الحدائق الناضرة - ج ٢٢

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٢

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٦٧

الساباطي بكونه لورثة العم ، كان ينبغي تقييده ان قبلوا ذلك وإلا فلا ، وكذلك حكمه عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس بأن الوصية لوارث الذي أوصى له من غير استفصال بين قبوله وعدمه ، ولو كان الأمر كما يدعونه لكان الواجب أن يقول ان الوصية له ان قبل ، وإلا فلا.

وبالجملة فإنه لا يخفى على المتأمل في سياق الأخبار المذكورة سيما صحيحة العباس بن عامر أنه بموت الموصى إليه تنتقل الوصية إلى وارثه انتقالا صحيحا شرعيا موجبا للملك ، غاية الأمر أنه ان كان الموت في حياة الموصي فإن الملك يكون مراعى بعدم رجوع الموصي في الوصية ، كما دلت عليه صحيحة محمد بن قيس ، وان كان بعد موت الموصي فقد استقر الملك بحصول شروطه المتقدمة ، وأما أنه للموصى له التخيير بين القبول والرد كما زعموه ، فقد عرفت أيضا ما فيه ، من أنه لا دليل عليه إلا ما ذكروه من الوجوه الاعتبارية التي لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، وما المانع من أن يكون بعد استكمال شروطه من قبيل الميراث ، إذا اقتضته الأدلة ، كما صرحوا به في الوصية لغير معين ، من أنه ينتقل بمجرد الوصية وموت الموصى.

وبالجملة فإنك بالتأمل في الأخبار التي ذكرناها لا أظنك يعتريك الشك في صحة ما ذكرناه ، لكن مخالفة المشهور مما يثقل في قلوب الجمهور ، إذا عرفت ذلك فاعلم أنه يأتي على ما حررناه ، من أن الوصية قد انتقلت الى الموصى له ووارثه انما تلقاها منه ، وورثها عنه ، أن الجارية وولدها هذا قد انتقلا الى الزوج ، وبموجبه ينعتق الولد عليه ، لأنه لا يملك ولده.

قوله في المسالك فيما قدمنا من عبارته : «وحينئذ فإذا مات الموصى له قبل القبول وقلنا بانتقال حقه الى وارثه. الى آخره».

فيه أنك قد عرفت من الأخبار التي كررناها ، أن مقتضاها أن من أوصى بوصية إلى شخص فمات الموصى له قبل قبض الموصى به ، فإنه تنتقل الوصية عنه الى وارثه ، ويملك الوارث جميع ما ورثة الموصي له من غير تقييد بقبول ، لا في

٤٠١

جانب الموصى له ، ولا في جانب وارثه ، والوارث انما تلقى الملك عن مورثه ، لا من حيث قبوله خاصة ، ومقتضى ما ذكروه من أن الموصى له مات قبل القبول أنه لم يحصل له الملك ، والملك انما حصل لوارثه من حيث قبوله ، فيكون الوارث قد ملك شيئا لم يملكه مورثه ، وهذا خلف ظاهر ، فان الوارث بالاتفاق إنما تلقى الملك من مورثه ، فكيف يملك هنا شيئا لم يملكه مورثه ، حتى أنهم يفرعون عليه عدم انعتاقه الولد ، لعدم دخوله في ملك الأب.

ثم انه أي حق للموصى له لو مات قبل القبول ليرثه وارثه ، فإنه إذا كان القبول عندهم شرطا في صحة الملك أو جزء السبب ولم يحصل ، فإنه لا يحصل الملك ، وبموجبه تبطل الوصية ، فليس هنا شي‌ء يرثه الوارث بالكلية.

فإن قيل : انه بالوصية يملكه ملكا متزلزلا لا يستقر إلا بالقبول ، فلما مات الموصى له قبل القبول ورث الوارث ذلك الملك المتزلزل عنه ، وورث حق القبول الذي كان للموصى له ، فإذا قبل ذلك استقر الملك له.

قلنا : أما إرثه الملك المتزلزل فممكن ، وأما إرثه حق القبول ، فغير مسلم وقد تقدم ذلك في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، كما قلناه في سابق هذه المسئلة في الجواب عن ذلك الدليل العقلي المذكور ثمة.

وبالجملة فإن مقتضى الأخبار التي ذكرناها انما هو انتقال الوصية الى الموصى له أولا ، وأنه يملكها ، وان اقترن الملك بين موت الموصى له في حياة الموصي أو بعد موته كما تقدم ، ثم بعد موته ينتقل الى وارثه ، وحينئذ فيجب الحكم بانعتاق الولد في الصورة المفروضة ، وهذا من جملة ما يتفرع على الخلاف بين كلامهم ، وبين ما يظهر من الأخبار الجارية في هذا المضمار.

المسئلة السابعة : قد صرحوا بأن الوصية عقد جائز من طرف الموصي ما دام حيا ، سواء كانت الوصية بمال أو ولاية ، ويتحقق الرجوع بالتصريح ، وبفعل ما ينافي الوصية ، فلو باع ما أوصى به أو أوصى ببيعه أو وهبه وأقبضه ، أو رهنه كان ذلك رجوعا ، وكذا لو تصرف فيه تصرفا أخرجه عن مسماه.

٤٠٢

أما لو أوصى بخبز فدقه فتيتا لم يكن ذلك رجوعا.

أقول : ما ذكروه من أن الوصية عقد جائز من طرف الموصي ما دام حيا مما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، أما الثاني فلأنه لا خلاف كما نقله في المسالك وغيره في جواز رجوع الموصي في وصيته ما دام حيا ، ولو كانت لازمة لامتنع ذلك.

وأما الأول : فلأخبار كثيرة ، منها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن عبيد بن زرارة (١) قال : «قد سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول. للموصي أن يرجع في وصيته ان كان في صحة أو مرض».

وعن بريد بن معاوية (٢) في الموثق «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : لصاحب الوصية أن يرجع فيها ويحرث في وصيته ما دام حيا».

