الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

أخبار المسألة ، ولا يخفى بعد الجميع.

ومنها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يزوج أمته من رجل حر ، ثم يريد أن ينزعها منه ، ويأخذ منه نصف الصداق ، فقال : إن كان الذي زوجها منه يبصر ما أنتم عليه ويدين به ، فله أن ينزعها منه ، ويأخذ منه نصف الصداق ، لأنه قد تقدم من ذلك على معرفة أن ذلك للمولى ، وإن كان الزوج لا يعرف هذا ، وهو من جمهور الناس يعامله المولى على ما يعامل مثله ، فقد تقدم على معرفة ذلك منه».

وهذا الخبر كما ترى ظاهر في أن ما ورد من الأخبار الدالة على أن الطلاق بيد الزوج ، وأن السيد ليس له انتزاعها إنما خرجت مخرج التقية وأن الحكم الشرعي في المسألة إنما هو رجوع الاختيار إلى السيد ، فله أن ينزعها.

وإلى ما تضمنه هذا الخبر يشير أيضا قوله في موثقة إسحاق بن عمار «لأنه تزوجها وهو يعلم أنها كذلك» يعني يعلم أن للسيد انتزاعها ، وأن طلاقها بيده ، وهو مثل قوله في الخبر «لأنه قد تقدم من ذلك على معرفة أن ذلك للمولى» وقد تقدم الكلام في بيان معنى هذا الخبر.

وبالجملة فإن حاصله الجمع بين الأخبار بحمل أخبار القول المشهور على التقية ، وهو جمع حسن بين الأخبار ، إلا أن الاشكال فيه أنه لا قائل بذلك ، بل المشهور الذي لم يظهر فيه خلاف إنما هو العكس.

ومنها ما رواه العياشي في تفسيره (٢) على ما نقله عنه شيخنا المجلسي في كتاب البحار ، وروى عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينكح أمته من رجل ، قال : إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء لأن الله يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٦٩ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤٢ ح ٣ وفيه اختلاف يسير.

(٢) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٦٤ ح ٤٨ وفيه «فان طلاقها عتقها» ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٩٩ ب ٣٢ ح ٢.

٣٠١

يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» فليس للعبد من الأمر شي‌ء ، وإن كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».

وهذا الخبر كما ترى أغرب وأعجب حيث دل على الفرق بين الحر والعبد فجعل الطلاق بيد الزوج إن كان حرا ، وبيد السيد إذا كان عبدا.

ومنها ما رواه العياشي (١) أيضا عن أبي بصير «في الرجل ينكح أمته لرجل ، إله أن يفرق بينهما إذا شاء؟ قال : إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء؟ قال : إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء ، لأن الله يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ». فليس للعبد من الأمر شي‌ء ، وإن ان زوجها حرا فرق بينهما إذا شاء المولى». ويشبه أن يكون قد وقع في هذا الخبر تحريف وتغيير لأن قضية التفصيل المغايرة ، مع أن مرجعها إلى أمر واحد.

وبالجملة فالمسألة لما عرفت في غاية الاشكال ، ونهاية الإعضال ، ومن ذكر هذه المسألة من الأصحاب لم يذكر من الأخبار المنافية للقول المشهور إلا صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وأجاب عنها بما قدمناه نقله عن الشيخ ، والله العالم.

المطلب الثالث في الملك :

قد تقدم أن نكاح الإماء يقع بالعقد وبالملك ، والأول قد تقدم الكلام فيه. والكلام هنا في الثاني ، وحيث كان الملك ينقسم إلى ملك الرقبة وملك المنفعة ، فلا بد من بيان أحكامه في مقامين :

الأول : في ملك الرقبة ، والكلام فيه يقع في مواضع :

الأول : لا خلاف نصا وفتوى في عدم انحصار النكاح بملك اليمين في عدد ، بخلاف نكاحهن بالعقد.

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٦٥ ح ٥١ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٩٩ ب ٣٢ ح ٣.

٣٠٢

ففي صحيحة ابن أذينة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : كم يحل من المتعة؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء».

وفي حسنة إسماعيل بن الفضيل (٢) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيما أخبر به ابن جريح في أحكام المتعة ، قال : ليس فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء».

وفي حديث أحمد بن محمد بن أبي نصر (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام في حديث المتعة «حكى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء».

قال في المسالك : واعلم أن النص والإجماع متطابقان على جواز النكاح بملك اليمين ، وعلى عدم انحصاره في عدد ، بخلاف نكاحهن بالعقد ، ولعل الوجه فيه خفة حقوق المملوكة ، وكون استحقاق منافع البضع بالمالية ، فيكون كالتصرف في مطلق الأموال ، فلا يتطرق إليه ما يتطرق إلى النكاح بالعقد من محذور الحيف والميل ، انتهى.

والحكم مختص بالرجال ، أما النساء فإن الملك فيهن ليس طريقا إلى حل الوطي.

وروى ابن بابويه (٤) في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة أمكنت من نفسها عبد ا لها أن يباع بصغر منها ومحرم على كل مسلم أن يبيعها عبدا مدركا بعد ذلك».

