الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

الأجل ، فإن العقد بدون الأجل يصير دائما كما تقدم ، ولا بأس به جمعا بين الأخبار.

ولعل أقرب هذه الأقوال هو القول الثالث لما عرفت من قوة دليله سندا ومتنا ، ولا ينافيه إلا الرواية السادسة ، وإلا فالسابعة قد عرفت أنه لا منافاة فيها ، والرواية الثانية بما ذكرناه من حملها على ما ذكره الشيخ يرتفع المنافاة منها ، والرواية الثالثة غاية ما تدل عليه أنه لا ميراث بمقتضى العقد ، وهو موافق للقول المذكور ، وكذلك الرواية الخامسة فإن المعنى فيها أنه ليس بينهما توارث ، يعني بمقتضى العقد ، ولا ينافيه ثبوته بالشرط ، وكذلك الرواية الثامنة والتاسعة ، فإن مقتضى الجميع أنه لا توارث بمقتضى العقد كما في النكاح الدائم ، وهو أحد جزئي المدعى ، وحينئذ فتنحصر المنافاة في الرواية السادسة ، والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ قد حملها على أن المراد اشتراط نفي الميراث ولم يشترط ، وهو وإن كان لا يخلو من بعد إلا أنه في مقام الجمع بين الأخبار لا بأس به ، لئلا ينافي ما دل على ثبوت الميراث مع الشرط.

وبما حررناه في المقام ، يظهر أن أظهر الأقوال المذكورة ـ بعد رد هذه الأخبار بعضها إلى بعض حسبما عرفت ـ هو القول المزبور ، إلا أنه ربما أشكل من وجه آخر ، وهو أن الاشتراط ليس بسبب شرعي في ثبوت الإرث ، وأسباب الإرث محصورة وليس هذا منها ، وما ليس بسبب شرعي لا يمكن جعله سببا ، ولا مقتضى للتوارث هنا إلا الزوجية ، ولا يقتضي ميراث الزوجية إلا الآية ، فإن اندرجت المتعة في الزوجية التي دلت الآية على ثبوت الإرث لها ورثت على كل حال وإن لم يشترط ثبوته ، وبطل شرط نفيه ، وإن لم تندرج في الزوجية التي في الآية لم يثبت بالشرط لأنه شرط توريث من ليس بوارث ، وهو باطل قطعا ، وربما حمل الخبران لأجل ما عرفت على إرادة الوصية باشتراط الإرث في عقد المتعة ، فيكون كالإرث ، لا إرثا حقيقيا.

وأجيب عن الاشكال المذكور بأنه لما كان الخبران المذكوران مع اعتبار

١٨١

سنديهما واضحا الدلالة على المدعي ، والمستفاد منهما كون اشتراط الميراث سائغا لازما فيثبت به ، وإن كان أصل الزوجية لا يقتضيه ، والواجب تخصيص الآيات الدالة على ميراث الزوجة بهما كما خصصت في الزوجة الذمية إذا أسلمت تحت كافر ، برواية أن الكافر لا يرث المسلم ، ومن ذلك يعلم الجواب عن قوله «ولا مقتضى للتوارث هنا إلا الزوجية. إلى آخره» فإنه مسلم إلا أنها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المذكورتين بمعنى أن الآيات وإن دلت على كونها زوجة ، والزوجية تقتضي الميراث ، إلا أن الخبرين دلا على تخصيص الميراث لعدم المقتضى فيجب تخصيص الآيات بهما ، فمع الاشتراط تدخل في عموم الآيات لعدم المقتضى للتخصيص ، ومع العدم يجب إخراجهما من العموم بالخبرين ، نعم هذا الحكم غريب لعدم النظير ، إلا أن الجمع بين الأدلة يقتضيه ، فلا بعد فيه ، وليس بعده (١) إلا اطراح الخبرين مع ما هما عليه من جودة الاسناد والدلالة على المراد.

وأما قوله «إن الاشتراط ليس بسبب شرعي في ثبوت الإرث. إلى آخره» فإنه مردود بأنه بعد دلالة النص على ذلك لا وجه لهذا الكلام لما يتضمنه من الرد على الامام عليه‌السلام حيث جعله سببا في ذلك ، والأسباب لا تنحصر في دلالة الكتاب فهو وإن لم يثبت بالكتاب إلا أنه ثبت بالسنة.

وبالجملة فالنظر في أخبار المسألة بالتقريب الذي قدمناه في حمل بعضها على بعض يقتضي العمل بالقول المذكور.

ومما يتفرع على القول المذكور أنهما لو اشترطا التوارث لأحدهما دون الآخر فإن مقتضى الخبرين العمل بشرطهما ، وله نظائر في الأحكام كما في إرث المسلم الكافر دون العكس ، وإرث الولد المنفي باللعان إذا اعترف به الأب بعد ذلك فإن الولد يرثه وهو لا يرث الولد ، والله العالم.

الخامسة : اختلف الأصحاب في عدة المتمتع بها متى دخل بها الزوج وانقضت

__________________

(١) الظاهر أن في العبارة سقط وهو أنه ليس بعده أزيد أو أبعد من اطراح الخبرين.

