الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

الشرعية ، لأن العقد في عرف أهل الشرع هو المركب من الإيجاب والقبول ، قالوا : ولا يقدح في ذلك كونها مملوكة ، لأنها بمنزلة الحرة حيث تحرر بتمام العقد ، فرقيتها غير مستقرة ، ولو لا ذلك لامتنع تزويجها ، والواقع منها منزل منزلة الإيجاب ، وإن كان بلفظ القبول لحصول ما يعتبر في العقد في اللفظ الواقع من المولى فكان المعتبر من جانبها مجرد الرضاء به ، سواء سميناه إيجابا أم قبولا.

أقول : العجب منهم ـ رضوان الله عليهم ـ أنهم يعترفون بأن أصل هذه المسألة إنما بنيت على خلاف القواعد الشرعية المقررة عندهم لدلالة النصوص المستفيضة على شرعية هذا العقد وصحته وإن كان على خلاف القواعد ، ويتكلفون هنا لوجوب القبول بهذه التكلفات البعيدة مع خلو النصوص على كثرتها من ذلك حتى أنهم قالوا : إنه يعتبر وقوعه بالعربية وعلى الفور على نهج سائر العقود اللازمة.

والذي اختاره في المسالك ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع هو الأول ولا ريب في ظهور قوته ، وضعف ما عارضه ، وهو يرجع إلى ما ورد في جملة من الأخبار من الأمر بالسكوت عما سكت الله عنه وإبهام ما أبهمه الله ، والنهي عن القول في الأحكام الشرعية بغير سماع منهم.

الرابع : اختلف الأصحاب فيما إذا طلقها قبل الدخول ، فقال الشيخ في النهاية : وإن طلق التي جعل عتقها مهرها قبل الدخول بها ، رجع نصفها رقا ، واستسعيت في ذلك النصف ، فإن لم تسع فيه كان له منها يوم ، ولها من نفسها يوم في الخدمة ، وإن كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدي عنها النصف الباقي وينعتق حينئذ ، انتهى. وتبعه ابن حمزة في ذلك ، وبه قال العلامة في الإرشاد.

وقال الصدوق في المقنع : وإذا أعتقها وجعل عتقها صداقها ثم طلقها قبل أن يدخل بها فقد مضى عتقها ، ويرتجع إليها سيدها بنصف قيمة ثمنها تسعى فيه ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس والعلامة في المختلف.

٢٦١

والأصل في هذا الخلاف اختلاف الأخبار في المسألة ، فمما يدل على القول الأول ما رواه الشيخ (١) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يعتق جاريته ، ويقول لها : عتقك مهرك ، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : يرجع نصفها مملوكا ويستسعيها في النصف الآخر».

وعن يونس بن يعقوب (٢) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل أعتق أمة له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : يستسعيها في نصف قيمتها ، فإن أبت كان لها يوم ، وله يوم في الخدمة ، فإن كان لها ولد وله مال أدى عنها نصف قيمتها وعتقت».

ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن الحسن بن محبوب عن يونس بن يعقوب.

وعن عباد بن كثير البصري (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أعتق أم ولد له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : يعرض عليها أن تستسعي في نصف قيمتها ، فإن أبت هي فنصفها رق ونصفها حر».

وأما ما يدل على الثاني فهو ما رواه الشيخ (٤) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعتق مملوكة له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : قد مضى عتقها وترد على السيد نصف قيمة ثمنها تسعى فيه ولا عدة عليها».

وما رواه في الكافي (٥) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يعتق أمته

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٢ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٠١ ح ١٧ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦١ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٢ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٣ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٨٢ ح ١٤٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦١ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٣ ح ١.

(٥) الكافي ج ٥ ص ١٠٨ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٤ ح ٣.

٢٦٢

فيجعل عتقها مهرها ، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : ترد عليها نصف قيمتها تستسعي فيها».

والعلامة في المختلف قد احتج على ما اختاره ـ من مذهب الصدوق ـ بأنها ملكت نفسها بالإصداق وعتقت فلا ترجع مملوكة بعد العتق ، قال : وكلام الشيخ إنما يتم لو قلنا أن المرأة لا تملك جميع المهر بالعقد ، بل تملك النصف به ، والنصف الآخر بالدخول ، ثم أجاب عن الأخبار الثلاثة المتقدمة بأنها ضعيفة السند ، ثم قال : والوجه أن يقال كما قال الصدوق : تستسعي في نصف قيمتها ، لأن نصفها يجري مجرى التالف من المهر المعين ، أو تنتظر إلى أن يوسع الله تعالى عليها ويؤيد برواية عبد الله بن سنان ، ثم ساق الرواية كما قدمنا ، وعده الرواية مؤيدا دون أن يعدها دليلا ، كأنه لعدم صحتها عنده مع أنها كما عرفت صحيحة السند ، لأن الشيخ رواها عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان ، وطريقه إلى الحسن بن محبوب صحيح كما نبهوا عليه ، وأنت خبير بأن المسألة محل إشكال لتعارض هذه الأخبار ، وعدم ظهور وجه للجمع بينها ، وإن أمكن أن يقال بتخير المولى بين الأمرين لأنه ملك نصفها بالطلاق ، كما لو أصدقها زوجته (١) ، وملكها أنفسها بالعتق كما يشير إليه كلامه مع تسليمه فهو ملك متزلزل ، إنما يستقر بالدخول كما في غيره من المهور ، وقوله : إن الحر لا يعود رقا مسلم بالنسبة إلى من استقرت حريته لا مطلقا.

