الحدائق الناضرة - ج ٢٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٧

التصرف فيه بعد موته ، وليس إلا الثلث ، فإذا أضيف الجزء اليه وكان الجزء بمعنى السبع كما هو المفروض في هذه الأخبار كان الحاصل سبع من ثلثه ، ولا ينافي ذلك الأخبار المتقدمة بأن المراد بالجزء من ماله يعنى عشر ماله أو سبع ماله ، لأن المال في تلك محمول على ظاهره وهو ماله في حال الحياة وفي هذا الخبر محمول على ماله بعد الموت فلا يكون مخالفا لشي‌ء من الأخبار ، كما ذكره (قدس‌سره) والتأويل في مثله بما ذكرنا للجمع بين الأخبار غير عزيز.

وبالجملة فالمسئلة غير خالية عن شوب الاشكال ، وطريق الاحتياط فيها بالصلح مطلوب على كل حال ، والله العالم.

ومنها الوصية بالسهم ، والمشهور أنه الثمن ، وتدل عليه جملة من الأخبار منها ما تقدم في صحيحة البزنطي ، وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن السكوني (١) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن رجل يوصى بسهم من ماله فقال : السهم واحد من ثمانية ، يقول الله تبارك وتعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ».

وما رواه في الكافي (٢) في الصحيح أو الحسن عن صفوان والبزنطي ورواه في التهذيب (٣) أيضا عنهما «قالا : سألنا الرضا عليه‌السلام عن رجل أوصى «لك» بسهم من ماله لا يدرى السهم أي شي‌ء هو؟ فقال : أليس عندكم فيما بلغكم عن جعفر ولا عن أبى جعفر عليهما‌السلام فيها شي‌ء ، قلنا له : جعلنا فداك ما سمعنا أصحابنا يذكرون شيئا من هذا عن آبائك ، فقال : السهم واحد من ثمانية ، فقلنا له : جعلنا الله فداك كيف صار واحدا من ثمانية؟ فقال : أما تقرأ كتاب الله عزوجل؟ قلت :

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٤١ ح ١ ، التهذيب ج ٩ ص ٢١٠ ح ٨٣٢ ، الفقيه ج ٤ ص ١٥٢ ح ٥٢٦.

(٢ و ٣) الكافي ج ٧ ص ٤١ ح ٢ ، التهذيب ج ٩ ص ٢١٠ ح ٨٣٣.

وهما في الوسائل ج ١٣ ص ٤٤٩ ح ٣ وص ٤٤٨ ح ٢.

٤٦١

جعلت فداك أنى لأقرؤه ، ولكن لا أدري أي موضع هو؟ فقال : قول الله تعالى (١) «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ» ثم عقد بيده ثمانية قال : وكذلك قسمها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ثمانية أسهم ، فالسهم واحد من ثمانية» ،.

ورواه الصدوق في معاني الأخبار في الصحيح عن صفوان (٢). وروى الشيخ المفيد في الإرشاد (٣) قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أوصى بسهم من ماله ، ولم يبينه فاختلف الورثة في معناه ، فقضى بينهم بإخراج الثمن من ماله ، وتلا عليهم «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ» الآية ، وهم ثمانية أصناف ، لكل صنف منهم سهم من الصدقات».

والقول بالثمن مذهب الشيخ في النهاية ، قال : وقد روى أنه سهم من عشرة ، والأول أكثر في الرواية ، وهذا القول أيضا قول الشيخ المفيد ، وابن الجنيد ، والصدوق ، وابن البراج ، وسلار ، وابن إدريس ، وهو المشهور بين المتأخرين.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : أنه السدس ، وبه قال الشيخ علي بن بابويه (رحمة الله عليه).

أقول : والرواية التي أشار إليها الشيخ في النهاية بأن السهم من عشرة هي ما رواه

في التهذيب عن طلحة بن زيد (٤) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : من أوصى بسهم من ماله ، فهو سهم من عشرة». والشيخ حملها في التهذيب على وهم الراوي بالاشتباه عليه بين الجزء والسهم.

قال الصدوق في الفقيه (٥) وقد روي أن السهم واحد من ستة ، ثم جمع

__________________

(١) سورة التوبة ـ الاية ٦٠.

(٢) معاني الأخبار ص ٢١٦ ح ٢ ط إيران سنة ١٣٧٩.

(٣) الإرشاد ص ١٠٦.

(٤) التهذيب ج ٩ ص ٢١١ ح ٧٣٤.

(٥) الفقيه ج ٤ ص ١٥٢ ح ٥٢٧.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٣ ص ٤٤٨ ح ٢ وص ٤٥٠ ح ٧ وص ٤٤٩ ح ٤ و ٥.

٤٦٢

بينها وبين الرواية الثانية بحمل الستة على ما إذا اوصى بسهم من سهام المواريث ، والثمانية على ما إذا أوصى بسهم من سهام الزكاة قال : فتمضي الوصية على ما يظهر من مراد الموصى.

أقول : والرواية بأن السهم واحد من ستة لم ينقلها أحد منهم بغير هذا العنوان المحمل ، والظاهر أن المراد بها ما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (١) حيث قال : «فإن أوصى بسهم من ماله فهو سهم من ستة أسهم ، وكذلك إذا أوصى بشي‌ء من ماله غير معلوم فهو واحد من ستة» ، ومنه يعلم أن قول الشيخ علي بن بابويه بما نقل عنه من أنه السدس انما أستند فيه الى الكتاب المذكور ، والأصحاب هنا مع نقلهم هذا القول عنه لم يستدلوا له بشي‌ء لعدم وجود ذلك في كتب الأخبار المتداولة بينهم ، ومنه يعلم كما قدمنا ذكره أن اعتماده على هذا الكتاب ، وفتواه بما فيه مع كونه على خلاف الروايات المتكاثرة ، كما سمعت ، وخلاف قول غيره من الأصحاب (رحمهم‌الله) أدل دليل على ثبوت كون الكتاب له عليه‌السلام وأن ذلك مقطوع به عنده ، وفي الوسائل احتمل حمل هذه الرواية على التقية ، وهو غير بعيد.

