرى من ماله ، فإنه يتسرى كم شاء بعد أن يكون قد أذن له».

وظاهره في المسالك أيضا حمل صحيحة علي بن يقطين على التقية ، قال : لأن العامة يمنعون التحليل مطلقا ، إلا أنه من حيث عدم اطلاعه على الرواية المعارضة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٢١٠ ح ٥٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٠ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٧ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٦ ح ٧٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٧ ح ٣.

٣٢١

استشكل ، فقال : ومع ذلك ففي تكلف الحمل مع عدم وجود المعارض إشكال ، ثم قال : إنه لا فرق على القولين بين تحليل عبده لأمته أو عبد غيره إذا أذن سيده وإنما خص المصنف عبده لموضع النص.

وعندي فيه إشكال ، لأن التحليل على خلاف الأصل وخارج عن مقتضى القواعد وظاهر القرآن ، ولهذا أطبق العامة على عدم جوازه ، ولكن لما تكاثرت به أخبارنا من غير معارض فيها أطبق الأصحاب على جوازه ، إلا الشاذ النادر ، وتكلفوا إدخاله في الآية كما تقدم ، ولا ريب أن مورد الأخبار كما لا يخفى على من تتبعها إنما هو التحليل للحر خاصة ، والتحليل للعبد إنما وقع في خبر فضيل مولى راشد ، ومورده مختص بتحليل السيد أمته لعبده ، وحينئذ فالحكم بتحليل السيد أمته لعبد غيره مع إذن مالك العبد مما لا دليل له في الأخبار ، وحمله على ما نحن فيه من عبد السيد وأمته كما يفهم من كلامه لا يخرج عن القياس.

الخامس : قالوا : لو ملك بعض الأمة ، وكان البعض الآخر حرا ، فأحلت نفسها له ، لم يحل له نكاحها ، ولو كانت بين شريكين ، فأحل أحد الشريكين حصته لشريكه فقولان : المشهور المنع.

أقول : قد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام بما يتعلق بكل من المسألتين المذكورتين في المسألة السادسة من المطلب الأول مفصلا فليرجع إليه.

السادس : إذا أحل السيد أمته لحر وحصل من التحليل ولد ، فلا يخلو إما أن يشترط في صيغة التحليل كونه حرا أو رقا ، أو لا يشترط شي‌ء منهما.

وعلى الأول فإنه يكون حرا ، ولا قيمة على الأب إجماعا.

وعلى الثاني يبنى على صحة هذا الشرط في نكاح الأمة وعدمه ، وقد تقدم الكلام فيه في المسألة الثانية من المطلب الأول.

وعلى الثالث فالمسألة محل خلاف بين الأصحاب ، فالمشهور بين المتأخرين وبه قال الشيخ في الخلاف والمرتضى وابن إدريس أنه حر ، ولا قيمة على أبيه

٣٢٢

وخالف في ذلك الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار ، فقال : بأنه رق ، قال في النهاية : ومتى جعله في حل من وطئها ، وأتت بولد كان لمولاها وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن كان له مال ، وإن لم يكن له مال استسعى في ثمنه ، وإن شرط أن يكون حرا كان على ما شرط ونحوه في المبسوط وكتابي الأخبار ، ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الأخبار والانظار.

فمما يدل على القول المشهور ما رواه في الكافي (١) عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يحل جاريته لأخيه؟ فقال : لا بأس بذلك ، قلت : فإنه قد أولدها ، قال : يضم إليه ولده ، فترد الجارية على مولاها ، قلت : فإنه لم يأذن له في ذلك ، قال : إنه قد حلله منها فهو لا يأمن ذلك».

وما رواه الشيخ (٢) في الموثق عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحل جاريته لأخيه؟ أو حرة حللت جاريتها لأخيها؟ قال : يحل له من ذلك ما أحل له ، قلت : فجاءت بولد ، قال : يلحق بالحر من أبويه».

وعن عبد الله بن محمد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لأخيه جاريتي لك حلال ، قال : قد حلت له ، قلت : فإنها قد ولدت ، قال : الولد له والام للمولى ، واني لأحب للرجل إذا فعل بأخيه أن يمن عليه فيهبها له». أقول : يعني إذا جاءت بولد.

ومما يدل على القول الآخر ما رواه الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ والشيخ (٤) عن ضريس بن عبد الملك في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «الرجل يحل لأخيه جاريته

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٧ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٠ ح ٤ وما في المصادر اختلاف يسير مع ما نقله ـ قدس‌سره.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٧ ح ٢٣ و ٢٤، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤١ ح ٧ و ٦.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٨ ح ٢٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٠ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٠ ح ١.

