الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

يتمتع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال : الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما ، ولكن العرد والعردتين واليوم واليومين ، والليلة وأشباه ذلك».

التاسع : ما رواه في الكافي (١) عن خلف بن حماد قال : «أرسلت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : كم أدنى أجل المتعة ، هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟ قال : نعم».

العاشر : ما رواه أيضا عن القاسم بن محمد (٢) عن رجل سماه قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد ، فقال : لا بأس ، ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر».

الحادي عشر : ما رواه في التهذيب (٣) عن هشام قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة؟ قال : فقال : ذلك أشد عليك ، ترثها وترثك ، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين ، قلت : أصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال : أياما معدودة بشي‌ء مسمى مقدار ما تراضيتم به ، فإذا مضت أيامها كان طلاقها في شرطها ، ولا نفقة ولا عدة لها عليك ، قلت : ما أقول لها؟ قال : تقول لها : أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه ، والله وليي ووليك كذا وكذا شهرا بكذا وكذا درهما ، على أن الله لي عليك كفيلا لتفين لي ولا اقسم لك ، ولا أطلب ولدك ولا عدة لك علي ، فإذا مضى شرطك فلا تتزوجي حتى يمضي لك خمس وأربعون ليلة ، وإن حدث بك ولد فأعلميني».

الثاني عشر : وما رواه المشايخ الثلاثة (٤) ـ رحمة الله عليهم ـ عن بكار بن كردم

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٩ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٠ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٧ ح ٧٤ الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٩ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٧ ح ٧٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٠ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٦٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٧ ح ٧٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٧ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩٠ ح ١.

١٤١

قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يلقى المرأة فيقول لها : زوجيني نفسك شهرا ، ولا يسمي الشهر بعينه ، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين ، قال : فقال : له شهره إن كان سماه ، وإن لم يكن سمى فلا سبيل له عليها».

الثالث عشر : ما رواه في الكافي (١) عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن بكير في الموثق في حديث «إن سمي الأجل فهو متعة ، وإن لم يسم الأجل فهو نكاح بات».

أقول : هذه جملة ما وقفت عليه من الروايات المتعلقة بالأجل ، والكلام فيها يقع في مواضع :

الأول : قد اتفقت هذه الأخبار في الدلالة على صحة ما ذكره الأصحاب من اشتراط الأجل في صحة عقد المتعة ، وقضية ذلك بطلان العقد لو خلا منه ، كما هو ظاهر جملة من الأصحاب ومذهب العلامة ووالده وولده وجمع من الأصحاب منهم شيخنا في المسالك وسبطه السيد السند في شرح النافع.

وقيل بأنه ينقلب العقد دائما وهو المشهور وعليه يدل الخبر الرابع والخبر الثالث عشر.

وقيل ـ وهو اختيار ابن إدريس ـ : إنه إن كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائما ، وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد.

احتج من قال بالأول ، أما على البطلان فبأنه لم ينعقد متعة لفوات الشرط الذي هو ذكر الأجل ، وهو موضع وفاق ، وأما على عدم انعقاده دائما ، فإن الدوام غير مقصود بل المقصود خلافه ، والعقود تابعة للقصود ، وبالجملة فإنه مع الحكم بكونه يكون دائما يلزم أن ما وقع غير مقصود ، وما قصد غير واقع.

أقول : وهذا التعليل ربما يترائى صحته في بادي النظر ، إلا أنك بالرجوع إلى الأخبار وتتبعها في جملة مواضع يظهر لك فساده ، ومن ذلك الروايتان المذكورتان

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٢ ح ٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٩ ح ١.

١٤٢

هنا ، فإنهما صريحتان في أنه ينقلب دائما ، ونحوهما أيضا الرواية الحادية عشر ، ومن ذلك ما تقدم في غير مقام من دلالة جملة من الأخبار على صحة العقد المشتمل على الشرط الفاسد ، وبطلان الشرط خاصة مع أن القصد إنما تعلق بالجميع ، فما وقع غير مقصود ، وما قصد غير واقع ، وبذلك يظهر منع تبعية العقد للقصد على إطلاقه ، ويؤيده ما ذكروه من الإجماع على أن عقد النكاح ـ إذا تضمن شروطا فاسدة ـ صحيح مع بطلان الشروط المقصودة ، ذكر ذلك السيد السند في شرح النافع ، وأما ما أجاب به عنه حيث إنه ممن يختار هذا القول غير موجه.

وبالجملة فإن الاعتماد على هذا التعليل في تأسيس الأحكام الشرعية في مقابلة هذه النصوص الواضحة الجلية لا يخرج عن مقابلة النصوص بالاجتهاد ، وفيه خروج عن نهج السداد وطريق الرشاد.

ومما ذكرناه علم حجة القول الثاني ، إلا أنه في المسالك نقل الاحتجاج للقول المذكور قال : لأن لفظ الإيجاب صالح لكل منهما ، وإنما يتمحض للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني ، ولأن الأصل في العقد الصحة ، والفساد على خلاف الأصل ، ولموثقة عبد الله بن بكير ، ثم نقل الخبر الثالث عشر ، ثم قال : وفيه نظر ، لأن المقصود إنما هو المتعة كما هو الفرض ، والأجل شرط فيها ، وفوات الشرط يستلزم فوات المشروط ، وصلاحية العبارة غير كاف مع كون المقصود خلاف ما يصلح له اللفظ ، والمعتبر اتفاق اللفظ والقصد على معنى واحد ، وهو غير حاصل هنا ، لأن المقصود هو المتعة ، والمطابق للفظ هو الدائم ، وذلك يقتضي البطلان لفوات شرط المقصود وقصد الملفوظ ، والأصل إنما يكون حجة مع عدم الناقل ، وهو موجود ، والخبر ـ مع قطع النظر عن سنده ـ ليس فيه دلالة على أن من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائما ، بل إنما دل على أن الدوام لا يذكر فيه الأجل وهو كذلك ، لكنه غير المدعى ، وحينئذ فالقول بالبطلان مطلقا أقوى ، انتهى.

