الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان ريحانتيه الامام الحسن و الحسين عليهما السلام

السيّد محسن الحسيني الأميني

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان ريحانتيه الامام الحسن و الحسين عليهما السلام

المؤلف:

السيّد محسن الحسيني الأميني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: شفق للطباعة والنشر
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-485-095-0
الصفحات: ١٧٢

سوابغ في غير قرنٍ بينهما عرق يدرّه الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمّله أشم. كثّ اللحية ، ضليع الفم أشنب مفلّج الأسنان دقيق السربة ، سهل الخدّين.

قوله عليه السلام : «سوابغ في غير قرنٍ» شيء سابغ : أي كامل وافٍ ، قاله الجوهري (١).

«في غير قرن» القرن بالفتح : عبارة عن إتّصال شعر الحاجبين

وقيل : القرن : أن يطول الحاجبان حتّى يلتقي طرفاهما ، فعلى هذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه واله كذلك ، لأن الفرجة كانت بين حاجبيه فكان صلى الله عليه واله أبلج ما بين الحاجبين حتّى كأنّ ما بينهما الفضّة المخلصة

وفي النهاية : الأبلج : فهو الذي قد وضح ما بين حاجبيه فلم يقترنا ، والاسم البَلَجَ بالتحريك (٢).

وقال الأصمعي : كانت العرب تكره القرن وتستحبّ البلج ، والبلج : أن ينقطع الحاجبان فيكون ما بينهما نقيّا.

وقد ورد «مقرون الحاجبين» أي شعرهما متّصل بالآخر ، لا حاجز بينهما. هذا ولا منافاة بين القولين. لأن الفرجة التي كانت بين حاجبيه صلى الله عليه واله كانت يسيرة جدّاً وغير مشاهدة إلّا بدقّة النظر فمنشأ الإختلاف يرجع إلى نظرة الرائي.

قوله عليه السلام : «بينهما عرق يدرّه الغضب» أي إذا غضب إمتلأ ذلك العرق دماً فيظهر ويرتفع ويتلوّن وجهه وتحمرّ عيناه.

__________________

١ ـ الصحاح : ج ٤ ، ص ١٣٢١.

٢ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ١ ، ص ١٥١.

٤١

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه واله في فضيلة الحلم والعفو عن المسيىء نموذجاً رائعاً كسائر أخلاقه ومعاملاته ، فهو لا يعرف الغضب إلّا حين تنتهك للحقّ حرمته ، فحينها لا يقوم لغضبه شيء حتّى يهدم الباطل ويزهقه.

أما سوى ذلك ، فإنّه أنأى الناس عن الغضب ، وهو أحلم إنسان عن جاهل لا يعرف أدب الخطاب ، أو مسيىء إليه ذاته ، أو منافق يتظاهر بغير ما يبطن ، وعند الغضب يعرف غضبه في وجهه بإمتلاء ذلك العرق دماً.

وفي الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه واله إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه (١).

قوله عليه السلام : «أقنى العرنين» العرنين : المستوى الأنف من أوّله إلى آخره.

قوله عليه السلام : «له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمّله أشم» الشمم : إرتفاع في قصبة الأنف مع إستواء أعلاه ، وإشراف الإرنبة قليلاً.

يقال : هو لحسن قناء أنفه واعتدال ذلك يحسب قبل التأمل أشم ، وهذا كناية عن الرفعة والعلو وشرف الأنفس.

قوله عليه السلام : «كث اللحية» أي كانت لحيته صلى الله عليه واله كثيرة الشعر وقصيرة ، وقال الفيومي : كثر الشعر يكثر من باب ـ ضرب ـ كثوثة وكثاثة إجتمع وكثر نبته في غير طويل ولا رقّة (٢).

وفي النهاية : الكثاثة في اللحية : أن تكون غير رقيقه ولا طويلة (٣).

وفي رواية : كان رسول الله صلى الله عليه واله كثيف اللحية ، وكان

__________________

١ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣١٦.

٢ ـ المصباح المنير : ص ٥٢٦.

٣ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٤ ، ص ١٥٢.

٤٢

يسرحها بالماء (١).

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام ، والبداية والنهاية : كما تقدّم في الهامش قال عليه السلام : أدعج : أي شديد سواد العينين.

وعن أبي هريرة «أكحل العينين» والكحل سواد هدب العين خلقة (٢).

