الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

إلحاق

قالوا : إذا تزوج عبد بأمة لغير مولاه ، فإن أذنا الموليان فالولد لهما ، وكذا لو لم يأذنا ، ولو أذن أحدهما كان الولد لمن لم يأذن ، ولو زنا بأمة غير مولاه كان الولد لمولى الأمة.

قال في المسالك بعد نقل ذلك : هذا التفصيل ذكره الأصحاب كذلك وظاهرهم الاتفاق عليه ، ويظهر من بعضهم أنه منصوص ولم نقف عليه.

أقول : قد تقدم شطر من الكلام في هذا المقام في صدر المسألة الثانية ، وأشرنا ثمة إلى أنا لم نقف له على دليل سوى ما يدعونه من الاتفاق ، مع أن أبا الصلاح جعل الولد لمولى الأمة خاصة كغيرها من الحيوانات ، إلا أن يشترط مولى العبد ، فيكون له من حيث الشرط.

وبالجملة فإني لم أقف على نص يدل على الاشتراك سواء كان مع الاذن منهما أو عدمه.

وأما لحوقه بمن لم يأذن إذا أذن أحدهما فعللوه بأن الإذن لمملوكه في التزويج مطلقا مقدم على قران الولد منه ، لأنه قد يتزوج من ليس برق ، فينعقد الولد حرا ، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصة.

ولا يخفى ما فيه ، نعم يمكن أن يستأنس له بالأخبار المتقدمة الدالة على أن الأمة إذا تزوجت بدون إذن السيد بدعوى الحرية ، فإن الولد يكون رقا كرواية زرارة وموثقة سماعة المتقدمتين في المسألة الرابعة ، والتقريب فيها أنه حيث كان الزوج حرا فهو بمنزلة المأذون له في النكاح في كون نكاحه صحيحا ، والزوجة حيث أن تزويجها بدعوى الحرية وهي مملوكة واقعا فهو غير مأذون لها وقد ألحق الشارع هنا الولد بالأم الغير المأذونة دون الأب الذي هو في معنى المأذون.

وأما في الزنا والحكم بالولد لمولى الجارية فيدل عليه مضافا إلى الاتفاق

٢٤١

المدعى ما قدمناه في الصورة الاولى من المسألة الثالثة من رواية جميل (١) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل أقر على نفسه أنه غصب جارية فولدت الجارية من الغاصب فقال : ترد الجارية والولد على المغصوب» الخبر.

المسألة السادسة : لو تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى حصة أحدهما بطل العقد ، وحرم عليه وطؤها ، ولو أمضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح ، وقيل : يجوز له وطؤها بذلك ، وهو ضعيف.

ولو حللها له قيل : يحل وهو مروي ، وقيل : لا ، لأن سبب الاستباحة لا يتبعض.

وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم يجز وطؤها بالملك ، ولا بالعقد الدائم ، فإن هاباها على الزمان قيل : يجوز أن يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها وهو مروي ، وفيه تردد لما ذكرنا من العلة كذا صرح به المحقق ـ رحمة الله عليه ـ وتفصيل الكلام في بيان هذه الأحكام يقع في مواضع :

الأول : في الحكم ببطلان العقد في الصورة المذكورة بشراء حصة أحد الشريكين ، وعلله في المسالك بأن ملك الجزء يبطل عقده لامتناع أن يعقد الإنسان لنفسه على أمته عقدا ، وهو يستلزم بطلان الاستدامة ولا يمكن الحكم ببقاء العقد في الجزء الآخر ، لأن العقد لا يتبعض ليبطل في بعضه ويصح في بعض آخر ، فتعين بطلانه في الجميع.

قال : وأما تحريم وطئها فلاستلزامه التصرف في مال الغير بغير إذنه الممتنع عقلا وشرعا.

أقول : والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ (٢)

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٥٦ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٢ ح ٢٤٤ ، مع اختلاف يسير الوسائل ج ١٤ ص ٥٧١ ب ٦١ ح ١ وفيه «عن على بن حديد» مع اختلاف يسير.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٤ ح ٢٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٣ ب ٤٦ ح ١.

٢٤٢

بطريقه عن زرعة عن سماعة قال : «سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين ، قال : حرمت عليه باشترائه إياها وذلك أن بيعها طلاقها إلا أن يشتريها جميعا».

ورواه في الكافي (١) في الموثق عن سماعة أيضا مثله ، إلا أن فيه «إلا أن يشتريها من جميعهم».

وإذا ثبت بطلان العقد بالخبر المذكور حرم وطؤها لاستلزامه التصرف في مال الشريك بغير إذنه ، وحينئذ فلا طريق إلى حلها إلا بشراء الجميع أو ببيع الجميع ، ثم تجديد النكاح بأحد الأسباب المبيحة له ، وأشار ـ بقوله : ولو أمضى الشريك الآخر العقد ـ إلى الرد على الشيخ في النهاية حيث قال : إذا تزوج رجل جارية بين شريكين فاشترى نصيب أحدهما حرمت عليه ، إلا أن يشتري النصف الآخر ، أو يرضى مالك نصفها بالعقد ، فيكون ذلك عقدا مستأنفا ، وتبعه ابن البراج.