وعن عبد الله بن مسكان (٣) في الصحيح «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن المدبر من الثلث وأن للرجل أن ينقض وصيته ، فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت».

وعن محمد مسلم (٤) في الصحيح «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : المدبر من الثلث وقال : للرجل أن يرجع في ثلثه ان كان أوصى في صحة أو مرض».

وعن يونس (٥) عن بعض أصحابه قال : «قال علي بن الحسين عليه‌السلام للرجل أن يغير وصيته فيعتق من كان أمر بملكه ، ويملك من كان أمر بعتقه ، ويعطي من كان حرمه ، ويحرم من كان أعطاه ما لم يمت ويرجع فيه».

وما رواه في الفقيه عن محمد بن عيسى بن عبيد (٦) «قال كتبت الى

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٧ ص ١٢ ح ١ و ٢، الفقيه ج ٤ ص ١٤٧ ح ٥٠٩ و ٥٠٨ التهذيب ج ٩ ص ١٨٩ ح ٧٦٠ وص ١٩٠ ح ٧٦١ ، الوسائل ج ١٣ ص ٣٨٦ ح ٣ و ٤.

(٣) الكافي ج ٧ ص ١٢ ح ٣ ، التهذيب ج ٩ ص ١٩٠ ح ٧٣٢.

(٤) الكافي ج ٧ ص ٢٢ ح ٣.

(٥) الكافي ج ٧ ص ١٣ ح ٤.

(٦) الفقيه ج ٤ ص ١٧٣ ح ٦٠٧.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٣ ص ٣٨٥ ح ١ وص ٣٨٩ ح ١ وص ٣٨٥ ح ٢ وص ٣٨٧ ح ٦.

٤٠٣

علي بن محمد عليهما‌السلام رجل أوصى لك جعلني الله فداك بشي‌ء معلوم من ماله أوصى لأقربائه من قبل أبيه وأمه ، ثم انه غير الوصية فحرم من أعطاه وأعطى من حرمه أيجوز له ذلك؟ فكتب (صلوات الله عليه) هو بالخيار في جميع ذلك الى أن يأتيه الموت».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل كانت له عندي دنانير ، وكان مريضا فقال لي : ان حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا ، وأعط أخي بقية الدنانير ، فمات ولم أشهد موته ، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي : أنه أمرني أن أقول لك : انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها الى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين ، ولم يعلم أخوه أن له عندي شيئا ، فقال : أرى أن تصدق منها بعشرة دنانير كما قال».

الى غير ذلك من الأخبار ، وكتب بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين في حواشيه على هذا الخبر الأخير ما صورته : العمل بخبر العدل الواحد في مثل ذلك لا يخلو من اشكال إلا أن يحمل على حصول العلم بالقرائن المنضمة إلى اخباره ، ويمكن أن يقال : انما حكم عليه‌السلام بذلك في الواقعة المخصوصة لعلمه بها ، انتهى.

أقول : لا يخفى على من تتبع الأخبار حق التتبع ، أن المستفاد منها انما هو قبول قول العدل الواحد في غير موضع من الأحكام ، ومن ذلك هذا الخبر.

ومن ذلك أيضا ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٢) قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال : إنها امرأتي ، وليست لي بينة ، فقال : ان كان ثقة فلا يقربها ، وان كان غير ثقة لم يقبل منه» ،

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٦٤ ح ٢٧ ، التهذيب ج ٩ ص ٢٣٧ ح ٩٢٣ ، الفقيه ج ٤ ص ١٧٥ ح ٦١٤ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٨٢ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٦١ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٦ ح ٢.

٤٠٤

وظاهره كما ترى ، النهي عن نكاحها الذي هو حقيقة في التحريم ، وليس ذلك إلا من حيث افادة قول الثقة العلم ، كالشاهدين ، والتأويل بالحمل على الكراهة يحتاج الى المعارض ، وهو منتف ، والمعاضد له موجود ، ومن ذلك ما تقدم في كتاب الوكالة من

صحيح هشام بن سالم (١) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام في حديث قال فيه «ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا ، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة» ، والأصحاب قد صرحوا بأنه لا ينعزل الوكيل إلا مع العلم بالعزل ، والخبر ظاهر أن اخبار الثقة كالمشافهة للعزل في إفادة العلم بالعزل ، ومن ذلك حملة من الأخبار الدالة على جواز وطء الأمة المشتراة بغير استبراء إذا كان البائع عدلا قد أخبر بالاستبراء (٢) ، ويؤيده الأخبار الدالة على الاعتماد على أذان الثقة في دخول الوقت (٣) الى غير ذلك من المواضع التي تقف عليها المتتبع البصير ، ولا ينبئك مثل خبير.

ثم انهم ذكروا ان الرجوع في الوصية ونحوها من العقود الجائزة قد يكون بالفعل وبالقول ، اما صريحا أو استلزاما أو باعتبار إشعاره بإرادة الرجوع ، فهذه أقسام أربعة :

أحدها ـ القول الصريح ، كقوله رجعت في الوصية الفلانية ، أو نقضتها أو فسختها ، أو لا تعطوها ما أوصيت به ، أو يقول هو «يعنى الموصى به» لفلان ، أو لوارثي ، أو من جملة ميراثي.

وثانيها ـ بيع العين التي أوصى بها ، واللازم من البيع نقل العين إلى المشتري ، ويمتنع مع ذلك بقاء الوصية ، وكذا عتق المملوك ، وكتابته ، فان مقتضاهما قطع السلطنة عن المملوك التي من جملته الوصية به ، وكذا الهبة

__________________

(١) التهذيب ج ٦ ص ٢١٣ ح ٥٠٣. الوسائل.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٢ ح ٤. الوسائل.

وهما في الوسائل ج ١٣ ص ٢٨٦ ح ١ وص ٣٨ ح ٢

(٣) الوسائل ج ٤ ص ٦١٨ الباب ٣.