ولا يحضرني الآن كلام لأحد من أصحابنا في المقام غير ما نقلته عن العلامة في المختلف.

__________________

(١) بمعنى أنه تزوج امرأة وأصدقها أمة ثم طلق تلك المرأة قبل الدخول بها فيرجع عليها بنصف الأمة التي هي المهر ، ولا فرق بين المسألتين الا أن الأمة جعلت مهرا لنفسها بالعتق فيما نحن فيه ، وجعلت مهرا لغيرها في المسألة المفروضة ومرجع الأمرين إلى أمر واحد. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٦٣

ثم إن ما ذكره الشيخ فيما قدمنا نقله عنه ـ من أنه إن كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدي عنها النصف الباقي ـ قد اعترضه فيه جماعة منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف ، قالوا : لأصالة براءة ذمة الولد إلا أن يتبرع الولد بأداء ذلك ، وبه صرح ابن الجنيد فقال : ولو طلقها قبل الدخول بها مضى عتقها ، واستسعت في نصف قيمتها ، وإن كان لها ولد فأدى نصف قيمتها عتقت ، انتهى.

والظاهر أن الشيخ قد استند فيما ذكروه إلى رواية يونس بن يعقوب المتقدمة ، إلا أنها غير صريحة في إلزام الولد بذلك ووجوبه عليه ، والله العالم.

المسألة الثالثة : اختلف الأصحاب فيما إذا اشترى أمة نسية ، فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها فحملت منه ، ثم مات المولى ولم يترك ما يقوم بثمنها فقيل : بأن العتق صحيح ولا سبيل عليها ولا على ولدها ، بل يكونان حرين ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة وولده وأكثر المتأخرين ، وقيل ، ببطلان العتق وعودها رقا ، وأن ولدها رق ، وهو قول الشيخ في النهاية وابن الجنيد وابن البراج.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني في الكافي (١) في الصحيح والحسن معا عن هشام بن سالم قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكذا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد ، وتزوجها وجعل مهرها عتقها ، ثم مات بعد ذلك بشهر فقال ، أبو عبد الله عليه‌السلام : إن كان للذي اشتراها إلى سنة مال أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها ، فإن عتقه ونكاحه جائزان ، قال : وإن لم يكن للذي اشتراها فأعتقها وتزوجها مال ولا عقدة يوم مات تحيط بقضاء ما عليه من الدين برقبتها ، فإن عتقه ونكاحه باطلان لأنه أعتق ما لا يملك ، وأرى أنها رق لمولاها الأول ، قيل له : فإن كانت علقت ـ أعني من المعتق لها المتزوج بها ـ ما حال الذي في بطنها؟ فقال : الذي في بطنها مع أمه كهيئتها».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٩٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٢ ب ٧١ ح ١.

٢٦٤

ورواه الشيخ في التهذيب (١) عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام» الحديث ، واضطربت آراء المتأخرين في هذه الرواية من حيث صحة سندها فلم يتجاسروا على ردها ، ومن حيث مخالفتها لجملة من القواعد الشرعية والضوابط المرعية فلم يقدموا على القول بما دلت عليه بظاهرها كما قدم عليه الشيخ ومن تبعه.

ونقل عن المحقق في نكت النهاية أنه قال : إن سلم هذا النقل ، فلا كلام في جواز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية لعلة لا نعلمها ، لكن عندي أن هذا خبر واحد لا يعضده دليل ، فالرجوع إلى الأصل أولى ، وفي الشرائع صرح بردها تبعا لابن إدريس لمخالفتها الأصول الشرعية ، لأن العتق والتزويج صدرا من أهلها في محلها فوجب الحكم بصحتها وبحرية الولد لحرية أبويه ، وحملها العلامة في المختلف على وقوع العتق والنكاح والشراء في مرض الموت ، بناء على مذهبه من بطلان التصرف المنجز مع وجود الدين المستغرق ، وحينئذ فترجع رقا ويتبين بطلان النكاح ، واعترضه تلميذه السيد السند عميد الدين بأن الرواية اقتضت عودها وولدها رقا كهيئتها ، وتأويله لا يتم إلا في عودها إلى الرق لا في عود الولد ، لأن غايته بطلان العتق في المرض فتبقى أمة ، فإذا وطأ الحر أمته لا ينقلب ولده رقا ، بل غايته أن امه تباع في الدين (٢).

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٢ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٢ ب ٧١ ح ١.

(٢) أقول : ما نقلناه في الأصل من كلام السيد عميد الدين المذكور انما نقلناه من كلام صاحب المسالك ، والذي وقفت عليه في شرح السيد المذكور على القواعد هذه صورته : والمصنف في المختلف حمل هذه الرواية على وقوع ذلك في مرض موته ، فان منجزات المريض تخرج عنده من ثلث تركته ما لم يكن عليه دين ، أما مع وجود الدين فإنه يجب أن يبدأ بإخراج الديون ، فإذا كان مستغرقا بطل العتق ، وترجع رقا الى مولاها.

وأقول : هذا التأويل لا يتم أيضا لأن الرواية اقتضت عود ولدها رقا كهيئتها ، وهو

٢٦٥

وأجاب ابنه فخر المحققين انتصارا لوالده عن ذلك بأنه ليس في الرواية ما يدل على رقية الولد إذ ليس فيها إلا قوله كهيئتها ، وهو أعم من أن يكون كهيئتها في حال الحكم بحريتها قبل ظهور عجزه عن الثمن ، فيكون حرا ، أو بعده فيكون رقا ، ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات.