وفي حديث آخر : عن جابر رحمه الله إذا نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه واله قلت : أكحل : أي في عينيه كحل وليس بالكحل (٣).

قوله عليه السلام : «ضليع الفم» أي كان فمه صلى الله عليه واله واسعاً.

وقيل : لم تزل العرب تمدح بكبر الفم ، وتهجو بصغره.

قوله عليه السلام : «أشنب» الشنب : البياض والبريق ، والتحديد في الأسنان ، قاله الطريحى (٤).

قوله عليه السلام : «مفلّج الأسنان» الفلج بالتحريك : فرجة بين الثنايا والرباعيّات. قاله إبن الأثير (٥).

قوله عليه السلام : «دقيق المسربة» المسربة : عبارة عن الشعر المستدق الممتد من اللبّة (٦) ، إلى السرّة الذي يجرى كالخط.

وقيل : إنّ المسربة : الفقار الذي في الظهر من أعلاه إلى أسفله.

قوله عليه السلام : «سهل الخدين» أي سائل الخدين غير مرتفع الوجنين.

* * *

__________________

١ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٤.

٢ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٣ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٤ ـ مجمع البحرين : ج ٢ ، ص ٩١ ، ونهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ٥٠٣.

٥ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٣ ، ص ٤٦٨.

٦ ـ اللبّة ـ بفتحين ـ موضع القلاّدة من الصدر.

٤٣

كأنّ عنقه جيد دمية ، في صفاء الفضّة ، معتدل الخلق ، بادن متماسك ، سويّ البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس

قوله عليه السلام : «كأنّ عنقه جيد دمية ، في صفاء الفضّة» الجيد : أي العنق ، والدمية : الصورة. فقد شبّهها في بياضها بالفضّة.

وفي حديث : عن علي كرّم الله وجهه : كأنّ عنقه صلى الله عليه واله إبريق فضّة (١).

قوله عليه السلام : «معتدل الخلق ، بادن متماسك» البادن : الضخم ، أي أنّه صلى الله عليه واله كان ذو لحم متماسك يمسك بعضه بعضاً ليس مسترخي اللحم ، أي أنّ بعض أعضائه كان متماسكاً مع الآخر فهو معتدل الخلق.

قوله عليه السلام : «سويّ البطن والصدر» أي مستويهما ، فلمّا كان بطنه صلى الله عليه واله قليل اللحم فيستوى مع صدره.

قوله عليه السلام : «عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس» الكراديس : عبارة عن رؤوس العظام ، أي ملتقى كلّ عظمين كالمرفقين والمنكبين والركبتين ، أراد عليه السلام بذلك أنّه صلى الله عليه واله كان ضخم الأعضاء.

* * *

__________________

١ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٢٣٤.

٤٤

أنور المتجرّد ، موصول ما بين اللبّة والسرّة بشعر يجرى كالخط ، عاري الثديين والبطن ، ممّا سوى ذلك ، أشعر الذارعين والمنكبين وأعالي الصدر ، طويل الزندين.

قوله عليه السلام : «أنور المتجرّد» الأنور مأخوذ من النور ، و «المتجرّد» أي ما جرّد من الثياب ، ويراد بذلك شدّة بياض جسده صلى الله عليه واله إذا تجرّد من الثياب.

قوله عليه السلام : «موصول ما بين اللبّة والسرّة بشعر يجرى كالخط» اللبّة ـ بفتحتين ـ : موضع القلادة من الصدر كما تقدم وهو المقصود من دقيق المسربة.

قوله عليه السلام : «عاري الثديين والبطن ، وممّا سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر» أي أنّ البطن والثديين خالي من الشعر وما سوى ذلك من الذراعين والمناكب وأعالي الصدر : أشعر.

قوله عليه السلام : «طويل الزندين» أي عظيم الذراعين. وفي كل ذراع ، زندان ، وهما جانبا عظم الذراع ، فرأس الزند الذي يلى الإبهام يقال له : الكوع ، ورأس الزند الذي يلى الخنصر يقال له : الكرسوع.

* * *

٤٥

رحب الراحة ، سبط القصب شثن الكفّين والقدمين. سائل الأطراف ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعاً.

قوله عليه السلام : «رحب الراحة» أي واسع الراحة وكبيرها ، والعرب تحمد ذلك ، وتمدح بكبير اليد ، وتهجو بصغرها.

وقيل : المقصود من ذلك أي كثير العطاء.

قوله عليه السلام : «سبط القصب» السبط : أي الممتد الذي ليس فيه تعقّد ولا نتوّ.

