الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان ريحانتيه الامام الحسن و الحسين عليهما السلام

السيّد محسن الحسيني الأميني

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان ريحانتيه الامام الحسن و الحسين عليهما السلام

المؤلف:

السيّد محسن الحسيني الأميني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: شفق للطباعة والنشر
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-485-095-0
الصفحات: ١٧٢

قيامه ، وجلوسه ، ونومه ، وإستيفاضه ، ويتأسى برسول الله صلى الله عليه واله حيث كان يستغفر ربّه في كل يوم ماءة مرّه ، كما أخرجه البيهقي في دلائل النبوّة بإسناده : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في كلّ يوم ماءة مرّة (١).

وفي الكافي : عن أبي عبد الله عليه السلام إنّ رسول الله صلى الله عليه واله كان لا يقوم من مجلس وإن خفّ حتّى يستغفر الله عزّوجلّ خمساً وعشرين مرة (٢).

ومن تتابع حياة رسول الله صلى الله عليه واله يرى بأن له صلى الله عليه واله أدعية كثيرة في حالات متعدّدة كدعائه عند وضع المائدة ، ودعائه عند أكله وشربه ومطعمه ، وبعد الأكل ، ودعائه عند إفطاره وعند منامه وإستيقاضه ، وعند تدهينه وإكتحاله ، وعند ركوبه الدابة ، وعند نزوله منزلاً وغير ذلك من الموارد المستفاد من جميع ذلك أنّه كان صلى الله عليه واله دائم الذكر.

وقيل : للذكر درجات :

الاُولى : أن يكون الذكر باللسان مع غفلة القلب ، وهذا أضعفها ، وإن كان في حدّ ذاته حسناً ، إذ لا يخلو من فائدة لأنّه في هذه الحالة يمنعه من التكلّم باللغو أو الكذب والإفتراء والغيبة ونحو ذلك.

وربّما يقال : بأنّ حركة اللسان بدون توجّه القلب لا أثر له فينبغي تركه ، إذ اللائق بحال الذاكر أن يحضر قلبه أيضاً عند الذكر باللسان.

وقد يجاب عن ذلك : بأنّ اللسان آلة للذكر كالقلب ، فلا يترك أحدهما بترك الآخر ، لأنّ الإنسان يمكنه أن يعبد الله عزّوجلّ بكلّ عضو من أعضاء بدنه.

__________________

١ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٦٥ ، وكنز العمّال : ج ١ ، ص ٤٨٣ ، ح ٢١١٤.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٠٤ ، ح ٤.

٨١

الثانية : أن يكون الذكر بالقلب مع عدم إستقراره فيه ، ولا يتوجّه إلى غيره إلّا بالتكلّف والإجتهاد.

الثالثة : أن يكون الذكر بالقلب مع استقراره فيه بحيث لا يتوجّه القلب إلى غيره إلّا بالتكلّف.

الرابعة : أن يكون الذكر بالقلب مع إستقراره فيه وإستيلائه عليه بحيث لا يشغل عنه أصلاً ، وهذه هي مرتبة المحبّة ، والذاكر في هذه المرتبة قد يبلغ مقام الفناء في الله ، بحيث يغفل عن نفسه وعن غيرها حتّى عن الذكر فلا يجد فى نفسه إلّا المذكور ، وهذا من أعظم علامات المحبّة.

بيد أن من أحبّ أحداً ذكره دائماً أو غالباً ، فالذاكر حينئذٍ يحبّ الله حبّاً شديداً ، ويغفل عن جميع ما سواه حتّى نفسه ، إذ الحبّ المفرط يمنع من مشاهدة غير المحبوب.

وهذا المقام مقام الفناء في الله والواصل إلى هذا المقام لا يرى في الوجود إلّا الله سبحانه وتعالى.

ومن هنا قال الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام في كتابه الصحيفة السجاديّة : واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر (١).

فإنّه طلب لأكمل أفراده ، وأرفع مراتبه التي هي مرتبة المحبّة ومقام الفناء في الله.

* * *

__________________

١ ـ الصحيفة السجاديّة : ص ٧٢ ، الدعاء الحادي عشر.