ورد بأنه إن كان عقد النكاح قد بطل بالشراء كما هو الظاهر فكيف يصير صحيحا بمجرد الرضا ، وإن لم يبطل فلا وجه لاعتبار رضاه بعد العقد ، لأن العقد المذكور وقع أولا برضاه ولم يتجدد له ملك فلا يقف على إجازته.

أقول : وقد عرفت دلالة الخبر على البطلان فتعين الحكم به ، فتصحيحه بعد ذلك بمجرد الرضا غير معقول ، وتأول المحقق في نكت النهاية كلام الشيخ هنا فحمله على أن المراد بقوله ـ أو يرضى مالك نصفها بالعقد ـ عقد البيع على النصف الثاني ، قال : فكأنه يقول : إلا أن يشتري النصف الآخر من بايع النصف الأول فضولا ، ويرضى مالك ذلك النصف بالعقد ، فتكون الإجازة كالعقد المستأنف ، ويكون الألف في قوله «أو وقعت» سهوا من الناسخ أو يكون بمعنى الواو ، وعلى هذا فيكون الطريق إلى حلها في كلام الشيخ أمرا واحدا ، وهو شراء النصف الآخر.

قال فخر المحققين بعد أن نقل هذا التأويل : وفيه تأسف وبعد ، وقال في

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٤ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٣ ب ٤٦ ح ٢.

٢٤٣

المسالك : وهذا التأويل وإن كان بعيدا إلا أن بناء حكم الشيخ ـ رحمه‌الله ـ على ظاهره أبعد.

أقول : إن الشيخ ليس بمعصوم من ذلك الاقدام ، فكم له من هفوات الأقلام في الأحكام التي لا تقبل الإصلاح بين الأنام ، والظاهر أن ما هنا من ذلك القبيل.

الثاني : ما ذكره بقوله «ولو حللها له» إلى آخره ، وتوضيحه أن الأمة إذا كانت مشتركة بين شريكين ، فأحل أحد الشريكين للآخر وطئها ، فهل تحل بذلك؟ الأكثر على العدم ، قالوا : لاستلزامه تبعيض سبب الإباحة ، بمعنى حصول النكاح بالملك والتحليل معا ، مع أن الله عزوجل حصره في أمرين ، العقد والملك بقوله «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (١) والتفصيل قاطع الشركة ، فلا يكون الملفق منهما سببا.

وذهب ابن إدريس إلى حلها بذلك ، لأن المراد بالملك الذي هو أحد السببين المذكورين ما هو أعم من ملك الرقبة والمنفعة ، والسبب الموجب للتحليل هنا هو الملك ، وإن كان مركبا من ملك الرقبة في بعضها وملك المنفعة في البعض الآخر ، فيكون السبب في حل جميعها واحدا ، وهو الملك.

ويدل عليه أيضا ـ وإن كان ابن إدريس لا يستند إليه ـ ما رواه الكليني والشيخ (٢) في باب السراري وملك الايمان في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام ـ ورواه الصدوق في الصحيح أيضا عن الحسن بن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته ـ عن جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لشريكه ، قال : هي له حلال ، فأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا من

__________________

(١) سورة المؤمنون ـ آية ٦.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٢ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠٣ ح ٢٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٠ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٥ ح ١.

٢٤٤

قبل الذي مات ، ونصفها مدبرا ، قلت : أرأيت إن أراد الثاني منهما أن يمسها ، إله ذلك؟ قال : لا ، إلا أن يثبت عتقها ويتزوجها برضا منها متى ما أراد ، قلت له : أليس قد صار نصفها حرا ، وقد ملكت نصف رقبتها والنصف الآخر الباقي منها؟ قال : بلى ، قلت : فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها؟ قال : لا يجوز لها ذلك ، قلت : لم لا يجوز لها ذلك وكيف أجزت للذي له نصفها حين أحلها فرجها لشريكه فيها؟ قال : لأن الحرة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحله ، ولكن لها من نفسها يوم ، وللذي دبرها يوم ، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشي‌ء في ذلك اليوم الذي تملك فيه نفسها فليتمتع منها بشي‌ء قبل أو كثر».

وهذه الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة بطرق صحيحة ، إلا أن الشيخ في التهذيب (١) رواها في أول كتاب النكاح بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ومن تأخر عنه كالمحقق وغيره لم يقفوا إلا على هذا السند ، فردوا الرواية لذلك بالضعف. قال المحقق في النافع : وبالتحليل رواية فيها ضعف ، وفي الشرائع نسبه إلى الرواية كما قدمنا ذكره مؤذنا بضعفه.

وقال في المسالك بعد نقل قول ابن إدريس والاستدلال له بنحو ما قدمنا ذكره : ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «في جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لصاحبه ، قال : هو له حلال». وهذه الرواية تصلح شاهدا لغير ابن إدريس ، فإنه لا يستند إلى مثل هذه الأخبار مع صحتها ، فكيف مع ضعفها ، وكلام ابن إدريس متوجه وإن كان المنع أولى ، انتهى.

والظاهر أنه لو وقف على هذه الأسانيد الصحيحة المتعددة لهذه الرواية عن محمد بن قيس وعن محمد بن مسلم عنه عليه‌السلام لما عدل عن مذهب ابن إدريس ، وبالجملة فالظاهر هو ما ذهب إليه ابن إدريس لما عرفت.

الثالث : ما ذكره بقوله «وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا» بمعنى أنه

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٥ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٥ ح ١.