٤٠٥

المقرونة بالإقباض ، أما لا معه فهي من القسم الآتي.

وثالثها ـ فعل ما يدل على ارادة الرجوع وان لم يكن صريحا ، ويتحقق بفعل مقدمات الأمور التي لو تحققت لناقضت الوصية ، ومنه الهبة قبل القبض كما عرفت ، والعرض على البيع مريدا له ، فإنه قرينة دالة على ارادة الرجوع عن الوصية ، ولو دلت القرائن في شي‌ء من هذه المواضع على عدم ارادة الرجوع بذلك ، بل كان الغرض أمرا آخر ، عول على تلك القرائن ، لضعف هذا القسم ، حيث ان مناطه القرينة ، ويشكل الحال لو اشتبه الفرض من الطرفين.

ورابعها ـ الفعل المبطل للاسم الذي هو متعلق الوصية ، كما لو أوصى له بحنطة معينة فطحنها ، أو بدقيق فعجنه ، أو بعجين فخبزه أو بقطن فغزله ، أو بغزل فنسجه ، أو بدار فهدمها بحيث خرجت به عن اسمها ، أو بزيت فخلطه بغير جنسه ، بحيث لم يتميز ، ووجه البطلان في جميع ذلك ان متعلق الوصية في جميع ذلك هو المسمى الخاص ، وقد زال ، مضافا الى إشعار هذه الأفعال بالرجوع ، إلا أن تدل هناك قرينة على خلاف ذلك ، كأن يفعل لمصلحة العين ، وقصد بقاءها وحفظها ، كدفع الدود عن الحنطة ، وخبز العجين خوفا من فساده وضياعه ، وخلطه كذلك ، ونحو ذلك ، فان مرجع هذه الأمور إلى القرائن المقرنة بها نفيا وإثباتا ، ولو وقع الفعل من غير الموصى بغير اذنه ، لم يقدح في صحة الوصية ، لانتفاء المقتضي.

قالوا : ولو خلط الزيت بمماثله جنسا فان كان الغير أجود فظاهرهم القطع بكونه رجوعا ، لاشتمال حصته على زيادة ، ولم يحصل منه الرضا ببدلهما مع عدم إمكان فصلها ، وان خلطه بمساوئ أو أردى فالمفهوم من كلام بعضهم أنه لا يكون رجوعا ، لبقاء المال وعدم اشتماله على وصف مانع.

قال في المسالك : وهو ظاهر مع المساواة ، ومع الأردى يكون القدر الناقص من الوصف بمنزلة إتلاف الموصي له ، فيبقى الباقي على الأصل انتهى ، وأطلق جماعة من الأصحاب كون الخلط موجبا للرجوع ، قال في المسالك : وهو حسن مع

٤٠٦

انضمام قرينة تدل عليه.

هذا كله فيما لو كان الموصى به معينا كهذه الحنطة وهذا الزيت ، ونحو ذلك ، أما لو كان مطلقا كأن يوصى له بأصواع من حنطة أو زيت أو نحو ذلك ، ثم يطحن ما عنده في بيته أو يمزج أو نحو ذلك فان ذلك لا يكون رجوعا ، لعدم اختصاص الموصى به بذلك ، بل لو لم يوجد ذلك عنده لوجب شراؤه ، فلا يضر التغير فيما عنده ، وأما أنه لو أوصى بخبز فدقه فنيتا لم يكن ذلك رجوعا ، فعلل بأن هذا الفعل لا يدل على الرجوع ، إلا بالقرينة ، مضافا الى أصالة بقائها على حالها ، وعلل أيضا ببقاء اسم الخبز.

قال في المسالك : وفيه نظر ، ولم يبين وجهه ، نعم لو استفيد من القرائن إرادة الرجوع به عمل بها ، ونقل عن القواعد أنه استشكل الحكم في ذلك وألحق بذلك جعل القطن محشوا في فراش وتجفيف الرطب تمرا وتقديد اللحم.

قيل ووجه الاشكال ما تقدم ، ومن دعوى أن ظاهر هذه الأفعال يؤذن بالاستيثار بها ، فالظاهر أن الأقرب في ذلك ما تقدم نقله عن المسالك من أن هذه الأمور غير مفيدة للرجوع إلا مع القرينة ، كل ذلك مع التعيين كما تقدم ، وأما مع الإطلاق فلا ، بل يجب تحصيل غيره ، ولو من غير التركة ، هذا ملخص كلامهم في المقام ، والله العالم.

المقصد الثاني في الموصى :

والكلام يقع فيه في مقامات ثلاثة الأول : اشترط جملة من الأصحاب في الموصى الكمال بالبلوغ والعقل ورفع الحجر ، ومقتضاه عدم صحة وصية غير البالغ ، وان كان مميزا مع أن كثيرا من الأخبار دل على صحة المميز وان لم يبلغ ، وهو أحد الأقوال في المسئلة أيضا ، وأما العقل فيخرج به المجنون والسكران ، والغير الرشيد كالسفيه ، مع أن لهم في السفيه اختلافا ، فنقل في

٤٠٧

الدروس عن المفيد وسلار والحلبي عدم نفوذ وصيته إلا في البر والمعروف ، وعن ظاهر ابن حمزة عدم نفوذها مطلقا ، وعن الفاضل أنه أنفذها مطلقا تارة ، ومنعها مطلقا أخرى ، قال : وفي حكمه من جرح نفسه للموت ، وأما رفع الحجر فيخرج به العبد ، لأنه وان قيل بملكه فهو محجور عليه ، كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع (١) قال في الدروس : ولو أعتق ففي نفوذها قولان للفاضل ، قال : وأولى بالنفوذ إذا علق الوصية على حريته ، هذا وأما ما وقع الخلاف فيه مما تقدمت الإشارة إليه فتفصيل الكلام في ذلك أنه قد سوغ الشيخ في النهاية ، وصية الصبي في المعروف إذا كان له عشر سنين إذا كان وضع الشي‌ء مواضعه ، ومردودة في غير البر ، ومتى كان سنه أقل من ذلك لم تجز وصيته ، قال : وقد روي أنه إذا كان ابن ثمان سنين جازت وصيته في الشي‌ء اليسير في أبواب البر ، والأول أحوط وأظهر ، وكذا يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين ، وهبته وعتقه إذا كان بالمعروف في وجه البر ، واما ما يكون خارجا عن ذلك فليس بممضى على حال ، وبذلك قال ابن البراج.

