الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة : واحدة بواحدة وسهمك أنفذ ، ثم قال له : يا أبا جعفر إن الآية التي في «سأل سائل» تنطق بتحريم المتعة ، والرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد جاءت بنسخها؟ فقال له أبو جعفر : يا أبا حنيفة إن سورة سأل سائل مكية وآية المتعة مدينة وروايتك شاذة ردية ، فقال له أبو حنيفة : وآية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة ، فقال أبو جعفر : قد ثبت النكاح بغير ميراث ، قال أبو حنيفة : من أين قلت ذاك؟ فقال أبو جعفر : لو أن رجلا من المسلمين تزوج امرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيها؟ قال : لا ترث منه ، قال : فقد ثبت النكاح بغير ميراث ثم افترقا» (١).

أقول : كان أبو جعفر المذكور حديد النظر سريع الجواب بديهة ، وكان له مع المخالفين إلزامات ، وهو عند الشيعة يلقب بمؤمن الطاق وشاه الطاق وصاحب الطاق ، والمخالفون يلقبونه بشيطان الطاق لما يجرعهم في إلزاماته لهم من المشاق.

وله مع أبي حنيفة من هذا القبيل كثير ، قال له أبو حنيفة لما بلغه موت الصادق عليه‌السلام شماتة : يا أبا جعفر مات إمامك ، فقال له : وإمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.

وفي بعض الأخبار ما يدل على المنع من الإلحاح فيها ومداومتها متى أغناه الله بالأزواج فروى في الكافي (٢) عن علي بن يقطين في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المتعة فقال : وما أنت وذاك فقد أغناك الله عنها ، قلت : إنما أردت أن أعلمها ، فقال : هي في كتاب علي عليه‌السلام ، فقلت : تزيدها وتزداد؟ فقال : وهل يطيبه إلا ذاك». والمراد «تزيدها» في المهر «وتزداد» في

__________________

(١) أقول : الظاهر أن عدول مؤمن الطاق الى هذا الجواب مبنى على التنزيل والمماشاة ، والا فإن له أن يجيب بأن المتعة زوجة فتدخل تحت الآية وان كان إطلاقها على الدائم أكثر استعمالا الا أن الظاهر أنه تفرس في أبي حنيفة أنه لا يقبل هذا الجواب فعدل عنه الى ما ذكره مما لا يمكنه رده وإنكاره. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٢ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٩ ح ١.

١٢١

الأجل ، بأن يعقد عليها بعد انقضاء المدة وإن كانت في العدة بمهر جديد ومدة أخرى ، وقوله «وهل يطيبه إلا ذاك» لعل المراد به أنها ليست مثل الدائمة متى تزوجها صارت كلا عليه ، فإن هذه باعتبار المدة التي لها إن أعجبته جدد العقد عليها بعد المدة وزادها وزادته وإلا تركها.

وعن الفتح بن يزيد (١) قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتعة؟ فقال : هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج ، فليستعفف بالمتعة ، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها».

وعن ابن شمون (٢) قال : «كتب أبو الحسن عليه‌السلام إلى بعض مواليه لا تلحوا على المتعة ، إنما عليكم إقامة السنة ، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم فيكفرن ويتبرين ويدعين على الآمر بذلك ويلعنونا». إلى غير ذلك من الأخبار.

إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في الأركان والأحكام فهنا مقامان :

الأول في الأركان :

وهي عند الأصحاب أربعة : الصيغة ، والمحل ، والأجل ، والمهر. وتفصيل الكلام فيها يقع في موارد :

الأول : في الصيغة ، ولا خلاف في انعقاد نكاح المتعة بأحد هذه الألفاظ الثلاثة وهي : زوجتك وأنكحتك ومتعتك بأن تقول المرأة ذلك في الإيجاب ، فيقبل الزوج بما يدل على ذلك من الألفاظ ، وجوز أبو الصلاح وابن البراج في الإيجاب أن يقع من الرجل بقوله متعيني نفسك كذا فتقول المرأة قبلت أو رضيت.

ونقل عن المرتضى أنه جعل تحليل الأمة عقد متعة ، وعلى هذا فينعقد عنده بلفظ الإباحة والتحليل ، قال في شرح النافع وهو جيد لو ثبت كونه كذلك ، لكنه غير واضح كما ستقف عليه في محله ، والمشهور في كلام المتأخرين

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٣ ح ٢ و ٣، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٩ ح ٢ وص ٤٥٠ ح ٤.

١٢٢

اعتبار اللفظ الماضي في عقد النكاح مطلقا ، لأنه صريح في الإنشاء ، بخلاف المستقبل المحتمل للوعد ، وخالف جماعة فاكتفوا بلفظ المستقبل ، وهذا هو المستفاد من الأخبار المتكاثرة.

