الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

قال ـ : لأنه واقع بغير إذن السيد ولا أثر لصحته ظاهرا إذا تبين فساده بعد ذلك ، ودعوى كون الفسخ لا يفسده من أصله غير سديد. انتهى ، وهو جيد.

وقد تقدم الكلام في ذلك ، وأن الأظهر بطلان المسمى لظهور بطلان العقد الذي اشتمل عليه ، نعم يتم القول بالصحة لو أجاز السيد العقد ، بناء على ما يدعونه من كون العقد فضوليا ، وأن الإجازة كاشفة.

وقيل : مهر المثل ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط ، ونقله فخر المحققين عن ابن حمزة ، كما نقل الأول عن القاضي ابن البراج ، وغلطه الشهيد في شرح الإرشاد في كل من النقلين بأنهما قائلان بالقول الثالث. وقد علم وجه هذا القول مما تقدم في غير مقام من أن مرجعه إلى نكاح الشبهة ، والواجب في نكاح الشبهة إنما هو مهر المثل ، ووجهه هنا أنه لا ريب أن الجارية ملك للغير ، والنكاح موقوف على رضاه ، وحيث لم يرض فالنكاح باطل ، إلا أنه قد حصل الوطي المحرم بسبب الجهل ، فصار نكاح شبهة فوجب مهر المثل ، هذا عندهم إذا لم يجز المولى ، وإلا فلو أجاز وقلنا بأن الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حينه لا من حينها ، فإن الواجب حينئذ هو المسمى ، إلا أنك قد عرفت ما فيه.

وقيل : بوجوب عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والقاضي ابن البراج وابن حمزة ، ومستندهم في ذلك صحيحة الوليد بن صبيح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدتها أمة قد دلست نفسها له ، قال : إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه قال : إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شي‌ء له عليها ، وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٩ ح ٥٧ وص ٤٢٢ ح ١ وفيهما اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٧ ح ١ ، وفيه اختلاف يسير.

٢٢١

وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فإن جاءت بولد؟ قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى».

قال في المسالك : وينبغي أن يكون العمل بها لصحتها ، وربما حملت على ما إذا طابق العشر أو نصفه المهر المثل ، وهو بعيد ، ومن الجائز اختصاص الأمة بهذا الحكم وجعل مهر المثل للحرة أو للأمة أيضا في غير موضع النص. انتهى وهو جيد ، فإن الرواية لا معارض لها في المقام إلا ما ذكروه من تلك التعليلات مع إمكان الجمع بما ذكره ـ رحمه‌الله ـ وتخرج صحيحة الفضيل المتقدمة مؤيدا لذلك.

الثاني : في حكم الولد ، وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف فيه بالحرية والرقية ، ونقل في المسالك القول بالرقية عن الشيخ وأتباعه واختاره المحقق في الشرائع ، مع أنه قد حكم في سابق هذه المسألة أن الولد مع الشبهة الجارية على الأب يكون حرا ، وإن لزمه فكه بالقيمة ، وما نحن فيه من قبيل ذلك ، لأن المفروض اشتباه الحال عليه كما عرفت.

وبالثاني من القولين المذكورين صرح السيد السند في شرح النافع واستدل على القول بالرقية بحسنة زرارة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرة فوثب عليها رجل فتزوجها ، فظفر بها مواليها بعد ذلك وقد ولدت أولادا ، فقال : إن أقام البينة الزوج على أنه تزوجها على أنها حرة أعتق ولدها ، وذهب القوم بأمتهم ، وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده».

وعد هذه الرواية في الحسن بناء على رواية الشيخ لها في التهذيب عن عبد الله بن يحيى ولكن الذي في الكافي إنما هو عبد الله بن بحر مكان عبد الله بن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٠ ح ٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٨ ح ٣.

٢٢٢

يحيى ، ولعله الأقرب فتكون الرواية ضعيفة بهذا الاصطلاح.

وموثقة سماعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مملوكة أتت قوما فزعمت أنها حرة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولدا ، ثم إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة ، وأقرت الجارية بذلك ، فقال : تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم تصير إليه ، قلت : فإن لم يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال : يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده ، قلت : فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟ قال : فعلى الامام أن يفتديه ، ولا يملك ولد حر».

واستدل السيد في شرح النافع على الحرية كما قدمنا نقله عنه بصحيحة الوليد بن صبيح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المتقدمة لقوله في آخرها «أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى». وعلى وجوب القيمة على الأب بصحيحة محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج جارية على أنها حرة ، ثم جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها جاريته ، قال : يأخذها ويأخذ قيمة ولدها». ثم قال : وفي هذه الرواية دلالة على حرية الولد أيضا.

وأنت خبير بأن الرواية الاولى لا دلالة فيها على القيمة ، والثانية لا دلالة فيها على الحرية ، فقوله «وفي هذه الرواية دلالة على حرية الولد» لا أعرف له وجها.

والشيخ قد حمل صحيحة الوليد على أحد وجهين : أحدهما أن يكون قد شهد شاهدان عنده أنها حرة والثاني أن يكون الأب قد رد ثمنهم.