٢٤٥

لا يجوز له وطؤها أيضا لو ملك بعضها وكان البعض الآخر حرا ، وعلل بأن الجزء الحر لا يستباح بملك البعض قطعا ، ولا بالعقد الدائم اتفاقا لتبعيض السبب ، ولا بالمنقطع لذلك ، ولا بالتحليل ، لأن المرأة ليس لها تحليل نفسها إجماعا وإنما يقع التحليل من المولى.

أقول : وقد صرحت بالحكم المذكور صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ، فإنه عليه‌السلام قد صرح بأنه متى مات أحد الشريكين الذي دبرها وصار نصفها حرا ، فإنه لا يجوز للآخر من الشريكين وطؤها والحال هذه إلا أن يثبت عتقها بمعنى أن تعتق كملا ويتزوجه تزويجا جديدا برضا منها واختيار ، وبالجملة فالظاهر أن الحكم مما لا خلاف فيه.

بقي الكلام في العقد عليها متعة في أيامها وهو المشار إليه بقوله «فإن هاباها على الزمان» فإن الرواية المذكورة قد دلت على جواز ذلك ، والأكثر على المنع ، لضعف الخبر عندهم كما عرفت ، ومع ذلك عللوا المنع بأنها بالمهاباة لا تخرج عن كون المولى مالكا لذلك البعض ، وهو يمنع من العقد ، لاستحالة العقد على ملكه ، وتعدد السبب ، وهو المشار إليه بقوله «لما ذكرنا من العلة» وعلل أيضا بأن منافع البضع لا تدخل في المهاباة ، وإلا لحل لها المتعة في أيامها وهو باطل اتفاقا ، والشيخ في النهاية أفتى بالجواز للرواية المذكورة ، وهو الظاهر ، فإن الرواية المذكورة لنقل المشايخ الثلاثة لها بعدة أسانيد أكثرها صحيح ـ مع عدم المعارض لها إلا هذه التعليلات العقلية التي عرفت ما فيها في غير مقام ـ لا يمكن طرحها والاعراض عنها ، ومن الظاهر أيضا أن المتأخرين لو اطلعوا لها على سند صحيح لما عدلوا عنها إلى هذه التعليلات ، وإلى ما ذكرنا من العمل بالرواية المذكورة يميل كلام السيد السند ـ رحمة الله عليه ـ في شرح النافع لاطلاعه على تلك الأسانيد الصحيحة ، والله العالم.

٢٤٦

المطلب الثاني في الطواري(١) :

وهي ثلاثة : العتق والبيع والطلاق ، فتحقيق الكلام في هذا المطلب يقع في مقامات ثلاثة :

الأول : في العتق : وفيه مسائل :

الأولى : لا خلاف بين الأصحاب في أن الأمة لو أعتقت وكانت تحت عبد فإنها تتخير في فسخ نكاحها ، والروايات بذلك متظافرة مستفيضة ، إنما الخلاف فيما لو كانت تحت حر ، فهل يثبت لها الخيار أيضا أم لا؟ فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والمحقق في النافع إلى ثبوته أيضا ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع إلى العدم ، والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من روايات المسألة والكلام فيها بما وفق الله سبحانه لفهمه منها.

فمن الأخبار المذكورة ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أمة كانت تحت عبد فأعتقت الأمة ، قال : أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت نفسها منه ، قال : وذكر أن بريرة كانت عند زوج لها ، وهي مملوكة ، فاشترتها عائشة ، فأعتقتها ،

__________________

(١) أقول : الوجه في تسمية هذه الأمور طوارئ هو أنها تطرأ على عقد الأمة فيتغير حكمه الأول إلى حكم آخر لم يكن قبل ذلك ، من التسلط على فسخ العقد وتحريمها في بعض الموارد كما سيجي‌ء ذكره ان شاء الله تعالى ، وبعضهم أطلق عليها المبطلات للعقد ، وفيه أنها لا تبطل العقد مطلقا ، بل قد تبطل العقد ، وقد يؤول إلى الإبطال فما ذكره الأكثر من المعنى الأول أظهر ، قيل : وانما خص الأمور الثلاثة بالتسمية مع أن الطارئ على نكاح المماليك غير منحصر فيها لكثرة مباحث هذه الثلاثة وتشتت أحكامها فتناسب تخصيصها بالذكر وذكر الباقي في ضمنها أو في محل آخر مناسب ، انتهى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤١ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٩ ح ٢.

٢٤٧

فخيرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحديث.

وما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن سماعة في الموثق قال : «ذكر أن بريرة مولاة عائشة كان لها زوج عبد ، فلما أعتقت قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اختاري ، إن شئت أقمت مع زوجك ، وإن شئت فلا».

وما رواه في التهذيب (٢) عن عبد الله بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه كان لبريرة زوج عبد فلما أعتقت قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اختاري».

وعن محمد بن آدم (٣) عن الرضا عليه‌السلام «أنه قال : إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت عبد أو حر».

ورواه بسند آخر عن زيد الشحام (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت حر أو عبد».

وما رواه في الفقيه والتهذيب (٥) عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوكة تكون تحت العبد ثم تعتق؟ فقال : تخير فإن شاءت أقامت على زوجها ، وإن شاءت فارقته».

وهذه الأخبار متفقة الدلالة على الحكم الأول مضافة إلى الاتفاق عليه.