منها ما رواه في الكافي (١) عن أبي بصير ، قال : «لا بد من أن تقول في هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما نكاحا غير سفاح» الحديث ، وظاهره أن هذه الصيغة العقد كما تدل عليه جملة من الأخبار الآتية :

وعن أبان بن تغلب (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما وإن شئت كذا وكذا سنة بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا ، فإذا قالت : نعم ، فقد رضيت فهي امرأتك ، وأنت أولى الناس بها» الحديث ، وهو كما ترى ظاهر في مخالفة ما ذكروه من وجوه :

منها اشتراط الماضي في الإيجاب وهو هنا بلفظ المستقبل.

ومنها كون الإيجاب من المرأة والقبول من الرجل ، والإيجاب هنا من الرجل والقبول من المرأة عكس ما قالوه.

وفي رواية ثعلبة (٣) «أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نكاحا غير سفاح.» إلى آخره.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٣ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٧ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٦ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٣ ح ٦٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٦ ح ٢.

١٢٣

وفي رواية مؤمن الطاق (١) «يقول لها زوجيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.» إلى آخره. إلى غير ذلك من الأخبار التي من هذا القبيل.

وبالجملة فالظاهر من تتبع الروايات في هذا الباب وغيره أن المدار في صحة العقود كيف كانت على التراضي من الطرفين بالألفاظ الدالة على مقتضى ذلك العقد ، كما تقدم ذكره في غير موضع من الكتب المتقدمة.

ويؤكده بالنسبة إلى ما نحن فيه ما رواه في الكافي (٢) عن نوح بن شعيب عن علي عن عمه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة إلى عمر فقالت : إني زنيت فطهرني ، فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : كيف زنيت؟

فقالت : مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابيا ، فأبى أن يسقيني إلا أن امكنه من نفسي ، فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تزويج ورب الكعبة».

قال في الوافي : إنما كان تزويجا لحصول الرضا من الطرفين ووقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح فيه ، وذكر المهر وتعيينه ، والمرة المستفادة من الإطلاق القائمة مقام ذكر الأجل ، انتهى.

أقول : ويؤيد ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من حمل الخبر على التزويج المنقطع ذكر الكليني له في هذا الباب وجعله من قبيل أخبار العقد المنقطع ، وكأنه فهم منه أنها زوجته نفسها بشربة من ماء.

إلا أنه قد رويت هذه القصة بعينها في خبر آخر بما يدل على خلاف هذا الخبر ، فروى الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب (٣) عن محمد بن عمرو بن سعيد عن

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٣ ح ٦١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٥ الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٧ ح ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٧ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧١ ح ٨.

(٣) التهذيب ج ١٠ ص ٤٩ ح ١٨٦ ، الفقيه ج ٤ ص ٢٥ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٨ ص ٣٨٤ ح ٧.

١٢٤

بعض أصحابنا قال : «أتت امرأة إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين إني فجرت فأقم في حد الله ، فأمر برجمها وكان علي عليه‌السلام حاضرا قال : فقال له : سلها كيف فجرت؟ قالت : كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها رجلا أعرابيا فسألته الماء فأبى علي أن يسقيني إلا أن امكنه من نفسي فوليت منه هاربة فاشتد بي العطش حتى غارت عيناي وذهب لساني ، فلما بلغ مني أتيته فسقاني ووقع علي ، فقال له عليه‌السلام : هذه التي قال الله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ» (١) هذه غير باغية ولا عادية إليه ، فخلى سبيلها ، فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر».

ولم أقف على من تكلم في هذين الخبرين وما هما عليه من الاختلاف في البين إلا المحدث المحسن الكاشاني في الوافي ، ولا بأس بنقل كلامه بطوله ، وإن طال به زمام الكلام لجودة محصوله ، قال في ذيل هذا الخبر ـ بعد أن أورده في أبواب الحدود في باب من أتى ما يوجب الحد لجهالة أو لضرورة ـ ما لفظه : «البغي الخيانة ، والظلم والعدوان التجاوز عن الحد وعن قدر الضرورة ، والمجرور في «إليه» راجع إلى الفجور ، والظاهر من أمر عمر برجم المرأة بعد إقرارها بالفجور من اكتفائه بالمرة من دون سؤال عن كونها محصنة أو غير محصنة ، وليس هذا من مثله ببعيد ، ثم المستفاد من هذا الحديث جواز الزنا إذا اضطر الإنسان إليه بحيث يخاف على نفسه التلف ، إلا أنه ستأتي هذه القصة بعينها في باب إثبات المتعة من كتاب النكاح بإسناد آخر وعبارة أخرى (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وليس في آخر قوله عليه‌السلام هذه التي قال الله تعالى. إلى آخر الحديث ، بل قال عليه‌السلام : فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تزويج ورب الكعبة ، ومفاده أنه ليس ذلك بزنا ولا فجور مضطر إليه بل هو نكاح حلال وتزويج صحيح ، وذلك لحصول شرائط النكاح فيه

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ١٧٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٧ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧١ ح ٨.

١٢٥

من خلوها عن الزوج وعن ولاية أحد عليها ، ورضاء الطرفين ووقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح فيه ، وذكر المهر وتعينه ، فهو تزويج متعة ونكاح انقطاع ، لا يحتاج إلى الطلاق ، فإن قيل : يشترط في صحة المتعة ذكر الأجل ، قلنا : قد ثبت أنه يغني عنه ذكر المرة والمرتين ، والإطلاق يقتضي المرة فيقوم مقام ذكر الأجل ، إن قيل : أنها لم تعتقد حلها وإنما زعمت أنها زنت ، قلنا : لعل الحد إنما يجب على الإنسان إذا زنى دون ما إذا زعم أنه زنى ، مع أنها كانت مضطرة إلى ما فعلت ، فكل من الأمرين جاز أن يكون مسقطا للحد عنها ، ولعل هذا هو الوجه في ورود الاعتذار عنها تارة بأنها ليست بزانية واخرى بأنها كانت مضطرة للزنا ، والتحقيق هو الأول ، ولعل الثاني إن صح وروده فإنما ورد على التقية والمماشاة مع عمر وأصحابه ، وعلى هذا فلا دلالة فيه على جواز الزنا مع الاضطرار إليه ، إن قيل : إن القصة واحدة يستبعد وقوعها مرتين فما وجه اختلاف الفتيا فيها من مفت واحد في مجلس واحد؟ قلنا : الاعتماد فيها إنما هو على رواية أبى عبد الله عليه‌السلام دون رواية غيره ، مع أن الحكم الذي في روايته عليه‌السلام هو الصواب في المسألة كما دريت ، وإن أريد تصحيح الأخرى أيضا قيل : لعل أمير المؤمنين عليه‌السلام : خاطب القوم فيها علانية على جهة التقية بما يناسب قدر عقولهم ومبلغ ما عندهم من العلم ، وخاطب أصحابه سرا بما وافق الحل وبما هم أهله ، فروى الثاني عنه أولاده عليه وعليهم‌السلام ، والأول الأجانب ، والعلم عند الله» انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : الأظهر في الجواب عن السؤال الثاني أن اعتقاد الحل وعدمه لا مدخل له في صحة العقد إذا وقع مستكملا لشرائط الصحة ، والعقد هنا كذلك كما اختاره ، ومن الجائز أن تكون المرأة جاهلة بحل نكاح المتعة لعدم اشتهارها يومئذ ، وأنها على مذهب عمر في تحريمها فاعتقدت كون ما وقع منها زنا يوجب الحد ، فلذا اعترفت بذلك وطلبت اقامة الحد عليها ، والامام عليه‌السلام أسقط الحد

١٢٦

عنها لصحة النكاح كما في رواية الصادق عليه‌السلام ، أو لمكان الضرورة كما في الرواية الأخرى ، وسقوطه لمكان الضرورة غير بعيد.

فإن جملة من الأخبار دلت على أنه ما من شي‌ء حرمة الله إلا أباحه لمكان الضرورة ، ففي موثقة سماعة (١) قال : «قال : إذا حلف الرجل تقية لم يضره ـ إلى أن قال : ـ وقال : ليس شي‌ء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه». ونحوه غيره من الأخبار المؤيدة بالدليل العقلي أيضا.

بقي الكلام في اختلاف الخبرين في أن سقوط الحد هل هو لكونه نكاحا صحيحا كما في رواية الصادق عليه‌السلام (٢) أو لمكان الضرورة وأنه كان زنا؟ وما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ في الجميع بين فتواه عليه‌السلام في هذين الخبرين جيد ، ويؤيده أنه عليه‌السلام خاطب بهذا الجواب الذي في هذا الخبر عمر وأصحابه ، ومذهب عمر تحريم المتعة فلم يصرح له بأن عدم الحد لصحة النكاح متعة ، وإنما صرح له بالاضطرار ، وهو صحيح كما عرفت ، فإن الضرورات تبيح المحظورات ، وأما خبر الصادق عليه‌السلام فليس فيه دلالة على مخاطبة عمر بذلك ، وغاية ما يدل عليه أنه أخبر أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك فسألها ، فلما أخبرته القضية قال : «تزويج ورب الكعبة» وليس في الخبر أنها حدث بعد ذلك أو لم تحد ، وبلغ ذلك عمر أو لم يبلغه ، بل الخبر مجمل في ذلك ، فيجمد على إجماله ، والله العالم.

الثاني : في المحل ، وفيه مسائل :

الاولى قالوا ، يشترط أن تكون مسلمة أو كتابية كاليهود والنصارى والمجوس على أشهر الروايتين ، ويمنعها من شرب الخمر ، وارتكاب المحرمات ، أما المسلمة فلا تتمتع إلا بالمسلم خاصة ، ولا يجوز بالوثنية والناصبية ، ولا تتمتع أمة وعنده حرة إلا بإذنها ، ولو فعل كان العقد باطلا ، وكذا لا يدخل عليها بنت أخيها

__________________

(١) البحار ج ٢ ص ٢٧٢ ح ٩ طبعة طهران الجديدة ، الوسائل ج ١٦ ص ١٦٥ ح ١٨.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٧ ح ٨ الوسائل ج ١٤ ص ٤٧١ ح ٨.