واحتمل بعضهم أن هذا الكلام منه عليه‌السلام على جهة الإنكار دون الاخبار

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٠ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٩ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٩ ح ٥٧ وص ٤٢٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٧ ح ١ ، وما في المصادر اختلاف يسير مع ما ذكره ـ قدس‌سره.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٢ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٠ ح ٨.

٢٢٣

بقرينة الشرط ، وهو قريب ، بل الظاهر أنه أقرب من حملي الشيخ.

ومن أخبار المسألة موثقة سماعة (١) قال : «سألته عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها ، وأخبرتهم أنها حرة فتزوجها رجل منهم فولدت له ، قال : ولده مملوكون إلا أن يقيم البينة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة ، فلا تملك ولده ويكونون أحرارا».

وفي هذا الخبر دلالة على ما دلت عليه رواية زرارة (٢) المتقدمة من حرية الولد إن أقامت البينة على ما ادعت من الحرية ، وتزوجها الرجل بناء على ذلك ، وإلا فالولد رق ، وهي مؤيدة للقول المشهور برقية الولد بناء على ظاهر الحال ، وهي بالنسبة إلى فك الولد بالقيمة مطلقة ، فيحمل إطلاقها في ذلك على ما تضمنته موثقة سماعة (٣) المتقدمة ، وكذا صحيحة محمد بن قيس من وجوب فك الأب له بالقيمة جمعا بين الأخبار.

ومنها موثقة محمد بن قيس (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى علي عليه‌السلام في امرأة أتت قوما فأخبرتهم أنها حرة ، فتزوجها أحدهم وأصدقها صداق الحرة ثم جاء سيدها ، فقال : ترد إليه وولدها عبيد».

وهذه الرواية أيضا صريحة في الرقية كما هو القول المشهور ، وأما بالنسبة إلى فكه بالقيمة فهي مطلقة ، فيجب تقييد إطلاقها بما في الصحيحة المتقدمة الدالة على أن المولى يأخذ قيمة الولد ، وأخذ القيمة هو الأنسب بالرقية لا بالحرية

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٩ ح ٥٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٨ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٠ ح ٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٨ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٠ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٩ ح ٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٩ ح ٥٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٨ ح ٤.

٢٢٤

كما توهمه السيد السند في شرح النافع فيما قدمنا نقله عنه حتى ادعى أنها دالة على حرية الولد.

وبالجملة فإنه يحصل من الجمع بين روايتي محمد بن قيس المذكورتين باعتبار اشتمال الاولى على أنه يأخذ قيمة الولد أعم من أن يكون حرا أو رقا ، واعتبار اشتمال الثانية على أن ولدها عبيد من غير تعرض للقيمة ، هو أنهم عبيد للسيد ، ولكن يجب على الأب فكهم بالقيمة ، وسند هذا الجمع موثقة سماعة الأولى الدالة على أنها تدفع هي وولدها إلى مولاها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر لي من تدبر هذه الأخبار ـ بعد ضم بعضها إلى بعض من غير فرق فيها بين ضعيف وصحيح ـ هو أن الزوج إن كان قد تزوجها بعد ثبوت دعوى الحرية بالشاهدين فأولاده أحرار ولا يجب عليه فكهم بالثمن ، لأنه إنما تزوج حرة باعتبار ظاهر الشرع فلا وجه للقيمة هنا بالكلية ، وإن تزوجها على ظاهر الحرية بالتقريب الذي تقدم صدر المسألة ، فالولد يكون رقا ، ويجب عليه فكه بالقيمة.

ويمكن توجيه ذلك بعد ورود النص به كما عرفت ، فيكون بيانا لوجه النص لا علة في الحكم ، بأن يقال : إنه لما كانت مملوكة ولم يأذن المالك في تزويجها ولم يكن التزويج على نحو الشاهدين الموجب للثبوت شرعا كان فيه شائبة من الزنا الموجب لرقية الولد ، ولما كان ذلك راجعا إلى الشبهة الموجبة لحرية الولد كان الجمع بين الأمرين بالرقية مع الفك بالقيمة.

نعم صرح ابن إدريس بأن القيمة في صورة شهادة الشاهدين وإن لم يكن على الأب إلا أنها على الشاهدين كما سيأتي نقله إن شاء الله.

وفصل العلامة في المختلف فقال : إن رجعا لم يلتفت إلى رجوعهما وضمنا لمولاها قيمة الجارية والولد والمهر ، وإن ثبت تزويرهما نقض الحكم وكان الولد

٢٢٥

حرا ، وعلى الأب دفع قيمته يوم سقط حيا. إلى آخره.

أقول : لا يخفى أن أخبار المسألة هنا خالية عن التعرض للقيمة في هذه الصورة ، وإنما تضمنت القيمة في صورة التزويج على ظاهر الحال المحكوم فيه برقية الولد لا في صورة الشاهدين المحكوم فيها بالحرية ، والظاهر أن ما ذكره ابن إدريس من أن القيمة على الشاهدين ، وذكره هو بالنسبة إلى رجوعهما هو الأوفق بالقواعد الشرعية كما نبهنا عليه ، والفرق في ذلك بين رجوعهما وثبوت تزويرهما ـ كما ذكره العلامة ـ لا أعرف له وجها.