وروى الكليني (٥) الرواية المذكورة ، وزاد فيها «تضرب مائة ، ويضرب العبد خمسين».

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ١ و ٦، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٧ ح ٦ و ٨.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٩ ح ٤٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٨ ح ١١.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٩ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٨ ب ٥١ ح ١.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٩٣ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠٦ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٨ ب ٥١ ح ١.

٣٠٣

الثاني : لا خلاف في جواز الجمع بين الأختين وبين الام والبنت في الملك ، ولا إشكال ، إنما يحرم ذلك في العقد أو الوطي على التفصيل الذي تقدم في مسائل المقصد الثاني فيما يحرم جمعا من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة ، وكذا يجوز أن يملك موطوءة الأب كما يجوز للأب ملك موطوءة الابن ، فإنه كما لا يمتنع أن ينتقل إلى الأب أو الابن مال الآخر كذلك لا يمتنع أن ينتقل إليه مملوكته ، وإن كان قد وطأها المالك الأول ، وإنما يحرم على كل واحد منهما وطئ من وطأها الآخر لعموم قوله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ» (١).

وبالجملة فإن تحريم الوطي لا يقدح في صحة التملك كما لو تملك بعض من يحرم عليه بالنسب.

الثالث : إذا بيعت الأمة ولها زوج فإن أجاز المشتري النكاح لم يكن له فسخه بعد ذلك ، لأن الذي له شرعا هو الخيار ، فإذا أجاز سقط حقه ، ولزم النكاح ، وكذا لو علم وسكت ولم يعرض له ، لما عرفت آنفا من أن الخيار فوري ، فإذا أعرض بعد علمه بطل خياره ، وإن لم يجز النكاح انفسخ العقد ، وجاز للمشتري نكاحها ، إلا أنه لا يحل له إلا بعد العدة ، وهي قران ، أو شهر ونصف على قول إن كانت لم تحض ومثلها تحيض ، وقيل : يكفي الاستبراء بحيضة أو خمسة وأربعين يوما.

وجه الأول : إطلاق الطلاق على هذا البيع في كثير من الأخبار المتقدمة لكونه سببا في التسلط على الفسخ ، فإذا حصل الفسخ كان طلاقا بطريق أولى ، كذا ذكره في المسالك ، وفيه ما عرفت آنفا من أن غاية ما تدل عليه هذه العبارة في الأخبار هو المشابهة للطلاق ، ويكفي في ذلك مجرد التسلط به على الفسخ كما يشير إليه قوله في صحيحة بريد وبكير المتقدمة «فإن بيعها طلاقها ، فإن شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء تركهما على نكاحهما» وهو لا يستلزم كونه طلاقا لو وقع ، بحيث يترتب عليه ما يترتب على الطلاق من الأحكام التي من

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٢٢.

٣٠٤

جملتها وجوب العدة ، وبذلك يظهر أن قوله «فإذا حصل الفسخ كان طلاقا بطريق أولى» غير موجه.

ووجه الثاني : إطلاق النصوص الدالة على استبراء المشتري للأمة إذا اشتراها ، وما نحن فيه من جملة ذلك ، واستبراؤها كما سيأتي ذكره بحيضة أو خمسة وأربعين يوما.

ومن العجب ما وقع له في المسالك في هذا المقام ، فإنه نقل في المتن عن المصنف أنه لو لم يجز نكاحها لم يكن عليها عدة وكفى الاستبراء في جواز الوطي ، ثم إنه قال في الشرح : وحيث يفسخ المشتري العقد لا تحل له حتى تنقضي عدتها من الفسخ كالطلاق بمعنى قرءين أو شهر ونصف ـ إلى أن قال : ـ وقيل : ويكفي استبراؤها بحيضة أو خمسة وأربعين يوما ، وهو الذي اختاره العلامة ولم ينقل غيره ، والأقوى الأول ، وهو الذي اختاره المصنف ولم ينقل غيره. انتهى ملخصا ، وفيه أن المصنف إنما صرح بالاستبراء كما نقله عن العلامة مع تصريحه بنفي العدة ، فكيف ينسب إليه اختيار القول الأول ، وهو القول بوجوب العدة.

وأما ما ذكره من أن الأقوى القول بالعدة بناء على ما قدمنا نقله عنه في بيان وجهه ففيه ما عرفت.

الرابع : قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه يجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب ولو من أزواجهن ، وكذا يجوز شراء بناتهم وأبنائهم ولو من الآباء ، ويصيرون ملكا للمشتري ، ويترتب على هذا التملك أحكامه التي من جملتها وطئ الجارية بملك اليمين ، وعلى ذلك دلت جملة من النصوص ، وقد تقدمت في كتاب البيع في الفصل التاسع في بيع الحيوان (١).

ومنها رواية عبد الله اللحام (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يشتري

__________________

(١) ج ١٩ ص ٤٦٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٧٧ ح ٤٤ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٨ ح ٢.

٣٠٥

من رجل من أهل الشرك ابنته ، فيتخذها؟ قال : لا بأس».