ورده شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد بأن هذا الكلام على النص فإن المفهوم من قوله كهيئتها ليس إلا أن حكمه حكمها في حال السؤال ، وقد حكم قبل ذلك بأنها رق فيكون الولد رقا ، فهو دال على رقيته بالمطابقة ، إذ هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى ، وتجويز مثل هذا التأويل يمنع التمسك بجميع النصوص ، وفي التزامه ما لا يخفى. انتهى وهو جيد.

وبذلك يظهر أن حمل العلامة الرواية على ما ذكره مع تسليمه فإنه لا يتم في الولد مع أنه قد نوقش في أصل الحمل المذكور بأنه يشكل في الأم أيضا من جهة أخرى ، وهي أن الرواية دلت على عودها رقا للبائع ومقتضى الحمل جواز بيعها في دينه ، لا عودها إلى ملكه.

ونقل عن العلامة في التحرير الحمل على أنه انكشف فساد البيع ووطأ بعد علمه بذلك ومات ، فعلى هذا يكون زانيا فيرق ولده.

واختار هذا الحمل الشيخ أحمد بن فهد الأحسائي في شرحه على الإرشاد ، قال : والمختار ما أوله المصنف في التحرير ، ثم ذكر العبارة المذكورة ، وأورد عليه بأن الرواية قد تضمنت أنه إذا خلف ما يقوم بقضاء ما عليه يكون العتق والنكاح صحيحين جائزين ، ومتى حمل على فساد البيع ـ كما ذكره ـ فإنه لا معنى

__________________

مناف لمذهب المصنف فإنه على تقدير أن يكون عتقها في مرض موته يكون العتق والنكاح باطلين ، وأن أولاده لا يجوز استرقاقهم ، غاية ما في الباب أنها تباع في الدين ، انتهى ، والظاهر أن شيخنا في المسالك نقل العبارة بالمعنى الواضح حيث ان كلامه غير خال من الإجمال فأوضحه ـ قدس‌سرهما بأوضح بيان. (منه ـ قدس‌سره).

٢٦٦

للحكم بجوازهما سواء خلف شيئا أو لم يخلف ، وهو ظاهر.

وحملها ثالث (١) على أنه فعل ذلك مضارة ، والعتق يشترط فيه القربة ، ورد بأن بطلان العتق لا يقتضي عودها إلى مولاها الأول ولا رقية الولد ، مع أن البطلان قد علل في الرواية بأنه أعتق ما لا يملك ، وهو غير مناسب لهذا الحمل.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر التأويلات المذكورة ما ملخصه : وأقول : أن الموجب لهذا الاعتناء والتكلف لهذه الرواية المخالفة للأصول هو ما اعتقدوه من صحة سندها ، وقد صرح بصحتها جماعة من الأصحاب المعتبرين كالعلامة وتلميذه الفخر والعميد والشهيد وغيرهم ، أو في صحتها عندي نظر من وجهين ، ثم ذكر الوجه الأول بما ملخصه : إن أبا بصير الراوي مشترك بين ليث المرادي ، ويحيى بن القاسم الأسدي ، والأول وان كان ثقة الا ان الثاني ضعيف مختلط ، ولا قرينة هنا على تعيين الثقة منهما ، ثم ذكر الوجه الثاني بما ملخصه :

إن الرواية المذكورة رواها الشيخ في مواضع عديدة ، وفي بعضها هشام بن سالم عن أبي بصير ، وفي بعضها عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، والكليني رواها عن هشام عنه عليه‌السلام بغير واسطة ، قال : وحينئذ تكون الرواية مضطربة الاسناد ، والاضطراب في الإسناد يمنع الصحة كما قرره في علم الدراية ، والغرض أن هذه الرواية ليست مقطوعة الصحة في سندها كما ذكروه ، فلا يصعب إطراحها حيث يخالف الأمور القطعية التي شهد لها الأصول الشرعية ، انتهى.

أقول : أما كلامه في الوجه الأول فجيد ، بناء على العمل بهذا الاصطلاح المحدث.

وأما كلامه في الوجه الثاني ففيه أن عد ذلك من باب الاضطراب الذي ترد به الرواية منع ظاهر ، كما تقدم الكلام فيه في غير موضع ، فإنه من الجائز أن

__________________

(١) أقول : هذا الحمل الثالث نقله الشهيد في شرح الإرشاد عن الشيخ قومان بن أحمد العاملي المناري ، وهذا الشيخ قد ذكرنا أحواله في اجازتنا الكبيرة.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٦٧

يروي الراوي تارة مشافهة وتارة بواسطة ، وأي مانع من ذلك.

وبالجملة فالطعن في الرواية بضعف السند ليس في محله ، نعم الطعن فيها بمخالفة الأصول والقواعد المتفق عليها نصا وفتوى يمكن ، إلا أنه قد تقدم له نظائر لا تكاد تحصى كثرة ، وما ذكره المحقق في نكت النهاية ـ من أنه متى سلم هذا النقل فلا كلام في جواز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية لعلة لا نعلمها ـ جيد وإن كان قد رجع عنه ، وكيف كان فالمسألة غير خالية من من شوب الاشكال لما عرفت ، والله العالم بحقيقة الحال.