وأما بالنسبة إلى ما إذا كان الزوج حرا فالذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك رواية محمد بن آدم ورواية زيد الشحام الدالتان على تخيرها سواء

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٧ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٢ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٤. ص ٥٦٠ ح ٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٤١ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦١ ح ٩.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٢ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦١ ح ١٢.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٢ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦١ ح ١٣.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٣ ح ٣٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٥٢ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٠ ح ٧.

٢٤٨

كان الزوج عبدا أو حرا كما هو المنقول عن الأكثر.

ومنها ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أيما امرأة أعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت قامت معه ، وإن شاءت فارقته».

وهي دالة على ذلك أيضا بإطلاقها ، وهذه الرواية وصفها جملة من الأصحاب ـ ومنهم شيخنا في المسالك ـ بالصحة مع أن في طريقها محمد بن الفضيل ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف كما لا يخفى على من راجع سندها.

وعن عبد الله بن بكير (٢) في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل حر نكح أمة مملوكة ثم أعتقت قبل أن يطلقها : قال هي أملك ببضعها».

وهذه الرواية أيضا صريحة في القول المذكور ، ولم أقف للقول الآخر على دليل ، إلا أصالة لزوم العقد ، وأن إبطاله يحتاج إلى دليل ، فإن هذه الأخبار حيث كانت ضعيفة الاسناد فهي لا تنهض دليلا يخرج به عن مقتضى الأصل ، وبذلك تمسك السيد السند في شرح النافع حيث قال ـ بعد إيراد الروايات الثلاث المذكورة ـ : ويشكل بأن هذه الروايات كلها ضعيفة السند فلا تصلح لإثبات حكم مخالف للأصل ، ثم نقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف أنه ذهب إلى عدم ثبوت الخيار هنا ، ثم قال : والمصير إليه متعين.

وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك لما وصف رواية الكناني بالصحة (٣) تمسك بها في الجواب ، وجعلها موجبة للخروج عن حكم الأصل ، وأيدها بالروايتين

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٤١ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦١ ح ٨.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٢ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦١ ح ١١.

(٣) حيث انه بعد أن نقل عنهم الاستناد إلى أصالة لزوم العقد وأن حدوث الخيار يحتاج الى دليل ، قال : وجوابه أن الدليل موجود وهو الرواية الصحيحة السالفة الدالة بعمومها عليه ، وخصوص الروايتين شاهد صريح وان ضعف طريقها ، انتهى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٤٩

الأخيرتين وإن ضعف سندهما ، وهو ظاهر في أنه مع ثبوت ضعف الرواية المذكورة كما أوضحناه فإنه لا يتمسك بها ويلتزم بالقول الثاني.

وبالجملة فإن من يعمل بهذا الاصطلاح المحدث يتعين عليه القول بما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف ، ومن لم يلتفت إليه ولا يعمل عليه فإنه يتحتم عليه القول بما هو المشهور ، وهو عندنا المؤيد المنصور.

تنبيهات :

الأول : ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب الفورية بهذا الخيار ، ولم أقف له على دليل إلا على وجوه اعتبارية وكلمات عامية ، وأخبار المسألة المتقدمة عارية عنه ، والأصل عدمه ، إلا إن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل إن تم الاتفاق.

قال السيد السند في شرح النافع : وقد قطع الأصحاب بأن هذا الخيار على الفور ، ولا بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق والضرورة.

وكيف كان فالظاهر كما صرح به جملة منهم ـ رضي‌الله‌عنهم ـ أنه لو أخرت الفسخ جهلا بالعتق أو جهلا بالخيار ، فإنه لا يسقط خيارها فتعذر في عدم الفورية وهل تعذر مع الجهل بالفورية؟ احتمالان : العدم ، لاندفاع الضرر مع العلم بالخيار ، ولإشعاره بالرضا حيث علمت بالخيار وأخرت والمعذورية لاحتمال كون التأخير لفائدة التروي ونحوه ، حيث لا تعلم باشتراط الفورية ، والتأخير لا يكون دليلا على الرضا إلا مع العلم باشتراط الفورية ، وإلا فلا (١).

الثاني : لا يخفى أن الحكم بالتخيير في الأخبار المتقدمة معلق على عتق جميع الأمة ، وقضية ذلك أنه لو أعتق بعضها قليلا كان أو كثيرا فلا خيار ، وقوفا فيما خالف الأصل على مورده ، وبذلك صرح أيضا جملة من الأصحاب من غير نقل خلاف.

__________________

(١) أى : حيث لا يعلم باشتراط الفورية لا يكون التأخير دليلا على الرضا ، وهو ظاهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٥٠

الثالث : لو كانت صغيرة أو مجنونة ثبت لها الخيار عند الكمال ، قالوا : وليس للمولى هنا تولي الاختيار ، لأنه منوط بالشهوة والميل القلبي ، فلا يعتد بوقوعه من غيرها ، وإذا أكملت كان الخيار لها على الفور بناء على ما تقدم من وجوب الفورية ، وللزوج الوطي قبل الاختيار لبقاء الزوجية وعدم انفساخها ما لم تفسخ وهكذا في وطئها وهي كاملة قبل اختيارها الفسخ ، فإنه يجوز له الوطي حيث لا ينافي الفورية.