وقال في المسالك : وذهب الشيخ في أحد قوليه إلى أنه السدس ، لما روى عن ابن مسعود (٢) أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) السدس وقيل : أن السهم في كلام العرب السدس ، انتهى.

أقول : والاستدلال بهذه الرواية العامية يحتمل أن يكون من الشيخ كما هو الأقرب ، ويحتمل أن يكون من صاحب المسالك ، وأيا ما كان ففي ذلك نوع تأييد بحمل كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه على التقية في هذا الحكم ، وكيف كان فالعمل على المشهور ، لتكاثر الأخبار ، والله العالم.

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٧ الباب ٤٨ ح ١.

(٢) الخلاف ج ٢ ص ٣١٠ مسئلة ٩ من كتاب الوصية ، المغني لابن قدامة ج ٦ ص ٤٤٦.

٤٦٣

ومنها ما لو أوصى بشي‌ء وظاهر كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف أنه السدس ، ويدل عليه ما تقدم في عبارة كتاب الفقه الرضوي (١) وما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن أبان بن تغلب (٢) «عن علي بن الحسين عليهما‌السلام أنه سئل عن رجل أوصى بشي‌ء من ماله؟ فقال : الشي‌ء في كتاب علي عليه‌السلام واحد من ستة».

ورواه الصدوق في كتاب معاني الأخبار (٣) عن ابان بن تغلب عن «علي بن الحسين عليه‌السلام قال : قلت له : رجل أوصى بشي‌ء من ماله؟ فقال لي : في كتاب علي عليه‌السلام الشي‌ء من ماله واحد من ستة».

ومنها ما لو أوصى بكثير قال الخلاف : إذا قال أعطوا كثيرا من مالي فإنه يستحق ثمانين ، على ما رواه أصحابنا في حد الكثير ، وتبعه ابن حمزة ولم يفسر الكثير ، قال في المختلف : والظاهر أن مرادهما ثمانون درهما كالنذر.

وقال الصدوق : إذا أوصى رجل بمال كثير ، ونذر أن يتصدق بمال كثير ، فالكثير ثمانون فما زاد ، لقوله تعالى «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» ، وكانت ثمانين موطنا.

وقال الشيخ (رحمة الله عليه) في كتاب الإقرار من الخلاف لو قال له : عندي مال كثير ، فإنه يكون إقرارا بثمانين ، على الرواية التي تضمنت أن الوصية بالمال الكثير وصية بثمانين.

وقال ابن إدريس في قول الشيخ (رحمة الله عليه) تسامح وتجاوز ، إنما الرواية وردت فيمن نذر أن يتصدق بمال كثير ، وما وردت في الوصية ، ولا أوردها أحد من أصحابنا في الوصايا ، والذي يقتضيه أصول المذهب ، وتحكم به الأدلة

__________________

(١) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٧ الباب ٤٨ ح ١.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٤٠ ح ٢ ، التهذيب ج ٩ ص ٢١١ ح ٨٣٥ ، الفقيه ج ٤ ص ١٥١ ح ٥٢٥.

(٣) معاني الأخبار ص ٢١٧ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٥٠ الباب ٥٦.

٤٦٤

والاعتبار أن لا يتجاوز بالرواية ، وما وردت فيه فحسب ، ولا تعداها الى غير النذر في تفسير الكثير الى المقر ، وكذا في الوصية في تفسير الكثير ، انتهى.

أقول : والى هذا القول مال كثير من المتأخرين ، والرواية المشار إليها بأنها وردت في النذر هي ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم (١) عن بعض أصحابه ذكره قال : «لما سم المتوكل نذر ان عوفي أن يتصدق بمال كثير ، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير ، فاختلفوا عليه ، فقال : بعضهم مائة ألف ، وقال بعضهم : عشرة آلاف ، وقالوا فيه أقاويل مختلفة ، فاشتبه عليه الأمر ، فقال رجل من ندمائه يقال صفعان : ألا تبعث الى هذا الأسود فتسأله عنه ، فقال له المتوكل : من تعني ويحك؟ فقال له : ابن الرضا ، فقال له : وهو يحسن من هذا شيئا؟ فقال : يا أمير المؤمنين : ان أخرجك عن هذا فلي عليك كذا وإلا فاضربني مائة مقرعة ، فقال المتوكل : قد رضيت ، يا جعفر بن محمود صر اليه وسله عن حد المال الكثير ، فصار جعفر بن محمود الى أبى الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام فسأله عن حد المال الكثير ، فقال له : الكثير ثمانون ، فقال له جعفر : يا سيدي إنه يسألني عن العلة فيه ، فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : ان الله عزوجل يقول (٢) «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» فعددنا تلك المواطن فكانت ثمانين موطنا».

وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ذكر أن الذي سأله المتوكل هو الجواد عليه‌السلام وهو غفلة عن مراجعة الرواية ، والشيخ والصدوق وجمع ممن تبعهما عدوا الحكم إلى الوصية ، وأضاف الشيخ : الإقرار ، كما عرفت نظرا الى ان ذلك حد شرعي للكثير ، حيثما أطلق كالجزء والسهم ، فلا يقتصر على موضع السؤال إذ لو حمل في غير النذر على غيره لزم الاشتراك المخالف للأصل ، والمتأخرين كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك طعنوا في الرواية بالضعف والإرسال ، مضافا

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٤٦٣ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٦ ص ٢٢٣ ح ١.

(٢) سورة التوبة ـ الاية ٢٥.

