الحدائق الناضرة - ج ٢٤

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٤

للرجل : زوجني ابنتك حتى أزوجك ابنتي على أن لا مهر بينهما». قال في الوافي : الممانحة إما بالنون من المنحة بمعنى العطية ، أو الياء التحتانية المثناة من الميح ، وهو إيلاء المعروف ، وكلاهما موجودان في النسخ.

وما رواه (١) عن ابن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر عليه‌السلام أو أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «نهى عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلا بضع صاحبتها ، وقال : لا يحل أن ينكح واحدة منهما إلا بصداق ونكاح المسلمين».

ولم ينقل الخلاف في عدم صحته عند العامة ، إلا عن أبي حنيفة فإنه قال : بصحته.

المسألة العاشرة : في جملة من مكروهات النكاح زيادة على ما تقدم ، ومنها العقد على القابلة وبنتها ، والمشهور بين الأصحاب الكراهة ، وخص الشيخ والمحقق وجماعة الكراهة بالقابلة المربية ، وظاهر الصدوق في المقنع التحريم حيث قال في الكتاب المذكور : ولا تحل القابلة للمولود ولابنتها ، وهي كبعض أمهاته ، وفي حديث إن قبلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن قبلت وربت حرمت عليه ، انتهى.

والذي وقفت عليه من الأخبار ما رواه في الكافي (٢) عن عمرو بن شمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يتزوج قابلته؟ قال : لا ، ولا ابنتها».

وما رواه في التهذيب (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يتزوج المرأة التي قبلته ولا ابنتها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (٤) عن جابر بن يزيد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٦١ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٩ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٤٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٦ ح ٣.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٥ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٧ ح ٨.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٤٧ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٥٥ ح ٣١ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٩ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٦ ح ١.

١٠١

عن القابلة أيحل للمولود أن ينكحها؟ فقال : لا ، ولا ابنتها هي كبعض أمهاته».

أقول : وهذه الروايات ظاهرة الدلالات على ما ذهب إليه الصدوق.

وقال في الكافي وكذا في الفقيه (١) وفي رواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن قبلت ومرت فالقوابل أكثر من ذلك ، وإن قبلت وربت حرمت عليه» ، وهذه هي الرواية التي أشار إليها في المقنع بقوله «وفي حديث.» والظاهر أن المراد بقوله «قبلت ومرت» أي تقدمت ومضت ولم تكلفه ولم تربه ، والقوابل بهذا المعنى أكثر من أن يقال بتحريمهن ، ونظيره ما ورد في رواية نجاسة أبوال الدواب (٢) ، بعد الحكم بنجاسة الأبوال «وأما أرواثها فهي أكثر من ذلك» يعني أكثر من أن يحكم بنجاسته وهو كناية عن القول بطهارته.

ومنها ما رواه في الكافي (٣) عن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا استقبل الصبي القابلة بوجهه حرمت عليه وحرم عليه ولدها».

أقول : وهذه الرواية أيضا ينتظم في سلك تلك الروايات السابقة : والظاهر أن المراد باستقبال الصبي القابلة بوجهه يعني وقت الولادة وخروجه من بطن امه ، وهو ظاهر في التحريم بمجرد كونها قابلة.

وما رواه في التهذيب (٤) عن إبراهيم بن عبد الحميد في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القابلة تقبل الرجل ، إله أن يتزوجها؟ فقال : إن كانت قبلته المرة والمرتين والثلاثة فلا بأس ، وإن كانت قبلته وربته وكفلته فإني أنهى عنها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٤٨ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٩ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٦ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٥٧ ح ٥ ، التهذيب ج ١ ص ٢٦٥ ح ٦٢ ، الوسائل ج ٢ ص ١٠١١ ح ٨.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٤٨ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٦ ح ٤.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٥ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٧ ح ٧.

١٠٢

نفسي وولدي». وفي خبر آخر «وصديقي».

وأنت خبير بأنه لا يظهر لقوله «إن كان قبلته المرة والمرتين والثلاثة» وجه ظاهر ، لأن القبالة بكسر القاف إنما هي عبارة عن تلقي القابلة الولد عند خروجه ، ولا معنى للفظ غير ما ذكرناه ، وهذا لا يتكرر ولا يتعدد بحيث يكون مرتين وثلاثا ، إلا أن يراد بالقابلة ما هو أعم من التربية والكفالة ، فيصير معنى الخبر إن كانت كفلته بعد الولادة في بعض من الزمان دفعات غير مستمرة ولا متصلة فلا بأس ، وإن استمرت بعد القبالة على كفالته وتربيته فإنه قد نهى عنها ، وهذا النهي محتمل لكونه نهي تحريم كما يدعيه الصدوق أو نهي كراهة كما يدعيه الأصحاب حيث استدلوا بهذه الرواية على الكراهة.