١٨٢

مدتها ، أو وهبها إياها ولم تكن يائسة وكانت ممن تحيض على أقوال : ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الروايات في المسألة.

(فأحدها) ـ وهو قول الشيخ في النهاية وجمع من الأصحاب منهم ابن البراج في كتابيه وسلار والمحقق في الشرائع والشهيد في اللمعة وغيرهم ـ أنها حيضتان فإن كانت في سن من تحيض ولا تحيض فخمسة وأربعون يوما.

ويدل على هذا القول ما رواه في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن إسماعيل ابن الفضل قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة فقال : الق عبد الملك بن جريج فاسأله عنها ، فإن عنده منها علما ، فلقيته فأملى علي منها شيئا كثيرا في استحلالها ، فكان فيما روى لي ابن جريح قال : ليس فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء ، وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود ، فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ، ويعطيها الشي‌ء اليسير ، وعدتها حيضتان ، وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما. فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه‌السلام فعرضت عليه ، فقال : صدق وأقر به ، قال ابن أذينة : وكان زرارة بن أعين يقول هذا ويحلف أنه الحق ، إلا أنه كان يقول : إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف».

ويدل على ذلك أيضا ما رواه العياشي في تفسيره (٢) عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام في المتعة إلى أن قال : «ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها ، وعدتها حيضتان».

وما رواه الحسين بن سعيد في كتابه على ما نقله في كتاب البحار (٣) عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : نزلت في القرآن ـ إلى أن قال : ـ فلا تحل لغيرك حتى تنقضي لها عدتها ، وعدتها حيضتان».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٧ ح ٨.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٣٣ ح ٨٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٧ ح ٦.

(٣) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٥ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٧ ح ٦.

١٨٣

ولم أقف على من استدل بهذه الأخبار لهذا القول ، وإنما استدل له في المسالك والروضة برواية محمد بن الفضيل (١) عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال : «طلاق الأمة تطليقتان وعدتها حيضتان». قال : وروى زرارة (٢) في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام «أن على المتعة ما على الأمة». ثم قال : فيجتمع من الروايتين أن عدة المتعة حيضتان.

ولا يخفى ما فيه سيما مع اختلاف الروايات في الأمة التي جعلوها أصلا للمتعة ، على أن صحيحة زرارة التي ذكرها وإن أوهمت ما ذكره باعتبار ما نقله منها إلا أنها بملاحظة ما تقدم منها على هذه العبارة غير دالة على ما أراده.

فإن صورة الرواية هكذا : زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة» وظاهر هذه الرواية أن المماثلة بين المتعة والأمة إنما هو في الاعتداد بالأشهر لا الحيض ، إذ لا تعرض فيها للحيض بالكلية كما هو ظاهر.

و (ثانيها) إنها حيضة واحدة ذهب إليه ابن أبي عقيل ، ويدل عليه من الأخبار ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المتعة إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف».

أقول : هكذا نقل الرواية في الوافي ، والذي في الكافي إنما هو بهذه الصورة عن زرارة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «إن كانت تحيض فحيضة. إلى آخر ما تقدم».

وبهذه الكيفية نقلها صاحب الوسائل ، وينبه عليه أيضا ما ذكره السيد السند في شرح النافع بعد الرواية كما ذكرناه حيث قال : كذا في الوافي ، وصدرها

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٣٥ ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٠ ح ٥.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ح ١٤٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٦ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٤ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٨ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٣ ح ١.

١٨٤

غير مذكور ، لكنه أوردها في أول باب عدة المتعة. انتهى ، ومن ذلك ويعلم أن ما نقله في الوافي من الزيادة في أولها اجتهاد منه كما هي عادته غالبا.

وكيف كان فإن صاحب الكافي لم يورد في هذا الباب من روايات الاعتداد بالحيض إلا هذه الرواية ، وربما أشعر ذلك بأن مذهبه الاكتفاء بالحيضة الواحدة كما هو المنقول عن ابن أبي عقيل ، وقد عرفت في عجز صحيحة إسماعيل بن الفضل (١) أو حسنة ما نقله ابن أذينة عن زرارة من أن مذهبه في العدة بالحيض ، القول بالحيضة الواحدة ، والظاهر أن معتمد زرارة على هذه الرواية ، والراوي لها عنه ابن أذينة كما عرفت ، وفي جميع ذلك نوع تقوية لهذا القول كما لا يخفى.

ومما يدل على هذا القول أيضا ما رواه في الكافي (٢) عن عبد الله بن عمر قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ـ الحديث كما تقدم في سابق هذه المسألة ، وهو الحديث السابع ، إلى أن قال في آخره ـ قال : فقلت : فكم عدتها؟ فقال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد (٣) عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : عدة المتعة حيضة ، وقال : خمسة وأربعون يوما لبعض أصحابه».

ويؤيده ما رواه في الكافي (٤) عن أبي بصير قال : «لا بد من أن تقول في هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح على كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٧ ح ٨.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٣ ح ٤.