٣٢٣

وهي تخرج في حوائجه ، قال : هي له حلال ، قلت : أرأيت إن جاءت بولد ما يصنع به؟ قال : هو لمولى الجارية ، إلا أن يكون قد اشترط عليه حين أحلها له أنها إن جاءت بولد فهو حر ، قال : إن كان فعل فهو حر ، قلت : فيملك ولده؟ قال : إن كان له مال اشتراه بالقيمة».

وروى الشيخ هذه الرواية في التهذيب بسند آخر ضعيف ، وهو الذي نقله الأصحاب في كتب الاستدلال ، ولذا ردوا الرواية بذلك كما أشار إليه المحقق في الشرائع ، وصرح به الشارح في المسالك ، والعلامة في المختلف ، ولم يقفوا على رواية الشيخ لها بالسند الآخر الصحيح ومثله الصدوق في الفقيه.

ويدل على ذلك صحيحة الحسن العطار (١) وهو الحسن بن زياد العطار ، وقد وثقة النجاشي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عارية الفرج؟ قال : لا بأس به ، قلت : فان كان منه ولد ، فقال : لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه». والمراد بالعارية هنا التحليل كما تقدم ذكره.

وما رواه في التهذيب (٢) عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى الحسن عليه‌السلام «في امرأة قالت لرجل : فرج جاريتي لك حلال ، فوطأها فولدت ولدا ، قال : يقوم الولد عليه بقيمته».

وقد رد المتأخرون هذه الروايات بضعف الاسناد ، وقال في المسالك : وفي طريق الاولى علي بن فضال ، والثانية مجهولة بالعطار ، والثالثة بعبد الرحمن بن حماد ، وأراد بالأولى صحيحة ضريس بناء على نقلها بذلك السند الضعيف كما عرفت ، وأراد بالثانية صحيحة الحسن العطار ، وبالثالثة رواية إبراهيم بن عبد الحميد ، ومثله العلامة في المختلف ، وكان الحامل لهم على الطعن في الحسن العطار هو ما في الفهرست من قول الشيخ : الحسن العطار له أصل يروى عنه ابن أبي عمير ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٦ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٠ ب ٣٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٨ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤١ ح ٥.

٣٢٤

وفيه أن الظاهر إن الرجل المذكور هو ما ذكره النجاشي بقوله الحسن بن زياد العطار مولى بني ضبة كوفي ثقة ـ إلى أن قال : ـ له كتاب يروي عنه ابن أبي عمير فإن الوصف بالعطار ورواية ابن أبي عمير عنه قد اتفقت عليه العبارتان ، ولكن النجاشي زاد ذكر الأب ، والشيخ لم يتعرض له ، وبالجملة فالمتأمل في ذلك لا يخفى عليه أن الرجل واحد.

وأجاب الشيخ عن الروايات الأولة بالحمل على أحد وجهين :

(الأول) الحمل على اشتراط الأب الحرية فإنها مجملة قابلة لذلك.

(الثاني) الحمل على أن يكون ضم ولده إليه ولحوقه به بالقيمة كما هو صريح عبارته في النهاية المتقدمة ذكرها ، ويبعد الأول قوله عليه‌السلام في آخر حسنة زرارة قد حلله منها وهو لا يأمن ذلك ، ويرجح الثاني قوله عليه‌السلام في آخر رواية إبراهيم بن عبد الحميد «يقوم الولد عليه بقيمته». وقوله في آخر صحيحة ضريس «قلت : فيملك ولده؟ قال : إن كان له مال اشتراه بالقيمة».

وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ـ بعد أن أورد حسنة زرارة وصحيحة ضريس ـ ما صورته : قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمة الله عليه ـ : هذان الحديثان متفقان ، وليسا بمختلفين وخبر حريز عن زرارة قال «يضم إليه ولده». يعني بالقيمة ما لم يقع الشرط بأنه حر. انتهى ، وهو جمع حسن بين الأخبار ، وقد رجحه السيد السند في شرح النافع فإنه قال ـ بعد نقل كلام الصدوق ـ : وما ذكره من الجمع جيد.

وأما ما احتج به بعض المتأخرين من عموم الأخبار المتقدمة ـ في المسألة الثانية من المطلب الأول الدالة على أن ولد الحر لا يكون إلا حرا ـ منظور فيه بأن الدليل هناك مورده التزويج ، والتحليل أمر آخر ، ولهذا أن الشيخ في المبسوط فرق بين ما إذا قلنا بأن التحليل عقد كما هو قول المرتضى أو إباحة ، فأوجب إلحاقه بالحر منهما على الأول وحكم بالرقية على الثاني ، فقال على

٣٢٥

ما نقله في المختلف : ويكون الولد لاحقا بأمه ويكون رقا إلا أن يشترط الحرية ، ولو كان عقدا يعني التحليل الحق بالحرية على كل حال ، لأن الولد عندنا يلحق بالحرية من أي جهة كان. ذكر ذلك في معرض الاستدلال على أن التحليل نوع تمليك لا عقد ، على أنه قد دلت هناك جملة من الروايات على الرقية أيضا كما هو مذهب ابن الجنيد.