٤٦٥

الى مخالفتها للأصل واللغة والعرف ، قال واستشهاده بالمواطن الكثيرة المنصور فيها لا يقتضي انحصار الكثير فيه ، فقد ورد في القرآن فيها ، فاكهة كثيرة ، وذكرا كثيرا ، ولم يحمل على ذلك ، والحق الرجوع فيه الى الوارث ، وبذلك صرح في المختلف أيضا فقال : والوجه عندي اختصاص هذا التقدير بالنذر ، وللورثة أن يعطوا مهما شاؤا.

ومنها ما لو أوصى بوجوه من الوصايا فنسي الوصي بعضها فالمشهور بين الأصحاب أنه يصرف الأبواب المنسية في وجوه البر.

ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن محمد بن ريان (١) قال : «كتبت الى أبى الحسن عليه‌السلام وفي الفقيه الى علي بن محمد عليهما‌السلام أسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها ، كيف يصنع في الباقي؟ فوقع عليه‌السلام : والأبواب الباقية اجعلها في البر».

وذهب ابن إدريس والشيخ في أجوبة الحائريات إلى بطلان الوصية ، فإنه يرجع الى الورثة.

ونقل عن ابن إدريس الاحتجاج على ما ذهب إليه بأنها وصية بطلت ، لامتناع القيام بها ، فترجع الى الوارث ، واحتج القائلون بالقول المشهور بان المال خرج عن الوارث بالوصية النافذة أولا؟ لأنه المفروض ، فعوده الى ملك الوارث يحتاج الى دليل ، وجهالة مصرفه تصيره بمنزلة المال المجهول المستحق ، فيصرف في وجوه البر ، ولأنه لو رجع الى الوارث لزم تبديل الوصية للنهي عنه ، بخلاف البر ، لأنه عمل بمقتضاها ، غايته جهالة المصرف ، فيصرف فيما يصرف فيه المال المجهول ، ولأن الموصي ربما أراد بوصيته القربة المخصوصة ، فإذا فات الخصوص بالنسيان ، بقي العموم ، فيكون أقرب إلى مراد الموصى كذا قرره شيخنا في المسالك ، ثم

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٥٨ ح ٧ ، التهذيب ج ٩ ص ٢١٤ ح ٨٤٤ ، الفقيه ج ٤ ص ١٦٢ ح ٥٦٥ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٥٣ الباب ٦١.

٤٦٦

قال : وتشهد له رواية محمد بن ريان ، ثم ساق الخبر كما قدمناه ، وانما جعله شاهدا دون أن يجعله دليلا لضعف سنده عنده ، بهذا الاصطلاح المحدث ، فالدليل عنده انما هو ما قرره من هذه الوجوه التي ذكروها ، ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه ، والأظهر هو الاعتماد على الخبر.

اما بناء على الاصطلاح القديم أو الجبرة بالشهرة بين الأصحاب ، إذ لا مخالف في الحقيقة إلا ابن إدريس ، والشيخ وان قال بذلك في الحائريات ، إلا أنه في كتبه موافق للأصحاب ، وتجعل هذه التعليلات التي ذكروها وجوها للنص ، وبيان الحكمة فيه.

ويعضد هذا النص جملة من النصوص أيضا في جزئيات الوصايا ، ويستفاد من ضم بعضها الى بعض قاعدة كلية ، وهي أنه متى تعذر صرف الوصية على الوجه الموصى به لأي عذر كان ، فإنها تصرف في وجوه البر ، ولا ترجع إلى الورثة ، لتعذر المصرف.

فمن ذلك ما ورد في جملة من الأخبار (١) «من أن من أوصى للكعبة بمال أو غلام أو جارية أو أهدى لها نحو ذلك ، فإنه يصرف المال ، ويباع الغلام والجارية ، ويصرف ثمنها في المنقطعين من الحاج ، معللا بأن الكعبة لا تأكل ، ولا تشرب ، وما أهدي لها فهو لزوارها».

ومن ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى ضرائحهم) عن علي بن مزيد صاحب السابري (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل يتضمن أنه أوصى رجل بتركته الي على المذكور وأمره أن يحج بها عنه ، وكانت التركة لا تبلغ ذلك ، فسأل الفقهاء فأفتوه بالصدقة بها ، فتصدق بها ثم لقي أبا عبد الله عليه‌السلام فسأله وأخبره

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ٢١٣ ح ٨٤٢ وص ٢١٤ ح ٨٤٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٥٣ الباب ٦٠.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٢١ ح ١ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٢٨ ح ٨٩٦ ، الفقيه ج ٤ ص ١٥٤ ح ٥٣٤ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٧٣ الباب ٨٧.

٤٦٧

بما فعل فقال : ان كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان ، وإلا فأنت ضامن ، وقد قرره عليه‌السلام على الصدقة مع عدم بلوغ الحج به من مكة ، ولم يحكم ببطلان الوصية ، والرجوع ميراثا ، وربما قيل : بالرجوع هنا ميراثا كما نقله بعض مشايخنا ، والنص المذكور يرده.

ومن ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (رضي‌الله‌عنهم) عن مثنى (١) قال : «سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقبا ، قال : اطلب لها وارثا أو مولى فادفعها اليه ، قلت : فان لم أعلم له وارثا؟ قال : اجهد على أن تقدر له على ولي ، فان لم تجده وعلم الله منك الجهد ، فتصدق بها».

والتقريب فيه ما تقدم من أنه مع تعذر التنفيذ فيما أوصى به يرجع الى الصدقة ، والخبر المذكور محمول إما على موت الموصي بتلك الوصية ، ثم موت الموصى له قبل الدفع له ، أو على بقاء الموصي مع عدم الرجوع في الوصية الى أن مات ، وقد تقدم الكلام في هذه المسئلة ، ومما يلائم ذلك أيضا ما ورد (٢) فيمن أوصى أن يعتق عنه نسمة بخمسمائة درهم ، فاشتريت بأقل فإنها تعطى الباقي وتعتق ، الى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع.

