الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

الأول : في جملة من المسائل المتعلقة بالمقام

الأولى : لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا على أنفسهما نكاحا إلا بإذن السيد ، لأنهما ملك له ، فليس لهما أن يتصرفا في ملكه بغير رضاه ، ثم إنه لو تصرفا بغير إذنه كان ذلك من قبيل العقد الفضولي ، وقد تقدم الكلام في عقد النكاح الفضولي ، وأنه هل يكون صحيحا موقوفا على الإجازة أو باطلا ، تقدم ذلك في المسألة السابقة من المقصد الثاني في الأولياء من الفصل الأول ، وقد حققنا ثمة أن الأصح صحته ، وإن قلنا بالبطلان في غير النكاح من العقود ، كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع ، ثم إن من قال بالبطلان في النكاح مطلقا فقد أبطله هنا.

ومن قال بالصحة وتوقفه على الإجازة ، فقد اختلفوا هنا على أقوال ، فمنهم من قال بالصحة وجعله موقوفا على الإجازة ، ومن أفراد النكاح وهو الأشهر عندهم.

ومنهم من جعل الإجازة كالعقد المستأنف وهو قول الشيخ في النهاية ، فإنه قال : من عقد على أمة غيره بغير إذن مولاها كان العقد باطلا ، فإن رضي المولى بذلك كان رضاه كالعقد المستأنف ، يستباح به الفرج ، وقد اختلفوا في تنزيل كلامه حيث إن ظاهره التناقض ، لحكمه ببطلان العقد ، ثم الاكتفاء عنه بالإجازة ، وجعلها مبيحة للنكاح كالعقد ، مع أن ما يقع باطلا في نفسه لا تثبت صحته بالإجازة على وجوه :

منها ما ذكره العلامة في المختلف من حمل كونه باطلا ، على معنى أنه يؤول إلى البطلان وهو جيد ، لأن إطلاق البطلان على الموقوف كثير شائع ، وعلى هذا فيرجع إلى القول الأول.

ومنهم من قال بالبطلان وهو مذهب ابن إدريس مع أنه حكم بصحة نكاح الفضولي في غير المملوك محتجا بالنهي المقتضي للفساد.

٢٠١

ومنهم من فرق بين نكاح العبد والأمة ، فيقف الأول ويبطل الثاني ، وهو قول ابن حمزة.

والذي وقفت عليه ـ من الأخبار المتعلقة بالمسألة ـ جملة من الأخبار قد تقدمت في المسألة المشار إليها آنفا ، وهي صريحة في صحة ذلك ، وتوقفه على الإجازة ، إلا أن موردها كلها إنما هو نكاح المملوك بغير إذن سيده.

ومنها حسنة زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن مملوك تزويج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال : أبو جعفر عليه‌السلام إنه لم يعص الله إنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز».

وأما نكاح الأمة فلم أقف في شي‌ء من الأخبار على ما يدل على أن الحكم فيه ذلك ، بل ربما ظهر منها خلافه ، وهو البطلان من رأس.

ومنها ما رواه في التهذيب (٢) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نكاح الأمة ، قال : لا يصلح نكاح الأمة إلا بإذن مولاها».

وما رواه في الكافي (٣) عن أبي العباس قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة تتزوج بغير إذن أهلها؟ قال : يحرم ذلك عليها وهو الزنا».

وما رواه في الفقيه والتهذيب (٤) عن أبي العباس البقباق قال : «قلت لأبي عبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥١ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٣ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٥ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٨ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٨ ح ٥٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٦ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٧ ح ١.

٢٠٢

عليه‌السلام : الرجل يتزوج الأمة بغير علم أهلها؟ قال : هو زنا ، إن الله يقول «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ».

وما رواه في الكافي (١) عن فضل بن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة تتزوج بغير إذن مواليها؟ قال : يحرم ذلك عليها وهو زنا».

وفي رواية الوليد بن صبيح (٢) «عن الصادق عليه‌السلام «إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد» (٣).

وفي رواية سيف بن عميرة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن يتمتع الرجل بأمة المرأة ، فأما أمة الرجل فلا يتمتع إلا بأمره».

وفي رواية داود بن فرقد (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها؟ فقال : إن كانت لامرأة فنعم ، وإن كانت لرجل فلا».

وأنت خبير بما في هذه الروايات من ظهور الدلالة على بطلان العقد من أصله ، بل صراحتها في ذلك ، ولو كان الحكم في الأمة كما في العبد لأجابوا في هذه الأخبار بما أجابوا به في تلك ، من أن ذلك للسيد ، فإن شاء أجازه ، وإن شاء منعه ، مع أنها إنما دلت على كونه فاسدا وحراما وأنه زنا.

وبالجملة فإن دلالتها على ما ذكرنا ظاهر ، لا يقبل الإنكار ، ومنه يظهر قوة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٩ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٨ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٩ ح ٥٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٧ ح ١.

(٣) أقول : هذا الخبر هكذا : عن الوليد بن صبيح عن أبى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها ، قال : ان كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد». الخبر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ب ١٤ ح ١.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ح ٣.