وبذلك يظهر لك رجحان ما ذهب إليه الشيخ ـ عطر الله مرقده ـ والأصحاب لم ينقلوا الخلاف في هذا المقام إلا عن الشيخ وحده ، مع أن عبارة الصدوق المذكورة صريحة في ذلك.

هذا وظاهر عبارة المحقق في كتابيه أنه لا خلاف في حرية الولد ، وإنما الخلاف في وجوب فكه بالقيمة على الأب ، قال في الشرائع : ولد المحللة حر ، ثم إن شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر ، ولا سبيل على الأب ، وإن لم يشترط قيل : يجب على أبيه فكه بالقيمة ، وقيل : لا يجب ، وهو أصح الروايتين ، وقال في النافع : ولد المحللة حر ، فإن شرط الحرية في العقد فلا سبيل على الأب وإن لم يشترط ففي إلزامه قيمة الولد روايتان ، أشبههما أنه لا يلزم.

وأنت خبير بما فيه ، فإن الخلاف كما عرفت إنما هو في الحرية والرقية ، وقد صرح الشيخ في عبارته المتقدم نقلها عن المبسوط بالرقية ، فقال : ويكون رقا إلا أن يشترط الحرية ، وكذا عبارة النهاية ، وقوله «كان لمولاها» يعني ملكا لمولاها ، والأخبار أيضا إنما تصادمت في ذلك ، والقول بوجوب فكه بالقيمة إنما هو على تقدير الرقية كما عرفت من عبارة الشيخ في النهاية والصدوق في الفقيه ، والقائل بالحرية لا يقول بلزوم القيمة للأب.

أقول : وقد تقدم جملة من أحكام الإماء في كتاب البيع ، وفي الفصول السابقة من هذا الكتاب.

٣٢٦

ختام

يتضمن جملة من الأخبار كالنوادر لهذا الفصل.

فمنها ما رواه في الكافي (١) عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين ، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب».

وعن عبد الرحمن بن أبي نجران (٢) عمن رواه عن أبي الحسن عليه‌السلام أنه كان ينام بين جاريتين.

أقول : قد صرح الأصحاب هنا بأنه لا بأس بالنوم بين أمتين ، ويكره بين الحرتين.

أما الحكم الأول فاستدلوا عليه بالرواية الثانية ، وعللوا الكراهة بما فيه من الامتهان كما ذكره في المسالك ، ونحوه سبطه في شرح النافع حيث نقل عنهم ذلك ، وقال : لا بأس به.

وفيه أن الخبر الأول ـ كما ترى ـ ظاهر في الجواز بالنسبة إلى الإماء والحرائر ، معللا له بما ذكر مما يدل على حسنه وحصول اللذة به.

وروى الشيخ (٣) في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل ينكح الجارية من جواريه وفي البيت من يرى ويسمع ، قال : لا بأس».

وبمضمون هذه الرواية صرح المحقق في النافع فقال : ولا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٠ ح ١٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٦ ح ١٦١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٩ ب ٨٤ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٩ ح ٤٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٩ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٨ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٤ ح ١.

٣٢٧

أقول : قد روى في الكافي (١) عن ابن راشد عن أبيه قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام قال : لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا». وهو ظاهر في الكراهة كالحرة ، اللهم إلا أن يقال : إنه لا منافاة بين نفي البأس الدال على الجواز والكراهة.

وروى في الكافي (٢) عن عبد الرحمن بن أبي نجران عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ». وفيه دلالة على استحباب الوضوء في هذا الحال.

وروى الراوندي سعيد بن هبة الله في كتاب الخرائج والجرائح (٣) عن الحسن ابن أبي العلاء قال : «دخل على أبي عبد الله عليه‌السلام رجل من أهل خراسان فقال : إن فلانا بن فلان بعث معي بجارية وأمرني أن أدفعها إليك ، قال : لا حاجة لي فيها إنا أهل بيت لا تدخل الدنس بيوتنا ، قال : لقد أخبرني أنها ربيبة حجره ، قال : لا خير فيها ، فإنها قد أفسدت ، قال : لا علم لي بهذا ، قال : أعلم أنه كذا».

