معيار الاختيار في ذكر المعاهد والدّيار

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

معيار الاختيار في ذكر المعاهد والدّيار

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور محمّد كمال شبانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
ISBN: 977-341-066-8
الصفحات: ١٩٨

موصوف ، برفيع ثياب الصوف ، وبه تربة الشيخ أبى محمد صالح (٩٩). وهو خاتمة المراحل ، لمسورات ذلك الساحل. لكن ماءه قليل ، وعزيزه  ـ  لعادية من يواليه من الاعراب  ـ  ذليل (١٠٠).

١١  ـ  «مراكش» (١٠١)

قلت : فمدينة مراكش؟

قال : فتنفس الصعداء ، وأسمع البعداء ، وقال : درج الحلى ، وبرج النير الجلى ، وتربة الولى ، وحضرة الملك الاولى ، وصرح الناصر الولى. ذات المقاصير (١٠٢) والقصور ، وغابة الاسد الهصور ،

__________________

(٩٩) هو أحد رواد الطرق الصوفية ، عاش فى أوائل القرن السابع الهجرى ، كان يرأس  ـ  بهذه البلاد  ـ  جمعية لتيسير الحج ، لحراسة القوافل الذاهبة الى الاراضى المقدسة.

(١٠٠) كناية عن كثرة السطو على الموسرين بالمدينة من قبل الاعراب المجاورين لها.

(١٠١) هى بالاسبانية «Marraquex» تبعد عن الرباط بمسافة ٣٢٦ كم ، عاصمة الجنوب بالمغرب ، أسسها يوسف بن تاشفين أعظم ملوك المرابطين عام ٤٥٤ ه‍  ـ  ١٠٦٢ م ، كما بنى بها مسجده المعروف باسم «جامع يوسف».

استمرت عاصمة للموحدين كما كانت عاصمة للمرابطين ، ولكن بنى مرين تحولوا عنها الى فاس ، ففقدت مراكش من يومها مركزها السياسى ، وقد شيد بها الموحدون جامع الكتبية بمنارته الشهيرة ، كما أن بها من آثار السعديين مقابرهم العظيمة. وتشتهر المدينة بصناعة الجلد والصباغة والنحاس ، والمنسوجات الوطنية ، والزرابى. وخارجها مزارع الزيتون ، وواحات النخيل الشاسعة ، تحوطها جبال الاطلس التى تكسوها الثلوج شتاء. وللعلويين بها جنان أكدل التى أنشأها عبد الرحمن بن هشام العلوى ، وبها ضريح القاضى عياض ، وأبو العباس السبتى ، وأبو القاسم السهيلى ، ومحمد بن سليمان الجزولى.

راجع : البغدادى فى «مراصد الاطلاع ، على أسماء الامكنة والبقاع» ج ٣ ص ١٢٥١. وكذا : J.Leon.Op.Cit.P. ٦٧  ـ  ٦٨.

(١٠٢) المقاصير : ج مقصورة ، وهى الدار الواسعة المحصنة.

١٦١

١٦٢

وسدة (١٠٣) الناصر والمنصور. بعدت عن المركز دارتها ، وجرت  ـ  على قطب السياسة  ـ  ادارتها ، وسحرت  ـ  العيون  ـ  شارتها ، وتعبد الاباءة اشارتها ، وخاضت  ـ  البحر الخضم  ـ  نذارتها وبشارتها. اقتعدت البسيط المديد ، واستظهرت بتشييد الاسوار وأبراج الحديد. وبكى الجبل من خشيتها بعيون العيون ، فسألت المذانب كصفاح القيون ، وقيدت طرف الناظر المفتون ، أدواح الشجر بها وغابات الزيتون.

(١٢٣ : أ) فما شئت من انفساح السكك ، وسبوع الشكك (١٠٤) ، وانحلال التكك ، وامتداد الباع فى ميدان الانطباع ، وتجديد فنون المجون بالمد والاشباع. زيتها الزمن يعصر ، وخيرها يمد ولا يقصر ، وفواكهها (لا تحصى) ولا تحصر. فاذا تناصف الحر والبرد ، وتبسم الزهر وخجل الورد ، وكسا  ـ  غدرانها الحائرة  ـ  الحلق السرد (١٠٥) ، قلت : أنجز  ـ  للمتقين من الجنة  ـ  الوعد ، وساعد السعد ، وما قلت الا بالذى علمت سعد (١٠٦). ومنارها العلم فى الفلاة ، ومنزلته  ـ  فى المآذن  ـ  منزلة والى الولاة. الا أن هواءها محكم فى الجباه والجنوب (يحمى عليها بكير الجنوب) (١٠٧) وحمياها كلفة بالجسوم ، طالبة ديونها بالرسوم ، وعقاربها كثيرة الدبيب ، منغصة مضاجعة الحبيب ، وخرابها موحش هائل ، وبعد الاقطار  ـ  عن كثير من الأوطار  ـ  بها  ـ  حائل ، وعدوها ينتهب  ـ  فى الفتن  ـ  أقواتها ، وجرذان

__________________

(١٠٣) سدة : السدة : المنصب الرفيع.