٢٠٣

ما ذهب إليه ابن حمزة من الصحة في العبد وإن كان موقوفا ، دون الأمة ، فإنه باطل ومنه أيضا يظهر قوة قول الشيخ في النهاية بالبطلان حيث خصه بالعقد على الأمة إلا أن ما ذكره من أن الإجازة كالعقد المستأنف محل إشكال ، ويمكن أن يقال في دفع الاشكال أنه لما ثبت عنده بالإجماع أن إجازة المولى لعقد الفضولي ماضية في النكاح ، جمع بين الأمرين بذلك فقال بالبطلان عملا بتلك الأخبار ، وجعل الإجازة كالعقد المستأنف بناء على الإجماع المذكور.

ومن الأصحاب من حمل كلام الشيخ المتقدم على أن العقد يكون باطلا بدون الاذن كما ذكرناه ، ولكن الإجازة تقوم مقام التحليل ، فيكون الرضا عبارة عن التحليل ، قال : ومن ثم فرضها في الأمة ، لأن العبد لا يأتي فيه ذلك ، وعلى هذا الوجه أيضا يرتفع الإشكال الذي ذكرناه أيضا إلا أنه في المسالك قد اعترض على هذا الوجه بأن التحليل منحصر في عبارات ، وليس الرضا منها ، فليس بتحليل ولا عقد.

أقول : إن كانت هذه العبارات التي ادعى انحصار التحليل فيها مما دلت عليها الأخبار ، ودلت على انحصاره فيها ، فما ذكره جيد وإن كانت من كلام الأصحاب من غير دليل يدل عليها في الباب ، فكلامه لا يخلو من المناقشة ، وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.

ومما ذكرنا من دلالة الأخبار على بطلان عقد الأمة دون عقد العبد يظهر لك ضعف حمل العلامة لكلام الشيخ في النهاية على الحمل المتقدم ذكره.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهره في المسالك أن ما استند إليه ابن حمزة من البطلان في الأمة إنما هو بعض الروايات العامية ، وكذلك ابن إدريس في احتجاجه بالنهي ، إنما أراد به النهي الوارد في الأخبار العامية ، ولهذا اعترضه في المسالك بأنه لا يناسب أصول ابن إدريس ، لأن طريقه عامي ، وهو لا يكتفي به لو كان خاصيا.

٢٠٤

أقول : والتحقيق ما عرفت من أن ما ذكروه من الصحة وكونه فضوليا إنما يتم لهم في نكاح العبد خاصة دون الأمة ، وأن المستند في بطلان عقد الأمة إنما هو الأخبار التي قدمناها ، وبه يظهر ضعف القول المشهور من الصحة مطلقا ، وضعف قول ابن إدريس من البطلان مطلقا ، وقوة قول ابن حمزة من التفصيل المذكور ، والمفهوم من جملة من الأخبار المتقدمة في المسألة المشار إليها آنفا ، أنه تكفي في الإجازة سكوت السيد بعد علمه بالنكاح وعدم إنكاره له ، وبذلك صرح ابن الجنيد فقال : لو كان السيد علم بعقد العبد والأمة على نفسه فلم ينكر ذلك ، ولا فرق بينهما ، جرى ذلك مجرى الرضا في الإمضاء ، واستقر به في المختلف وهو جيد للأخبار المشار إليها ، إلا أن موردها نكاح العبد كما عرفت ، والله العالم.

تذنيبات

الأول : المشهور بين الأصحاب أنه إذا أذن المولى لعبده في التزويج كان المهر ونفقة الزوجة على السيد ، لأن النكاح لما وقع صحيحا لزمه الحكم بثبوت المهر والنفقة ، ولا محل لهما إلا ذمة السيد ، لأن العبد لا يملك. هكذا علله في المسالك.

ونقل الشيخ في المبسوط تعلق ذلك بكسب العبد ، لأن المهر والنفقة من لوازم النكاح ، وكسب العبد أقرب شي‌ء إليه ، فإن مصرف الكسب مؤنة الإنسان وضروراته ، ومن أهمها لوازم النكاح.

وأورد عليه بأن الدين لا بد له من ذمة يتعلق بها ، وذمة العبد ليست أهلا لذلك ، فلا بد من تعلقه بذمة السيد ، كذا ذكره السيد السند في شرح النافع. ثم اعترضه بأنه يمكن دفعه بمنع كون ذمة العبد ليست أهلا للتعلق ، ولهذا يتعلق بها عوض التلف إجماعا ، ولجواز تعلق المهر بالكسب كما يتعلق أرش الجناية برقبة الجاني ، إذ لا مانع من ذلك عقلا ولا شرعا. ثم قال : واحتمل العلامة ثبوتها

٢٠٥

في ذمته والمسألة قوية الإشكال لفقد النص فيها على أحد الوجوه ، وأصالة براءة ذمة المولى من ذلك والأحوط أن يعين في العقد كون المهر في ذمة المولى أو في كسب العبد أو في ذمته ، يتبع به بعد العتق واليسار ، ولو قلنا : إن العبد يملك مطلقا ، أو على بعض الوجوه ثبت المهر والنفقة في ذمته من غير إشكال. انتهى كلامه ، زيد مقامه. أقول : قد تقدم الكلام في هذه المسألة في المسألة الرابعة عشر من مسائل المقصد الثاني من الفصل الأول في العقد.

وقد ذكرنا ثمة روايتين يظهر منهما أن المهر على السيد (أو لهما) رواية زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ، ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرق بينهما (٢) ، وإن شاء أجاز نكاحهما ، فإن فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول» الحديث.