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) «أنه دخل عليه رجل من أهل خراسان ، فقال عليه‌السلام : ما فعل فلان؟ قال : لا علم لي به ، قال : أنا أخبرك به ، بعث معك بجارية لا حاجة فيها ، قال : ولم قال : لأنك لم تراقب الله فيها حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ ، فسكت الرجل ، وعلم أنه أعلم بأمر عرفه».

قال في الوسائل بعد نقل هذين الخبرين : وروى الراوندي والمفيد والطبرسي والصدوق وغيرهم أحاديث كبيرة في هذا المعنى ، وأنه أرسل إليهم عليهم‌السلام بهدايا

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٩٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤١٤ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٩٤ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٩ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٩ ب ٨٤ ح ٢ ولم نعثر عليه في الكافي.

(٣) الخرائج ص ٢٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٣ ح ١.

(٤) الخرائج ص ٢٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٣ ح ٢.

٣٢٨

وجواز زنا بهن الرسل ، فأخبروا بالحال ، وردوا الجواري (١).

وظاهر صاحب الوسائل عموم هذا الحكم لغيرهم عليهم‌السلام أيضا فقال : باب كراهة وطئ الجارية الزانية بالملك وتملكها وقبول هبتها ، والظاهر بعده ، فإن ظاهر الخبر الأول هو اختصاص هذا الحكم بهم عليهم‌السلام لقوله عليه‌السلام «إنا أهل بيت لا تدخل الدنس بيوتنا» لا أنه عام لغيرهم ، مع ما عرفت من الأخبار المتكاثرة الدالة على جواز تزويج الزانية ، والمتعة بها ، وإمساك امرأته التي يعلم أنها تزني ، وجوازه في الحرة ـ خصوصا الزوجة ـ يقتضي ثبوته في الأمة بطريق أولى كما لا يخفى.

وروى في الكافي (٢) عن جعفر بن يحيى الخزاعي عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «قلت له : اشتريت جارية من غير رشدة ، فوقعت مني كل موقع ، فقال : سل عن أمها لمن كانت ، فسله يحلل الفاعل بأمها ما فعل ليطيب الولد».

أقول : قد تقدم في باب الرضاع أخبار عديدة نظير هذا الخبر في الاسترضاع ممن ولادتها من الزنا.

ومنها رواية إسحاق بن عمار (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها فولدت ، واحتجنا إلى لبنها فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب اللبن؟ قال : نعم».

وقد صرح جملة من الأصحاب بالإعراض عنها ، وارتكبوا التأويل فيها بالحمل على ما إذا كانت الأمة قد تزوجت بدون إذن مولاها ، فإن الأولى له إجازة العقد ليطيب اللبن ، مستندين إلى أن إحلال ما مضى من الزنا لا يرفع إثمه ، ولا يرفع حكمه ، فكيف يطيب لبنه ، وهذه المناقشة تجري في هذا الخبر أيضا إلا أنها

__________________

(١) الخرائج ص ٢٩٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٥٦٠ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٠ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٤٣ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ١٠٩ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ١٨٥ ح ٥.

٣٢٩

غير ملتفت إليها ، فإنه اجتهاد في مقابلة النصوص ، واستبعاد محض بل جرأة على أهل الخصوص.

وروى الشيخ (١) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أيما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فإنه لا يورث منه ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدعى ابن وليدته». وهو محمول على كون الشراء وقع بعد تحقق الولد كما هو ظاهر الخبر المذكور.

وعن أبي بصير (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقال للإماء يا بنت كذا وكذا ، وقال : لكل قوم نكاح».

أقول : فيه دلالة على عدم جواز قذف أصحاب الملل والأديان والطعن في أنسابهم بما خالف مقتضى شريعتنا إذا كان سائغا في شرائعهم ، وعليه تدل جملة من الأخبار.

منها ما رواه في التهذيب (٣) عن عبد الله بن سنان في الحسن قال : «قذف رجل رجلا مجوسيا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : مه ، فقال الرجل : إنه ينكح امه وأخته ، فقال : ذاك عندهم نكاح في دينهم».

وعن أبي بصير (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز». إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١٦٣ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠٧ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٦٦ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٢ ح ٩٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٨ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٧٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٦ ح ١٦٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٨ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٥ ح ١١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٨ ح ٣.

٣٣٠

وروى في الكافي (١) عن أبي شبل قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل مسلم ابتلى ففجر بجارية أخيه ، فما توبته؟ قال : يأتيه فيخبره ويسأله أن يجعله من ذلك في حل ولا يعود ، قال : قلت : فإن لم يجعله من ذلك في حل؟ قال : قد لقي الله وهو زان خائن» الحديث.