١٢٧

ولا بنت أختها إلا مع الاذن ، ولو فعل كان العقد باطلا.

أقول : قد تقدم الكلام في هذه المواضع ، وكلما ثبت هناك من الجواز أو التحريم فهو يجري في هذا الموضع أيضا من هذه المذكورات وغيرها ، فلا وجه لإعادته.

الثانية : قالوا : يستحب أن تكون مؤمنة عفيفة ، وأن يسألها عن حالها مع التهمة ، وليس ذلك شرطا في الصحة ، وهذا الكلام يتضمن جملة من الأحكام.

(منها) يستحب أن تكون مؤمنة عفيفة ، ويدل على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (١) في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سأل رجل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ : فقال : لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مؤمنة أو مسلمة ، فإن الله عزوجل يقول «الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ، وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (٢) وفي رواية الفقيه «إلا بمأمونة». عوض «مؤمنة».

وفي حديث أبي سارة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عنها ـ يعني المتعة ـ قال لي : حلال ولا تتزوج إلا عفيفة ، إن الله عزوجل يقول «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ» (٤) فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك».

أقول : قد قيل في معنى هذا الخبر وجوه : (أحدها) إن من لا تأمنها على درهمك كيف تأمنها على فرجك ، فلعلها تكون في عدة غيرك فيكون وطؤك

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٩ ح ٨٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٢ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥١ ح ٣.

(٢) سورة النور ـ آية ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٣ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٢ ح ١١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥١ ح ٢.

(٤) سورة المؤمنون ـ آية ٥.

١٢٨

لها بشبهة ، والاحتياط في تجنب الشبهات مطلوب.

(الثاني) إنها إذا لم تكن عفيفة كانت فاسقة ، فهي ليست بمحل للأمانة ، فربما تذهب بدراهمك ولا تفي بالأجل.

(الثالث) إنها لما لم تكن مؤتمنة على الدراهم فبالحري أن لا تؤمن على الفرج وإيداع النطفة لديها فلعلها تزني وتخلط ماءك بماء غيرك.

وفي الحديث الحسن التفليسي (١) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام أيتمتع من اليهودية والنصرانية؟ قال : يتمتع من المرأة المؤمنة أحب إلي وهي أعظم حرمة منهما».

وفي رواية محمد بن الفيض (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : نعم إذا كانت عارفة ، قلت : فإن لم تكن عارفة؟ قال : فأعرض عليها وقل لها فإن قبلت فتزوجها ، وإن أبت أن ترضى بقولك فدعها» الحديث.

وأما ما رواه الشيخ (٣) عن الحسن بن علي عن بعض أصحابه يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تمتع بالمؤمنة فتذلها». فقد قال الشيخ إنه يحتمل أن يكون المراد به إذا كانت المرأة من أهل بيت الشرف يلحق أهلها العار ويلحقها الذل ويكون ذلك مكروها ، انتهى.

و (منها) إنها متى كانت غير مأمونة فالأفضل له أن يسأل عن حالها ، ويدل على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (٤) ـ رحمة الله عليهم ـ عن أبي مريم في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سئل عن المتعة فقال : إن المتعة اليوم ليس كما كانت قبل اليوم

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ ح ٣٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٢ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٢ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٢ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٢ ح ٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٣ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥١ ح ٩ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٢ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥١ ح ١.

١٢٩

إنهن كن يومئذ يؤمن واليوم لا يؤمن فاسألوا عنهن».

قال في الوافي : يؤمن إما بكسر الميم من الايمان ، بمعنى إيمانهن بحل المتعة ، وإما بفتحها من الأمانة ، بمعنى صيانة أنفسهن عن الفجور ، أو عن الإذاعة إلى المخالفين.

أقول : الظاهر هو الثاني ، وفيه إشارة إلى شيوع الزنا وكثرته يومئذ كما تدل عليه رواية علي بن يقطين (١) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : نساء أهل المدينة ، قال : فواسق ، قلت : فأتزوج منهن؟ قال : نعم». على أن الايمان بحل المتعة والتصديق به لا معنى لترتب السؤال عليه ، فإنه يجوز التمتع بغير المؤمنة بذلك ، وظاهر الخبر هو السؤال من الغير عن حالها ، وعبارات الأصحاب تضمنت سؤالها عن أنه هل لها زوج أم لا؟ والرواية لا تدل عليه ، وإنما تدل على ما ذكرناه.

(ومنها) إنه يصح التمتع بها بغير سؤال ، بل الأفضل ترك الفحص والسؤال فإنها مصدق في عدم الزوج والعدة ، والأخبار بذلك متكاثرة.