والقصب : أي كل عظم ذي مخ مثل الساقين والعضدين والذراعين ، فالمراد من ذلك أنّ عضامه صلى الله عليه واله كانت طويلة وقويّة ذا مخّ وغلظة.

قوله عليه السلام : «شثن الكفّين والقدمين» الشثن بالتحريك : مصدر شَثِنَت كفّه بالكسر ، أي خشنت وغلظت.

وقال الطريحي : شَثْنُ الكفّين والقدمين : أي إنّهما يميلان إلى الغلظ والقصر.

وقيل : هو الذي في أنامله غلظ بلاقصر ويحمد ذلك في الرجال ، لأنّه أشدّ لقبضهم ، ويذمّ في النساء (١).

قوله عليه السلام : «سائل الأطراف» أي أنّ أصابعه صلى الله عليه واله كانت طويلة ، ليست بمنعقدة ولا مُتَغَضِّنةٍ ، قاله البيهقي (٢).

وفي معاني الأخبار : أي أنّ أصابعه كانت تأمّة أي متوسّطة لا طويلة

__________________

١ ـ مجمع البحرين : ج ٦ ، ص ٢٧١ ، وفي النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ٤٤٤.

٢ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٢٩٥.

٤٦

ولا قصيرة (١).

قوله عليه السلام : «خمصان الأخمصين» إذا ارتفع وسط باطن الرجل من الأسفل ، يقال له : الأخمص ، وإذا كان أسفل الرجل مستوياً ليس فيه أخمص فصاحبه أرحّ ، يقال : رجل أرح.

وفي النهاية : الأخمص من القدم : الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطأ ، والخصمان : أي أنّ ذلك الموضع من أسفل قدميه شديد التجافي عن الأرض (٢).

قوله عليه السلام : «مسيح القدمين ينبو عنهما الماء» أي أملسها ، يعني أنّه ممسوح ظاهر القدمين ، فالماء إذا صبّ عليها مرّ سريعاً لإستوائهما وإنملاسمها.

قوله عليه السلام : «إذا زال زال قلعاً» أي حينما كان صلى الله عليه واله يرفع رجليه من الأرض كان يرفعهما بقوّة وثبات.

* * *

__________________

١ ـ معاني الأخبار : ص ٨٧.

٢ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ٨٠.

٤٧

يخطو تكفيّاً ويمشي هوناً ، ذريع المشية إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب ، وإذا إلتفت إلتفت جمعاً ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جلّ نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ، ويبدر ـ يبدأ ـ من لقي ـ لقيه ـ بالسلام

قوله عليه السلام : «يخطو تكفيّاً» أي كان صلى الله عليه واله عند المشي يتمايل إلى القدّام.

قوله عليه السلام : «ويمشي هوناً» أي كان مشيه صلى الله عليه واله مع السكينة والوقار

قوله عليه السلام : «ذريع المشية» أي وإن كان مشيه وخطاه صلى الله عليه واله سريعاً ولكن كان مع الرفق من دون إستعجال.

قوله عليه السلام : «وإذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب» الصبب : الإنحدار. فهذه المشية هي أحسن أنواع المشي ، وهي مشية أصحاب الهمم العالية.

وقد ورد في القرآن الكريم «وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا» (١).

قوله عليه السلام : «وإذا إلتفت إلتفت جمعاً» أي كان صلى الله عليه واله عند الإلتفات يلتفت بجميع جسده ولا يلوي عنقه دون جسده كما يفعله أهل الخفّة والطبش.

قوله عليه السلام : «خافض الطرف» الخفض ضد الرفع ، أي لا يرفع صلى الله عليه واله طرفه إلى الفوق.

قوله عليه السلام : «نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء» أي كان نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء.

__________________

١ ـ الفرقان : ٦٣.

٤٨

قوله عليه السلام : «جلّ نظره الملاحظة» قال إبن الأثير : الملاحظة : وهي مفاعلة من اللحظ ، وهو النظر بشق العين الذي يلي الصدع (١).

قوله عليه السلام : «يسوق أصحابه» أي إذا مشى مع أصحابه قدّمهم بين يديه ومشى خلفهم.

قوله عليه السلام : «ويبدر [يبدأ] من لقى [لقيه] بالسلام» ولقد كان من مظاهر سمّو سيرته مع اُمّته وحكمته في التعامل معها ، وحسن معاشرته لقومه أنّه كان يفشي السلام بين الناس ، فيسلّم ، على الغني والفقير ، على الكبير والصغير ، حتّى على المرأة.

