الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

منها ما رواه الصدوق (١) في الصحيح عن علي بن رئاب قال : «كتبت إليه أسأله عن رجل تمتع بامرأة ثم وهب لها أيامها قبل أن يفضي إليها ، أو وهب لها أيامها بعد ما أفضى إليها ، هل له أن يرجع فيما وهب من ذلك؟ فوقع عليه‌السلام : لا يرجع».

وعن يونس بن عبد الرحمن (٢) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة متعة ، فعلم بها أهلها ، فزوجوها من رجل في العلانية ، وهي امرأة صدق ، قال : لا تمكن زوجها من نفسها حتى تنقضي عدتها وشرطها ، قلت : إنه كان شرطها سنة ، ولا يصبر زوجها ، قال : فليتق الله زوجها وليتصدق عليها بما بقي» الحديث.

ورواه في الكافي (٣) عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام بأدنى تفاوت ، وفيه «فليتق الله زوجها الأول وليتصدق عليها بالأيام ، فإنها قد ابتليت والدار دار هدنة ، والمؤمنون في تقية» الحديث (٤).

وعن أبان بن تغلب (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ، ثم إنها تقع في قلبه فيجب أن يكون شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن يزيدها في أجرها ويزداد في الأيام قبل أن

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٣ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٣ ب ٢٩ ح ١.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٥٦ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٦٦ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩٣ ح ١.

(٤) وتمامه «قلت : فإنه تصدق عليها في أيامها وأنقصت عدتها كيف تصنع؟ قال : إذا خلا الرجل بها فلنقل هي : يا هذا ان أهلي وثبوا على فزوجوني منك بغير أمري ولم يستأمروني وانى الان قد رضيت فاستأنف أنت الان فتزوجني تزويجا صحيحا فيما بيني وبينك». (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٥٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٨ ح ٧٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٨ ح ١.

١٦١

تنقضي أيامه التي شرط عليها ، فقال : لا يجوز شرطان في شرط ، قلت : كيف يصنع ، قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام ، ثم يستأنف شرطا جديدا».

وهذه الأخبار مع اتفاقها على ما ذكرناه من صحة الهبة بجميع المدة وبعضها قبل الدخول وبعده مؤيدة بظاهر اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ حيث قال : وقد يشك في جواز هذه الهبة من حيث تجدده شيئا فشيئا ، فالثابت في الذمة حال البراءة ليس هو الحق للتجدد ـ فإنه محض اجتهاد في مقابلة النصوص.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن ما قدمنا ذكره من أنه لو كان هبة المدة قبل الدخول وجب لها نصف المهر وسقط النصف الآخر كما في الطلاق قبل الدخول ، الظاهر أنه مما لا خلاف فيه بل ادعى عليه المحقق الشيخ علي الإجماع.

ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب (١) بطريقين أحدهما في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن رجل تزويج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم ، إذا جعلته في حل فقد قبضته منه ، فإن خلالها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق».

والتقريب فيها أنه لو لا أن الحكم تنصيف المهر في الصورة المذكورة لكان الواجب أن لا ترد إليه شيئا أو ترد الجميع كما لا يخفى ، وظاهره في المسالك التوقف في الحكم ، ومنشأه المناقشة في ثبوت الإجماع المدعى ، وأن الرواية مقطوعة يعني مضمرة ، واعتمد في وجوب تمام المهر على اقتضاء العقد ، لقصور الدلالة على المسقط ، وظاهر السيد السند في شرح النافع العمل بالرواية ، وإن كانت ضعيفة لجبرها باتفاق الأصحاب لعدم ظهور المخالف ، بل دعوى الإجماع كما عرفت ، وكل منهما قد خالف نفسه في غير موضع فيما ذكرناه هنا ، والوجه فيه ما قدمنا ذكره من أن أصحاب هذا الاصطلاح ـ لضيق الخناق ـ لا يقفون على ضابطة

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٦١ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٣ ح ١.

١٦٢

يعتمدون عليها ولا قاعدة يرجعون إليها ، والحق هو القول المشهور ، فإنه بعد ورود الخبر به لا يعتريه قصور ولا فتور ، وقد صرح غير واحد منهم كما تقدم قريبا بأن الإضمار غير مضر في الأخبار ولا موجب فيها لسقوط الاعتبار.

ثم إنه ينبغي أن يعلم أن ما ذكر من التنصيف في الهبة قبل الدخول مما لا إشكال فيه ، إذا وقعت الهبة بجميع المدة الباقية وقت الهبة كما هو ظاهر الخبر الذي هو مستند هذا الحكم ، أما لو وهبها البعض خاصة قبل الدخول وقلنا بجوازه وانقضت المدة ولم يدخل فالأظهر أنه لا يسقط من المهر شي‌ء اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص والوفاق ، قيل : ويحتمل السقوط لصدق التفرق قبل الدخول ورد بأنه ضعيف.

والظاهر كما استظهره جملة من الأصحاب أن هذه الهبة في معنى الإبراء ، فلا يتوقف على القبول ، وقال في المسالك : يصح هبة المدة جميعها.