١٤٣

أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم أن الاعتماد عندنا في تأسيس الأحكام الشرعية إنما هو على الأدلة المعصومية دون التخريجات العقلية ، وقد عرفت أن هذا التعليل الذي بنى عليه وإن كان مما يتسارع إلى الفهم قبوله ، إلا أن الأخبار ترده كما عرفت ، وحينئذ فمن الجائز أن يقال في الجواب عما ذكره أولا إنه لما كان لفظ الإيجاب صالحا لكل منهما ، وامتنع حمله على المتعة وإن كانت هي المقصودة ، للإخلال بشرطها وهو ذكر الأجل ، إلا أنه لا مانع من حيث صلاحية اللفظ الدائم أن يحمل عليه ، وينقلب العقد إليه وأن لم يكن مقصودا وهو يرجع إلى بطلان ما ادعوه من اشتراط الصحة بالقصد هذا.

وأما جوابه عن الخبر بعدم الدلالة ، وأن المعنى فيه ما ذكره فهو بعيد ، إذ لا يخفى على المتأمل أن الخبر ظاهر في أن المدار في الفرق بين كون العقد دائما أو منقطعا إنما هو على تسمية الأجل في العقد وعدمها ، وفيه إشعار بأن القصد لا اعتبار به ، وإنما الاعتبار بذكر الأجل وعدمه ، فإن ذكر الأجل كان منقطعا وإن قصد الدائم ، وإن لم يذكره فهو دائم وإن قصد المنقطع ، هذا ظاهره ، وإن كان على خلاف مقتضى قاعدته التي بنى عليها ، وضابطته التي استند إليها ، وأظهر منه خبر أبان بن تغلب ، وهو الخبر الرابع ، فإنه صريح الدلالة ، وهو الذي استدل به غيره ، إلا أنه لم ينقله في المقام ، ومثلهما كما عرفت الخبر الحادي عشر ، فإنه ظاهر في عدم انعقاد العقد متعة إذا جعل الأجل مرة مبهمة : ومقتضاه على ما يدعيه أن يكون العقد باطلا مع أنه لم يحكم عليه‌السلام فيه بالبطلان ، وإنما حكم بانقلابه دائما فيكون من قبيل الخبرين الأولين ، وهو ظاهر الدلالة في خلاف ما زعمه.

نعم ، له الطعن في هذه الأخبار بضعف السند ، إلا أنه عندنا وعند متقدمي أصحابنا غير مسموع ولا معتمد ، ومن العجب أن سبطه في شرح النافع بعد أن ذكر الروايتين أجاب عنهما بما أجاب جده عن موثقة ابن بكير من أنه لا دلالة

١٤٤

فيهما على أنه إذا قصد المتعة ولم يذكر الشرط ينعقد دائما ، وإنما المستفاد منهما أن الدوام لا يذكر فيه الأجل ، وهو عجيب من مثل هذا الفحل المشهور ، فإنه لا يخفى على أدنى ناظر في خبر أبان أن سياق الخبر ينادي بأفصح لسان ، ويصرح بأوضح بيان ، بأنه في صورة عقد المتعة المشتمل على شروطها المتكررة في الأخبار لو أخل بذكر هذا الشرط من بينها لمكان الاستحياء انقلب عقده دائما ، وإن اشتمل على تلك الشروط الأخر ، فكيف يتم له دعوى أنه لم يقصد المتعة ، وسياق الخبر كما ترى ونحوها فيما ذكرناه أيضا الخبر الحادي عشر بالتقريب المتقدم.

وبالجملة فإن جوابهم عن هذه الأخبار لتشييد قاعدتهم التي بنوا عليها وضابطتهم التي استندوا إليها محض مجازفة لا تشفي العليل ولا يبرد الغليل ، على أنك قد عرفت انتقاض هذه القاعدة وبطلان ما يترتب عليها من الفائدة بما دلت عليه الأخبار الدالة على صحة العقود المشتملة على الشروط الفاسدة ، مع بطلان الشروط.

وأما ما ذهب إليه ابن إدريس من التفصيل المتقدم ، فإنه علله بأن اللفظين الأولين صالحان لهما بخلاف الثالث ، فإنه يختص بالمتعة ، فإذا فات شرطها بطل.

وأورد عليه بأن بطلان عقد المتعة كما حصل بفوات شرطه وهو الأجل ، فكذلك الدوام بطل بفوات شرطه ، وهو القصد إليه ، وهو الركن الأعظم في صحة العقود ، وهو جيد لو تم ما ذكره من شرطية القصد في صحة العقد كليا.

ونقل هنا أيضا قول رابع وهو التفصيل بأنه إن وقع الإخلال بالأجل على وجه النسيان أو الجهل بطل ، وإن وقع عمدا انقلب دائما.

وفيه أنه لا دليل على هذا التفصيل العليل ، قال في المسالك بعد نقل هذا القول : وقد ظهر ضعفه مما تقدم ، فإنه مع التعمد وقصد المتعة يكون قد أخل بركن من أركان عقدها عمدا ، ولم يقصد غيرها ، ثم قال : وبالجملة فالأصل في القول بالصحة والانقلاب دائما هو الرواية السابقة على أي وجه اعتبر وقد عرفت قصورها

١٤٥

عن تأسيس مثل هذا الحكم المخالف للأصل متنا وسندا ، انتهى.

أقول ، وقد عرفت أن الدال على هذا الحكم الروايات الثلاث المتقدمة ، وأن ضعف السند غير مرضي عندنا ولا معتمد.