فعن الصادق عليه السلام في حديث : قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : أفشوا السلام بينكم (٢).

وفي كتاب الغابات : عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : ألا أخبركم بخير أخلاق الدنيا والآخرة؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى الله عليه واله ، فقال إفشاء السلام في العالم (٣).

وفي كتاب تحفة الإخوان : عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : ألاا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه دخلتم الجنّة؟

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال أطعموا الطعام ، وأفشوا السلام ، وصلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنّة بسلام (٤)

وفي مستدرك الوسائل : عن الباقر عليه السلام قال : كان سلمان يقول : أفشوا

__________________

١ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٤ ، ص ٢٣٧.

٢ ـ مشكاة الأنوار : ص ٨٤.

٣ ـ كتاب الغابات : ص ٩٩ ، وعنه بحار الأنوار : ج ٧٦ ، ص ١٢ ، ح ٥٠.

٤ ـ كتاب تحفة الإخوان : ص ٦٦ ، وعنه مستدرك الوسائل : ج ٨ ، ص ٣٦٣ ، ح ١٣.

٤٩

سلام الله ، فإنّ سلام الله لا ينال الضالمين (١).

وفي تفسير أبي الفتوح الرازي : عن النبيّ صلى الله عليه واله ، أنّه قال : أفشوا السلام تسلموا (٢).

ولقد كان النبيّ صلى الله عليه واله يأمر أمّته بالبدأ بالسلام. كما أخرجه القطب الراوندي عن النبيّ صلى الله عليه واله ، قال : من بدأ بالسلام فهو أولى بالله وبرسوله (٣).

وورد في كتاب الجعفريّات : عن رسول الله صلى الله عليه واله ، أنّه قال : إنّ أولى الناس بالله تبارك وتعالى وبرسوله ، من بدأ بالسلام (٤).

ونحوه ورد في كتاب الغابات (٥).

وفي الجعفريّات : بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه واله قال : إنّ من التواضع أن يرضي الرجل بالمجلس دون شرف المجلس ، وأن يسلّم على من لقي (٦).

وكان رسول الله صلى الله عليه واله يسلّم على الصغير والكبير ، أخرجه القطب الراوندي في لب اللباب ، بإسناده عن النبيّ صلى الله عليه واله أنّه كان يسلّم على الصغير والكبير (٧).

وقال : الديلمي في حديث : كان النبيّ صلى الله عليه واله يسلّم على من إستقبله من غنيّ وفقير ، وكبير وصغير (٨).

وفي الخصال : عن أبي جعفر صلى الله عليه واله قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : خمس لا

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ج ٨ ، ص ٣٦٢ ، ح ٩٦٧٧.

٢ ـ تفسير أبي الفتوح الرازي : ج ٢ ، ص ١٧.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ج ٨ ، ص ٣٥٩ ، ح ٦.

٤ ـ كتاب الجعفريّات : ص ٢٢٩ ، عنه في مستدرك الوسائل : ج ٨ ، ص ٣٥٦ ، ح ٤.

٥ ـ كتاب الغايات : ص ٩٩ ، وعنه بحار الأنوار : ج ٧٦ ، ص ١١٢ ، ح ٥٠.

٦ ـ كتاب الجعفريّات : ص ١٤٩ ، عنه في مستدرك الوسائل : ج ٨ ، ص ٣٥٦ ، ح ٢.

٧ ـ لبّ اللباب مخطوط ، عنه في مستدرك الوسائل : ج ٨ ، ص ٣٦٤ ، ح ٢.

٨ ـ إرشاد القلوب : ص ١١٥ ، باب ٣٢.

٥٠

أدعهنّ حتّى الممات : الأكل على الحضيض مع العبيد ، وركوبي الحمار مؤكّفاً ، وحلبي العنز بيدي ، ولبس الصوف ، والتسليم على الصبيان ، لتكون سنّة من بعدى (١).

وأخرجه الطبرسي : عن أنس بن مالك ، قال : إنّ رسول الله صلى الله عليه واله مرّ على صبيان فسلّم عليهم ، وهو مغد (٢).

وفي صحيح مسلم : عن أنس بن مالك ، قال : إنّ رسول الله صلى الله عليه واله مرّ على صبيان فسلّم عليهم (٣).

