الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان ريحانتيه الامام الحسن و الحسين عليهما السلام

السيّد محسن الحسيني الأميني

الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على لسان ريحانتيه الامام الحسن و الحسين عليهما السلام

المؤلف:

السيّد محسن الحسيني الأميني


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: شفق للطباعة والنشر
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-485-095-0
الصفحات: ١٧٢

لفت في خرقة بيضاء ، فاستبشر صلى الله عليه واله وضمّه إلى صدره وأذّن في اُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى كما فعل ذلك بأخيه الحسن عليه السلام ، ثم وضعه في حجره وبكى.

فقالت أسماء : فداك أبي وامي ممّ بكاؤك؟.

فقال صلى الله عليه واله : من إبني هذا.

قالت : إنّه ولد الساعة.

قال صلى الله عليه واله : يا أسماء! تقتله الفئة الباغية من اُمّتي لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء! لا تخبري فاطمة فإنّها حديثة عهد بولادته.

في العقيقة وحلق الرأس والختان :

وفي اليوم السابع : أجرى النبيّ الأكرم صلى الله عليه واله للحسين عليه السلام ما أجرى لأخيه الحسن عليه السلام من العقّ بالكبش ، وحلق الرأس ، والتصدّق بزنة الشعر فضّة ، والختان (١).

وإلتفت النبيّ صلى الله عليه واله بعد ذلك إلى علي عليه السلام وقال له : أيّ شيء سمّيت إبني؟.

فأجابه عليه السلام ما كنت لأسبقك بإسمه يا رسول الله صلى الله عليه واله.

فقال صلى الله عليه واله : ولا أنا سابق ربّي فحينئذٍ نزال الوحي المقدّس على حبيب الله وصفيّه محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله حاملاً اسم الوليد من الله سبحانه وتعالى.

وإذ تلقّىٰ الرسول الأعظم صلى الله عليه واله أمر الله سبحانه وتعالى تسمية وليده الميمون ، إلتفت إلى علي عليه السلام قائلاً له : سمّه حسيناً (٢).

__________________

١ ـ ذخائر العقبى : ١١٩.

٢ ـ ذخائر العقبى : ص ١٢٠.

٢١

فالحسن والحسين هما سبطا رسول الله صلى الله عليه واله وريحانتاه وسيدا شباب أهل الجنّة يحدّثان لنا صفة جدّهما رسول الله الأعظم صلى الله عليه واله من حديث هند بن أبي هالة الآتي.

وفي الختام نتقدم بجزيل الشكر إلى ولدي السيد محمد علي الحسيني الأميني لموازرته ومساعدته ، لإنجاز هذا الكتاب وإخراجه بهذه الحُلّة القشيبة راجين من الله العلي القدير أن يتقبل منّا هذا الجهد المتواضع ، وأن يجعله مثمراً في سبيل نشر معارف مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وتراثهم الفكري ، وأن يوفّقنا لخدمة دينه والمساهمة في إعلاء كلمته ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، نعم المولى ونعم النصير.

جمادي الاُولى

١٤٣٢ هجـ

قم المشرفه

السيد محسن الحسيني الأميني

٢٢

حديث هند بن أبي هالة

في صفة رسول الله الأعظم صلى الله عليه واله

برواية الحسن والحسين عليهما السلام

٢٣
٢٤

أخرجه البيهقي : في دلائل النبوّة (١) ، وإبن كثير الدمشقي : في البداية والنهاية (٢) ، وابن سعد : في طبقات الكبرى (٣) ، والهيثمي : في مجمع الزوائد (٤) ، والصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام (٥) ، وفي معاني الأخبار بأربع طرق (٦) والطبرسي : في مكارم الأخلاق (٧) ، وغيرهم من الأعلام بأسانيد مختلفة ، مع الإختلاف في بعض الألفاظ ، والنص للبيهقي.

أخبرنا أبو عبدلله الحافظ ، لفظاً وقراءةً عليه ، وقال : حدّثنا أبومحمد : الحسن بن محمد بن يحى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي أبي طالب ، العقيقي (٨) صاحب كتاب

__________________

١ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٩٢. ٢ ـ البداية والنهاية : ج ٦ ، ص ٣٣ ـ ٣٦.

٣ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ٣٢٤ ـ ٣٣٧.