(١٠٤) الشكك : ج شكة ، وهى اللباس يقى لابسه ضربة السلاح.

(١٠٥) السرد : المنتظم المتتابع.

(١٠٦) مثل عربى يضرب فى اسناد الاخبار الى مصادرها ، وهو الشطر الاخير من قول الشاعر :

ويعذلنى أبناء سعد فيهم

وما قلت الا بالذى علمت سعد

(١٠٧) زيادة فى (س).

١٦٣

المقابر تأكل أمواتها. وكانت أولى المنازل بالاغياء ، لو أنها  ـ  اليوم  ـ  معدودة فى الاحياء (١٠٨).

١٢  ـ  «أغمات» (١٠٩)

قلت : فأغمات؟

قال : بلدة  ـ  لحسنها  ـ  الاشتهار ، وجنة تجرى من تحتها الانهار ، وشمامة تتضوع منها الازهار ، متعددة البساتين ، (١٢٣ : ب) طامية بحار الزياتين ، كثيرة الفواكه والعنب والتين. خارجها فسيح ، والمذانب فيه تسيح ، وهواؤها صحيح ، وقبولها للغريب شحيح ، وماؤها نمير ، وماء وردها ممد للبلاد وممير. الا أن أهلها يوصفون بنوك (١١٠). وذهول ، بين شبان وكهول ، وخرابها يهول ، وعدوها تضيق  ـ  لكثرته  ـ

__________________

(١٠٨) يرمى بهذا الى أن مراكش قد فقدت مركزها السياسى فى العصر الذي يعيشه ابن الخطيب ، وهو عصر المرينيين ، الذين اتخذوا فاس عاصمة لهم ، فتحولوا بذلك عن مراكش ، التى ظلت العاصمة فى عهد كل من المرابطين والموحدين. هذا ، والاغياء هو : بلوغ الغاية من الشأن.

(١٠٩) أغمات «Agmat» موقعها قرب مدينة مراكش ، وفى هذه الفترة التى يؤرخ لها ابن الخطيب كانت أغمات عبارة عن مدينتين مواجهتين لبعضهما وهما : أغمات عيلان ، وأغمات وريكة ، وكان بينهما خصام مستحكم ، فرق بينهما حتى فى دور العبادة ، وقد انتهى هذا الخلاف فيما بعد ، واندثرت أغمات وريكة وبقيت الاخرى ، وذلك فى القرن السادس عشر الميلادى ، وتشتهر المدينة بوفرة مياهها وكثرة بساتينها ، وبها قبر المعتمد من عباد ملك اشبيلية زمن الطوائف ، الذي قبض عليه ملك المغرب يوسف بن تاشفين بعد تغلبه عليه عام ٤٨٠ ه‍ (١٠٨٧ م).

راجع : Discripcion de Africa P. ٧٣.J.Leon Affricano وكذا : مراصد الاطلاع على أسماء الامكنة والبقاع ، لصفى الدين البغدادى ج ١ ص ٩٨.

(١١٠) نوك : حمق.

١٦٤

السهول ، وأموالها  ـ  لعدم المنعة  ـ  فى غير ضمان ، ونفوسها لا تعرف طعم أمان.

١٣  ـ  «مكناسة» (١١١)

قلت : فمدينة مكناسة؟

قال : مدينة أصيلة ، وشعب المحاسن وفصيلة ، فضلها الله ورعاها ، وأخرج منها ماءها ومرعاها (١١٢) ، فجانبها مريع (١١٣) وخيرها سريع ، ووضعها له  ـ  فى فقه الفضائل  ـ  تفريع ، عدل فيها الزمان ، وانسدل الامان ، وفاقت  ـ  الفواكه  ـ  فواكهها ، ولاسيما الرمان ، وحفظ  ـ  أقواتها  ـ  الاختزان ، ولطفت فيها الاوانى والكيزان ، واعتدل  ـ  للجسوم  ـ  الوزان. ودنا  ـ  من الحضرة (١١٤)  ـ  جوارها ، فكثر قصادها من الفضلاء وزوارها ، وبها المدارس والفقهاء ، ولقصبتها الابهة