فروى الكليني (٢) في الصحيح عن ميسر قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد ، فأقول لها : هل لك زوج؟ فتقول : لا ، فأتزوجها؟ قال : نعم هي المصدقة على نفسها».

وروى الصدوق (٣) بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال : «قلت : المرأة نتزوج متعة فينقضي شرطها ، فتتزوج رجلا آخر قبل أن تنقضي عدتها ، قال : وما عليك ، إنما إثم ذلك عليها».

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٥ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٦ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٦ ح ٢.

١٣٠

وروى في التهذيب (١) عن فضل مولى محمد بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : إني تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ، ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ، قال : ولم فتشت».

وعن مهران بن محمد (٢) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قيل له : إن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له : إن لها زوجا ، فسألها ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ولم سألها».

وعن محمد بن عبد الله الأشعري (٣) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا ، قال : ما عليه ، أرأيت لو سألها البينة؟ كانت تجد من يشهد أن ليس لها زوج».

وفي رسالة المتعة للشيخ المفيد على ما نقله في البحار (٤) عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة الحسناء ترى في الطريق ، ولا يعرف أن تكون ذات بعل أو عاهرة ، فقال : ليس هذا عليك ، إنما عليك أن تصدقها في نفسها».

وعن جعفر بن محمد بن عبيد الأشعري (٥) عن أبيه قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن تزويج المتعة وقلت : أتهمها بأن لها زوجا ، يحل لي الدخول بها؟ قال عليه‌السلام : أرأيت إن سألتها البينة على أن ليس لها زوج ، هل تقدر على ذلك».

وظاهر هذه الأخبار كما ترى كراهية السؤال وإن كان مع التهمة ، وهو خلاف ما دل عليه صحيح أبي مريم المتقدم ، ولا يخلو ذلك من الإشكال.

الثالثة : المشهور بين الأصحاب كراهة التمتع بالزانية ، ونقل التحريم عن الصدوق في المقنع.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٧ ح ٣.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ ح ١٨ و ١٩ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٧ ح ٤ و ٥.

(٤ و ٥) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٠ ح ٤٩ و ٥٠، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٩ ب ٩ ح ١ و ٢.

١٣١

وعن ابن البراج أنه لا يعقد على فاجرة إلا إذا منعها من الفجور ، فإذا لم تمتنع من الفجور فلا يعقد عليها ، وهو ظاهر الشيخ في النهاية أيضا (١).

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام منها رواية محمد بن الفيض (٢) المتقدم صدرها في المسألة الثانية ، حيث قال عليه‌السلام فيها : «وإياكم والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج ، فقلت : ما الكواشف؟ قال : اللواتي كاشفن ، وبيوتهن معلومة ويزنين ، قلت : فالدواعي؟ قال : اللواتي يدعون إلى أنفسهن وقد عرفت بالفساد ، قلت : والبغايا؟ قال : المعروفات بالزنا ، قلت : فذوات الأزواج قال : المطلقات على غير السنة».

أقول : الظاهر أن هذه الرواية كملا ما تقدم من صدرها ، وما ذكرناه هنا من تتمتها هي حجة الصدوق فيما نقل عنه ، حيث إنه قال في الكتاب المذكور : ولا يتمتع إلا بعارفة ، فإن لم تكن عارفة فأعرض عليها فإن قبلت. إلى آخر الخبر كملا ، ثم قال : واعلم أن من تمتع بزانية فهو زان ، لأن الله يقول (الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)» (٣) ، انتهى.

وما رواه المشايخ الثلاثة (٤) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح قال : «سأل رجل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام وأنا أسمع عن رجل تزوج المرأة متعة ويشترط عليها على أن لا يطلب ولدها ، فتأتي بعد ذلك بولد ، فشدد في إنكار الولد ، وقال :

__________________

(١) أقول : حيث قال : فإذا أراد الرجل أن يتمتع بامرأة فلتكن دينة مأمونة ، فإنه لا يجوز التمتع بزانية أو غير مأمونة. الى آخره. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٢ ح ١٣ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٢ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٤ ح ٣.

(٣) سورة النور ـ آية ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٩ ح ٨٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٢ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٣ ح ١.

١٣٢

أيجحده إعظاما لذلك؟ فقال الرجل : فإن اتهمها؟ فقال : لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مؤمنة أو مسلمة ، فإن الله عزوجل يقول (الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)». الحديث كما تقدم ، والظاهر أن هذا الخبر مستند الصدوق فيما ذكره ، من تتمة عبارته السابقة بحمل لفظ «لا ينبغي لك» على التحريم كما هو شائع ذائع في الأخبار.

وما رواه الشيخ (١) عن زرارة قال : «سأله عمار وأنا عنده عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة ، قال : لا بأس ، وإن كان التزويج الآخر فليحسن بابه» ، وفيه دلالة على جواز التمتع بها وإن كان يعلم أنها تزني بخلاف الزوجة الدائمة ، فإنه شرط عليه أن يمنعها عن الفجور.