وبهذا الاسناد (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك ، يتخذها أم ولد؟ قال : فقال : لا بأس». وأشار بقوله يتخذها إلى الوطي.

وروى الشيخ في التهذيب (٢) عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سبي الأكراد إذا حاربوا ومن حارب من المشركين ، هل يحل نكاحهم وشراءهم؟ قال : نعم». إلى غير ذلك من الأخبار المتقدمة ثمة.

وقد صرح جملة من الأصحاب منهم المحقق الشيخ على في الشرح والشهيد الثاني في المسالك ، بأن إطلاق البيع على ذلك يعني بالنسبة إلى الشراء من الزوج أو الأب ونحوهما إنما هو بطريق المجاز ، باعتبار صورته ، فهو بالاستنقاذ أشبه منه بالبيع ، فإنهم في‌ء للمسلمين يملكون بمجرد الاستيلاء عليهم ، فإذا حصل البيع كان آكد في ثبوت الملك وتحققه.

قال المحقق المذكور : نعم في صورة بيع القريب (٣) قريبه الذي حقه أن ينعتق عليه إشكال.

وقال في المسالك : والأقوى أنه لا يترتب عليه أحكامه من طرف المشتري ، حتى لو كان المبيع قريبه الذي ينعتق عليه عتق بمجرد البيع ، وتسليطه عليه ، لإفادة اليد الملك المقتضي للعتق.

أقول : قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الحادية عشر من المقصد الثاني من الفصل التاسع في بيع الحيوان من كتاب البيع (٤) وكذا يجوز شراء ما يبيعه أهل

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٧٧ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٢٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٠ ح ٩ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٩ ب ٥٠ ح ١.

(٣) مثل الابن والابنة ، لا مثل الزوجة ونحوها. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٤) ج ١٩ ص ٤٦٢.

٣٠٦

الضلال من أهل الحرب وإن كان ذلك للإمام عليه‌السلام لحصول الاذن منهم عليهم‌السلام وفي رواية الهاشمي المتقدمة ما يدل عليه ، وتقدم أيضا في المسألة الاولى من المقصد الأول من الفصل التاسع في بيع الحيوان (١) من الأخبار ما يدل عليه.

الخامس : قد صرح جل الأصحاب بأن كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك ببيع أو هبة أو إرث أو صلح أو قرض أو استرقاق أو نحو ذلك ، فإنه يجب عليه استبراؤها قبل الوطي.

وخص ابن إدريس ذلك بالبيع والشراء اقتصارا على مورد النص ، فإنه هو الذي وردت النصوص فيه بالاستبراء دون غيره من الوجوه المذكورة ، مستدلا على نفيه في غير البيع بالأصل وعموم «ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (٢).

واحتج الأصحاب على ما ذهبوا إليه من العموم باشتراك هذه الوجوه في المقتضى لذلك ، وهو العلم ببراءة الرحم من ماء الغير ، والمحافظة على الأنساب من الاختلاط.

ونقل عن ابن إدريس أنه وافق الأصحاب أيضا في موضع آخر من كتابه ، ثم إنهم صرحوا أيضا بسقوطه في مواضع.

أقول : وتحقيق المسألة بتفصيل هذا الجمال بما يزيل عنه نقاب الاشكال قد تقدم في كتاب البيع في فصل بيع الحيوان فلا حاجة إلى إعادته ، وإن كان جملة من أصحابنا قد كرروا الكلام عليه في هذا الموضع أيضا.

نعم هنا موضعان يسقط الاستبراء فيهما لم يتقدم ذكرهما :

(أحدهما) ما لو ملك أمة فأعتقها فإن له العقد عليها بعد العتق ، وأن يطأها من غير استبراء ، وإن كان الأفضل له الاستبراء.

قال في المسالك : وظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، أما غيره فقد أطلق جملة

__________________

(١) ج ١٩ ص ٣٧٢.

(٢) سورة النساء ـ آية ٢٤.

٣٠٧

من الأصحاب أنه ليس له ذلك إلا بعد العدة ، ويدل على الحكم الأول جملة من الأخبار :

منها ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يشتري الجارية فيعتقها ثم يتزوجها ، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال : يستبرئ رحمها بحيضة ، قلت : فإن وقع عليها؟ قال : لا بأس».

وعن عبيد بن زرارة (٢) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يشتري الجارية ثم يعتقها ويتزوجها ، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال : يستبرئ رحمها بحيضة ، وإن وقع عليها فلا بأس».

وعن أبي العباس البقباق (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية فأعتقها ثم تزوجها ولم يستبرئ رحمها ، قال : كان نوله أن يفعل ، وان لم يفعل فلا بأس».

وعن ابن أبي يعفور (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث «. وقال في رجل اشترى جارية ثم أعتقها ولم يستبرئ رحمها ، قال : كان نوله أن يفعل ، فإذا لم يفعل فلا شي‌ء عليه». قوله «نوله أن يفعل» أي ينبغي له أن يفعل.

واستدلوا على الحكم المذكور أيضا بأن الاستبراء إنما للمملوكة ، وهذه قد خرجت بالعتق عن كونها مملوكة ، فإنها تصير بالعتق أجنبية منه ، نسبتها إليه وإلى غيره على السواء.

