الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

أتم الظهور ، لا يعتريه شائبة الفتور ولا القصور.

ثم إنه قال في المسالك ـ على أثر الكلام المتقدم ـ : فإن اتفقا على إبقائه لزم ، وإن اتفقا على فسخه أو طلب أحدهما فسخه والآخر إمضاءه انفسخ ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأن رضاء أحدهما به يوجب تقرره من جانبه ، ويبقى من جانب الآخر متزلزلا ، فإذا فسخه انفسخ كما لو لم يكن للآخر خيار ، ومثله ما لو اشترك الخيار بين البائع والمشتري ، فاختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ.

انتهى ، وهو بالنسبة إلى ما نحن فيه جيد متى ثبت عموم الخيار للبائع والمشتري.

المسألة الثانية : إذا زوج الرجل أمته من غيره بمهر مسمى فلا إشكال في أن المهر للمولى ، لأنه عوض البضع الذي هو ملكه ، فإن باعها بعد الدخول بها فقد استقر المهر ، وثبت للمولى لما عرفت ، ولا يسقط بالبيع الواقع بعده سواء أجاز المشتري أم لا ، وسواء قبض البائع شيئا من المهر أم لا ، والوجه فيه أن الدخول موجب لاستقرار المهر في الحرة حتى لو طلق الزوج ، والحال هذه لم يسقط من المهر شي‌ء ، فالبيع أولى.

وبالجملة فإنه قد ثبت واستقر بالأدلة المتكاثرة ، وسقوطه بالبيع يحتاج إلى دليل ، وليس فليس.

وإن كان البيع قبل الدخول فظاهرهم سقوط المهر وعدم استحقاق المولى له ، وقد تقدم أن للمشتري الخيار ، فإن أجاز لزم المهر فكان له ، لأن الإجازة كالعقد المستأنف ، وإن فسخ سقط المهر ، لأن الفرقة قبل الدخول إذا كانت من قبل المرأة توجب سقوطه ، وهي هنا من المالك للبضع ، فيكون بمنزلة المرأة كما لو كان من قبلها ، وهذا هو المشهور بين المتأخرين من ابن إدريس فمن دونه.

وقال ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ : إذا زوج أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا ثم باع المولى الجارية قبل الدخول بها لم يكن لها المطالبة بشي‌ء من المهر ، لأن الفسخ جاء من قبل مولى الجارية ، وكل فسخ جاء من قبل النساء قبل

٢٨١

الدخول بهن فإنه يبطل مهورهن ، وكذلك ليس لمن يشتريها أيضا المطالبة بالمهر إلا أن يرضى بالعقد ، فإن رضي المشتري بالعقد كان رضاه كالعقد المستأنف وله حينئذ المطالبة بالمهر كملا ، فإن كان الزوج قد دخل بها قبل أن يبيعها مولاها الأول فإن المهر للأول يستحقه جميعه ، لأن بالدخول يستقر جميع المهر وله المطالبة به ، فإن رضي المولى الثاني الذي هو المشتري بالعقد الأول لم يكن له مهر على الزوج وإن لم يرض بالعقد الأول انفسخ النكاح ، وكان للمولى الأول المطالبة بكمال المهر إن لم يكن استوفاه ولا قبضه. انتهى ، وعلى هذه المقالة جرى من تأخر عنه.

وقال الشيخ في النهاية : وإذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا ، وقدم الرجل من المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له المطالبة بباقي المهر ، ولا لمن يشتريها إلا أن ترضى ، وتبعه ابن البراج في هذه المقالة.

أقول : والشيخ قد عول فيما ذكره هنا على ما رواه في التهذيب (١) عن أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل زوج مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم ، فجعل له مائتي درهم وأخر عنه مائتي درهم فدخل بها زوجها ، ثم إن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكون المائتان المؤخرتان على الزوج؟ قال : إن كان الزوج دخل بها وهي معه ولم يطالب السيد منه بقية المهر حتى باعها فلا شي‌ء عليه ولا لغيره ، وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر».

وهذه الرواية ردها المتأخرون بضعف الاسناد ، قال في المسالك بعد نقل قول الشيخ المذكور : واستند في هذا التفصيل إلى رواية ضعيفة السند لا تصلح لإثبات مثل هذا الحكم الذي لا يوافق الأصول. ونحوه كلام سبطه في شرح النافع.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٨٤ ح ١٥٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٩٠ ح ١.

٢٨٢

ونقل عن الشيخ أنه أجاب عنها في كتابي الأخبار بحمل الدخول على الخلوة دون الإيلاج ، قال : وقوله «إن لم يكن أوفاها بقية المهر» معناه إن لم يكن فعل الدخول الذي باعتباره يجب أن يوفيها المهر ثم باعها لم يكن له شي‌ء ـ للفسخ بالبيع من قبله قبل الدخول ـ ولا لغيره إذا لم يجز العقد ، وبذلك أجاب في المختلف أيضا ، وبعده أظهر من أن يخفى.