الرابع : لا فرق في ثبوت الخيار بين أن يحدث العتق قبل الدخول أو بعده ، فلو كان قبله سقط المهر ، لأن الفسخ جاء من قبلها وهو موجب لسقوط المهر كما تقدم ، وإن كان بعده فالمهر باق على حاله لاستقراره بالدخول ، وهو ظاهر فيما لو كان العتق بعد الدخول ، فإن العتق الذي هو سبب الخيار إنما وقع بعد استقرار المهر ، أما لو كان العتق قبل الدخول ثم حصل الدخول قبل الاختيار ـ لما عرفت آنفا من عدم المنافاة ـ فهو مبني على أن الفسخ إنما يرفع النكاح من حينه ، وإن كان سببه قد حصل قبل الدخول ، وحينئذ فقد استقر المهر ، وحيث يستقر باختيارها الزوج أو بالدخول قبل الفسخ فهو للسيد ، لوجوبه بالعقد على الأصح ، وكونها حالة العقد مملوكة ، هذا ملخص كلامهم.

الخامس : استثنى العلامة في القواعد من الحكم بتخيرها على الإطلاق صورة واحدة ، وهي ما إذا كان لشخص جارية قيمتها مائة مثلا ، وهو يملك مائة أخرى فزوجها بمائة ، ثم أعتقها في مرض الموت قبل الدخول ، وبعبارة أخرى إذا كان قد زوجها بثلث ماله وقيمتها ثلث اخرى وترك مالا بقدر قيمتها ، ثم أعتقها في مرضه ، أو أوصى بعتقها ووقع العتق قبل الدخول ، فإن تخيرها الفسخ يوجب سقوط المهر كما تقدم ، فلا ينفذ العتق في جميعها ، لانحصار التركة حينئذ في الجارية ومقدار قيمتها ، فيبطل العتق فيما زاد على الثلث فيبطل خيارها ، لاشتراطه بعتق جميعها كما سلف ، فيؤدي ثبوته إلى عدم ثبوته ، وهو دور ، ولا فرق

٢٥١

في ذلك بين وقوع التزويج في مرضه وعدمه ، لأن تزويجها لا يتضمن إتلافا ، بل اكتسابا للمهر ، نعم يشترط وقوع العتق في المرض إذا جعلنا منجزات المريض من الثلث ، أو كونه بطريق الوصية كما مثلناه ، ولو كان العتق في حال الصحة أو بعد الدخول ، فالتخيير بحاله ، كذا حققه شيخنا في المسالك.

السادس : مورد النص التي تقدمت أن الخيار للأمة لو أعتقت ، حرا كان زوجها أو عبدا على الأشهر الأظهر ، أما لو كان الزوج عبدا وأعتق ، فإنه لا خيار له لاختصاص النصوص بالأمة ، ولأن الله سبحانه قد جعل بيده الطلاق ، فله التخلص منها بالطلاق بخلاف المرأة ، ونقل عن بعض العامة أنه أثبت له الخيار قياسا على الزوجة ، ونقل ذلك عن ابن الجنيد من علمائنا على ما ذكره في المختلف حيث قال : وقال ابن الجنيد : فإن أعتق العبد وبقيت الزوجة أمة كان له الخيار دونها وفيه ما عرفت.

ونقل عن ابن حمزة أنه إن أعتق السيد عبده ولم يكرهه على النكاح لم يكن له الخيار ، وإن أكرهه كان له ذلك.

وقال في المختلف ـ بعد رد كلام ابن الجنيد بأنه قياس ، والقياس عندنا باطل ـ : أما لو أكرهه مولاه ، فإن الوجه ثبوت الخيار له كالحر المكره ، وكما لا خيار له فلا خيار أيضا لمولاه لعدم المقتضي في حقه ، وكذا لا خيار للزوجة حرة كانت أو أمة ، لأنها رضيت به عبدا فأولى بأن ترضى به حرا.

وقد ورد هذا التعليل في رواية على بن حنظلة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل زوج أم ولد له من عبد ، فأعتق العبد بعد ما دخل بها ، هل يكون لها الخيار؟ قال : لا ، قد تزوجته عبدا ورضيت به فهو حين صار حرا أحق أن

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٣ ح ٣٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٢ ب ٥٤ ح ٢.

٢٥٢

ترضى به» (١).

السابع : إذا زوج عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما معا ، وكذا لو كانا لمالكين فأعتقا دفعة واحدة ، فإن الخيار للزوجة كما تقدم.

أما ثبوت الخيار لها في صورة عتقها خاصة فيدل عليه ما رواه الكليني والشيخ (٢) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «وسألته عن الرجل ينكح بعبده أمته ثم أعتقها ، تخير فيه أم لا؟ قال : نعم تخير فيه إذا أعتقت».

وما رواه في التهذيب (٣) عن عبد الله بن سليمان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نكح أمته عبده وأعتقها ، هل تخير المرأة إذا أعتقت أو لا؟ قال : تخير».

وأما في صورة عتقهما معا دفعة واحدة الظاهر أن تخير الأمة هنا مبني على ما تقدم من الخلاف فيما إذا كان الزوج حرا وذلك لأن عتقهما دفعة اقتضى كون الحكم بخيارها حال حريته ، فلا يتم لها الخيار إلا على القول به.