وفيه أن هذا إنما يصلح وجها للنص لا لتأسيس الحكم ، لأن أدلة وجوب الاستبراء على المشتري مطلقة أو عامة ، فهي شاملة لمن أعتق ولم يعتق ، إلا أنه لما ورد النص باستثناء من أعتق وجب الوقوف على مورد النص ، وبقي ما عداه

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٨ ص ١٧٥ ح ٣٦ و ٣٧، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٤ ح ١ و ٢.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٧٥ ح ٣٨ وفيه «كان له أن يفعل» ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ١٧١ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩٨ ح ٣.

٣٠٨

داخلا تحت الإطلاق.

وكيف كان فإن هذا الأخبار كما أنها دالة على جواز الوطي من غير استبراء فهي دالة على أفضلية الاستبراء ، وإطلاق أكثر عبارات الأصحاب تقتضي عدم الفرق بين أن يعلم للأمة وطئ محرم أم لا ، وقيده العلامة في جملة من كتبه بأن لا يعلم لها وطئ محرم ، وإلا وجب الاستبراء ، ولا ريب أنه أحوط.

وأما الحكم الثاني وهو أنه لا يجوز لغيره وطؤها حتى تعتد كالحرة ، فهو مما لا ريب فيه ولا إشكال إذا كان المولى قد وطأها كما سيأتي الدلالة عليه في حسنة الحلبي وصحيحة زرارة الآتيتين في الموضع الثاني.

أما لو لم يطأها المولى فإطلاق جملة من العبارات يقتضي وجوب العدة ، وهو لا يخلو من إشكال ، إذ لا يظهر هنا وجه للفرق بين الأجنبي والمولى ، لأنها بالعتق صارت أجنبية للجميع ، فوجوب العدة للأجنبي وسقوطها عن المولى لا يظهر له وجه والمفهوم من عبارته في الشرائع سقوط العدة في الموضعين وهو صريح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : وحاصل الحكم أن المولى إذا أعتق أمته فلا يخلو إما أن يكون بعد أن وطأها أو قبله ، فإن كان قبل الوطي جاز لغيره تزويجها بغير عدة ولا استبراء ، وإن أمكن أن تكون موطوءة في ذلك الطهر لغير المعتق ، بأن يكون المعتق اشتراها ثم أعتقها قبل أن تحيض عنده ، ووجه جواز تزويجها لغيره بغيره استبراء ما تقدم من جواز تزويج مولاها لها من غير استبراء من حيث إنه مختص بالمالك ، وتابع لنقل الملك ، وهو هنا منتف لأنها حرة ، انتهى.

أقول : ويمكن أن يقال على ما ذكره في وجه الجواز (١) إن الذي تقدم في كلامه في الاستدلال على جواز تزويج المولى من غير استبراء هو الاستدلال بالأخبار

__________________

(١) فإنه قال بعد ذكر الحكم في عبارة المصنف : ومستنده صحيحة محمد بن مسلم وأردفها برواية عبيد بن زرارة ورواية أبي العباس ، ثم قال : ويدل عليه أيضا أن الاستبراء انما يثبت وجوبه للمملوكة ، إلى آخر ما ذكره من الدليل العقلي. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

٣٠٩

الثلاثة الأول ، ثم أردفها بالدليل العقلي الذي قدمنا ذكره عنهم ، وقد عرفت ما فيه ، وأنه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي ، وإن صلح لأن يكون وجها للنص ، فلم يبق إلا الأخبار وموردها إنما هو المولى ، وحينئذ يبقى غير المولى لا دليل عليه فيجب العدة بالنسبة إليه وبه يزول الإشكال الذي أشرنا إليه آنفا ويقوى الفرق بين المولى وغيره كما دل عليه إطلاق العبارات المشار إليها آنفا.

قال في المسالك : وألحق بعضهم بالعتق تزويج المولى للأمة المبتاعة فإنه لا يجب على الزوج استبراؤها ما لم يعلم سبق وطئ محرم في ذلك الطهر ، وذلك لأن الاستبراء تابع لانتقال الملك ، وهو منتف هنا ، وعلى هذا فيمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى سقوط الاستبراء من المولى أيضا بأن يزوجها من غيره ، ثم يطلقها الزوج قبل الدخول ، فيسقط الاستبراء بالتزويج ، والعدة بالطلاق قبل المسيس ، وإن وجد ما يظن كونه علة للاستبراء ، وهو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق ، فإن العلة مستنبطة لا منصوصة ، ومثله الحيلة على إسقاطه ببيعها من امرأة ونحو ذلك ، انتهى.

أقول : مدار صحة هذا الكلام من أوله إلى آخره على ما ادعاه من أن العلة في الاستبراء هو طلب براءة الرحم إنما هي علة مستنبطة وإلا فإن ظاهر النصوص أن الأمر بالاستبراء إنما هو على جهة التعبد شرعا بذلك.