وأما الدلالة فقد أوضحناها بأوضح إيضاح فلا قصور فيها ولا حرج في القول بها ولا جناح ، والله العالم.

فرع

لو اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع العقد فادعى أحدهما أنه متعة وادعى الآخر الدوام ، فإن قلنا بأن إهمال الأجل مطلقا يقتضي الدوام كان القول قول مدعي الدوام ، لأن الآخر يدعي الزيادة وهي الأجل ، والقول قول منكرها ، وإن قلنا أن الإهمال يقتضي الإبطال ما لم يقصد الدوام كما هو القول الآخر فالوجه أنهما يتحالفان ، وينفسخ النكاح ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، والقول قول المنكر بيمينه ، ولو اشتبه الحال لموت ونحوه لم يحكم بالتوارث ونحوه إلا مع ثبوت الدوام ، كذا صرح به السيد السند في شرح النافع.

وفيه أن تفريع المسألة المذكورة على الخلاف المتقدم هنا لا يخلو من الإشكال فإن القائل بالإبطال في صورة إهمال الأجل إنما هو فيما إذا كان القصد إلى المتعة وأهمل الأجل كما تقدم ، والظاهر من أصل المسألة المفروضة أنهما متفقان على وقوع عقد النكاح في الجملة ، ولكن أحدهما يدعي أنه عقد نكاح منقطع مستكمل لجميع شرائط المنقطع ، والآخر يدعي أنه عقد نكاح دائم مستكمل لجميع شرائط الدائم ، ومتى كان الفرض كذلك فإنه لا تعلق له بهذه المسألة المذكورة ولا تفرع له عليها بوجه.

والذي يقتضيه النظر في قواعدهم في أمثال هذا المقام هو القول بالتحالف وانفساخ النكاح ، لأن ضابطة التحالف هو أن يدعي كل منهما على صاحبه ما ينفيه

١٤٦

الآخر بحيث لا يتفقان على أمر ، وهو هنا كذلك ، فإن كلا من العقدين مغاير للآخر في الأحكام وما يترتب عليه في المقام ، فإذا ادعى أحدهما الدوام والآخر المتعة ، فكل منهما يدعي ما ينفيه صاحبه ، كما إذا ادعى أنه باعه هذا الثوب ، فقال الآخر إنما بعتني هذا الثوب إشارة إلى ثوب آخر ، فإن الحكم التحالف ، وأما ترتب ذلك على المسألة المتقدمة والخلاف فيها كما ذكره ـ قدس‌سره ـ وقبله العلامة في المختلف أيضا فلا أعرف له وجها.

قال في المختلف : قال ابن البراج : إذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على العقد ، فادعى أحدهما أنه متعة ، كان على مدعي المتعة البينة وعلى المنكر اليمين ، لأن الزوج إن ادعى المتعة كان مدعيا لما يسقط عنه حقوقا من نفقة وميراث وغير ذلك ، وإن ادعت المرأة ذلك كانت مدعيه لما تملك نفسها معه بغير طلاق وما أشبهه ، والمعتمد أن نقول إن كان إهمال الأجل يقتضي الدوام ، فالقول قول مدعي الدوام لأن الآخر يدعي زيادة ، فالقول قول من ينكرها وإن كان الإهمال يقتضي الإبطال ـ كما اخترناه نحن ـ فالوجه أنهما يتحالفان ويفسخ النكاح ، لأن كلا منهما مدع ، فالقول قول المنكر بيمينه. انتهى ، وأنت خبير بما في كل من القولين بعد التأمل فيما قدمناه ، والله العالم.

الثاني : من المواضع المتقدم ذكرها : قد عرفت أنه لا بد من اعتبار ضبط الأجل على وجه يكون محروسا من احتمال الزيادة والنقصان كقدوم المسافر وإدراك الثمرة كغيره من الآجال ، ويشير إليه ما تقدم في بعض الأخبار المتقدمة إلى أجل معلوم ، وقوله في الخبر الثامن «الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما» فإن الجميع ظاهر في أنه لا بد من أن يكون الأجل محدودا ، وكذا لا تقدر له في جانب القلة والكثرة ، فلو قدره بوقت لا يعيش إليه لم يضر ، لأن الموت قبله غير قادح في صحته شرعا ، وكذا في جانب القلة بما لا يمكن فيه الجماع لم يقدح في صحته لأنه لا ينحصر صحته في الجماع.

قال في المسالك : ولا يشترط أن يكون بقدر يمكن فيه الجماع ، لأنه غير

١٤٧

معتبر فيه ، وإنما هو بعض ما يترتب عليه ، فلو جعلاه لحظة واحدة مضبوطة صح ويترتب عليه حكم العقد من إباحة النظر ، وتحريم المصاهرة كالأم ونحو ذلك مما يترتب على صحة العقد وإن كان المقصود ذلك ، لأنه أحد الأغراض المقصودة من النكاح بالعقد إذ لا يعتبر في العقد قصد جميعها ولا أهمها في صحته ، ولا فرق في ذلك بين كون الزوجة في محل الاستمتاع وعدمه. انتهى ، وهو جيد.

وفيه رد على ما زعمه بعض الأفاضل المعاصرين من بطلان العقد لو وقع لمجرد التحليل وجواز النظر إلى ابنة المعقودة أو أمها ونحو ذلك ، وقد بسطنا الكلام معه في ذلك في كتابنا الدرر النجفية.

