الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على خير خلقه وأفضل بريته محمد وآله الطاهرين.

المطلب السادس : الكفر : وفيه بحوث : الأول : وفيه مسائل :

الاولى : لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ كما نقله غير واحد من محققيهم في أنه لا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية.

وأما الكتابية فقد اختلفوا فيها على أقوال ستة ، والأصل في ذلك اختلاف ظاهر الآيات والروايات في ذلك ، واختلاف الأفهام في الجمع بينها.

والأول من الأقوال المذكورة التحريم مطلقا ، وهو مذهب المرتضى والشيخ في أحد قوليه ، وهو أحد قولي الشيخ أيضا ، وقواه ابن إدريس ، قال المرتضى : مما انفردت به الإمامية حظر نكاح الكتابيات ، وقال الشيخ في الخلاف : المحصلون من أصحابنا يقولون : لا يحل نكاح من خالف الإسلام ، لا اليهود ولا النصارى ولا غيرهم ، وقال قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا : يجوز ذلك ، واختار في كتابي الأخبار التحريم أيضا مطلقا.

والثاني : الجواز مطلقا ، وهو منقول عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه وابنه ، وابن أبي عقيل ، قال الشيخ علي المذكور على ما نقله عنه في المختلف : وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم

٣

أن عليك في دينك في تزويجك إياها غضاضة. ونحوه قال ابنه في المقنع ، وزاد : وتزويج المجوسية حرام ، ولكن إذا كان للرجل أمة مجوسية ، فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها.

وقال ابن العقيل : وأما المشركات فقوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» (١) إلا ما استثناه من عفائف أهل الكتاب ، فقال «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (٢) ثم قال في موضع آخر ، قال الله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ـ إلى قوله ـ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ» وذكر مشركي أهل الكتاب فقال «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ـ إلى قوله ـ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ».

وأهل الشرك عند آل الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صنفان : صنف أهل الكتاب ، وصنف مجوس وعبدة أوثان وأصنام ونيران ، فأما الصنف الذي بدأنا ذكره فقد حرم الله نساءهم حتى يسلموا ، وأما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى فلا بأس بنكاح نسائهم متعة وإعلانا ، ولا يجمع في نكاح الإعلان منهن إلا أربع فما دون.

الثالث : جواز متعة اليهود والنصارى اختيارا والدوام اضطرارا ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة وابن البراج ، قال في النهاية : لا يجوز للرجل المسلم أن يعقد على المشركات على اختلاف أصنافهن يهودية كانت أو نصرانية ، أو عابدة وثن ، فإن اضطر إلى العقد عليهن عقد على اليهودية والنصرانية ، وذلك جائز عند الضرورة ، ولا بأس أن يعقد على هذين الجنسين عقد المتعة مع الاختيار. انتهى ، وعلى هذا النهج كلام الفاضلين الآخرين.

الرابع : عدم جواز العقد بحال ، وجواز ملك اليمين ، ونقل عن الشيخ في أحد قوليه.

أقول : وبهذا القول صرح الشيخ المفيد على ما نقله عنه في المختلف حيث قال : وقال المفيد : نكاح الكافرة محرم بسبب كفرها ، سواء كانت عابدة وثن أو

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ٢٢١.

(٢) سورة المائدة ـ آية ٥.

٤

مجوسية أو يهودية أو نصرانية ، قال الله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» وقال في باب العقد على الإماء : وتنكح بملك اليمين اليهودية والنصرانية ولا يجوز له ذلك بعقد نكاح ولا يجوز وطؤ المجوسية والصابئية والوثنية على حال.

وقال في باب السراري : ولا بأس أن يطأ اليهودية والنصرانية بملك اليمين ، ولا يجوز له وطؤ المجوسية على حال ، وكذا الصابئيات والوثنيات حرام وطؤهن بالعقود وملك اليمين.

الخامس : جواز المتعة وملك اليمين ، وتحريم الدوام ، ونقل عن أبي الصلاح وسلار ، وأنه اختيار المتأخرين.