وفيه أنه قد روى الكليني (١) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل اشترى جارية ـ إلى أن قال : ـ قلت : جارية لم تحض ، كيف يصنع بها؟ فقال : أمرها شديد ، غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتى يستبين له إن كان بها حبل ، قلت : وفي كم يستبين له؟ قال : في خمسة وأربعين ليلة».

وهي ظاهرة كما ترى في أن العلة في الاستبراء هو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق ، وحينئذ فإذا كانت العلة ذلك كما دل عليه النص فإنه لا يتم ما ادعاه

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ٣٦ ح ١.

٣١٠

ذلك البعض الذي نقل عنه إلحاق تزويج المولى للأمة بالعتق ، فإنه إذا كانت العلة في الاستبراء شرعا هو ما عرفت ، فإنه لا يختص ذلك بالمشتري ، بل يجري فيه وفي ذلك الرجل الذي زوجه الأمة ، وتكاثر الأخبار بالنسبة إلى المشتري إنما هو من حيث كون شرائه لأجل الوطي ، لا من حيث كونه مشتريا ومالكا كما توهموه.

و (ثانيهما) ما لو كانت الأمة سرية للمولى فأعتقها ، فإنه يجوز له وطؤها بالعقد عليها من غير استبراء ولا عدة ، وأما غيره فلا يجوز إلا بعد العدة.

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يعتق سريته ، أيصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال : نعم ، قلت : فغيره؟ قال : لا ، حتى تعتد ثلاثة أشهر» الخبر.

وما رواه في التهذيب (٢) عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل أعتق سريته ، إله أن يتزوجها بغير عدة؟ قال : نعم ، قلت : فغيره؟ قال : لا ، حتى تعتد ثلاثة أشهر».

المقام الثاني : في ملك المنفعة الحاصل بالتحليل ، والكلام في هذا المقام يقع في موارد :

الأول : المعروف من مذهب الأصحاب صحة تحليل المولى وطؤ أمته لغيره.

قال ابن إدريس : إنه جائز عند أكثر أصحابنا المحصلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة والعمل عليه والفتوى به ، ومنهم من منع منه ، انتهى.

وحكى الشيخ في المبسوط قولا بالمنع منه ، وهو الذي أشار إليه ابن إدريس بقوله : ومنهم من منع.

ويدل على المشهور الأخبار المستفيضة المتكاثرة التي يضيق المقام عن الإتيان

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٦ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١١ ب ١٣ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٧٥ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١١ ب ١٣ ح ١.

٣١١

عليها ، ولكن ننقل شطرا منها.

ومنها ما رواه الكليني والشيخ (١) في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : إذا أحل الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ، فقال : نعم يا فضيل ، قلت له : فما تقول في رجل عنده جاريته نفيسة وهي بكر أحل لأخيه ما دون فرجها ، إله أن يفتضها؟ قال : لا ، ليس له إلا ما أحل له منها ، ولو أحل له قبلة منها لم يحل له سوى ذلك ، قلت : أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فإن فعل ، أيكون زانيا؟ قال : لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها». وزاد في الكافي «وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها» الحديث.

وما رواه في الكافي (٢) في الصحيح عن ابن رئاب عن أبي بصير ، وهو مشترك والأظهر عندي عد حديثهما معا في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة أحلت لابنها فرج جاريتها ، قال : هو له حلال ، قلت : أفيحل له ثمنها؟ قال : لا ، إنما يحل له ما أحلت له» الحديث.

وفي الصحيح عن ضريس بن عبد الملك (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يحل لأخيه من جاريته وهي تخرج في حوائجه؟ قال : هي له حلال».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٤ ح ١٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٩ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٧ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٢ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٨ ح ٢٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٠ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٠ ح ١.

٣١٢

وفي الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في امرأة أحلت لزوجها جاريتها ، فقال : ذلك له ، قال : فإن كانت تمزح؟ فقال : وكيف له بما في قلبها ، إذا علم أنها تمزح فلا».

وفي الحسن عن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحل جاريته لأخيه؟ قال : لا بأس ، قال : قلت : فإنها جاءت بولد» الحديث ، وسيأتي تمامه إن شاء الله قريبا.

وما رواه في الكافي والتهذيب (٣) عن عبد الكريم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : في الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال : نعم ، له ما أحل منها».

وعن أبي بكر الحضرمي (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن امرأتي أحلت لي جاريتها ، فقال : انكحها إن أردت ، قلت : أبيعها؟ قال : لا ، إنما حل لك منها ما أحلت».

وعن الحسن بن عطية (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أحل الرجل من جاريته قبلة لم يجز له غيرها ، فإن أحل له منها دون الفرج لم يحل له غيره ، وإن أحل له الفرج حل له جميعا».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٢ ح ١٠ وص ٤٦٢ ح ٦٢ مع تفاوت يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٧ ح ٢ ص ٥٣٤ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٧ ح ٢٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٠ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٠ ح ٣ و ٤ وما في المصادر «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام».

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٦٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٢ ح ٩ وفيه «عن أبى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ» ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٨ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٦٨ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٩ ح ٢.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٧٠ ح ١٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٥ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٩ ح ١.