٨٢

ولا يوطن الأماكن ، وينهي عن إيطانها ، وإذا إنتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك. يعطى كل جلساءه نصيبه ، ولا يحسب جليسه ، أن أحداً أكرم عليه منه

قوله عليه السلام : «ولا يوطن الأماكن ، وينهي عن إيطانها» أي لا يجعل لنفسه موضعاً يعرف به ، بل يجلس حيث يمكنه في الموضع الذي تكون فيه حاجة.

وفي الحديث : أنّه صلى الله عليه واله نهى أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير (١).

قوله عليه السلام : «وإذا إنتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك» ولقد كان رسول الله صلى الله عليه واله بقدر ما يحثّ على إلتزام فضيلة التواضع في التعامل والعلاقات ، فإنّه من ناحية عمليّة كان المتواضع الأول في دنيا المسلمين ، تجد هذه الحقيقة في ، سيرته العظيمة مع الناس.

وفي الحديث : عن الصادق عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : إذا أتى أحدكم مجلساً فليجلس حيث ما انتهى مجلسه (٢).

وعن أبي عبدلله عليه السلام : قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس (٣).

وفي الحديث : عن أبي ذر : قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيّهم هو ، حتّى يسأل. فطلبنا

__________________

١ ـ مجمع الزوائد : ج ٨ ، ص ٢٧٧.

٢ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٦٦ ، ح ٧٣ / ٦.

٣ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٦٦ ، ح ٧١ / ٤.

٨٣

إلى النبيّ صلى الله عليه واله أن يجعل مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكّاناً من طين ، وكان يجلس عليه ونجلس بجانبيه. (١)

قوله عليه السلام : «يعطى كل جلساءه نصيبه ، ولا يحسب جليسه ، أنّ أحداً أكرم عليه منه» ومن مظاهر سموّ سيرته مع اُمّته وحكمته في التعامل معها أنه كان يحدّث الناس وقفاً لمستوياتهم العقليّة ، فكانت أساليب عرضه للأفكار وإجاباته على الأسئلة تختلف في البعد والمستوى من شخص لآخر طبقاً للقابليّات الذهنيّة التي يتمتّع بها الأفراد. وإن كانت إجاباته وأساليب عرضه للقضايا لا تختلف من ناحية المرمى في مخاطبته للأشخاص ، وبهذا المعنى أشار الرسول صلى الله عليه واله ذاته بقوله : إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نتكلّم الناس على قدر عقولهم (٢).

* * *

__________________

١ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٤٨ ، ح ٨ / ٧.

٢ ـ الكافي : ج ٨ ، ص ٢٦٨ ، ح ٣٩٤.

٨٤

من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجةً لم يردّه إلّا بها ، أو بميسور من القول.

قوله عليه السلام : «ومن جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتّى يكون هو المنصرف» فمن عظيم شأنه وسموّ أخلاقه كان يعاشر مع جميع طبقات اُمّته بكل رحاب الصدر ، وصبر واطمينان ، ولم يكن يفارقهم حتّى يكونوا هم المنصرفون عنه ، وإذا صافح رجلاً أو صافحه لم ينزع يده من يده حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه.

أخرجه البيهقي : بإسناده عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله إذا صافح أوصافحه الرجل ، لا ينزع يده من يده حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع ، وإن استقبله بوجهه لا يصرفه عنه حتّى يكون الرجل ينصرف (١).

وفي حديث آخر : قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه واله أخذ بيد رجل فيترك يده حتّى يكون الرجل هو الذي يدع يده (٢).

وأخرجه الطبرسي : عن أنس بن مالك ، قال : وكان رسول الله صلى الله عليه واله إذا لقيه واحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتّى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه ، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناولها إيّاه فلم ينزع عنه حتّى يكون الرجل هو الذي ينزع منه (٣).

قوله عليه السلام : «ومن سأله حاجةً لم يردّه إلّا بها ، أو بميسور من القول» لقد كان رسول الله صلى الله عليه واله في فضيلة الجود والسخاء والبرّ والإحسان

__________________

١ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٢٠.