ومن أجل ذلك اعتمدوا على ما ذهب إليه ابن إدريس إلا أن ظاهر شيخنا في المسالك الميل إلى أنه في صورة عدم الدخول وإجازة العقد يكون المهر للأول لوجوبه وهي ملكه ، أو نصفه بناء على أن البيع بمنزلة الطلاق كما صرحت به النصوص المتقدمة ، ولا ريب في تنصفه بالطلاق فينتصف هنا بالبيع أيضا.

وقواه سبطه في شرح النافع بالنسبة إلى المهر كملا ، قال ـ قدس‌سره ـ : ويحتمل قويا القول بكون المهر للأول مع إجازة الثاني العقد لدخوله في ملكه بالعقد ، والإجازة تقرير للعقد الأول ، وليست عقدا مستأنفا ، ويؤيده اتفاق الأصحاب ظاهرا على أن الأمة المزوجة إذا أعتقت قبل الدخول فأجازت العقد يكون المهر للسيد ، والحكم في إجازة الأمة بعد العتق وإجازة المشتري واحد.

وربما فرق بينهما بأن البيع معاوضة تقتضي تمليك المنافع تبعا للعين ، فتصير منافع البضع مملوكة للمشتري بخلاف العتق فإنه لا يقتضي تمليكا ، فإنما هو فك ملك ، ففي الأمة المعتقة يكون المنافع كالمستثناة للسيد وفي البيع ينتقل إلى المشتري ، وفي الفرق نظر يعلم مما حررناه ، انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق ـ : لا يخفى أن الرواية المذكورة قد رواها الشيخ بهذا النحو الذي قدمنا ذكره ، ورواها الصدوق وكذا الشيخ أيضا مرة ثانية بنحو آخر يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، وهي بناء على ما قدمنا ذكره موافقة لما صرح به ابن إدريس ومن تبعه من أنه مع الدخول قبل البيع فالمهر للمولى الأول وتوهم المنافاة فيها من حيث حكمه عليه‌السلام بعدم استحقاق المولى الأول وغيره باقي

٢٨٣

المهر إذا دخل بها ولم يطلبه السيد بذلك مبني على مسألة أخرى : وهي أن الدخول هل يسقط الأجل أم لا؟ كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب المهور.

ودلت جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة في الزوجة الحرة على مثل ما دلت عليه هذه الرواية ، ولكن المشهور بين الأصحاب الاعراض عن هذه الروايات لمخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية ، وحينئذ فلا طعن في هذه الرواية من هذه الجهة ، فكل من عمل بتلك الروايات عمل بهذه الرواية أيضا ، وكل من أطرحها أطرح هذه الرواية أيضا.

وروى هذه الرواية أيضا الصدوق في الفقيه (١) عن الحسن بن محبوب عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل زوج مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم فعجل له مائتي درهم ، ثم أخر عنه مائتي درهم فدخل بها زوجها ، ثم أن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكون المائتان المؤخرة عليه؟ فقال : إن لم يكن أوفاها بقية المهر حتى باعها فلا شي‌ء له عليه ولا لغيره ، وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر ، وقد تقدم من ذلك على أن بيع الأمة طلاقها».

أقول : والتقريب في هذه الرواية كما في السابقة ، وإن كان في السابقة أصرح من حيث التصريح بعدم الدخول في الجواب ، وقوله ولم يطلب السيد منه بقية المهر حتى باعها.

وبالجملة فالرواية على كل من النقلين ظاهرة في ما ذكرناه من التقريب المذكور ، وبذلك يظهر أنه لا موجب لردها بالضعف ، ولا ضرورة إلى ما ارتكبه الشيخ ومثله العلامة في المختلف من ذلك التأويل البعيد.

بقي الكلام فيما مال إليه في المسالك من تقوية احتمال المهر أو نصفه في صورة عدم الدخول.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٩٠ ح ١.

٢٨٤

أقول : هذا الاحتمال بالنسبة إلى النصف ضعيف إذ التشبيه بالطلاق لا يقتضي أن يكون من كل وجه كما تقدم ذكره ، بل إنما أريد من حيث تسلط المشتري على الفسخ كما تقدم ذكره ، وأما بالنسبة إلى المهر كملا فإشكال ، لعدم النص ، إذ مورد الرواية المتقدمة إنما هو صورة الدخول ، وليس غيرها في الباب ، والتعليلات الاعتبارية مع كونها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية متصادمة من الطرفين ، ومتعارضة في البين ، وفي المسألة أقوال ضعيفة ليس في التعرض لها مزيد فائدة والله العالم.

فائدة

قوله عليه‌السلام في رواية الفقيه «وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر إلى آخره». الظاهر من هذا الكلام أن البينونة بالبيع مخصوص بالشيعة الإمامية ، وحينئذ فهذا الزوج متى كان منهم وهو عارف بمذهبهم فإنه قد قدم على ذلك ، أو أنه قد تقدم له العلم بذلك ، وهو يدل بمفهومه على أنه لو لم يكن إماميا فلا يلزمه ذلك ولا تبين بالبيع.