وقال الشيخ المفيد : إذا بلغ الصبي عشر سنين جازت وصيته في المعروف في وجوه البر ، وكذلك المحجور عليه لسفه إذا أوصى في بر أو معروف جاز وصيته ، ولم يكن لوليه الحجر عليه في ذلك ، ولا تجوز وصية الصبي والمحجور عليه فيما يخرج من وجوه البر والمعروف ، وهبتهما باطلة ، ووقفهما وصدقتهما كوصيتهما جائزة إذا وقعا موقع المعروف.

وقال سلار : السفيه لا تمضى وصيته إلا في وجوه البر والمعروف خاصة ، والصبي ان بلغ عشر سنين جازت وصيته أيضا في البر والمعروف خاصة ، ولا تمضي هبته ولا وقفه ، وكذلك السفيه.

وقال أبو الصلاح : لا تمضي وصية من لم يبلغ عشر سنين ، والمحجور عليه

__________________

(١) ج ١٩ ص ٣٩٧.

٤٠٨

إلا ما تعلق بأبواب البر.

وقال ابن الجنيد : إذا أوصى الصبي وله ثمان سنين والجارية ولها سبع. سنين بما يوصى به البالغ الرشيد جاز.

وقال ابن حمزة : انما تصح وصية الحر البالغ كامل العقل أو في حكمه ، ونفاذ تصرفه في ماله ، وحكم كمال العقل يكون للمراهق الذي لم يضع الأشياء في غير مواضعها ، فان وصيته وصدقته وعتقه وهبته بالمعروف ماضية دون غيرها.

وقال محمد بن إدريس : الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن وصية غير المكلف البالغ غير صحيحة ، سواء كانت في وجوه البر أو غير وجوه البر ، وكذلك صدقته وعتقه وهبته ، لان وجود كلام الصبي غير البالغ كعدمه ، ولأنه بلا خلاف محجور عليه ، غير ماض فعله في التصرف في أمواله بغير خلاف بين الأمة ، ولقوله تعالى (١) «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» فأمرنا بالدفع للأموال إليهم بعد البلوغ ، وهو في الرجال الاحتلام أو الإنبات ، أو خمس عشر سنة ، وفي النساء الاحتلام أيضا أو الإنبات أو بلوغ تسع سنين ، أو الحمل أو الحيض مع إيناس الرشد وحده ، أن يكون مصلحا لماله ، مصلحا لدينه ومن أجاز شيخنا وصيته وعتقه وهبته ليس كذلك ، لقوله عليه‌السلام (٢) «رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم» ، ورفع القلم عنه يدل على أنه لا حكم لكلامه ، وانما هذه أخبار آحاد أوردها في النهاية إيرادا.

أقول : والواجب أولا كما هي قاعدتنا في الكتاب نقل جملة الروايات الواردة في هذا الباب والكلام في ذلك بتوفيق الملك الوهاب ، فمن الأخبار ما رواه الصدوق في الصحيح عن أبى عمير عن أبان عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته». ورواه الكليني أيضا بسند غير نقي.

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل ج ١ ص ٣٢ الباب ٤ ح ١٠.

(٣) الفقيه ج ٤ ص ١٤٥ ح ٥٠١ ، الكافي ج ٧ ص ٢٨ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٢٩ ح ٣.

٤٠٩

وما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو جائز».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن منصور بن حازم (٢) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته».

وعن عبد الرحمن بن أبى عبد الله في الموثق (٣) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته».

وعن أبي بصير وأبى أيوب (٤) في الموثق «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الغلام ابن عشر سنين يوصي؟ قال : إذا أصاب موضع الوصية جازت».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) في الصحيح عن محمد بن مسلم (٥) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان الغلام إذا حضره الموت فأوصى ولم يدرك جازت وصيته ، لأولي الأرحام ، ولم تجز للغرماء».

وعن أبى بصير (٦) في الصحيح والظاهر أنه المرادي «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : إذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته ، فإذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حق جازت وصيته».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن محمد بن مسلم (٧) عن

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٢٨ ج ١ ، التهذيب ج ٩ ص ١٨١ ح ٧٢٩ ، الفقيه ج ٤ ص ١٤٥ ح ٥٠٢.

(٢) التهذيب ج ٩ ص ١٨٢ ح ٧٣٠ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٢٩ ح ٣ و ٤ وص ٤٣٠ ج ٧.

(٣) التهذيب ج ٩ ص ١٨١ ح ٧٢٦.

(٤ و ٥) التهذيب ج ٩ ص ١٨١ ح ٧٢٧ و ٧٢٨. الكافي ج ٧ ص ٢٨ ج ٢.

(٦) التهذيب ج ٩ ص ١٨٢ ح ٧٣٢ ، الفقيه ج ٤ ص ١٤٥ ح ٥٠٣.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٣ ص ٤٢٩ ح ٥ و ٦ وص ٤٢٨ ح ١ و ٢.

(٧) التهذيب ج ٩ ص ١٨٢ ح ٧٣٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٢٥ ح ٥.

٤١٠

أحدهما عليهما‌السلام قال : يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل ، ووصيته وصدقته وان لم يحتلم».