٢ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٢٠ ـ ٣٢١.

٣ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٤٩.

٨٥

نموذجاً رائعاً كسائر أخلاقه وصفاته ومعاملاته مع أبناء اُمّته.

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله أجود الناس كفّاً ، وأكرمهم عشرة ، من خالطه فعرفه أحبّه (١).

وعن ابن عبّاس : عن النبيّ صلى الله عليه واله قال : أنا أديب الله ، وعليّ أديبي أمرني ربّي بالسخاء والبرّ ، ونهاني عن البخل والجفاء (٢).

وعن ابن عمر : قال : ما رأيت أحداً أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول الله صلى الله عليه واله (٣).

وعن جابر بن عبد الله : قال : ما سئل رسول الله صلى الله عليه واله شيئاً قط قال : لا (٤).

وعن عمر بن الخطاب : قال : إن رجلاً أتى النبيّ صلى الله عليه واله فسأله فقال : ما عندي شيء ، ولكن إبتع عليّ فإذا جاءنا شيء قضيناه.

قال عمر : فقلت : يا رسول الله ما كلّفك الله ما لا تقدر عليه.

قال : فكره النبيّ صلى الله عليه واله قوله.

فقال الرجل : أنفق ولا تخف من ذوي العرش إقلالاً.

قال : فتبسّم النبيّ صلى الله عليه واله وعرف السرور في وجهه (٥).

* * *

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٢٣١.

٢ ـ بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٢٣١.

٣ ـ بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٢٣١.

٤ ـ بحار الأنوار : ج ١٦ ، ص ٢٣١.

٥ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٥١.

٨٦

قد وسّع الناس منه بسطه وخلقه ، فصار لهم أباً ، وصاروا عنده في الحقّ سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء ، وصبر وأمانة ، ولا ترفع فيه الأصوات.

قوله عليه السلام : «قد وسع الناس منه بسطة وخلقه ، فصار لهم أباً ، وصاروا عنده في الحق سواء» لقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يتعامل مع جميع الناس بعاطفة أبويّة حانية تتفجّر حبّاً فيّاضاً وحناناً غامراً ، ومن هنا صار لهم أباً ، رحيماً وَدوداً كما كانت علاقة اُمّته به صلى الله عليه واله علاقة أدب وحبّ ووقار وطاعة وإجلال ومهابّة.

وأخرج الصدوق في حديث : قال رسول الله صلى الله عليه واله : أنا وعلي أبوا هذه الاُمّة (١).

قوله عليه السلام : «مجلسه مجلس حلم وحياء ، وصبر وأمانة ، ولا ترفع فيه الأصوات» لقد أدّب الله سبحانه المؤمنين بالسكوت والهدوء والسكينة والوقار عند حضوره صلى الله عليه واله فقال : «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ» (٢) فمن هنا كانوا لا يرفعون أصواتهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه واله.

* * *

__________________

١ ـ معاني الأخبار : ص ٥٢ ، ح ٣.

٢ ـ الحجرات : ٣.

٨٧

ولا تؤبه فيه الحرم ، ولا تنثى فلتاته ، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى ، وصاروا عنده في الحق متقاربين ، متواضعين يوقّرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة. ويرحمون الغريب.

قوله عليه السلام : «ولا تؤبه فيه الحرم» أي كان مجلسه يصان عن رفث القول ، فلا ترمى بسوء ، ولا تعاب ولا يذكر منها القبيح ، وممّا لا ينبغي وممّا يستحى منه.

وقال الجزري : أبنت الرجل : إذا رميته بخلّة سوء فهو مأبون.

ومنه حديث أبي درداء : إن نؤبّن بما ليس فينا فربّما زكّينا بما ليس فينا (١)

قوله عليه السلام : «ولا تنثى فلتاته» نثوت الحديث فأنا أنثوه : إذا أذعته.

والفلتات : جمع فلتة ، أي الزلّة والهفوة والسقطة ، والمعنى لم يكن لمجلسه صلى الله عليه واله سقطات وزلّات حتّى تشاع وتذاع وتتحدّث بها ، فكان مجلسه صلى الله عليه واله يصان عن رفث القول فلا ترمى بسوء ولا تعاب ولا يذكر منها القبيح ، وممّا لا ينبغي.