وهكذا أنّ رسول الله صلى الله عليه واله كان يسلّم على النساء ويردّون عليه.

أخرجه الكليني : بإسناده عن الصادق عليه السلام : قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله يسلّم على النساء ويردّون عليه السلام. الحديث (٤).

وفي مكارم الأخلاق : عن أسماء بنت يزيد قالت : إنّ النبيّ صلى الله عليه واله مرّ بنسوة فسلّم عليهنّ (٥).

* * *

__________________

١ ـ الخصال : ص ٢٧١ ، ح ١٢ ، باب الخمسة.

٢ ـ مكارم الأخلاق ، ج ١ ، ص ٤٧ ـ ٤٨.

٣ ـ صحيح مسلم : ج ٤ ، ص ١٧٠٨ ، ح ١٤ ، ٢١٦٨ ، ودلائل النبوّة : ص ٣٣٠ ، ومكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٤٧ ـ ٤٨ ، ح ٥ / ٤.

٤ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٦٤٨ ، ح ١.

٥ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٤٧ ـ ٤٨ ، ح ٦ / ٥.

٥١

قلت : صف لي منطقه. قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله ، متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ليست له راحة ، لا يتكلّم في غير حاجة, طويل السكتة ، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، ويتكلّم بجوامع الكلم.

قوله عليه السلام : «قلت : صف لي منطقه» قال الجوهري : المنطق الكلام. وقد نطق نطقاً ، ونطق ينطق ـ من باب ضرب ـ تكلّم بصوت وحروف تعرف بها المعاني (١).

والمقصود أنّه عليه السلام سأل عن صفات كلامه.

قوله عليه السلام : «كان رسول الله صلى الله عليه واله متواصل الأحزان» أي شديد الهم.

قال الطريحي : الحزن ـ بضم الحاء وسكون الزاء ـ أشدّ الهم (٢).

وقال الجوهري : الحُزن والحَزَن : خلاف السرور (٣).

قوله عليه السلام : «دائم الفكرة [الفكر] ليست له راحة» قال الطريحي : التفكّر : التأمّل ، والفكر ـ بالكسر ـ إسم منه ، وهو لمعنيين.

أحدهما : القوّة المودعة في مقدمة الدماغ.

ثانيهما : أثرها ، أعني ترتب أمور في الذهن ، يتوصّل بها إلى مطلوب يكون علماً أو ظنّاً (٤).

وقد قال الله سبحانه وتعالى : «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا» (٥) أي بعتبرون بهما.

__________________

١ ـ الصحاح في اللغة : ج ٤ ، ص ١٥٥٩.

٢ ـ مجمع البحرين : ج ٦ ، ص ٢٣١.

٣ ـ الصحاح في اللغة : ج ٥ ، ص ٢٠٩٨.

٤ ـ مجمع البحرين : ج ٣ ، ص ٤٤٤.

٥ ـ آل عمران : ١٩١.

٥٢

وفي الحديث : عن الصادق عليه السلام ، أفضل العبادة : إدمان التفكّر في الله وفي قدرته (١).

أي النظر إلى أفعاله ، وعجائب صنعه ، وبدائع أمره في خلقه ، فإنّها تدلّ على عظمته وكبريائه وتقدّسه ، وتدلّ على كمال علمه وحكمته ، وعلى نفاذ مشيّته ، وقدرته ، وإحاطته بالأشياء.

وفي الحديث : عن النبيّ صلى الله عليه واله ، قال : تفكّر ساعة خير من قيام ليلة (٢).

وفي حديث آخر : عن النبيّ صلى الله عليه واله ، قال : تفكّر ساعة خير من عبادة سنة (٣).

وفي حديث : ثالث عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : فكرة ساعة خير من عبادة ستّين سنة (٤).

وفي مفاتيح الغيب : قال رسول الله صلى الله عليه واله : تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة (٥).

قيل في توجيه ذلك : إن الفكر يوصلك إلى الله ، والعبادة توصلك إلى ثواب الله ، والذي يوصلك إلى الله خير ممّا يوصلك إلى غير الله.

أو أنّ الفكر عمل القلب ، والطاعة عمل الجوارح ، فالقلب أشرف من الجوارح.

مضافاً إلى أنّ حقيقة العبادة ترجع إلى التفكّر في أمر الله عزّوجلّ كما صرّح بذلك ما ورد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام حيث قال : ليست العبادة

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٥ ، ح ٣.