(٣) قرب الاسناد ص ١٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٤ ح ٦.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٣ ح ٦٣ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٧ ح ٤ مع اختلاف يسير.

١٨٥

تعتدي خمسة وأربعين يوما ، وقال بعضهم : حيضة».

أقول : قوله «وقال بعضهم» إما من كلام صاحب الكافي أو من أحد الرواة للخبر.

وروى الطبرسي أبو منصور أحمد بن أبي طالب في كتاب الاحتجاج (١) عن محمد ابن عبد الله بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان صلوات الله عليه أنه كتب إليه في رجل تزوج امرأة بشي‌ء معلوم إلى وقت معلوم ، وبقي له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي له عليها ، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها بثلاثة أيام ، أيجوز أن يتزوجها رجل آخر بشي‌ء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة ، أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليه‌السلام : يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة ، لأن أقل العدة حيضة وطهرة تامة. وفي بعض النسخ «وطهارة».

وهذه الرواية أيضا ظاهرة في هذا القول ، والمعنى في قوله «لأن أقل العدة. إلى آخره» أن العدة عبارة عن حيضة كاملة حتى تطهر منها.

و (ثالثها) أنها حيضة ونصف ، وهو مذهب الصدوق في المقنع حيث قال : وإذا تزوج الرجل امرأة متعة ثم مات عنها فعليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ، وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة ، وإن مكثت عنده أياما فعليها أن تحد وإن كانت عنده يوما أو يومين أو ساعة من النهار فتعتد ولا تحد ، انتهى.

وهو مضمون ما رواه في الفقيه (٢) في الصحيح عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟ قال : تعتد أربعة أشهر وعشرا ، فإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة قال : قلت : فتحد؟ قال : فقال : نعم إذا مكثت

__________________

(١) الاحتجاج ج ٢ ص ٣١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٤ ح ٧.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٦ ح ٢٤ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ح ١٤٣ وفيه «وجبت العدة كملا» ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٤ ح ٥.

١٨٦

عنده أياما فعليها العدة وتحد ، وأما إذا كانت عنده يوما أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدة ولا تحد (١).

ورواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن أحمد عن علي الميثمي عن صفوان إلى آخر ما تقدم.

و (رابعها) إنها طهران ، وهو اختيار الشيخ المفيد وابن إدريس والعلامة في المختلف ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، ولم أقف بعد التتبع على خبر يدل على هذا القول ، وإنما استدل له في المختلف بما رواه

الشيخ عن ليث المرادي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كم تعتد الأمة من ماء العبد؟ قال : بحيضة».

قال في المختلف في تقرير الاستدلال بهذا الخبر : والاعتبار بالقرء الذي هو الطهر بحيضة واحدة يحصل قران ، القرء الذي طلقها فيه ، والقرء الذي بعد الحيضة ، والمتمتع بها كالأمة ، انتهى.

ومرجعه إلى حمل المتمتع بها على الأمة ، وعلى ذلك حمل الخبر في التهذيب أيضا واعترضه السيد السند في شرح النافع وقبله جده في المسالك بأن فيه نظرا ، فإن الحيضة تتحقق بدون الطهرين معا فضلا عن أحدهما كما لو أتاها الحيض بعد انتهاء المدة بغير فصل ، فإن الطهر السابق منتف ، وإذا انتهت أيام الحيض تحققت الحيضة التامة وإن لم يتم الطهر ، بل بمعنى لحظة منه ، ومثل هذا لا يسمى طهرا في اعتبار العدة ، وإن اكتفي به سابقا على الحيض ، انتهى.

واستدل له في المسالك بحسنة زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام وفيها «إن كان حر

__________________

(١) أقول : ما دل عليه هذا الخبر وان أفتى به في المقنع من التفصيل في الحد ولا أعرف له وجها ، وبذلك صرح العلامة في المختلف فقال بعد نقل كلامه ونقل الرواية المذكورة : وفي التفصيل اشكال وهو في محله. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٣٥ ح ٦٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٠ ح ٦.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٦٧ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٥ ح ٦٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٩ ح ١.

١٨٧

تحته أمة فطلاقها تطليقتان ، وعدتها قران». مضافا إلى صحيحة زرارة المتقدمة (١) الدالة على «أن على المتمتعة ما على الأمة». قال : وهذه أوضح دلالة من الاولى ، وأشار بالأولى إلى رواية محمد بن الفضيل التي قدمنا نقلها عنه دليلا على القبول الأول ، قال : لأنها حسنة ، ومحمد بن الفضيل الذي يروى عن الكاظم عليه‌السلام ضعيف ، وإن كان العمل بها أحوط لأن العدة بالحيضتين أزيد منها بالقرءين ، انتهى.

وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال أما (أولا) فلأن حسنة زرارة التي استدل بها إنما تضمنت القرءين ، وهو كما يطلق على الطهرين يطلق على الحيضتين لغة وشرعا كما قد استفاض في الأخبار ، وسيأتي تحقيقه في محله إن شاء الله.