وأما ما ذهب إليه السيد السند من حرية الولد كما قدمنا نقله عنه استنادا إلى صحيحة الوليد بن صبيح ، حيث إن سندها صحيح باصطلاحه ، وهو ممن يتهافت على صحة السند ، فهو عندنا غير مرضي ولا معتمد ، والروايات التي ذكرناها كما عرفت كلها دالة على الرقية ، والصحيحة المذكورة يمكن تأويلها بما قدمنا ذكره ، والجمع بينها وبين باقي الأخبار يقتضيه.

وأما على ما ذكره واختاره فإنه يلزم طرح هذه الأخبار مع ما هي عليه من الصراحة وقوة الأسانيد أيضا.

وبما ذكرنا من الحرية مع البينة والرقية بدونها ، صرح الشيخ في النهاية حيث قال : فإن عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة الشاهدين لها بالحرية ويرزق منها أولادا كان أولادها أحرارا ، وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم يقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا لمولاها ، ويجب عليه أن يعطيهم أباهم بالقيمة ، وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم ، فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم ، فإن أبى كان على الامام أن يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، ولا يسترق ولد حر. انتهى ، وإليه يرجع كلامه في كتابي الأخبار حيث حمل صحيحة الوليد بن صبيح على أحد الحملين المتقدمين.

٢٢٦

تذنيبات

الأول : لو دلسها عليه مدلس فزوجها منه على أنها حرة فظهرت أمة ، فهل يحكم على الولد بالحرية أو الرقية؟ الذي صرح به جملة من الأصحاب منهم ابن حمزة وابن إدريس هو الأول.

قال ابن حمزة : إن تزوجها بغير إذن مولاها فأقسامه خمسة :

(الأول) دلسها عليه أحد بالحرية ، فيرجع بالمهر على المدلس ، ويكون الولد حرا ، وللسيد عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا ، وأرش العيب إن عابت بالولادة ، وإن دلسها مولاها سقط المهر المسمى ولزم مهر المثل ، ودفع بالمهر على سيدها وتحرر الولد.

(الثاني) شهد الشاهدان لها بالحرية ، فيرجع بالمهر على الشاهدين ، وباقي الأحكام على ما ذكر.

(الثالث) تزوجها بظاهر الحال على الحرية ، فيكون النسب لاحقا والولد رقا ، وله الرجوع إليها بالمهر ، وعليه للسيد ما ذكرناه من عشر القيمة أو نصفه ، ويجب على السيد أن يبيع الولد من أبيه ، ولزم الأب قيمته ، فإن عجز استسعى فيها ، فإن لم يسع دفع الامام عليه‌السلام قيمته للسيد من سهم الرقاب. إلى آخره (١).

وقال ابن إدريس : وإن عقد عليها على ظاهر الحال بشهادة الشاهدين لها بالحرية ورزق منها أولادا كانوا أحرارا ، ويجب على الشاهدين ضمان المهر إن

__________________

(١) وتمام عبارته هكذا : (الرابع) علم الرقية ولم يعلم التحريم ، فيكون الولد رقا ، ويلزم المسمى ، ويلتحق النسب ، ويضمن أرش العيب والفرق.

(الخامس) أن يعلم الرق والتحريم ، فيكون زانيا ان لم يرض السيد بالعقد ، ويكون الولد رقا ، والنسب غير لاحق ، والمهر غير لازم ، والأرش مضمونا ، وعشر القيمة ان كانت بكرا ، ونصف العشر ان كانت ثيبا ، وان رضى السيد بالعقد صح النكاح ، انتهى.

(منه ـ رحمه‌الله ـ).

٢٢٧

كان الزوج سلمه إليها ، وقيمة الأولاد يوم وضعهم أحياء ، لأن الشهود الزور يضمنون ما يتلفون بشهاداتهم ، بغير خلاف بيننا ، والإجماع منعقد على ذلك.

وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم يقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا لمولاها ، ويجب عليه أن يعطيهم أباهم بالقيمة ، وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم ، فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم على ما روي في الأخبار ـ إلى أن قال : ـ وإذا عقد على امرأة بظن أنها حرة ، والذي عقد عليها كان قد دلسها وكانت أمة ، كان له الرجوع عليه بمهرها إن كان قد قبضته ، فإن رزق منها أولادا كانوا أحرارا.

وقال أبو الصلاح : وإذا تزوج الحر بامرأة على أنها حرة فخرجت أمة ، فولدها لاحقون به ، ويرجع بقيمة الولد والصداق على من تولى أمرها ، وإن كانت هي التي عقدت على نفسها لم ترجع على أحد بشي‌ء.

أقول : اشتركت هذه العبارات في الحكم بحرية الولد في صورة التدليس ، إلا أن كلام أبي الصلاح صريح في الرجوع بقيمة الولد على المدلس كما يرجع الزوج بالصداق إذا كان قد قبضته ، وكلام ابن حمزة إنما تضمن الرجوع بالصداق خاصة ، وهو بالنسبة إلى قيمة الولد ، وكلام ابن إدريس مطلق بالنسبة إلى الأمرين أعني المهر وقيمة الولد.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : رجل كان يرى امرأة تدخل على قوم وتخرج فسأل عنها فقيل له إنها أمتهم واسمها فلانه ، فقال لهم : زوجوني فلانة ، فلما زوجوه عرفوا على أنها أمة غيرهم ، قال : هي وولدها لمولاها ، قلت : فجاء إليهم فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم فزوجوه وهو يرى أنها من أنفسهم ، فعرفوا بعد ما أولدها أنها أمة ، قال : الولد له وهم ضامنون لقيمة الولد

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٦ ح ١١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٩ ح ٧.