وقد ورد في جملة من الأخبار (١) «قولهم عليهم‌السلام «أحلتهما آية وحرمتهما آية أخرى وأنا أنهى عنهما نفسي وولدي». مع حكمهم بكون النهي هناك نهي تحريم كما تقدم في نكاح الأختين المملوكتين ، وبالجملة فإنه ظاهر فيما ذهب إليه الصدوق (٢).

ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب (٣) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح قال : «قلت للرضا عليه‌السلام : يتزوج الرجل المرأة التي قبلته؟ فقال : سبحان الله ما حرم الله عليه من ذلك».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (٤) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٨٩ ح ٥١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٢ ح ٣.

(٢) قال المحقق الشيخ على في شرح القواعد بعد نقل كلام الصدوق والاستدلال برواية جابر المتضمنة لأنها كبعض أمهاته ، والجواب الطعن في السند أولا ثم الحمل على الكراهة لما رواه إبراهيم بن عبد الحميد ثم ساق الرواية ثم قال : فإنها ظاهرة في الكراهة. انتهى ، وفيه ما عرفت في الأصل. (منه ـ قدس‌سره).

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٥ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٧ ح ٦.

(٤) قرب الاسناد ص ١٧٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٧ ح ٥.

١٠٣

الصحيح عن الرضا عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة تقبلها القابلة فتلد الغلام ، يحل للغلام أن يتزوج قابلة امه قال : سبحان الله وما يحرم عليه من ذلك». وهذان الخبران صريحان في الجواز وهما مستند القول المشهور ، إلا أن الأصحاب لم ينقلوا في كتب الاستدلال إلا الرواية الاولى ، والظاهر أنه بناء منهم على عدم الاعتماد إلا على أخبار الكتب الأربعة كما هو المشهور بينهم ، والشيخ في كتابي الأخبار حمل النهي المطلق على المقيد بالتربية ، ثم حمل الجميع على الكراهة جمعا ، كما تقدم نقله عنه في صدر المسألة ، ويمكن حمل الأخبار الدالة على التربية مثل صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد ، ورواية معاوية بن عمار ، على ما إذا أرضعته بأن يكون التعبير بالتربية والكفالة كناية عن الرضاع ، فالتحريم إنما جاء من قبل الرضاع.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من نوع إشكال ، وإن كان القول المشهور أقرب ولا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة ، فلعل بعض أخبارها خرج مخرج ، التقية ، والله العالم.

ومنها أن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته ، ولا بأس بتزويجه ابنتها التي ولدتها من زوج آخر قبله ، والظاهر أن مستند الكراهة هنا هو الجمع بين ما دل على المنع والجواز.

والذي وصل إلي من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن أبي همام إسماعيل بن همام في الصحيح قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام : قال محمد ابن علي عليه‌السلام في الرجل يتزوج المرأة ويزوج بنتها ابنه فيفارقها ، ويتزوجها آخر بعد فتلد منه بنتا ، فكره أن يتزوجها أحد من ولده لأنها كانت امرأته فطلقها فصار بمنزلة الأب ، وكان قبل ذلك أبا لها».

وعن علي بن إدريس (٢) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن جارية كانت في ملكي

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٣ ح ٢٠ و ٢١، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٥ ح ٥ و ٦.

١٠٤

فوطأتها ثم خرجت من ملكي فولدت جارية ، يحل لابني أن يتزوجها؟ قال : نعم لا بأس به قبل الوطي وبعد الوطي واحد».

وما رواه في الكافي (١) عن العيص بن القاسم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته ثم خلف عليها رجل بعده فولدت للآخر هل يحل ولدها من الآخر لولد الأول من غيرها؟ قال : نعم ، قال : وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل بعده ثم ولدت للآخر ، هل يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال : نعم».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن شعيب العقرقوفي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الجارية يقع عليها يطلب ولدها فلم يرزق منها ولدا فوهبها لأخيه أو باعها فولدت له أولادا ، أيزوج ولده من غيرها ولد أخيه منها؟ فقال : أعد علي ، فأعدت عليه ، فقال : لا بأس به».

وعن الحسين بن خالد الصيرفي (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن هذه المسألة ، فقال : كررها علي ، قلت له : إنه كانت لي جارية فلم ترزق مني ولدا فبعتها ، فولدت من غيري ولدا ، ولي ولد من غيرها ، فأزوج ولدي من غيرها ولدها؟ قال : تزوج ما كان لها من ولد قبلك يقول : قبل أن يكون لك».