٣١٣

وفي الصحيح عن هشام بن سالم وحفص بن البختري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يقول لامرأته : أحلي لي جاريتك ، فإني أكره أن تراني منكشفا ، فتحلها له ، قال : لا يحل له منها إلا ذلك ، وليس له أن يمسها ولا أن يطأها» وزاد فيه هشام «له أن يأتيها؟ قال : لا يحل له إلا الذي قالت».

وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة أحلت لي جاريتها؟ فقال : ذلك لك ، قلت : فإن كانت تمزح؟ قال : كيف لك بما في قلبها ، فإن علمت أنها تمزح فلا».

إلى غير ذلك من الأخبار ، وسيأتي شطر منها إن شاء الله تعالى في الأبحاث الآتية.

احتج المانعون على ما نقله في المختلف بقوله عزوجل «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» (٣) وهذا خارج عن القسمين فيدخل تحت العدوان.

وما رواه الحسين بن علي بن يقطين (٤) في الصحيح قال : «سألته عن الرجل يحل فرج جاريته؟ قال : لا أحب ذلك».

وعن عمار الساباطي (٥) عن الصادق عليه‌السلام «في المرأة تقول لزوجها : جاريتي لك قال : لا يحل له فرجها إلا أن تبيعه أو تهب له».

وأجاب في المختلف عن الآية بأن المراد بالملك في الآية ما يشمل ملك المنفعة ، فيكون نكاح التحليل مندرجا تحت الآية ، وعن الحديث الأول بالحمل

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٥ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٨ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٩ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٢ ح ١٠ ، وفيه «أحلت لزوجها» ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٤ ح ٣.

(٣) سورة المؤمنون ـ آية ٥ و ٦ و ٧.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٣ ح ١١ و ١٣، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٣ ح ٧ وص ٥٣٥ ح ٥.

٣١٤

على الاستحباب ، قال : والثاني ضعيف السند ، مع أن الصيغة وهي التحليل لم توجد ، انتهى.

والأظهر عندي حمل الخبرين على التقية ، فإن العامة مطبقون على عدم صحة نكاح التحليل وهو من خواص الإمامية ـ أنار الله برهانهم.

ويشير إلى ما ذكرنا كلام الشيخ في الجواب عن خبر الحسين بن علي بن يقطين حيث إنه قال : إن هذا الخبر ورد مورد الكراهة ، والوجه فيه أن هذا مما لا يراه غيرنا ، ومما يشنع علينا مخالفونا به ، فالتنزه عنه أولى. انتهى ، وهو يرجع إلى الحمل على التقية كما ذكرناه.

ومن هذه الأخبار المتقدمة وأمثالها يعلم صحة ما صرح به الأصحاب من أنه يجب الاقتصار في التحليل على ما تناوله اللفظ ، فلو أحل له قبلة خاصة ـ اقتصر عليها وحرم ما زاد ـ والنظر خاصة اختص الحل به ، ولو أحل له الخدمة خاصة حرم ما سواها ، ولو أحل له الوطي لم يحل له الاستخدام. نعم يحل له غيره من ضروب الاستمتاع لدلالته على الوطي بالمطابقة ، ودلالته على باقي وجوه الاستمتاع كالنظر واللمس والقبلة ونحوها بالالتزام ، وبذلك صرحت رواية الحسن بن عطية.

الثاني : لا ريب في اعتبار صيغة لهذا النكاح ، فإن مجرد التراضي لا يكفي حل الفروج إجماعا ، وقد أجمعوا على الجواز بلفظ التحليل ، لأنه هو الوارد في النصوص كما عرفت مما قدمناه من الأخبار وغيره على هذا المنوال أيضا ، فيصح بقوله : أحللت لك وطؤ فلانة ، أو : جعلتك في حل من وطئها ، قاصدا به الإنشاء.

واختلفوا في لفظ الإباحة ، فالمشهور ـ وهو قول الشيخ في النهاية وأتباعه والمرتضى ـ أنه لا يفيد الحل ، ونقل عن العلامة في أحد قوليه وقوفا على ظاهر النصوص ، وتمسكا بالأصل ، وذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس والمحقق والعلامة في القول الآخر وجماعة إلى الاكتفاء به لمشاركته للتحليل في المعنى ، ويجوز إقامة كل من المترادفين مقام الآخر كما ذكر في الأصول.

٣١٥

ورد بمنع الاكتفاء بالمرادف ، فإن في النكاح شائبة العبادة ، وكثير من أحكامه توقيفية ، وفي معنى الإباحة أذنت لك في وطئها ، وسوغت لك وملكتك ذلك ، فمن جوز الإباحة اكتفى بهذه الألفاظ لأنها في معناها ، ومن اقتصر على التحليل منع منها.

أقول : وروى الشيخ في التهذيب (١) عن هشام بن سالم قال : «أخبرنا محمد بن مضارب قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا محمد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت فارددها إلينا».

وفيه كما ترى دلالة على الاكتفاء بالكنايات ، فبطريق الأولى الاكتفاء بالإباحة ، وما في معناها من هذه الألفاظ المذكورة ونحوها.