٢٢٨

لمولى الجارية».

وما رواه في الكافي (١) عن إسماعيل بن جابر أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوجني ابنتك ، فزوجه غيرها ، فولدت منه فعلم بعد أنها غير ابنته ، وأنها أمة ، فقال : يرد الوليدة على مولاها ، والولد للرجل ، وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه».

وهما ظاهران في الحكم بحرية الولد ، لأنه لا معنى لقوله في الأول الولد له ، وفي الثاني والولد للرجل ، إلا اللحوق به في الحرية ، وأنهم أحرار مثله وصريحان أيضا في وجوب القيمة على المدلس لمولى الجارية لأن الولد نماء ملكه وحينئذ فيجب حمل إطلاق عبارتي ابن إدريس وابن حمزة على ما دل عليه الخبران المذكوران من وجوب القيمة على المدلس كما صرح به أبو الصلاح ، وبما ذكر هنا وفيما تقدم تجب القيمة في صورة التدليس على المدلس مع الحكم بالحرية ، وتجب أيضا في صورة التزويج على ظاهر الحال على الأب مع الحكم بالرقية على ما يستفاد من الأخبار في المقامين.

وإنما يبقى الكلام في صورة شهادة الشاهدين ، من وجوب القيمة على الشاهدين كما ذكره ابن إدريس ، أو التفصيل الذي تقدم نقله عن العلامة حيث إن الأخبار خالية من التعرض لذلك ، إلا أن الظاهر أن الأقرب ما ذكره ابن إدريس ، والله العالم.

الثاني : قد صرح الشيخ فيما تقدم من عبارته المنقولة عن النهاية أن الأب إن أبى عن الاستسعاء في قيمة الولد كان على الامام عليه‌السلام أن يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب.

وابن إدريس قد اعترضه هنا فقال ـ بعد نقل ذلك عنه ـ : والذي يقتضيه

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٨ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠٢ ح ١.

٢٢٩

أصول المذهب أن الامام لا يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، ولا يجوز أن يشتروا من سهم الرقاب من الزكاة ، لأن ذلك مخصوص بالعبيد والمكاتبين ، وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين بل أحرار في الأصل ، انعتقوا كذلك ، ما مسهم رق أبدا ، لأنه قال عليه‌السلام «ولا يسترق ولد حر» وصفه بأنه حر ، فكيف يشترى الحر من سهم الرقاب ، وإنما أثمانهم في ذمة أبيهم ، لأن من حقهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم ، فلما حال الأب بينه وبينهم بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء أحرارا ، وهو وقت الحيلولة ، انتهى.

والعجب منه أنه قد وافق الشيخ في هذه الصورة ـ أعني صورة التزويج ـ بناء على ظاهر الحال ، فقال برقية الولد فيها كما قدمنا نقله عنه في عبارته السابقة وأوجب السعي على أبيه في قيمته ، فكيف يوافقه على رقية الولد ويمنع من إعطائه من سهم الرقاب ، مدعيا حريتهم ـ وأنهم ما مسهم رق أبدا مستندا إلى جعل «حر» في الرواية «صفة ولد» ـ ومع عدم تعينه لذلك لاحتمال الإضافة بل هو أظهر مناقض لما صرح به من الرقية في المسألة.

وكيف كان فكلام الشيخ مبني على الرقية ، وكلامه مبني على الحرية ، فهذا الإنكار منه مصادرة لأن الشيخ لا يقول بالحرية حتى أنه يرد عليه ما ذكره.

نعم قد ناقش بعض المتأخرين في جعل الشيخ ذلك من الزكاة من سهم الرقاب ، مع أن الرواية ليس فيها «إلا أنه على الامام أن يفديه» وهو أعم من كونه من سهم الرقاب أو غيره ، ويجوز أن يكون من بيت المال لأنه معد للمصالح.

وفيه أنه متى قيل بالرقية كما هو اختيار الشيخ فجعله من سهم الرقاب أوجه كما صرح به ونازع بعض المتأخرين أيضا في وجوب استسعاء الأب مع عجزه ، وأوجب النظر إلى يساره ، لضعف الرواية ، لأنه من جملة الديون «وقد قال الله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» (١) وحمل الرواية على الاستحباب

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٨٠.

٢٣٠

أقول فيه : إن هذا إنما يتم بناء على القول بالحرية كما هو ظاهر كلام ابن إدريس المذكور هنا حيث صرح بالحرية ، وادعى أن أثمانهم في ذمة أبيهم ، ونحوه كلام العلامة في المختلف (١).