ونظير ذلك ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يزوج أمته من رجل حر ثم يريد أن ينزعها منه ويأخذ منه نصف الصداق فقال : إن كان الذي زوجها منه يبصر ما أنتم عليه ويدين به فله أن ينزعها منه ويأخذ منه نصف الصداق ، لأنه قد تقدم من ذلك على معرفة أن ذلك للمولى ، وإن كان الزوج لا يعرف هذا ، وهو من جمهور الناس يعامله المولى على ما يعامله به مثله ، فقد تقدم على معرفة ذلك منه».

ومورد هذا الخبر هو جواز تفريق السيد بين أمته وبين من زوجه بها حرا كان أو عبدا لغيره ، والمشهور هنا أن الطلاق بيد العبد ، ولكن جملة من الأخبار

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٦٩ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤٣ ب ٤٤ ح ٣.

٢٨٥

ومنها هذا الخبر دلت على أن الأمر بيد السيد ، ويظهر من هذا الخبر حمل تلك الأخبار الدالة على أن الطلاق بيد العبد على التقية كما سيجي‌ء ذكره ان شاء الله تعالى.

وحاصل المعنى في الخبر المذكور أنه إن كان الذي زوجه المولى إماميا عارفا بمذهب الإمامية في جواز نزع المولى أمته متى أراد ، فللمولى نزعها منه وأخذ نصف الصداق ، لأنه إنما تزوجها قادما على ذلك ، وإن لم يكن إماميا عامله بمقتضى مذهبه من عدم جواز النزع ، بل يكون الطلاق بيد العبد لا اختيار للمولى فيه ، هذا حاصل المعنى فيه ، ومنه يفهم حمل تلك الأخبار الدالة على ما هو المشهور من أن الطلاق بيد العبد على التقية إلا أنه لا قائل بذلك كما سيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى ، والله العالم.

المسألة الثالثة : قد تقدم في الموضع الثاني من المسألة الأولى الكلام فيما لو زوج السيد عبده بحرة ثم باعه من أنه هل للمشتري الخيار في الفسخ كما هو المشهور أم لا ، كما ذهب إليه ابن إدريس وجميع من تأخر عنه ، وأوضحنا ما اقتضته الأدلة في المسألة.

بقي هنا خلاف آخر في المهر ، وتفصيل الكلام فيه أنه لا إشكال في أن السيد إذا زوج عبده لزمه المهر ، إلا أنه متى باعه بعد الدخول فقد استقر المهر ولزم السيد كملا ، وإن باعه قبل الدخول فالذي صرح به الشيخ وجماعة هو تنصيف المهر ، لما تقرر في نظيره من أن الفرقة قبل الدخول توجب تنصيف المهر كالطلاق.

ويؤيده تأكيدا هنا رواية علي بن أبي حمزة (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام «في رجل زوج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٨٥ ح ١٥٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٩ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٥ ب ٧٨ ح ١.

٢٨٦

فقال : يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه بأمر سيده» (١).

وأنكر ابن إدريس ذلك هنا كما أنكر ثبوت الخيار للمشتري لما علم من ثبوت المهر بالعقد ، وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول وقع على خلاف مقتضى الأدلة ، فيقتصر فيه على مورده ، وإلحاق غيره به قياس ، والرواية المذكورة ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة.

أقول : وملخص الكلام هنا يرجع إلى أنه من يعمل على هذا الاصطلاح المحدث فلا شك في قوة قول ابن إدريس عنده ، ولهذا مال إليه جملة من المتأخرين منهم صاحب المسالك وغيره ، ومن لا يرى العمل به فالدليل عنده موجود وهي الرواية المذكورة ، وروايات أخر في موارد أخر أيضا.

منها ما تقدم في المورد الرابع في المهر من الفصل الثالث في المتعة من موثقة سماعة (٢) قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها ، أيجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا ، قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الرجل نصف الصداق».

والتقريب فيها أنه لو لا أن الحكم تنصيف المهر هنا لكان الواجب أن لا ترد إليه شيئا أو ترد الجميع كما لا يخفى ، وفي رواية علي بن أبي حمزة المذكورة دلالة على أن المهر في الصورة المذكورة على السيد كما هو المشهور ، لا أنه يتعلق بكسب العبد كما ذهب إليه الشيخ ، وقد تقدم الكلام في ذلك في التذنيب الأول

__________________

(١) وقال في المسالك : وهذه الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة ، وقول ابن إدريس وجيه في الموضعين ، والجماعة زعموا أن ضعف الرواية منجبر بالشهرة فوافقوا الشيخ هنا وان خالفوه في غيرها لعدم النص ، ويظهر من المصنف التوقف في المسألة وله وجه ، مراعاة لجانب الأصحاب ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٤ ح ٧٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٠ ب ٤١ ح ٢.

٢٨٧

من المسألة الاولى من المطلب الأول من هذا الفصل ، والله العالم.