__________________

(١١١) مكناس أو مكناسة : هى بالاسبانيةMequinez اتخذها المولى اسماعيل عاصمة له (١٦٧٣  ـ  ١٧٢٦ م) وطبعها بطابع عبقريته. تقع جنوب غرب فاس على مسافة ٦٠ كم ، وقد سميت باسم قبيلة مكناسة البربرية التى اختطت المدينة أولا ، ويحيط بمكناس نطاق مثلث من أسوار وحصون يبلغ طولها ٤٠ كم. من آثارها العتيقة باب منصور ، والاصطبلات القديمة ، وبركة البساتين التى تبلغ مساحلتها ٤ هكتارات مربعة ، وهى على غرار بركة مراكش. وتعتبر مكناس اليوم خامس مدن المغرب سكانا ، اذ تتقدمها الدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس. ويبلغ تعداد السكان حاليا حوالى ٢٣٠ ألف نسمة ، وارتفاعها عن سطح البحر بنحو ٥٢٢ مترا.

راجع : التعريف بابن خلدون ، ص ٢٢١ حاشية ٣ ، و «الروض الهتون ، فى أخبار مكناسة الزيتون» لابن غازى العثمانى المكناسى (ط. القصر الملكى بالرباط ١٩٦٦ م) بتحقيق عبد الوهاب بن منصور. وكذا مجلة «الثقافة المغربية» ج ٧ عدد ٧ (١٩٧٢) تحت عنوان (التخطيط المعمارى لمدينة مكناس) للاستاذ محمد المنونى ، ص ٢١  ـ  ٥٦.

(١١٢) اشارة الى قوله تعالى : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) النازعات : ٣١.

(١١٣) مريع : خصب.

(١١٤) يقصد بالحضرة المرينية : فاس العاصمة.

١٦٥

١٦٦

١٦٧

١٦٨

١٦٩

١٧٠

١٧١

والبهاء ، والمقاصير والابهاء (١١٥). الا أن طينها ضحضاح (١١٦) ، لذى الظرف فيه افتضاح ، وأزقتها لا يفارقها القذر ، وأسواقها يكثر بها الهذر ، (وعقاربها لا تبقى ولا تذر) (١١٧) ، ومقبرتها لا يحتج (١٢٤ : أ) عن اهمالها ولا يعتذر.

١٤  ـ  «فاس» (١١٨)

قلت : فمدينة فاس؟

فقال :

رعى الله قطرا ينبت الغنى

وآفاقه ظل على الدين ممدود

نعم العرين ، لاسود بنى مرين ، ودار العبادة التى يشهد بها

__________________

(١١٥) الابهاء ، ج بهو ، وهو : قاعة الاستقبال.

(١١٦) يعنى انتشار الاوحال فى طرقات المدينة.

(١١٧) زيادة فى نسختى س ، ط.

(١١٨) فاس : هى بالاسبانيةFez أسسها المولى ادريس الثانى عام ٨٠٨ م ، فهى أقدم عواصم المغرب التاريخية ، وتبعد عن «الرباط» العاصمة الادارية حاليا بنحو مائتى كم ، وقد عاصر مؤسسها الامير الاموى الحكم بن هشام بالاندلس ، وهو الذي كان قد نفى وشرد معظم سكان ضاحية الربض فى قرطبة ، اثر الموقعة الشهيرة التى تغلب فيها على هؤلاء الثائرين (٢٠٢ ه‍  ـ  ٨١٧ م) فلجأ الربضيون الى فاس ، وفيها أحيوا الصناعات المختلفة ، وطبعوا المدينة بطابع الفن الاندلسى ، ولا سيما فى المعمار ، حتى سميت فاس لذلك «مدينة الاندلسيين». أما «مدينة القرويين» فهى الضاحية التى عمرها سكان المغرب الادنى ، بعد أن وفدوا من القيروان ، وحيث بنى بها «جامع القرويين» ، الذي أسسته السيدة فاطمة الفهرية الادريسية ، وهو الآن يمثل أقدم جامعات العالم ، ويؤمها الطلاب من كل حدب وصوب.