وأما على القول بالرقية كما هو ظاهر الأخبار سيما موثقة سماعة ، فإنه غير تام ، إذ الولد رق للمولى ، والواجب على الأب السعي لفك ابنه من الرقية بكل وجه تمكن منه ، ولو تعذر وجب على الامام عليه‌السلام فكه له ، ولا يجب على المولى دفعه إلى الأب إلا بالقيمة ، لقوله عليه‌السلام في الرواية المذكورة «ويدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته». وليس هنا دين بالكلية ، ومما هو ظاهر في الرقية دون الحرية في الصورة المذكورة قوله عليه‌السلام في رواية زرارة المتقدمة ، «وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده» ، وقوله عليه‌السلام في موثقة سماعة الثانية «وولده مملو كون إلا أن يقيم البينة» الحديث ، وقوله في موثقة محمد بن قيس «وولدها عبيد». فأي دليل في الحكم بالرقية أصرح من هذه

__________________

(١) قال العلامة في المختلف : والتحقيق أن تقول : إذا شهد اثنان لها بالحرية فإن رجعا لم يلتفت الى رجوعهما وضمنا لمولاها قيمة الجارية والولد والمهر ، وان ثبت تزويرهما نقض الحكم وكان الولد حرا ، وعلى الأب دفع قيمته يوم سقط حيا ، فان عجز فالوجه الانظار به الى اليسار ، ولا يجب الاستسعاء ولا الأخذ من بيت المال ، وان كان جائزا ، لكنه غير واجب ، لانه من المصالح ، وكذا الحكم لو تزوجها على ظاهر الحال بالحرية من غير أن يشهد لها أحد به ، لانه مال ثبت في ذمته ، وهو عاجز عنه ، فينظر إذا به.

ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بموثقة سماعة الأولة منهما فيما قدمنا نقله ، ثم أجاب بالطعن في السند والحمل على الاستحباب.

وكلامه كما ترى مبنى على الحكم بالحرية في كل صورة تزوير الشاهدين ، والصورة التي هي محل البحث وهو التزويج على ظاهر الحال ، مع أنك قد عرفت مما في الأصل تصريح الاخبار في الصورة الثانية بالرقية ، وأن وجوب القيمة على الأب انما هو لذلك : لا أنه حر ويجب على الأب أن يدفع قيمته لو كان رقا. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٣١

الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار.

وظاهر هذه الأخبار أن الأولاد لا يتصفون بالحرية إلا بعد دفع القيمة إلى المولى من الأب أو الامام ، وإلا فهم على الرق ، لا أنهم قد ولدوا على الحرية كما ادعاه ابن إدريس فيما تقدم من كلامه ، وهو ظاهر من كلام العلامة في المختلف أيضا.

قال في المسالك بعد ذكر القولين أعني الحرية والرقية : وتظهر فائدة القولين ـ مع اتفاقهما على وجوب دفع القيمة وحريته بدفعها ـ فيما لو لم يدفعها لفقر أو غيره ، فعلى القول بحريته تبقى دينا في ذمته والولد حر ، وعلى القول الآخر يتوقف على دفعها وهو ظاهر فيما قلناه ، وواضح فيما ادعيناه. ثم قال أيضا على أثر هذا الكلام :

وأما الحكم باستسعاء الأب في الثمن فمبني على رواية سماعة ، وسندها ضعيف ، وهو من جملة الديون ولا يجب الاستسعاء بها بل ينظر إلى اليسار لعموم قوله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» وهذا أقوى ، ويمكن حمل الأمر بالاستسعاء على الاستحباب ، انتهى.

وفيه أنه قد صرح بأن القيمة يكون دينا في ذمته ، وإنما هو على تقدير القول بالحرية ، وأما على تقدير الرقية فلا دين بالكلية ، وإنما غاية الأمر أن الحرية تتوقف على الشراء ودفع القيمة ، بمعنى أنه يجب عليه الشراء ، وقبل وقوع الشراء. فالذمة غير مشغولة بالثمن ، فلا وجه لتعلقها بالذمة على هذا القول ، وحينئذ فحق الكلام أن يقال : وأما الحكم باستسعاء الأب في الثمن فهو مبني على القول بالرقية ، ورواية سماعة إنما صرحت بالاستسعاء لما تضمنته من القول بالرقية ، وقد عرفت دلالة جملة من الأخبار على ذلك أيضا ، فلا معنى لقصر الحكم على رواية سماعة والطعن فيها بالضعف ، ولا معنى لجعله ذلك من الديون بناء على هذا القول ، بل كونه من الديون إنما هو على القول بالحرية كما

٢٣٢

اعترف به ، وبالجملة فكلامهم هنا بمعزل عما دلت عليه روايات المسألة.

الثالث : ما تقدم كله بالنسبة إلى التدليس من جهة الزوجة بأن كانت أمة قد دلست نفسها ، أو دلسها آخر بأنها حرة.

أما العكس بأن تتزوج الحرة بالعبد الغير المأذون له في التزويج ، قالوا : فإن كانت عالمة بعدم الاذن لم يكن لها مهر ، ولا نفقة مع علمها بالتحريم ، وكان أولادها منه رقاقا ، ولو كانت جاهلة كانوا أحرارا ولا يجب عليها قيمتهم ، وكان مهرها لازما لذمة العبد إن دخل بها يتبع به إذا تحرر ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :

الأول : إنه لا ريب أنه متى علمت بالتحريم فإنه لا مهر لها ولا نفقة ، لأنها بغي خصوصا مع علمها بحاله.

ويدل عليه ـ مع كونه الأوفق بالقواعد الشرعية ـ ما رواه الكليني والصدوق (١) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيما امرأة حرة تزوجت نفسها عبدا بغير إذن مواليه ، فقد أباحت فرجها ولا صداق لها». وهو محمول على علمها بالتحريم.