ومع الإغماض عن ذلك فقد عرفت أن ما دلت عليه صحيحة زرارة من أن على المتمتعة ما على الأمة إنما هو بالنسبة إلى الاعتداد بالأشهر لا بالأقراء ، حيضا كانت أو أطهارا.

وأما (ثانيا) فلأن الحمل على الأمة مع اختلاف الأخبار فيها أيضا بالطهرين أو الحيضتين ، أو الحيضة ونصف كما سلف في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي بها أفتى الصدوق في المقنع واختلاف كلمة الأصحاب كذلك مما لا يجدي نفعا ، ولا يثمر ترجيحا ، والحيضتان في الأمة ليس مختصا برواية محمد بن الفضيل حتى أنه يرجح حسنة زرارة عليها بل هو مدلول صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة كما سيأتي تحقيقه في تلك المسألة إن شاء الله تعالى.

وبالجملة فإن كلامه وغيره في هذا المقام مبني على حمل المتمتع بها على الأمة ، وقد عرفت ما فيه ، والقول الأول قد عرفت قوة مستنده ، وصراحة الروايات مع صحتها به ، والقول الثاني والثالث أيضا ظاهران من الأخبار التي قدمناها ، ومن أجل ذلك حصل الإشكال إذ لا أعرف وجها للجمع بينها على وجه يشفي

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ح ١٤٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٥ ح ٢.

١٨٨

العليل ، ويبرد الغليل ، والحمل على التقية هنا مغلق بابه ومسدل حجابه ، إلا أن يكون بالمعنى الآخر الذي تقدمت الإشارة إليه مرارا ، لكنه غير معلوم في أي هذه الأقسام ، وظاهر جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالسيد السند في شرح النافع والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الكفاية التوقف في المسألة.

وربما جمع بين الأخبار (١) بحمل ما زاد على الحيضة على الاستحباب ، وجعله السيد السند الأولى في الجمع بينهما ، وجعل الاحتياط في الحيضتين ، وهو جيد ، وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل اختيار مذهب الشيخ المفيد تبعا للجماعة المتقدم ذكرهم استنادا إلى الأخبار الدالة على تفسير الأقراء المعتبرة في العدد بالأطهار ، واتفاق الأصحاب على اعتبار الأطهار في العدة ، وتفسير الأقراء التي تضمنتها الآية بها ، وعدم عملهم على ما قابلها من روايات الحيض بل حملها على التقية كما ذكره الشيخ.

وفيه (أولا) إنه وإن كان الأمر كما ذكره من حمل الروايات الدالة على تفسير الأقراء بالحيض على التقية وعدم عملهم عليها ، إلا أن ذلك إنما وقع لهم في مسألة الزوجة التي يجب عليها العدة بثلاثة أقراء ، والروايات إنما اختلفت في أنه هل المراد بالأقراء هنا هي الأطهار أو الحيض ، إنما هو في هذه المسألة واتفاق الأصحاب على أن المراد بالأقراء هي الأطهار لا الحيض إنما هو ثمة دون ما نحن فيه ، ونحن إنما صرنا إلى العمل بتلك الأخبار في تلك المسألة لاتفاق الأصحاب ، واعتضاد تلك الأخبار به ، وهذا مفقود فيما نحن فيه لما عرفت من الاختلاف في هذه المسألة ، والحمل على التقية في هذه المسألة غير ميسر لعدم قول

__________________

(١) وبه صرح شيخنا المجلسي ـ قدس‌سره ـ في حواشيه على التهذيب حيث قال بعد نقل الأقوال : وحمل الزائد على الحيضة على الاستحباب لا يخلو من قوة ، والأحوط رعاية الحيضتين ، وهو الذي صرح به السيد السند في شرح النافع كما عرفت في الأصل.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

١٨٩

العامة بها ، فرد تلك الأخبار المعارضة في تلك المسألة من هذه الحيثية لا يستلزم ردها مطلقا.

و (ثانيا) إنك قد عرفت دلالة جملة من الروايات الصحيحة الصريحة على الحيضتين ، وجملة أخرى على الحيضة ، وصحيحة عبد الرحمن على الحيضة والنصف ، والعمل بهذا القول مع عدم الدليل الواضح عليه إلا مجرد هذا التخريج السحيق يستلزم طرح جملة تلك الأخبار ، مع ما هي عليه من الصراحة وصحة أكثرها ، وهذا لا يلتزمه محصل.

وبالجملة فإني لا أعرف لهذا القول وجها يعتمد عليه ، وكيف كان فالاحتياط بالعمل بأخبار الحيضتين عندي متعين ، فإنه أحد المرجحات الشرعية في مقام اختلاف الأخبار ، والله العالم.

السادسة : قد اختلف الأصحاب في عدة المتعة من الوفاة لو مات الزوج في المدة المعينة بينهما ، والكلام هنا يقع في مقامين :

الأول : أن تكون الزوجة المتمتع بها حرة والمشهورة أن عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملا ، وإلا فبأبعد الأجلين منها ومن وضع الحمل كالدائم.