أقول : وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط حيث قسم المشركين فيه إلى أقسام ثلاثة : من له كتاب ، وهم اليهود والنصارى ، أهل التوراة وأهل الإنجيل ، قال : فهؤلاء عند المحصلين من أصحابنا لا يجوز أكل ذبائحهم ولا تزويج حرائرهم ، بل يقرون على أديانهم إذا بذلوا الجزية ، وفيه خلاف بين أصحابنا ، وقال جميع الفقهاء : يجوز أكل ذبائحهم ونكاح حرائرهم.

فأما السامرة والصابئون فقد قيل : إن السامرة قوم من اليهود ، والصابئون قوم من النصارى ، فعلى هذا يحل جميع ذلك ، والصحيح في الصابئة أنهم غير النصارى ، لأنهم يعبدون الكواكب ، فعلى هذا لا يحل جميع ذلك بلا خلاف ، وأما غير هذين الكتابين من الكتب كصحف إبراهيم عليه‌السلام وزبور داود عليه‌السلام ، فلا يحل نكاح حرائر من كان من أهلها ولا أكل ذبائحهم.

ومن لا كتاب له ولا شبهة كتاب كعبدة الأوثان ، فلا يحل نكاحهم ، ولا أكل ذبائحهم ولا يقرون على أديانهم بلا خلاف.

ومن له شبهة كتاب ، وهم المجوس قال قوم : هم أهل الكتاب ، كان لهم كتاب ثم نسخ ، ورفع من بين أظهرهم ، وقال آخرون : ما كان لهم كتاب أصلا ، وغلب التحريم ، فقيل على القولين ، يحقن دماؤهم ببذل الجزية ، وتحريم مناكحهم

٥

وذبائحهم بلا خلاف وقد اختار أصحابنا كلهم التمتع بالكتابية ووطأها بملك اليمين ، ورووا رخصة في التمتع بالمجوسية. انتهى.

السادس : تحريم نكاحهن مطلقا اختيارا ، وتجويزه مطلقا اضطرارا. وتجويز الوطي بملك اليمين ، ونقل عن ابن الجنيد ، قال في المختلف : وقال ابن الجنيد : واختار لمن وجد الغناء ـ عن نكاح أهل الكتابين ـ ترك مناكحتهن بالعقد في دار الإسلام ، أما في دار حربهم فلا يجوز ذلك ، فإن رغبت إلى ذلك ضرورة في دار الإسلام أن يكون الأبكار منهن ، وأن يمنعهن أكل وشرب ما هو محرم في دار الإسلام ، ولا يحل نكاح من كان نصارى من بني تغلب وذميمة العرب ومشركيهن.

ومن لم يصح له كتاب من الصابئين وغيرهن واجتناب مناكحتهن أحب إلي ، وأما السامرة فيجرون مجرى اليهود ، وإن كانوا من بني إسرائيل ، ولا بأس بوطى‌ء من ملك من هذه الأصناف كلها بملك اليمين ولكن لا يطلب الولد من غير الكتابية ، وقال في نكاح الحر للإماء : ولا يحل للمسلم التزويج على إماء أهل الكتاب. انتهى.

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار كما أشرنا إليه آنفا ، فإنها خرجت في هذا المقام على أنواع متعددة.

الأول : على الجواز مطلقا ، وهي ما رواه المشايخ الثلاثة (١) ـ رضوان الله عليهم ـ عن معاوية بن وهب وغيره في الصحيح عن ابي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية ، قال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية : فقلت : يكون له فيها الهوى ، فقال : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واعلم أن عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ ح ٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٧ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٢ ح ١.

٦

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح كما عن ابن رئاب عن ابي بصير وهو مشترك إلا أن الأظهر عندي عده في الصحيح كما تقدمت الإشارة إليه عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال : إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة ، فلا بأس أن يتزوج قلت : فإنه يتزوج عليها أمة؟ قال : لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء ، فإن تزوج عليهما حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فإن لها مما أخذت من المهر فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت ، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت ، وإذا حاضت ثلاثة حيض أو مرت لها ثلاثة أشهر حلت للأزواج ، قلت : فإن طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة ، له عليها سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال : نعم» (٢).