وعن علي بن يقطين (٢) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : نساء أهل المدينة» الخبر. وقد تقدم قريبا.

وعن إسحاق بن جرير (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور ، هل يحل لي أن أتزوجها متعة؟ فقال : رفعت راية؟ قلت : لا ، لو رفعت راية لأخذها السلطان ، قال : نعم تزوجها متعة ، قال : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسر إليه شيئا ، فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك؟ فقال : إنما قال : ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شي‌ء ، إنما يخرجها من حرام إلى حلال».

ومنها ما رواه في الكافي (٤) في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير عن أبي يعفور رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة ولا أدري ما حالها أيتزوجها الرجل متعة؟ قال يتعرض لها فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل». ويمكن أن تكون هذه الرواية دليلا لابن البراج فيما تقدم نقله عنه.

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ ح ١٥ و ١٦، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٤ ح ١ وص ٤٥٥ ح ٢.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٨٥ ح ١٥٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٥ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٣ ب ٨ ح ٢.

١٣٣

وعن يونس عن بعض رجاله (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة أياما معلومة ، فتجيئه في بعض أيامها فتقول إني قد بغيت قبل مجيئي إليك بساعة أو يوم ، هل له أن يطأها ، وقد أقرت له ببغيها؟ قال : لا ينبغي له أن يطأها».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي «وروي لا تمتع بلصة ولا مشهورة بالفجور ، وادع المرأة قبل المتعة إلى ما لا يحل ، فإن أجابت فلا تمتع بها».

ومن الأخبار المنقولة في كتاب البحار عن رسالة الشيخ المفيد المتقدم ذكرها ما رواه عن محمد بن فضيل (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام «في المرأة الحسناء الفاجرة هل يجوز للرجل أن يتمتع بها يوما أو أكثر؟ قال : إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتع بها ولا ينكحها».

وعن ابن جرير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تزني أيتمتع بها؟ قال : أرأيت ذلك؟ قلت : لا ، ولكنها ترمى به ، قال : نعم يتمتع بها ، على أنك تغادر وتغلق بابك».

وعن الحسن (٤) عن الصادق عليه‌السلام «في المرأة الفاجرة هل يحل تزويجها؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها».

وروى في كتاب كشف الغمة (٥) عن كتاب دلائل الحميري عن الحسن بن ظريف قال : «كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام وقد تركت التمتع ثلاثين سنة ، وقد نشطت

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٩٢ ب ٣٨ ح ١.

(٢ و ٣) البحار ج ١٠٣ ص ٣٠٩ ح ٤٠ وفيه «عن محمد بن فضيل» ، وح ٤١ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٩ ب ٧ ح ١ وب ٨ ح ١ ..

(٤) البحار ج ١٠٣ ص ٣٠٩ ح ٤٢ ، مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٢٣ ب ٣٩ ح ٣.

(٥) كشف الغمة ج ٢ ص ٤٢٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٥ ح ٤.

١٣٤

لذلك ، وكان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال فمال إليها قلبي ، وكانت عاهرا لا تمنع يد لامس فكرهتها ، ثم قلت : قد قال الأئمة : تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال ، فكتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أشاوره في المتعة ، وقلت : أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع ، فكتب : إنما تحيي سنة وتميت بدعة ، ولا بأس ، وإياك وجارتك المعروفة بالمهر وإن حدثتك نفسك ، إن آبائي قالوا : تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال ، فهذه امرأة معروفة بالهتك ، وهي جارتك ، وأخاف عليك استفاضة الخبر. فتركتها ولم أتمتع بها ، وتمتعها شاذان بن سعيد ، رجل من إخواننا وجيراننا ، فاشتهر بها حتى علا أمره وصار إلى السلطان وغرم بسبها مالا نفيسا ، وأعاذني الله من ذلك ببركة سيدي».

أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وهي كما ترى ما بين ما يدل على الجواز كما هو المشهور ، وما يدل على التحريم كما هو مذهب الصدوق ، والأصحاب حملوا ما دل على المنع على الكراهة ، جمعا بين الأخبار.

وأما على القول بالتحريم فاللازم طرح ما دل على الجواز ، وهو مشكل ، وبعض ما دل على الجواز وإن أمكن تقييده بما يرجع إلى القول بالتحريم ، كأن يقيد بمنعها من الفجور ، المكنى عنه بأن يغلق بابه ، أو بظهور التوبة ، كما دلت عليه جملة من هذه الأخبار ، إلا أن بعضا آخر كصحيحة زرارة ، ورواية إسحاق ابن جرير ، ورواية علي بن يقطين ، ورواية كشف الغمة ظاهر في الجواز مع عدم القيدين المذكورين ، ولا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة فلعل أخبار أحد الطرفين إنما خرج مخرج التقية.