ومنها ما لو أوصى بسيف معين وهو في جفن ، فإنه يدخل الجفن والحلية في الوصية ، وكذا لو أوصى بصندوق فيه ثياب أو سفينة وفيها متاع ، أو جراب وفيه متاع ، فإن الوصية تكون شاملة للجميع ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب متقدميهم ومتأخريهم ، وقال الشيخ في النهاية بذلك أيضا إلا أنه قيده بكون الموصى عدلا مأمونا ، فان لم يكن عدلا وكان متهما لم تنفذ وصيته في أكثر من ثلثه من الصندوق ، والسفينة والجراب وما فيها.

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٧ ص ١٣ ح ٣ وص ١٩ ح ١٣، التهذيب ج ٩ ص ٢٣١ ح ٩٠٥ وص ٢٢١ ح ١٨، الفقيه ج ٤ ص ١٥٦ ح ٥٤٢ وص ١٥٩ ح ١٥، الوسائل ج ١٣ ص ٤٠٩ ح ٢ وص ٤٩٥ الباب ٧٧ ، وليس في هذه النسخ «عن مثنى».

٤٦٨

والذي يدل على المشهور ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي جميلة (١) قال : «كتبت الى أبى الحسن عليه‌السلام أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف ، فقال الورثة : إنما لك الحديد وليس لك الحلية ليس لك غير الحديد فكتب الى : السيف له وحليته».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن أبي جميلة (٢) عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أوصى لرجل بسيف وكان في جفن ، وعليه حلية؟ فقال له الورثة إنما لك النصل ، وليس لك المال ، قال : فقال : لا بل السيف بما فيه له ، قال : فقلت : رجل أوصى لرجل بصندوق وكان فيه مال ، فقال الورثة إنما لك الصندوق ، وليس لك المال ، قال : فقال أبو الحسن عليه‌السلام : الصندوق بما فيه له».

وما رواه في التهذيب عن علي بن عقبة (٣) عن أبيه قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى لرجل بصندوق وكان في الصندوق مال ، فقال الورثة : إنما لك الصندوق وليس لك ما فيه ، فقال : الصندوق بما فيه له».

وعن عقبة بن خالد (٤) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قال : هذه السفينة لفلان ، ولم يسم ما فيها ، وفيها طعام أيعطيها الرجل وما فيها؟ قال : هي للذي أوصى له بها ، إلا أن يكون صاحبها متهما ، وليس للورثة شي‌ء».

ورواه الصدوق إلا أنه قال «إلا أن يكون صاحبها استثنى مما فيها وليس للورثة شي‌ء».

قال في كتاب الفقه الرضوي (٥) وإذا أوصى رجل لرجل بصندوق أو سفينة

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٧ ص ٤٤ ح ٣ و ١، التهذيب ج ٩ ص ٢١١ ح ٨٣٩ و ٨٣٧ ، الفقيه ج ٤ ص ١٦١ ح ٥٦١. الوسائل ج ١٣ ص ٤٥١ ح ٢.

(٣ و ٤) التهذيب ج ٩ ص ٢١٢ ح ٨٤٠ و ٨٣٨ ، الفقيه ج ٤ ص ١٦١ ح ٥٦٢.

(٥) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٧ الباب ٥٠ ح ١. الوسائل ج ١٣ ص ٤٥٢ ح ١ الباب ٥٩.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٣ ص ٤٥١ ح ٢ و ١ وص ٤٥٢ ح ١ و ٢ وص ٤٥٢ ح الباب ٥٩.

٤٦٩

وكان في الصندوق أو السفينة متاع أو غيره ، فهو مع ما فيه لمن أوصى له ، إلا أن يكون قد استثنى ما فيه».

وهذه الروايات كما ترى ظاهرة الدلالة على القول المذكور إلا رواية عقبة بن خالد الأخيرة بناء على غير رواية الصدوق وسيأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى.

وقال في المسالك ـ بعد الاستدلال للقول المشهور برواية أبي جميلة الثانية ورواية عقبة بن خالد الأخيرة ـ ما صورته : وهذه الروايات ضعيفة السند ، إلا أن العرف شاهد لدخول جفن السيف وحليته فيه ، وهو محكم في أمثال ذلك ، فإنه لو قال : خذ سيفك أو سافر فلان بسيفه ، لا يفهم منه إلا مجموع هذه الأشياء حتى لو جرده عن غمده لعده العقلاء سفيها ، والعرف كاف في إثبات ذلك وتبقى الرواية شاهدة فالحكم بدخولها فيه قوى ، وأما الباقي فلا يدل العرف على تناول الظرف للمظروف غالبا ، والرواية قاصرة عن إثبات المطلوب فالقول بعدم الدخول أجود ، نعم لو دل العرف أو القرينة على شي‌ء في بعض الأفراد اتبع ، كما أنه لو دل على عدم دخول الجفن أو الحلية في بعض الموارد لم يدخل ، وجملة الأمر ترجع الى عدم الدخول إلا مع العرف والقرينة ، وبنحو ذلك صرح في المختلف.

أقول : لا يخفى ما فيه ، فان رد الأخبار بمجرد الاعتبار ، جرأة على الأئمة الأطهار ، والأحكام الشرعية مبنية على التوقف لا مسرح للقول فيها كما تقدم في غير موضع والأخبار المذكورة وان ضعف سندها بهذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ، كما أوضحناه في مقدمات كتاب الطهارة ، إلا أنه لا راد لها من الأصحاب ، وضعفه منجبر بالشهرة بينهم ، وقد جروا على ذلك في مواضع لا تحصى من الأحكام كما لا يخفى على المتتبع.

نعم يمكن التوقف على نفيه في مقام التهمة ، بناء على رواية الشيخين في الكافي والتهذيب ، وأما على رواية الصدوق فلا اشكال ، وهكذا هو مختاره في الدروس.