وعن زيد بن الجهم الهلالي (٤) قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٥١ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٣ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٩ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٥٢ ح ١٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٤ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٩٩ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٥٢ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٤ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٠٠ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٥٢ ح ١٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٤ ح ٤.

١٠٥

المرأة ويزوج ابنه ابنتها؟ فقال : إن كانت الابنة لها قبل أن يتزوج بها فلا بأس».

وما رواه في الفقيه (١) عن صفوان بن يحيى عن زيد بن الجهم الهلالي قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة ولها ابنة من غيره أيزوج ابنه ابنتها؟ قال : إن كانت من زوج قبل أن يتزوجها فلا بأس ، وإن كانت من زوج بعد ما تزوجها فلا».

أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة وقد اشتركت في الدلالة على جواز التزويج بين ولد الزوج وولد المرأة الذين كانوا لها قبل أن يتزوج به ، وإنما اختلف في المناكحة بين أولاد الزوج وأولادها الذين تجددوا بعد مفارقة الزوج لها ، وقد دلت رواية الحسين بن خالد الصيرفي ورواية زيد بن الجهم الاولى وكذا الثانية على المنع من ذلك ، وقد حملها الشيخ ومن تأخر عنه على الكراهة جمعا بينها وبين ما دل على الجواز ، واستدل على ذلك بصحيحة إسماعيل ابن همام (٢) لاشتمالها على الكراهة ، وهو جيد وإن كان لفظ الكراهة في الأخبار أعم ، إلا أن ظاهر التعليل المذكور في الرواية مؤذن بذلك ، مضافا إلى ما دل على الجواز.

ومن الأخبار المذكورة في هذا المقام ما رواه الشيخ في التهذيب (٣) عن الصفار عن محمد بن عيسى قال : «كتبت إليه خشف أم ولد عيسى بن علي بن يقطين في سنة ثلاث ومائتين تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد : أخبرك يا سيدي ومولاي إن ابنة مولاك عيسى بن علي بن يقطين أملكتها من ابن عبيد بن يقطين ، فبعد ما أملكتها ذكروا أن جدتها أم عيسى بن علي بن يقطين كانت لعبيد بن يقطين ثم صارت إلى علي بن يقطين فأولدها عيسى بن علي ، فذكروا أن ابن عبيد

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٧٢ ح ٧٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٣ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٥ ح ٦.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٥٦ ح ٣٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٥ ح ٧.

١٠٦

قد صار عمها من قبل جدتها أم أبيها أنها كانت لعبيد بن يقطين ، فرأيك يا سيدي ومولاي أن تمن على مولاتك بتفسير منك ، وتخبرني هل تحل له؟ فإن مولاتك يا سيدي في غم ، الله به عليم : فوقع عليه‌السلام في هذا الموضع بين السطرين : إذا صار عما لا تحل له ، والعم والد وعم».

قال الشيخ : هذا الخبر يحتمل شيئين : (أحدهما) ما تضمنه حديث زيد بن الجهم والحسين بن خالد الصيرفي أنه إذا كانت للرجل سرية وطأها ثم صارت إلى غيره فرزقت من الآخر أولادا لم يجز أن يتزوج أولاده من غيرها بأولادها من غيره ، لمكان وطئه لها ، وقد بينا أن ذلك محمول على ضرب من الكراهة ، وأنه لا فرق بين أن يكون الولد قبل الوطي أو بعده في أن ذلك ليس بمحظور.

و (الوجه الآخر) هو أن يكون إنما صار عمها لأن جدتها لما كانت لعبيد ابن يقطين ولدت منه الحسين بن عبيد وليس في الخبر أن الحسين كان من غيرها ، ثم لما أدخلت على علي بن يقطين ولدت منه أيضا عيسى ، فصارا أخوين من جهة الأم وابني عمين من جهة الأب ، فإذا رزق عيسى بنتا كان أخوه الحسين بن عبيد من قبل أمها عما لها ، فلم يجز أن يتزوجها ، ولو كان الحسين بن عبيد مولودا من غيرها لم تحرم بنت عيسى عليه على وجه ، لأنه كان يكون ابن عم له لا غير ، وذلك غير محرم على حال ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن الاحتمال الأول لا وجه له ، لأن جواب الامام عليه‌السلام صريح في أن التحريم إنما هو لصيرورته عما لها ، والصواب الحق إنما هو الثاني.

بقي هنا شي‌ء وهو أن المحقق الشيخ علي في شرح القواعد والشهيد الثاني في المسالك بعد أن ذكرا من أدلة المسألة صحيحة إسماعيل بن همام وصحيحة العيص اعترضا على عبارة المتن ، بأنه لو أبدل الابن والبنت بالولد ليشمل الذكر والأنثى كما ورد في صحيحة العيص لكان أجود.