٤ ـ مجمع الزوائد : ج ٨ ، ص ٢٧٣ ـ ٢٧٥.

٥ ـ عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ١ ، ص ٣١٥ ـ ٣١٩.

٦ ـ معاني الأخبار : ص ٧٩ ـ ٨٤.

٧ ـ مكارم الأخلاق : ج ١ ، ص ٤١ ـ ٤٦.

٨ ـ هو الحسن العلوي أبو محمد الحسن النسّابة المعروف بابن أخي الطاهر ، أحد العلماء بالنسب والأخبار والحديث ، وقال العلامة المامقاني في تنقيح المقال : ج ١ ، ص ٣٠٩ ، الحق أنّ حديثه حسن كالصحيح ، معتمد عليه وقال الخطيب البغدادي : أبو محمّد العلوي الحسن بن محمّد بن يحيى المعروف بابن أخي طاهر العلوي ، مدني الأصل سكن بغداد في مربعة الخرسي حدّث بها عن جدّه يحيى بن الحسن ، وعن اسحاق بن إبراهيم الديري ، وغيره من أهل اليمن.

وروى العلوي بإسناده عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله : عليّ خير البشر فمن امترى (أي شك) فقد كفر ، تاريخ بغداد : ج ٧ ، ص ٤٢١ ، ح ٣٩٨٤.

وقال النجاشي في رجاله : ج ١ ، ص ١٨٣ ، ح ١٤٨ ، الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام هو أبو محمد المعروف بـ إبن أخي طاهر ، روى عن جدّه يحيى بن الحسن ، له كتاب المثالب ، وكتاب الغيبة ، وذكر القائم عليه السلام ومات في شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة ودفن في منزله بسوق العطش.

وقال الذهبي : مات العلوي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة ، ولو لا أنّه منهم لازدحم عليه المحدّثون. الميزان : ج ١ ، ص ٥٢١.

٢٥

النسب ، ببغداد ـ قال : حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو محمّد ، بالمدينة ، سنة ثلاث وستين ومائتين ، قال : حدّثني علي بن جعفر بن محمد ، عن أخيه موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن علي بن الحسين قال : قال الحسن بن علي : سألت خالي هند بن أبي هالة (١) عن حلية رسول الله صلى الله عليه واله ، وكان وصّافاً وأنا أرجو أن يصف لي شيئاً أتعلّق به.

فقال : كان رسول الله صلى الله عليه واله فخماً مفخّماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذّب ، عظيم الهامة ، رَجِلَ الشعر ، إن إنفرقت عقيقته فَرَق ـ وفي رواية العلوي : إن إنفرقت عقيصته فَرَق ـ وإلّا فلايجارز شعره شحمةَ اُذنه ، إذا هو وفّره (٢) أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب (٣) ، سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدرّة الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمّله أشم ، كثّ اللحية ، سهل الخدين (٤) ، وفي رواية العلوي : المسربة ، كأنّ عنقه جيد

__________________

١ ـ وهو هند بن أبي هالة التميمي ربيب النبيّ صلى الله عليه واله اُمّه خديجة زوج النبيّ صلى الله عليه واله روى عن النبيّ صلى الله عليه واله وروى عنه الحسن بن علي عليه السلام صفة النبيّ صلى الله عليه واله ، وقال ابن حجر العسقلاني في الاصابة : ج ١ ، ص ٦١١ ، نقلاً عن البغوي : اسم أبي هالة زوج خديجة قبل النبيّ صلى الله عليه واله : النبّاش بن زرارة ، وابنه : «هند بن النباش بن زرارة» قتل هند مع علي يوم الجمل ، وكان فصيحاً بليغاً ، وصف النبيّ صلى الله عليه واله فأحسن وأتقن.

وقال ابن زبير كما في الإستيعاب : ج ٤ ، ص ١٥٤٤ ، اسم أبو هالة مالك بن نباش بن زرارة ، وفي التهذيب : ج ١١ ، ص ٦٢ ـ ٦٣ ، الرقم ١١١ ، قال : حكى الدار القطني في كتاب الاخوة اسم أبي هند : مالك بن النباش ، ويقال : هند بن النباش حليف بني دار وذكر ... أنه شهد بدراً ، والمشاهد وشهد مع علي الجمل وصفّين والنهروان ، وسكن البصرة ، وتوفي بها.