والأصحاب قد صرحوا في هذا الموضع بأنه في صورة طلب التحليل والبراءة منه يعرض له ويكنى ولا يصرح ، لما فيه من إثارة العداوة ومزيد الشحناء ، والخبر كما ترى بخلافه.

وعن سليمان بن صالح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن الرجل ينكح جارية امرأته ، ثم يسألها أن تجعله في حل فتأبى ، فيقول : إذا لأطلقنك ويجتنب فراشها فتجعله في حل ، فقال : هذا غاصب ، فأين هو من اللطف».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل تصب عليه جارية امرأته إذا اغتسل وتمسحه بالدهن؟ قال : يستحل ذلك من مولاتها ، قال : قلت : إذا أحلت له هل يحل له ما مضى؟ قال : نعم» الحديث.

أقول : وهذا الخبر من قبيل ما تقدم من مرسلة الخزاعي وأخبار الرضاع.

وعن محمد بن مسلم (٤) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في امرأة الرجل يكون لها الخادم قد فجرت فتحتاج إلى لبنها؟ قال : مرها ، فلتحللها يطيب اللبن».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٩ ، الفقيه ج ٤ ص ٢٨ ح ٥٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٢ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٠ ح ١٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٠٣ ح ٣٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٩ ح ٤٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٢ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٧٠ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٣ ح ١.

٣٣١

وعن جميل بن دراج (١) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل كانت له مملوكة فولدت من فجور فكر ، مولاها أن ترضع له مخالفة أن لا يكون ذلك جائزا له ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فحلل خادمك من ذلك حتى يطيب اللبن».

أقول : وهذان الخبران من الأخبار المشار إليها آنفا في الدلالة على ما دلت عليه رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.

وروى في الكافي (٢) عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من ماله إلا بإذن مولاه».

وعن منصور بن حازم (٣) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام في مملوك تزوج بغير إذن مولاه ، أعاص لله؟ قال : عاص لمولاه ، قلت : حرام هو؟ قال : ما أزعم أنه حرام ، وقل له أن لا يفعل إلا بإذن مولاه».

وعن معاوية بن وهب (٤) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في رجل كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج ، فأعتق الأمة وتزوجها؟ قال : لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود» الحديث.

أقول : في هذه الأخبار دلالة على ما هو المختار كما قدمنا ذكره في كتاب البيع من القول بأن العبد يملك ولكن التصرف محجور عليه إلا بإذن المولى ، وظاهر هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو أن نكاحه بغير إذن المولى وإجازته باطل وإن لم يكن حراما يستحق عليه العقاب ، ويشير إليه قول الباقر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٠ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٢ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٢ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٦٩ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٢ ح ٣.

٣٣٢

عليه‌السلام في حسنة زرارة المتقدمة (١) في المسألة الاولى من المطلب الأول في الرد على العامة القائلين ببطلان النكاح وأنه لا يكون موقوفا على الإجازة ، أنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو جائز.

وروى الشيخ (٢) عن مسعدة بن زياد قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : تحرم من الإماء عشرة : لا تجمع بين الام والبنت ، ولا بين الأختين ، ولا أمتك وهي حامل من غيرك حتى تضع ، ولا أمتك ولها زوج ، ولا أمتك وهي عمتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي أختك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي ابنة أختك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي في عدة ، ولا أمتك ولك فيها شريك».

وعن مسمع كردين (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : عشرة لا يحل نكاحهن ولاغشيانهن : أمتك أمها أمتك ، وأمتك أختها أمتك ، وأمتك وهي عمتك من الرضاعة ، وأمتك وهي خالتك من الرضاعة ، وأمتك وهي أختك من الرضاعة ، وأمتك وقد أرضعتك ، وأمتك وقد وطأت حتى تستبرئ بحيضة ، وأمتك وهي حامل من غيرك ، وأمتك وهي على سوم من مشتري ، وأمتك ولها زوج وهي تحته».

وروى في كتاب مكارم الأخلاق (٤) عن الحسين بن المختار رفعه «إن سلمان تزوج امرأة غنية ، فدخل فإذا البيت فيه الفراش ، فقال : إن بيتكم لمحرم ، إذ قد تحولت فيه الكعبة ، قال : فإذا جارية محتمة ، فقال : لمن هذه؟

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥١ ح ٦٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٣ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٩٨ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٦ ح ٤ ، الخصال ج ٢ ص ٤٣٨ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٦ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٩٨ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٧ ح ٢.

(٤) مكارم الأخلاق ص ٢٣٧ ، البحار ج ١٠٣ ص ٣٤٢ ح ٢٢.