و (الثانية) رواية علي بن أبي حمزة (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام «في رجل يتزوج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ، ثم أنه باعه قبل أن يدخل عليها ، فقال : يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيده».

وأما الأولى فإن القرينة فيها على كونه على السيد قوله «فللمرأة ما أصدقها إن لم يكن أصدقها صداقا كثيرا» فإن الظاهر أن المراد بالصداق الكثير

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٣ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥١ ح ٦٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٣ ح ٢.

(٢) أقول : فيه أن ظاهر تفريقه بينهما يؤذن بعدم اجازة النكاح ، ومقتضى كلام الأصحاب أنه مع عدم اجازة السيد ولا اذنه فان المهر على العبد يتبع به العتق ، ولكن ظاهر الخبر أنه على السيد بالتقريب المذكور في الأصل ، ولا يخلو من الاشكال. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) التهذيب ج ٨ ص ٢١٠ ح ٥١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٩ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨٥ ب ٧٨ ح ١.

٢٠٦

هو الزائد على مهر المثل ، والمعنى فيه أن الصداق على السيد بشرط أن لا يزيد على مهر المثل ، ولو كان الصداق إنما على العبد في رقبته أو كسبه لكان هذا الشرط لغوا وإيجاب المهر كملا في الرواية الاولى ونصفه في الثانية من حيث تضمن الاولى الدخول والثانية عدم الدخول.

وفي الثانية دلالة على تنصيف المهر بغير الطلاق كما هو أحد القولين ، وفي الأولى دلالة على أنه مع الدخول قبل إذن المولى لا يعد زانيا يستوجب حد الزاني ، وفي بعض الروايات المتقدمة ثمة ما يؤيده.

ثم إن الأظهر في تقرير حجة القول المشهور هو ما قدمنا نقله ثمة عن جده في المسالك ، فإنه شاف واف بذلك ، وتخرج الروايتان شاهدا عليه.

الثاني : قد صرحوا بأنه إذا أذن المولى لأمته في التزويج أو زوجها هو كان المهر له دون الأمة ، والظاهر أنه لا إشكال فيه ، لأن الأمة ومنافعها مملوكة له ، والمهر الذي هو في مقابلة البضع من جملة تلك المنافع المشار إليها ، والله العالم.

الثالث : لا فرق في توقف نكاح المملوك على إذن مالكه بين كون المالك متحدا أو متعددا لتحقق المالية لكل من الملاك ، وقبح التصرف بغير إذن المالك عقلا ونقلا ، والخلاف في كون النكاح موقوفا على الإجازة أو باطلا يجري هنا كما في المالك المتحد ، وكذا القول في المهر والنفقة ، ويوزع على كل واحد بمقدار ما يخصه من الملك ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف ولا إشكال في أنه إذا كان الأبوان مملوكين يكون الولد مملوكا لمالكهما ، فإنه نماؤهما وتابع لهما ، فإن كانا لمالك واحد فالولد له ، وإن كان كل واحد منهما لمالك فالولد نصفين بين المالكين عند الأصحاب لأنه نماء ملكهما ولا مزية لأحدهما على الآخر ، بخلاف باقي الحيوانات ، فإن الولد لمالك الام ، وفرقوا بينهما بأن النسب مقصود في الآدميين وهو تابع لهما فيه بخلاف غيره من الحيوانات فإن النسب فيه غير معتبر والنمو والتبعية فيه لاحق

٢٠٧

بالأم خاصة ، كذا ذكروا ـ رضي‌الله‌عنهم ـ ولم أقف في ذلك على نص.

قال في المسالك ـ بعد نقله للفرق بين الإنسان وغيره من الحيوانات في التبعية فيه دونها ـ : وفي الفرق خفاء إن لم يكن هنا إجماع ، مع أن أبا الصلاح ذهب إلى أنه يتبع الام كغيره من الحيوانات ، انتهى.

وبالجملة فما ذكروه من الفرق لعدم الوقوف على نص فيه لا يخلو من الاشكال.

ويدل على الحكم الأول ـ وهو ما إذا كان الأبوان ملكا لمالك واحد ، فإن الولد لمالك أبويه ـ ما رواه في الكافي (١) عن أبي هارون المكفوف قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : أيسرك أن يكون لك قائد يا أبا هارون؟ قال : قلت : نعم جعلت فداك ، قال : فأعطاني ثلاثين دينارا فقال : اشتر خادما كسوميا ، فاشتراه ، فلما أن حج دخل عليه فقال له : كيف رأيت قائدك يا أبا هارون؟ فقال : خيرا ، فأعطاه خمسة وعشرين دينارا فقال له : اشتر جارية شبانية فإن أولادهن قرة ، فاشتريت جارية شبانية فزوجتها منه ، فأصبت ثلاثة بنات فأهديت واحدة منهن إلى بعض ولد أبي عبد الله عليه‌السلام وأرجو أن يجعل ثوابي منها الجنة ، وبقيت بنتان ما يسرني بهن ألوف».

أقول : في القاموس الكسوم : الماضي في الأمور ، وفيه أيضا الشابن : الغلام الناعم وقد شبن ، وشبانة اسم ، ثم قال : والشباني والاشباني ـ بالضم ـ الأحمر الوجه والسبال.