٢ ـ وفي البداية والنهاية : ذا وفرة.

٣ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : أزج الحاجبين.

٤ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : أدعج ، ضليع الفم ، أشنب ، مفلج الأسنان دقيق المسربة.

٢٦

دمية في صفاء الفضّة ، معتدل الخلق ، بادن (١) متماسك سويّ (٢) البطن والصدر ، عريض الصدر ـ وفي رواية العلوي : فسيح الصدر ـ بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرّد ، موصول ما بين اللّبة والسّرة بشعر يجرى كالخط ، عاري الثديين والبطن ، ممّا سوى ذلك. أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي (٣) الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة وفي رواية العلوي : رحب الجبهة ، سبط القصب (٤) شثن الكفين والقدمين ، سائل (٥) الأطراف ، خمصان الأخمصين ، مسيح (٦) القدمين ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعاً (٧) يخطو تكفياً ، ويمشي هوناً ، ذريع (٨) المشية إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب ، وإذا إلتفت إلتفت جمعاً (٩) ـ وفي رواية العلوي : جميعاً ـ خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جلّ نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه ، ويبدر ـ وفي رواية العلوي : يبدأ ـ من لقي (١٠) بالسلام.

قلت : صف لي منطقه؟

قال : كان رسول الله صلى الله عليه واله متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ـ وفي رواية العلوي : الفكر ليست له راحة ، لا يتكلّم في غير حاجة ، طويل السكتة ، وفي رواية العلوي : السكوت يفتح الكلام ويختمه بأشداقه ، و

__________________

١ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : بادناً متماسكاً ، سواء البطن والصدر.

٢ ـ وفي بداية والنهاية سواء البطن.

٣ ـ وفي مكارم الأخلاق : وأعلى الصدر.

٤ ـ وفي بداية والنهاية وعيون أخبار رضا عليه السلام : سبط العصب.

٥ ـ وفي بداية والنهاية سابل الأطراف.

٦ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : فسيح القدمين.

٧ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام ومكارم الأخلاق : تعلقاً.

٨ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : سريع المشية.

٩ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام والبداية والنهاية : جميعاً.

١٠ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام والبداية والنهاية : من لقيه.

٢٧

يتكلّم بجوامع الكلم ـ وفي رواية العلوي : فصل (١) : لا فضول فيه ولا تقصير. دَمث (٢) ليس بالجافي ولا بالمهين.

يعظّم النعمة (٣) وإن دقّت ، لا يذمّ منها شيئا (٤). لا يذّم ذوّاقاً ولا يمدحه ـ وفي رواية العلوي : لم يكن ذوّاقاً ولا مدحه ـ لا يقوم لغضبه إذا تعرّض الحق (٥) شيء حتّى ينتصر له ـ وفي رواية اُخرى : لا تغضبه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتّى ينتصر له ـ لا يغضب لنفسه ولاينتصرلها. إذا أشار أشار بكفّه كلّها ، وإذا تعجّب قلّبها ، وإذا تحدّث (٦) إتّصل بها ، يضرب براحته اليمنى بطن (٧) إبهامه اليسرى ـ وفي رواية العلوي فيضرب بإبهامه اليمنىٰ باطن (٨) راحته اليسرى ـ وإذا غضب أعرض (٩) وأشاح ، وإذا فرح غضّ طرفه ، جلّ ضحكه التبسّم ، ويفتر عن مثل حبّ الغمام.

قال الحسن فكتمته (١٠) «الحسين بن على زماناً» ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه. فسألته عمّا سألته عنه ، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ، ومجلسه ، ومخرجه ، وشكله ، فلم يدع منه شيئاً.

__________________

١ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام ومكارم الأخلاق : فصلاً.

٢ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام ومكارم الأخلاق : دمثاً.

٣ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : تعظم عنده النعمة.

٤ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : غير أنّه كان لا يذم ذوّاقاً.

٥ ـ وفي البداية والنهاية : إذا تعرّض للحق.

٦ ـ وفي البداية والنهاية : وإذا تحدّث يصل بها ، وفي العيون : وإذا تحدّث قارب يده اليمنى من اليسرى فضرب ، وفي مكارم الأخلاق : وإذا تحدث أشار بها فيضرب.

٧ ـ وفي البداية والنهاية : براحته اليمنى باطن.