وقيل : معناه إن كانت في مجلسه من بعض القوم زلّة أوسقطة أو هفوة لا يتحدّث بها.

قوله عليه السلام : «متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى ، وصاروا عنده في الحقّ متقاربين ، متواضعين» أي إنّ من حسن سيرته صلى الله عليه واله وسموّ أخلاقه

__________________

١ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ١ ، ص ١٧.

٨٨

الحميدة ، وأدبه الوافر ، إستطاع أن يهذّب جماهير شعبه بأخلاق وسلوك وصفات حميدة ، فجعل بينهم العدالة الإجتماعيّة وروح المؤاخاة والمساواة والإيثار.

فعن أبي عبدالله عليه السلام : قال : العدل أحلى من الشهد ، وألين من الزبد ، وأطيب ريحاً من المسك (١).

وفي حديث آخر : قال عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من واسىٰ الفقير من ماله ، وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقّاً (٢).

ولقد قام رسول الله صلى الله عليه واله في يوم فتح مكة خطيباً وقال : أيّها الناس إنّكم من آدم وآدم من طين ، ألا وإنّ خيركم عند الله ، وأكرمكم عليه أتقاكم وأطوعكم له (٣).

قوله عليه السلام : «يوقّرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويرحمون الغريب» لمّا كان من سيرة رسول الله صلى الله عليه واله إيثار أهل الفضل ، وقضاء حوائج اُمّته ، وإبلاغ حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه. وغير ذلك من الصفات الحميده فصارت هذه السيرة أُسوة حسنة في اُمّته كما قال الله عزّوجلّ : «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (٤).

ومن أجل هذا التعليم الإلٰهي الملزم بوجوب سلوك سبيل رسول الله صلى الله عليه واله من لدن اُمّته بإمتدادها التاريخي ، في القول والعمل والأنشطة كافة ، فكانوا يؤثّرون ذا الحاجة ، ويرحمون الصغير والغريب ويوقّرون الكبير متواضعين خاشعين.

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١٤٧ ، ح ١٥.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١٤٧ ، ح ١٧.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ج ١٢ ، ص ٨٨ ـ ٨٩ ، ح ١٣٥٩٦ / ٤.

٤ ـ الأحزاب : ٢١.

٨٩

قال : قلت : كيف كان سيرته في جلسائه؟ وفي روايه العلوي : فسألته عن سيرته في جلسائه؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه واله دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظّ ولا غليظ ، ولا سخّاب ، ولا فحّاش ، ولا عيّاب ، ولا مزّاح.

قوله عليه السلام : «فقال : كان رسول الله صلى الله عليه واله دائم البشر» البشر : أي طلاقة الوجه وبشاشته ، يقال : بَشَّرني فلان بوجهٍ حسنٍ ، أي لقيني وهو حسن البِشْر ، أي طلقة الوجه ، والمعنى كان رسول الله صلى الله عليه واله طلق الوجه دائماً.

قوله عليه السلام : «سهل الخلق» لقد كان رسول لله صلى الله عليه واله عظيماً في فكره ووعيه ، قمّةً في عبادته ، وتعلّقه بربّه الأعلى سبحانه وتعالى ، مثالياً في حسم الموقف ، والصدق في المواطن ، ومواجهة المحن ، فما من فضيلة إلّا ورسول الله صلى الله عليه واله سابق إليها ، وما من مكرمة إلّا وهو متقلّد لها.

ومهما قيل : من ثناء على أخلاقيّته صلى الله عليه واله السامية قديماً وحديثاً ، فإنّ ثناء الله تعالى عليه في كتابه العزيز يظلّ أدقّ تعبير ، وأصدق وصف لمواصفات شخصيّته العظيمة دون سواه ، فقول الله تعالى : «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» (١) يعجز كل قلم ، وكل تصوّر ، وبيان عن تحديد عظمته ، فهو شهادة من الله العلي القدير على عظمة أخلاق الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسموّ سجاياه ، وعلوّ شأنه في مضمار التعامل مع ربّه ونفسه ومجتمعه واُسرته بناءً على أن الأخلاق مفهوم شامل لجميع مظاهر السلوك الإنساني وحركته في الواقع ، وهي شهادة لا يبلغ مدى عظمتها أحد سوى الله

__________________

١ ـ القلم : ٤.