ورابعها إذا تبين فساد عقد المتعة بأحد الوجوه الموجبة لذلك ، كأن ظهر أن لها زوجا ، أو أنها أخت زوجته ، أو أمها أو نحو ذلك مما يوجب فسخ العقد فإن كان قبل الدخول فلا خلاف في أنه لا شي‌ء لها من المهر ، وإن أخذته استعاده منها ، إنما الخلاف فيما إذا ظهر شي‌ء من ذلك بعد الدخول ، فللأصحاب فيه أقوال :

(أحدها) وهو مذهب الشيخين في المقنعة والنهاية أن لها ما أخذت ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي ، ولم يفصلا بين كونها عالمة أو جاهلة ، واستدل عليه الشيخ في التهذيب (١) بما رواه في الحسن عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا بقي عليه شي‌ء من المهر وعلم أن لها زوجا فما أخذته فلها بما استحل من فرجها ويحبس عنها ما بقي عنده».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦١ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦١ ح ٥٤ الوسائل ج ١٤ ، ص ٤٨٢ ح ١.

١٦٣

أقول : ونحو هذه الرواية ما رواه في الكافي (١) عن علي بن أحمد بن أشيم قال : «كتب إليه الريان بن شبيب ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ : الرجل يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي ثم دخل بها وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها إنما زوجته نفسها ولها زوج مقيم معها ، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب عليه‌السلام : لا يعطيها شيئا لأنها عصت الله عزوجل».

والرواية الاولى وإن دلت بإطلاقها على عدم الفرق بين العالمة بالزوج والجاهلة بأن تعتقد خلوها من الزوج بطلاق أو موت ثم يظهر خلافه ، إلا أنه يجب حملها على الجاهلة بقرينة قوله عليه‌السلام في الخبر «فما أخذته فلها بما استحل من فرجها» حيث إنه مع فرض كونها عالمة تكون بغيا ولا مهر لبغي ، فكيف يكون ما أخذت ملكا لها بما استحل من فرجها!!

ويؤيده قوله عليه‌السلام في الرواية الثانية المشتملة على العالمة «لا تعطها شيئا فإنها عصت الله تعالى» ، وظاهره جواز استرجاع ما أخذته ، ولكن لما كان سؤال السائل إنما هو عن جواز حبس الباقي وعدمه أجابه بما ذكر في الخبر ، فكأنه عليه‌السلام فهم منه الاعراض عما دفعه لها وعدم إرادته ، وإلا فإنه يستحق المطالبة به ، لما عرفت من أنها بغي ، فلا يستحق شيئا. والظاهر أيضا حمل كلام الشيخين على ذلك ، ولا يحضرني الآن صورة كلاميهما فإن كان وفق عبارة الخبر فالقرينة فيه ظاهرة أيضا.

وبالجملة فما ذكرناه هو الأوفق بالأصول والقواعد ، وقد عرفت أن الرواية لا تأباه إلا ان في ذلك إشكالا سيأتي التنبيه عليه.

بقي الكلام فيما لو لم يدفع إليها شيئا بالكلية ، أو دفع الجميع ، فإن الرواية لا دلالة فيها على حكم شي‌ء من هذين الفردين ، ومقتضى القواعد في هذا الباب أنها إن كانت عالمة فإنه يسترجع ما دفع ويمنعها من الجميع إن لم يدفع ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦١ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٢ ح ٢.

١٦٤

وإن كانت جاهلة فإنه يكون نكاح شبهة يرجع فيه إلى مهر المثل ، لكن هل يقسط على المدة كما إذا أخلفته ولم تف له بتمام المدة أو تستحق الجميع؟ إشكال ، ولعل الأول أقرب والله العالم.

و (ثانيها) أنها إن كانت عالمة فلا شي‌ء لها مطلقا لأنها بغي ، ولا مهر لبغي ، وإن كانت جاهلة فلها مجموع المسمى ، فإن قبضته وإلا أكمل لها ، واختاره المحقق في الشرائع وجماعة ، وأورد عليه بالنسبة إلى صورة الجهل ، بأن المسمى إنما يلزم بالعقد الصحيح لا الفاسد ، والعقد هنا فاسد ، ومجرد التراضي بالعقد لا يقتضي لزومه.

و (ثالثها) أنه لا شي‌ء لها مع العلم مطلقا ، ومع الجهل فلها مهر المثل مطلقا لأن ذلك هو عوض البضع في وطئ الشبهة ، والواقع هنا كذلك ، وهذا هو مختار المحقق في النافع وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، قال السيد السند في شرح النافع : وهو جيد مع إطراح الرواية.

أقول : لا ريب أن مقتضى القواعد بالنسبة إلى صورة الجهل هو وجوب مهر المثل مطلقا ، والرواية ولو على تقدير ما حملناها عليه من التخصيص بالجاهلة قد تضمنت حبس الباقي من المهر ، والقول الثالث إنما يتم بطرحها ، إلا أنه يمكن أن يقال بتخصيص القاعدة المذكورة بهذه الرواية ، ويجب الوقوف فيها على مورد النص من عقد المتعة إذا ظهر أن لها زوجا بعد أن أخذت بعضا من المهر وبقي بعض.