٨ ـ وفي مكارم الأخلاق : باطن إبهامه اليسرى.

٩ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : أعرض بوجهه.

١٠ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : فكتمت هذا الخبر عن الحسين.

٢٨

قال الحسين : سألت أبي عن دخول (١) رسول الله صلى الله عليه واله : فقال : كان دخوله لنفسه مأذوناً له في ذلك ، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء ، جزءً لله تعالى ، وجزءً لأهله ، وجزءً لنفسه ، ثم جزّأ جُزأه بينه وبين الناس ، فيرد ذلك (٢) على العامّة والخاصّة ولا يذخره (٣) فقال أبو غسان أو يذخر عنهم شيئاً. وفي رواية العلوي : ولا يذخر عنهم شيئاً.

وكان من سيرته في جزء الأمّة : إيثار أهل الفضل بإذنه (٤) ، وقسمه على قدر فضلهم في الدين : فمنهم (٥) ذو حاجة ، ومنهم ذوحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمّة من مسألته عنهم ، وإخبار هم بالذي ينبغي لهم. ويقول : ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع (٦) ابلاغي حاجته ، فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع (٧) إبلاغها إيّاه ثبّت الله قدمه (٨) يوم القيامة. لا يذكر عنده إلّا ذلك ، ولا يقبل من أحد غيره. يدخلون عليه روّاداً (٩). ولا يفترقون إلّا عن ذواق. ـ وفي رواية العلوي : ولا يفترقون إلّا عن ذوق ـ ويخرجون أدلّة ـ زاد العلوي : يعنى الفقهاء.

__________________

١ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن مدخل.

٢ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئاً. وفي الطبقات : فيسرد ذلك على العامة بالخاصّة.

٣ ـ وفي مكارم الأخلاق ، والبداية والنهاية : ولا يدخر.

٤ ـ وفي البداية والنهاية : بأدبه.

٥ ـ وفي البداية والنهاية ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، ومكارم الأخلاق : ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين.

٦ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : من لا يقدر على إبلاغ حاجته.

٧ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : من لا يقدر على إبلاغها.

٨ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ومكارم الأخلاق ، والبداية والنهاية : ثبّت الله قدميه.

٩ ـ وفي مكارم الأخلاق ، والبداية والنهاية : يدخلون عليه زواراً.

٢٩

قال : فسألته عن مخرجه (١) كيف كان يصنع فيه؟ وفي رواية العلوي : قلت : فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟

فقال : كان رسول الله صلى الله عليه واله يخزن لسانه إلّا ممّا (٢) يعنيهم ، ويؤلّفهم ولا يُنفّرهم (٣) قال أبو غسان : أو يفرّقهم. وفي رواية العلوي : ولا يفرّقهم ويكرم كريم كلّ قوم يولّيه عليهم ، ويحذّر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوى عن أحد بشره ولا خلقه. يتفقّد أصحابه ، ويسأل الناس عمّا في الناس ، ويحسّن الحسن ويقوّيه ، ويقبّح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكلّ حالٍ عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ولا يحوزه (٤). الذين يلونه من الناس خيارهم. أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة (٥) وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

قال : فسألته عن مجلسه ـ زاد العلوي : كيف كان يصنع فيه؟

فقال : كان رسول الله صلى الله عليه واله لا يجلس ولا يقوم إلّا على ذكر ، ولا يوطن الأماكن ، وينهي عن إيطانها. وإذا إنتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ، ويأمر بذلك ويعطي كلّ جلسائه نصيبه (٦) ، لا يحسب جليسه أنّ أحداً أكرم عليه منه ، من جالسه أو قاومه في حاجةٍ صابره حتّى يكون

__________________

١ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : عن مخرج رسول الله صلى الله عليه واله.

٢ ـ وفي مكارم الأخلاق : إلّا فيما يعينه ، وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : إلّا عمّا يغنية ، وفي البداية والنهاية : إلّا بما يعينهم. وفي الأنساب : كان يخزن لسانه عمّا لا يعينه ، وكان يؤلف ولا ينفر.

٣ ـ وفي مكارم الأخلاق : ويفرقهم.

٤ ـ وفي البداية والنهاية ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام : ولا يجوزه.

٥ ـ وفي مكارم الأخلاق ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام : نصيحة للمسلمين.