٩٠

عزّوجلّ إذهي صادرة من الله المتعال ، فسجّلها ظمير الوجود ، وهي تتردّد في الملأ الأعلى إلى ماشاء الله ، ولقد بلغ من عظمة شخصيّة النبيّ صلى الله عليه واله أن سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عنها ، فأجاب : كيف أصب أخلاق النبيّ صلى الله عليه واله وقد شهد الله تعالى بأنّه عظيم حيث قال : «وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ» (١) (٢).

وهذا أبو الدرداء يسأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه واله؟.

فقالت : كان خلقه القرآن (٣).

وفي حديث آخر : قال : قلنا لعائشة : يا اُم المؤمنين ، كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه واله؟.

قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه واله القرآن (٤).

قوله عليه السلام : «ليّن الجانب ، ليس بفظّ ولا غليظ» رجل فظّ : أي سيىّء الخلق ، شديد ، غليظ القلب ، ليس فيه أيّ رحمة ، وفي التنزيل : «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ» (٥) أي سيّىء الخلق ، قاسي القلب.

وقال الجزري : ومنه الحديث : أن صفته في التوراة : ليس بفظّ ولا غليظ (٦).

أي كان النبيّ صلى الله عليه واله رؤوفاً رحيماً رفيقاً باُمّته في التبليغ غير فظّ ولا غليظ.

وفي موضع آخر : قال : وفي حديث عائشة : قالت لمروان : إنّ

__________________

١ ـ القلم : ٤.

٢ ـ تفسير فخر الرازي ذيل الآية ٤ من سورة القلم.

٣ ـ المستدرك على الصحيحين : ج ٢ ، ص ٣٩٢.

٤ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٠٩.

٥ ـ آل عمران : ١٥٩.

٦ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٣ ، ص ٤٥٩.

٩١

النبيّ صلى الله عليه واله لعن أباك وأنت فضض من لعنة الله ، أي قطعة وطائفة منها.

والغلاظة بالكسر : ضد الرقّة في الخلق والطبع والفعل والمنطق والعيش ونحو ذلك ، ورجل غليظ القلب : أي سيىّء ، الخلق ، وأمر غليظ : أي شديد ، صعب : قاله الزبيدي (١).

قوله عليه السلام : «ولا سخّاب ولا فحّاش ولا عيّاب ولا مزّاح» السخّاب : ـ بالسين المفتوحة والباء الموحدة ـ : صيغة مبالغة من السَّخَب بالتحريك. وهو : شدّة الصوت ، وتساخب القوم : تصايحوا وتضاربوا. والسخب : الصيحة ، وإضطراب الأصوات للخصام. قاله الطريحي (٢).

وفي الحديث : إيّاك أن تكون سخّاباً (٣).

«وفحّاش» أي كثير الفحش ، والفحش : أي القبيح من القول والفعل وجمعها الفواحش. قاله إبن المنظور (٤).

«وعيّاب» وفي لسان العرب : العيّاب : أي كثير العيب للناس (٥).

«ومزّاح» المزح الدعابة ، وفي المحكم : المزح نقيض الجد ، قاله ابن المنظور (٦).

وقال الطبرسي : روي : أنّ رسول الله صلى الله عليه واله كان يقول : إنّي لأمزح ولا أقول إلّا حقّاً (٧).

وهذا أنس بن مالك : يصف لنا صفة رسول الله صلى الله عليه واله حيث قال : لم يكن رسول الله ، سبّاباً ، ولا فحّاشاً ، ولا لعّاناً ، كان يقول لأحدنا عند

__________________

١ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٣ ، ص ٤٥٤.

٢ ـ مجمع البحرين : ج ٢ ، ص ٨١.