نعم لو شرط أحدهما انفراده بالولد أو الزيادة على نصيبه منه فالظاهر صحة الشرط ، لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط (٢).

أما لو كان أحد الأبوين حرا والآخر مملوكا فالمشهور أن الولد يتبع الحر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٨٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤٧ ح ١.

(٢) سورة المائدة ـ آية ١.

٢٠٨

منهما ، فيكون حرا مطلقا ، وذهب ابن الجنيد إلى أن الولد رق وأنه تبع للرق منهما إلا مع اشتراط الحرية.

ويدل على القول المشهور أخبار مستفيضة منها ما رواه في الكافي عن مؤمن الطاق (١) عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن المملوك يتزوج الحرة ، ما حال الولد؟ فقال : حر ، فقلت : والحر يتزوج المملوكة؟ قال : يلحق الولد بالحرية حيث كانت إن كانت ، الأم حرة أعتق بأمه ، وإن كان الأب حرا أعتق بأبيه».

وعن جميل وابن بكير (٢) «في الولد من الحر والمملوكة؟ قال : يذهب إلى الحر منهما».

وعن جميل بن دراج (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا تزوج العبد الحرة فولده أحرار ، وإذا تزوج الحرة الأمة فولده أحرار».

وعن جميل بن دراج (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحر يتزوج الأمة ، أو عبد يتزوج حرة ، قال : فقال لي : ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه حرا إنه يلحق بالحر منهما أيهما كان ، أبا كان أو اما».

وما رواه في الفقيه (٥) عن جميل بن دراج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج بأمة فجاءت بولد ، قال : يلحق الولد بأبيه ، قلت : فعبد يتزوج بحرة؟ قال : يلحق الولد بأمه».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٠ ح ٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٥ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٩ ح ٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٦ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٩ ح ٦.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٩٢ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٠ ح ٨.

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٢٩١ ح ٢٦ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٩ ح ٢.

٢٠٩

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن ، وفي التهذيب في الصحيح عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «في العبد تكون تحته الحرة ، قال : ولده أحرار ، فإن أعتق المملوك لحق بأبيه».

أقول : يعني في الحضانة والميراث ، وأما أصل الحرية فإنما حصلت من تبعية الأم.

وما رواه في الكافي (٢) في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا ، ورواه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل الحر يتزوج بأمة قوم ، الولد مماليك أو أحرار؟ قال : إذا كان أحد أبويه حرا فالولد أحرار».

وما رواه في التهذيب (٣) عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في مملوك يتزوج حرة ، قال : الولد للحرة ، وفي حر تزوج مملوكة؟ قال : الولد للأب».

هذه جملة ما وقفت عليه من روايات القول المذكور.

وأما ما يدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد ، فجملة من الأخبار أيضا منها ما رواه الشيخ في التهذيب (٤) عن أبي بصير قال : «لو أن رجلا دبر ـ وفي الاستبصار رواها عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لو أن رجلا دبر ـ جارية ثم زوجها من رجل فوطأها كانت جاريته وولدها منه مدبرين ، كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكهم كان ما ولد لهم مماليك».

وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح والشيخ في التهذيب (٥) في الصحيح أو

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٩٣ ح ٦ ، وأما في التهذيب نعثر عليه ، فلم الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٩ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٩٣ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣٦ ح ٧ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩١ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٩ ح ٥.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٦ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٠ ح ٩.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٣٦ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٠ ح ١٠.

(٥) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٥ ح ٤٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٦٨ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣١ ح ١٣.

٢١٠

الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل زوج أمته من رجل وشرط له أن ما ولدت من ولد فهو حر ، فطلقها زوجها أو مات عنها ، فزوجها من آخر ، ما منزلة ولدها؟ قال : منزلتها ما جعل ذلك إلا للأول ، وهو في الآخر بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء أمسك».

وما رواه في التهذيب (١) عن الحسن بن زياد قال : «قلت له : أمة كان مولاها يقع عليها ثم بدا له فزوجها ، ما منزلة ولدها؟ قال : بمنزلتها إلا أن يشترط زوجها».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل يزوج جاريته رجلا ، واشترط عليه أن كل ولد تلده فهو حر فطلقها زوجها ثم تزوجت آخر فولدت ، قال : إن شاء أعتق وإن شاء لم يعتق».

وعن أبان بن تغلب (٣) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دبر مملوكته ، ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها ، وترك الأولاد منها ، فقال : أولاده منها كهيئتها ، فإذا مات الذي دبر أمهم فهم أحرار ، قلت له : أيجوز للذي دبر أمهم ان يردها في تدبيره إذا احتاج؟ قال : نعم ، قلت : أرأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج الحر ، أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها ، ويرجع عليهم في التدبير؟ قال : لا ، إنما كان له أن يرجع في تدبير أمهم إذا احتاج ورضيت هي بذلك».

وعن عبد الله بن سليمان (٤) في حديث قال : «سألته عن رجل يزوج وليدته من رجل وقال : أول ولد تلدينه فهو حر ، فتوفي الرجل وتزوجها آخر ، فولدت

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢١٤ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣١ ح ١٢.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢١٢ ح ٦٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٠ ح ١١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٨٤ ح ٦ ، التهذيب ج ٨ ص ٢٥٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٦ ص ٧٨ ب ٧ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٥ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣١ ب ٣٠ ح ١٤.