وفيه أن مستند الكراهة في المسألة إنما هي صحيحة إسماعيل بن همام

١٠٧

وموردها إنما هو ابن الزوج وبنت المرأة لا مطلق الولد كما تضمنته الروايات الدالة على الجواز من صحيحة العيص وغيرها ، وحينئذ فتلك الروايات الدالة على الجواز إنما يستثني منها هذا الفرد خاصة ، وأما غيره فلا كراهة فيه ، هذا بالنسبة إلى ما ذكروه من الروايتين المتقدمتين حيث إنهما إنما اعتمدا عليهما لصحتهما.

وأما على ما نقلناه من الأخبار كملا فإن التعارض بينهما قد حصل في مطلق الولد ، فإن كلا من روايات المنع وروايات الجواز عدا رواية أبي همام قد اشتملت على مطلق الولد ، ووجه الجمع بينهما حمل المنع على الكراهة ، وحينئذ فيتم ما ذكروه إلا أنهم لا يرتضونه لعدم عملهم بالروايات المذكورة لضعفها باصطلاحهم ، والله العالم.

(ومنها) أن يتزوج ضرة كانت لامه مع غير أبيه ، ويدل على ذلك ما رواه الشيخ (١) في الصحيح عن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لامه مع غير أبيه».

وخص المحقق في الشرائع الكراهة بمن كانت ضرة لامه قبل أبيه ، واعترضه في المسالك بأن الرواية شاملة للمتقدمة والمتأخرة.

(ومنها) أن يتزوج الرجل أخت أخيه ، لما رواه الشيخ (٢) عن إسحاق بن عمار قال : «سألته عن الرجل يتزوج أخت أخيه؟ قال : ما أحب له ذلك».

ويدل على الجواز ما رواه في الفقيه (٣) عن صفوان بن يحيى عن أبي جرير القمي قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام أزوج أخي من أمي أختي من أبي؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : زوج إياها إياه ، أو زوج إياه إياها». وقد مر في الرضاع ما يدل على

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٢ ح ١٠٣ وص ٤٨٩ ح ١٧٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٨٩ ب ٤٢ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٢ ح ١٠١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٨٠ ح ٤.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٩ ح ٦٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٧٩ ح ١.

١٠٨

الجواز على الكراهة في الإخوة الرضاعية.

(ومنها) التزويج بالزانية قبل التوبة عند أكثر الأصحاب ، وقيل بالتحريم ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في الإلحاق المذكور ذيل المقام الثاني من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة.

(ومنها) نكاح المرأة المتولدة من الزنا بالعقد أو الملك ، ويتأكد في استيلادها ، روى الكليني ـ رحمه‌الله عليه ـ عن عبد الله بن سنان (١) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ولد الزنا ينكح؟ قال : نعم ، ولا يطلب ولدها».

وعن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام : الخبيثة يتزوجها الرجل؟ قال : لا ، وقال : إن كان له أمة وطأها ولا يتخذها أم ولده».

وعن محمد بن مسلم (٣) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن الخبيثة أتزوجها ، قال : لا».

وعن محمد بن مسلم (٤) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل يشتري الجارية أو يتزوجها لغير رشدة ويتخذها لنفسه ، فقال : إن لم يخف العيب على ولده فلا بأس».

وعن الحلبي (٥) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد زنا ، عليه جناح أن يطأها؟ قال : لا ، وإن تنزه عن ذلك فهو أحب إلي».

وروى البرقي في المحاسن عن ثعلبة وعن عبد الله بن هلال (٦) عن أبي عبد الله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٧ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٣ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٧ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٥٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٧ ح ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٥٣ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٧ ح ٤.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٣٥٣ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٨ ح ٥.

(٦) لم نعثر عليها في المحاسن بل وجدناها في التهذيب ج ٧ ص ٤٧٧ ح ١٢٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٧١ ح ٧١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٨ ح ٨.

١٠٩

عليه‌السلام «في الرجل يتزوج ولد الزنا؟ قال : لا بأس ، إنما يكره ذلك مخافة العار ، وإنما الولد للصلب ، وإنما المرأة وعاء ، قلت : الرجل يشتري خادما ولد زنا فيطأها قال : لا بأس».

(ومنها) نكاح المجنونة ، فروى في الكافي والتهذيب (١) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سأله بعض أصحابنا عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها».

(ومنها) نكاح الحمقاء ، فروى في الكافي والتهذيب (٢) عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إياكم وتزويج الحمقاء ، فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع».