المسألة الرابعة : لا إشكال في أن أم الولد إنما تنعتق بعد وفاة المولى من نصيب ولدها ، لأن مجرد الاستيلاد لا يكون سببا في العتق ، وإنما غايته التشبث بواسطته بالحرية ، ولا خلاف أيضا في أنه لو مات ولدها وأبوه حي عادت إلى محض الرقية وجاز بيعها ، إنما الخلاف هنا في مواضع :

أحدها : ما نقله في المختلف عن ابن إدريس أنه نقل عن المرتضى أنه لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا لا في الثمن ولا في غيره ، وهو ضعيف مردود بالأخبار الصحيحة الصريحة في جواز البيع في بعض المواضع ، كما سيأتي بعض منها إن شاء الله تعالى في المقام ، ويؤيده أنها لم تخرج بالاستيلاد عن الملك.

وثانيها : فيما لو عجز نصيب ابنها من التركة عن التخلف منها ، بمعنى أنه إذا مات المولى والولد حي انعتقت بموت المولى لانتقالها أو بعضها إلى ولدها ، فينعتق عليه ما يرثه منها ، لأن ملك الولد لأحد أبويه يوجب عتقه عليه كما قدمنا تحقيقه ولو بقي منها شي‌ء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من التركة يفي به ، وإلا أعتق منها بقدره.

ولو عجز النصيب عن المتخلف ـ وهذا هو محل الكلام هنا ـ فهل الحكم في ذلك أنها تسعى في المتخلف ، ولا يسري عليه ولو كان له مال من غير التركة ، ولا يلزمه السعي لو لم يكن له مال؟ أم يجب على الولد فكها من ماله؟ الأكثر على

٢٦٨

الأول ، لأن السراية من شروطه الملك الاختياري ، والإرث ليس منه ، وإنما قلنا بسرايته عليه في نصيبه من باقي التركة لإطلاق النصوص بأنها تعتق من نصيبه من التركة ، وإلا فالأصل يقتضي أن لا تعتق عليه سوى نصيبه منها.

وذهب ابن حمزة والشيخ في المبسوط إلى أنه يجب على الولد فك باقيها ، أما ابن حمزة فإنه نقل عنه أنه أوجب على الولد السعي في فك باقيها ، وأما الشيخ في المبسوط فإنه أوجب على الولد فكها من ماله ، ولم نقف لها على دليل ، والأصل يقتضي العدم ، لأصالة البراءة من وجوب السعى وعدم المقتضي للسراية عليه حتى يجب عليه فكها من بقية ماله لعدم الاختيار في ملكها.

وثالثها : في بيعها في حياة المولى في ثمن رقبتها ، وتفصيل ذلك أنه لا خلاف في جواز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا مات مولاها ولم يخلف سواها ، وإنما الخلاف فيما إذا كان كذلك مع حياة المولى ، بمعنى أنه هل يجوز بيعها في ثمن رقبتها إذا كان مولاها حيا ، وليس له من المال ما يفي بثمنها؟ ذهب الأكثر إلى الجواز.

واستدل عليه في المسالك برواية عمر بن يزيد (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن أم الولد تباع في الدين؟ قال : نعم في ثمن رقبتها».

وروى عمر بن يزيد (٢) في الصحيح قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : أسألك قال : سل ، قلت : لم باع أمير المؤمنين عليه‌السلام أمهات الأولاد؟ قال : في فكاك رقابهن قلت : وكيف ذلك؟ فقال : أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدي عنه ، أخذ ولدها منها ، وبيعت فأدي ثمنها ، قلت :

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٩٢ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٣٨ ح ٩٢ ، الوسائل ج ١٣ ص ٥١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٩٣ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٣٨ ح ٩٥ ، الوسائل ج ١٣ ص ٥١ ح ١.

٢٦٩

فيبعن فيما سوى ذلك من أبواب الدين ووجوهه؟ قال : لا».

وعندي في الاستدلال بالصحيحة المذكورة نظر ، فإن قوله عليه‌السلام فيها «ولم يدع من المال ما يؤدي عنه» ظاهر في أن ذلك في صورة موت المولى لا حياته كما ادعاه ، نعم الرواية الأول مطلقة ، لكن يمكن حمل إطلاقها على ما دلت عليه الصحيحة المذكورة من تخصيص ذلك بالموت ، وحينئذ فيشكل الاستدلال بهما على الحكم المذكور وإن كان هو المشهور.

ومن ثم نقل عن ابن حمزة تخصيص الجواز بالموت والمنع مما سواه (١) وظاهر السيد السند في شرح النافع تقوية القول بالمنع أيضا حيث قال : والقول بالمنع نادر لكنه لا يخلو من قوة.

أقول : ويؤيده قوله عليه‌السلام في آخر الخبر بعد سؤال السائل «فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟» والتقريب فيه أنه حيث كان مورد الخبر كما ذكرناه إنما هو جواز البيع في فكاك رقابهن بعد موت المولى إذا لم يدع من المال ما يؤدي عنه ، فإنه تدخل حينئذ هذه الصورة المفروضة ـ وهو البيع حال الحياة ـ فيما سوى ذلك ، فلا يجوز البيع حينئذ.

فإذا دلت الرواية المذكورة مع صحة سندها عندهم الذي هو المدار عليه في الاستدلال بينهم على تخصيص الجواز بهذه الصورة الخاصة ، وهي بعد الوفاة بالقيود المتقدمة ، مع تصريحها بعدم الجواز فيما سوى ذلك ، فإنه يتحتم حمل إطلاق رواية عمر بن يزيد المذكورة على هذه الصحيحة جمعا.