المقام الثالث في الطلاق : لا خلاف نصا وفتوى فيما أعلم في أنه إذا زوج السيد عبده أمته ، فإن الطلاق بيد السيد ، وله أن يأمر به وأن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق.

ومن الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي (١) عن ليث المرادي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد هل يجوز طلاقه ، فقال : إن كانت أمتك فلا ، إن الله عزوجل يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» (٢) وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرة جاز طلاقها».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٣) عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كان العبد وامرأته لرجل واحد ، فإن المولى يأخذها إذا شاء وإذا شاء ردها ، وقال : لا يجوز طلاق العبد إذا كان هو وامرأته لرجل واحد إلا أن يكون العبد لرجل والمرأة لرجل ، وتزوجها بإذن مولاها وإذن مولاها ، فإن طلق وهو بهذه المنزلة فإن طلاقه جائز».

وما رواه الكافي (٤) عن علي بن يقطين في الموثق عن العبد الصالح عليه‌السلام في حديث قال : «وسألته عن رجل زوج غلامه جاريته ، فقال : الطلاق بيد المولى».

وما رواه في التهذيب (٥) عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : طلاق

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٦٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٨ ح ٥٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٧ ب ٦٦ ح ٤.

(٢) سورة النحل ـ آية ٧٥.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٦٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٨ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥١ ب ٤٥ ح ٦.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٦٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤١ ب ٤٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥١ ح ٥.

٢٨٨

العبد ـ إذا تزوج امرأة حرة ، أو تزوج وليدة قوم آخرين ـ إلى العبد ، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما إن شاء ، وإن شاء نزعها منه بغير طلاق».

وما رواه في الكافي (١) عن عبد الله بن سنان في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : إذا زوج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها ، قال له : اعتزلها فلما طمثت وطأها ، ثم يردها عليه إذا شاء».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٢) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (٣) قال هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها ، فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح».

وما رواه في الكافي (٤) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يزوج جاريته من عبده فيريد أن يفرق بينهما ، فيفر العبد ، كيف يصنع؟ قال : يقول لها : اعتزلي فقد فرقت بينكما ، فاعتدي فتعتد خمسة وأربعين يوما ثم يجامعها مولاها إن شاء ، وإن لم يفر قال له مثل ذلك ، قلت : فإن كان المملوك لم يجامعها؟ قال : يقول لها : اعتزلي فقد فرقت بينكما ثم يجامعها مولاها من ساعته إن شاء ولا عدة عليها».

وعن حفص بن البختري (٥) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كان للرجل أمة فزوجها مملوكه فرق بينهما إذا شاء ، وجمع بينهما إذا شاء».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨١ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٠ ب ٤٥ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨١ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٦ ح ٤٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٠ ب ٤٥ ح ١.

(٣) سورة النساء ـ آية ٢٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٨١ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٠ ح ٣.

(٥) الكافي ج ٦ ص ١٦٩ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥١ ح ٨.

٢٨٩

وما رواه في التهذيب (١) عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال : إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» فليس للعبد شي‌ء من الأمر وإن كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».

قوله عليه‌السلام «فإن طلاقها صفقتها» أي الطلاق الذي بيد المولى في هذه الصورة إنما هو بيعها كما تقدم.

وأما ما رواه الشيخ (٢) عن علي بن سليمان قال : «كتبت إليه : جعلت فداك ، رجل له غلام وجارية ، زوج غلامه جاريته ، ثم وقع عليها سيدها ، هل يجب في ذلك شي‌ء؟ قال : لا ينبغي له أن يمسها حتى يطلقها الغلام».

فهو مع ضعف سنده شاذ لا يلتفت إليه بعد ما عرفت من هذه الأخبار المستفيضة ، وقد حمله الشيخ على أن المعنى حتى تبين من الغلام وتعتد وتصير في حكم المطلقة ، وذلك يكون بالتفريق الذي قدمناه ، انتهى.

وبالجملة فإن الحكم مما لا خلاف فيه كما عرفت ، إنما الخلاف فيما لو لم تكن الزوجة أمة المولى بأن تكون حرة أو أمة لغيره ، والمشهور بين الأصحاب أن الطلاق بيد العبد وليس للسيد إجباره على ذلك ، ولا نهيه عنه ، وذهب جمع منهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى نفي ملكية العبد للطلاق إلا بإذن السيد.

والأصل في هذا الخلاف ما عليه الأخبار من الاختلاف ، فمما يدل على القول المشهور ما تقدم من رواية ليث المرادي ورواية أبي الصباح ورواية محمد بن الفضيل ، إلا أن الأخيرة أظهر دلالة ، حيث دلت على أن أمر الطلاق إلى العبد ، بخلاف الأولتين ، فإن غاية ما دلتا عليه أن طلاق العبد جائز ، وهو لا ينفي طلاق السيد إلا أن يقال : إنه لا قائل بالتشريك بينهما في الطلاق ، فحيث دلتا على جواز

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٠ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٥ ح ٨.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٧ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٩ ب ٤٤ ح ٣.