وذهب جمع من الأصحاب ـ منهم المفيد والمرتضى وسلار وابن أبي عقيل ـ إلى أن عدتها شهران وخمسة أيام.

احتج القائلون بالأول بعموم قوله عزوجل «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً» (١) الآية ، والزوجة صادقة على المتمتع بها بلا خلاف ولا إشكال. وما تقدم في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) من قوله «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها ، هل عليها العدة؟ فقال : تعتد

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٣٤.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ص ١٤٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٦ ح ٢٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٤ ح ١.

١٩٠

أربعة أشهر وعشرا» الحديث.

وما رواه في الفقيه (١) في الصحيح عن ابن أذينة عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ، وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة وكذلك المتعة عليها ما على الأمة».

والذي يدل على القول الثاني ما رواه الشيخ (٢) عن علي بن حسن الطاطري عن علي بن عبد الله بن علي بن شعبة الحلبي عن أبيه عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ، ما عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما».

وردها المتأخرون بضعف الاسناد سيما بالطاطري ، فإن الشيخ ذكر في الفهرست أنه كان واقفيا شديد العناد في مذهبه صعب العصبية على من خالفه من الإمامية ، وأجاب الشيخ عنها بالحمل على ما إذا كانت أمة ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى من أن عدة الأمة من الوفاة هذا القدر ، ولا بأس به جمعا بين الأخبار.

بقي من أخبار هذه المسألة ما رواه الشيخ (٣) عن علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها زوجها خمسة وأربعون يوما».

وهذا الخبر لا ينطبق على شي‌ء من القولين المذكورين ، وحمله الشيخ على موت الزوج في العدة بعد انقضاء الأجل ، وهو جيد ويؤنس به ، عطف الموت بالفاء

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٦ ح ٢٥ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ح ١٤٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٤ ح ٢.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٨ ح ١٤٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٥ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٥٧ ح ١٤٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٤ ح ٣.

١٩١

على المتمتع بها ، فكأنه في معنى أن موته وقع على أثر تمام التمتع بانقضاء الأجل.

الثاني : أن تكون أمة ، والمشهور أن عدتها شهران وخمسة أيام ، نصف عدة الحرة إذا كانت حاملا ، وتدل عليه الأخبار الكثيرة الدالة على أن عدة الأمة في الوفاة زوجة دائمة كانت أو متعة شهران وخمسة أيام.

ومن ذلك ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران وخمسة أيام».

وعن الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام ، وعدة المطلقة التي لا تحيض شهر ونصف».

وعن أبي بصير (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : عدة الأمة التي يتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام ، وعدة الأمة المطلقة شهر ونصف».

وبهذا المضمون موثقة سماعة ، وعلى هذه الروايات حمل الشيخ رواية ابن أبي شعبة المتقدمة فخصص المرأة بالأمة لمناسبتها لها في العدة.

وذهب جمع من الأصحاب منهم ابن إدريس والعلامة في المختلف إلى أن عدة الأمة في الوفاة عدة الحرة مطلقا.

قال في المسالك : وفي صحيحة زرارة السابقة ما يدل عليه ، ويشكل بمعارضتها بهذه الأخبار الكثيرة ، وربما كانت أصح سندا وإن شاركها في وصف الصحة ، وأشار بصحيحة زرارة السابقة إلى صحيحته المتقدمة في المقام الأول ، وهو قوله «يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج» إلى آخره ، وفحوى كلامه يدل على أنه لا مستند لهذا القول إلا هذه الصحيحة مع أن الروايات الدالة عليه كثيرة.

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٥ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ح ٩.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ح ٨.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ح ٦.

١٩٢

ومنها ما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن سليمان بن خالد قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ إلى أن قال : قلت : فإن توفي عنها زوجها؟ فقال : إن عليا عليه‌السلام قال : في أمهات الأولاد لا يتزوجن حتى يعتدن أربعة أشهر وعشرا وهن إماء».

وما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن الحسن بن محبوب عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كان له أم ولد ، فزوجها من رجل فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها ، إله أن يطأها؟ قال : تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ، ثم يطأها بالملك بغير نكاح». وطريق الصدوق إلى حسن بن محبوب صحيح ، فتكون الرواية صحيحة.

وما رواه في التهذيب (٣) عن سليمان بن خالد في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا».

وبالجملة فالروايات في المقام مختلفة ، والشيخ قد جمع بينها بحمل هذه الروايات الدالة على عدة الحرة على أمهات الأولاد ، والأخبار الدالة على التنصيف على غيرها من الإماء ، وهذا الحمل لا يجري في صحيحة وهب بن عبد ربه ، وهو ظاهر ، لكون العدة عن الرجل الذي زوجه السيد ، ولا موثقة سليمان بن خالد المصرحة بأن المتوفى الزوج لا السيد ، ودلالة الروايات من الطرفين إنما هو باعتبار إطلاق الأمة المتوفى عنها زوجها الشامل للزوجة الدائمة والمتمتع بها ، وأم الولد بالنسبة إلى سيدها لا تدخل في ذلك وبالجملة فالمسألة محل

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٧٠ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٣ ح ١٢٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ح ١.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٧٢ ح ١٠ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٣ ح ١٣٠ ، الفقيه ج ٤ ص ٢٤٦ ح ٦ مع تفاوت يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٢ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٥٣ ح ١٣١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٣ ح ٥.