٤٧٠

وأما ما ذكره الشيخ مما قدمنا نقله فإنه استشكل فيه جملة ممن تأخر عنه ، منهم العلامة في المختلف وشيخنا في المسالك بأن فيه أولا ان ما شرطه من عدالة الموصى غير معتبر في الوصية مطلقا ، وانما يعتبرها بعض الأصحاب في الإقرار على بعض الوجوه على ما فيه.

وثانيا أن نفوذها من الأصل علي تقدير العدالة ، ومن الثلث على تقدير عدمها ، فإنه أيضا ليس من جملة أحكام الوصية بل من أحكام إقرار المريض على بعض الوجوه ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ذكره عند ذكر المسئلتين.

وثالثا تعميمه الحكم في هذه الأشياء من الصندوق والسفينة والجراب مع أن الرواية التي هي منشأ حكمه إنما موردها السفينة ، وهي رواية خالد بن عقبة كما عرفت ، بروايته في الكافي ، والتعدية إلى غيرها مع المخالفة للأصل بعيد.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي ذيل هذه الرواية ، «يعني بالتهمة» أن يظن به إرادته الإضرار بالورثة ، وأن لا يبقى لهم شي‌ء ، وقوله وليس للورثة شي‌ء عطف على «هي للذي» ويحتمل أن يكون معناه ولم يبق لهم شي‌ء من تتمة الاستثناء وفي نسخ الفقيه «إلا أن يكون صاحبها استثنى مما فيها» ، وعلى هذا فلا يحتمل قوله «وليس للورثة شي‌ء» إلا معناه الظاهر ، وعلى معناه الظاهر تحمل الوصية على الإقرار ، لعدم صحتها مشدودا كان أم لا.

ونقل عن الشيخ المفيد أنه قيد الصندوق بكونه مقفلا ، والجراب بكونه مشدودا ، والنصوص كما عرفت مطلقة هذا ، وظاهر الأخبار المتقدمة وبه صرح بعض الأصحاب كون ذلك الموصى به معينا ، فلو كان مطلقا كما لو قال أعطوه سيفا أو سفينة أو صندوقا ، فإنه لا يتناول إلا ما دل عليه اللفظ ، وهذا في السفينة والصندوق ظاهر حيث ان ما فيها لا يدخل في مدلول اللفظ ، وأما في السيف فإشكال لما تقدم نقله عن المسالك ، من حيث دلالة العرف على تبعية الجفن والحلية ودخولهما في إطلاق السيف ، فيدخل حينئذ سواء كان معينا أو مطلقا ولا يخلو من قوة.

٤٧١

وفي المسالك هنا أن دخول الجفن قوي لأنه كالجزء عرفا ، أما الحلية فلا تدخل إلا مع التعيين ، وهو خلاف ما صرح به أولا مما قدمنا نقله عنه ، بل الظاهر أن العكس أقوى لأن الحلية أقرب الى الجزئية من الجنس الذي هو متفرد على حده ، والله العالم.

ومنها ما لو أوصى في سبيل الله وقد اختلف الأصحاب في ذلك فقال الشيخ في النهاية والشيخ المفيد في المقنعة : إذا أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسم أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضلال والكافرين ، وإن لم يحضره مجاهد في سبيل الله وضع في أبواب البر من معونة الفقراء والمساكين ، وأبناء السبيل ، وصلة آل الرسول ، بل يصرف أكثره في فقراء آل محمد عليهم‌السلام ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ويصرف ما بقي بعد ذلك في أبواب البر ، وتبعهما في ذلك ابن البراج في الكامل ، وقال في المبسوط : إذا أوصى بصرف ثلث ماله في سبيل الله ، فسبيل الله هم الغزاة ، وهم على ضربين أحدهما المرابطون المترصدون للقتال ، فهؤلاء لا تدفع إليهم من الزكاة ، لأنه يصرف إليهم أربعة أخماس الغنيمة ، والضرب الثاني هم أصحاب الصنائع الذين إذا نشطوا غزوا ، ثم عادوا الى حرفتهم ، فهؤلاء تدفع إليهم من الزكاة مع الغنى والفقر ، وهكذا الوصية ، وفي أصحابنا من قال : ان سبيل الله يدخل فيه جميع مصالح المسلمين ، من بناء القناطير وعمارة المساجد ، والمشاهد ، والعمرة ، ونفقة الحاج ، والزوار ، وغير ذلك.

دليلنا على هذا أخبار الطائفة ، وأيضا فإن جميع ذلك طريق الى الله ، وسبيل إليه ، فالأولى حمل اللفظ على عمومه ، وكذا الخلاف في آية الزكاة.

أقول : وظاهره اختيار القول الثاني ، وقال ابن الجنيد إذا قال في السبيل ، أو سبيل الله جاز ذلك لأهل الثغور ، وأقربهم إليه أولى ، وجاز أن يجعل في الحج لقول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) لأم معقل وقد سألته عن ابنها

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٢٧٤.

٤٧٢

وقد جعل بغيره في السبيل «اركبي بعيرك ، فان الحج من سبيل الله» ، وجاز أيضا فيمن كان مرابطا لأعداء الله وحابسا نفسه على جهادهم ، والذب عن دين الله والمسلمين.

وقال علي بن بابويه : ان شاء جعله لإمام المسلمين ، وان شاء جعله في حج أو فرقه على قوم مؤمنين ، وبذلك قال ابنه في المقنع.