٢١١

له أولادا؟ فقال : أما من الأول فهو حر ، وأما من الآخر فإن شاء استرقهم».

هذه جملة ما حضرني من الأخبار الدالة على ما ذهب إليه ابن الجنيد ، وأصحابنا لم ينقلوا لابن الجنيد من الأخبار سوى رواية أبي بصير كما في المختلف وشرح النافع للسيد السند ، وزاد في المسالك الاستدلال له برواية الحسن بن زياد ثم طعنوا فيها بضعف الاسناد ، والأخبار كما ترى فيها الصحيح باصطلاحهم بل هو أكثرها ، إلا أن هذه قاعدتهم غالبا من عدم إعطاء التتبع حقه في روايات المسألة.

والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ في الاستبصار أجاب عن رواية أبي بصير بالحمل على ما إذا شرط عليه أن يكون الولد مماليك ، فإنهم يكونون كذلك ، وقال في التهذيب ـ بعد ذكر هذا الحمل ـ : وهذا الخبر وإن لم يكن فيه ذكر الشرط صريحا فنحن نعلم أنه المراد بدلالة ما قدمناه من الأخبار ، وأن الولد لاحق بالحرية فإذا ثبت ذلك فلا وجه لهذا الخبر إلا الوجه الذي ذكرناه. انتهى ، ولا يخفى ما فيه.

وأجاب عن رواية الحسن بن زياد وصحيحة عبد الرحمن بالحمل على التقية تارة ، قال : لأن في العامة من يذهب إلى أن الولد يتبع الام على كل حال ، وتارة على ما إذا كان الزوج مملوكا للغير ، قال : فإن الولد يكون لاحقا لها إلا أن يشترط مولى العبد.

أقول : والمسألة لتصادم هذه الأخبار وبعد ما ذكره من المحامل محل إشكال ، إلا أنه يمكن أن يرجح الحمل على التقية ، لشهرة القول الأول في الصدر الأول حيث لم ينقل المخالفة ثمة إلا عن ابن الجنيد سيما مع ما علم غالبا من جريه على مذهب العامة ، وقوله بأقوالهم ، وعمله بقياساتهم.

هذا كله مع الإطلاق وعدم الشرط ، وأما مع الاشتراط فإن كان الواقع هو اشتراط الحرية فلا خلاف ولا إشكال في صحة ذلك كما دلت عليه النصوص المتقدمة وإن كان الشرط هو الرقية فمحل خلاف وإشكال ، والمشهور صحة الشرط لعموم

٢١٢

قوله عزوجل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (١) وعموم

«المؤمنون عند شروطهم» (٢). وذهب جمع من المتأخرين إلى فساد هذا الشرط ، وأنه إذا كان الولد محكوما بحريته مع الإطلاق ، وعدم الشرط كما هو القول المشهور ، فإنه لا يكون اشتراط رقيته مشروعا ، كما أنه لا يصح اشتراط رقية ولد الحرين.

ويعضده أن الولد ليس مملوكا للحر من الأبوين ليصح اشتراطه للمولى ، وإنما ألحق فيه لله سبحانه ، فلا يصح اشتراطه ، وهو كلام جيد متين ، ويزيده تأييدا أن أقصى ما دلت عليه الروايات الدالة على الرقية مع الإطلاق هو صحة شرط الحرية بناء على ذلك ، أما على العكس وهو ما إذا حكم بالحرية كما هو مدلول أخبار القول المشهور ، فإنه لم يتضمن شي‌ء منها الدلالة على الرقية مع اشتراطها ، بل ربما أفاد إطلاقها ـ بأن أحد الأبوين إذا كان حرا فالولد حر ـ الحكم بالحرية مطلقا بتقريب أن ترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم في المقال.

ومن ثم إن المحقق تردد في النافع ، وفي الشرائع نسب لزوم الشرط هنا إلى قول المشهور مؤذنا بضعفه وعدم الدليل عليه ، وإلى ما ذكرناه من القول الآخر مال في المسالك وسبطه في شرح النافع وهو كذلك لما عرفت ، ثم إنه على تقدير بطلان الشرط فهل يبطل العقد ، أم يختص البطلان بالشرط؟ قولان ، قد تقدم الكلام فيهما في غير موضع ، ومما يتفرع على ذلك ما لو وطأها بهذا العقد فأولدها ، فإن قلنا بصحة العقد وبطلان الشرط خاصة فالولد حر كما لو لم يشترط بالكلية ، وكذا إن قلنا بفساده مع الجهل بالفساد ، لأنه نكاح شبهة يلحق بالصحيح ، أما لو قلنا ببطلان العقد وكان عالما فإنه يكون زانيا ، والولد يكون رقا تبعا

__________________

(١) سورة المائدة ـ آية ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٧١ ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٠ ذيل ح ٤.

٢١٣

للام من حيث الزنا لا من حيث الشرط ، وإن قلنا بصحة الشروط لزوم ولم يسقط بالإسقاط ، وإنما يعود إلى الحرية بسبب جديد ، كملك الأب له ونحوه ، والله العالم.