٦ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : حتّى لا يحسب أحد من جلسائه أنّ أحداً اكرم عليه ، وفي مكارم الأخلاق : ويعطي كل جلسائه نصيبه حتّى لا يحسب جليسه ،. في الأنساب : ويعطي كلاً من جلسائه نصيبه.

٣٠

هو المنصرف (١) ومن سأله حاجة لم يردّه (٢) إلّا بها ، أو بميسورمن القول. قد وسّع الناس منه بسطه وخلقه ، فصار لهم أباً (٣) ، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء (٤) وصبر وأمانة ، ولا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبه (٥) فيه الحُرَم ، ولا تُنْثَى فلتاته ، متعادلين (٦) يتفاضلون (٧) فيه بالتقوى ـ وفي رواية العلوي : وصاروا عنده في الحق متقاربين يتفاضلون بالتقوى ـ متواضعين (٨) يوقّرون فيه الكبير ، ويرحِمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذاالحاجة ، ويحفظون ، أو يحيطون الغريب وفي رواية العلوي : ويرحمون الغريب.

قال : قلت كيف كان سيرته في جلسائه؟ وفي روايته العلوي فسألته عن سيرته في جلسائه؟.

فقال : كان رسول الله صلى الله عليه واله ، دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظّ ولا غليظ ، ولا سخّاب (٩) ولا فحّاش ولا عيّاب ، ولا مزّاح (١٠). يتغافل عمّا لا يشتهي ، ولا يؤيس منه ، ولا يحبّب فيه (١١) قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من

__________________

١ ـ في مكارم الأخلاق وعيون أخبار الرضا عليه السلام : هو المنصرف عنه.

٢ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : لم يرجع إلّا بها.

٣ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : أباً رحيماً وصارواً.

٤ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة.

٥ ـ مكارم الأخلاق : ولا تؤمن فيه الحرم.

٦ ـ وفي عيون الأخبار : متعادلين متواصلين فيه بالتقوى.

٧ ـ وفي مكارم الأخلاق : متعادلون متفاضلون فيه.

٨ ـ وفي مكارم الأخلاق : متواضعون يوقّرون.

٩ ـ وفي مكارم الأخلاق : ولا صخّاب.

١٠ ـ وفي مكارم الأخلاق ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام : ولا مزّاح ولا مدّاح يتغافل.

١١ ـ وفي مكارم الأخلاق ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام : ولا يخيب فيه مؤمّليه.

٣١

ثلاث : كان لا يذمّ أحداً ، ولا يعيّره ، ولا يطلب (١) عورته ، ولا يتكلّم إلّا فيما رجى (٢) ثوابه. إذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلّموا ، ولا يتنازعون عنده الحديث.

من تكلّم (٣) أنصتوا له حتّى يفرغ. حديثهم عنده حديث ألويتهم ـ وفي رواية العلوي : أولهم ـ يضحك ممّا يضحكون منه ، ويتعجّب ممّا يتعجّبون منه ، ويصبر للغريب على الجفوة (٤) في منطقة ومسألته ، حتّى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم (٥).

وفي رواية العلوي في المنطق ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجّة يطلبها فأرفدوه ، ولا يقبل الثناء إلّا من (٦) مكافٍ ، ولا يقطع على أحدٍ (٧) حديثه حتّى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام ـ وفي رواية العلوي : بانتهاء أو قيام.

قال : فسألته كيف كان سكوته؟ (٨).

قال : كان سكوت رسول الله صلى الله عليه واله على أربع (٩) : الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكّرِ ـ وفي رواية العلوي : والتفكير.

فأمّا تقديره (١٠) ففي تسويته (١١) النظر والإستماع بين الناس.

__________________

١ ـ وعيون أخبار الرضا عليه السلام : ولا يطلب عثراته ولا عورته.

٢ ـ وفي مكارم الأخلاق ، والبداية والنهاية : إلا فيما يرجو ثوابه.

٣ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : وإذا تلكم عنده أحدٌ أنصتوا له حتّى يفرع من حديثه.

٤ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : في المسألة والمنطق حتّى إن كان أصحابه.

٥ ـ وفي البداية والنهاية : أصحابه يستجلبونه.

٦ ـ وفي البداية والنهاية : إلاّ عن مكافىء. وفي المكارم من مكافىء.

٧ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : على أحد كلامه.