ثم إنه لو اتفق ولد والحال هذه فإنهم قالوا : إنه رق لمولى الأب لعدم لحوقه بها ، وإن كانت حرة حيث إنها بغي فلا وجه لحريته ، قال في المسالك : وهو نماء العبد ، وفي بعض الروايات دليل عليه.

ولو جهلت التحريم ، إما بجهلها برقية الزوج أو بجهلها الحكم ، فالنكاح صحيح لموضع الجهل وحصول الشبهة.

والمشهور في كلام الأصحاب من غير نقل خلاف أن الولد حر ، لأنه لاحق بها فيتبعها في الحرية ، لما تقدم في المسألة الثانية من الأخبار الدالة على

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٩ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٢ ح ٦٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٤ ح ٣ و ٤.

٢٣٣

تبعيته لأشرف أبويه ، ولا قيمة عليها هنا لمولى الزوج ، لأنه نماؤها حقيقة ، وإنما حكم بالقيمة حيث ينسب إليها وهي أمة.

أقول : والأظهر أن الفرق بين الموضعين إنما هو لوجود النص ثمة ، وعدم وجوده فيما نحن فيه ، ثم إن ما صرحوا به هنا من حرية الولد في صورة الجهل بناء على التعليل المذكور لا يخلو من إشكال ، وإن كان ظاهرهم الاتفاق عليه ، لما رواه الشيخ (١) بسند معتبر عن العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في رجل دبر غلاما فأبق الغلام فمضى إلى قوم فتزوج منهم ، ولم يعلمهم أنه عبد ، فولد له أولاد ، وكسب مالا ومات مولاه الذي دبره ، فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد ، فما ترى؟ فقال : العبد وولده لورثة الميت ، قلت : أليس قد دبر العبد؟ قال : إنه لما أبق هدم تدبيره ، ورجع رقا». وهي كما ترى صريحة في خلاف ما ذكروه ، وهي مستندهم في الحكم ببطلان التدبير بالإباق ، وظاهر الشيخين أيضا في المقنعة والتهذيب القول بمضمونها.

قال في المقنعة : إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأولاده رق للسيد ، وإن كانت المرأة حرة.

والشيخ بعد أن أورد العبارة المذكورة في التهذيب قال : وأما الذي يدل على أن الأولاد يكون رقا لمولاه ما رواه البزوفري ، ثم ساق الرواية المذكورة ، ولم أقف على من تصدى لنقلها في هذا المقام فضلا عن الجواب عنها ، والمسألة لذلك محل إشكال ، ولا يحضرني الآن وجه الجمع بين الأخبار إلا الوقوف على موضع النص ، وتخصيص الأخبار الدالة على تبعيته للحر من الطرفين بهذا الخبر ، على أنه قد عارضها أيضا أخبار عديدة تقدم ذكرها في المسألة الثانية.

الثاني : إنه على تقدير علمها بالتحريم وكونها بغيا فإن مقتضى القواعد الشرعية وجوب الحد عليها ، إلا أنه لم يذكره أحد منهم في المقام ، وربما

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٣ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٦ ص ٦٩ ح ٢.

٢٣٤

قيل بسقوطه عنها ، لأن العقد الواقع عليها يعد شبهة بالنسبة إلى المرأة لضعف عقلها ، وهو غير جيد ، فإن مجرد العقد عليها مع علمها بفساده وتحريم الوطي لا يعد شبهة قطعا ، والأقرب أن عدم ذكرهم للحد هنا لا يقتضي حكمهم بالعدم ، لجواز أن يكونوا قد اعتمدوا على القواعد المقررة الدالة على وجوب الحد على الزاني العالم بالتحريم وهو هنا كذلك.

الثالث : إنه على تقدير الجهل وصحة النكاح فإن المهر يثبت في ذمة العبد لأن الوطي المحرم لا يكون إلا بمهر فيتبع به إذا أعتق ، وهل هو المسمى أو مهر المثل يبتنى على الخلاف السابق؟ فلو أجاز المولى بعد ذلك فلا إشكال في كونه المسمى ، ولو قلنا إن الإجازة كاشفة وحصلت بعد الوطي مع العلم بالتحريم سقط الحد عنها ولحق الولد بها ، لتبين أنها كانت زوجة حال الوطي وإن لم يكن ذلك معلوما لها ، إلا أنك قد عرفت فيما قدمناه أنه لم يثبت بذلك دليل على ما ذكروه من هذه القاعدة ، وإن كانت متداولة في كلامهم.

وأما النفقة فهي تابعة للزوم العقد بالإجازة ، فإذا انتفت الإجازة انتفت النفقة لعدم الزوجية التي هي مناطها هنا ، والله العالم.

المسألة الخامسة : قال الشيخ في النهاية : إذا زوج الرجل جاريته عبده ، فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها ، وكان الفراق بينهما بيده ، وليس للزوج طلاق على حال ، فمتى شاء المولى أن يفرق بينهما أمره باعتزالها ، ويقول قد فرقت بينكما ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح وابن حمزة.