١٩٣

توقف وإشكال.

قال في المسالك : ولو كانت الأمة حاملا اعتدت بأبعد الأجلين من المدة المذكورة ووضع الحمل ، أما إذا كانت الأشهر الأبعد ، فظاهر ، للتحديد بها في الآية والرواية ، وأما إذا كان الوضع أبعد فلامتناع الخروج عن العدة مع بقاء الحمل ، لأنه أثر ماء الميت الذي يقصد بالعدة إزالته ، ولعموم قوله تعالى «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (١) فلا بد من مراعاة المقامين ، وذلك بأبعد الأجلين ، انتهى.

أقول : وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في محل اللائق به ، والله العالم.

السابعة : لا ريب في جواز تجديد العقد عليها بعد الأجل وإن كانت في العدة سواء أراد العقد عليها دواما أو متعة ، وهذا مخصوص به ، أما غيره فلا يجوز له العقد عليها إلا بعد تمام العدة.

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (٢) عن أبي بصير في الصحيح أو الموثق قال : «لا بأس بأن تزيدك وتزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما ، تقول لها : استحللتك بأجل آخر برضا منها ، ولا يحل ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها» الخبر.

ولا يصح قبل انقضاء أجلها ، ولو أراد ذلك وهبها المدة الباقية من الأجل ، واستأنف العقد متعة أو دواما ، وعلى ذلك يدل مفهوم الشرط في الخبر المتقدم.

وما رواه في الكافي (٣) عن أبان بن تغلب قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ثم إنها تقع في قلبه فيجب أن

__________________

(١) سورة الطلاق ـ آية ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٨ ح ١١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٨ ح ٧٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٥ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٨ ح ٧٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٨ ح ١.

١٩٤

يكون شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن يزيدها في أجرها ، ويزداد في الأيام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال : لا ، لا يجوز شرطان في شرط ، قلت : فكيف يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام ثم يستأنف شرطا جديدا».

قوله عليه‌السلام «لا يجوز شرطان في شرط» قيل في معناه وجوه : (منها) إن الشرطان المدتان المتخالفتان والأجران المتباينان في شرط أي في عقد واحد ، ذكره المحدث الكاشاني في الوافي.

و (منها) ما ذكره المحدث الأمين الأسترآبادي قال : أي أجلان في عقد واحد ، فلذا لا يجوز عقد جديد قبل انفساخ العقد الأول.

و (منها) ما ذكره المجلسي في حواشيه على الكافي ، قال : لعل المراد بالشرط ثانيا الزمان على طريقة مجاز المشاكلة ، وبالشرطين العقدين ، أي لا يتعلق عقدان بزمان واحد.

ويحتمل أن يكون المفروض زيادة الأجل والمهر في أثناء المدة تعويلا على العقد السابق من غير تجديد ، فيكون بمنزلة اشتراط أجلين ومهرين في عقد واحد.

أقول : الظاهر من هذه الوجوه هو ما ذكره المحدث الكاشاني.

وربما بنى الكلام هنا على الخلاف المتقدم في وجوب اتصال المدة بالعقد وعدمه ، فإن قلنا بالأول امتنع حتى ينقضي أجلها ، وإن قلنا بالثاني جاز العقد عليها قبل انقضاء الأجل ، وهو جيد ، إلا أن المحقق ـ مع تصريحه في الشرائع بجواز انفصال الأجل عن وقت العقد ـ صرح في النافع في هذه المسألة بأنه لا يصح العقد قبل انقضاء الأجل ، واحتمال رجوعه عما أفتى به في الشرائع بعيد.

وما ذكرناه من عدم جواز تجديد العقد عليها قبل انقضاء الأجل هو المشهور بين الأصحاب ، ونقل في المختلف عن ابن حمزة أنه قال : «وإن أراد أن يزيد في الأجل جاز وزاد في المهر ، وروي أنه يهب منها مدته ثم يستأنف ، وأنه لا يصح ما ذكرناه أولا.

ونقل في المختلف أنه احتج بأصالة الجواز السالم عن معارضة شغلها بعقد

١٩٥

غيره ، وكونها مشغولة بعقد لا يمنع من العقد عليها مدة أخرى كما لو كانت مشغولة بعدته ، ثم قال في المختلف. ولا بأس به عندي ، ثم نقل عن ابن أبي عقيل أنه قال : لو نكح متعة إلى أيام مسماة ، فإن أراد أن ينكحها نكاح الدائم قبل أن تنقضي أيامه منها لم يجز ذلك ما لم تملك نفسها ، وهو أملك بها منها ما لم تنقض أيامها ، فإذا انقضت أيامها فشاءت المرأة أن تنكحه من ساعته جاز ، ولو وهب أيامه ثم نكحها نكاح إعلان جاز ذلك.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وهو يعضد قول ابن حمزة ، إلا أنه قيد بالإعلان.