٨ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : فسألته على سكوت رسول الله صلى الله عليه واله؟ ، وفي مكارم الأخلاق : قال : قلت : كيف كان سكوته؟.

٩ ـ وفي مكارم الأخلاق : على أربعة على الحلم والحذر.

١٠ ـ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : فأما التقدير ففي تسوية النظر.

١١ ـ وفي مكارم الأخلاق : فأما تقديره ففى تسوية النظر.

٣٢

واما تذكّره ـ أو قال : تفكّره ـ قال سعيد : تفكّره ، ولم يشك ـ وفي رواية العلوي تفكيره ـ ففيما يبقى ويفنىٰ.

وجمع له ، صلى الله عليه واله : الحلم ، والصبر ، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه ، وجمع له الحذر في أربع (١) : أخذه بالحسنى.

قال سعيد والعلوي : بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهي عنه.

وفي رواية العلوي ليتناهىٰ عنه ـ وإجتهاد (٢) الرأي فيما أصلح اُمّته ، والقيام فيما جمع لهم (٣) أمر الدنيا والآخرة ـ صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.

إلى هنا ينتهي حديث هند إبن أبي هالة فنبدأ بحول الله وقوّته بشرح عباراته.

* * *

__________________

١ ـ وفي مكارم الأخلاق : في أربعة.

٢ ـ وفي مكارم الأخلاق ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام : وإجتهاده الرأى في إصلاح اُمّته.

٣ ـ وفي المكارم ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام : جمع لهم خير الدنيا والآخره.

٣٣

كان رسول الله صلى الله عليه واله فخماً مفخّماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذّب ، عظيم الهامّٰة.

قوله عليه السلام : «كان رسول الله صلى الله عليه واله ، فخما مفخّماً» أي عظيماً معظّماً في الصدور والعيون ، ولم تكن خلقته في جسمه الضخامة ، وكثرة اللحم قاله الطريحي (١).

وقيل : الفخامة في وجهه : نبله وامتلاؤه مع الجمال والمهابة (٢).

لقد خلق الله سبحانه وتعالى أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام سليمة من العيب حتّى صلحت لحلول الأنفس الكاملة وهم في ذلك متفاوتون ، ونبيّنا محمد المصطفى صلى الله عليه واله أصح الأنبياء مزاجاً وأكملهم جسداً وأحسنهم صوتاً مع العلم بأن صفاته صلى الله عليه واله لا تدرك حقائقها.

وهذا انس بن مالك يحدّث لنا ويقول : ما بعث الله نبيّاً إلّا حسن الوجه ، حسن الصوت ، وكان نبيّنا صلى الله عليه واله أحسنهم وجهاً وصوتاً (٣).

قوله عليه السلام : «يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر» أي من كثرة نور وجهه وحسن جماله ، ونعم ما قيل فيه :

بلغ العالى بكماله

كشف الدجى بجماله

حسنت جميع خصاله

صلوا عليه وآله

وعن أبي هريرة : ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه واله كأنّ الشمس تجرى في جبهته (٤).

__________________

١ ـ مجمع البحرين : ج ٦ ، ص ١٣٠.

٢ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٣ ، ص ٤١٩.

٣ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٢.

٤ ـ مسند أحمد : ج ٢ ، ص ٣٥٠.

٣٤

وفي حديث آخر : قال : ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه واله كأنّ الشمس تجري في وجهه (١).

وعن ابن عبّاس قال : لم يقم رسول الله صلى الله عليه واله مع شمس قط إلّا غلب ضوءه الشمس ، ولم يقم مع سراج قط إلّا غلب ضوءه ضوء السراج (٢).

قوله عليه السلام : «أطول من المربوع» المربوع : هو ما بين الطويل والقصيره : يقال : رجل ربعة ومربوع. قاله إبن الأثير (٣).

وقال الطريحي : المربوع : المتوسط ، وهو ما بين الطويل والقصير.

ومنه الحديث. تزوج من النساء المربوعة (٤).

وعن علي كرم الله وجهه : لم يكن رسول الله صلى الله عليه واله بالطويل الممغط أي المتناهي في الطول ، ولا بالقصير المتردّد ـ أي القصير جدّاً ـ وكان ربعة القوم ، ولم يكن يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلّا طاله رسول الله صلى الله عليه واله ، فإذا فارقه رسول الله صلى الله عليه واله نسب للربعة أي لا طويل ولا قصير (٥).