٢ ـ تفسير القرطبي : ج ٤ ، ص ٣١٤ ، وتفسير الدر المنثور : ج ٢ ، ص ١١١.

٣ ـ تفسير القرطبي : ج ٤ ، ص ٣١٤ ، ومصباح الشريعة : ص ١١٤ ، والميزان في تفسير القرآن : ج ٤ ، ص ٩٠.

٤ ـ الدر المنثور : ج ٢ ، ص ١١١ ، الميزان في تفسير القرآن : ج ٤ ، ص ٩٠.

٥ ـ مفاتيح الغيب : ص ٣٠٣ ، ح ٦٥٢.

٥٣

كثرة الصلاة والصوم ، إنّما العبادة التفكّر في أمر الله عزّوجلّ (١).

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : التفكّر يدعو إلى البر والعمل به (٢).

وفي الكافي : بإسناده عن الحسن الصيقل ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عمّا يروي الناس أنّ تفكّر ساعة خير من قيام ليلة.

قلت : كيف يتفكّر؟.

قال : يمرّ بالخربة أو بالدار ، فيقول : أين ساكنوك؟ أين بانوك؟ ما بالك ، لا تتكلّمين؟ (٣).

قوله عليه السلام : «لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكتة [السكوت]» ولقد نبّه الأنبياء والأوصياء والأولياء اُمّتهم : على أنّ السكوت خير من الكلام ، وأنّه نجاة الإنسان من الهلكة.

وفي الحديث : عن رسول الله صلى الله عليه واله قال : نجاة المؤمن في حفظ لسانه (٤).

وعن أبي عبدالله عليه السلام : قال : قال لقمان لإبنه : يا بني إن كنت زعمت أن الكلام من فضّة فإنّ السكوت من ذهب (٥).

وفي رواية اُخرى : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه واله فقال : يا رسول الله صلى الله عليه واله أوصني.

فقال : إحفظ لسانك.

قال : يا رسول الله صلى الله عليه واله أوصني.

قال : إحفظ لسانك.

قال : يا رسول الله صلى الله عليه واله أوصني.

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٥ ، ح ٤.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٥ ، ح ٥.

٣ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ٥٤ ـ ٥٥ ، ح ٢.

٤ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١١٤ ، ح ٩.

٥ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١١٤ ، ح ٦.

٥٤

قال : إحفظ لسانك ، ويحك وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النّار إلّا حصائد ألسنتهم (١).

وعن الصادق عليه السلام : قال : لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً مادام ساكتاً ، فإذا تكلّم كتب محسناً أو مسيئاً (٢).

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله : قال : رحم الله عبداً قال : خيراً فغنم أو سكت فسلم (٣).

وفي حديث آخر : قال رسول الله صلى الله عليه واله : احفظ لسانك (٤).

وفي حديث آخر : قال النبيّ صلى الله عليه واله : أحبّ الأعمال إلى الله حفظ اللسان (٥).

قوله عليه السلام : «يفتتح الكلام [الكلم] ويختمه باُشداقه» قال إبن الأثير : الأشداق : جوانب الفم ، وإنّما يكون ذلك لرحب شدقيه. والعرب تمتدح بذلك.

لا يقال : قد ذمّ رسول الله صلى الله عليه واله المتشدّقين.

لأنّه يقال : المراد بهم من يكثر الكلام من غير إحتياط ولا إحتراز.

قوله عليه السلام : «ويتكلّم بجوامع الكلم [الكلام]» أي بالكلام القليل ، ذات معاني الكثيرة.

وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله : قال : اُعطيت جوامع الكلم ، واختصر لي الكلام إختصاراً (٦).

* * *

__________________

١ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١١٥ ، ح ١٤.

٢ ـ الكافي : ج ٢ ، ص ١١٦ ، ح ٢١.

٣ ـ كنز العمّال : ج ٣ ، ص ٥٥٠ ، ح ٧٨٤٩.

٤ ـ كنز العمّال : ج ٣ ، ص ٥٥١ ، ح ٧٨٥٢.

٥ ـ كنز العمّال : ج ٣ ، ص ٥٥١ ، ح ٧٨٥٢.

٦ ـ الجامع الصغير : ج ١ ، ص ١٧٥ ، ح ١١٦٦.