وأما لفظ العارية فظاهر المحقق في النافع أنه لا خلاف في المنع منه حيث نقل الاتفاق من الجميع على المنع.

ويدل عليه ما رواه في الكافي (٢) عن أبي العباس البقباق قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام ونحن عنده عن عارية الفرج ، فقال : حرام ، ثم مكث قليلا ثم قال : ولكن لا بأس بأن يحل الرجل جاريته لأخيه».

إلا أنه نقل السيد السند في شرح النافع عن ظاهر ابن إدريس حصول أبا عبد الله عليه‌السلام ونحن عنده عن عارية الفرج ، فقال : حرام ، ثم مكث قليلا ثم قال : لكن : لا بأس بأن يحل الرجل جاريته لأخيه». إلا أنه نقل السيد في شرح النافع عن ظاهر ابن إدريس حصول التحليل به ، ثم قال : ويدل عليه رواية الحسن العطار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عارية الفرج ، قال : لا بأس به ، قلت : فإن كان منه ولد؟ فقال : لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٠ ح ١٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٢ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٢ ح ٦.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٠ ح ١٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٤ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٦ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٦ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٠ ح ٢.

٣١٦

ثم قال : وهي ضعيفة بجهالة الراوي ، فالأحوط الاقتصار على لفظ التحليل ، لأنه المتفق وإن كان الاجتزاء بكل لفظ أفاد الاذن في الوطي لا يخلو من قوة ، انتهى.

أقول : أما ما ذكره من ضعف الرواية بجهالة الراوي فإنه يمكن المناقشة فيه بأن الحسن العطار هنا الظاهر أنه الحسن بن زياد العطار الضبي ، وهو ثقة فتكون الرواية صحيحة.

وأما ما ذكره من الاحتياط أو الاقتصار على لفظ التحليل وإن كان الاجتزاء بكل لفظ أفاد الاذن في الوطي لا يخلو من قوة فهو جيد ، ويؤيده ما تقدم في غير مقام من أن المدار في العقود مطلقا على الألفاظ الدالة على الرضاء بمقتضى ذلك العقد بأي لفظ كان ، فهنا بطريق أولى حيث إنه في الحقيقة لا يخرج عن الإباحة كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى ، والأمر فيها أوسع دائرة من العقود ويؤيده تأييدا رواية محمد بن مضارب المتقدمة.

بقي الكلام في تعارض رواية البقباق الدالة على عدم جواز النكاح بالعارية ، ورواية الحسن العطار الدالة على جوازه ، وأنه لا بأس به ، وقد جمع بينهما في الوافي بحمل العارية في رواية الحسن على التحليل ، وأنه قد أطلق عليه تجوزا ، ولا بأس به في مقام الجمع ، والله العالم.

الثالث : اختلف الأصحاب في أن التحليل هنا هل هو عقد إباحة وتمليك منفعة؟ فنقل عن السيد المرتضى أنه عقد متعة محتجا على ذلك بأنه ليس ملك يمين ، لأن المفهوم من ملك اليمين ملك الرقبة فيكون عقدا لانحصار سبب الإباحة في العقد والملك بنص القرآن ، والمشهور أنه ملك منفعة ، لأنه ليس عقد دوام ، وإلا لم يرتفع إلا بالطلاق وهو باطل إجماعا ، ولا عقد متعة ، لأنه مشروط بذكر المهر والأجل وهما غير معتبرين في التحليل ، وإذا انتفى كونه عقدا ثبت كونه تمليك منفعة ، لأن الحل دائر مع العقد والملك على سبيل منع الخلو ، وإذا انتفى الأول ثبت الثاني.

٣١٧

قال السيد السند في شرح النافع بعد ذكر ذلك وهو جيد : لو انحصر طريق الحل في المنفعة والملك ، لكنه غير ثابت خصوصا مع استفاضة الأخبار بل تواترها بأن التحليل طريق إلى حل الوطي ، انتهى.

أقول : فيه أنه لا ريب في أن مقتضى قوله عزوجل «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» (١) هو انحصار الحل في العقد والملك ، إلا أنه حيث ثبت بالأخبار حصول الحل بالتحليل فلا بد من إرجاع ذلك إلى أحد الفردين المذكورين في الآية لئلا يلزم طرح الأخبار المذكورة لخروجها على خلاف ما صرح به الكتاب العزيز حسب ما استفاضت به أخبارهم عليهم‌السلام «أن كل خبر خالف القرآن يضرب به عرض الحائط (٢).

وبالجملة فاللازم إما منع دلالة الآية على الحصر ، والظاهر أنه لا يقول به لتصريحها بأن من ابتلى وراء ذلك فهو عاد ، وأما طرح الأخبار المذكورة فالجمع بين الأدلة حيثما أمكن أولى من طرحها ، وهو هنا ممكن على القول المشهور بحمل الملك في الآية على ما هو أعم من ملك الرقبة أو المنفعة.

وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ، إذ لا يخفى على من تأمل الأخبار المتقدمة وما اشتملت عليه من قوله عليه‌السلام «لو أحل له قبلة لم يحل له سواها ، وأنه لا يحل له إلا ما أحل». وقوله «يحل له ما دون الفرج».