وما رواه في الكافي والتهذيب (٣) عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج ذمية على مسلمة ، ولم يستأمرها ، قال : ويفرق بينهما ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٨ ح ١١ ، والتهذيب ج ٧ ص ٤٤٩ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢٠ ح ١.

(٢) أقول : ومما يدل على كونهم مماليك للإمام عليه‌السلام صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها ، هل عليها عدة مثل عدة المسلمة؟ فقال : لا ، لأنه أهل الكتاب مماليك الإمام ، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدى العبد الضريبة ، ثم قال : قلت : فان مات عنها وهي نصرانية وهو نصراني ، فأراد الرجل من المسلمين تزويجها ، قال : لا يتزوجها المسلم حتى تعد من النصراني أربعة أشهر وعشرا. (منه ـ قدس‌سره ـ). وما رواه ـ قدس‌سره ـ موجود في التهذيب ج ٧ ص ٤٧٨ ح ١٢٦ ، الكافي ج ٦ ص ١٧٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٧٧ ح ١.

(٣) الكافي ج ٧ ص ٢٤١ ح ٨ ، التهذيب ج ١٠ ص ١٤٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٨ ص ٤١٥ ب ٤٩ ح ١.

٧

قلت : فعليه أدب؟ قال : نعم اثنى عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر ، قلت : فإن رضيت المرأة الحرة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟ قال : لا يضرب ولا يفرق بينهما يبقيان على النكاح الأول» ، أقول : في التهذيب «أمة» مكان «ذمية».

وما رواه في الفقيه (١) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام «في رجل تزوج ذمية على مسلمة قال : يفرق بينهما ، ويضرب ثمن الحد اثنى عشر سوطا ونصفا ، فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما ، قلت : كيف يضرب النصف؟ قال : يؤخذ بالسوط بالنصف فيضرب به».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٢) عن أبى مريم الأنصاري عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ قال : نعم قد كان تحت طلحة يهودية».

وعن محمد بن مسلم (٣) في الموثق عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس ، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه في الكافي (٤) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل للرجل أن يتزوج النصرانية على المسلمة ، والأمة على الحرة؟ فقال : لا يتزوج واحدة منهما على المسلمة ، ويتزوج المسلمة على الأمة والنصرانية ، وللمسلمة الثلثان وللأمة والنصرانية الثلث».

وعن سماعة (٥) في الموثق قال : «سألته عن اليهودية والنصرانية أيتزوجها

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٩ ح ٦٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٩ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٩ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٥٩ ح ٥ ، الوسائل ح ١٤ ص ٤١٩ ح ٣.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٣٥٧ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٩ ح ٢.

٨

الرجل على المسلمة؟ قال : لا ، ويتزوج المسلمة على اليهودية والنصرانية».

وما في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال عليه‌السلام : وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم أن عليك في دينك في تزويجك إياها غضاضة ، ولا يجوز تزويج المجوسية ، ولا يجوز أن تزوج من أهل الكتاب ولا من الإماء إلا اثنتين». إلى آخره.

وكلام الشيخ علي بن بابويه المتقدم نقله عين صدر هذه العبارة ، وقد تقدم التنبيه على أن أكثر عبائره وفتاويه في الرسالة مأخوذ من هذا الكتاب ، وهذه الأخبار هي مستند قول الثاني.

والنوع الثاني : ما دل على التحريم مطلقا ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن الحسن بن الجهم في الموثق قال : «قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟ قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك ، قال : لتقولن فإن ذلك يعلم به قولي ، قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة ، ولا على غير مسلمة ، قال : لم؟ قلت : لقول الله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» (٣) قال : فما تقول في هذه الآية؟. «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (٤) قلت فقوله «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت».

وعن زرارة (٥) عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب ، قلت :

__________________

(١) فقه الرضا ص ٣١ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٤ ح ٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٧ ح ٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٠ ح ٣.