وكذا قوله «في محل الاستمتاع وعدمه» فيه رد على المحقق الشيخ على ـ رحمه‌الله ـ كما ذكرناه ثمة ، ويجوز جعل المدة بعض يوم إذا كان مضبوطا إما بغاية معروفة كالزوال وغروب الشمس أو بمقدار معين كنصف يوم ، ثم إن اتفق معرفتهما ذلك عملا بما علماه ، وإلا رجعا فيه إلى أهل الخبرة العارفين بذلك وظاهرهم اشتراط العدالة في المخبر ، وهل يشترط التعدد كالشهادة أو لا ، فيكون من باب الخبر؟ وجهان ، قالوا : ولا يشترط ذكر وقت الابتداء ولا العلم به ، حيث جعلاه إلى الزوال أو الغروب ونحو ذلك بل أوله وقت العقد كيفما اتفق.

الثالث : المشهور في كلام الأصحاب (١) أنه لا يجوز أن يعين شهرا متصلا بالعقد ومتأخرا عنه ، ولو أطلق اقتضى الاتصال ، وقيل بعدم جواز الانفصال ، واختاره السيد السند في شرح النافع حيث قال في الكتاب المذكور : وهل يعتبر في المدة الاتصال أم يجوز جعلها منفصلة عن العقد؟ قولان ، أظهرهما الأول ، لأن

__________________

(١) أقول : من فروع المسألة ما لو كانت المرأة ذات بعل مدة معينة وأراد الغير تزويجها شهرا معينا بعد انقضاء أجل الزوج الأول وعدتها منه فإنه يصح النكاح بمقتضى ظاهر الخبر ، وكذا لو لم تكن ذات بعل وقت العقد ، وأرادت التزويج في المدة التي بين وقت العقد وبين الشهر المعين بحيث تتم عدتها وأجلها قبل ذلك الشهر ، فإنه يجوز بمقتضى ظاهر الخبر أيضا. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٤٨

الوظائف الشرعية إنما تثبت بالتوقيف ، ولم ينقل تجويز ذلك ، وإنما المنقول ما تضمن اتصال المدة بالعقد ، فيجب القول بنفي ما عداه إلى أن يثبت دليل الجواز.

وقيل بالثاني لوجود المقتضي وهو العقد المشتمل على الأجل المضبوط وهو ضعيف. انتهى ، وهو جيد لو لا ورود الخبر الثاني عشر (١) فإنه صريح في أنه متى سمي شهرا وعليه ـ وإن كان بعد مضي سنين بين العقد وذلك الشهر ـ فإن له شهره وبه استدل الأصحاب القائلون بالجواز ، إلا أن له أن يرده بضعف السند بناء على تصلبه في العمل بهذا الاصطلاح المحدث ، والظاهر أنه لم يقف على الخبر وإلا لأشار إليه وأجاب عنه.

والخلاف في هذا المقام وقع في موضعين :

أحدهما : ما ذكرناه من جواز الانفصال وعدمه ، وقد عرفت دلالة الرواية على الجواز ، إلا أنه قد قيل في وجه القول بالبطلان أيضا زيادة على ما ذكره السيد السند في شرح النافع حيث قال : إن صحة العقد توجب ترتب أثره ، وأثره هنا هو تحقق الزوجية ، وذلك يمتنع مع تأخر الأجل فيكون فاسدا ، لأنا لا نعني بالفاسد إلا ما لا يترتب أثره عليه ، ولأنه لو صح العقد كذلك لزم كونها زوجة للعاقد ، وخلية من الزوج في المدة ، فيلزم جواز تزويجها لغيره خصوصا على تقدير وفاء المدة بالأجل والعدة ، والرواية المذكورة وإن دلت بإطلاقها على الجواز لكنها ضعيفة السند مجهولة الراوي فلا تصلح للدلالة.

وأجاب في المسالك عن ذلك فقال : ويمكن الجواب بأن الأثر مترتب على العقد ، ومن ثم حكمنا بالزوجية في المدة ، فلو كان غير مترتب لما صح في ذلك

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٧ ح ٧٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٧ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩٠ ح ١.

١٤٩

الوقت وتخلفه عن العقد بحسب مقتضى العقد ، وإنما يتم ما ذكروه على تقدير اقتضائه الاتصال ثم لا يوجد الأثر.

أقول : فيه أن هذا الجواب غير تام لأن القائل بالبطلان هنا إنما قال به من حيث إن الواجب عنده اتصال الأجل بالعقد ، وإنه لا يجوز جعله منفصلا لما ذكره من قوله «إن صحة العقد توجب ترتب أثره. إلى آخره» ، وحينئذ فقوله ـ قدس‌سره ـ في الجواب بأن الأثر مترتب على العقد بالنظر إلى الحكم بالزوجية في المدة المتأخرة لا يرد على هذا القائل ، لأنه يمنع ذلك ويقول بالبطلان في المدة المتأخرة وغيرها ، فإن استند فيه إلى الرواية فهو قد اعترف كما تقدم ، وسيأتي في كلامه الآتي من أنه لم يستند إليها لضعفها ، وإنما جعلها شاهدة على هذه الاعتبار.

وبالجملة فإن الحكم بما ادعاه من صحة الزوجية في المدة المتأخرة حيث قال في آخره : وإنما يتم ما ذكروه على تقدير اقتضائه الاتصال ثم لا يوجد الأثر.

والعجب منه ـ قدس‌سره ـ أن صريح كلامه قبل هذا الكلام الذي نقلناه هو أن محل الخلاف ما قررناه من أنه هل يصح العقد مع انفصال الأجل عن العقد أم لا؟ وما نقلناه من الاحتجاج الذي أجاب عنه هو احتجاج القائلين بالعدم ، وأن صحة العقد يقتضي الاتصال ، ولو فصل الأجل بطل العقد ، فكيف يقول : وهذا إنما يتم على تقدير اقتضائه الاتصال ثم لا يوجد؟ فإن فيه اعترافا بصحة ما ذكروه من الاحتجاج وبطلان ما ذكره من الجواب ، حيث إن الأمر كذلك كما عرفت ، فإن هذا المحتج بهذه الحجة إنما احتج بها لقوله بالاتصال ، وأنه لا يجوز عنده الانفصال للزوم تخلف أثره عند العقد.