وبالجملة فإن المسألة غير خالية من شوب الإشكال ، فإن جملة من أخبار المنع صريح في التحريم ، والله العالم.

الرابعة : قد صرح جملة من الأصحاب بأنه يكره التمتع ببكر ليس لها أب فإن فعل فلا يفتضها وليس محرما.

١٣٥

أقول : الكلام هنا يقع في موضعين (أحدهما) البكر التي لها أب ، هل يجوز التمتع بها دون الأب أم لا؟ وقد تقدم تحقيق الكلام في هذه المسألة ، في مسائل المقصد الثاني في الأولياء للعقد من الفصل الأول.

(الثاني) في البكر التي لا أب لها ، ولم نقف فيها على نص بخصوص ما قالوه وإنما نصوص المسألة ما بين مطلق وما بين مصرح بوجود الأب.

والظاهر أن الأصحاب إنما استندوا فيما ذكروه إلى الإطلاق ، ومن ذلك ما رواه في الكافي (١) عن زياد بن أبي الحلال في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس بأن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها ، مخافة كراهية العيب على أهلها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٢) نور الله مراقدهم ـ عن حفص بن البختري في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في الرجل يتزوج البكر متعة ، قال : يكره للعيب على أهلها».

وما رواه في الكافي (٣) عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في البكر يتزوجها الرجل متعة؟ قال : لا بأس ما لم يفتضها».

وعن جميل بن دراج (٤) في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمتع من الجارية البكر ، قال : لا بأس بذلك ما لم يستصغرها».

أقول : الظاهر أن المعنى في قوله «ما لم يستصغرها» أي : يعدها صغيرة لم تكمل التسع ، فإنه لا يصح العقد عليها إلا من الولي ، وقيل : إن معناه ما لم يفتضها ، لأنه موجب لصغارها وذلها عند أهلها ، والأول أظهر.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٢ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٧ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٦٢ ح ١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٣ ح ١٠ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٥ ج ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٩ ح ١٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٦٢ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٨ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٦٢ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٠ ح ١.

١٣٦

وما رواه في الفقيه (١) عن ابن أسباط عن محمد بن عذافر عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن التمتع بالأبكار ، فقال : هل جعل ذلك إلا لهن ، فليستترن به وليستعففن».

ومن كتاب الحسين بن سعيد على ما نقله في كتاب البحار (٢) بسنده فيه عن أبي بكر الحضرمي قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا بكر ، إياكم والأبكار أن تزوجوهن متعة».

وعن عبد الملك بن عمرو (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : إن أمرها شديد ، فاتقوا الأبكار». وإطلاق هذه الأخبار شامل لذات الأب وغيرها ، خرجت منها ذات الأب باختلاف الأخبار فيها بجواز تمتعها بدون إذن الأب وعدمه كما تقدم الكلام فيه ، وبقيت غير ذات الأب على مقتضى ما دلت عليه هذه الأخبار والمستفاد منها بعد ضم بعضها إلى بعض هو كراهة التمتع بها ، وأشد كراهة الإفضاء إليها بعد التمتع بها ، وهو فتوى الأصحاب كما عرفت ، والله العالم.

الخامسة : قالوا : إذا أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا ، وكذا لو كن أكثر ، ولو سبقت بالإسلام وقف على انقضاء العدة إن كان دخل بها ، فإن انقضت ولم يسلم بطل العقد ، وإن لحق بها قبل العدة فهو أحق بها ما دام أجله باقيا ، وعللت هذه الأحكام بأنه لما كان عقد المتعة صحيحا عندنا ، فإذا أسلم المشرك على منكوحة يجوز استدامة نكاحها كالكتابية أقر عليه كما يقر على الدوام ، وكذا لو كن أكثر من واحدة لما سلف من أنه لا تنحصر شرعا في عدد.

ولو انعكس الفرض بأن أسلمت هي دونه توقف فسخ النكاح على العدة ، لأن نكاح المسلمة لا يصح لكافر مطلقا ، فإن انقضت العدة أو المدة التي جعلاها أجلا للمتعة

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٧ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٨ ح ٤.

(٢) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٦ ح ٢٧ الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٠ ح ١٣.

(٣) البحار ج ١٠٣ ص ٣١٨ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٠ ح ١٤.

١٣٧

ولم يسلم تبين انفساخ النكاح في حين الإسلام ، أما مع انقضاء العدة فلانفساخ النكاح حينئذ ، وأما مع انتهاء المدة فلاقتضائه بالبينونة ، وإن أسلم في العدة وقد بقي من المدة شي‌ء فهو أملك بها ما دامت المدة باقية ، وعلى التقديرين يثبت المسمى لاستقراره بالدخول لأنه المفروض ، فلو كان الإسلام قبل الدخول ، فإن كان منه فالحكم بحاله ، وإن كان منها انفسخ النكاح ولا مهر كما مر ، لأن الفسخ من قبلها هذا كله إذا كانت المرأة كتابية ، فلو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة وتبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة ، فأيهما حصل بعد الإسلام انفسخ به النكاح.