٥٥

فصل : لا فضول ولا تقصير. دمث : ليس بالجا في ولا المهين ويعظّم النعمة وإن دقّت ، لا يذم منها شيئاً. لا يذمّ ذواقاً ولا يمدحه [لم يكن ذوّاقاً ولا مدحة]

قوله عليه السلام : «فصل لا فضول ولا تقصير» أي كان كلماته واضحة ومتوالية وتامّة ليس فيها زيادة ولا نقصان.

قوله عليه السلام : «دمث [دمثاً]» الدمث : الأرض السهلة الرخوة ، والرمل الذي ليس بمتلبّد ، فكان صلى الله عليه واله ليّن الخلق لا يحتقر أصحابه ولا يذمّهم ، ولا يجفو الناس ولا يهينهم.

قوله عليه السلام : «ليس بالجافي ولا المهين» أي ليس باللّفظّ الغليظ الجافي ، ولا الحقير الضعيف.

ويشهد له قوله سبحانه وتعالى : «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ» (١).

قوله عليه السلام : «ويعظّم النعمة وإن دقّت ، لا يذم منها شيئاً» الدقيق : الحقير ، خلاف الجليل.

ومنه الحديث : إنّ الله إستولى على ما دقّ وجلّ (٢) أي إنّ الله علم الحقير والعظيم ، فإن رسول الله صلى الله عليه واله كان لا يصّغر ما يؤتى له وإن كان شيئاً حقيراً بل كان يعظّمه ولا يذّمه.

قوله عليه السلام : «لا يذمّ ذوّاقاً ولا يمدحه [لم يكن ذوّاقاً ولا مدحة]» قال الطريحي : ذقت الشيء أذوقه ذوقاً : تطعّمت فيه ، ومنه حديث الصائم :

__________________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ مجمع البحرين : ج ٥ ، ص ١٦٢.

٥٦

«يذوق المرق» أي يتطعّم فيه (١).

وفي النهاية : الذواق : المأكول والمشروب ، فعال بمعنى مفعول ، من الذوق يقع على المصدر والإسم (٢).

والمراد أنّه صلى الله عليه واله كان لا يصف الطعام بطيب ولا بفساد وإن كان طيّباً أو فاسداً.

وفي الحديث عن أبي هريرة : أنّه قال : ما عاب رسول الله صلى الله عليه واله طعاماً قط ، إن إشتهاه أكله وإلّا تركه (٣).

* * *

__________________

١ ـ مجمع البحرين : ج ٥ ، ص ١٦٥.

٢ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ١٧٢.

٣ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٢١ ، وفتح الباري : ج ٦ ، ص ٥٦٦ ، ح ٣٥٦٣.

٥٧

لا يقوم لغضبه إذا تُعرّض الحقّ شيء حتى ينتصر له [لا تغضبه الدنيا وما كان لها] فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء ، حتّى ينتصر له.

قوله عليه السلام : «لا يقوم لغضبه إذا تُعرّض الحقّ شيء حتّى ينتصر له [لا تغضبه الدنيا وما كان لها]» الغضب هيجان النفس لإرادة ، الإنتقام ، والغضب في الإنسان عبارة. عن ثوران النفس وحركة قوّتها الإنتقاميّة عن تصوّر المؤذى لإرادة مقاومته.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه واله في فضيلة الحلم والعفو عن المسيء نموذجاً رائعاً كسائر أخلاقه ، ومعاملاته فهو صلى الله عليه واله لا يعرف الغضب إلّا حين تنتهك الحق حرمته ، فحينئذٍ لا يقوم لغضبه شيء حتّى يهدم الباطل ويزهقه ، أما سوى ذلك فإنه أنأى الناس عن الغضب فهو أحلم إنسان عن المسيء إلى الرسول الله صلى الله عليه واله ذاته ، أو منافق يتظاهر بغير ما يبطن ، ونحو ذلك.

قوله عليه السلام : «فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد» أي أنّه صلى الله عليه واله كان من أحسن الناس خلقاً مع أصحابه ، مالم يرحقّاً يتعرض بإهمال أو إبطال أو إفساد ، فإذا رأى ذلك تشمّر وتغيّر حتّى أنكره من عرفه ، كلّ ذلك لنصرة الحق.

قوله عليه السلام : «ولم يقم لغضبه شيء ، حتّى ينتصر له» هذه زوجة رسول الله صلى الله عليه واله عائشة تتحدّث لنا عن عظمة رسول الله صلى الله عليه واله في حلمه وعفوه عمّن أساء إليه حيث قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه واله شيئاً قط بيده ، ولا إمرأة ، ولا خادماً إلّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نيل

٥٨

منه قط ، قينتقم لله عزّوجلّ (١).