٣ ـ مجمع البحرين : ج ٢ ، ص ٨١.

٤ ـ لسان العرب : ج ٦ ، ص ٣٢٦.

٥ ـ لسان العرب : ج ١ ، ص ٦٣٣.

٦ ـ لسان العرب : ج ٢ ، ص ٥٩٣.

٧ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٥٨ ، ح ٤٢ / ١.

٩٢

المعتبة : ماله؟ تربت جبينه (١).

وفي حديث آخر : سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه واله؟ فقالت : لم يكن فاحشاً ، ولا متفحّشاً ، ولا سخّاباً في الأسواق ، ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ، ولكن يعفو ويصفح (٢).

* * *

__________________

١ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ، ص ١٤٤.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل : ج ٦ ، ص ٢٣٦.

٩٣

يتغافل عمّا لا يشتهي ، ولا يؤيس منه ، ولا يحبّب فيه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه.

قوله عليه السلام : «يتغافل عمّا لا يشتهي ، ولا يؤيس منه ، ولا يحبّب» فمن صفاته الحميده صلى الله عليه واله لم يذم شيئاً أبداً ، فإن أعجبه فبها ، وإلّا كان يتغافل عنه.

وفي الحديث عن أبي هريرة : قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه واله طعاماً قط ، إن إشتهاه أكله ، وإلّا تركه (١).

قوله عليه السلام : «قد ترك نفسه من ثلاث ، المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه» المراء : المجادلة ، ويقال : ماريته إذا طعنت في قوله تزييفاً للقول ، وتصغيراً للقائل ، ولا يكون المراء إلّا إعتراضاً بخلاف الجدال ، فإنّه يكون إبتداءً وإعتراضاً ، قاله الفيومي (٢).

وقال الطريحي : قوله تعالى : «أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ» (٣) أي تجادلونه ، والمماراة : المجادلة ، ومنه قوله تعالى «فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ» (٤) أي لا تجادل في أمر أصحاب الكهف إلّا مراءً ظاهراً بحجّة ودلالة تقصّ عليهم ما أوحىٰ الله إليك ، وهو قوله تعالى : «وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (٥) (٦).

«والإكثار» أي الزيادة من الأكل والمال.

«وما لا يعنيه» أي ما لا يهمّه.

وفي الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من رأى موضع كلامه من عمله

__________________

١ ـ فتح الباري : ج ٦ ، ص ٥٦٦ ، ح ٣٥٦٥.

٢ ـ المصباح المنير : ص ٥٧٠.

٣ ـ النجم : ١٢.

٤ ـ الكهف : ٢٢.

٥ ـ النحل : ١٢٥.

٦ ـ مجمع البحرين : ج ١ ، ص ٣٨٨.

٩٤

قلّ كلامه إلّا فيما يعنيه. أي إلّا فيما يهمّه (١).

وفي النهاية : يقال : هذا أمرٌ لا يعنيني : أي لا يشغلني ويهمّني.

ومنه الحديث : من حسن إسلام المرء : تركه ما لا يعنيه ، أي ما يهمّه (٢).

وقال الصادق عليه السلام : لا تتكلّم بما لا يعنيك ، ودع كثيراً من الكلام فيما يعنيك (٣).

* * *

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١١٦ ، ح ١٩.

٢ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٣ ، ص ٣١٤.

٣ ـ مرآة العقول : ج ٨ ، ص ٢١٥.

٩٥

وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحداً ، ولا يعيّره ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلّم إلّا فيما رجى ثوابه. إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده ، من تكلّم أنصتوا له حتّى يفرغ. حديثهم عنده حديث ألويتهم

قوله عليه السلام : «وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحداً ، ولا يعيّره» الذمّ : نقيض المدح. وذممته ذمّاً : خلاف مدحته ، فهو ذميم ومذموم : أي غير محمود. قاله الطريحي (١).

«ولا يعيّره» ولقد ورد في الإسلام النهى عن مذمّة الناس وتعييرهم وطلب عوراتهم ، فعن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : من عيّر مؤمناً بشيء لم يمت حتّى يركبه (٢).