(٣) سورة البقرة ـ آية ٢٢١.

(٤) سورة المائدة ـ آية ٥.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٣٥٨ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١١ ح ٤.

٩

جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال : قوله «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (١).

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (٢) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله سبحانه «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» فقال : هذه منسوخة بقوله «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».

وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (٣) عن ابي جعفر عليه‌السلام في تفسير قوله «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» أن من كانت عنده امرأة كافرة يعني على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام فليعرض عليها الإسلام فإن قبلت فهي امرأته ، وإلا فهي بريئة منه ، فنهى الله أن يمسك بعصمهم.

وما رواه الراوندي في نوادره (٤) بإسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام : لا يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهودية ولا النصرانية ، لأن الله تعالى قال (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ)» الحديث.

وروى العياشي في تفسيره (٥) عن مسعدة بن صدقة ، قال : سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن قول الله «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» قال : نسختها «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ».

وهذه الأخبار أدلة القول الأول.

والنوع الثالث : ما دل على الجواز للضرورة ، ومنها ما رواه في الكافي (٦)

__________________

(١) سورة الممتحنة ـ آية ١٠.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٨ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٠ ح ١.

(٣) تفسير القمي ج ٢ ص ٣٦٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٧ ح ٧.

(٤) نوادر الراوندي ص ٤٨ ، البحار ج ١٠٣ ص ٣٨٠ ح ٢٠ طبعة الاخوندى.

(٥) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٩٦ ح ٣٨ عن ابن سنان عن أبى عبد الله ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٤ ح ١ عن مسعدة بن صدقة.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٣٦٠ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٢ ح ٣.

١٠

عن يونس عنهم عليهم‌السلام قال : «لا ينبغي للمسلم الموسر أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة ، فكذلك لا ينبغي له أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلا في حال الضرورة ، حيث لا يجد مسلمة حرة ولا أمة».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (١) وإن اشتمل على إرسال ابن أبي عمير لعدهم مرسلاته في الصحاح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية وهو يجد مسلمة حرة أو أمة». والتقريب فيه بحمل «لا ينبغي» على التحريم كما هو ظاهر الخبر الأول.

والنوع الرابع : ما دل على الجواز على كراهة ، ومنه صحيحة معاوية ابن وهب (٢) المتقدمة في صدر روايات الجواز.

وما رواه في الكافي (٣) في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد (٤) عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أنه كره مناكحة أهل الحرب».

إلا أن هذا مبني على أن لفظ «لا أحب» ولفظ «كره» بمعنى المكروه المستعمل بين الناس ، وهو في الأخبار أعم من ذلك ، فإنه قد ورد بمعنى التحريم كثيرا فهما من الألفاظ المتشابهة كما تقدم تحقيقه.

والنوع الخامس : ما دل على تخصيص الجواز بالبله كما رواه في الكافي (٥) عن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٨ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٢ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٢١ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٨ ح ٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٧ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٢ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٥١ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١١ ح ٥.

(٤) قرب الاسناد ص ٦٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١١ ح ٦.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٩ ح ٧ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٤ ح ١.

١١

زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا يصلح للمسلم أن ينكح يهودية ولا نصرانية ، وإنما يحل منهن نكاح البله».

ولفظ «لا يصلح» وإن كان ظاهرا في الكراهة باعتبار اصطلاح الناس ، إلا أنه في الأخبار من الألفاظ المتشابهة المستعملة في التحريم أيضا ، وقرينة التحريم هنا قوله «إنما يحل».

والنوع السادس : ما ورد في التمتع بهن ، ومن ذلك ما رواه في التهذيب (١) عن الحسن بن علي بن فضال في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة».

وعن زرارة (٢) قال : «سمعته يقول : لا بأس بأن يتزوج اليهودية والنصرانية متعة ، وعنده امرأة».

وعن محمد بن سنان (٣) عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس ، فقلت : فمجوسية ، فقال : لا بأس به ، يعني متعة».