وقال ابن إدريس : يصرف ذلك في جميع مصالح المسلمين ، مثل بناء القناطر والمساجد ، وتكفين الموتى ، ومعونة الحاج ، والزوار ، وما أشبه ذلك لإجماع أصحابنا ، ولأن ما ذكرناه طريق الى الله تعالى ، وإذا كان كذلك فالأولى حمل لفظة «سبيل الله» على عمومها ، والظاهر أنه الى هذا القول مال جملة من تأخر عنه والمستند فيه ما أشار اليه ، وتوضيحه أن السبيل لغة الطريق ، والمراد بسبيل الله الطريق إليه ، أي إلى رضوانه وثوابه ، لاستحالة التحيز عليه جل شانه ، وهذا المعنى شامل لجميع ما يتقرب به الى الله تعالى ، فيجب حمل اللفظ عليه ، حيث لا مخصص من شرع أو عرف.

ونقل عن الشيخ ومن تبعه من الحمل على الغزاة ، انهم احتجوا بأن الشرع يقتضي صرف السبيل إلى الغزاة ، وحكم كلام الآدميين مع إطلاقه حكم ما اقتضاه الشرع ، قال في المختلف ومثله المسالك : والمقدمتان ممنوعتان.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن الحسن بن راشد (١) قال : سألت العسكري عليه‌السلام وفي الفقيه أبا الحسن العسكري عليه‌السلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل الله فقال : سبيل الله شيعتنا».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن حجاج الخشاب (٢) «عن

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٠٤ ح ٨١١ ، الفقيه ج ٤ ص ١٥٣ ح ٥٣٠.

(٢) الكافي ج ٧ ص ١٥ ح ١ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٠٣ ح ٨١٠.

وهما في الوسائل ج ١٣ ص ٤١٢ ح ١ وص ٤١٣ ح ٣.

٤٧٣

ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة أوصت الى بمال أن يجعل في سبيل الله فقيل لها تحج به؟ فقالت : اجعله في سبيل الله ، فقالوا لها : فنعطيه آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)؟ فقالت : اجعله في سبيل الله ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : اجعله في سبيل الله كما أمرت ، قلت : مرني كيف اجعله؟ قال : اجعله كما أمرتك ان الله تبارك وتعالى يقول (١) «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» أرأيتك لو أمرتك ان تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا؟ قال : فمكثت بعد ذلك ثلاث سنين ثم دخلت عليه فقلت له : مثل الذي قلت له أول مرة فسكت هنيئة ثم قال : هاتها قلت : من أعطيها؟ قال : عيسى شلقان».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن عمر (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أن رجلا أوصى الى بشي‌ء في السبيل فقال لي : اصرفه في الحج ، قال : قلت له أوصى لي في السبيل؟ فقال : اصرفه في الحج» ، وفي التهذيب دون الآخرين «قلت له : أوصى في السبيل؟ فقال : اصرفه في الحج فاني لا أعلم شيئا من سبيل أفضل من الحج». وجمع في الفقيه بين هذا الخبر والخبر الأول يصرفه إلى الشيعة لتحج به ، واستحسنه الشيخ في التهذيبين.

وأنت خبير بأن سبيل الله اما أن يخص بالجهاد كما هو أحد القولين في المسئلة ، أو يفسر بما هو أعم فيدخل جميع القربات ، والمعنى الأول لا مجال لاعتباره هنا ، وعلى الثاني فلا تنافي بين الحديثين ، ليحتاج الى الجمع بين الخبرين.

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن محمد بن مسلم (٣) «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى بماله في سبيل الله فقال : أعطه لمن أوصى به وان

__________________

(١) سورة البقرة ـ الاية ١٨١.

(٢ و ٣) الكافي ج ٧ ص ١٥ ح ٥ وص ١٤ ح ١ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٠٣ ح ٨٠٩ و ٨٠٨ ، الفقيه ج ٤ ص ١٥٣ ح ٥٣٠ وص ١٤٨ ح ٥١٤، الوسائل ج ١٣ ص ٤١٢ ح ٢ وص ٤١١ ح ١.

٤٧٤

كان يهوديا أو نصرانيا ، ان الله تبارك وتعالى يقول «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» قال في الفقيه «ماله هو الثلث».

وعن يونس بن يعقوب (١) «أن رجلا كان بهمدان ذكر أن أباه مات وكان لا يعرف هذا الأمر أوصى بوصية عند الموت ، وأوصى بان يعطى شي‌ء في سبيل الله فسئل عنه أبو عبد الله عليه‌السلام كيف يفعل به ، فأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر ، فقال : لو أن رجلا أوصى الى أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما ، ان الله عزوجل يقول «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» فانظروا الى من يخرج الى هذا الوجه ، يعنى بعض الثغور فابعثوا به اليه».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٢) : وان أوصى بماله في سبيل الله ولم يسم السبيل فان شاء جعله لإمام المسلمين ، وان شاء جعله في حج أو فرقه على قوم مؤمنين». وهذه العبارة عين عبارة الشيخ علي بن بابويه في المقنع كما تقدم ، ومنه يعلم أن مستنده في ذلك انما هو الكتاب المذكور كما تلوناه عليك في غير موضع ، ولا سيما في كتب العبادات.

أقول : مرجع الخلاف المذكور في هذه المسئلة الى أن سبيل الله متى أطلق هل هو الجهاد أو جميع أبواب البر؟ فالشيخ ومن تبعه على الأول ، وان جوز مع تعذر الصرف في أنواع البر ، والمشهور بين المتأخرين الثاني ، ولا يخفى أن الأول مذهب أكثر العامة.

قال في المنتهى في كتاب الزكاة. وانما الخلاف في تفسيره ، والشيخ في النهاية والجمل أنه الجهاد ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأبو يوسف ، وقال أحمد ومحمد بن الحسن : يجوز أن يصرف في معونة الحاج.

ومن ذلك يظهر أن ما دلت عليه رواية يونس بن يعقوب من أمره عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤١٤ ح ٤.

(٢) المستدرك ج ٢ ص ٥٢٤ الباب ٣٠ ح ٣.