وبالجملة فإن كلامه ـ رحمه‌الله ـ هنا لا يخلو عن تشويش واضطراب ، ثم إنه قال في تتمة الكلام المذكور عنه : وأما استلزام جواز العقد عليها فيمكن منع الملازمة أولا من حيث إنها ذات بعل ، والعقد على ذات البعل لا يجوز ،

١٥٠

ويمكن التزام الجواز لما ذكر ومنع كونها ذات بعل مطلقا (١) بل في المدة المعينة ويترتب على ذلك ثبوت المحرمية قبل المدة وثبوت المهر لو مات قبلها ، فعلى الأول يمكن القول به ، وعلى الثاني ينتفيان إلى أن قال : والرواية المذكورة جعلت شاهدا للاعتبار لا مستندا للحكم فلا يضر ضعفها ، وكيف كان فالقول بجواز النكاح مع تأخر المدة عن العقد قوي ، انتهى.

أقول : أراد بالاعتبار الذي استند إليه وجعل الرواية شاهدا عليه هو ما قدمه أولا حيث قال : وإن عيناه منفصلا صح أيضا على الأقوى عملا بالأصل ، ولوجود المقتضي للصحة وهو العقد المشتمل على الأجل المضبوط ، وانتفاء المانع ، وليس إلا تأخره عن العقد ، ولم يثبت شرعا كون ذلك مانعا ، ويشهد له إطلاق رواية بكار بن كردم ، ثم ساق الرواية.

وفيه أولا ما عرفت فيما قدمنا نقله عن سبطه في شرح النافع ، فإنه كلام جيد ، ومرجعه إلى أن الأصل عصمة الفروج حتى يقوم دليل على إباحتها ، والذي علم من الأدلة ـ بناء على طرح الرواية كما هو المفروض في كلامهم ـ هو اتصال الأجل بالعقد ، ومن ادعى سوى ذلك فعليه الدليل.

وبذلك يظهر لك ضعف تمسكه بالأصل بمعنى أصالة صحة العقد ، فإن الأصل الذي ذكرناه أقوى متمسكا ، لأن مرجعه إلى أصالة العدم وهو بديهي لا نزاع فيه.

وكيف كان فدليله بعد ما عرفت لا يخرج عن المصادرة ، لأن قوله لوجود

__________________

(١) أقول : الأقرب الثاني وهو منع كونها ذات بعل مطلقا ، بل انما تتصف بذلك في المدة لأن أحكام ذات البعل لا يمكن إجراؤها عليها إلا في تلك المدة ، فكيف يصدق عليها أنها ذات بعل وتدخل تحت أخبار تحريم التزويج بذات البعل ، والحال أنه لا يترتب عليها شي‌ء من أحكام ذات البعل ، نعم يمكن أن يقال : أنها ذات بعل في الجملة باعتبار المدة المتأخرة ، وكيف كان فهذا الاشكال انما يتفرع على القول بجواز الانفصال ، وأما مع القول بوجوب الاتصال فلا ورود له بالكلية. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٥١

المقتضي للصحة إلى آخره عين المدعى ، والخصم يمنعه من حيث انفصال الأجل حتى يقوم دليل على الصحة مع الانفصال ، وقوله «ولم يثبت شرعا كون ذلك مانعا فيه» أن الأصل العدم ، وهو يقتضي أن الأصل المنع حتى يقوم دليل الثبوت.

وبالجملة فإن الخصم يدعي أن تأخير الأجل مانع لعدم ثبوت التعدية ، والنوافل الشرعية من نكاح أو بيع أو نحوها موقوفة على السماع من صاحب الشريعة ولم يوجد دليل على أن هذا منها ، وبذلك يظهر ضعف تقويته لما اختاره مع طرحه الرواية.

الموضع الثاني من الموضعين المذكورين : فيما لو أطلق يعني شرط أجلا مطلقا لم يعينه بكونه مفصولا أو موصولا ، فالمشهور صحة العقد ، وأنه يحمل على الاتصال لأنه المتبادر عرفا ، ويؤيده أن أثر العقد يجب أن يترتب عليه حين وقوعه ، إلا أن يمنع مانع كاشتراط التأخير أو نحوه ، والمانع هنا منتف ، ولأن المطلق يوجد في ضمن المتصل فيحصل به البراءة ، وظاهر الخبر المذكور في المسألة أيضا ذلك ، فإن حكمه عليه‌السلام بنفي السبيل عليها مع عدم تسمية الشهر ، بعد مضي الشهر المتصل بالعقد ظاهر في ذلك ، وبه صرح الشيخ في النهاية تبعا لظاهر الخبر فقال : ومتى عقد عليها شهرا ، ولم يذكر الشهر بعينه ، ومضى عليه شهر ثم طالبها بعد ذلك بما عقد عليها لم يكن له عليها سبيل. انتهى ، وهو مبني على حمل الإطلاق على الاتصال كما هو ظاهر.

وقال ابن إدريس : الصحيح ترك هذه الرواية لأن هذا أجل مجهول ، إلا أن يقول شهرا من هذا الوقت فيصح لأنه معلوم ، ورد بمنع المجهولية ، لما عرفت من شهادة العرف بالاتصال ، ومثله ما لو أجله إلى الخميس أو إلى الربيع فإنه يحمل على الأقرب مؤيدا بما قدمنا ذكره ، والله العالم.

الرابع : قد دل الخبر الثامن على جواز جعل الأجل العرد والعردين ، وهو على ما في أكثر النسخ بالعين والراء المهملتين.