__________________

(١) ونقل عن ابن حمزة هنا أيضا التصريح بعود الولد رقا حيث قال على ما نقله في المختلف : فان مات سيدها ولم يكن له مال سواها وكان ثمنها في ذمة سيدها عادت بولدها رقا ، قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وليس بجيد لانه ولد حرا.

أقول : لا ريب أن النص انما دل على جواز بيع الأم خاصة ولأجل ذلك حكمنا برقيتها ، وأما الولد فلا دليل على رقيته بالكلية. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٧٠

ورابعها : إن المشهور أنه لا يجوز بيعها في مطلق الدين ، بل ثمن رقبتها على ما عرفت من الخلاف في التخصيص بالموت أو العموم لحال الحياة ، ونقل عن ابن حمزة جواز بيعها في دينه وإن لم يكن ثمنا لها مع موته واستغراق الدين للتركة (١).

واختاره الشهيد في اللمعة ، ووجهه أن عتقها بعد موت مولاها إنما هو من نصيب ولدها ، والحال أنه لا نصيب له على تقدير استغراق الدين للتركة لقوله عزوجل «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» (٢).

واحتج له أيضا برواية أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام حيث قال في آخره «فإن مات وعليه دين قومت على ابنها ، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ، ثم يجبر على قيمتها».

قال في المسالك بعد نقل ذلك : وجوابه أن الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقا ، وإن منع من التصرف فيها على تقدير استغراق الدين فيعتق نصيب الولد منها ، كما لو لم يكن دين ، ويلزمه إذا مقدار قيمة النصيب من ماله ، والرواية قاصرة سندا ودلالة ، ومشتملة من الأحكام على ما لا يوافق الأصول فلا اعتداد بها ، انتهى.

وظاهر العلامة في المختلف التوقف في هذه الصورة ، حيث قال : المشهور أنه لا يجوز بيع أم الولد إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على مولاها ، وليس له سواها.

وقال ابن حمزة : وإن مات سيدها وعليه دين في غير ثمن رقبتها قومت على ولدها ، فإذا بلغ ألزم أداؤها ، فإن لم يكن له مال استسعي فيه ، فإن مات

__________________

(١) حيث قال في عد المواضع التي يباع فيها : وسابعها : إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وان لم يكن ثمنا لها ، وعلله الشارح بما يرجع الى ما ذكرناه في الأصل ، وقد عرفت ما فيه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) سورة النساء ـ آية ١١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٣٩ ح ٩٨ ، الوسائل ج ١٣ ص ٥٢ ح ٥.

٢٧١

قبل البلوغ بيعت في الدين.

احتج الأولون بما رواه عمر بن يزيد (١) عن الكاظم عليه‌السلام ، ثم أورد مضمون صحيحة عمر بن يزيد كما قدمنا ذكره ، ثم قال :

احتج ابن حمزة بما رواه أبو بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات ، قال : إن شاء أن يبيعها باعها ، وإن مات مولاها وعليه دين قامت على ابنها ، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها ، فإن مات ابنها قبل امه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة ، ولأنها مملوكة (٣) فيجب صرف ثمنها في الدين كما لو كان الدين ثمنها ، ونحن في هذه المسألة من المتوقفين ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن النقل عن ابن حمزة في هذا الموضع مختلف ، فإن مقتضى النقل الأول ـ وبه صرح في المسالك ـ إنما هو جواز بيعها في الدين وإن لم يكن ذلك الدين ثمنها إذا كان مستغرقا كما يدل عليه دليله المتقدم ، وعلى هذا فرواية أبي بصير المذكورة لا تعلق لها بذلك ، ولا دلالة فيها عليه بوجه ، ولهذا ردها في المسالك بذلك.

ومقتضى ما نقله العلامة عنه في المختلف إنما هو تقويمها على ولدها ، لا بيعها مطلقا كما هو النقل الأول ، وهذا هو مدلول رواية أبي بصير المذكورة ، فالاستدلال بها عليه في محله ، إلا أنه لا يظهر لي هنا وجه وجيه في مخالفته للقول المشهور كما يعطيه كلام العلامة في المختلف ، إذ مقتضى القول المشهور إنما هو

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٩٣ ح ٥ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٣٨ ح ٩٥ ، الوسائل ج ١٣ ص ٥١ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٣٩ ح ٩٨ ، الوسائل ج ١٣ ص ٥٢ ح ٤ و ٥.

(٣) قوله ولأنها مملوكة الى آخره من كلام العلامة لا من الرواية كما ربما يسبق الى الوهم.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٧٢

تحريم بيعها. إلا في ثمن رقبتها.

وغاية ما يدل عليه هذا القول بناء على هذا النقل ، وكذا روايته هو أنها تنتقل إلى ولدها ويكون ضامنا لقيمتها ، يجب عليه بعد البلوغ أداؤها ، وليس فيها ما يدل على بيعها في غير ثمن رقبتها ، ليكون مخالفا ، بل ما دلت عليه الرواية هو الأوفق بالقواعد الشرعية ، لأن المفروض أن مولاها مديون ولا مال سواها ، ولا وارث سوى ابنها ، وقد تقرر أن التركة تنتقل إلى الوارث مع اختياره ضمان الدين ، فالولد هنا قد ورثتها بموت أبيه ، فوجب انعتاقها عليه ووجب عليه أداء قيمتها في الدين ، غاية الأمر أنه من حيث كونه صغيرا ينتظر بإخراج الدين من قيمتها إلى بلوغه ، وأي منافاة على هذا التقدير ، بين هذا القول وبين القول المشهور ، نعم في قوله في آخر الرواية «فإن مات ابنها قبل امه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة». إشكال ، إلا أنه خارج عن موضع الاستدلال.