هذا ما حضرني من أخبار المسئلة وهي ظاهرة الدلالة فيما ذكره المشايخ المتقدم ذكرهم ، وهو ظاهر الصدوق (قدس‌سره) أيضا حيث نقله جملة منها في كتابه من غير تعرض لردها ، ولا الطعن فيها بوجه ، وبه يظهر ضعف ما ذكره ابن إدريس وما تعلق به من الأدلة الدالة على الحجر على الصبي حتى يبلغ ، يمكن تخصيصها بهذه الأخبار ، فإنها مع تعددها وصحة أكثرها ورواية المشايخ الثلاثة لها وقول الطائفة بها لا يمكن التجاسر على ردها وإطراحها بالكلية ، كما هو مقتضى كلامه ، ولكنه صحيح على أصله الغير الأصيل ، وقاعدته المخالفة لما عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل.

وظاهر العلامة في المختلف الميل الى مذهب ابن إدريس هنا ، وان لم يصرح باختياره ، حيث قال بعد نقل ما قدمنا من الأقوال ، ونقل جملة من روايات المسئلة ما لفظه : وهذه الروايات وان كانت متظافرة ، والأقوال مشهورة ، لكن الأحوط عدم إنفاذ وصيته مطلقا حتى يبلغ ، لعدم مناط التصرف في المال عنه ، انتهى.

والى ذلك يميل أيضا كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، بل ربما ظهر منه اختياره حيث قال : وابن إدريس سد الباب واشترط في جواز الوصية البلوغ كغيرها ونسبه الشهيد في الدروس الى التفرد بذلك ، ولا ريب أن قوله هو الأشبه لأن هذه الروايات التي دلت على الحكم وان كان بعضها صحيحا إلا انها مختلفة ، بحيث لا يمكن الجمع بينها ، وإثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل ، انتهى.

أقول : لا يخفى على المتأمل في هذه الأخبار وهي أخبار المسئلة كملا أنه متى ضم بعضها الى بعض مطلقها الى مقيدها ، ومجملها الى مفصلها ، وعامها الى خاصها ، فإنه ينتج منها جواز وصية ابن عشر سنين ، إذا كان ذا تمييز : وكانت وصيته موافقة لوصية العقلاء من وضع الأشياء مواضعها ، وهو المشار إليه بالوصية بالمعروف

٤١١

يعنى بين العقلاء ، وهذا أمر متفق عليه منها ، باعتبار ما قلناه من ضم بعضها الى بعض ، واختلافها في ما عدا ذلك لا يوجب ردها فيما اتفقت فيه.

وبذلك يظهر ما في قوله أنها مختلفة لا يمكن الجمع بينها ، فإنه على إطلاقه ممنوع ، وممن قال بالقول المشهور وجزم به المحقق وشيخنا الشهيد.

وأما ما ذكره في المختلف من أن الأحوط عدم إنفاذ وصيته مطلقا ، فإنه قد اعترضه شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد بأن الاحتياط للوارث مع عدم الحجر عليه إنفاذها ، اللهم إلا إن يريد بذلك أن الأحوط للموصى له أن لا يقبل وصية الصبي وفيه بعد ، مع إمكان كون الوصية في جهة عامة أو لطفل مولى عليه ، فلا يتصور الاحتياط هنا ، وان أراد به معنى آخر فلا بد من افادته ، واقامة الدليل عليه.

وبالجملة فالإقدام على رد ما تظاهرت به الفتوى واشتهرت به الرواية من طريق أهل البيت عليهم‌السلام مشكل ، انتهى وهو جيد نفيس.

وأما ما تقدم نقله عن الدروس من الخلاف في السفيه بما ذكره ، فلم أقف له في الأخبار على أثر.

وأما ما تقدم نقله عن ابن الجنيد ، فالظاهر أن مستنده فيه رواية الحسن بن راشد (١) عن العسكري عليه‌السلام قال : إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تم للجارية سبع سنين فكذلك ، وظاهرها هو حصول البلوغ لكل من الصبي والصبية ببلوغ الثمان والسبع ، وهو مخالف لإجماع المسلمين وأخبارهم ، وابن الجنيد هنا اقتصر على الوصية. ولا وجه لتخصيصها بالذكر ، فإنه ان عمل بالرواية وجب عليه القول بجميع ما اشتملت عليه ، وان خالف إجماع المسلمين واخبارهم ، وإلا فالواجب طرحها وإرجاعها إلى قائلها ، والله العالم.

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ١٨٣ ح ٧٣٦ ، الوسائل ج ١٣ ص ٣٢١ ح ٤.

٤١٢

المقام الثاني : قد صرحوا بأنه لو جرح الوصي نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى ، فإنه لا تقبل وصيته ، ولو أوصى قبل ذلك قبلت ، وتدل على ذلك صحيحة أبي ولاد (١) المروية بطرق المشايخ الثلاثة (قدس الله أرواحهم) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها ، قيل له : أرأيت ان كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه متعمدا من ساعته تنفذ وصيته؟ قال : فقال : ان كان أوصى ان يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت ، أجيزت وصيته في الثلث وان كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت لم تجز وصيته». وهي مع صحة سندها صريحة في المراد ، وما ذكرناه من بطلان الوصية إذا وقعت بعد الفعل المذكور ، هو المشهور بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) وبه صرح الشيخان وأبو الصلاح وابن البراج ، ونقله ابن الجنيد رواية عن الصادق عليه‌السلام وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصولنا وتشهد بصحته أدلتنا أن وصيته ماضية صحيحة إذا كان عقله ثابتا عليه.

واحتج في المختلف على القول المشهور زيادة على الصحيحة المذكورة ، قال لنا : أنه سفيه فلا ينفذ تصرفه ، ولأنه في حكم الأموات ، فلا يتصرف في مال غيره ، ولأنه قاتل نفسه ، فلا يتصرف في ماله ، كالوارث لو قتله منع منه.