وبالغ المفيد في ذلك فقال : إذا زوج الرجل عبده أمته كان المهر عليه في ماله دون العبد وينبغي أن يعطي عبده شيئا قل أو كثر ليكون مهرا لأمة يتسلمه من العبد قبل العقد أو في حاله أو بعده ليحل له بذلك ، ومتى كان العقد من السيد بين عبده وأمته كان الفراق بينهما بيده ، أي وقت شاء أمرها باعتزاله ، وأمره باعتزالها ، ولم يكن لأحدهما خلافه فيما يأمره من ذلك فان خالفا سقط

٢٣٥

خلافهما وكانت تفريقه بينهما كافيا في التحريم ، ونائبا مناب لفظ الطلاق الموجب للافتراق.

وقال ابن إدريس : الذي يقوى في نفسي أنه إذ زوج الرجل عبده أمته ، فإن السيد لا يجب عليه أن يعطيها شيئا ، وأن هذا الفعال من المولى إباحة للعبد جاريته ، دون أن يكون عقد نكاح ، وإن سمي تزويجا وعقدا ، فعلى سبيل الاستعارة والمجاز ، وكذا تفريق المولى بينهما ـ بأمر العبد باعتزالها وأمرها باعتزاله ـ سمي طلاقا مجازا ، لأنه لو كان طلاقا حقيقيا لروعي فيه أحكام الطلاق وألفاظه وشروطه ، ولا كان يقع إلا أن يتلفظ به الزوج ، لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال (١) «الطلاق بيد من أخذ بالساق». وهذا قد وقع ممن لم يأخذ بالساق ، وهو المولى ، وهذا أول دليل وأصدق قيل على أن هذا العقد والفعال من المولى إباحة للعبد وطئ جاريته ، لأنه لو كان عقد نكاح لروعي فيه الإيجاب والقبول من موجب وقابل ، وكان يراعى ألفاظ ما ينعقد به النكاح ، ولأن العقد حكم شرعي ، يحتاج إلى دليل شرعي ، انتهى.

وقال العلامة في المختلف ـ بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق أن نقول : أما إعطاء الأمة فلا شك في استحبابه ، لأنها ملك له ، فلا تستحق على مالكها شيئا ، وأما كون ذلك إباحة ففي مقام المنع ، بل هو نكاح صريح ، لأن العبد والأمة كلاهما محل قابل له.

ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب (٢) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام «في المملوك يكون لمولاه أو لمولاته أمة ، فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه

__________________

(١) كنوز الحقائق المطبوع في هامش الجامع الصغير ج ٢ ص ٩ عن الطبراني ، المستدرك ج ٣ ص ٨.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٠ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٦ ح ٤٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٨ ح ٣.

٢٣٦

نكاحا؟ أو يجزيه أن يقول قد أنكحتك فلانة ، ويعطي من قبله شيئا أو من قبل العبد؟ قال : نعم ولو مدا ، وقد رأيته يعطي الدراهم».

وروى الصدوق في الفقيه (١) في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانه ، ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ، ولا بد من طعام أو درهم أو نحو ذلك ، ولا بأس بأن يأذن له فيشتري من ماله إن كان له جارية أو جواري يطأهن».

وروى الشيخ في التهذيب (٢) قريبا من ذلك في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليه‌السلام.

لا يقال : النكاح يفتقر إلى القبول ، ولا يفتقر هذا إلى القبول ، فلا يكون نكاحا ، لأنا نقول : القبول إنما يشترط في حق من يملكه ، والعبد هنا لا يملك القبول ، لأن للمولى إجباره على النكاح ، فله هنا ولاية طرفي العقد.

ويدل على أنه ليس بإباحة ، ما رواه علي بن يقطين (٣) عن أبي الحسين عليه‌السلام «أنه سئل عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال : لا يحل له».

وأما تسمية هذا الفراق طلاقا ، فإنه على سبيل المجاز ، لكن الإجماع منا على أن الفراق هنا بيد السيد.

ويؤيده ما رواه محمد بن مسلم (٤) في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام قال : «سألته عن

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٨ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٥ ح ٤٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٤٣ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٦ ح ٤٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٠ ح ١.

٢٣٧

قول الله عزوجل «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (١) قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها». انتهى.

أقول : في عدة رواية محمد بن مسلم الاولى من الصحيح نظر ، فإن في طريقها عبد الله بن محمد ، وهو ابن أخو أحمد بن عيسى وليس بموثق.

ثم إنه لا يخفى أن الكلام هنا يقع في مواضع : الأول : ما ذكر من الخلاف فيما تضمنته هذه الأخبار من دفع السيد شيئا لأمته ، متى زوجها عبده ، هل هو على وجه الوجوب أو الاستحباب؟ المشهور بين المتأخرين الثاني ، والظاهر أن المشهور بين المتقدمين الأول ، وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل إليه ، حيث قال ـ بعد إيراد صحيحة العلاء عن محمد بن مسلم المتقدمة ، وحسنة الحلبي المشار إليها في كلام العلامة ، وهي ما رواه (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ولو مدا من طعام أو درهما أو نحو ذلك» ـ : ومقتضى الروايتين وجوب الإعطاء وإليه ذهب الشيخان وأبو الصلاح وابن حمزة وابن البراج وحملها المصنف وبعض من تأخر عنه على الاستحباب ، وهو مشكل والوجوب أقرب ، انتهى.

وقال في المسالك : وذهب المصنف والأكثر إلى الاستحباب بعدم صراحة الرواية في الوجوب ، ولما فيه من جبر قلبها مع أن المملوكة ملك للمولى ، فلا وجه لوجوب صرف شي‌ء من ملكه إلى وجه آخر من ملكه ، وما يدفعه العبد هو من مال المولى أيضا ، لأن ما بيده من كسب أو غيره هو للمولى ، انتهى.