وروى في الكافي (٣) في الصحيح عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : زوجوا الأحمق ولا تزوجوا الحمقاء ، فإن الأحمق ينجب والحمقاء لا تنجب».

(ومنها) تزويج شارب الخمر ، وقد مر بعض الأخبار الدالة على المنع من تزويجه في المسألة الرابعة.

(ومنها) تزويج سيئ الخلق ، ويدل عليه ما رواه الصدوق (٤) بطريقه إلى

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٤ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٦ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧ ب ٣٤ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٣ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٦ ح ٣١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦ ب ٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٥٤ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٦ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥٦٣ ح ٣٠ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٩ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤ ح ١.

١١٠

يعقوب بن يزيد عن الحسين بن بشار الواسطي قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : إن لي قرابة قد خطب إلي ابنتي وفي خلقه سوء ، قال : لا تزوجه إن كان سيئ الخلق».

(ومنها) تزويج المخنث ، فروى عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد (١) عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه قال : «سألته أن أزوج ابنتي غلاما فيه لين وأبوه لا بأس به ، قال : إذا لم يكن فاحشة فلا بأس به». يعني المخنث. ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله.

(ومنها) تزويج الزنج والأكراد والخزر ، فروى في الكافي والتهذيب (٢) عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إياكم ونكاح الزنج فإنه خلق مشوه». قيل : الزنجي بالفتح والكسر : صنف من السودان واحدهم زنجي.

وروى في الكافي (٣) عن أبي ربيع الشامي قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تشتر من السودان أحدا ، فإن كان لا بد فمن النوبة ، فإنهم من الذين قال الله عزوجل «وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ» (٤) أما إنهم سيذكرون ذلك الحظ ، وسيخرج مع القائم عليه‌السلام منا عصابة منهم ، ولا تنكحوا من الأكراد أحدا فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء».

__________________

(١) قرب الاسناد ص ١٠٨ ، بحار الأنوار ج ١٠ ص ٢٨٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤ ح ٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٢ ح ١ وفيه «مسعدة بن زياد» التهذيب ج ٧ ص ٤٠٥ ح ٢٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٤ ب ٣١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٥٢ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٥ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦ ب ٣٢ ح ١.

(٤) سورة المائدة ـ آية ١٤.

١١١

وروى في الكافي (١) عن علي بن داود الحداد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تناكحوا الزنج والخزر (٢) ، فإن لهم أرحاما تدل على غير الوفاء ، قال : والهند والسند والقند ليس فيهم نجيب يعني القندهار.

قال في الوافي : خوز : بالضم صنف من الناس ، وفي بعض النسخ الخزر بالمعجمتين ثم المهملة وهو محركة ضيق العين وصفرها سمي به صنف من الناس هذه صفتهم.

(ومنها) تزويج الأعرابي بالمهاجرة ، لما رواه في الفقيه (٣) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن العلاء «والخراز» عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال : لا يتزوج الأعرابي المهاجرة فيخرجها من دار الهجرة إلى الأعراب».

ومن هذه الأخبار الدالة على كراهة تزويج شارب الخمر وسيئ الخلق ونحوهما من الأفراد المعدودة يعلم صحة ما ذكره ابن إدريس في معنى الحديث النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تقدم نقله عنه في المسألة الرابعة من أن النهي عن رده متى كان ممن يرضى خلقه ودينه وترتيب الفتنة والفساد على الرد ، وعدم التزويج إنما هو فيما إذا رده من حيث الفقر والمسكنة والحقارة في نسبه لا أن يكون رده لا تصافه بهذه الأوصاف المنهي عنهما شرعا ، والله العالم.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٢ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥ ح ٢.

(٢) الخزر : هو ضيق العين وصغرها كأنه ينظر بمؤخرها ، والخزر : جبل من الناس «الصحاح».

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٩ ح ٦٥ وفيه «وأبي أيوب عن محمد بن مسلم» ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٣٥ ب ١٤ ح ١.

١١٢

الفصل الثالث

في نكاح المتعة

ويعبر عنها أيضا بالنكاح المنقطع لتحديده بأجل معين ، وقد أجمع علماء الفريقين كافة على أن نكاح المتعة كان مشروعا في صدر الإسلام ، وفعله الصحابة في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزمن أبي بكر وبرهة من زمن عمر ، ثم نهى عنها وتوعد من فعلها ، ووافقه بعض ، وخالفه بعض ، وسكت آخرون ، وأجمع أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم على بقاء شرعيتها وأنه لم ينسخ حكمها ، ووافقهم على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين.