وهل المراد بمهر المثل مهر أمثالها بحسب حالها لتلك المدة التي سلمت نفسها فيها متعة أو مهر المثل للنكاح الدائم ، لأن ذلك هو قيمة البضع عند وطئ الشبهة من غير اعتبار العقد المخصوص أو غيره؟ قولان : استظهر في شرح النافع الأول ونفي البعد في المسالك عن الثاني لما ذكرناه من التعليل ، وسيجي‌ء الكلام في ذلك والمسألة محل إشكال.

١٦٥

و (رابعها) أنه لا شي‌ء لها مع العلم ، ومع الجهل يلزمه أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ، لأن مهر المثل إن كان أقل فهو عوض البضع حيث تبين بطلان العقد ، وإن كان المسمى هو الأقل فقد قدمت على أن لا يستحق غيره.

وأورد عليه بأنه يشكل بأن المسمى إنما رضيت به على وجه مخصوص وهو كونها زوجة ، فلا يلزم الرضاء به على تقدير فساد العقد ، ثم إنه على تقدير صحة القول المذكور فلو كان في أثناء المدة فالمعتبر الأقل من قسطها من المسمى ومهر المثل بأحد الاختيارين.

قال في المسالك : ولا بأس بهذا القول لو قال به أحد يعتد به من الفقهاء بحيث لا يخرق الإجماع إن اعتبر في الأقوال الحادثة مثل هذا كما هو المشهور.

واعترضه سبطه في شرح النافع فقال بعد نقل ذلك عنه : أقول : إن إحداث القول في المسألة إنما يمنع منه إذا كان قد انعقد الإجماع البسيط أو المركب على خلافه لاقتضائه الخروج عن قول الامام عليه‌السلام لدخول قوله عليه‌السلام في أقوال المجمعين كما هو المقدر ، هذا إنما يتحقق إذا نقل الإجماع في المسألة ، أما إذا وجد فيها منا قول أو أقوال ولم ينقل عليها إجماع ولا ظهر المخالف فإن ذلك لا يكون إجماعا ولا يقتضي المنع من إحداث قول مخالف له ، وإن لم يعلم وجود قائل به.

هذا كله بعد تسليم كون الإجماع المنقول في كتب الأصحاب هو الإجماع الذي علم فيه دخول قول المعصوم عليه‌السلام في أقوال المجمعين ، ومن تتبع كلام الأصحاب وما وقع لهم في نقل الإجماع من الاختلاف والاضطراب خصوصا ما وقع في كلام الشيخ والمرتضى من دعوى كل منهما الإجماع على نقيض ما ادعى عليه الآخر في عدة مسائل ، ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع في مسائل كثيرة وإفتائه بخلاف ذلك في مواضع أخر علم أنهم لا يريدون بالإجماع ذلك المعنى ، وإنما يريدون به المشهور بين الطائفة أو غير ذلك مما لم تثبت حجيته والله العالم ، انتهى وهو جيد.

أقول : لا يخفى على من تتبع كلام شيخنا الشهيد الثاني ـ رحمه‌الله ـ في

١٦٦

المسالك ما وقع من الاضطراب في هذا المقام ، وقد قدمنا عنه في كتاب الوصايا في مسألة ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصية ما هو ظاهر بل صريح في إبطال هذا الكلام وأنه من أضعف الأوهام.

فإنه قال : ولا يقدح دعواه الإجماع في فتوى العلامة بخلافه ، لأن الحق أن إجماع أصحابنا إنما يكون حجة مع تحقق دخول قول المعصوم عليه‌السلام في جملة أقوالهم ، فإن حجيته إنما هي باعتبار قوله عندهم ، ودخول قوله في أقوالهم في مثل هذه المسألة النظرية غير معلوم ، وقد نبه المصنف في أوائل المعتبر على ذلك فقال : إن حجية الإجماع لا تتحقق إلا مع العلم القطعي بدخول قول المعصوم عليه‌السلام في قول المجمعين ، ونهى عن الاغترار بمن يتحكم ويدعي خلاف ذلك ، وهذا عند الإنصاف عين الحق ، فإن إدخال قول شخص غائب لا يعرف قوله في قول جماعة معروفين بمجرد اتفاقهم على ذلك القول بدون العلم بموافقته لهم تحكم بارد ، وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين في كثير من المسائل التي ادعوا فيها الإجماع إذا قام عنده الدليل على ما يقتضي خلافهم ، وقد اتفق ذلك لهم كثيرا ، لكن زلة المتقدم مسامحة عند الناس دون المتأخر. انتهى ، وهو جيد يستحق أن يكتب بالنور على وجنات الحور.

المقام الثاني في الأحكام واللواحق التابعة للمقام :

وفيه مسائل : الأولى : لا ريب ولا إشكال في صحة الاشتراط في العقود بما لا يخالف الكتاب والسنة ، ووجوب الوفاء به لعموم الأخبار الدالة على وجوب الوفاء بها ، والمفهوم في كلام أكثر الأصحاب أن الشرط إنما يعتد به ويجب الوفاء إذا وقع بين الإيجاب والقبول ليكون من جملة العقد اللازم ، فلو قدمه على العقد أو أخره عنه لم يقع معتدا به ، لأنه والحال هذه لا يكون محسوبا من العقد.