أقول : قوله «يعني متعة» من كلام الراوي ، وهو تفسير لكلامه عليه‌السلام وبيان لإجماله ، لعلمه بذلك بقرينة الحال يومئذ ، إلا أن هذا التفسير يمكن ان يكون للمجوسية خاصة ، وأن نفي البأس عنها إنما هو بالنسبة إلى المتعة دون الدائم ، وحينئذ فنفي البأس في اليهودية والنصرانية أعم من المتعة والدائم ، وبهذا تكون هذه الرواية من روايات النوع الأول ، وهذا هو الأقرب ، ويحتمل أن يكون للجميع.

وعن منصور الصيقل (٤) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بالرجل أن يتمتع

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٦ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٥ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٦ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٦ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٦ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٢ ح ٥.

١٢

بالمجوسية».

وعن إسماعيل بن سعد الأشعري (١) في الصحيح قال : «سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية؟ قال : لا أرى بذلك بأسا ، قال : قلت : بالمجوسية؟ قال : وأما المجوسية فلا». وحمل في التهذيبين المنع عن المجوسية على الكراهة عند التمكن من غيرها ، هذا ما ورد من الأخبار على ما عرفت من الاختلاف ومثلها الآيات القرآنية ، فإنها مختلفة أيضا.

فمما يدل على التحريم قوله عزوجل في سورة البقرة «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ـ إلى قوله ـ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا» (٢). وقوله عزوجل في سورة الممتحنة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ـ إلى قوله ـ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (٣).

ومما يدل على الجواز قوله عزوجل في سورة المائدة «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ» (٤).

وأنت خبير بأن أكثر الأخبار دال على الجواز وإن كان على كراهة كما يفهم من الأخبار الأخر المتقدمة ، ولا ينافي ذلك روايات المتعة إن لم تؤكده ، لدلالتها على الجواز في الجملة ، ولهذا مال إلى الجواز شيخنا في المسالك وسبطه السيد السند في شرح النافع.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٦ ج ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦١ ح ١.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٢١.

(٣) سورة الممتحنة ـ آية ١٠.

(٤) سورة المائدة ـ آية ٥.

١٣

ويؤيده ما رواه النعماني في تفسيره (١) عن علي عليه‌السلام وصرح به الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (٢) أيضا في بيان ما نصفه منسوخ من الآيات ونصفه باق من أن قوله «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» قد نسخ بقوله تعالى في سورة المائدة «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ـ إلى قوله ـ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ» (٣) وقوله «وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا» لم ينسخ إلى آخر كلامهما زيد في إكرامهما ، وحينئذ ربما يمكن القول بترجيح الجواز ، إلا أن إجماع العامة على الجواز كما نقله الشيخ وغيره.

وقد تقرر في طريق الترجيح في مقام اختلاف الأخبار ، عرض الأخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه كما تضمنته مقبولة عمر بن حنظلة (٤) ، ورواية زرارة وغيرها حتى ورد أنهم ليسوا من الحنيفية على شي‌ء ، وأن الرشد في خلافهم ، وبلغ الأمر إلى أنهم أمروا شيعتهم بأنه متى أعوزهم الحكم الشرعي رجعوا إلى قضاة العامة ، وأخذوا بخلاف ما يفتون به ، وحينئذ فيشكل العمل بأخبار الجواز ، لإمكان الحمل على التقية.

فإن قيل : إن من جملة القواعد أيضا العرض على الكتاب العزيز ، والأخذ بما وافقه ، بل العرض عليه والترجيح مقدم في الأخبار على رتبة العرض على مذهب العامة.

قلنا : نعم الأمر وإن كان كذلك ، لكن الآيات كما عرفت مختلفة ، والجمع بينها مشكل ، إلا أنه يمكن أن يقال : إن مقتضى ما قدمنا نقله عن تفسير النعماني وعلي بن إبراهيم أن آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» (٥) الدالة على التحريم قد

__________________

(١) المحكم والمتشابه ص ٣٤ و ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٣ ح ٦.

(٢) تفسير القمي ج ١ ص ٧٣.

(٣) سورة المائدة ـ آية ٥.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٨ ص ٧٥ ح ١.

(٥) سورة البقرة ـ آية ٢٢١.