والمحقق في الشرائع قد جمع بين اختصاص التخيير بما إذا كان الزوج عبدا وبين ثبوت الخيار لها إذا أعتقا دفعة ، ومثله ما في التحرير وهو لا يخلو عن غفلة

__________________

(١) أقول : ويعضده ما رواه في الكافي (ج ٥ ص ٤٨٧ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠٦ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٢ ب ٥٤ ح ١) عن ابى بصير وهو ليث المرادي فيكون الخبر صحيحا ـ عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام «في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فاحشة ، قال : فقال : لا يرجم حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق ، قلت : فللحرة عليه الخيار إذا أعتق؟ قال : لا ، قد رضيت به وهو مملوك فهو على نكاحه الأول».

قوله عليه‌السلام «لا يرجم حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق» فيه دلالة على أنه لا يستحق الرجم الا أن يكون محصنا ، والإحصان لا يحصل الا بعد مواقعة الحرة معتقا ، لأن الأمرين شرط في الإحصان الموجب للرجم كما قرر في محله. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٦ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٣ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٩ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٣ ح ٣٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦١ ح ١٠.

٢٥٣

لما عرفت من أن التخيير لها في صورة عتقهما معا دفعة واحدة إنما يتم على القول المشهور من عدم الفرق بين كون الزوج حرا أو عبدا لا على القول الآخر الذي هو مذهبه في الشرائع كما تقدم.

والعلامة في القواعد قد تنبه لذلك ، فرتب الحكم بتخيرها هنا على الخلاف المتقدم.

بقي هنا إشكال قل من تنبه له وهو أنه قد روى الكليني والشيخ (١) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا أعتقت مملوكيك رجلا وامرأته فليس بينهما نكاح ، وقال : إذا أحبت أن يكون زوجها كان ذلك بصداق». والمستفاد منه بطلان نكاح المملوكين بعتقهما معا ، والمعروف من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف كما عرفت هو التخيير لا البطلان ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف بين أصحابنا في جواز تزويج الرجل أمته بأن يجعل عتقها صداقها ، واعترف غير واحد منهم بأنه من الأصول المقررة إن تزويج الرجل أمته باطل إلا في هذه الصورة فإنه يجوز عند علمائنا أجمع للنصوص المستفيضة ، بل ادعى بعضهم وصولها إلى حد التواتر.

وأورد المحقق في نكت النهاية على هذا الحكم ـ بسبب مخالفته للأصول ـ سؤالات (٢) ، ثم تكلف الجواب عنها ، وقال في آخر كلامه : إنه بتقدير منا فإنها الأصل يجب المصير إليها لتحقيق مشروعيتها بالنقل المستفيض.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٦ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٣ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٢ ح ١.

(٢) أقول : ومجملها أنه كيف يجوز أن يزوج جاريته ، وهي مملوكة البضع بغير التزويج ، وكيف يتصور الإيجاب والقبول وهي مملوكة ، ثم المهر يجب أن يكون متحققا قبل العقد ، ومع تقديم التزويج الذي هو مذهب الأكثر لا يكون متحققا ثم يلوح منه الدور ، فان العقد لا يتحقق الا بالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا يتحقق الا بعد العقد. الى آخر كلامه زيد في إكرامه. (منه ـ قدس‌سره).

٢٥٤

وقريب منه كلام العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد كلام في المقام ـ : وبالجملة فلو كانت هذه المسألة منافية للأصول ، لكن بعد ورود النقل فيه يجب المصير إليه متابعة للنقل ، وتصير أصلا بنفسها ، كما صارت الدية على العاقلة أصلا ، انتهى.

أقول : وفيه تأييد أكيد وتشييد سديد لما قدمناه في غير موضع من أن الواجب الوقوف على ما وردت به الأخبار عنهم عليهم‌السلام وإن خالفت مقتضى القواعد المقررة بينهم ، وتخصيص تلك القواعد بها.

قال شيخنا في المسالك : والأصل فيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصطفي صفية بنت حي ابن أخطب من ولد هارون بن عمران عليه‌السلام في فتح خيبر وأعتقها ، وتزوجها ، وجعل عتقها مهرها بعد أن حاضت حيضة (١).

أقول : ولا بأس بنقل جملة من الأخبار الواردة بذلك ، ومنها ما رواه في الكافي (٢) عن عبيد بن زرارة في الحسن «أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا قال الرجل لأمته : أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك ، فهو جائز».

وعن سماعة بن مهران (٣) في الموثق قال : «سألته عن رجل له زوجة وسرية يبدو له أن يعتق سريته ويتزوجها ، فقال : إن شاء اشترط عليها ، أن عتقها صداقها فإن ذلك حلال ، أو يشترط عليها ، إن شاء قسم لها ، وإن شاء لم يقسم ، وإن شاء فضل الحرة عليها ، فإن رضيت بذلك فلا بأس».

وعن الحلبي (٤) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ٣٤ طبعة طهران الجديدة.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٦ ح ٣ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٠١ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٠٩ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧٦ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٠٩ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٧٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٠٩ ح ٣.

٢٥٥

الرجل يعتق الأمة ويقول : مهرك عتقك؟ فقال : حسن».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تكون له الأمة فيريد أن يعتقها فيتزوجها ، أيجعل عتقها مهرها ، أو يعتقها ثم يصدقها؟ وهل عليها منه عدة؟ وكم تعتد إن أعتقها؟ وهل يجوز له نكاحها بغير مهر؟ وكم تعتد من غيره؟ فقال : يجعل عتقها صداقها إن شاء ، وإن شاء أعتقها ثم أصدقها ، وإن كان عتقها صداقها فإنها تعتد ولا يجوز نكاحها إذا أعتقها إلا بمهر ولا يطأ الرجل المرأة إذا تزوجها حتى يجعل لها شيئا وإن كان درهما».