أقول : ما ذكره ـ رحمه‌الله ـ من الاحتجاج لابن حمزة واختاره محض اجتهاد في مقابلة النصوص ، وهو مما منعت منه الشريعة على العموم والخصوص ، والخبران المتقدمان ظاهران في عدم جواز ذلك.

أما الأول فإنه يدل على ذلك بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند محققي الأصوليين ، وعليه دلت جملة من الأخبار التي تقدمت الإشارة إليها مرارا.

وأما الثاني فهو صريح في ذلك ، وبها يجب الخروج عن الأصل الذي استند إليه ، وقياسه العقد في الأجل على العقد في العدة قياس مع الفارق ، فإنها في الأجل زوجة ، وفي العدة تباين ، قد خرجت عن الزوجية بالكلية ، وإنما وجبت العدة عليها لأجل استبراء رحمها ، ولو جدد العقد عليها لم يضر بالعلة في العدة ، بخلاف غيره ، ولو صح تجديد العقد عليها متعة في الأجل لصح ذلك دواما إذ لا فرق بينهما إذ المقتضي للصحة أمر واحد فيها مع أنه لا يقول به.

وبالجملة فإن ما اختاره من القول المذكور الموجب لرد الخبرين المذكورين مع ظهور دلالتهما وعدم المعارض لهما مما لا يلتزمه محصل ، وكان الواجب عليه الجواب عنهما ، وهو قد ذكر رواية أبان دليلا للقول المشهور ، واختار ما ذكره ولم يتعرض للجواب عنها.

١٩٦

الثامنة : المشهور بين الأصحاب أنه لو اشترط المرأة المتمتع بها أن لا يطأها في الفرج لزم الشرط ولم يجز له الوطي ، ولو أذنت بعد ذلك جاز.

قال الشيخ في النهاية : إذا اشترط الرجل في حال العقد أن لا يطأها في فرجها لم يكن له وطؤها فيه ، فإن رضيت بعد العقد بذلك كان ذلك جائزا ، وجعله ابن إدريس رواية ، وهو مؤذن بتوقفه في ذلك.

وظاهر العلامة في المختلف عدم الجواز وإن رضيت ، فإنه قال ـ بعد نقل كلام الشيخ في النهاية ونقل نسبة ابن إدريس ذلك إلى الرواية ـ ما لفظه : والشيخ عول على رواية عمار بن مروان (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «قلت : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر أو التماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله ، إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة؟ قال : لا بأس ، ليس له إلا ما اشترط». ثم قال : والجواب نحن نقول بموجب الرواية ، وأنها لو اشترطت عليه عدم الإتيان في الفرج لزم ، وتمنع تسويغه بعد ذلك بالاذن ، انتهى.

أقول : فيه أن الشيخ لم يعود على هذه الرواية كما توهمه ، فإنها غير وافية بالاستدلال على ما قال ، بل دليله الذي اعتمد عليه إنما هو ما ذكره من الرواية مع ما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار ، ورواه الصدوق في الفقيه (٢) بطريقه إلى إسحاق بن عمار أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس».

وهي كما ترى ظاهرة بل صريحة في جواز الوطي بعد الاذن ، وطريق

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٧ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٧٠ ح ٨٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩١ ب ٣٦ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٩ ح ٥٩ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٧ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥ ب ٣٦ ح ٢.

١٩٧

الصدوق ـ رحمه‌الله ـ إلى إسحاق بن عمار صحيح ، ولكن لما كان إسحاق المذكور مشتركا بين الصيرفي الإمامي الثقة ، وبين الفطحي الثقة ، فالخبر من الموثق.

وفي معنى خبر عمار بن مروان ما رواه سماعة (١) أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس منى ما شئت من نظر والتماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله ، إلا أنك لا يدخل فرجك في فرجي ، وتلذذ بما شئت ، فإني أخاف الفضيحة ، فقال : ليس له إلا ما اشترط».

والمفهوم من هذه الأخبار الثلاثة ـ بعد ضم بعضها إلى بعض ـ هو صحة الشرط المذكور ، وعدم جواز الجماع إلا مع الاذن بعد ذلك فإنه يجوز.

قال السيد السند في شرح النافع بعد ذكر روايات المسألة كملا : ويظهر من العلامة في المختلف عدم جواز مخالفة الشرط ، وإن رضيت بذلك ، وربما كان وجهه أن العقد لم يتشخص سوى ذلك بالشرط ، فلا يكون خلافه مندرجا في العقد ، والمسألة محل إشكال وإن كان الجواز لا يخلو من رجحان ، انتهى.