٣٣٣

فقالوا : لفلانة امرأتك ، قال : من اتخذ جارية لا يأتيها ثم أتت محرما كان وزر ذلك عليه».

وعن الصادق عليه‌السلام (١) «من اتخذ جارية في أنها في كل أربعين يوما مرة».

وعنه عليه‌السلام (٢) قال : «إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ».

أقول : في الخبر الثاني دلالة على كراهة ترك الجارية بغير وطئ بعد الأربعين يوما. ونقل في كتاب البحار (٣) عن نوادر الراوندي بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام : إذا تزوج الرجل حرة وأمة في عقد واحد ، فنكاحهما باطل».

وبهذا الاسناد (٤) قال : «قال علي عليه‌السلام إذا تزوج الحر أمة فإنها تخدم أهلها نهارا ، وتأتي زوجها ليلا ، وعليه النفقة إذا فعلوا ذلك ، فإن حالوا بينه وبينها ليلا فلا نفقة». والله أعلم بحقائق أحكامه.

__________________

(١ و ٢) مكارم الأخلاق ص ٢٣٧ ، البحار ج ١٠٣ ص ٣٤٢ ح ٢٣ و ٢٣.

(٣ و ٤) البحار ج ١٠٣ ص ٣٤٤ ح ٣٤ و ٣٥.

٣٣٤

الفصل الخامس

فيما يلحق بالنكاح

وفيه مقاصد الأول فيما يرد به النكاح ، والكلام فيه يقطع في مطالب ثلاثة :

الأول : في العيوب ، وهي إما في الرجل أو المرأة ، فههنا مقامان :

الأول : في عيوب الرجل ، وهي على المشهور بين الأصحاب أربعة : الجنون ، والخصاء ، والعنن ، والجب. وتردد في الشرائع في الرابع ثم قال : والأشبه تسلطها على الفسخ ، ونقل عن ابن البراج في المهذب أنه ذهب إلى اشتراك الرجل المرأة في كون كل من الجنون والجذام والبرص والعمى موجبا للخيار في النكاح.

وكذلك ابن الجنيد وزاد العرج والزنا ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل إلى عد الجذام والبرص في عيوب الرجل حيث قال ـ بعد نقل قولي ابن البراج وابن الجنيد ـ : ودليلهما في غير الجذام والبرص غير واضح ، أما فيهما ففي غاية الجودة ، لصحيحة الحلبي ، ثم ساق الرواية ، وسيأتي ذكرها ونقل كلامه الذي على أثرها ، وبيان ما فيه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا بد من الكلام في كل واحد واحد من هذه الأمور المذكورة.

(ومنها الجنون) قال في المسالك : لا خلاف في كون الجنون من عيوب الرجل المجوزة لفسخ المرأة النكاح في الجملة ، ثم إذا كان مقدما على العقد أو مقارنا له ثبت لها به الفسخ مطلقا سواء كان مطبقا أم دوارا ، وسواء عقل أوقات الصلاة أم لا ، وإن كان متجددا بعد العقد سواء كان قد وطأ أم لا ، فإن كان لا يعرف أوقات الصلاة فلها الفسخ أيضا ، وإن عقل حينئذ فأكثر المتقدمين كالشيخ وأتباعه على عدم الفسخ ، والأقوى عدم اشتراطه لعدم وجود دليل يفيد التقييد ، وتناول

٣٣٥

الجنون بإطلاقه لجميع أقسامه ، فإن الجنون فنون ، والجامع بينهما فساد العقل كيف اتفق ، انتهى.

ونقل عن ابن حمزة أنه أطلق أن الجنون الموجب للخيار في الرجل والمرأة هو الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة ، وهو يشمل المتقدم منه والمتجدد ، والمشهور في كلام الأصحاب أنهم لم يقيدوا الجنون بهذا القيد إلا في المتجدد بعد العقد.

قال في المسالك : وكيف كان فلا دليل على اعتبار ذلك ، وإن كان مشهورا.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه المشايخ الثلاثة (١) عن علي ابن أبي حمزة قال : «سئل أبو إبراهيم عليه‌السلام عن المرأة يكون لها زوج ، وقد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون ، فقال لها : أن تنزع نفسها منه إن شاءت».

قال في الفقيه (٢) بعد أن أورد هذه الرواية : وروى في خبر آخر أنه «إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، وإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه ، فقد ابتليت».

قال السيد السند في شرح النافع بعد نقل ذلك : وكأن هذه الرواية مستند ابن حمزة ومن قال بمقالته ، لكنها مرسلة ، ثم طعن في الرواية الأولى بأن راويها علي بن أبي حمزة ، وهو أحد عمد الواقفية ، فلا تنهض روايته حجة في إثبات الأحكام الشرعية.