وقال الشيخ في النهاية : كل شرط يشترط الرجل على المرأة يكون له

١٦٧

تأثير بعد ذكر العقد ، فإن ذكر الشروط وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها ، فإن كررها بعد العقد ثبت على ما شرط.

وأنكر ابن إدريس ذلك وخص اللزوم بما اشتمل عليه العقد ، وعليه كافة المتأخرين ، وربما قيل بأن ما دل على الوفاء بالشرط كما يشمل الشرط الذي في العقد يشمل ما تقدم وما تأخر عنه أيضا ، إلا أن يدعى منع صدق اسم الشرط على غير ما لم يذكر في العقد.

والذي وقفت من الأخبار في هذا المقام ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن محمد ابن مسلم في الموثق قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح».

وعن ابن بكير (٢) في الموثق أو الحسن قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد النكاح فهو جائز» الحديث.

وما رواه في الكافي (٣) عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ» (٤) فقال : ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلا برضاها وبشي‌ء يعطيها فترضى به».

وعن ابن بكير في الموثق (٥) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا اشترطت على

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٩ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٢ ح ٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٨ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٦ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٩ ح ٣.

(٤) سورة النساء ـ آية ٢٤.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٥٦ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٣ ح ٦٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٨ ح ١.

١٦٨

المرأة شروط المتعة فرضيت به وأوجبت التزويج فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح ، فإن أجازته فقد جاز ، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشرط قبل النكاح».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (١) بعد أن ذكر أن وجوه النكاح الذي أمر الله جل وعز بها أربعة أوجه إلى أن قال : «والوجه الثاني نكاح بغير شهود ولا ميراث وهو نكاح المتعة بشروطها ، وهي أن تسأل المرأة فارغة هي أم مشغولة بزوج أو بعدة أو بحمل ، وإذا كانت خالية من ذلك قال لها : وتمتعيني نفسك على كتاب الله وسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نكاح غير سفاح كذا وكذا بكذا وكذا ، وبين المهر والأجل على أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن الماء أضعه حيث أشاء ، وعلى أن الأجل إذا انقضى كان عليك عدة خمسة وأربعين يوما ، فإذا أتممت قلت لها : متعيني نفسك ، وتعيد جميع الشروط عليها ، لأن القول الأول خطبة ، وكل شرط قبل النكاح فاسد ، وإنما ينعقد الأمر بالقول الثاني ، فإذا قالت في الثاني : نعم دفع إليها المهر أو ما حضر منه ، وكان ما بقي دينا عليك ، وقد حل لك وطؤها». انتهى.

ونقل شيخنا المجلسي في كتاب البحار (٢) عن خبر المفضل الوارد في الغيبة قال : «وفيه قال المفضل للصادق عليه‌السلام : يا مولاي فالمتعة؟ قال : المتعة حلال طلق ، والشاهد فيها قول الله عزوجل ، ثم ساق كلاما طويلا إلى أن قال : قال المفضل : يا مولاي فما شرائط المتعة؟ قال : يا مفضل لها سبعون شرطا من خالف منها شرطا واحدا ظلم نفسه ، قال : قلت : يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية ولا مشهورة بفساد ولا مجنونة ، وأن ندعو المتعة إلى الفاحشة فإن أجابت فقد حرم الاستمتاع بها ، وأن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو عدة ، فإن شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل ، وإن خلت فيقول لها : متعيني نفسك على كتاب الله عزوجل

__________________

(١) فقه الرضا ص ٢٣٢ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٩ ب ١٤ ح ٢.

(٢) البحار ج ١٠٣ ص ٣٠١ ح ١١ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٩٢ ب ٣٢ ح ١.

١٦٩

وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحا غير سفاح ، أجلا معلوما بأجرة معلومة ـ وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر ، والأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به ـ على أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء ، وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا ، فإذا قالت ، نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح ، فإن أحببت وأحبت هي الاستزادة في الأجل زدتما» الحديث.

أقول : هذه الأخبار قد اتفقت على بطلان الشرط المتقدم قبل العقد ، والأصحاب قد فهموا من كلام الشيخ أن ذكر الشروط في أثناء العقد لا تلزم إلا أن تعاد بعده ، وهو ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة ، إلا أنهم حملوا لفظ النكاح ـ في قوله عليه‌السلام : وما كان بعد النكاح فهو جائز ـ على الإيجاب ، وأنه عليه‌السلام سماه نكاحا مجازا ، وعلى ذلك أيضا حملوا عبارة الشيخ.

وأنت إذا تأملت في كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي وكذا حديث المفضل ظهر لك صحة ذلك ، فإن ظاهر الخبرين المذكورين هو ذكر الشروط مرتين (أما) المرة الأولى فهي للاعلام بها ، واستعلام رضا المرأة بذلك وعدمه ، و (أما) الثانية فهي للعقد الذي يستبيح نكاحها كما هو صريح عبارة كتاب الفقه الرضوي ، وكذا حديث المفضل حيث قال : فإذا قالت : نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح ، وهما ظاهران في أن عقد النكاح إنما هو بالقول الثاني ، وحينئذ فيحمل قولهم عليهم‌السلام في تلك الأخبار المجملة وما كان بعد النكاح ، يعني بعد الإيجاب بقولها أنكحتك نفسي ، أو خطابه لها في المرة الثانية بقوله أتمتعيني نفسك ، ونحو ذلك من ألفاظ الإيجاب.