٤٧٥

بدفع ذلك الى من يخرج الى بعض الثغور انما هو من حيث ان الموصي كان من العامة ، القائلين باختصاص هذا اللفظ بالمجاهدين ، فلا منافاة فيها لما تقدم.

وأما صحيحة محمد بن مسلم فظاهرها أن المراد بسبيل الله الذي أمر عليه‌السلام بالإعطاء له هو الجهاد ، وهو إما محمول على كون الموصي مخالفا ، أو أن الحكم خرج مخرج التقية ، والاستدلال بالآية مضافا الى قوله «أعطه لمن أوصى» يؤيد الأول.

وأما رواية حجاج الخشاب فظاهرها أيضا أن المرأة الموصية كانت مخالفة وأنها أرادت بسبيل الله الجهاد ، ولهذا كلما كرر عليها بعض وجوه القربات ، يأمر بالجعل في سبيل الله ، وقد أمر عليه‌السلام بصرفه في ذلك محتجا بالآية ، وفيه إشارة إلى أنها انما قصدت الجهاد ، فالمخالفة له تبديل منهي عنه ، ثم قال له «أرأيتك لو أمرتك أن تعطيه يهوديا كنت تعطيه نصرانيا» ، وفيه أيضا إشارة إلى معلومية الموصى إليه من هذا اللفظ ، وليس إلا الجهاد.

بقي الكلام في عدوله عليه‌السلام بعد هذه المدة الى ما ذكره في آخر الخبر من الدفع الى ذلك الرجل ، ويحتمل أن يكون من حيث عدم وجود المصرف في ذلك الوقت أو إرادة أن جهادهم لم يكن مشروعا ، عدل عنه الى صرفه في الشيعة ، كما هو مذهبهم عليهم‌السلام في المسئلة.

وأما باقي الأخبار فهي متلائمة متقاربة للدلالة على القول المشهور ، ويؤيدها ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ، في تفسير قوله سبحانه في آية الزكاة «فِي سَبِيلِ اللهِ» (١) «عن العالم عليه‌السلام قال وَ «فِي سَبِيلِ اللهِ» قوم يخرجون الى الجهاد وليس عندهم ما يتقوون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به ، أو في جميع سبيل الخير» الحديث ، وبذلك يظهر أن الأقوى هو القول المشهور ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ج ٦ ص ١٤٥ ح ٧ ، تفسير القمي ج ١ ص ٢٩٩.

٤٧٦

ومنها ما لو أوصى بإخراج بعض ولده من ميراثه ، فان المشهور أنه لا تنفذ وصيته ، وقيل ، انها تصح ، لكن في الثلث خاصة ، وهو ظاهر اختيار العلامة في المختلف ، قال في الكفاية : ولعله أقرب.

وقيل : بالصحة من الأصل فيمن أوصى أبوه بإخراجه لوقوعه على أم ولد له ، فإنه يحرم من جميع التركة ، وهو ظاهر الصدوق ، والشيخ في كتابي الأخبار.

قال المحقق في الشرائع : ولو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته لم يصح ، وهل يلغو اللفظ فيه؟ تردد ، بين البطلان وإجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله لمن عدا الولد ، فتمضى من الثلث ، ويكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة ، والوجه الأول ، وفيه رواية بوجه آخر مهجورة ، انتهى.

وعلل وجه الصحة واعتبار الثلث ـ كما ذهب إليه في المختلف ـ بأن إخراجه من التركة يستلزم تخصيص باقي الورثة بها ، فكان كما لو أوصى بها ، لمن عداهم فتمضى من الثلث بمعنى حرمان ذلك بإخراجه من الثلث ، ومشاركته في الثلثين ان كان معه مساو ، والاختصاص ان لم يكن.

ولشيخنا الشهيد الثاني في المسالك هنا مؤاخذة على هذا القول ، الظاهر أنها لا تخلو من تكلف ، وهذا يدل على القول المشهور ، وظاهر الكتاب والسنة كقوله عزوجل (١) «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن سعد بن سعد (٢) قال : «سألته يعني أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل كان له ابن يدعيه فنفاه وأخرجه من الميراث وأنا وصيه ، فكيف أصنع؟ فقال عليه‌السلام : لزمه الولد بإقراره بالمشهد لا يدفعه الوصي عن شي‌ء قد علمه» ، والمسئلة بمحل من الاشكال لعدم النص المفصح عن تحقيق الحال.

__________________

(١) سورة النساء ـ الاية ١١.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٦٤ ح ٢٦ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٣٥ ح ٩١٧ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٧٦ ح ١.

٤٧٧

بقي الكلام فيما ذهب اليه الصدوق والشيخ (طيب الله تعالى مرقديهما) من القول المتقدم نقله عنهما ، فإنه يدل عليه ما رواه في الكافي والفقيه عن وصي علي بن السري (١) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : ان علي بن السري توفي فأوصى الي قال : (رحمه‌الله) قلت : وان ابن جعفر أوقع على أم ولد له فأمرني أن أخرجه من الميراث ، قال : فقال لي أخرجه من الميراث وان كنت صادقا فيصيبه خبل ، قال : فرجعت فقدمني الى أبى يوسف القاضي ، فقال له ، أصلحك الله أنا جعفر بن علي بن السري وهذا وصي أبي فمره ، فليدفع إلي ميراثي من أبى ، فقال أبو يوسف القاضي لي : فما تقول؟ فقلت له : نعم هذا جعفر بن علي بن السري وأنا وصي علي بن السري ، قال : فادفع اليه ماله ، فقلت : أريد أن أكلمك ، قال فادن الي ، فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي فقلت له : هذا وقع على أم ولد لأبيه فأمرني أبوه ، وأوصى الي أن أخرجه من الميراث ، ولا أورثه شيئا ، فأتيت موسى بن جعفر عليهما‌السلام بالمدينة ، فأخبرته وسألته فأمرني أن أخرجه من الميراث ولا أورثه شيئا ، فقال : الله ان أبا الحسن عليه‌السلام أمرك؟ قال : قلت : نعم ، فاستحلفني ثلاثا ثم قال لي : أنفذ ما أمرك أبو الحسن عليه‌السلام فالقول قوله ، قال الوصي : فأصابه الخبل بعد ذلك ، قال أبو محمد الحسن بن علي الوشاء : فرأيته بعد ذلك ، وقد أصابه الخبل» ، وهذه الرواية التي أشار إليها المحقق بأنها مهجورة.