١٥٢

قال في القاموس : العرد : الصلب الشديد المنتصب والذكر المنتشر المنتصب ، وهو هنا كناية عن المرة والمرتين ، وفي بعض نسخ التهذيب العود بالواو ، ولا يبعد أن يكون تصحيفا كما وقع التصريح بالمرة أيضا في الخبر التاسع ، وفي الخبر العاشر على عرد واحد أي مرة واحدة ، والذي ذكره الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ هو أنه إذا اتفقا على اشتراط المرة والمرتين ، فإما أن يقتصرا على ذلك ، أو يقيدا بزمان معين ، بحيث يكون أجلا وظرفا للعمل ، أو يقيده بزمان على أن يكون ظرفا خاصة ، كرة في هذا اليوم من غير أن يجعلا آخره منتهى الأجل ، فهنا أقسام ثلاثة :

(أحدها) أن يقتصرا على ذكر العدد مرة أو مرتين أو أزيد على وجه مضبوط من غير تقييد بزمان كما هو ظاهر الأخبار المذكورة ، وقد اختلف كلام الأصحاب فيه على قولين : أحدهما ـ وعليه الأكثر ـ البطلان لقولهم عليهم‌السلام في جملة من الأخبار المتقدمة إلى أجل معلوم ، والأجل الواقع على هذا الوجه غير معلوم ، إذ يمكن وقوع المرة والمرات في الزمن الطويل والقصير ، وظاهر الأخبار الثلاثة المتقدم ذكرها هو الجواز سيما الخبر العاشر ، وقوله فيه «إذا فرغ فليحول وجهه».

والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من الاشكال للمجهولية في هذه الصورة ، وقد صرح بذلك في الحديث الحادي عشر ، فقال : مرة مبهمة ، إلا أنه حكم فيه بالانقلاب إلى الدائم ، وهو القول الثاني في المسألة ، وبه صرح الشيخ في النهاية والتهذيب والمحقق في الشرائع استنادا إلى الخبر المذكور ، ويأتي فيه البحث المتقدم ، فإن الأصحاب قد ردوه بما تقدم في مسألة الإخلال بالأجل بالمرة من عدم القصد إلى الدائم ، بل توجه القصد إلى المتعة ، فلا ينصرف إلى الدائم بل يبطل من أصله ، وقد تقدم الكلام معهم في ذلك ويأتي بناء على ما حققناه ثمة من عدم ثبوت هذه الضابطة التي بنوا عليها ، وطرحوا الأخبار لأجلها ، بل ظاهر الأخبار يدفعها ، ويردها قوة ما ذهب إليه الشيخ.

١٥٣

وبالجملة فالمتأخرون القائلون بهذه الاصطلاح المحدث لهم أن يردوا هذه الأخبار كملا بضعف الاسناد ، ويبنوا على ما ذكروه من القاعدة المذكورة ونحوها وأما القائلون بالعمل بجميع الأخبار كما هي قاعدة متقدمي علمائنا الأبرار وجملة من متأخري المتأخرين كما هو الحق العلي المنار ، فيشكل الحكم لاختلاف هذه الأخبار كما عرفت ، وإن كان قول الشيخ في النهاية لا يخلو من قرب.

و (ثانيها) أن يشترط العدد في زمان معين بحيث يكون الزمان أجلا مضبوطاكيوم وشهر ولكن ذكر العدد شرطا زائدا على ذلك ، وهذا مما لا إشكال فيه ولا ريب يعتريه ، لاستجماع العقد لشرائط الصحة المتفق عليها ، وليس فيه زيادة على غيره من العقود المذكورة في الأخبار إلا اشتراط الجماع مرة أو مرات ، وهو من الشروط السائغة في هذا العقد ، وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط يشمله ، ويظهر الفائدة في عدم جواز الزيادة على المرات المشترطة ، ولا تخرج عن الزوجية إلا بانقضاء المدة ، ولا منافاة بين كونها زوجة وتحريم وطئها بعد تمام العدد المشترط ، ويجوز الاستمتاع بها في بقية المدة بغير الوطي ، لأنها زوجة.

بقي الكلام في أنها لو أذنت بالوطء بعد ذلك فهل يجوز أم لا؟ قال في المسالك : وفي جواز الوطي بإذنها وجه ، لأن ذلك حقها ، فإذا أذنت جاز مع كونها زوجته ، ويحتمل المنع لأن العقد لم يتضمن سوى ذلك العدد ، ولم يتشخص إلا بما ذكر.

أقول : لا يخفى عليك ضعف هذا الاحتمال ، وأن الوجه إنما هو الأول ، لما رواه الصدوق (١) عن إسحاق بن عمار ، وطريقه إليه صحيح ، وهو مشترك بين الثقة والموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس». وهي الدليل الحق

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٧ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٨ ح ٣.

١٥٤

دون هذا الوجه الاعتباري الذي ذكره.

و (ثالثها) أن يشترطاه في وقت معين بحيث يكون ظرفا له كاليوم مثلا ، ولا مدخل له في التأجيل ، والمراد أن لا يقع خارج ذلك اليوم منه شي‌ء ، وتبين بانتهاء العدد المشروط ، كما أنها تبين بانقضاء ذلك الوقت ، وإن لم يفعل.

قال في المسالك ، وفي صحته قولان : أصحهما البطلان لجهالة الأجل ، إذ يحتمل الزيادة والنقصان حيث يكون مقيدا بانقضاء العدد.

ويظهر من الشيخ في النهاية الصحة ، حيث قال : إن ذكر المرة والمرتين جاز إذا أسنده إلى يوم معلوم ، فإن إسناده إلى اليوم أعم من جعله بمجموعه أجلا أو جعل اليوم ظرفا كما ذكرناه.