٢٩٠

وقوعه منه مع عدم القول بالتشريك اقتضى ذلك اختصاصه به.

ومنها أيضا ما رواه في الكافي (١) عن أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يأذن لعبده أن يتزوج الحرة أو أمة قوم ، الطلاق إلى السيد أو إلى العبد؟ قال : الطلاق إلى العبد».

وفي الموثق عن عبد الله بن سنان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج غلامه جارية حرة ، فقال : الطلاق بيد الغلام فإن تزوجها بغير إذن مولاه فالطلاق بيد المولى».

وعن علي بن يقطين (٣) في الموثق عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج غلامه جارية حرة ، فقال : الطلاق بيد الغلام ، قال : وسألته عن رجل زوج أمته رجلا حرا؟ فقال : الطلاق بيد الحر».

ويؤيده أيضا قوله عليه‌السلام (٤) «الطلاق بيد من أخذ بالساق».

ومما يدل على القول الثاني ما رواه الشيخ (٥) في الصحيح عن بكير وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «أنهما قالا في العبد المملوك : ليس له طلاق إلا بإذن مولاه».

وما رواه في الفقيه والتهذيب (٦) عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «قالا : المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده قلت : فإن كان السيد زوجه ، بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٦ ص ١٦٨ ح ٣ و ٤، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤١ ب ٤٣ ح ٣ و ٥.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٦٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤١ ح ٤ وص ٣٤٢ ح ١.

(٤) المستدرك ج ٣ ص ٨.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٨ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥١ ب ٤٥ ح ٧.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٧ ح ٥٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٠ ح ٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤٣ ب ٤٥ ح ١.

٢٩١

عَلى شَيْ‌ءٍ» الشي‌ء الطلاق».

وما رواه في التهذيب (١) عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يزوج عبده أمته ثم يبدو له فينزعها منه بطيبة نفسه ، أيكون ذلك طلاقا من العبد؟ فقال : نعم ، لأن طلاق المولى هو طلاقها ، ولا طلاق للعبد إلا بإذن مولاه».

وعن شعيب العقرقوفي (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد ، قال : ليس له طلاق ولا نكاح ، أما تسمع الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» قال : لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلا بإذن مولاه».

وعن محمد بن علي (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «إذا تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما ، وإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما».

هذا ما حضرني من أخبار القولين ، والشيخ حمل هذه الأخيرة من حيث إطلاقها على ما إذا كانت زوجة العبد أمة مولاه كما قيد به بعضها.

وأنت خبير بأن هذا وإن تم في بعضها إلا أنه لا يتم في بعض آخر ، مثل قوله في صحيحة زرارة «قلت : وإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد». فإن ظاهره كون الزوجة أجنبية غير أمته ، وأظهر منه قوله في رواية محمد بن علي «وإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما».

وبالجملة فإن ظاهرها باعتبار ضم بعضها إلى بعض إنما هو بالنسبة إلى كون الزوجة غير أمة السيد.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك هو الميل إلى القول الثاني لصحة أخباره ، حيث إنه ـ بعد أن ذكر حمل الشيخ المذكور ـ رده بأن الجمع بين

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٧ ح ٥١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٦ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٧ ح ٥٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٩ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٤ ح ٤.

٢٩٢

الأخبار بتقييد بعضها ببعض فرع حصول المعارضة ، وتلك الأخبار لضعفها لا تبلغ قوة المعارضة لهذه الأخبار الصحيحة ، إلا أن شيخنا المذكور لم ينقل للقول المشهور إلا الروايات الثلاث الأول ، وهي رواية ليث وأبي الصباح ومحمد بن الفضيل.

وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع بعد الاشكال الميل إلى القول المشهور حيث إنه قد طعن في أدلة القول الثاني بأن غاية ما يدل عليه أكثرها وهو ـ ما عدا صحيحة شعيب العقرقوفي ـ توقف طلاق العبد على إذن مولاه ، لا أن الطلاق بيد السيد ، وحينئذ فهو غير واضح الدلالة (١) نعم صحيحة شعيب صريحة في المطلوب ، قال : والجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة لا يخلو من الاشكال والمسألة محل تردد ، وإن كان القول المشهور لا يخلو من قرب ، لاستفاضة الروايات به واعتبار أسانيد بعضها واعتضادها بعمل الأصحاب ، انتهى.

أقول : من العجب هنا خروج السيد المذكور ـ توجه الله بتاج السرور ـ عن مقتضى قاعدته في الدوران مدار الأسانيد صحة وضعفا ، ودوره مدار صحة السند وإن اشتمل متن الخبر على علل واضحة كما أوضحناه في غير موضع مما تقدم.