المسألة الثالثة : إذا تزوج الحر أمة بدون إذن السيد ، ودخل بها قبل رضا السيد وإجازته ، فلا يخلو الحال من أن يكونا معا عالمين بالتحريم أو جاهلين أو أحدهما عالما والآخر جاهلا وبالعكس ، فهنا صور أربع :

الاولى : أن يكونا عالمين بالتحريم ، وقد قطع الأصحاب بكون الوطي زنا يثبت به الحد عليهما والولد رق لمولى الأمة ، وإنما اختلفوا في ثبوت المهر للمولى وعدمه.

أقول : أما الحكم بكونه زنا فقد تقدم ما يدل عليه من الأخبار المذكورة في صدر المسألة الأولى الدالة على أن نكاح الأمة من غير إذن المولى باطل ، دخل بها أو لم يدخل ، خلافا لما ذهب إليه أصحابنا من كونه فضوليا موقوفا على الإجازة ، وقد صرح جملة من تلك الأخبار بكونه زنا ، كقوله عليه‌السلام في رواية أبي العباس (١) بعد السؤال عن الأمة تتزوج بغير إذن أهلها؟ قال : يحرم ذلك عليها وهو الزنا.

وفي رواية الثانية (٢) هو الزنا إن الله يقول «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ».

ونحوه في رواية الثالثة (٣).

وأما تزويج العبد بدون إذن سيده وإن كان خارجا عن موضوع المسألة ، فظاهر الأخبار التي تقدمت في المسألة السابعة من المقصد الثاني في الأولياء من الفصل الأول أنه موقوف على إذن السيد ، وإن دخل بها كما صرح به في بعضها وإن ذلك ليس بزنا معللا في جملة منها بأنه لم يعص الله عزوجل ، وإنما عصى

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٩ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٧ ب ٢٩ ح ٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٨ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٧ ب ٢٩ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧٩ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٨ ب ٢٩ ح ٣.

٢١٤

سيده ، وربما ظهر من كلام بعض الأصحاب أنه مع الدخول أيضا زنا يجب به الحد ، وظاهر الأخبار المشار إليها يرده.

وأما الولد فإنه لا خلاف في كونه رقا في صورة تسافح المملوكين أو زنا الحر بالأمة ، وما هنا من قبيل الثاني وإن وقع بلفظ العقد ، وقد علل بأن الولد نماء الأمة.

والأولى الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل أقر على نفسه أنه غصب جارية رجل فولدت الجارية من الغاصب ، قال : ترد الجارية والولد على المغصوب منه إذا أقر بذلك الغاصب».

ورواه الكليني ، كذلك والصدوق ـ رحمة الله عليه ـ عن الصادق عليه‌السلام مرسلا ، إلا أنه قال فيه «إذا أقر بذلك أو كانت عليه بينة».

ولا إشكال ولا خلاف في كل من هذين الحكمين ، إنما الاشكال والخلاف في المهر ، فإن فيه قولين :

(أحدهما) ـ وهو مختار المحقق في الشرائع ـ العدم ، لأنها زانية ، فلا مهر لها ، لقوله عليه‌السلام «لا مهر لبغي» ولأن البضع لا يثبت لمنافعه عوض إلا بعقد أو شبهة أو إكراه لها تخرج به عن كونها بغيا ، والوجه أن مالية ليست على نهج الأموال الصرفة ، ليكون مطلق الانتفاع بها موجبا للعوض ، ألا ترى أنه لو قبل أحد مملوكة الغير أو استمتع بها فيما دون الوطي لم يكن عليه عوض ، بخلاف ما لو استخدمها ، والفرق عدم نقصانها بسببه ، وحينئذ فالأصل عدم ثبوت كون البضع مضمونا على هذا الوجه ، وإنما تضمن بأحد الوجه الثلاثة المتقدمة.

و (ثانيهما) ثبوت المهر للمولى ، لأن البضع ملكه ، فلا يؤثر علمها ورضاها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٥٦ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٢ ح ١٤٤ ، مع اختلاف يسير ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٦ ح ٥١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧١ ب ٦١ ح ١ وفيه «عن على بن حديد» مع اختلاف يسير.

٢١٥

في سقوط حقه ، وأجيب عن الخبر بعد تسليم صحته بأنه خارج عن محل البحث ، وأن المراد به إنما هو الحرة لا الأمة ، وذلك ظاهر من وجهين.

أحدهما : إن لفظ المهر إنما يقال بالنسبة إلى الحرة ، وأما عوض بضع الأمة فإنما يطلق عليه اسم العقر أو العشر أو نصفه ، وإن أطلق عليه المهر فهو مجاز ، والأصل عدمه ، ولهذا وقع التعبير عن الزوجة بابنة المهيرة في قولهم : لو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه بنت أمة.

والثاني : من جهة اللام المفيد للملك أو الاستحقاق أو الاختصاص ، فإن المنفي في الخبر إنما هو ملك البغي له ، واستحقاقها أو اختصاصها ، والثلاثة منفية عن الأمة هنا ، لأن المالك له أو المختص أو المستحق إنما هو المولى دون الأمة ، وذلك واضح ، لما عرفت من أن البضع ملكه ، فما جعل عوضا له إنما يكون للمولى لا للأمة ، وبذلك يظهر لك أن الخبر المذكور لا وجه للاستدلال به هنا.