والأخبار الواردة بها عن أهل البيت عليهم‌السلام قد بلغت حد التواتر المعنوي ، ومن أخبارهم الدالة على إباحتها ما رواه الحميدي (١) في الجميع بين الصحيحين في مسند عبد الله بن عباس قال : «قال أبو نضرة : كان ابن عباس يأمر بالمتعة ، وكان ابن الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله ، فأتموا الحج والعمرة كما أمركم الله ، وأبتوا نكاح هذه النساء ، فلن اوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة».

وروى الحميدي (٢) أيضا في كتابه في مسند جابر بن عبد الله من طريق آخر قال : «كنا نتمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث».

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ٤٦٧ ، أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٧٨ ، راجع الغدير ج ٦ ص ٢١٠.

(٢) صحيح مسلم ج ٢ ص ٢٣ ١٠ ح ١٦ وفيه «نستمتع».

١١٣

وروى الترمذي في صحيحة (١) عن ابن عمر ، وقد سأله رجل من أهل الشام عن متعة النساء ، فقال : حلال ، فقال : إن أباك قد نهى عنها ، فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وصنعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنترك السنة ونتبع أبي؟

وروى الحافظ أبو نعيم في كتاب الحلية وأحمد (٢) بن حنبل في المسند عن عمران بن حصين في متعة النساء ، واللفظ له ، قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله وعملناها وفعلنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم ينزل قران بحرمتها ولم ينه عنها حتى مات.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عنها المقام ، ثم إنهم لانحلال زمامهم واختلال نظامهم مع دلالة هذه الأخبار وأمثالها على استمرار الحل إلى زمان عمر ، اعتذروا لعمر في نهيه عنها بأنه إنما نهى عنها لنسخها في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن معنى قول عمر في الخبر المشهور (٣) «متعتان كانتا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلالا وأنا أنهى عنهما». يعني أخبركم بالنهي عنهما موافقة لنهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. هذا مع اضطراب أخبارهم التي رووها له في النسخ وعدم إمكان الجمع بينها.

فروى البخاري ومسلم في صحيحهما (٤) عن ابن مسعود قال : «كنا نغزو مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس معنا نساء فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ» (٥).

وروى الترمذي عن ابن عباس (٦) ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : إنما كانت المتعة في

__________________

(١) صحيح الترمذي ج ١ ص ١٥٧ ، تفسير القرطبي ج ٢ ص ٣٦٥.

(٢) صحيح البخاري ج ٧ ص ٢٤ كتاب التفسير سورة البقرة طبع سنة ١٢٧٧.

(٣) أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٣٤٢ و ٣٤٥ ، تفسير القرطبي ج ٢ ص ٣٧٠.

(٤) صحيح البخاري ج ٧ ص ٥ كتاب النكاح ، صحيح مسلم ج ١ ص ٣٥٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٠ ح ٢٦ مع اختلاف يسير.

(٥) سورة المائدة ـ آية ٨٧.

(٦) صحيح الترمذي ج ٣ ص ٤٣٠.

١١٤

صدر الإسلام كان الرجل يقدم البلد ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ متاعه وتصلح له شيئه حتى نزلت هذه الآية «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (١).

ورووا في الصحيحين (٢) «عن علي عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر».

ورووا عن سلمة بن الأكوع (٣) «أنه قال : رخص لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها».

ورووا عن سيرة الجهني (٤) «أنه غزي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فتح مكة قال :

فأقمنا فيها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في متعة النساء ثم لم يخرج حتى نهى عنها» ورواه مسلم.

وروى أبو داود وأحمد (٥) عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع نهى عنها.

أقول : انظر إلى هذه الأخبار في هذا المقام وما هي عليه من التناقض الذي لا يقبل الالتئام وهي بانضمام بعضها إلى بعض دالة على التحليل مرارا عديدة والنسخ كذلك ، مع أن غاية ما يدعونه كما نقل عن الشافعي إنما هو مرتان ، فإنهم نقلوا عن الشافعي أنه قال : ما علمت شيئا حرم مرتين وأبيح مرتين إلا المتعة.

قال شيخنا في المسالك بعد نقل هذه الروايات التي في النسخ ونعم ما قال : تأمل هذا الاختلاف في رواية نسخها ، وأين النهي عنها في خيبر ، والاذن فيها في أوطاس ، ثم النهي عنها بعد ثلاثة أيام مع الحكم بأنها كانت سائغة في أول الإسلام

__________________

(١) سورة المؤمنون ـ آية ٦.

(٢) صحيح البخاري ج ٧ ص ١٦ ، صحيح مسلم ج ١ ص ٣٩٧.

(٣) أحكام القرآن للجصاص ج ٢ ص ١٨٢ ، صحيح مسلم ج ١ ص ٣٩٤.