واعترضه في المسالك : فقال : والكل ضعيف ، أما السفه فلأن الفرض انتفائه وثبوت رشده ، وان اشترطنا انتفائه في غيره ، ومن الجائز أن يفعل بنفسه ذلك لعارض ثم يرجع اليه رشده لو فرض زوال حالته ، وأما عدم استقرار حياته فيكون في حكم الميت فليس بشرط ، والأصل يقتضي نفوذ تصرف الحي العاقل الجامع لباقي الشرائط مطلقا ، والنصوص الدالة على نفوذ المريض مطلقا متناولة له ،

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ٢٠٧ ح ٨٢٠ وفيه «قلت له» ، الفقيه ج ٤ ص ١٥٠ ح ٥٢٢ وليس فيهما «لعله يموت» ، الكافي ج ٧ ص ٤٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٤١ الباب ٥٢.

٤١٣

والقياس على عدم حل المذبوح حينئذ لأنه بمنزلة الميت فاسد ، ان سلم الأصل وسيأتي ان شاء الله تعالى ما فيه في بابه ، ومن ثم وجبت الدية على قاتله في هذه الحالة ، وحكم اللحم حكم آخر ، وأما حديث منع القاتل عن الميراث وجعل الوصية كالميراث فواضح الفساد ، فلم يبق إلا العمل بالنص الصحيح ان اقتضاه أصل المعنى ، أو رده بأحد الوجوه المقتضية له ، ككونه آحادا أو مخالفا للأصول كما اختاره ابن إدريس (رحمه‌الله عليه) محتجا على الصحة بأنه حي عاقل مكلف ، وبالنهي عن تبديل الوصية بعد سماعها بالقرآن الذي هو حجة المتناول بعمومه لمحل النزاع ، أو بمنع تخصيص القرآن بخبر الواحد. ولكلام ابن إدريس وجه وجيه ، وان كان الوقوف مع المشهور والعمل بالنص الصحيح أقوى ، انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : ما ذكره في رد الوجوه العقلية التي استدل بها العلامة جيد ، وانما الكلام في قوله نقل حجة ابن إدريس : ولكلام ابن إدريس وجه وجيه ، وبنحو ذلك أيضا صرح في المختلف بعد نقل حجة ابن إدريس المذكورة ، فقال : وقول ابن إدريس (رحمه‌الله عليه) لا بأس به.

وأنت خبير بأن مرجع ترجيحها لمذهب ابن إدريس في هذه المسئلة وفي سابقتها الى أن مذهب ابن إدريس هو الأوفق بالأصول والآيات القرآنية ، ولهذا ان شيخنا المذكور في الروضة في المسئلة السابقة قال : ان قول المشهور مستند الى روايات متضافرة ، بعضها صحيح ، إلا أنها مخالفة لأصول المذهب والاحتياط ، وفيه أنه لا يخفى على المتتبع للأحكام أن ما ذكروه هنا لا خصوصية له بهذا المقام ، ونظائره في الأحكام أكثر من أن يأتي عليه قلم الإحصاء ، أو يدخله العد والاستقصاء ، وها أنا أذكر لك ما خطر بالبال العليل مما هو من هذا القبيل ، فمن ذلك مسئلة الحبوة فقد دلت الآيات والروايات على أن ما خلفه الميت يكون ميراثا لجميع الورثة ، مع أنهم قد عملوا بأخبار الحبوة ، وخصصوا بها تلك الأدلة من الآيات والروايات ، ومن ذلك ميراث الزوجة فإنهم قد اتفقوا على حرمانها من

٤١٤

بعض التركة ، وان اختلفوا في ذلك زيادة ونقصانا ، مع دلالة الآيات والروايات على ميراثها من جميع ما يخلفه الميت ، مع أنهم قد خصصوا تلك الأدلة بهذه الروايات ، ومن ذلك من عقد على امرأة ، ومات في مرضه قبل الدخول بها ، فان مقتضى الأصول من الآيات والروايات أنها ترثه ، لأنها زوجة بلا خلاف ، مع أن صحيح زرارة (١) قد دل على المنع من ذلك ، فقالوا بمضمونه وخصصوا به تلك الأدلة ، وهي رواية واحدة ، وان كانت صحيحة كما هو في الموضع الثاني من هذين الموضعين.

ومن ذلك ما إذا طلق الرجل امرأة في مرضه الذي مات فيه ، فإنها ترثه إلى سنة ، وان خرجت من العدة أو كان الطلاق بائنا ما لم يبرأ من مرضه ، أو تتزوج فإن مقتضى الأصول كتابا وسنة ، أنها بعد الخروج من العدة أو كون الطلاق بائنا تكون أجنبية لا سبب ولا نسب بينها وبينه ، فكيف ترثه مع ان الرواية (٢) قد دلت على الإرث كما عرفت ، وقالوا بمضمونها مع أنها أشد شي‌ء في الخروج عن قواعد المذهب.

ومن ذلك أخبار التخيير في المواضع الأربعة ، فإن مقتضى الأصول من الآيات والروايات وجوب التقصير على المسافر كائنا ما كان ، مع أنهم قد خصصوا بهذه الأخبار ، ولهذا صارت أخبار هذه المسئلة مثل أخبار الحبوة من خواص مذهب الشيعة الى غير ذلك من المواضع ، وهؤلاء الأفاضل من جملة من قال بما ذكرناه في هذه المسائل ، ولم ينكر ذلك كما أنكره هنا ، والجميع كما عرفت من باب واحد.

وبذلك يظهر لك ضعف ما ذهب اليه ابن إدريس ومن تبعه ، وموضع الخلاف فيما إذا تعمد ذلك كما هو صريح الصحيحة المتقدمة ، وكذا كلام الأصحاب ،

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٢٣ ح ١٢.

(٢) الكافي ج ٧ ص ١٣٤ ح ٥.

وهما في الوسائل ج ١٧ ص ٥٣٧ ح ٣ وص ٥٣٣ ح ٢.

٤١٥

فلو وقع ذلك عن خطأ أو سهو لم تمتنع وصيته إجماعا ، كما نقله في الروضة.