وعنه أيضاً : قال : من عيّر مؤمناً بذنب لم يمت حتّى يركبه (٣).

وعن علي بن الحسين عليه السلام : قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : كفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه ، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه (٤).

فالمستفاد من هذه الأحاديث : أنّ تعيير الغير من أعظم العيوب ويوجب إبتلائه بذلك العيب ، فينبغي على العاقل أن يرجع إلى نفسه فإن وجد في نفسه عيباً يصلحه ويرفعه ولا يترك نفسه ويذّم غيره.

__________________

١ ـ مجمع البحرين : ج ٦ ، ص ٦٧.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٣٥٦ ، ح ٢.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٣٥٦ ، ح ٣.

٤ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٠ ، ح ٢.

٩٦

قوله عليه السلام : «ولا يطلب عورته» لقد كان صلى الله عليه واله أكثر الناس إغضاءً عن العورات.

وفي الحديث : قال : يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه. لا تذمّوا المسلمين ، ولا تتّبعوا عوراتهم (١) فإنّه من تتبّع عوراتهم تتّبع الله عورته ، ومن تتّبع الله عورته يفضحه ولو في بيته (٢).

قوله عليه السلام : «ولا يتكلّم إلّا فيما رجى ثوابه» ولقد كان رسول الله صلى الله عليه واله دائم الذكر ودائم الحمد والشكر والإستغفار وكان ، يقول : من اُعطي لساناً ذاكراً فقد اُعطي خير الدنيا والآخرة (٣).

وفي حديث آخر : قال : من أكثر ذكر الله عزّوجلّ أحبّه الله ، ومن ذكر الله كثيراً كتبت له براءتان : براءة من النار ، وبراءة من النفاق (٤).

وعن الصادق عليه السلام : قال : من أكثر ذكر الله عزّوجلّ أظلّه الله في جنّته (٥).

وفي حديث آخر : قال الصادق عليه السلام : تسبيح فاطمة الزهراء عليهاالسلام من الذكر الكثير الذي قال الله عزّوجلّ : «اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا» (٦) (٧)

قوله عليه السلام : «إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير» ولقد كانت علاقة اُمّته به صلى الله عليه واله علاقة أدب وحبّ ووقار وطاعة وإجلال ومهابّة ، ومن هنا إذا تكلّموا خفضوا أصواتهم عنده ، ولا يحدّون إليه النظر تعظيماً لجلالته وهيبته.

__________________

١ ـ العورة : كل أمر قبيح ، والمراد من تتبّع الله سبحانه وتعالى عورته : أي منع لطفه وكشف ستره ومنع الملائكة عن ستر ذنوبه وعيوبه ، فهو يفتضح في السماء والأرض ولو أخفاها وفعلها في جوف بيته ، واهتم بإخفائها.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٢٥٤ ، ح ٢.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٤٩٩ ، ح ١.

٤ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٠٠ ، ح ٣.

٥ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٠٠ ، ح ٥.

٦ ـ الأحزاب : ٤١.

٧ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٠٠ ، ح ٤.

٩٧

وقال اُسامة بن شريك : أتيت النبيّ صلى الله عليه واله وأصحابه حوله كأنّما على رؤوسهم الطير (١).

وعن إبن مسعود : قال : اُتي النبيّ صلى الله عليه واله رجل يكلّمه فأرعد (٢).

فقال : هوّن عليك فلست بملك ، إنّما أنا إبن إمرأة كانت تأكل القد (٣) (٤).

وقال البراء بن عازب : لقد كنت اُريد أن أسال رسول الله صلى الله عليه واله عن أمرً فاُؤخّره سنين من هيبته ، ثم قال : واعلم أنّ حرمة النبيّ صلى الله عليه واله بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته (٥).

قوله عليه السلام : «فإذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده ، من تكلّم أنصتوا له حتّى يفرغ» لقد كان من تعاليم رسول الله صلى الله عليه واله اُمّته : أن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبيّ صلى الله عليه واله ولا يتكلّموا عند محضره الشريف ولا يتنازعون في مجلسه.