(٤) صحيح الترمذي ج ٣ ص ٤٣٠.

(٥) صحيح مسلم ج ١ ص ٣٩٤.

١١٥

إلى آخر ذلك الحديث المقتضي لطول مدة شرعيتها ، ثم الاذن فيها في فتح مكة وهي متأخرة عن الجميع ، ثم النهي عنها ذلك الوقت ، ثم في حجة الوداع وهي متأخرة عن الجميع ، فيلزم على هذا أن تكون شرعت مرارا ونسخت كذلك.

ومن اللطائف في هذا المقام ما نقله في المسالك عن بعض كتب الجمهور : أن رجلا كان يفعلها فقيل له : عمن أخذت حلها؟ فقال : عن عمر ، فقالوا : كيف ذلك وعمر هو الذي نهى عنها وعاقب على فعلها؟ فقال : لقوله (١) «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا احرمهما وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء». فأنا أقبل روايته في شرعيتها على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أقبل نهيه من قبل نفسه.

والبحث معهم في أمثال هذه المسائل واسع ، وقد استوفينا ذلك في مقدمات كتابنا «سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد».

ولننقل هنا طرفا من الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم‌السلام تيمنا كما هي عادتنا في الكتاب ، ومنها ما يدل على إباحتها ، ومنها ما يدل على فضلها واستحبابها مضافا إلى ما يأتي في أثناء مباحث الكتاب مما يدل على أحكامها.

فروى في الكافي (٢) في الصحيح عن أبي بصير قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : نزلت في القرآن (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)» (٣).

وعن عبد الله بن سليمان (٤) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كان علي عليه‌السلام يقول : لو لا ما سبقني به بني الخطاب ما زنى إلا شقي». كذا في الرواية المنقولة في

__________________

(١) راجع الغدير ج ٦ ص ٢٠٥ ـ ٢١٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٤٨ ج ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٣٦ ح ١.

(٣) سورة النساء ـ آية ٢٤.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٤٨ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٣٦ ح ٢.

١١٦

كتب الأصحاب (١).

وقال ابن إدريس في سرائره : روي في بعض كتب أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لو لا ما سبقني إليه بني (ابن) الخطاب ما زنى إلا شفي». بالشين المعجمة والفاء ومعناه إلا قليل ، والدليل عليه حديث ابن عباس ذكره الهروي في الغريبين : ما كانت المتعة إلا رحمة ، رحم الله بها امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفاء. وقد أورده الهروي في باب الشين والفاء ، لأن الشفاء عند أهل اللغة القليل بلا خلاف بينهم ، وبعض أصحابنا ربما حرف ذلك وقال : وتكلم بالقاف والياء المشددة ، وما ذكرناه هو وضع اللغة وإليهم المرجع وعليهم المعول في أمثال ذلك ، انتهى.

أقول : ويؤيده ما في النهاية الأثيرية (٢) قال : وفي حديث ابن عباس : ما كانت المتعة إلا رحمة ، رحم بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفاء. أي القليل من الناس من قولهم غابت الشمس إلا قليلا من ضوئها عند غروبها.

وقال الأزهري : قوله إلا شفاء ، إلا أن يشفي ، يعني يشرف على الزنا ولا يواقعه ، وأقام الاسم وهو الشفاء مقام المصدر الحقيقي ، وهو الإشفاء على الشي‌ء.

أقول : انظر إلى روايتهم هذا الخبر في كتبهم الموافق لما قدمناه عنهم من الأخبار الدالة على استمرارها إلى زمان عمر ، ودلالتها على أن عمر هو الناهي عنها مع أخبار النسخ التي قدمنا نقله عنهم ، فأي الخبرين أولى بالقبول عند ذوي العقول ، فإن أحدهما باطل البتة وكذب محض بلا ريبة ، ولا ريب أن الصحيح منها

__________________

(١) أقول : ومما يؤيد ما هو المذكور في لفظ الخبرين ما ورد في بعض الاخبار المنقولة في كتاب البحار ج ١٠٣ ص ٣٠٥ : لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي أو شقية لانه كان للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) النهاية ج ٢ ص ٤٨٨.

١١٧

هو ما اتفق عليه الفريقان ، وهو خبر البقاء والاستمرار إلى ذلك الوقت ، فتعين بذلك كذب أخبار النسخ وإن رووها في الصحاح بزعمهم.

ومنها ما رواه في الكافي (١) عن ابن أبي عمير عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنما نزلت «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً».