المقام الثالث : المشهور بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) أنه لا تصح الوصية بالولاية على الأطفال إلا من الأب أو الجد للأب خاصة ، وقال ابن الجنيد : الأب الرشيد أولى بأمر ولده الأطفال من كل أحد ، وكذا الأم الرشيدة بعده ، وهو ظاهر في أن لها الولاية كالأب إذا كانت رشيدة ، ورده الأصحاب بالضعف والشذوذ.

قال في المسالك : لما كانت الولاية على الغير من الأحكام المخالفة للأصل ، إذ الأصل عدم جواز تصرف الإنسان في مال غيره بغير اذنه أو ما في معناه ، وجب الاقتصار في نصب الولي على الأطفال على محل النص أو الوفاق ، وهو نصب الأب أو الجد له ، فلا يجوز للحاكم وان كان وليا عليهم ، ان ينصب بعده عليهم وليا ، لأن ولايته مقصورة عليه حيا ، فإذا مات ارتفع حكمه ، وان جاز له أن يوكل حيا عليهم ، لأن له الولاية حينئذ ، ويشمل إطلاق المنع من تولية غيرهما الوصي من أحدهما ، فليس له أن يوصى عليهم بالولاية مع عدم نصهما على ذلك على أصح القولين ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ، أما مع النص فتولية الوصي في معنى تولية أحدهما ، لصدوره عن اذنه كما جازت ولاية الوصي ابتداء عنهما.

ثم أنه بعد ذلك أشار الى خلاف ابن الجنيد الذي قدمنا ذكره ، حيث ان المصنف أفرده بالذكر ، فقال : ولا ولاية للأم ، ولا يصح منها الوصية عليهم ، فقال الشارح : وانما خص الأم بالذكر بعد دخولها في السابق لإثبات ابن الجنيد (رحمة الله عليه) الولاية لها مع رشدها بعد الأب ، وهو شاذ.

أقول : ومما فرعوا على الكلام المتقدم وهو أن الولاية على الصغار مخصوصة بالأب والجد له وان علا ، دون غيرهما ما لو أوصت الأم أو أحد الأقارب لطفل بمال ونصب قيما يصرف المال على الطفل المذكور في مصالحه وما يحتاج إليه ، فإن للأب أو الجد انتزاعه عن ذلك القيم ، بمعنى أن الوصية بالمال صحيحة ، ولكن نصب القيم باطل ، لأن ولاية الأب والجد شرعية ، فلا يعارضها وصية ذلك الوصي.

٤١٦

قال في الدروس : ولا ولاية للأم على الأطفال ، فلو نصبت عليهم وليا لغى ، ولو أوصت لهم بمال ، ونصبت عليه قيما لهم صح في المال خاصة ، ثم نقل قول ابن الجنيد ، وسيأتي ان شاء الله تعالى ما يزيد المقام تحقيقا.

المقصد الثالث في الموصى به :

وفيه مسائل الأولى : الموصى به قد يكون جنسا ، وقد يكون منفعة موجودا بالفعل ، كالولد والثمرة الموجودة في الحال ، أو مظنون الوجود كالحمل ، أو مشكوك فيه كالآبق ، والطير في الهواء والسمك في الماء ، أو موجودا بالقوة كما تحمله الأمة أو الدابة أو الشجرة ، أو موجودا على التدريج كسكنى الدار ، فإن الوصية بجميع ذلك نافذة عند الأصحاب ، كما صرح به في الدروس.

وكيف كان فإنه يعتبر فيهما الملك بالنظر الى الموصي والموصي له ، فلا تصح الوصية بالخمر أو الخنزير ، ولا كلب الهراش ولا الحر ، ولا الحشرات ولا الفضلات ، لعدم المملوكية في الجميع بالنسبة إلى المسلم ، وان جاز إقرار الكافر على وصيته بالخمر والخنزير لمثله ، وكذا لا تصح الوصية بما لا ينتفع به كحبة من حنطة ونحوها.

قيل : واحترز بكلب الهراش عن الكلاب الأربعة والجرو القابل للتعليم ، فتصح الوصية بها ، لكونها مملوكة ، لها قيمة ومنفعة كما ذكره جملة من الأصحاب كالشهيدين وغيرهما.

أقول : قد تقدم في كتاب التجارة تحقيق الكلام في هذا المقام (١) ، وقد أوضحنا أنه لا يجوز البيع ولا التملك بشي‌ء من أفراد الكلاب إلا كلب الصيد خاصة ، كما هو أحد الأقوال في المسئلة ، وأما ما عداه فلا دليل عليه من الأخبار ، إلا أنهم ألحقوا به هذه الكلاب الباقية لعلة المشاركة في الانتفاع ، وفيه ما لا يخفى.

__________________

(١) ج ١٨ ص ٧٩.

٤١٧

واما السباع فالظاهر جواز الوصية بها ، لحصول الانتفاع بجلودها وريشها ، والمراد بما لا ينتفع به يعنى نفعا معتدا به في نظر العقلاء بحيث يكون متمولا فلا تصح الوصية بحبة من حنطة ونحوها ، كما لا يصح بيعه ولا المعاوضة به ، وفي ذكر قيد الانتفاع بعد الملك الراجع الى تقييد الملك بذلك إشارة الى ما هو الظاهر من كون نحو الحبة من الحنطة مملوكا حتى لا يجوز غصبها من المالك ، وان لم تجز المعاوضة عليها ، لعدم التمول.

الثانية : المشهور أنه يتقدر الموصى به بقدر ثلث التركة فما دون ، فلو أوصى بما زاد بطل في الزائد إلا مع اجازة الوارث.

ونقل العلامة في المختلف ومن تأخر عنه عن الشيخ علي بن بابويه نفوذ الوصية من الأصل مطلقا ، قال في المختلف : وقال علي بن بابويه (رحمة الله عليه) : فان أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصية ، فإن أوصى بماله كله فهو أعلم وما فعله ، ويلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى ، انتهى.