وبالجملة فإنه متى حكم على إجمال تلك الأخبار بهذين الخبرين ، فإنه يرتفع بذلك الخلاف من البين ، والله العالم.

الثانية : قد صرحوا بأنه يجوز للمتمتع العزل وإن لم ترض ، وأن الولد

١٧٠

يلحق به وإن عزل ، وأنه لو نفاه عن نفسه انتفى ولم يفتقر إلى لعان ، وهذا الكلام يتضمن أحكاما ثلاثة :

الأول : إنه يجوز للمتمتع العزل وإن لم تأذن ، وقد نقل غير واحد من الأصحاب أنه موضع وفاق ، ويؤيده ما تقدم في الفائدة الحادية عشر من الفوائد المتقدمة من أن الأظهر الأشهر جواز العزل عن الحرة على كراهية.

ويؤيده أيضا أن الوطي لا يجب لهن إجماعا ، لأن الغرض الأصلي منهن الاستمتاع دون النسل ، وقوله عليه‌السلام في رواية ابن أبي عمير (١) المرسلة : الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء ، إلا أنه إذا جاء ولد لم ينكره وشدد في إنكار الولد ، وبالجملة فالحكم مما لا خلاف ولا إشكال.

الثاني : إن الولد يلحق به وإن عزل ، وهذا الحكم لا يختص بالمتعة بل يجري في كل وطئ صحيح ، والوجه فيه بعد النص الدال على أن «الولد للفراش» (٢). وخصوص رواية ابن أبي عمير المتقدمة جواز سبق المني من حيث لا يشعر ، ويعضد ذلك إطلاق صحيحة محمد بن مسلم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث في المتعة قال : «قلت : أرأيت إن حملت؟ قال : هو ولده». فإن ترك الاستفصال دليل على العموم في المقال.

وفي صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (٤) قال : «سأل رجل الرضا عليه‌السلام عن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٩ ح ٨٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٩ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٧ ص ١٦٣ ح ١ ، التهذيب ج ٩ ص ٣٤٦ ح ٢٦ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٦٦ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٤ ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٨ ح ١ وفيه «حبلت».

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٩ ح ٨٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٢ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٨ ح ٢.

١٧١

الرجل يتزوج المرأة متعة ، ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها فتأتي بعد ذلك بولد فينكر الولد ، فشدد في ذلك ، فقال : يجحد ، وكيف يجحد إعظاما لذلك ، قال الرجل : فإن اتهمها؟ قال : لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مأمونة».

قوله «ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها» كناية عن العزل بمعنى أنه يشترط عليها العزل ، وهو ظاهر في أنه ليس له بعد الوطي نفي الولد وإن عزل ، ولا بمجرد التهمة ، بل لا بد من العلم بانتفائه.

وفي رواية الفتح بن يزيد (١) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الشروط في المتعة ، فقال : الشروط فيها بكذا وكذا إلى كذا وكذا ، فإن قالت نعم فذاك له جائز ، ولا تقول كما أنهى إلي أن أهل العراق يقولون : الماء مائي والأرض لك ولست أسقي أرضك الماء ، وإن نبت هناك نبت فهو لصاحب الأرض ، فإن شرطين في شرط فاسد : فإن رزقت ولدا قبله ، والأمر واضح ، فمن شاء التلبيس على نفسه لبس».

قيل : المراد بالشرطين هما الإفضاء إليها وعدم قبول الولد : وإنما فسدا لتنافيهما شرعا ، وقيل : المراد بأحد الشرطين شرط الله لقبول الولد ، والآخر شرط الرجل لنفسه ، والظاهر أن الأول أقرب ، لأن ذلك هو الذي اشتمل عليه العقد. وكيف كان فالخبر دال على أنه متى جامعها فإن عزل فإنه يجب عليه قبول الولد متى رزقها الله تعالى إياه ، ولا يجوز له نفيه بأن يلحقه بالأم ، وهو المشار إليه بقوله «وإن نبت هناك نبت فهو لصاحب الأرض» فإن المراد بالنبت الولد.

الثالث : إنه لو نفاه عن نفسه ، فإنه ينتفي ظاهرا ، ولا يتوقف على اللعان ، قال في المسالك : وهو موضع وفاق.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٩ ح ٨١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٩ ح ٦.

١٧٢

أقول : ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها».

وما رواه في التهذيب (٢) عن ابن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يلاعن الحر الأمة ، ولا الذمية ، ولا التي يتمتع بها».

والتقريب فيها أن مقتضى سقوط اللعان مطلقا انتفاء الولد بغير لعان ، وإلا لا نسد باب نفيه ، ولزم كونه أقوى من ولد الزوجة الدائمة وهو معلوم البطلان.