فإذا تكلّم شخص أنصتوا له حتّى يفرغ من كلامه ، ومن كان مقدّماً في الحديث فهو أولىٰ من غيره.

* * *

__________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٧ ، ص ٣٢.

٢ ـ أي من هيبة رسول الله صلى الله عليه واله.

٣ ـ القدّ : جلد السخلة الماعز. والقُدّ : سمك بحري ، الصحاح : ج ٢ ، ص ٥٢٢.

٤ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٤٨ ، ح ٧ / ٦.

٥ ـ بحار الأنوار : ج ١٧ ، ص ٣٢.

٩٨

يضحك ممّا يضحكون منه ، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ، حتّى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم في المنطق ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجّة يطلبها فأرفدوه.

قوله عليه السلام : «يضحك ممّا يضحكون منه» قال الراغب : الضحك إنبساط الوجه وتكشّر الأسنان من سرور النفس ، ولظهور الأسنان عنده. سمّيت مقدمات الأسنان : الضواحك ، واستعير الضحك للخسريّة (١).

وقيل : ضحك منه ورجلٌ ضُحكَةٌ يَضحَك من الناس وضُحكةٌ لمن يُضحك منه ، قال الله تعالى : «وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ» (٢) أي تستهزئون ، وكقوله سبحانه تعالى : «فَلَمَّا جَاءَهُم بِآيَاتِنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ» (٣) أي يستهزئون بآيات الله.

واستعمل الضحك للتعجّب المجرّد تارة ، ومن هذا المعنى قصد من قال : الضحك يختص بالإنسان ، وليس يوجد في غيره من الحيوان ، وبهذا المعنى أي التعجب قال الله تعالى : «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ» (٤) أي ضحكها كانت للتعجّب ، بدلالة قوله تعالى : «أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ» (٥) ويدلّ على ذلك أيضاً قوله سبحانه : «أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ» (٦).

وفي الحديث : عن الباقر عليه السلام : في ذيل الآية قال : يعني تعجّب

__________________

١ ـ المفردات : ص ٢٩٢.

٢ ـ المؤمنون : ١١٠.

٣ ـ زخرف : ٤٧.

٤ ـ هود : ٧١.

٥ ـ هود : ٧٣.

٦ ـ هود : ٧٢.

٩٩

من قولهم (١).

وكان ابن عبّاس يقول «ضحَكت» أي عجبت من فزع إبراهيم (٢).

وضحك الغدير : أي تلألأ من إمتلائه (٣).

وقال الفيومي : وضحكت المرأة والأرنب : أي حاضت (٤)

ومن هنا فسّر بعض المفسّرين : قوله تعالى : «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ» (٥) أي حاضت.

قوله عليه السلام : «ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه» العجب عبارة عن تحيّر النفس فيما خفي سببه وخرج عن العادة مثله.

وقيل : العجب إنكار ما يرد عليك لقلّة اعتياده.

وقال الراغب : العجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء ، ولهذا قال بعض الحكماء : العجب : ما لا يعرف سببه ، ولهذا قيل : لا يصح على الله التعجب ، إذ هو علّام الغيوب ، ولا يخفى عليه خافية (٦).

وقال ابن الأعرابي : العجب : النظر إلى شيء غير مألوف ولا معتاد وقوله تعالى : «وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» (٧) الخطاب يكون للنبيّ صلى الله عليه واله.

أي هذا موضع عجيب حيث أنكروا البعث ، وقد تبيّن لهم من خلق السماوات والأرض ما دلّهم على البعث ، والبعث أسهل في القدرة ممّا قد تبيّنوا.

__________________

١ ـ تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ١٥٢ ، ذيل ح ٤٤ ، وعلل الشرايع : ص ٥٥٠ ، ح ٤ ، باب ٣٤٠ ، علة تحريم اللواط والسحق.

٢ ـ لسان العرب : ج ١٠ ، ص ٤٦٠.

٣ ـ المفردات : ص ٢٩٢.

٤ ـ المصباح المنير : ص ٣٥٨.

٥ ـ هود : ٧١.

٦ ـ المفردات : ص ٣٢٢.

٧ ـ الرعد : ٥.

١٠٠