وبالجملة فالرواية المذكورة لا تبلغ قوة المعارضة للصحيحة المتقدمة لو ثبت التعارض ، فالعمل على الصحيحة المشار إليها لتأيدها زيادة على ما هي عليه بعمل الأصحاب وفتواهم بها.

هذا ولك أن تقول : إن الدين المذكور في رواية أبي بصير مطلق فيحمل على ثمن رقبتها ، ويكون الحكم فيه ما ذكر في الخبر ، وعلى هذا يكون الجمع بينه وبين صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة التخيير فيما إذا مات المولى مشغول الذمة بقيمة الأمة ، ولم يخلف سواها بين بيعها ودفع ثمنها في الدين ، كما تدل عليه الصحيحة المذكورة ، وبين التقويم على الولد كما دلت عليه رواية أبي بصير.

وبما ذكرناه في معنى رواية أبي بصير صرح الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ في النهاية حيث قال : فإن لم يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها قومت على ولدها ويترك إلى أن يبلغ ، فإذا بلغ اجبر على ثمنها ، وإن مات قبل البلوغ بيعت في ثمنها وقضى به الدين ، انتهى.

٢٧٣

أقول : وهذا هو ما دلت عليه رواية أبي بصير المذكورة ، والشيخ فرضها في الدين الذي هو ثمن رقبتها ، حملا للرواية على ذلك ، وحينئذ فلا إشكال في بيعها لو مات الولد قبل البلوغ ، لأنه يجوز بيعها في حياته كما دلت على صحيحة عمر بن يزيد ، فكيف بعد موته.

وابن إدريس قد اعترض على الشيخ فقال : هذا غير واضح لأنا نبيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها ، فكيف بعد موته ، ولأي شي‌ء يجبر الولد بعد بلوغه على ثمنها ، ولأي شي‌ء يؤخر الدين ، إلا أن شيخنا رجع عن هذا في عدة مواضع ، ولا شك أن هذا خبر واحد أورده هنا إيرادا لا اعتقادا ، انتهى.

وكلام ابن إدريس هو الموافق للمشهور من جواز بيع أم الولد في ثمن رقبتها حيا كان المولى أم ميتا ، لما تقدم ، إلا أنك قد عرفت أن الدليل لا تنهض بالعموم لحال الحياة.

وكيف كان فمقتضى عمل الشيخ بهذه الرواية هنا موافقة لما تقدم نقله في المختلف عن ابن حمزة ، والوجه في الجمع بين الرواية المذكورة وصحيحة عمر بن يزيد هو ما أشرنا إليه من التخيير ، والله العالم.

المقام الثاني في البيع ، وفيه مسائل :

الأولى : لا خلاف بين الأصحاب في أنه إذا بيعت الأمة ذات البعل ، فإن بيعها طلاقها ، ويتخير المشتري في الإجازة والفسخ ، والأصل في هذا الحكم الأخبار المستفيضة.

ومنها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح إلى الحسن بن زياد وهو مشترك بين الثقة وغيره قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية يطؤها ، فبلغه أن لها زوجا ، قال : يطؤها فإن بيعها طلاقها ، وذلك أنهما لا يقدران على شي‌ء من أمرها إذا بيعا».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٣ ب ٤٧ ح ٢.

٢٧٤

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة تباع ولها زوج؟ فقال : صفقتها طلاقها».

وعن بريد بن معاوية وبكير (٢) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «قالا : من اشترى مملوكة لها زوج فإن بيعها طلاقها ، فإن شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء تركهما على نكاحهما».

وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه (٣) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «طلاق الأمة بيعها ، أو بيع زوجها ، وقال في الرجل يزوج أمته رجلا حرا ثم يبيعها ، قال : هو فراق ما بينهما ، إلا أن يشاء المشتري أن يدعهما».

وما رواه في الكافي (٤) عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن الناس يروون أن عليا عليه‌السلام كتب إلى عامله بالمدائن أن يشتري له جارية فاشتراها وبعث بها إليه ، وكتب إليه أن لها زوجا ، فكتب إلى علي عليه‌السلام أن يشتري يضعها ، فاشتراه ، فقال : كذبوا على علي عليه‌السلام ، أعلى عليه‌السلام يقول هذا».

وما رواه في التهذيب (٥) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام طلاق الأمة بيعها».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (٦) عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٤ ب ٤٧ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٣ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٧ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٤ ب ٤٧ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٨٣ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٧ ح ١٣ الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٣ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٨٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٤ ب ٤٧ ح ٥.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٠ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٥ ح ٧.

(٦) الفقيه ج ٣ ص ٣٥١ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٥ ب ٤٨ ح ١.

٢٧٥

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار ، إن شاء فرق بينهما. وإن شاء تركها معه ، فإن هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد ما رضي ، قال : وإن بيع العبد ، فإن شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل الذي صنع صاحب الجارية فذلك له ، وإن سلم فليس له أن يفرق بينهما بعد ما سلم».