نعم يبقى الإشكال بالنسبة إلى التعليل الثاني ، ولهذا أنه في المسالك قوى هذا القول ، وجعل ثبوته متوقفا على إثبات كون البضع مضمونا حسبما قدمنا تحقيقه ، إلى أن قال : والثابت على الزاني العقوبة الدنيوية أو الأخروية ، وما سواه يحتاج إلى دليل وهو حاصل مع العقد أو الشبهة.

أقول : وقد عرفت أن الإكراه المخرج لها عن كونها بغيا ثابت لهذين الأمرين.

قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد ذكر القول الثاني والاستدلال له بأن البضع ملكه فلا يؤثر علمها في سقوط حقه ـ : ويمكن الاستدلال عليه أيضا بصحيحة الفضيل بن يسار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، حيث قال فيها «قلت : أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فإن فعل أيكون زانيا؟ قال : لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٤٤ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٣٧ ب ٣٥ ح ١.

٢١٦

إن كانت بكرا ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها».

قال : فإن ثبوت العوض هنا يقتضي ثبوته في الزنا المحض بطريق أولى ، انتهى.

وفيه ما ذكره جده في المسالك حيث قال ـ بعد الكلام المتقدم ـ : نعم لو كانت بكرا لزمه أرش البكارة ، لأنها خيانة ، فلا دخل في المهر هنا ، وإن دخلت فيه على بعض الوجوه ، ولربما احتمل كونها مهرا ، لأن الشارع جعله تبعا للوطئ ، فيأتي فيه الخلاف السابق ، والأصح الأول ، لأن الخيانة على المال المملوك الموجبة لنقص المالية مضمونة بغير إشكال ، بخلاف المهر ، انتهى.

وهو ظاهر في كونه وجوب العشر أو نصفه ، إنما وجب من حيث النقص الحاصل بتصرفه في مال الغير بدون إذنه ، ولا خصوصية له بالنكاح ، فمنشؤه إنما هو التصرف الموجب للنقص ، لا ما يراد من المهر ، وهو كونه في مقابلة الانتفاع بالبضع ، وحينئذ فحمله عليه لا يخرج عن القياس وإن كان قياس أولوية.

وبالجملة فإن المسألة بما عرفت من القيل والقال ، وعدم وجود النص لا تخلو من الاشكال ، والله العالم.

الثانية : أن يكونا جاهلين بالتحريم ويتحقق ذلك إما بأن لا يكونا عالمين بتحريم تزويج الأمة بغير إذن مالكها ، أو كانا يعلمان ذلك ، ولكن عرضت شبهة أوجبت لهما ذلك ، بأن وجدها على فراشه فظنها زوجته أو أمته بعد أن عقد عليها أولا ، فإنك قد عرفت أن هذا العقد حيث لم يكن بإذن المالك لا ثمرة له ، ولا أثر يترتب عليه وظنت هي أنه مولاها ، لا العاقد عليها ، وحينئذ فنكاحه لها والحال هذه من الطرفين نكاح شبهة ، موجب لحرية الولد ، ولحوقه بالأب ، ودراية للحد وموجب للمهر.

ولكن في المهر هنا أقوال ثلاثة : فقيل : بأنه المسمى في العقد ، لأنه العوض الذي تراضيا عليه بالعقد ، والعقد صحيح ظاهرا للشبهة.

وقيل : مهر المثل لظهور فساد العقد في نفس الأمر ، وأن مهر المثل هو

٢١٧

المحكوم به في نكاح الشبهة ، وقواه في المسالك ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في باب الرضاع ، وأن الأظهر هو الثاني.

وقيل : بأنه العشر أو نصف العشر ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، قال : وهذا أقوى ، لصحيحة الفضيل المتقدمة ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة الوليد بن صبيح (١) ـ إذا تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها ـ «ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها».

وفيه ما عرفت آنفا أن مورد كل من الروايتين صورة مخصوصة ، والتعدي إلى غيرها كما في ما نحن فيه يحتاج إلى دليل ، وإلا فهو مجرد قياس ، والأظهر الاقتصار في كل منهما على مورده.

ومما ذكرنا يظهر أن الأقرب إلى القواعد الشرعية هو القول بمهر المثل. قالوا : وإن أنت بولد كان حرا تابعا لأبيه ، وعلى الأب قيمته للمولى لأنه نماء ملكه ويعتبر القيمة يوم سقوطه حيا ، لأنه وقت الحكم عليه بالمالية لو كان رقا ، والظاهر أنهم استندوا في وجوب القيمة على الأب للمولى إلى الأخبار الواردة في تدليس المرأة نفسها ، أو تدليس من زوجها على أنها حرة ، ثم ظهر كونها أمة ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بعد هذه المسألة.

الثالثة : أن يكون الحر عالما ، والأمة جاهلة ، قالوا : والحد عليه في هذه الصورة ، وينتفي عنه الولد لأنه عاهر ، له الحجر ، ويثبت عليه مهر المثل أو العشر أو نصفه للمولى ، كما سبق والولد رق ، وهذه الأحكام كلها ظاهرة مما سبق.

الرابعة : العكس ، بأن يكون الحر جاهلا ، وهي عالمة وفي هذه الصورة يسقط عنه الحد ، ويلحقه الولد ، وعليه فكه بالقيمة يوم سقوطه حيا كما تقدم ، وكذا وجوب المهر حسب ما تقدم جميع ذلك في الصورة الثانية وظاهره في المسالك

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠٤ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٤٩ ح ٥٧ وص ٤٢٢ ح ١ وفيهما اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧٧ ح ١.

٢١٨

التوقف هنا في وجوب المهر ، حيث قال : والحكم بسقوط الحد ولحوق الولد به ، ووجوب القيمة كالسابقة ، وكذا في وجوب المهر على ما أطلقه المصنف والجماعة بناء على أنه وطئ محترم من قبله من حيث الشبهة ، فيثبت عوضه ، وظاهرهم بل صريح بعضهم عدم الفرق بين علمها وجهلها في ذلك ، هنا لا يخلو من إشكال ، لأنها مع العلم بغي ، فينبغي مجي‌ء الخلاف السابق ، لكن لم يتعرضوا له هنا. انتهى ، وهو جيد ، وأشار بذلك إلى الخلاف المذكور في هذه الصورة ، وقد عرفت الكلام فيه.

قالوا : هذا كله إذا لم يجز المولى العقد ، فإن أجازه قبل الوطي فواضح ، وإن كان بعده بنى على أن الإجازة هل هي كاشفة عن صحة العقد من حينه ، أو مصححة له من حينها؟

فعل الأول قال في المسالك وهو الأقوى : يلحق به الولد وإن كان عالما حال الوطي بالتحريم ، وسقط عنه الحد وإن كان قد وطأ محرما حالته ، ويلزمه المهر لانكشاف كونها زوجة حال الوطي ، وإقدامه على المحرم يوجب التعزير لا الحد.

وعلى الثاني تبقى الأحكام السابقة بأسرها ، لأنها حين الوطي لم تكن زوجة ظاهرا ولا في نفس الأمر ، وإنما كان قد حصل جزء السبب المبيح ولم يتم إلا بعد الوطي ، فكان كما لو لم يكن هناك عقد أصلا. قال في شرح النافع : والأصح الثاني.

أقول : فيه (أولا) إنا لم نقف بعد التتبع التام للأخبار على أثر يدل على شي‌ء من هذين القولين ، وليس إلا مجرد كلامهم في البين ، سيما مع ما عرفت في كتاب البيع من عدم صحة البيع الفضولي الذي هو الأصل في اعتبار الإجازة ، ولزوم العقد بها ، بل بطلانه من رأس ، وإن صح في النكاح كما تقدم تحقيقه ، وأما كون الإجازة له بعد وقوعه كاشفة أو ناقلة فلا أثر له في الأخبار سوى ما ذكروه من هذا الاعتبار.

و (ثانيا) إنك قد عرفت مما قدمنا ذكره في المسألة الأولى دلالة الأخبار

٢١٩

على بطلان تزويج الأمة بغير إذن مولاها ، لا أنه صحيح موقوف على الإجازة كما ادعوه ، وما ذكروه هنا متفرع على ما وقع لهم ثمة من حكمهم بالصحة من غير فرق بين العبد والأمة لو تزوج كل منهما بغير إذن السيد ، والأخبار إنما دلت على ذلك بالنسبة إلى تزويج العبد كما قدمناها في المسألة المذكورة.

وأما أخبار تزويج الأمة فإنها قد اتفقت على بطلانه وتحريمه ، وأنه زنا محض ، ولكنهم غفلوا عن ملاحظتها والتأمل فيما وقع فيها ، فتأمل وأنصف ، والله العالم.

المسألة الرابعة : إذا ادعت والتأمل فيما وقع فيها ، فتأمل وأنصف ، والله العالم. المسألة الرابعة : إذا ادعت المرأة الحرية ، فتزوجها الحر بناء على ذلك من غير علمه بفساد دعواها ، وإلا كان زانيا ، وكان الحكم فيه كما تقدم في الصورة الاولى من صور المسألة المتقدمة ، ودعواها الحرية إما باعتبار أنها حرة الأصل ولم يكن الزوج عالما بحالها ، أو ادعت العتق وظهر للزوج من قرائن الحال ما أثمر له الظن بصدقها ، وتوهم الحل بذلك.

أما لو كان عالما بفساد دعواها ، أو بعدم الالتفات إلى قولها بدون البينة أو الشياع أو نحو ذلك مما يفيد العلم ، فإنه يكون زانيا ، ويكون الحكم كما تقدم في الصورة المشار إليها ، وحينئذ فمع العمل على يدعواها بالتقريب المتقدم يكون من قبيل الشبهة ، فيسقط عنه الحد ويلزمه المهر على الخلاف فيه من كونه المسمى أو مهر المثل أو العشر أو نصفه ، وهل يكون الولد حرا أو رقا؟ قولان ، وعلى كل منهما يجب على الأب فكه عند الأصحاب بدفع القيمة إلى مولى الجارية ، والكلام هنا يقع في موضعين :

الأول : في المهر ، وظاهرهم الاتفاق عليه وإن كانت الأمة عالمة بالتحريم ، واحتمال العدم كما تقدمت الإشارة إليه ممكن ، ثم إنهم اختلفوا في تقديره ، فقيل : إنه المسمى لأنه عقد صحيح ، قبض فيه أحد العوضين فيجب الآخر ، وعروض الفسخ لا يوجب فساده من أصله.

قال في المسالك ـ وهو ظاهر اختيار المصنف والأكثر ، ثم تنظر فيه ،

٢٢٠