١٤

نسخت بآية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (١) الدالة على الجواز ، ولهذا جعلنا ذلك مؤيدا للجواز.

ومقتضى ما دلت عليه حسنة زرارة أو صحيحته ، وكذا روايته الأخرى المتقدمتين في النوع الثاني أن آية التحريم إنما هي «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» (٢) وأن هذه الآية قد نسخت آية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» ويؤيد ذلك الروايات الواردة في تفسير «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» المتقدمة في الموضع المذكور.

وأما آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» فالظاهر من إيراده في الاستدلال على التحريم في حسنة زرارة وروايته بآية «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» دونها ، مع أنه أصرح في التحريم : أنها قد نسخت بآية المائدة كما نقله الشيخان المتقدم ذكرهما في تفسيريهما ، ولعله بعد ذلك نسخت آية المائدة بآية «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» كما صرحت به الروايتان المذكورتان.

وما يقال من أن المائدة آخر القرآن نزولا غير معلوم على إطلاقه ، نعم بعض آياتها كذلك ، فإن الظاهر من الأخبار أن السور لم تنزل دفعة واحدة بل القرآن كله إنما نزل نجوما بحسب الأحكام المتجددة والوقائع المتعددة ، ولهذا صرحوا بأنه لم يتكامل في نزوله إلا بعد عشرين سنة ، وحينئذ فيكون القرآن دليلا على التحريم بمعونة هذه الروايات ، لأنا لا نفهم من القرآن إلا ما أفهمونا إياه ، وأوقفونا عليه ، سيما عند تشابهه علينا ، ونسخ بعضه بعضا.

ومن ذلك يظهر ترجيح القول بالتحريم بالنظر إلى هاتين القاعدتين الواردتين في مقام الترجيح ، لأن العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه لا يتم إلا على القول بالتحريم والعرض على الكتاب بالتقريب الذي أوضحناه

__________________

(١) سورة المائدة ـ آية ٥.

(٢) سورة الممتحنة ـ آية ١٠.

١٥

يقتضي القول بالتحريم ، فإنه هو المفهوم من الآيات بمعونة هذه الروايات.

وأما ما ذكره شيخنا في المسالك ـ من أن إثبات النسخ بهذه الرواية يعني حسنة زرارة مشكل ، خصوصا مع عدم صحة سندها ـ محل نظر ، فإن حسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لروايته لما هو عليه من علو الشأن ورفعة المكان ، حتى عد روايته في الصحيح جملة من محققي متأخري المتأخرين كالشيخ البهائي ووالده ، وشيخنا المجلسي ووالده المولى محمد تقي وغيرهم.

وهو قد اعترف في غير موضع ، وكذا سبطه السيد السند بأنه لا راد لروايته ، وإن نظموها في قسم الحسن ، فالمناقشة في ذلك واهية على أنها كما عرفت قد عاضدها رواية زرارة الثانية ، ورواية تفسير الشيخ علي بن إبراهيم ، وحينئذ فتحمل تلك الروايات الدالة على الجواز على التقية.

ويؤيده ما سيأتي تحقيقه ـ إن شاء الله تعالى ـ في مسألة اشتراط الكفاءة في في النكاح التي هي عبارة عن التساوي في الايمان ـ كما هو المشهور ـ أو الإسلام ـ كما هو القول الآخر ـ فإنه وإن كان المشهور اختصاص ذلك بجانب الزوج إلا أن الأظهر هو اشتراط ذلك من الجانبين ، كما هو مذهب سلار ، حيث قال : ومن الشرائط أن تكون مؤمنة أو مستضعفة ، فإن كانت ذمية أو مجوسية أو معاندة لم يحل نكاحها قط ، لأن الكفاءة في الدين مراعاة عندنا في صحة هذا العقد ، فأما في عقد المتعة والإماء فجائز في الذميات خاصة ، دون المجوسية ، انتهى.

وأما ما ذكره السيد السند في شرح النافع وإليه أشار جده في المسالك من أن آية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» (١) الدالة على الجواز. لا ينافيها قوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» (٢) لأن الأولى خاصة ، والعمل على الخاص مقدم.