فإن قيل : إن مقتضى ما تقدم من الأخبار هو أن الولد يلحق به وإنه لا يجوز له نفيه إلا أن يعلم بانتفائه ، ومقتضى ما ذر هنا أنه لو نفاه عن نفسه انتفى قلنا : ما ذكر هنا مبني على الظاهر كما أشير إليه آنفا ، ومبني ما ذكر سابقا على ما بينه وبين الله عزوجل ، فهو وإن قبل قوله ظاهرا في انتفائه إلا أنه لا يجوز له فيما بينه وبين الله عزوجل إلا مع العلم بانتفائه ، لا بمجرد العزل ولا التهمة ، إلا أن لقائل أن يقول : إن ما دل عليه الخبران المذكوران من أنه لا يلاعن الرجل المرأة المتمتع بها لا تصريح فيه بكون اللعان لنفي الولد ، فيجوز أن يكون نفي اللعان إنما هو بالنسبة إلى القذف ، فإنه أحد موضعي اللعان.

وحينئذ فلا دليل على الحكم المذكور ، إلا ما يدعونه من الاتفاق إن ثبت ، فلو قيل بعد انتفائه بنفيه ـ للأخبار الأولة الدالة على وجوب قبوله للولد ، وأنه لا يجوز نفيه لعدم التعويل على مثل هذه الإجماعات ـ لكان في غاية القوة إلا أن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل ، وموافقتهم من غير دليل واضح أشكل.

تنبيه

قد طعن شيخنا الشهيد في صحيحة ابن سنان المذكورة هنا ، بأن ابن سنان

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٦٦ ح ١٧ ، التهذيب ج ٨ ص ١٨٩ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٠٥ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ١٨٨ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٥٩٦ ح ٤.

١٧٣

مشترك بين عبد الله وهو ثقة ، ومحمد وهو ضعيف ، والاشتراك يمنع الوصف بالصحة.

واعترضه سبطه في شرح النافع بأن ابن سنان الذي يروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، هو عبد الله الثقة الجليل قطعا ، لأن محمد لم يرو عن الصادق عليه‌السلام أصلا ، وإنما يروي عن أصحابه ، وقد روى محمد عن عبد الله ، وذلك معلوم من كتب الرجال ، انتهى.

أقول : ما ذكره جيد بالنسبة إلى محمد بن سنان الزاهري الضعيف ، إلا أنه يبقى احتمال محمد بن سنان أخي عبد الله بن سنان ، فإنه قد نقلت روايته عن الصادق عليه‌السلام في مواضع من كتاب طب الأئمة عليهم‌السلام ، ويمكن أن يقال : إنه وإن كان كذلك إلا أن الغالب المتكرر روايته هو عبد الله دون أخيه محمد ، والحمل على الغالب أقوى دون الشاذ النادر.

الثالثة : لا خلاف نصا وفتوى في أن المتعة لا يقع بها طلاق ، بل تبين بانقضاء المدة ، وقد تقدمت جملة من الأخبار دالة على ذلك.

وقد عرفت أنه لا يقع بها لعان لنفي الولد اتفاقا ، إلا أنك قد عرفت ما فيه ، وأما اللعان للقذف فالمشهور أنه لا يقع بها كما هو ظاهر الصحيحين المتقدمين.

ونقل عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى أنه يقع بها ، لأنها زوجته فتدخل في عموم «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ» (١) وأجيب عنه بأن عموم القرآن مخصص بالسنة وإن كانت آحادا كما هو الأشهر الأظهر ، والمشهور أيضا أنه لا يقع بها إيلاء لقوله عزوجل في قصة الإيلاء «وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ» (٢) الدال على قبول المولى منها الطلاق ، والمتعة ليست كذلك ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتف فيها ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.

ونقل عن المرتضى ـ رضي الله تعالى عنه ـ وقوع الإيلاء بها لعموم قوله

__________________

(١) سورة المؤمنون ـ آية ٥.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٢٧.

١٧٤

تعالى «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» (١) فإنه جمع مضاف وهو من صيغ العموم.

وأجيب عنه بأنه مخصوص بقوله تعالى «وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ» فإن عود الضمير إلى بعض أفراد العام يخصصه.

قال في المسالك : وفيه نظر والمسألة موضع خلاف بين الأصوليين ، وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أنه لا يخصص.

أقول : والمسألة لعدم النص الظاهر لا تخلو من توقف وإن كان القول المشهور لا يخلو من قرب.

وهل يقع بها ظهار أم لا؟ قولان : المشهور الأول ، لأن المتمتع بها زوجة ، فتدخل في العمومات المتضمنة لظهار الزوجة وذهب جماعة منهم ابن بابويه وابن إدريس إلى الثاني ، لأصالة بقاء الحل ، ولأن المظاهر يلزم بالفئة أو الطلاق ولا طلاق في المتعة ولا يجب الوطي ، فيلزم بالفئة ، مع أن إيجابها وحدها لا دليل ، وإقامة هبة المدة مقام الطلاق قياس ، ولأن أمره بأحد الأمرين موقوف على المرافقة المتوقفة على وجوب الوطي.