قوله عليه السلام : «وأقصر من المشذّب» المشذّب : بضمّ الميم وفتح الشين والذال المعجمتين مشددة ثم موحدة على وزن معظم : البائن الطويل في نحافة.

وفي لسان العرب : المشذّب : المفرط الطويل ، والشوذب من الرجال : الطويل الحسن الخلق (٦).

قوله عليه السلام : «عظيم الهامّة» الهامّة : الرأس ، والجمع هام.

__________________

١ ـ مسند أحمد : ج ٢ ، ص ٣٨٠.

٢ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٢.

٣ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ١٩٠.

٤ ـ مجمع البحرين : ج ٤ ، ص ٣٣٢.

٥ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٦ ـ لسان العرب : ج ١ ، ص ٤٨٧.

٣٥

ومنه الحديث : بئر برهوت يرد عليه هام الكفار وصداهم ، والصدى مقصور : حشو الرأس والدماغ ، ومنه حديث الهمام : خذ من الماء الحار وضعه على هامتك ، أي على رأسك (١).

* * *

__________________

١ ـ مجمع البحرين : ج ٦ ، ص ١٩٠.

٣٦

رَجِل الشعر ، إن إنفرقت عقيقته فرق ، وإلّا فلا يجاوز شعره شحمة اُذنه إذا هو وفّره ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزجّ الحواجب.

قوله عليه السلام : «رَجِل الشعر» قال الطريحي : رَجِلَ الشعر رَجَلاً من باب ـ تعب ـ فهو رَجِلٌ بالكسر والسكون : تخفيف. وشعر رَجِل : إذا لم يكن شديد الجعودة ولا سبطاً (١).

وقال الهيثمي : رَجل الشعر : الذي ليس بالسبط الذي لا تكسر فيه ، والقطط : الشديد الجعودة ، يقول : فيه جعودة بين هذين (٢).

وفي الحديث : عن علي عليه السلام ، كان شعر رسول الله صلى الله عليه واله سبطاً (٣).

والسبط من الشعر : المنبسط المسترسل ، والقطط : الشديدة الجعودة أي كان شعره وسطاً بينهما.

وعن ام هاني : كان له صلى الله عليه واله أربع ضفائر تخرج اُذنه اليمنى من بين ضفرتين ، وأذنه اليسرى كذلك (٤).

وعن أنس بن مالك : قال : كانت للنبي صلى الله عليه واله أربع ضفائر في رأسه (٥).

قوله عليه السلام : «إن إنفرقت عقيقته فرق» قال البيهقي : أصل العقيقة : شعر الصبي قبل أن يحلق ، فإذا حلق ونبث ثانية فقد زال عنه اسم العقيقة ، وربّما سمّي الشعر : عقيقة بعد الحلق على الإستعارة ، وبذلك جاء هذا الحديث.

يريد أنه كان لا يفرق شعره إلّا أن يفترق هو (٦).

__________________

١ ـ مجمع البحرين : ج ٥ ، ص ٣٨٠.

٢ ـ مجمع الزوائد : ج ٨ ، ص ٢٧٦.

٣ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٤ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٥ ـ مجمع الزوائد : ج ٨ ، ص ٢٨١.

٦ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

٣٧

وقيل العقيقة : الشعر المجتمع في الرأس ، وعقيقة المولود : الشعر الذي يكون على رأسه من الرحم وفي رواية العلوي : «إن إنفرقت عقيصته فرق» قال الهيثمي : العقيصة : الشعر المعقوص. وهو نحو من المظفور (١).

وقال الطريحي : عقص الشعر : جمعه وجعله في وسط الرأس وشدّه.

ومنه الحديث : رجل صلّى معقوص الشعر؟ قال : يعيد.

والعقيصة للمرأة : الشعر يلوي وتدخل أطرافه في اُصوله ، والجمع عقائص (٢).

والمعنى إذا انفرقت من ذات نفسها فرّقها ، أي أبقاها مفروقة وإلّا تركها معقوصة ، أي تركها على حالها يفرقها.

قوله عليه السلام : «وإلّا فلايجاوز شعره شحمة اُذنه إذا هو وفّره» أي وصف شعره تارة بالجمّة أي بالشعر الذي ينزل على المنكبين ، واُخرى باللمّة : أي الشعر الذي ينزل على شحمة الاُذن.