وفي حديث آخر عنها : قالت : وما انتقم رسول الله صلى الله عليه واله لنفسه إلّا أن تنتهك حرمة الله عزّوجلّ (٢).

وزادت عائشة في حديث آخر : وقالت : فينتقم لله بها (٣).

وقال المحدث النوري الطبرسي : وجاء في الآثار : أن رسول الله صلى الله عليه واله لم ينتقم لنفسه من أحد قط ، بل كان يعفو ويصفح (٤).

وهذا أنس بن مالك يحدّث عن عظمة صبره صلى الله عليه واله وحسن سيرته مع أصحابه ، وعفوه عمّن تجاسر عليه من جذب الرداء جذباً شديداً بحيث أثّر ذلك حاشية الرداء صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه واله وإليك نصّ الحديث.

قال أنس بن مالك : إن النبيّ صلى الله عليه واله أدركه أعرابيّ فأخذ بردائه فجبذه جبذة (٥) شديدة حتّى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه واله وقد أثّرت بها حاشية الرداء من شدّة جبذته ، ثم قال له : يا محمّد مرلي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه واله فضحك وأمر له بعطاء (٦).

وقال أنس في حديث آخر : لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه واله عشر سنين فوالله ما قال لي : اُفّ قط ، ولا قال الشيء فعلته : لم فعلت كذا ، ولا شيء لم أفعله : ألّا فعلت كذا؟ (٧).

* * *

__________________

١ ـ صحيح مسلم : ج ٤ ، ص ١٨١٤ ، ح ٧٩ / ٢٣٢٨.

٢ ـ صحيح مسلم : ج ٤ ، ص ١٨١٣ ، ح ٧٧ / ٢٣٢٧.

٣ ـ فتح الباري : ج ٦ ، ص ٥٦٦ ، ح ٣٥٦٠.

٤ ـ مستدرك الوسائل : ج ٩ ، ص ٧ ، ح ١٢.

٥ ـ جبذه : أي جذبه.

٦ ـ مكارم الأخلاق ج ١ ، ص ٤٩ ـ ٥٠ ، ونحوه في دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣١٨.

٧ ـ صحيح مسلم : ج ٤ ، ص ١٨٠٤ ، ح ٥١ / ٢٣٠٩.

٥٩

لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها. إذا أشار أشار بكفّه كلّها. وإذا تعجّب قلّبها ، وإذا تحدّث إتّصل بها ، يضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى [فيضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى]

قوله عليه السلام : «لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها» ومن عظيم عفوه صلى الله عليه واله ما تجلّى يوم فتح مكة ، فعلى الرغم من تلك المعاناة والعذاب الذي صبّته قريش عليه وعلى أتباعه أيّام دعوته وبعد هجرته ، وعلى الرغم من مكائدها وحروبها وجمعها على حروبه ، فإنّه صلى الله عليه واله وقف على باب الكعبة ـ بعد الفتح ـ وقال : ماذا تقولون؟ وماذا تظنون؟.

قالوا : نظن خيراً ، ونقول : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقد قدرت. قال : فإني أقول : كما قال أخي يوسف : «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» (١) إذهبوا وأنتم الطلقا (٢).

فبهذه النفس الرحيمة ، وبهذا الحلم الذي لم يعرف التاريخ له نظيراً يعامل الرسول الأعظم صلى الله عليه واله أشدّ الناس عداوة له ، بعد أن تمكّن منهم ، إنّه لخلق عظيم ، خلق النبويّ الكريم الذي لا يدانيه خلق.

قوله عليه السلام : «إذا أشار أشار بكفّه كلّها» وهذا على خلاف العادة بين الناس حين يؤشّرون بالإصبع السبّابة.

قوله عليه السلام : «وإذا تعجّب قلّبها ، وإذا تحدّث إتّصل بها ، يضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى» هذه الصفات مختصّة له صلى الله عليه واله ومعروفة بين أصحابه ، وربّما يسبّح عند التعجب ، وربّما حرّك رأسه وعضّ شفته ، وربّما ضرب بيده على فخذه ، وربّما نكت الأرض بعود.

__________________

١ ـ يوسف : ٩٢.

٢ ـ راجع الكافي : ج ٤ ، ص ٢٢٥ ـ ٢٢٦ ، ح ٣.

٦٠