والوجه في ذلك أنه لما لم يجز نكاح غير الكتابية للمسلم دواما ومتعة ابتداء واستدامة ، وامتنع نكاح الكافر وإن كان كتابيا للمسلم ابتداء واستدامة ، وجب فيما إذا كانت الزوجة غير كتابية ـ أعم من أن تكون وثنية أو غيرها من فرق الكفر ـ الحكم بانفساخ النكاح إن كان قبل الدخول مطلقا ، وتوقفه على انقضاء العدة أو المدة إن كان بعده ، فأيهما حصل حكم بانفساخ النكاح أو انتهائه ، ويثبت المسمى مع الدخول وبدونه إن كان المسلم الزوج كما مر ، هكذا حققه شيخنا ـ رحمه‌الله ـ في المسالك ، والله العالم.

الثالث : في الأجل ، أجمع الأصحاب على أن ذكر الأجل شرط في صحة نكاح المتعة ، فلو لم يذكره انعقد دائما ، قالوا : ولا يتقدر في القلة والكثرة بقدر ، بل بما تراضيا عليه ، وإن بلغ في حد الكثرة إلى ما يقضي العادة بعدم بلوغه إليه وفي جانب القلة إلى حد لا يمكن الجماع فيه ، لأن غاية العقد لا ينحصر في ذلك.

ونقل عن ابن حمزة أنه قدر الأجل بما بين طلوع الشمس ونصف النهار ، وقيل ولعله أراد التمثيل لا الحصر.

قالوا : ولا بد أن يكون محروسا من الزيادة والنقصان كغيره من الأجل.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار في هذا المقام ، ثم الكلام فيها

١٣٨

بتوفيق الملك العلام ، وبيان ما يستفاد منها من الأحكام.

الأول : ما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تكون متعة إلا بأمرين أجل مسمى وأجر مسمى».

الثاني : ما رواه في التهذيب (٢) عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : مهر معلوم إلى أجل معلوم».

الثالث : ما رواه في الكافي والتهذيب (٣) في الموثق عن أبي بصير قال : «لا بد من أن تقول فيه هذه الشروط : أتزوجك متعة كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما ، نكاحا غير سفاح على كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن تعتدي خمسة وأربعين يوما ، وقال بعضهم : حيضة».

أقول : الظاهر أنه لما كانت المتعة غير معهودة في تلك الأزمان فربما توهمت المرأة الزنا ، فأمروا عليهم‌السلام بذكر هذه الشروط المذكورة التي لا مدخل لها في صحتها دفعا لتوهم الدوام وتوهم الزنا ، ولهذا لم يقل أحد من أصحابنا باشتراط ما ذكر في هذا الخبر ونحوه في صحة العقد كما يظهر من هذا الخبر ونحوه ، وقوله في آخر الخبر «وقال بعضهم» الظاهر أنه من كلام أبي بصير ، ويحتمل أن يكون من من بعض الرواة ، والضمير البارز الظاهر رجوعه إلى الأئمة عليهم‌السلام ، واحتمال الرجوع إلى بعض الرواة الظاهر بعده.

الرابع : عن أبان بن تغلب (٤) قال : «قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٢ ح ٥٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٥ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٦٢ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٥ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٣ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٧ ح ٤ وفيها اختلاف يسير مع ما نقله صاحب الحدائق ـ رحمه‌الله.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٥ ح ٧٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٦ ح ١.

١٣٩

أقول لها إذا خلوت بها؟ قال : تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا وكذا سنة ، بكذا وكذا درهما ، وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أم كثيرا ، فإذا قالت نعم فقد رضيت : فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها ، قلت : فإني أستحيي أن أذكر شرط الأيام ، قال : هو أضر عليك ، قلت : وكيف؟ قال : إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة في العدة وكانت وارثة ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة».

الخامس : ما رواه في الكافي (١) عن ثعلبة قال : «تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نكاحا غير سفاح ، وعلى أن لا ترثيني ولا أرثك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما ، وعلى أن عليك العدة».

السادس : عن هشام بن سالم (٢) قال : «قلت : كيف يتزوج المتعة؟ قال : تقول يا أمة الله أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما ، فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها ، ولا عدة لها عليك».

السابع : ما رواه في التهذيب (٣) عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يتزوج متعة سنة أو أقل أو أكثر؟ قال : إذا كان شيئا معلوما إلى أجل معلوم ، قال : قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم».

الثامن : ما رواه أيضا عن زرارة (٤) في الموثق قال : «قلت له : هل يجوز أن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٣ ح ٦٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٦ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٥ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٦ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥٩ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٦ ح ٧٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٨ ب ٢٥ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٥٩ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٦٦ ح ٧٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٧٩ ح ٢.

١٤٠