أقول : الظاهر أن العلامة لم يقف في وقت ما كتبه هنا في الكتاب المذكور على رواية إسحاق بن عمار الدالة على مدعى الشيخ كما سمعت مما نقلناه عنه ، وإنما استدل له بتلك الرواية الدالة على المنع من الوطي بالشرط وهو مما لا ريب فيه ، ولم يقف على ما دل على الجواز مع الاذن فهو معذور فيما ذهب إليه ، وإلا فلو أنه وقف على الرواية ـ ومع هذا اختار المنع ـ لأجاب عن الرواية المذكورة.

بقي الكلام معه في هذا الوجه الذي استدل به على المنع ، واستشكل لأجله مع نقله للخبر المذكور.

وفيه أنه لا ريب في كونها زوجة ، وأن الوطي حق لها ، فمتى أذنت جاز

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٦٩ ح ٥٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥ ب ٣٦ ح ١.

١٩٨

والاعتماد على تشخص العقد بذلك الشرط ـ فلا يكون خلافه مندرجا في العقد ـ قد هدمنا بنيانه ، وزعزعنا أركانه بالأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة في صحة العقود المشتملة على الشروط الفاسدة مع بطلان تلك الشروط كما تقدم في غير مقام.

هذا مع تسليم جواز الاعتماد على أمثال هذه التعليلات العليلة في تأسيس الأحكام الشرعية ، مع عدم المعارض لها من الأخبار ، وإلا فمع منعه سيما بعد وجود الخبر الصريح الصحيح بالاصطلاح القديم ، فالحكم أظهر من أن يعتريه شائبة الإشكال.

ثم إنه لا يخفى أن مورد هذه الروايات الثلاث هو الزوجة مطلقا أعم من أن تكون دائمة أو متعة ، والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في صحة هذا الشرط في عقد المتعة لعموم ما دل على الوفاء بالشروط ، وعدم ما يدل على المنافاة ، وما ربما يقال من أن مقتضى العقد إباحة الاستمتاع في كل وقت فتخصيصه ببعض الأوقات ينافيه ، مدفوع بأن ذلك إنما يقتضيه العقد المطلق أي المجرد عن الشرط ، لا مطلق العقد ، على أن ذلك لو تم لاقتضى عدم جواز اشتراط انتفاع البائع بالمبيع مدة معينة وإسقاط الخيار وما شاكل ذلك ، مما أجمع الأصحاب على صحة اشتراطه.

ويعضده ما قدمنا تحقيقه في كتب المعاملات من أن الشروط كائنة ما كانت إنما هي بمنزلة الاستثناء الذي عرفوه بأنه إخراج ما لولاه لدخل ، فالمنافاة لأجل العقد حاصلة البتة ، ولا خصوصية له بهذا المكان كما يوهمه كلام هذا القائل.

نعم يبقى الكلام والاشكال في صحة هذا الشرط وعدمه في النكاح الدائم ، والقول بلزوم الشرط وجواز الوطي مع الاذن في المنقطع والدائم للشيخ والمحقق في كتابيه وجماعة.

قال في النافع : لو شرطت أن لا يفتضها صح ولو أذنت بعده جاز ، ومنهم من خص الجواز بالمتعة ، انتهى.

١٩٩

والقول باختصاص صحة هذا الاشتراط بالمتعة ، وبطلانه بل بطلان العقد في الدائم ، للشيخ أيضا وجماعة منهم العلامة في المختلف وولده في الشرح ، استدلوا على البطلان في الدائم بمنافاة هذا الشرط لمقتضى العقد ، إذ من أهم مقتضياته حصول التناسل ، وهو يستدعي الوطي ، وإذا فسد الشرط فسد العقد ، لعدم الرضا به بدون الشرط.

أقول : لا يخفى أن الأخبار الثلاثة الواردة في المسألة شاملة بإطلاقها للنكاح الدائم والمنقطع ، وبها أخذ من قال بالعموم ، إلا أن الظاهر من روايتي عمار وسماعة الاختصاص بنكاح المتعة ، فإنه هو الذي يترتب عليه حصول الفضيحة ، وسيجي‌ء إن شاء الله الكلام في هذه المسألة بمزيد تحقيق في المقام ، والله العالم.

التاسعة : المشهور بين الأصحاب أنه لا يجوز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها ، وخالف في ذلك الشيخ في النهاية والتهذيب فجوز التمتع بها بغير إذن المرأة استنادا إلى روايات سيف بن عميرة (١) وقد تقدم تحقيق البحث في هذه المسألة مستوفى ، كما هو حقه في المسألة الثانية عشر من المقصد الثاني في الأولياء للعقد من الفصل الأول في العقد (٢) ، والله العالم.

الفصل الرابع

في نكاح الإماء

وهو إما بالملك للرقبة أو المنفعة أو العقد دواما أو متعة ، وقد تقدم في الأبحاث السابقة ذكر كثير من أحكامهن وبقي الكلام هنا في مطالب ثلاثة :

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ و ٢٥٨ ح ٣٩ و ٤٠ و ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ح ١ و ٢ و ٣.

(٢) أقول : من جملة ذلك في كتاب البيع سيما في باب الحيوان ، وكذا في هذا الكتاب فيما يحرم جمعا أو عينا من المطلب الثالث في المصاهرة وغيرهما أيضا.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٠٠