أقول : وقد روي نحو هذا الخبر من طرقهم ، رواه الثعلبي في تفسيره عن حبيب بن أبي ثابت قال : أعطاني عبد الله بن العباس مصحفا وقال : هذا قراءة أبي ابن كعب ، فرأيت في المصحف «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان حكيما عليما» ..

ورواه الثعلبي أيضا في تفسيره عن عبد الله بن جبير وأبي نضرة.

وعن علي النسائي (٢) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إني كنت أتزوج المتعة فكرهتها فتشأمت بها فأعطيت الله عهدا بين الركن والمقام وجعلت علي في ذلك نذرا وصياما أن لا أتزوجها ، ثم أن ذلك شق علي وندمت على يميني ، ولم يكن بيدي من القوة وما أتزوج في العلانية ، قال : فقال : عاهدت الله أن لا تطيعه ، والله لئن لم تطعه لتعصينه».

وما رواه في الفقيه (٣) عن جميل بن صالح قال : «إن بعض أصحابنا قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنه يدخلني من المتعة شي‌ء فقد حلفت أن لا أتزوج متعة أبدا ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إنك إذا لم تطع الله فقد عصيته».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٤٩ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٣٦ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٠ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥١ ح ٨ وج ٨ ص ٣١٢ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٤ ح ١.

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٥ ح ٢.

١١٨

وعن جميل بن صالح (١) عن عقبة عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : للمتمتع ثواب؟ قال : إن كان يريد بذلك وجه الله تعالى وخلافا على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب الله تعالى له بها حسنة ، ولم يمد يده إليها إلا كتب الله له حسنة ، فإذا دنى منها غفر الله تعالى له بذلك ذنبا ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره ، قلت : بعدد الشعر؟ قال : نعم بعدد الشعر».

وعن بكر بن محمد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المتعة ، فقال : إني لأكره للرجل المسلم أن يخرج عن الدنيا وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصنعها».

وقال الصادق عليه‌السلام (٣) إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأتها ، فقلت له : فهل تمتع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : نعم ، وقرأ هذه الآية «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً ـ إلى قوله تعالى ـ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً».

ونقل شيخنا المجلسي ـ رحمه‌الله عليه ـ في كتاب البحار (٤) عن رسالة الشيخ المفيد ـ رحمة الله عليه ـ في المتعة أخبارا عديدة في استحبابها ، منها ما رواه بسنده في الرسالة إلى هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يستحب للرجل أن يتزوج المتعة وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة».

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٥ ح ١٨ وفيه «وروى صالح بن عقبة عن أبيه» ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٢ ح ٣.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٥ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٢ ح ١ وفيهما «لم يقضها».

(٣) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٧ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٢ ح ٢.

(٤) بحار الأنوار ج ١٠٣ ص ٣٠٥ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٣ ح ١٠.

١١٩

وعن بكر بن محمد (١) «عن الصادق عليه‌السلام حيث سئل عن المتعة ، فقال : أكره للرجل أن يخرج من الدنيا وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تقض».

وعن محمد بن مسلم (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : قال لي : تمتعت؟ قلت : لا ، قال : لا تخرج من الدنيا حتى تحيي السنة».

وعن صالح بن عقبة (٣) عن أبيه عن الباقر عليه‌السلام قال : «قلت : للمتمتع ثواب؟». الحديث كما تقدم نقله عن الفقيه.

وبالإسناد المتقدم أولا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن محمد الهمداني (٤) عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة يقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة ، ويلعنون متجنبيها إلى أن تقوم الساعة».

ثم نقل جملة من الأخبار إلى ان قال في الرسالة : هذا قليل من كثير في هذا المعنى.

وروى في الكافي (٥) عن علي ـ والمراد به علي بن إبراهيم الذي هو أحد مشايخه ـ رفعه قال : «سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق فقال له : يا أبا جعفر ما تقول في المتعة أتزعم أنها حلال؟ قال : نعم ، قال : فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يتمتعن ويكتسبن عليك؟ فقال له أبو جعفر : ليس كل الصنعات يرغب فيها وإن كانت حلالا ، وللناس إقدار ومراتب يرفعون أقدارهم ، ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنه حلال؟ فقال : نعم ، قال : فما يمنعك

__________________

(١) بحار الأنوار ج ١٠٣ ص ٣٠٥ ح ١٤ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٧ ب ٢ ح ١.

(٢) بحار الأنوار ج ١٠٣ ص ٣٠٥ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٣ ح ١١.

(٣) بحار الأنوار ج ١٠٣ ص ٣٠٦ ح ١٩ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٨٨ ب ٢ ح ٣.

(٤) بحار الأنوار ج ١٠٣ ص ٣٠٧ ح ٢٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٤ ح ١٥.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٥٠ ح ٨.

١٢٠