__________________

(١) سورة المائدة ـ آية ٥.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٢١.

١٦

ففيه أنه جيد لو لم تعارضه الرواية عنهم عليهم‌السلام فإن موثقة الحسن بن الجهم (١) دلت على أن آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» قد نسخت آية «وَالْمُحْصَناتُ» وهو وإن وقع في كلام الراوي إلا أنه عليه‌السلام قد قرره على ذلك ، لكن هذه الرواية معارضة بما قدمنا نقله عن تفسير النعماني.

وكلام الشيخ علي بن إبراهيم في تفسيره ـ من أن آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ» قد نسخت بقوله تعالى في سورة المائدة «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ـ إلى قوله ـ وَالْمُحْصَناتُ» (٢) وما ذكروه من الجمع بين الآيتين بتخصيص إحداهما بالأخرى ـ لا يتم على كل من الروايتين ، بل الروايتان ظاهرتان في

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٧ ح ٦ ، والتهذيب ج ٧ ص ٢٩٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤١٠ ح ٣.

(٢) أقول : وبذلك يظهر لك ما في قوله في المسالك ـ من أنه لا وجه للنسخ بعد إمكان الجمع بين الآيتين بتخصيص عموم آية «وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ» بآية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» فان فيه أن الروايات قد صرحت بالنسخ وان اختلف في أن أيتهما الناسخة وأيتهما المنسوخة.

فقوله «لا وجه للنسخ فيه» نوع اعتراض على الامام ـ عليه‌السلام ـ في حكمه بالنسخ ، وهو لا يخلو من سوء أدب. نعم لو كان ذلك في مقابلة دعوى من ادعى ذلك بغير دليل اتجه ما ذكره.

وكذا قوله «وأما آية النهي عن التمسك بعصم الكوافر فليست صريحة في إرادة النكاح ، ولا فيما هو أعم منه» فان فيه أنه وان كان الأمر كذلك بالنظر الى ظاهر الآية ، ولكن بعد ورود الروايات يكون «وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» ناسخة لاية «وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» وورود تفسير الآية بالنكاح كما قدمنا نقله عن تفسير على بن إبراهيم ، فلا وجه لهذا الكلام ، وهل هو الا نوع رد على الامام ـ عليه‌السلام ـ فيما فسر به الآية في المقام.

وبالجملة فإن كلامه هنا بعيد عن التحقيق ، وسحيق في ذلك ، وأى سحيق (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٧

في التعارض ، وأنه لا مخرج من ذلك إلا بنسخ إحداهما للثانية ، وإن وقع الاختلاف بينهما في أن أيتهما الناسخة وأيتهما المنسوخة.

وكيف كان فالمسألة بمحل من الاشكال ، لما عرفت من الاختلاف في الآيات والروايات ، وإن كان ما ذكرناه هو الذي يترجح في النظر القاصر والذهن الفاتر ، والله العالم.

تنبيهات

الأول : ظاهر الأصحاب أن المجوس ليسوا داخلين تحت إطلاق أهل الكتاب ، وأن أهل الكتاب حقيقة إنما هم اليهود والنصارى ، وهذا البحث المتقدم مخصوص بهم وإن ألحقوا بهم في بعض الأحكام.

قال شيخنا في المسالك بعد تمام البحث في اليهود والنصارى : بقي الكلام في المجوسية ، فإن الظاهر عدم دخولها في أهل الكتاب ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) «سنوا بهم سنة أهل الكتاب». فإن فيه إيماء إلى أنهم ليسوا منهم ولذلك قيل : إنهم ممن لهم شبهة كتاب ، وقد روي (٢) أنهم حرقوا كتابهم فرفع. وأيضا فلا يلزم أن يسن بهم سنتهم في جميع الأحكام ، وظاهر الرواية كونه في الجزية ، ويؤيده أنهم رووا فيها أيضا غير ناكحي نسائهم ولا أكل ذبائحهم ، فيضعف الاحتجاج ببعضها دون بعض ، والرواية عامية ، انتهى.