أقول : كأنه أشار بعدم صراحة الرواية في الوجوب إلى كون الأمر هنا بالجملة الخبرية.

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٢٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٧ ح ٤٦ وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٨ ح ٢.

٢٣٨

وفيه أن الدليل على كون الأمر حقيقة في الوجوب من الأدلة الأصولية ، والأخبار المعصومية التي ذكرناها في المقدمات في صدر كتاب الطهارة (١) لا اختصاص له بصيغة افعل ، بل كلما دل على الطلب بصيغة الأمر أو الخبر ، وما ذكره ـ من التأييد وفاقا لما تقدم في كلام العلامة أيضا من أن الأمة ملك للسيد فلا يستحق على مالكها شيئا مردود ـ بأنه من الجائز حمل الأمر على التعبد الشرعي بذلك ، وإن كان الأمر كما ذكروه.

وبالجملة فالأظهر الوقوف على ظواهر النصوص المذكورة ، وعدم الالتفات إلى هذه التعليلات في مقابلتها ، على أنها قد قدمنا في كتاب المتاجر (٢) أن الظاهر من الأخبار هو ملك العبد وإن كان مهجور التصرف إلا بإذن السيد ، فلا ورود لما أورده حينئذ.

الثاني : إن صريح كلام الشيخين المتقدم ، وهو ظاهر من تبعهما أن المدفوع مهر ، والأخبار المذكورة لا تنهض بالدلالة على ذلك بل ظاهرها أنه عطية محضة.

وفي المسالك : واعلم أن الظاهر من حال هذا المدفوع أنه ليس على جهة كونه مهرا بل مجرد الصلة والبر وجبر خاطر المملوكين.

الثالث : ظاهر كلام المتقدمين أيضا أن ذلك نكاح لا إباحة كما ذكره ابن إدريس فإن قولهم إذا زوج الرجل عبده أمته صريح في إرادة النكاح ، وهو ظاهر الأخبار المذكورة أيضا ، وليس فيها ما ربما ينافي ذلك ، إلا عدم ذكر القبول من الزوج.

والجواب عنه بما ذكره العلامة جيد ، وربما قيل بتخصيص الوجوب بكونه عقدا ليكون مهرا ، وهو ظاهر كلام المتقدمين المذكورين ، فإن كلامهم ظاهر في الثلاثة أعني الوجوب ، وكونه عقدا ، وكون المدفوع مهرا ، ولا يبعد حمل الأخبار عليه ، وإن كانت غير ظاهرة في كون المدفوع مهرا.

الرابع : إن ما استدل به العلامة على نفي كون المراد بالنكاح هنا إباحة ،

__________________

(١) ج ١ ص ١١٢.

(٢) ج ١٩ ص ٣٩٥.

٢٣٩

من رواية على بن يقطين ربما أشعر بعدم جواز نكاح التحليل مطلقا أو في هذه الصورة ، وليس الأمر كذلك.

والتحقيق أن الرواية المذكورة ـ لمصادمة الأخبار المستفيضة الدالة على صحة نكاح التحليل لحر كان أو عبد لها ـ محمولة على التقية ، لأن العامة لا يقولون بصحة نكاح التحليل كما ذكره بعض الأصحاب وسيأتي إن شاء الله تحقيق الكلام في المسألة كما هو حقه في بحث التحليل ، ويكفي في رد ما ذهب إليه ابن إدريس من دعوى كونه إباحة ، دلالة الروايات على كونه نكاحا وظهورها في ذلك ، والمفهوم من رواية محمد بن مسلم التي عدها في المختلف صحيحة أن هذا النكاح ليس على حد النكاح المشهور في غير هذه الصورة المفتقر إلى الإيجاب من الزوجة ، والقبول من الزوج ، والشروط المقررة ثمة بل هو نوع خاص منه ، لأن قوله (١) «أينكحه نكاحا أو يجزيه أن يقول أنكحتك فلانة ويعطى منه من ماله شيئا» الخبر ، ظاهر فيما قلناه والظاهر أن مرجع السؤال إلى أنه هل يشترط فيه القبول من العبد بعد قول السيد ذلك أم لا؟ فأجاب بأنه لا يشترط ذلك بل يكفي قول السيد ذلك.

الخامس : إن ما أطال به ابن إدريس من منع الطلاق هنا وعدم كونه طلاقا حقيقة تطويل بغير طائل لأن أحدا من المتقدمين لم يدع ذلك ، بل صريح كلام الشيخين المتقدم هو الحرمة بمجرد الأمر بالاعتزال والتفريق بينهما ، ولعله أراد ـ بهذا التطويل في نفي كون ذلك طلاقا ـ هو الدلالة على كونه حينئذ إباحة لا عقدا.

وفيه إنك قد عرفت أن المفهوم من الأخبار أنه وإن كان عقدا إلا أنه لا كالعقود المشهورة المترتبة عليها تلك الأحكام المذكورة بل هو نوع خاص منها وقوفا على ظواهر الأخبار الواردة في المقام.

__________________

(١) نقله ـ رحمه‌الله ـ بالمعنى.

٢٤٠