وتجدر الاشارة الى أن مركز فاس السياسى قد تضاءل فى عصر المرابطين ثم الموحدين ، الذين اتخذوا من مراكش عاصمة ، حتى تغلب بنو مرين فأعادوا الى فاس سابق مجدها ، باتخاذهم اياها العاصمة. أما «فاس الجديد» فهى التى بناها الامير أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المرينى عام

١٧٢

١٧٣

مطرح الجنة ومسجد الصابرين. (١١٩) أم القرى ، ومأم السسرى ، وموقد نار الوغى ونار القرى. ومقر العز الذي لا يهضم ، وكرسى الخلافة الاعظم. والجرية (١٢٠) التى شقها ثعبان الوادى فما ارتاعت والابية التى ما أذعنت اذعانها للايالة المرينية ولا أطاعت.

أى كلف وكلف! ومتفق ومختلف! ومحاباة وزلف! وقضيم وعلف! وخلف عن سلف! انما الدنيا أبو دلف (١٢١)!.

__________________

٦٧٤ ه‍  ـ  ١٢٧٥ م ، وقد أطلقت عليها عدة أسماء ، مثل المدينة البيضاء ، والبلد الجديد ، والمدينة الجديدة. وتتصل فاس القديمة بفاس الجديدة عبر حدائق أبى الجنود الغناء ، وتعتبر أبواب فاس غريبة الشكل ، كباب الدكاكين ، وباب الساكمة ، وباب السمارين.

هذا وتعتبر المدينة فى مقدمة مدن المغرب ثقافيا وصناعيا وتجاريا ، وتزدهر فيها السياحة ، نظرا لما تشتمل عليه  ـ  غير ما ذكرنا  ـ  من آثار هامة ، كالمدرسة البوعنانية ذات الساعة الشمسية الغريبة ، ومدرسة العطارين ، ومدرسة المصباحية ، ومسجد الاندلس ، وزاوية المولى ادريس الثانى مؤسس المدينة ، حيث يوجد بها الضريح. كما توجد قبور المرينيين على مرتفع يمكن منه رؤية المدينة فى السفح ، وقد أحاطتها الاسوار الاثرية ، فبدت فتنة الناظرين ..

راجع : ابن خلدون فى «العبر» ج ٧ ص ١٩٤  ـ  ١٩٥ ، والسلاوى فى «الاستقصاء» ج ٢ ص ٢٢ ، ثم : ود. عبد الهادى التازى فى : «جامع القرويين».

وأنظر :(Descripcion de Africa ,P.P. ١٢٢  ـ  ١٤٨) juin Leon Africano).

(١١٩) مسجد الصابرين : أحد المعالم الاسلامية بفاس.

انظر : مجلة البحث العلمى  ـ  ألسنة الثانية عشرة  ـ  العدد ١٤ الصادرة بالمغرب.

(١٢٠) الجرية : حوصلة الطائر.

(١٢١) هذا التعبير اقتباسا من قول الشاعر العكوك على بن جبلة :

إنما الدنيا أبو دلف

بين مغزاة ومختصره

فاذا ولى أبو دلف

ولت الدنيا على أثره

وأبو دلف هذا هو القاسم بن عيسى بن ادريس العجلى ، أمير الكرخ ، وسيد قومه ، وأحد الاجواد من الشعراء ، كما كان من رجال الرشيد ، ثم ابنه المأمون وقد عقد له الكاتب ابن طيفور فصلا خاصا فى كتابه «بغداد فى تاريخ الخلافة العباسية» عند حديثه عن الخليفة المأمون ، توفى أبو دلف عام ٢٢٦ ه‍.

والشهرة بعدئذ واضحة للرجل فى الغنى العريض ، والكرم النادر ...

١٧٤

سألت عن العالم الثانى (١٢٢) ، ومحراب السبع المثانى ، ومعنى المغانى ، ومرقص النادب والغانى ، وارم المبانى (١٢٣) ، ومصلى القاصى والدانى. هى الحشر الاول ، والقطب الذي عليه المعول ، والكتاب الذي لا يتأول. بلد المدارك والمدارس ، والمشايخ والفهارس ، وديوان الراجل والفارس. والباب الجامع من موطأ المرافق ، ولواء الملك الخافق ، وتنور الماء الدافق ، ومحشر المؤمن والمنافق ، وسوق الكاسد والنافق ، حيث البنى النى نظر اليها عطارد (١٢٤) فاستجفاها (١٢٥) وخاف عليها الوجود أن يصيبها بعينه (١٢٤ : ب) الحسود فسترها بالغور وأخفاها (١٢٦). والاسواق التى  ـ  ثمرات كل شىء اليها  ـ  قد جبيت ، والموارد التى اختصت بالخضر وحبيت ، والمنازه المخطوبة ، وصفاح الخلج المشطوبة ، والغدر التى منها أبو طوبة (١٢٧).