وكيف كان فالمسألة عندي محل إشكال لما عرفت من تعارض أخبارها ، وعدم استقامة ما ذكره الشيخ من الجمع ، إلا أنه قد روى العياشي في تفسيره (٢) بسند فيه عن الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» (٣) ويقول : «للعبد لا طلاق ولا نكاح ، ذلك إلى سيده ، والناس يرون خلاف ذلك إذا أذن السيد لعبده ،

__________________

(١) بمعنى أن الطلاق انما هو للعبد وان توقف على اذن مولاه على نحو ما قيل من أنه يملك ، وان توقف صحة تصرفه على اذن مولاه وهو لا يوجب استقلال السيد بولاية الطلاق.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) تفسير العياشي ج ٢ ص ٢٦٦ ح ٥٤ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٩٧ ب ١٧ ح ٣.

(٣) سورة النحل ـ آية ٧٥.

٢٩٣

لا يرون له أن يفرق بينهما».

ويفهم من هذا الخبر أن ما دل على القول المشهور من الأخبار إنما خرج مخرج التقية ، وأن الحكم الشرعي في المسألة إنما هو القول الثاني ، وأنت خبير بأن ظاهر الآية أيضا ليشهد لهذا القول كما ذكره عليه‌السلام في هذا الخبر.

وحينئذ فيحصل الترجيح لأخبار القول الثاني بموافقته ظاهر القرآن الذي هو أحد المرجحات المنصوصة ومخالفة العامة كما يفهم من هذا الخبر التي هي أيضا أحد المرجحات المنصوصة مضافا ذلك إلى صحة أخباره ، وبه يظهر قوة القول به ، وزوال ما ذكرنا آنفا من الاشكال ، والله العالم.

تنبيهات

الأول : قد تقدم في المسألة الخامسة من المطلب الأول تحقيق الكلام في أن نكاح السيد عبده أمته هل هو ضرب من ضروب النكاح كتزويج غيرها يفتقر إلى العقد المشتمل على الإيجاب والقبول ونحوهما ، فلا يكفي مجرد الاذن كما هو ظاهر المشهور؟ أم يكفي مجرد الاذن والتحليل كما هو قول ابن إدريس؟ وقد حققنا الكلام ثمة في المقام بما لا يحوم حوله نقض ولا إبرام ، وبينا أن الظاهر من الأخبار هو كون ذلك نكاحا ، إلا أنه ليس كغيره من العقود المفتقرة إلى تلك الشرائط المقررة ولا سيما القبول ، فإنه هنا غير مشترط ، وإنما هو نوع خاص منه.

ومما يشير إلى ما قلناه من الروايات في هذه المسألة زيادة على ما تقدم ثمة قوله في موثقة علي بن يقطين «وسألته عن رجل زوج غلامه جاريته» ، وقوله عليه‌السلام في رواية محمد بن الفضيل «وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما» ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان «إذا زوج الرجل عبده أمته» ، ونحوها موثقة عمار ، والتزويج عبارة عن العقد.

وبالجملة فإن تحقيق الكلام قد مر مستوفى في الموضع المتقدم ذكره ،

٢٩٤

والذي يتلخص من الكلام في المسألة كون الأقوال فيها ثلاثة :

(أحدهما) ـ وهو المشهور ـ اشتراط وقوع النكاح بالإيجاب والقبول.

و (ثانيها) الاكتفاء بالإيجاب مع تسميته نكاحا ، وهذا هو الذي اخترناه ثمة ، وبه صرح العلامة في المختلف ، وإليه يميل كلام شيخنا في المسالك.

و (ثالثها) كونه إباحة يكفي فيه كل ما دل على الاذن ، وهو مذهب ابن إدريس.

الثاني : المفهوم من الروايات المتقدمة أنه يكفي في فسخ المولى لهذا النكاح كل لفظ دل عليه من طلاق أو غيره حتى مجرد أمرهما بالتفريق واعتزال أحدهما الآخر ، وهو وإن كان بالقول بالإباحة كما ذهب إليه ابن إدريس أنسب ، إلا أنك قد عرفت دلالة الأخبار على إطلاق التزويج والنكاح عليه الموجب لكونه عقدا ، وقد دلت أيضا على أن رفع هذا العقد بيد السيد بأي نحو فعل ، فلا بعد في ارتفاعه بغير الطلاق كما يرتفع النكاح بالفسخ في مواضع عديدة.

والظاهر أنه إن وقع التفريق بالطلاق واستجمع شروط الطلاق من الشاهدين وكونه في طهر لم يواقعها فيه ونحو ذلك سمي طلاقا ، وإن لم يستجمع الشروط فإنه يكون فسخا إذ لا يقصر عن غيره من الألفاظ الدالة على الفسخ كالأمر بالاعتزال ونحوه بل هو أظهر في ذلك.

وقيل : إن جميع ما يفسخ به النكاح يكون طلاقا ، لإفادته فائدته كالخلع.

وقيل : إنه إن وقع بلفظ الطلاق كان طلاقا مطلقا ، فإن اتفق خلل في بعض شروطه وقع باطلا لا فسخا ، وإن جمع الشروط كان طلاق حقيقا ، وإن وقع الفسخ بغير لفظ الطلاق لم يكن طلاقا ، واختار في المسالك الأول من هذه الأقوال الثلاثة.