أقول : الظاهر أن الرواية التي أشار إليها الصدوق إنما هي ما صرح به الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقيه الرضوي (٣) حيث قال عليه‌السلام : «إذا تزوج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، فإن عرف

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٥١ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٨ ح ١٩ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٣٨ ح ٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٣٣٨ ح ٤.

(٣) فقه الرضا ص ٢٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٧ ح ١ و ٣.

٣٣٦

أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد ابتليت».

وقد عرفت مما تقدم سيما في كتب العبادات نقل الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ وأبيه في الرسالة عبارات هذا الكتاب والإفتاء بها وإن كان نقله هنا إنما هو بطريق الرواية ، وأبوه في الرسالة قد أفتى بهذه العبارة بعينها ، على ما نقله في المختلف (١) ولم أقف في هذا الحكم إلا على هذين الخبرين.

ويمكن الجمع بينهما بتقييد إطلاق رواية علي بن أبي حمزة (٢) بما ذكره عليه‌السلام في كتاب الفقه.

ثم إن ظاهر كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه هو أن الجنون بعد العقد ، وأن التفصيل بكونه إن كان لا يعقل أوقات الصلاة فلها الفسخ وإن عقل فلا فسخ إنما هو في صورة ما إذا كان الجنون بعد العقد ، وطأ أم لا ، وهو على هذا دليل لقول الشيخ ومن تبعه ، ولا يصلح لأن يكون دليلا لابن حمزة ، لأن كلامه عليه‌السلام أعم من المتقدم على العقد والمتأخر عنه ، وإن كانت العبارة التي نقلها الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ (٣)

__________________

(١) حيث قال : وظاهر كلام على بن بابويه ذلك ، فإنه قال : إذا تزوج رجل وأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، وان عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه ، فقد ابتليت. انتهى ، وهي عين عبارة كتاب الفقيه كما ترى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) فإنها مطلقة بالنسبة إلى عقل أوقات الصلاة وعدمه ، وكلامه ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الفقه مفصل ، فيحمل إطلاق الخبر المذكور على التفصيل الذي في كلامه ـ عليه‌السلام ـ كما هو القاعدة المقررة في أمثال ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) الظاهر أن الصدوق بنى في عبارته التي نقلها في الرواية على ما تضمنه الخبر الذي قبلها من فرض الجنون بعد ما تزوجها ، فأطلق في نقلها الرواية اعتمادا على ذلك ، فكأنه قال : وروى في خبر آخر أنه مع ظهور الجنون بعد التزويج ان بلغ به الجنون. الى آخره ، واللفظ الذي نقله عنه لفظ الكتاب كلمة كلمة ، وعبارة أبيه في الرسالة كما عرفت

٣٣٧

مطلقة ، ولهذا إن السيد في شرح النافع جعلها دليلا له ، إلا أن الظاهر كما عرفت أن كلام الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ إنما هو مأخوذ من كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه ، وإن أجمل في التعبير عنه ، وعبارة الكتاب صريحة في المتأخر عن العقد كما عرفت ، وظاهر رواية علي بن أبي حمزة أيضا أن الجنون إنما هو بعد العقد لقوله عليه‌السلام «وقد أصيب في عقله بعد ما تزوجها».

وعلى هذا فمورد روايات المسألة إنما هو المتجدد بعد العقد ، والظاهر أن الوجه فيه هو عدم صحة النكاح لو فرض الجنون قبل العقد ، إلا أن يكون الجنون أدوارا وعقد في حال الصحة ، أو قلنا بجواز تزويج الولي له.

وكيف كان فإن ما ذكره الأصحاب من العموم أو الإطلاق في المسألة لما قبل العقد أو قارنه أو تأخر عنه لا دليل عليه ، بل الموجود في الأدلة إنما هو المتأخر خاصة ، والظاهر أن معتمد المتأخرين بعد الطعن في أخبار المسألة بالضعف إنما هو الاتفاق والإجماع إن ثبت.

وفي المسالك استدل على الحكم المذكور بصحيحة الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعقل». قال : وهو شامل لما قبل العقد وبعده ، ولما يعقل معه أوقات الصلاة وغيره ، ثم نقل رواية علي بن أبي حمزة ، ثم قال : وهي صريحة في المتجدد شاملة بإطلاقها لما قبل الدخول وبعده ، ثم قال : لكن في طريقها ضعف ، وعمدة الأمر على الاتفاق على كون الجنون عيبا مطلقا مع عدم وجود دليل مخصص ، انتهى.