وهذا هو الذي فهمه منه العلامة في المختلف ، فإنه قال بعد نقله لكلامه بصحة ذلك والبطلان مع إبهام المرة : والحق البطلان في الجميع ، وعلل البطلان بأنه ذكر أجلا مجهولا ، ويجي‌ء على قول الشيخ بانعقاد الشرط بالعدد المبهم صحته دائما أن يصح هنا كذلك ، لأن الأجل المجهول باطل ، فيساوي غير المذكور ، وجوابه الفرق ومنع الأصل ، انتهى.

الخامس : ظاهر قوله عليه‌السلام في الخبر السابع كان طلاقها في شرطها ولا عدة لها عليك ـ ومثله في الخبر الحادي عشر ـ «أنه يجوز للزوج التزويج بأخت زوجته المتمتع بها بعد انقضاء مدتها وإن كانت في العدة» (١) لأن المراد بأنه لا عدة لها على الزوج أنه لا يلزمه الصبر إلى انقضاء عدتها ليحل له ما حرم عليه بتزويجها

__________________

(١) أقول : وبما ذكرناه من معنى الخبر صرح المحدث الكاشاني في الوافي فقال : ولا عدة لها عليك ، أى ليس عليك أن تصبر الى انقضاء عدتها إذا أردت أن تنكح أختها بعد حلول الأجل ، أو ابنة أختها أو ابنة أخيها ، أو نحو ذلك من الأمور كما تكون تصبر في عدة الدائم. انتهى ، وقيل : بأن المراد من العبارة المذكورة أن العدة بمعنى العدد ، أى لا يلزمك رعاية كونها من الأربع ، ولا يخفى بعده. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٥٥

من نكاح الأخت ، والخامسة ، وابنة الأخت ، وابنة الأخت ، وهو موافق لما هو المشهور بين الأصحاب من جواز التزويج بهؤلاء المذكورين في عدة المتعة ، لأنها بائنة ليس للزوج عليها رجعة كالعدة الرجعية ، إلا أن بعض الأخبار قد دلت على تحريم التزويج بالأخت في هذه العدة ، وهو مذهب الشيخ المفيد وجماعة تقدم ذكرهم ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة الثالثة من المقام الأول من المطلب الرابع في استيفاء العدد من الفصل الثاني فليراجع ، والمسألة بسبب تأييد الأخبار السابقة الدالة على الجواز بهذين الخبرين لا يخلو من الإشكال ، إلا أن الاحتياط سيما في الفروج مطلوب ، وهو في العمل برواية التحريم ، والله العالم.

الرابع من الموارد المتقدم ذكرها في المهر : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب ـ رضي‌الله‌عنهم ـ في أن ذكر المهر شرط في صحة هذا العقد ، فيبطل بفواته بخلاف الدائم ، وعليه تدل النصوص المتقدمة في سابق هذا المورد كقوله عليه‌السلام في خبر الأول «لا يكون متعة إلا بأمرين أجل مسمى ومهر مسمى» وفي الثاني «مهر معلوم إلى أجل معلوم» ونحوهما غيرهما ، والفارق بينه وبين العقد الدائم في ذلك النصوص باشتراطه هنا في صحة هذا العقد ، وعدم الاشتراط ثمة ، وعلل أيضا زيادة على ذلك ، بأن الغرض الأصلي من نكاح المتعة هو الاستمتاع وإعفاف النفس ، فاشتد شبهة بعقود المعاوضات بخلاف عقد الدوام ، فإن الغرض الأصلي منه بقاء النسل وغيره من الأغراض المترتبة عليه التي لا تقصد من المتعة ، فكان شبهه بالمعاوضات أقل ، فمن ثم جاز تجريد العقد منه ، ولم يكن ذكره شرطا.

ولا يخفى ما فيه من تطرق المناقشة ، إلا أن الأمر في ذلك سهل بعد دلالة النصوص على المراد.

وكيف كان ففي هذا المقام أحكام يجب التنبيه عليها لالجاء الضرورة والحاجة في أكثر الموارد إليها.

أحدها : قالوا : إنه يشترط في المهر أن يكون مملوكا معلوما بالكيل

١٥٦

أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف ، ويتقدر بالمرضاة قل أو كثر ، وهذا الكلام يتضمن أحكاما ثلاثة :

(أحدها) أن يكون مملوكا ، والمراد به ما يشمل ما يصح تملكه كالخمر والخنزير ، وما يختص تملكه بالعاقد ، فلا يجوز العقد على مال مغصوب غير مملوك للعاقد ، قالوا : فلو عقد على مال الغير لم يصح ، لامتناع أن يملك البضع بمال غيره ، وإن رضي المالك بعد ذلك ، بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات ، فإن الإجازة تؤثر في نقله إلى ملك المالك ، وهنا لا يتصور ذلك.

أقول : لا يظهر لي وجه حسن في الفرق بين الأمرين ، بناء على ما يدعونه من صحة الفضولي ، وأما بناء على ما هو المختار من بطلان الفضولي فلا إشكال.

و (ثانيها) العلم بمقداره ، فإن كان مكيلا فبالكيل ، وإن كان موزونا فبالوزن أو معدودا فبالعدد ، قالوا : وتكفي المشاهدة في هذه الثلاثة عن الاعتبار بما ذكر كصبرة الحنطة لاندفاع الغرر المطلوب دفعه في هذه المعاوضة ، وإن لم يندفع في غيرها لأنها ليست معاوضة محضة بحيث تبنى على المغابنة والمكايسة ، بل يعتبر رفع الغرر في الجملة ، لأن الركن الأظهر فيها الاستمتاع ولواحقه ، ومن ثم أطلق عليه اسم الصدقة والنحلة.