وأما ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يبتاع الجارية ولها زوج؟ قال : لا تحل لأحد أن يمسها حتى يطلقها زوجها الحر». فحمله الشيخ على ما إذا كان المشتري قد أقر الزوج على عقده ورضي به.

إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع :

الأول : قال في المسالك : والأصل في الحكم بعد النص أن بقاء النكاح لازما على هذه الحالة مظنة لضرر المالك ، إذ قد لا يناسب بقاء النكاح فجعل له طريق إلى التخلص بالفسخ.

وأنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الموفق النبيه ، إذ لا وجود لهذه العلة في الأخبار فيكون مستنبطة. وإطلاق الأخبار المذكورة وكذا إطلاق كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون البيع قبل الدخول أو بعده ، وكذا بين كون الزوج حرا أو مملوكا ، بل في صحيحة محمد بن مسلم تصريح بثبوت الخيار مع كونه حرا ، وقد قطع الأصحاب بأن هذا الخيار على الفور ، ويشير إليه قوله عليه‌السلام في رواية أبي الصباح الكناني : فإن هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد التراضي ، فإنه ظاهر في أنه بعد علمه وعدم فسخه بل سكوته مثلا فإنه رضا منه بذلك ، وليس له التفريق بعد ذلك ، فعلى هذا لو أخر لا لعذر كالجهل بأصل الخيار سقط خياره ، وفي كون الجهل بفوريته عذرا وجهان ، وتقدم الإشارة إليهما.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٩٩ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٥ ح ٧.

٢٧٦

الثاني : لا خلاف في أن حكم العبد إذا بيع وتحته أمة ، حكم الأمة إذا بيعت ولها زوج ، حرا كان أو عبدا ، وعلى ذلك دلت صحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي الصباح الكناني ، إلا أنها مطلقة بالنسبة إلى زوجة العبد بخلاف الأولى ، فإنها صريحة في كونها أمة.

وإنما الخلاف فيما لو كان العبد المبتاع تحته حرة ، فالأكثر كما نقله في المسالك على ثبوت الخيار للمشتري أيضا ، فإن الحكم كما في الأمة لتساويهما في المعنى المقتضي له ، وهو توقع الضرر ببقاء التزويج.

ولرواية محمد بن علي (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «إذا تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما فإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما».

والتقريب فيها أنه ليس له التفريق بغير البيع إجماعا فينحصر في البيع.

وردها المتأخرون بضعف السند والدلالة ، فلا يسوغ التعلق بها في إثبات هذا الحكم ، ولهذا جزم ابن إدريس ـ وجمع ممن تأخر عنه ـ بعدم ثبوت الخيار هنا تمسكا بلزوم العقد ، وعدم المخرج عنه لشذوذ الرواية ، والحمل على البيع والأمة قياس باطل.

والعلامة في المختلف قد شنع على ابن إدريس في هذا المقام ، قال : ونسبة كلام الشيخ إلى القياس جهل منه وقلة تأمل وسوء نظر في الأدلة واستخراجها ، لأنه لو فقدت النصوص لكان الحكم مساويا للأمة ، لأن الشارع لم يفرق بينهما في مثل هذه الأحكام كما لم يفرق في التقويم وعدمه.

ورده جملة من المتأخرين ـ منهم الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع ـ بأن الحكم بالمساواة يحتاج إلى دليل من نص أو إجماع ، ومع انتفائه يجب التمسك بمقتضى العقد اللازم ، وحكموا بأن الأصح ما اختاره ابن إدريس ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٩ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٤ ح ٤.

٢٧٧

وقال في المسالك : ونمنع من مساواة الحرة والأمة في هذا المعنى ، لأن الحرة أشرف ، ولا يلزم مع ثبوت الحكم في الأدنى ثبوته في الأعلى ، والرواية قد عرفت ضعفها ، وبعدها عن الدلالة ، انتهى.

أقول : لا يخفى ما في تعليله المذكور في المسالك من الضعف والوهن ، وإنما الظاهر ما ذكرناه أولا ، إلا أنه يمكن أن يقال : إن إطلاق رواية أبي الصباح الكناني شامل لما لو كانت الزوجة حرة أو أمة ، فإنه عليه‌السلام حكم بأنه متى بيع العبد فلمشتريه الخيار ، كما في مشتري الجارية ، ولم يفرق بين كون الزوجة حرة أو أمة ، ولو كان الحكم كما يدعونه من تخصيص الخيار بما إذا كانت أمة لم يحسن هذا الإطلاق ، إلا أن للمتأخرين الطعن بضعف سند الرواية ، ومن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح فإن له التمسك بالرواية المذكورة ، إذ لا طعن فيها من جهة الدلالة ، بل هي ظاهرة الدلالة فيما قلناه ، وبه يطهر قوة القول المشهور ، والله العالم.

الثالث : المستفاد من كلام جملة من الأصحاب وهو صريح كلام ابن إدريس هو تخصيص الخيار بالمشتري في بيع العبد أو الأمة ، بمعنى أنه لو زوج السيد أمته عبد غيره فباع السيد أمته أو العبد سيده فإن الخيار مخصوص بالمشتري في كل من الصورتين ، وذهب الشيخ في النهاية إلى ثبوته أيضا لمالك الآخر الذي لم يبع ، قال الشيخ في النهاية : ومتى عقد الرجل لعبده على أمة غيره جاز العقد ، وكان الطلاق بيد العبد ، وليس لمولاه أن يطلق ، فإن باعه كان ذلك فراقا بينه وبينهما إلا أن يشاء المشتري إقراره على العقد ، ويرضى بذلك مولى الجارية فإن أبى واحد منهما ذلك لم يثبت العقد على حال ، وكذلك لو باع مولى الجارية جاريته كان ذلك فراقا بينهما إلا أن يشاء الذي اشتراها إقرارها على العقد ، ورضي بذلك مولى العبد ، وإن أبى واحد منهما كان العقد مفسوخا ، وتبعه ابن البراج في ذلك.