قال الصدوق في الفقيه : ومتى أوصى الرجل بإخراج ابنه من الميراث ، ولم يحدث هذا الحديث لم يجز للوصي إنفاذ وصيته في ذلك ، وتصديق ذلك ما رواه ابن عيسى عن عبد العزيز المهتدي عن سعد بن سعد ثم ساق الرواية المتقدمة.

وظاهره تقييد إطلاق خبر سعد بخبر وصي علي بن السري ويأتي على هذا تقييد الآيات المتقدمة بالخبر المذكور أيضا.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٦١ ح ١٥ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٣٥ ح ٩١٧ ، الفقيه ج ٤ ص ١٦٢ ح ٥٦٧ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٧٦ ح ٢.

٤٧٨

وقال الشيخ في كتابي الأخبار بعد نقل خبر وصي علي بن السري : هذا الحكم مقصور على هذه القضية ، لا يتعدى به الى غيرها ، وظاهرهما أنهما عاملان بالخبر في كل من فعل ذلك.

قال الشيخ : فهو ظاهر عبارته المذكورة ، وأما ابن بابويه فلما صرح به في أول كتابه من أنه لا يذكر فيه إلا ما يفتي به ، ويعتمد عليه.

وأما الوجه في اطراح المتأخرين هذا الخبر وهجره ، فمن حيث جهل الراوي وهو وصي علي بن السري فإنه مجهول الاسم والعدالة ، وفي طريقه أيضا المعلى ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، والمتقدمون كالشيخ والصدوق وأمثالهما لما لم يكن لهذا الاصطلاح عندهم أثر عملوا بالرواية ، لصحتها بوجودها في الأصول المعتمدة ، وهو الحق الحقيق بالاتباع.

قال في المسالك : واعلم أنه لا فرق في الحكم بين الولد وغيره من الوارثان حكمنا بالبطلان أو بنفوذها من الثلث ، وان علمنا بالرواية ، وجب قصرها على موردها ، وهو الولد المحدث للحديث المذكور ، وقوفا فيما خالف الأصل على مورده ، انتهى.

تنبيهات :

الأول : قالوا : إذا أوصى بلفظ مجمل لم يرد تفسيره في الشرع رجع في تفسيره الى الوارث ، كقوله أعطوه حظا من مالي أو قسطا أو نصيبا أو قليلا أو يسيرا أو جليلا أو جزيلا ومرجعه الى أن كلما يتمول صالح لأن يكون متعلق الوصية ، وهو في نحو القسط والنصيب والحظ والقليل واليسير واضح.

قال في كتاب المصباح المنير : القسط : النصيب ، وقال : النصيب : الحصة ، وقال : الحصة : القسم ، وهو ظاهر في أن مرجع هذه الألفاظ إلى معنى واحد ، وهو جزء معين من المال ، قل أو أكثر ، وأما في الجزيل والجليل وما في معناهما كالعظيم والنفيس ، فهو وان كان يقتضي عرفا زيادة على التمول ، إلا أنه مع

٤٧٩

ذلك يحتمل إرادة الأقل ، نظرا الى أن الجميع متصف بذلك في نظر الشارع ، ولا ينافيه مع ذلك وصفه بالقلة ونحوها ، لاختلاف الحيثية بقلته من حيث المقدار وجلالته من حيث الاعتبار.

وبالجملة فإن ظاهره الرجوع في ذلك الى الوارث على التفصيل المذكور ، قالوا : ولو تعذر الرجوع اليه لسفه أو صغر أو امتناع ، أعطي أقل ما يصدق عليه الاسم ، لأنه متيقن.

الثاني : إذا ادعى الموصى له أن الموصي أراد من بعض هذه الألفاظ المجملة قدرا مخصوصا كأن ادعى أنه أراد بقوله أعطوه مالا جليلا يعنى ألف درهم ، فأنكر الوارث ، فالقول قوله ، إلا أن يدعى الموصى له عليه العلم بذلك ، فعلى الوارث اليمين على نفي العلم ، لا نفي ارادة الموصى ، ذلك لأن إرادته لا تلزم الوارث ، إلا إذا علم بها ، وان كانت واقعة في نفس الأمر ، فإذا ادعاها الموصى له لا تلتفت الى دعواه ، إلا أن يدعي علم الوارث بها ، فيحلف له على نفي العلم ، لا على البت ، لأنه حلف على نفي فعل الغير ، وهذه قاعدة مستمرة.

الثالث : المشهور بين الأصحاب أن الوصية ، بالخمس أفضل من الوصية بالربع ، وبالربع أفضل منها بالثلث ، وقال ابن حمزة ان كانت الورثة أغنياء كانت الوصية بالثلث أولى ، وان كانوا فقراء فبالخمس ، وان كانوا متوسطين فبالربع ، قال العلامة في المختلف بعد نقله عنه : ولا بأس بهذا القول.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي عن شعيب العقرقوفي في الصحيح (١) «قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت ، ماله من ماله؟ فقال : له ثلث ماله وللمرأة أيضا». ورواه الصدوق عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبى بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت» الحديث.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ١١ ح ٣ ، التهذيب ج ٩ ص ١٩١ ح ٧٧٠.

(٢) الفقيه ج ٤ ص ١٣٦ ح ٤٧٣.

الوسائل ج ١٣ ص ٣٦٢ ح ٢.

٤٨٠