أقول : قد عرفت ما في البناء على أمثال هذه التعليلات في تأسيس الأحكام الشرعية من الاشكال ، ولا يحضرني الآن نص في المسألة ، وكيف كان فما ذكروه من الاكتفاء بالمشاهدة مخصوص بما إذا كان حاضرا ، فلو كان غائبا اعتبر وصفه بما يرفع الجهالة فيبطل العقد بدونه ، هكذا قالوا أيضا وقال السيد السند في شرح النافع بعد ذكر نحو ما ذكرنا فيما قطع به الأصحاب : وللنظر فيه مجال ، والظاهر أنه إشارة إلى ما أشرنا إليه.

و (ثالثها) إنه لا تقدير له قلة وكثرة وإنما يتقدر بالمراضاة ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.

١٥٧

منها ما رواه الكليني (١) عن الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المهر ما هو؟ قال : ما تراضى عليه الناس».

وعن زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الصداق كل شي‌ء تراضى الناس عليه قل أو كثر في متعة أو تزويج غير متعة».

وعن فضيل بن يسار (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير فهذا الصداق».

وعن أبي بصير (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أدنى مهر المتعة ما هو؟ قال : كف من طعام ، دقيق أو سويق أو تمر».

وما رواه ابن بابويه (٥) في الحسن عن محمد بن النعمان الأحول «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام قال : أدنى ما يتزوج به الرجل متعة؟ قال : كفين من بر». ونقل عن ابن بابويه أنه قال : أدنى ما يجزي في المتعة درهم فما فوقه.

وربما كان مستنده ما رواه أبو بصير (٦) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن متعة النساء؟ فقال : حلال ، وأنه يجزي فيه الدرهم فما فوقه».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٧٨ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ١ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٧٨ ح ٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٦ ح ٢٣ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ٢ ح ٦.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٧٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥٤ ح ٥ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٥ ص ١ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٧ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧١ ح ٥.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٥٧ ح ٢ مع اختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٠ ح ٥٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧١ ح ٢.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٤٥٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٠ ح ٥١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٠ ح ١.

١٥٨

وحمل الخبر جمعا بينه وبين ما عرفت من هذه الأخبار المتقدمة ونحوها على الأدنى في العادة وإن كانت الأدنى منه جائزا شرعا.

وثانيها قد صرح جملة من الأصحاب (١) بأنه يجب دفع المهر بالعقد ، واستشكله آخرون.

أما (أولا) فبأن المهر أحد العوضين الذي لا يجب تسليمه إلا بتسليم العوض الآخر ، فلا بد من تسليمها نفسها.

و (ثانيا) بما رواه في الكافي (٢) في الصحيح عن عمر بن أبان عن عمر بن حنظلة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا وأتخوف أن تخلفني ، فقال : يجوز أن تحبس ما قدرت عليه ، فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك». وهي ظاهرة كما ترى في عدم وجوب دفعه إليها كملا.

وكيف كان فالمفهوم من الأخبار أنه لا يستقر ملكها للمهر إلا بالدخول ومضي المدة ، فلو لم تف له المدة جاز له مقاصتها بالنسبة ، وظاهرهم أنه موضع وفاق.

ومما يدل على ذلك الرواية المذكورة ، وما رواه في الكافي والتهذيب (٣) في الصحيح إلى عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : أتزوج المرأة شهرا فأحبس عنها شيئا؟ قال : نعم ، خذ منها بقدر ما تخلفك ، إن كان نصف شهر فالنصف ، وإن كان ثلثا فالثلث».

وعن إسحاق بن عمار (٤) في الموثق قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : الرجل

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد وغيرهما. في غيرهما. (منه ـ رحمه‌الله).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٠ ح ١ وفيه «لا يجوز» الوسائل ج ١٤ ص ٤٨١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٦١ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٠ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨١ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٦١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨١ ح ٣.

١٥٩

يتزوج المرأة متعة بشرط أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه ، أو يشترط أياما معلومة تأتيه فتغدر به فلا تأتيه على ما شرط عليها ، فهل يصلح أن يحاسبها على ما لم تأته من الأيام فيحبس عنها من مهرها بحساب ذلك؟ قال : نعم ، فينظر ما قطعت من الشرط ، فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم تف له ما خلا أيام الطمث فإنها لها ، فلا يكون له إلا ما حل له فرجها».

وما رواه في الفقيه (١) عن صفوان بن يحيى عن عمر بن حنظلة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتزوج المرأة شهرا بشي‌ء مسمى فتأتي بعض الشهر ، ولا تفي ببعض؟ قال : تحبس عنها من صداقها بقدر ما أحبست عنك ، إلا أيام حيضها فإنها لها».

أقول : ظاهر لفظ حبس بعض المهر في جملة من هذه الأخبار دال على ما قدمنا من عدم وجوب دفع المهر بمجرد العقد خلافا لما ذكروه ، لأن حبسه عنها يقتضي بقاءه في ذمة الزوج وعدم دفعه لها ، وبذلك يظهر ضعف ما تقدم نقله عنهم ، والله العالم.

وثالثها الظاهر لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو وهب المتمتع زوجته المدة بعد الدخول بها فإنه لا يسقط شي‌ء من المهر لاقتضاء العقد وجوب الجميع واستقراره بالدخول ، فسقوط شي‌ء منه يتوقف على دليل ، وليس فليس ، وسقوط بعض منه بالتوزيع كما تقدم لقيام دليل عليه ـ لا يقتضي ذلك في غيره بغير دليل ، وإن كان قبل الدخول وجب نصف المهر ، وسقط النصف الآخر.

وينبغي أن يعلم أولا أن مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه يصح لمن تمتع بامرأة أن يهبها جميع المدة وبعضها قبل الدخول وبعده ، وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار.

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٨٢ ح ٤.

١٦٠