ونحو ذلك أنه لا مجال للحمل على العقد المدعى هنا ولا معنى له ، بل ليس إلا مجرد الإباحة وتمليك تلك المنفعة الخاصة التي تعلق بها الاذن ، وكذا ما تضمن أنه لو أحل له الفرج حل له جميع ذلك ، لا معنى له إلا إباحة الفرج له ، فإنه يستبيح به ما عداه من نظر ولمس وتقبيل ونحوها ، ولا معنى للعقد هنا بوجه ، فكلام السيد المزبور على غاية من القصور.

__________________

(١) سورة المؤمنون ـ آية ٦ و ٧.

(٢) لم نعثر عليه بهذا اللفظ.

٣١٨

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر الأصحاب وجوب القبول على كل من القولين ، قال في المسالك : أما على العقد فظاهر ، واما التمليك فلأنه في معنى هبة المنفعة فيكون أيضا من قبيل العقود ، وإنما نفينا عنه اسم عقد النكاح ، لا مطلق العقود ، فالتحقيق أنه عقد في الجملة على التقديرين ، انتهى.

وفيه أنه لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في المقام أنها على كثرتها وتعددها لا إشارة فيها إلى اعتبار القبول كما عرفت من الأخبار المتقدمة ونحوها غيرها فإنها كلها على هذا المنوال ، بل هي بالدلالة على العدم أنسب وإليه أقرب ، وقد اعترف بذلك أيضا سبطه السيد السند في شرح النافع ، فقال بعد نقل ذلك عنهم : وليس في الروايات ما يدل عليه ، بل الظاهر منها خلافة ، انتهى.

ثم إن المشهور بينهم أنه لا يفتقر إلى تعيين مدة ، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه يفتقر ، ولم نقف له على دليل ، والروايات على كثرتها خالية من ذلك ، والظاهر أنه لا يشترط فيه ما تقدم في نكاح الإماء من الاشتراط بفقدان الطول وخوف العنت لإطلاق أكثر الأخبار وخصوص صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة وهي الأولى منها ، ورواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة أيضا.

الرابع : اختلف الأصحاب في تحليل السيد أمته لعبده ، فذهب جملة منهم الشيخ في النهاية والعلامة في المختلف وولده فخر المحققين إلى العدم لصحيحة علي بن يقطين (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام «أنه سئل عن المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال : لا يحل له». واستدلوا أيضا بأنه نوع تمليك ، والعبد ليس أهلا له.

وذهب ابن إدريس والمحقق في الشرائع إلى الجواز ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب (٢) عن فضيل مولى راشد قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لمولاي في

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٣ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٦ ح ٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٣٨ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٦ ح ١.

٣١٩

يدي مال ، فسألته أن يحل لي مما أشتري من الجواري ، فقال : إن كان يحل لك إن أحل لك فهو حلال ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : إن أحل لك جارية بعينها فهو لك حلال ، وإن قال : اشتر منهن ما شئت ، فلا تطأ منهن شيئا إلا من يأمرك ، إلا جارية يراها فيقول : هي لك حلال ، وإن كان لك أنت مال فاشتر من مالك ما بدا لك».

وإلى هذه الرواية مع الرواية السابقة أشار المحقق في الشرائع بقوله : وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان : إحداهما المنع ، وظاهر شيخنا في المسالك أنه لم يقف على الرواية الثانية حيث قال : والرواية التي أشار المصنف إلى دلالتها على الجواز لم نقف عليها ولا ذكرها غيره ، وإنما التجأ في تعليل هذا القول والاحتجاج له إلى الأدلة العقلية التي يتكلفونها في أمثال هذا الموضع.

قال : واختار المصنف الحل لوجود المقتضي ، وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا كونه لا يملك ونفي ملكه مطلقا ممنوع ، سلمنا لكن المراد بالملك هنا الإباحة بمعنى استحقاق البضع وإباحته لا الملك بالمعنى المشهور لأن ملك البضع لا معنى له إلا الاستحقاق المذكور.

وأنت خبير بما فيه كما سلف الكلام في مثله في غير موضع ، وقد اتفق لسبطه في شرح النافع أيضا ـ من حيث عدم وقوفه على الرواية ـ ارتكاب تكلف آخر أيضا ، فقال ـ بعد قول المصنف : وفي تحليل أمته لمملوكه تردد ، ومساواته للأجنبي أشبه ـ ما هذا لفظه : منشأ التردد من إطلاقات الروايات المتضمنة لحل الأمة بالتحليل المتناولة للحر والعبد ، ومن صحيحة علي بن يقطين المتضمنة للمنع من ذلك ، ثم ساق الرواية.

وفيه أن ما ادعاه من إطلاق الروايات وتناوله للحر والعبد غير مسلم ، إذ لا وجود له في الأخبار كما لا يخفى على من راجعها ، وقد تقدم لك شطر منها ، فإنه ليس فيها ما يتناول للمملوك بوجه ، إذ غاية ما دلت عليه وبه صرحت عباراتها

٣٢٠