قال في المسالك مشيرا إلى الجواب عن ذلك قوله «ولأن المظاهر يلزم بالفئة أو الطلاق.» إلى آخره : والإلزام بأحد الأمرين لا يوجب التخصيص ، فجاز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين وهو الدائم ، وهكذا الموافقة ، ويبقى أثر الظهار باقيا في غيره كوجوب اعتزالها ، وهذا هو هو الأقوى ، انتهى.

أقول : والمسألة أيضا محل توقف ، لعدم الدليل الواضح ، وبالتردد في المسألة أيضا صرح السيد السند في شرح النافع وهو في محله.

الرابعة : اختلف الأصحاب في ثبوت التوارث بهذا العقد على أقوال : (أحدهما) إنه يقتضي التوارث كالدائم حتى لو شرطا سقوطه بطل الشرط ، كما لو شرطا عدمه في النكاح الدائم ، ويعبر عنه بأن المقتضي للإرث هو العقد

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢٦.

١٧٥

لا بشرط شي‌ء ، وهذا القول لابن البراج ، واستند فيه إلى عموم الآية الدالة على توريث الزوجة (١) ، وهذه زوجة ، فترث كسائر الزوجات ، ويدل على كونها زوجة آية «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (٢) وملك اليمين منتف عنها قطعا ، فلو لم تثبت كونها زوجة لزم تحريمها ، وعدم حلها كما تدعيه العامة من الآية.

وفي هذا القول طرح للأخبار بجملتها ، ولعله إما بناء من قائله على أنها قد تعارضت فتساقطت ، أو كونها خبر واحد لا يخصص عموم القرآن ، أو الطعن في السند بالضعف ، إلا أن الثالث بعيد ، لتفرعه على هذا الاصطلاح المحدث ، وهو غير معمول عليه عند أمثال هذا القائل من المتقدمين.

قيل : ولقد كان هذا القول بالسيد المرتضى أنسب ، وبأصول أليق ، لكنه ـ رحمه‌الله ـ عدل عنه لما ظنه من الإجماع على خلافه.

و (ثانيها) عكس القول المذكور ، وهو أنه لا توارث فيه من الجانبين ، سواء شرطا التوارث أو عدمه ، أو لم يشترط شيئا منهما ، ذهب إليه أبو الصلاح وابن إدريس والعلامة في أحد قوليه ، وابنه فخر المحققين ، والمحقق الشيخ علي ، والظاهر أنه مذهب أكثر المتأخرين ، تمسكا بأصالة العدم ، لأن الإرث حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل ، ومطلق الزوجية لا يقتضي استحقاق الإرث ، لأن من الزوجات من ترث ، ومنهن من لا ترث ، والرواية سعيد بن يسار (٣) الآتية إن شاء الله تعالى ـ ونحوها رواية عبد الله بن عمر (٤) الآتية أيضا إن شاء الله تعالى

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ١٢.

(٢) سورة المؤمنون ـ آية ٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٤ ح ٦٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٧ ح ٧.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٧ ح ٨ ، وفيهما «عبد الله بن عمرو».

١٧٦

بالتقريب الآتي ذيلهما.

و (ثالثها) إن أصل العقد لا يقتضي التوارث بل اشتراطه ، فإذا شرط ثبت تبعا للشرط ، أما عدم اقتضائه الإرث بدون الشرط فللأدلة المتقدمة ، وأما ثبوته مع الشرط فلعموم «المسلمون عند شروطهم» (١). اختاره الشيخ وأتباعه إلا القاضي ابن البراج ، وبه قطع المحقق والشهيدان ، وستأتي الأخبار الدالة عليه إن شاء الله تعالى.

و (رابعها) عكسه ، وهو أنهما يتوارثان ما لم يشترطا سقوطه ، فيكون المقتضي للإرث هو العقد بشرط لا شي‌ء ، ولو اشترطا ثبوته كان اشتراطا لما يقتضيه العقد ، وإلى هذا القول ذهب المرتضى وابن أبي عقيل ، أما ثبوت التوارث مع انتفاء شرط السقوط ، فلعموم الآية (٢) ، وأما السقوط مع الشرط ، فلعموم «المؤمنون عند شروطهم» وقد استدل عليه أيضا بموثقة محمد بن مسلم (٣) الآتية إن شاء الله تعالى.

والواجب نقل ما وصل إلينا من روايات المسألة ، ثم الكلام فيها بما وفق الله سبحانه فهمه منها.

الأول : ما رواه في الكافي (٤) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح أو الحسن عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «تزويج المتعة نكاح بميراث ، ونكاح بغير ميراث ، إن اشترطت كان ، وإن لم يشترط لم يكن».

ورواه الحميري في قرب الاسناد (٥) عن أحمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال في الكافي بعد نقل الخبر المزبور : وروى أيضا «ليس بينهما ميراث

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٧ ح ٨٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٧ ح ٩.

(٢) سورة النساء ـ آية ١٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٤ ح ٦٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٦ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٦٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٤ ح ٦٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٥ ح ١.

(٥) قرب الاسناد ص ١٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٥ ح ١.

١٧٧

اشتراط أو لم يشترط».

الثاني : ما رواه في الكافي (١) أيضا في الموثق عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة : إنهما يتوارثان ما لم يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح».

ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن صفوان بن يحيى بن بكير عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول :.» الحديث.

ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب عبد الله بن بكير ، وحمله الشيخ على أنهما يتوارثان إذا لم يشترطا الأجل ، وأيده بما تقدم في رواية أبان بن تغلب (٣) إن لم يشترط كان تزويج مقام.

الثالث : من الكتاب المذكور عن أبي عمير (٤) في الصحيح أو الحسن عن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث في المتعة قال : «فإن أحدث به حدث لم يكن لها ميراث».

الرابع : ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : كم المهر؟ يعني في المتعة ، فقال : ما تراضيا عليه ـ إلى أن قال : ـ وإن اشترطا الميراث فهما على شرطهما».

ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن النضر عن عاصم عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام.» الحديث إلى آخره.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٦٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٦ ح ٢.

(٢) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٥ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٦ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٦ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٦٦ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٦ ح ٣.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٤ ح ٦٦ وفيه «وان اشترطت» ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٦ ح ٥.

١٧٨

الخامس : ما رواه أيضا عن عمر بن حنظلة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث في المتعة قال : «وليس بينهما ميراث».

السادس : وبإسناده عن سعيد بن يسار (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث؟ قال : ليس بينهما ميراث ، اشترط أو لم يشترط» (٣).

وحمله الشيخ على اشتراط سقوط الميراث وقال : وإنما يحتاج ثبوته إلى شرط ، لا ارتفاعه ، وأيده في الوافي بأنه لما كان المتعارف اشتراطه في هذا العقد نفي التوارث لا إثباته ، كما مضى في عدة أخبار حمل قوله «اشترط أو لم يشترط» على ذلك.

السابع : ما رواه أيضا عن عبد الله بن عمر (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : حلال من الله ورسوله ، قلت : فما حدها؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك» الحديث.

الثامن : ما رواه في الفقيه عن موسى بن بكير عن زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال : «ولا ميراث بينهما في المتعة إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل».

ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن النضر عن موسى بن بكير عن زرارة (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٧٠ ح ٨٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٦ ح ٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٤ ح ٦٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٧ ح ٧.

(٣) ورواه الحسين بن سعيد في كتابه عن النضر عن عاصم عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ الى آخره. (منه ـ قدس‌سره ـ). الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٦ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٦٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٧ ح ٨ وفيهما «عبد الله بن عمرو».

(٥) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٦ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٧ ح ١٠.

(٦) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٦ ح ٢٣ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٩١ ب ٢٤ ح ١.

١٧٩

التاسع : ما صرح به الرضا عليه‌السلام في كتابه الفقه الرضوي (١) حيث قال : اعلم أن وجوه النكاح الذي أمر الله عزوجل بها أربعة أوجه منها نكاح بميراث ، وهو بولي وشاهدين ومهر معلوم ـ إلى أن قال : ـ والوجه الثاني نكاح بغير شهود ولا ميراث ، وهي نكاح المتعة بشروطها. إلى آخر عبارته المتقدمة في المسألة الأولى.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مما يدل على القول الثاني الرواية السادسة والسابعة ، والتقريب في الثانية منهما أنه عليه‌السلام جعل نفي التوارث من حدود نكاح المتعة ، بمعنى أن عقد المتعة لا يقتضي التوارث ، إلا أن غاية ما تدل عليه هو عدم التوارث بالعقد ، ولا ينافيه ثبوت الإرث بالشرط الخارج عن العقد ، وحينئذ فلا تكون هذه الرواية منافية لما دل على ثبوته بالشرط ، كما هو القول الثالث.

وأما ما قيل في وجه الاستدلال بالرواية المذكورة من أنه عليه‌السلام نفي التوارث من الجانبين وجعله من حدود المتعة ومقتضياتها ، فوجب أن لا يثبت بها توارث إنما مع عدم الاشتراط العدم فواضح ، وأما مع شرط الإرث فلأنه شرط ينافي مقتضى العقد على ما دل عليه الحديث ، فوجب أن يكون باطلا.

ففيه أنه في صورة شرط الإرث إنما يحصل المنافاة لمقتضى العقد لو كان العقد يقتضي عدم الإرث ، وقد عرفت أن غاية ما يدل عليه الخبر هو عدم اقتضاء الإرث ، لا اقتضاء عدمه ، والمنافاة إنما تحصل بناء على الثاني لا الأول ، إذ معنى قوله عليه‌السلام «من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك» هو أن من حدودها ومقتضياتها أن عقدها لا يقتضي الإرث ، لا أنه يقتضي عدم التوارث ، والفرق بين الأمرين ظاهر.

ومما يدل على القول الثالث الرواية الاولى والرابعة ، وهما مع صحة سنديهما ظاهرتا الدلالة على القول المذكور.

ومما يدل على القول الرابع الرواية الثانية ، وقد عرفت حمل الشيخ لها على أن المراد بالشرط اشتراط الأجل ، بمعنى أنهما يتوارثان إذا لم يشترطا

__________________

(١) فقه الرضا ص ٢٣٢ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٩١ ب ٢٣ ح ٥.

١٨٠