وعن عبيد بن زرارة (٢) في الصحيح أو الحسن بثعلبة وهو ابن ميمون «أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا قال الرجل لأمته : أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك ، فهو جائز».

وما رواه الشيخ (٣) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أيما رجل شاء أن يعتق جاريته ويتزوجها ويجعل عتقها صداقها فعل».

وعن عبيد بن زرارة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : رجل قال لجاريته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك؟ قال : فقال : جائز».

وما رواه الشيخ في الأمالي (٥) بسنده فيه عن صفية «قالت : أعتقني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل عتقي صداقي».

إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ في المقام.

وكيف كان فتحقيق البحث في هذه المسألة يستدعي بسط الكلام في مواضع :

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٦ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٠٩ ب ١١ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٠٩ ب ١١ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢٠١ ح ١٢ وفيه «صداقها عتقها» الوسائل ج ١٤ ص ٥١٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٢٠١ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٠ ح ٦.

(٥) الأمالي ص ٢٥٨ الوسائل ج ١٤ ص ٥١٠ ح ٨.

٢٥٦

الأول : اختلف الأصحاب في الصيغة الموجبة لهذا الحكم من صحة التزويج وحصول العتق وكونه عوضا عن المهر ، فلا يجب عليه مهر بعد ذلك ، فهل يشترط تقديم التزويج على العتق أو عكسه؟ أو يجوز الكل منهما؟ الأكثر منهم على الأول وذهب الشيخ في الخلاف وقبله الشيخ المفيد ـ رحمه‌الله ـ إلى اشتراط تقديم العتق ، اختاره العلامة في المختلف والإرشاد ، وإلى القول الثالث ذهب المحقق في الشرائع وجملة من المتأخرين منهم السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده في المسالك ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.

واستدل على القول الأول بما رواه الصدوق في الفقيه (١) عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك ، فقال : أعتقت وهي بالخيار ، إن شاءت تزوجته ، وإن شاءت فلا ، فإن تزوجته فليعطها شيئا ، فإن قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإن النكاح واقع ولا يعطيها شيئا» (٢).

روى هذه الرواية الشيخ في التهذيب مرسلة عن علي بن جعفر ، فلذا ردها في المسالك بالضعف بناء على رواية الشيخ لها ، ولم يطلع على رواية الصدوق لها بالطريق الصحيح ، ومن العجب أيضا أنه في المسالك نقل عجز الرواية بهذه الصورة «وإن قال : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإن النكاح باطل لا يعطيها شيئا» فجعل محل قوله «واقع» في الرواية لفظ «باطل» وقال بعد ذلك في دفع دلالة الرواية على مطلوبهم : ويدل عليه تصريحه بالبطلان في رواية علي بن جعفر مع

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٠١ ح ١٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦١ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١٠ ح ١.

(٢) أقول وبهذه الرواية أفتى الصدوق في المقنع فقال : وإذا قال الرجل لأمته : أعتقتك وأجعل عتقك مهرك فقد عتقت ، وهي بالخيار ان شاءت تزوجته ، وان شاءت لم تزوجه ، وان تزوجته فليعطها شيئا ، وان قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، فان النكاح واجب ولا يعطيها شيئا وقد عتقت ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٥٧

تقديم التزويج الذي هو مطلوبهم ، ولم ينقلها ناقل غيره بهذه الكيفية ، لا في كتب الحديث ، ولا في كتب الاستدلال.

والتقريب في الاستدلال بالرواية المذكورة أنه عليه‌السلام حكم بالعتق دون التزويج في صورة تقديم العتق ، وحكم بالتزويج والعتق معا في صورة تقديم التزويج.

ورد بأنه يجوز أن يكون حكمه عليه‌السلام ببطلان النكاح في الصورة الأولى إنما استند الى عدم ذكر التزويج في هذه الصيغة ، لا إلى تقديم العتق على التزويج ، إذ لفظ التزويج غير مذكور في السؤال ، وغاية ما ذكر فيها العتق والمهر فجاز أن يكون البطلان إنما نشأ من الإخلال بهذا اللفظ ، لا من تقديم العتق عليه.

ونحو هذه الرواية رواية محمد بن آدم (١) عن الرضا عليه‌السلام «في الرجل يقول لجاريته : قد أعتقتك وجعلت صداقك ، عتقك ، قال : جاز العتق ، والأمر إليها ، إن شاءت زوجته نفسها وإن شاءت لم تفعل ، فإن زوجته نفسها فأحب له أن يعطيها شيئا».

والتقريب التقريب المتقدم ، والجواب عن ذلك الجواب المتقدم ، ويزيده أن القائل بالصحة على تقدير تقديم العتق يعتبر معه التصريح بالتزويج ، وهو منتف في الروايتين المذكورتين.