الثالث : لو أمر المولى العبد بالطلاق ولم يباشره بنفسه ، فهل يكون مجرد الأمر للعبد بذلك فسخا من السيد أم لا؟ قيل فيه وجهان :

٢٩٥

(أحدهما) نعم ، لدلالته عليه كما دل عليه ما هو أضعف منه كالأمر بالاعتزال ونحوه.

و (ثانيهما) العدم لأن المفهوم إرادة إيجاده من العبد فلا يحصل قبله ، ولأن الأمر بالطلاق يستدعي بقاء الزوجية إلى حين إيقاعه ، فلو دل على الفسخ قبلها ، لتنافي مدلول اللفظ ، ولأنه لو دل على الفسخ لامتنع فعل مقتضاه ، ووجه الملازمة أن الفسخ لو وقع لامتنع الطلاق مع أنه مأمور به ، فلا يكون ممتنعا.

وأجيب عنه بأن دلالته على إيجاد الطلاق مطابقة ، فلا تنافي دلالته بالالتزام على كونه فسخا وهو المدعى ، ونمنع كون الأمر بالطلاق يستدعي بقاء الزوجية إلى حينه ، وإنما يستدعيه الطلاق الصحيح ، والقائل بكونه فسخا لا يجعل الطلاق الواقع بعده صحيحا ، وهو جواب الثالث ، فإن الأمر إذا دل على الفسخ لا ينافيه امتناع فعل مقتضاه من حيث انفساخ النكاح به ، فلا يتوقف على فسخ آخر.

الرابع : لو طلق الزوج الأمة ثم باعها المالك فلا خلاف في وجوب عدة الطلاق عليها ، وهل يجب على المشتري مع إكمالها العدة أن يستبرءها زيادة على العدة؟ قولان مبنيان على التداخل وعدمه.

فقيل : بعدم التداخل ، وبه قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ وأتباعه وابن إدريس نظرا إلى أن العدة والاستبراء حكمان مختلفان ، ولكل منهما سبب يقتضيه ، وتعدد الأسباب يقتضي تعدد المسببات إلا بدليل يوجب التداخل.

وذهب جملة من المتأخرين ومنهم المحقق في الشرائع إلى القول بالتداخل واختاره في المسالك وعلله بوجود الدليل المقتضي ، وهو أن الغرض من الاستبراء إنما هو العلم ببراءة الرحم كيف اتفق ، ولهذا اكتفى باستبراء البائع ، ويسقط لو كانت امرأة أو حائضا ، والعدة أدل على ذلك ، ولأنها بقضاء العدة مستبرءة ، فلا يجب عليها استبراء آخر ، لأن وجوب الاستبراء بالبيع إنما هو من احتمال وطئ البائع لغرض وطئ المشتري ، وكلاهما ممتنع في صورة النزاع ، انتهى ، وهو من

٢٩٦

حيث الاعتبار جيد ، إلا هذه العلة التي اعتمد عليها وهي براءة الرحم غير مطردة لوجوب العدة في مواضع مع العلم ببراءة الرحم يقينيا كمن طلقها زوجها مع فراقه لها سنين عديدة ، والمتوفى عنها زوجها وإن لم يدخل بها ، ونحو ذلك.

وبالجملة فإن علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول معها وجودا وعدما كما تقدم تحقيقه في غير موضع ، فاحتمال وجوب الاستبراء على المشتري قائم ، والمسألة خالية من النص ، فالاحتياط فيها مطلوب سيما مع كونها من مسائل الفروج المطلوب فيها الاحتياط زيادة على غيرها كما تكاثرت به الأخبار.

ثم إن ما فرضنا به المسألة تبعا لكلامهم من الترتيب بين الطلاق والبيع ـ يطلق الزوج أو لا ثم يبيع السيد ـ الظاهر أنه متعين ، بل لو باع السيد ثم طلق الزوج قبل فسخ المشتري فإن الحكم أيضا كما تقدم.

تذنيبان

أحدهما : المشهور في كلام الأصحاب ـ رضي‌الله‌عنهم ـ من غير خلاف يعرف أنه إذا زوج السيد أمته لعبده فإنها تصير من مولاها بمنزلة الأجنبية لا تحل له منها إلا ما يحل له من أمة غيره كنظر الوجه والكفين بغير شهوة ، ويحرم عليه جميع وجوه الاستمتاع ونظر ما يحل منها بشهوة.

قال في المسالك : والنصوص به كثيرة ، والوجه في ذلك مع النص أن وجوه الاستمتاع صارت مملوكة للزوج فيحرم على غيره ، لامتناع حل الاستمتاع بالمرأة لأزيد من واحد شرعا ، انتهى.

وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع المناقشة في هذا الحكم حيث قال : وأطلق العلامة في جملة كتبه أن الأمة المزوجة يحرم على مالكها ما يحرم على غير المالك ، وهو غير واضح المأخذ.