وقيل : إنّ شعره صلى الله عليه واله يقصر ويطول بحسب الاُوقات ، فإذا غفل عن تقصيره وصل إلى منكبيه ، وإذا قصّره تارة ينزل عن شحمة اُذنيه وأخرى لا ينزل عنها.

وفي السيرة الحلبيّة : عن ابن قيّم : لم يحلق رسول الله صلى الله عليه واله رأسه الشريف إلّا أربع مرات (٣).

قوله عليه السلام : «أزهر اللون» الأزهر : الأبيض الناصع البياض ، الذي لا تشوبه حمرة ولا صفرة ولا شيء من الألوان.

ولقد أجاد أبو طالب حيث يمدح سيّدنا رسول الله صلى الله عليه واله بقوله :

__________________

١ ـ مجمع الزوائد : ج ٨ ، ص ٢٧٦.

٢ ـ مجمع البحرين : ج ٤ ، ص ١٧٥.

٣ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٣٨

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال (١) اليتامى ، عصمة للأرامل (٢)

وفي النهاية : الأزهر : الأبيض المستنير ، والزهر والزهرة : البياض النيّر ، وهو أحسن الألوان. ومنه الحديث : إنّ أخوف ما أخاف عليكم مايفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ، أي حسنها وبهجتها وكثرة خيرها (٣).

وقال الصدوق : أزهر اللون : معناه نيّر اللون. يقال : أصفر يزهر إذا كان نيّراً ، والسراج يزهر معناه ينير (٤).

وقيل أزهر اللون : أي نيّر الوجه يتلألأ كتلألؤ القمر (٥).

وقال القتيبي : أزهر اللون : أي أبيض اللون مشرقة ، ومنه سمّيت الزهرة لشدّة ضوئها ، فأما الأبيض غير المشرق فهو : الأمهق (٦).

والمراد بالأمهق : الأبيض الشديد البياض لا يخالطه شيء من الحمرة وليس بنيّر ولكن كلون الجصّ أو نحوه (٧).

قوله عليه السلام : «واسع الجبين» الواسع : ضد الضيّق ، و «الجبين» فوق الصدع ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها يتصادّان من طرفي الحاجبين إلى قصاص الشعر فتكون الجبهة بين جبينين.

وفي الحديث : كان جبين رسول الله صلى الله عليه واله صلتا (٨) أي أملس.

__________________

١ ـ ثمال اليتامى : أي الملجأ ، المطعم في الشدّة.

٢ ـ لسان العرب : ج ١١ ، ص ٩٤.

٣ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ٣٢١ ـ ٣٢٢.

٤ ـ معاني الأخبار : ص ٨٤.

٥ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٣٠٠.

٦ ـ دلائل النبوّة : ج ١ ، ص ٢٩٣.

٧ ـ الصحاح في اللغة : ج ٤ ، ص ١٥٥٧ ، ولسان العرب : ج ١٠ ، ص ٣٤٩.

٨ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٣٩

وفي حديث آخر كان رسول الله صلى الله عليه واله أجلى الجبين كأنه السراج المتوقّد يتلألأ (١).

قوله عليه السلام : «أزجّ الحواجب» الزجج : طول الحاجبين ودقّتهما وسبوغهما إلىٰ مؤخر العينين.

وفي النهاية : الزجج : تقوّس في الحاجب مع طول في طرفه وامتداد (٢).

وإنّما جمع عليه السلام الحاجب في قوله : أزجّ الحواجب ، ولم يقل : الحاجبين. فهو على لغة من يوقع الجمع على التثنية مستدلين بقول الله سبحانه وتعالى «وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ» (٣) أي حكم داود وسليمان عليهما السلام.

مضافاً إلى قول النبيّ صلى الله عليه واله الإثنان ومافوقهما جماعة (٤).

هذا وقد عرفت بأن في نسخة عيون أخبار الرضا عليه السلام أزجّ الحاجبين فهو الأصح.

__________________

١ ـ السيرة الحلبيّة : ج ٣ ، ص ٣٣٣.

٢ ـ النهاية لإبن الأثير : ج ٢ ، ص ٢٩٦.

٣ ـ الأنبياء : ٧٨.

٤ ـ معاني الأخبار : ص ٨٥.

٤٠