أقول : ما ذكره من الاستدلال على هذا الحكم بصحيحة الحلبي محل نظر.

أما (أولا) فلأن المتبادر من قوله «إنما يرد النكاح» إنما هو تسلط الزوج

__________________

من نقل المختلف انما هي عبارة الكتاب من أولها إلى آخرها ، وبالجملة فإنه لا ريب في كون تلك الرواية هي كلامه ـ عليه‌السلام ـ في كتاب الفقه (منه ـ قدس‌سره ـ) الفقه الرضوي ص ٢٣٧.

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٢٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٩٣ ب ١ ح ٦.

٣٣٨

على الفسخ إذا ظهر بالزوجة أحد هذه العيوب لأن النكاح إنما يستند إلى الزوجة ، فيكون رده من قبل الزوج.

وأما (ثانيا) فلأن الكليني والصدوق ـ رحمة الله عليهما ـ قد رويا هذه الرواية بالاشتمال على السؤال عن عيوب المرأة ، والشيخ قد أسقط السؤال ، واقتصر على مجرد الجواب.

وهذه صورة الرواية بنقل الشيخين المذكورين : عن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في رجل تزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ، ولم يبينوا له ، قال :

لا ترد إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها قال : لها المهر بما استحل من فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها».

ونقلها شيخنا المجلسي في كتاب البحار (٢) عن الحسين بن سعيد في كتابه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في الرجل : يتزوج إلى قوم» الحديث. كما نقله الشيخان المذكوران.

وبالجملة فإن من يقول بهذا الاصطلاح المحدث لا دليل عنده لهذا الحكم إلا ما يتشبثون به من الإجماع الذي قد عرفت في غير مقام ما فيه من النزاع ، ولهذا إن السيد السند في شرح النافع قال : والمسألة قوية الإشكال ، لانتفاء ما يعتمد عليه من النص فيها ، فإن ثبت فيها إجماع على أن الجنون مطلقا أو على بعض الوجوه موجب للخيار : وجب المصير إليه ، وإلا فالأمر كما ترى.

وأما من لا يقول به ـ كما هو الحق الحقيق بالاتباع ، وإن كان في هذه الأزمان قليل الاتباع ـ فالأمر واضح ، والعمل على الروايتين المذكورتين ، إلا

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٦ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٢٦ ح ١٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٧٣ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٩٧ ح ٥.

(٢) البحار ج ١٠٣ ص ٣٦٤ ح ١٨ مع اختلاف يسير.

٣٣٩

أن موردهما كما عرفت إنما هو الجنون المتجدد بعد العقد أعم من أن يكون قد وطأ أم لا.

بقي شي‌ء ، وهو أنه هل يفتقر فسخ المرأة في المتجدد إلى طلاق أم لا؟ ظاهر الشيخ في النهاية الأول حيث قال : فإن حدث بالرجل جنة يعقل معها أوقات الصلاة لم يكن لها اختيار ، وإن لم يعقل أوقات الصلاة كان لها الخيار ، فإن اختارت فراقه كان على وليه أن يطلقها ، وكذا قال ابن البراج في المهذب وابن زهرة وابن إدريس لم يذكرا الطلاق.

قال في المختلف : والوجه أنه لا يفتقر الى طلاق ، سواء تجدد بعد الدخول أو قبله كغيره من العيوب ، انتهى.

أقول : أنت خبير بأن الروايتين الواردتين في المسألة لا دلالة فيهما على الطلاق بوجه ، بل ظاهر رواية علي بن أبي حمزة وقوله فيها «لها أن تنزع نفسها منه إن شاءت» إنما هو الفسخ خاصة وأن الاختيار لها ، فأيهما اختارت مضى ، وعبارة كتاب الفقه وإن كانت مجملة إلا أن الظاهر حملها على هذه الرواية لصراحتها في الفسخ ، وبالجملة فالظاهر ضعف القول المذكور.

(ومنها الخصاء) وهو بكسر الخاء المعجمة : المرسل الأنثيين ، قاله الجوهري ، وفي كتاب المصباح المنير للفيومي : خصيت العبد وأخصيته خصاء بالكسر والمد سللت خصيته ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، قيل : والحق به الوجاء ، وهو رض الخصيتين بحيث تبطل قوتهما.

وفي القاموس : أنه بمعنى الخصاء.

وقال في المسالك : والوجاء بالكسر والمد أيضا هو رض الخصيتين بحيث تبطل قوتهما ، قيل : إنه من أفراد الخصاء ، فيتناوله لفظه ، انتهى.

وعد الخصاء من عيوب الرجل هو المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه

٣٤٠