أقول : أما ما ذكروه (رضي‌الله‌عنهم) من التقدير بالثلث ، فهو مدلول جملة من الأخبار.

ومنها ما رواه في التهذيب عن علي بن عقبة (١) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام «قال : سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه؟ قال : ما يعتق منه إلا ثلثه ، وسائر ذلك ، الورثة أحق بذلك ، ولهم ما بقي».

وعن محمد بن مسلم (٢) «عن أبى جعفر عليه‌السلام في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مملوكه في مرضه فقال : ان كان أكثر من الثلث رد الى الثلث وجاز العتق».

__________________

(١) التهذيب ج ٩ ص ١٩٤ ح ٧٨١.

(٢) التهذيب ج ٩ ص ٢١٩ ح ٨٥٩.

وهما في الوسائل ج ١٣ ص ٣٦٥ ح ٤ وص ٤٥٩ ح ٤

٤١٨

وعن السكوني (١) «عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : ان رجلا أعتق عبدا له عند موته لم يكن له مال غيره ، قال : سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يقول : يستسعى في ثلثي قيمته للورثة».

وعن الحسين بن محمد الرازي (٢) قال : «كتبت الى أبى الحسن عليه‌السلام الرجل يموت فيوصي بماله كله في أبواب البر ، وبأكثر من الثلث هل يجوز ذلك له؟ وكيف يصنع الوصي؟ فكتب عليه‌السلام تجاز وصيته ما لم يتعد الثلث».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن أبى بصير (٣) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : ان أعتق رجل عند موته خادما له ثم أوصى بوصية أخرى ألغيت الوصية ، وأعتق الخادم من ثلثه ، إلا أن يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن حمران (٤) «عن أبى جعفر عليه‌السلام في رجل أوصى عند موته وقال أعتق فلانا وفلانا وفلانا حتى ذكر خمسة ، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة التي أمر بعتقهم ، قال : ينظر الى الذين سماهم ويبدأ بعتقهم فيقومون وينظر الى ثلثه فيعتق منه أول شي‌ء ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس وان عجز الثلث كان ذلك في الذي سمي أخيرا لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك». وفي هذا الخبر كما ترى تصريح بأنه لا يملك في الوصية زيادة عن الثلث فمن أجل ذلك تبطل الوصية في الزائد.

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف (٥) قال : «كان لمحمد بن الحسن بن أبى خالد غلام لم يكن به بأس

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٩ ح ٨٢٨.

(٢) التهذيب ج ٩ ص ١٩٥ ح ٧٨٤.

(٣) التهذيب ج ٩ ص ١٩٧ ح ٧٨٦ ، الكافي ج ٧ ص ١٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ج ٩ ص ١٩٧ ح ٧٨٨ ، الكافي ج ٧ ص ١٩ ح ١٥ ، الفقيه ج ٤ ص ١٥٧ ح ٥٤٥.

(٥) التهذيب ج ٩ ص ١٩٨ ح ٧٩٠.

وهذه الروايات في الوسائل ج ١٦ ص ٧٦ ح ٥ وج ١٣ ص ٣٦٥ ح ٥ وص ٤٥٨ ح ٣ وص ٤٥٧ ح ١ وص ٣٦٦ ح ٧.

٤١٩

عارف يقال له ميمون ، فحضره الموت فأوصى الى أبى الفضل العباس بن معروف بجميع ميراثه وتركته أن أجعله دراهم وأبعث بها الى أبى جعفر الثاني عليه‌السلام وترك أهلا حاملا واخوة قد دخلوا في الإسلام ، وأما مجوسية ، قال : ففعلت ما أوصى به وجمعت الدراهم ، ودفعتها الى محمد بن الحسن ، وعزم رأيي أن أكتب اليه بتفسير ما أوصى به الى ، وما ترك الميت من الورثة ، فأشار الى محمد بن بشير وغيره من أصحابنا أن لا أكتب بالتفسير ولا أحتاج اليه ، فإنه يعرف ذلك من غير تفسيري ، فأبيت إلا أن أكتب اليه بذلك على حقه وصدقه ، فكتبت وحصلت الدراهم وأوصلتها إليه عليه‌السلام فأمره أن يعزل منها الثلث ، يدفعها اليه ، ويرد الباقي على وصية يردها على ورثته».

وما رواه في التهذيب عن العباس بن معروف (١) قال : «مات غلام محمد بن الحسن وترك أختا وأوصى بجميع ماله له عليه‌السلام قال : فبعنا متاعه فبلغ ألف درهم وحمل الى أبى جعفر عليه‌السلام» قال : وكتبت اليه وأعلمته أنه أوصى بجميع ماله له ، قال : فأخذ ثلث ما بعثت به اليه ، ورد الباقي وأمرني أن أدفعه الى وارثه».

وعن العباس عن بعض أصحابنا (٢) قال : «كتبت اليه : جعلت فداك أن امرأة أوصت الى امرأة ودفعت إليها خمسمائة درهم ، ولها زوج وولد فأوصتها أن تدفع سهما منها الى بعض بناتها ، وتصرف الباقي الى الامام فكتب عليه‌السلام : تصرف الثلث من ذلك الي ، والباقي يقسم على سهام الله عزوجل بين الورثة» ، الى غير ذلك من الأخبار.

وأما أنه مع اجازة الورثة تجوز الوصية بالزيادة على الثلث ، فتدل عليه أيضا جملة من الأخبار منها ما رواه الشيخ عن ابن رباط عن منصور بن حازم (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى بوصية أكثر من الثلث وورثته

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٩ ص ٢٤٢ ح ٩٣٧ و ٩٣٨.

(٣) التهذيب ج ٩ ص ١٩٣ ح ٧٧٦.

وهما الروايات في الوسائل ج ١٣ ص ٣٦٦ ح ٨ و ٩ وص ٣٧٢ ح ٢

٤٢٠