٢٩٧

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار ما رواه الكليني وابن بابويه (١) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج مملوكته عبده ، أتقوم عليه كما كانت تقوم فتراه منكشفا أو يراها على تلك الحال؟ فكره ذلك ، وقال : قد منعني أبي أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك». والظاهر أن المراد بالكراهة هنا التحريم.

وما رواه الشيخ (٢) في الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يزوج جاريته ، هل ينبغي له أن ترى عورته؟ قال : لا».

ويستفاد من هاتين الروايتين تحريم النظر إلى العورة وما في معناها مطلقا ولا يبعد تحريم اللمس والنظر بشهوة أيضا كما ذكره المصنف ، أما تحريم النظر إلى ما عدا العورة وما في معناه بغير شهوة فمشكل ، لانتفاء الدليل عليه ، والأصل يقتضي العدم ، انتهى.

أقول : وروى الكليني في الكافي (٣) موثقة عبيد بن زرارة وزاد فيها على ما تقدم برواية الشيخ «وأنا أتقي ذلك من مملوكتي إذا زوجتها».

ومن الأخبار الواردة في المقام أيضا خبر مسمع (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : عشرة لا يحل نكاحهن ولا غشيانهن إلى أن قال : وأمتك ولها زوج».

وفي حديث مسعدة بن زيادة (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «تحرم من الإماء عشرة : لا تجمع بين الام والبنت إلى أن قال : ولا أمتك ولها زوج».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٠ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ١٩٩ ح ٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٠٢ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٨ ب ٤٤ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٨ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٩ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٥٥ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٩ ب ٤٤ ح ٢.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٨ ص ١٩٨ ح ٢ و ١، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٩ ح ٦ و ٥.

٢٩٨

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (١) عن الحسن بن ظريف عن الحسين ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «إنه قال : إذا زوج الرجل أمته ، فلا ينظر إلى عورتها ، والعورة ما بين السرة والركبة».

وأنت خبير بأن ظاهر هذه الرواية هو تحريم النظر إلى ما بين السرة والركبة أعم من أن يكون بشهوة أم لا ، وبها يتم الاستدلال للأصحاب فيما تقدم نقله عنهم.

وبالجملة فالظاهر هو العمل بما قاله الأصحاب ، وفي معنى الأمة المزوجة المحلل وطؤها للغير ، أما لو حلل منها ما دون الوطي ، فهل تحرم بذلك على المالك؟ إشكال.

وثانيهما : المفهوم من كلام الأصحاب أنه متى كان زوج الأمة حرا أو مملوكا لغير سيد الأمة ، فإن السيد لا يتسلط على الفسخ بل الطلاق للزوج حرا كان أو عبدا ، أما لو كان الزوج مملوكا للسيد ، فإن للسيد التسلط على الفسخ كما تقدم مشروحا.

ويدل على الحكمين المذكورين هنا ما رواه الشيخ (٢) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أنكح الرجل عبده أمته ، فرق بينهما إذا شاء ، قال : وسألته عن رجل يزوج أمته من رجل حر أو عبد لقوم آخرين ، إله أن ينزعها منه؟ قال : لا ، إلا أن يبيعها ، فإن باعها فشاء الذي اشتراها أن يفرق بينهما فرق بينهما».

وعن محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال : إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ، إن الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» فليس للعبد شي‌ء من الأمر ، وإن

__________________

(١) قرب الاسناد ص ٥٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٩ ح ٧.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٩ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٤ ح ٥ وص ٥٥١ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٠ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٥ ح ٨.

٢٩٩

كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».

أقول : يعني أن طلاق السيد وتسلطه على فسخ النكاح إنما يكون ببيعه الأمة.

ومما يدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ (١) في الموثق عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل يزوج أمته من حر؟ قال : ليس له أن ينزعها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٢) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أنكح أمته حرا أو عبد قوم آخرين ، فقال : ليس له أن ينزعها ، فإن باعها فشاء الذي اشتراها أن ينزعها من زوجها فعل».

إلا أنه قد ورد هنا جملة من الأخبار ظاهرة في المنافاة لما ذكرناه.

ومنها ما رواه الشيخ (٣) في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يزوج جاريته من رجل حر أو عبد ، أله أن ينزعها بغير طلاق؟ قال : نعم ، هي جاريته ينزعها متى شاء».

والشيخ حمل هذا الخبر على أن له ذلك بأن يبيعها ، فيكون ببيعه تفريقا بينهما ، ولا يخفى ما فيه من البعد.

ومنها ما رواه الشيخ (٤) في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كانت له جارية ، فزوجها من رجل آخر ، بيد من طلاقها؟ قال : بيد مولاه ، وذلك لأنه تزوجها وهو يعلم أنها كذلك».

وهذا الخبر أيضا حمله الشيخ على ما حمل عليه سابقه ، واحتمل أيضا حمله على كون المولى قد اشترط على الزوج عند العقد أن بيده الطلاق ، كما دل عليه بعض

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٧ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٤ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٦٩ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٧ ح ١٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٠ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٤٢ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٩ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٩ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٥ ح ٦.

٣٠٠