أقول : ظاهر رواية عبيد بن زرارة المتقدم نقلها عن التهذيب صحة النكاح وحصول العتق بقوله «أعتقتك وجعلت عتقك مهرك» فإن قوله عليه‌السلام «جائز» إنما هو بمعنى الصحيح لأنه لا وجه للحمل على العقد المتزلزل هنا ، بل هو إما صحيح أو باطل ، وهو بظاهره مخالف لما دل عليه صحيح علي بن جعفر ، ورواية محمد بن آدم من عدم صحة النكاح ، وإنما الثابت العتق خاصة ، إلا أن يحمل الجواز في كلامه عليه‌السلام على جواز العتق خاصة كما هو مدلول الخبرين المذكورين ، ويحتمل أيضا أن لفظ «التزويج» سقط من هذا الخبر بناء على رواية صاحب الكافي له بزيادة

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٠١ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥١١ ح ٢.

٢٥٨

لفظ «التزويج» كما سلف.

وبالجملة فإنه لا بد من ارتكاب التأويل فيه بما يخرجه عن المخالفة للخبرين المذكورين ، وفي المسالك أورد هذا الخبر دليلا للقول بما ذهب إليه الشيخ في الخلاف من اشتراط تقديم العتق في صحة النكاح ، ثم أطال فيما أورد على الاستدلال به والجواب عن ذلك ، والأظهر ما عرفت من أنه على ظاهره لا يخلو من الاشكال ، فلا بد من ارتكاب التأويل فيه.

واحتج القائلون بالقول الثاني ـ كما أشار إليه المحقق في الشرائع ـ بأن بضع الأمة مباح لمالكها بدون العقد ، فلا يستباح بالعقد ، فلا بد من تقديم العتق ليقع العقد على الحرة.

ورد بأن الكلام إنما يتم بآخره ، ولو لا ذلك لم يصح جعل العتق مهرا ، لأنه لو حكم بوقوعه بأول الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المأتي به بعد.

أقول : ومن ذلك ظهر وجه القول الثالث ، وهو الأظهر ، ومرجعه إلى أنه لا فرق بين تقديم لفظ التزويج أو العتق ، لأن الكلام جملة واحدة إنما يتم بآخره.

ومما يدل على الصحة مع تقديم لفظ التزويج صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

ووما يدل على الصحة مع تقديم لفظ العتق صحيحة عبيد بن زرارة المتقدم نقلها عن الكافي ، وفي معناها رواية محمد بن مسلم المتقدمة أيضا ، وعلى هذا يحمل إجمال باقي روايات المسألة مما قدمناه وغيره ، فإن اشتمل الكلام على العتق والتزويج حكم بهما من غير نظر إلى تقدم خصوص واحد منهما ، وإن اشتمل على العتق خاصة فإنما يحكم به خاصة.

الثاني : لو قال : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، فهل يكفي في العتق عن الإتيان بلفظ أعتقتك؟ الأشهر الأظهر الأول ، وعليه يدل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

٢٥٩

قال في المختلف : ألفاظ علمائنا وما ورد في الأخبار يدل على الاكتفاء بقوله تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، وإن لم يقل أعتقتك أو أنت حرة ، بل يقع العتق بقوله وجعلت عتقك مهرك ، كما لو أمهر امرأة ثوبا وقال لها : قد تزوجتك وجعلت مهرك هذا الثوب ، فإذا قبلت ملكته بالقبول ، فكذا لو جعل العتق مهرا فإنها تملك نفسها بالقبول ، ولا حاجة إلى النطق بالعتق وغير ذلك ، انتهى وهو جيد.

ونقل عن ظاهر المفيد وأبي الصلاح أنهما اعتبرا لفظ أعتقتك ، لأن العتق لا يقع إلا بالصيغة الصريحة ، وهو التحرير أو الإعتاق ، فلا بد من اللفظ بأحدهما.

ورد ـ بعد تسليم انحصار العتق في هاتين الصيغتين ـ بأن هذا العقد قد ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة التي لا سبيل إلى ردها ، فلا يقدح فيه مخالفته للأصول المقررة سيما مع ما عرفت آنفا من أن أصل هذه المسألة إنما بني على خلاف الأصول المقررة والقواعد المعتبرة ، وظاهره في المختلف اختيار ما ذهب إليه الشيخ المفيد وأبو الصلاح (١) بعد اعترافه بأن الأول هو الوارد في الأخبار ، وتعليله ذلك زيادة على دلالة الأخبار بما قدمنا نقله عنه ، وهو لا يخلو من تعجب.

الثالث : الظاهر كما استظهره العلامة في المختلف وجمع من المتأخرين أنه لا حاجة إلى القبول هنا من المرأة ، وذلك لأن مستند شرعية هذا العقد هو النصوص المستفيضة ، وهي خالية من اعتبار ذلك إذ ليس في شي‌ء منها ما يدل على ذلك ، ولأنها حال الصيغة مملوكة ، فلا اعتبار برضاها ، ولأن رضاها لو كان معتبرا لبطل ما وقع من المولى ، لأنه قائم مقام القبول ، حيث إنه وظيفته ، ووظيفة الإيجاب من جهتها ، ولأنه لا بد من كمال المتعاقدين حال الإيجاب والقبول ، وهو منتف هنا ، واحتمل جملة من الأصحاب اشتراط القبول كغيره من العقود

__________________

(١) فإنه بعد أن نقل عن أبي الصلاح أن صيغته مع تكامل الشروط أن يقول سيدها قد أعتقتك وتزوجتك وجعلت عتقك صداقك قال : وهو المعتمد وهو قول شيخنا المفيد في مقنعته أيضا ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٦٠