أقول : المفهوم من بعض الأخبار كونهم من أهل الكتاب وأنه كان لهم نبي وكتاب ، فروى في الكافي والتهذيب (٣) عن أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابنا

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٩ ح ١١ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٧ ح ٥.

(٢) التهذيب ج ٦ ص ١٧٥ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٧ ح ٥.

(٣) الكافي ج ٣ ص ٥٦٧ ح ٤ ، التهذيب ج ٤ ص ١١٣ ح ١ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٦ ح ١.

١٨

قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المجوس كان لهم نبي؟ فقال : نعم. أما بلغك كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أهل مكة أن أسلموا وإلا نابذتكم بحرب ، فكتبوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأصنام ، فكتب إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني لم آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله يريدون بذلك تكذيبه صلى‌الله‌عليه‌وآله : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ثم أخذت الجزية من مجوس هجر ، فكتب إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن المجوس كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب فأحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور».

وما رواه في التهذيب (١) عن أبي يحيى الواسطي قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المجوس فقال : كان لهم نبي قتلوه وكتاب أحرقوه ، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور.».

«وقال الصدوق في الفقيه (٢) المجوس تؤخذ منهم الجزية ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب ، وكان لهم نبي اسمه جاماست فقتلوه ، وكتاب يقال إنه كان يقع في اثنى عشر ألف جلد ثور فحرقوه».

وروى الصدوق في كتاب المجالس (٣) بسنده عن الأصبغ بن نباتة أن عليا عليه‌السلام قال على المنبر : سلوني قبل أن تفقدوني ، فقام إليه الأشعث فقال : يا أمير المؤمنين عليه‌السلام كيف تؤخذ الجزية عن المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي فقال : بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا». الحديث.

وروى الشيخ الطوسي في كتاب مجالسه (٤) عن علي بن علي بن دعبل أخي

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ١٧٥ ح ٢٨ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٧ ح ٣.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٩ ج ١١ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٧ ح ٥ ، وفيهما اختلاف مع الأصل.

(٣) المجالس ص ٢٠٦ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٨ ح ٧.

(٤) مجالس ابن الشيخ ج ٢ ص ٣٧٥ المجلس ـ ١٣ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٨ ح ٩.

١٩

دعبل بن علي عن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن علي بن الحسين عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعني المجوس».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام مرسلا أنه قال : المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات لأنه قد كان لهم في ما مضى كتاب».

أقول : الظاهر أنه حيث لم يشتهر نبي المجوس وكتابهم كشهرة كتابي اليهود والنصارى ونبيهما بل كانوا عند الناس أولا وآخرا أنهم ليسوا بأهل الكتاب ولا نبي وقع التعبير بأن يسن بهم سنة أهل الكتاب المشهورين ويلحقوا بهم.

وظاهر أكثر هذه الأخبار أن ذلك إنما هو بالنسبة إلى الجزية ، وظاهر خبر الشيخ المفيد الإلحاق في الديات أيضا ، والظاهر أنه لهذا لم تجر عليهم أحكام أهل الكتاب المذكورة في هذا المقام بالنسبة إلى الكلام المتقدم نصا وفتوى ، وإن كانت الأخبار مختلفة فيهم أيضا لكن لا على الوجه المذكور.

ومن ذلك ما تقدم في النوع الأول من قول الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقيه (٢) «ولا يجوز تزويج المجوسية».

وما تقدم في النوع السادس من رواية محمد بن سنان (٣) عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا بأس ، فقلت : فمجوسية ، فقال : لا بأس به يعني متعة». بالتقريب المذكور في ذيلها ثمة.

ورواية منصور الصيقل (٤) المتقدم نقلها ثمة أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية».

__________________

(١) المقنعة ص ٤٤ ، الوسائل ج ١١ ص ٩٨ ح ٨.

(٢) الفقه الرضوي ص ٢٣٥ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٤.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٦ ح ٣١ و ٣٢، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٢ ح ٤ و ٥.

٢٠