والشيخ المفيد لم يذكر سوى المشتري ولم يذكر حكم الآخر ، وكذا

٢٧٨

ابن حمزة ، وقال ابن إدريس : لا أرى لرضاء الذي لم يبع وجها ، لأن الخيار في إقرار العبد وفسخه للمشتري في جميع أصول هذا الباب ، وإنما جعل الشارع لمن لم يحضر العقد ولا كان مالكا لأحدهما وإنما انتقل إليه الملك الخيار ، لأنه لم يرض بشي‌ء من ذلك الفعال ، لا الإيجاب ولا القبول ولا كان له حكم فيها ، والموجب والقابل أعنى السيدين المالكين الأولين رضيا وأوجبا وقبلا ، فمن جعل الخيار لهما أو لأحدهما يحتاج إلى دليل ، لأنه حكم شرعي يحتاج مثبتة إلى دليل ، وإنما أوجبنا الخيار للمشتري ، لأنه انتقل الملك إليه ، وليس هو واحدا منهما.

وظاهر العلامة في المختلف الميل إلى ما ذهب اليه الشيخ حيث نفى عنه البعد عن الصواب ، قال : لأن الذي لم يبع إنما رضي بالعقد مع المالك الأول ، والأغراض تختلف باختلاف الملاك ، وأيضا البائع أوجد سبب الفسخ ، وهو الخيار للمشتري ، فيكون للآخر ذلك أيضا ، لأنه مالك كالبائع مساو له في الحكم ، فيثبت له ما يثبت له.

أقول : والظاهر هو ما ذهب إليه ابن إدريس ، لأنه هو المستفاد من الأخبار المتقدمة ، وما ادعوه زيادة على ذلك لا دليل عليه ، وما ذكره العلامة من الدليلين المذكورين.

أما (الأول) فإنه يصلح لأن يكون وجها للنص بعد وروده ، لا دليلا مستقلا برأسه لما عرفت من أن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الأدلة المنصوصة الواضحة الجلية ، لا على هذه التعليلات العقلية.

وأما (الثاني) فإنه مع صحته لا يخرج عن القياس ، والله العالم.

الرابع : قالوا : لو كان كل واحد من العبد والأمة المزوجين لمالك واحد ، فباعهما لاثنين ، سواء باع أحدهما لواحد والآخر لآخر ، أم باعهما معا لاثنين على وجه الاشتراك ، فإن الخيار في الفسخ للمشتري المتعدد كما ثبت للواحد ،

٢٧٩

ولو باع أحدهما خاصة كان الخيار في فسخ العقد وإمضائه لكل من البائع والمشتري ، فظاهر مما تقدم ، وأما البائع فلا طلاق النص السابق في كون البيع كالطلاق ، ومعناه ثبوت التسلط على فسخ العقد المتناول لهما ولاشتراكهما في المعنى المقتضي لجواز الفسخ ، فإن المشتري كما يتضرر ويتزوج مملوكه لغير مملوكته كذلك البائع ، وحينئذ فيتوقف عقدهما على رضا المتبايعين معا ، كذا ذكره شيخنا في المسالك.

وأنت خبير بأن ما ذكره من الحكم الأول جيد لا إشكال فيه ، إذ الخيار الثابت للمشتري لا فرق فيه بين تعدد المشتري واتحاده ، لإطلاق النصوص.

وأما الثاني وهو ما ذكره بقوله : ولو باع أحدهما خاصة إلى آخره ، ففيه أن إثبات الخيار فيه للبائع لا دليل عليه ، وما احتج به من إطلاق النص في كون البيع كالطلاق بمعنى ثبوت التسلط على الفسخ المتناول لهما.

ففيه أن مقتضى قوله عليه‌السلام في حسنة بكير وبريد المتقدمة «فإن بيعها طلاقهما فإن شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء تركهما على نكاحهما». هو تخصيص الخيار بالمشتري ، والتشبيه بكونه طلاقا إنما هو باعتبار ذلك خاصة ، ونحوها قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «هو فراق فيما بينهما إلا أن يشاء المشتري أن يدعها ،» وما احتج به من اشتراكهما في المعنى المقتضي لجواز الفسخ». إلى آخره ، ففيه ما أشرنا إليه سابقا من أن هذه العلة مستنبطة فلا تقوم حجة.

وبالجملة فإنه لا فرق في اختصاص الخيار بالمشتري بين كون الزوجين لمالك واحد كما هو المفروض هنا ، أو لمالكين متعددين كما تقدم في سابق هذا الموضع ، ويؤيد ذلك أيضا إطلاق رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار». الخبر إلى آخره ، فإنه دال بإطلاقه على تخصيص الخيار بالمشتري أعم من أن يكون الزوجان لمالك واحد أو لمالكين متعددين في كل من بيع الأمة أو الزوج ، وهو ظاهر في الدلالة على المراد

٢٨٠