بلد أعارته الحمامة طوقها

وكساه رويش جناحه  ـ  الطاووس

فكأنما الانهار فيه مدامة

وكأن ساحات الديار كؤوس

اجتمع بها ما أولده سام وحام ، وعظم الالتئام والالتحام ، فلا يعدم فى مسالكها زحام. فأحجارها طاحنة ، ومخابزها شاحنة ، وألسنتها  ـ  باللغات المختلفة  ـ  لاحنة ، ومكاتبها مائجة ، ورحابها متمائجة ، وأوقافها جارية ، والهمم فيها  ـ  الى الحسنات وأضدادها  ـ  متبارية.

__________________

(١٢٢) ويقصد بالعالم الاول الاندلس.

(١٢٣) ارم المبانى : علم المبانى.

(١٢٤) عطارد : نجم سيار قريب من الشمس.

(١٢٥) استجفاها : طلب منها البعد ، والتعبير كلية كناية عن علو شأن المدينة ومنزلتها السامية.

(١٢٦) يعنى أن موقع المدينة فى السفح المنخفض ، وهو حسن تعليل رائع ، لوقاية المدينة من عين الحسود بموقعها هكذا.

(١٢٧) أبو طوبه : الريح الطيبة.

١٧٥

بلد نكاح وأكل ، وضرب وركل ، وامتياز من النساء بحسن زى وشكل ، ينتبه بها الباه ، وتتل الجباه ، وتوجد للازواج الاشباه. الى وفور النشب (١٢٨) ، وكثرة الخشب ووجود الرقيق ، وطيب الدقيق ، وامكان الادام ، وتعدد الخدام ، وعمران المساجد والجوامع ، وادامة ذكر الله فى المآذن والصوامع.

وأما مدينة الملك (١٢٩) ، فبيضاء كالصباح ، أفق للغرر الصباح ، يحتقر  ـ  لايوانها  ـ  ايوان كسرى ، وترجع العين حسرى ، ومقاعد الحرس ، وملاعب (١٢٥ : أ) الليث المفترس (١٣٠) ، ومنابت الدوح المغترس ، ومدرس من درس أو درس ، ومجالس الحكم الفصل ، وسقائف الترس والنصل ، وأهداف الناشبة أولى الخصل (١٣١). وأواوين الكتاب ، وخزائن محمولات الاقتاب ، وكراسى الحجاب ، وعنصر الامر العجاب.

الى الناعورة التى مثلث من الفلك الدوار مثالا ، وأوحى الماء الى كل سماء منها أمرها فأبدت امتثالا ، ومجت العذب البرود سلسالا ، وألفت أكوابها الترفه والترف ، فاذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى (١٣٢).

__________________

(١٢٨) النشب : نوع من الشجر تستعمل من خشبه القسى.

(١٢٩) مدينة الملك : يقصد بها فاس الجديد.

(١٣٠) كان من عادة ملوك بنى مرين أن يشهدوا فى حلبة خاصة مصارعة بين الثور والاسد ، وكثيرا ما كانت تنتهى بانتصار الثور. ولعل هذا أصل مصارعة الثيران باسبانيا اليوم.

(١٣١) الخصل : عود عليه شوك.

(١٣٢) قوراء : قرص مدور متسع المحيط مخروق الوسط ، والناعورة هكذا ، وعليها الاوانى الفخارية ، وبدورانها تحمل المياه ، ثم تلقيها من عل كالشهب الراصدة.

١٧٦

١٧٧

وقوراء (١٣٣) من قوس الغمام ابتغوا لها

مثالا أداروها عليه بلا شك

فبين الثريا والثرى سد جرمها

وللفلك الدوار قد أصبحت تحكى

تصوغ لجين النهر فى الروض دائما

دراهم نور قد خلصن من السبك

وترسل من شهبانها ذا ذؤابة

فتنفى استراق السمع عن حوزة الملك (١٣٤)

تذكرت العهد الذي اخترعت به

وحنت فما تنفك ساجعة تبكى

ثم قال : الا أن حر هذه المدينة مذيب ، وساكنها ذيب ، ومسالكها وعرة ، وظهائرها مستعرة ، وطينها هائل ، وزحامها حرب وائل (١٣٥). أن نشد الجفاء ناشد ، فهى ضالته المنشودة ، أو حشد أصنافه حاشد

__________________

(١٣٣) يشير بذلك الى قوله تعالى : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) سورة الجن ، آية : ٩ ، وفى هذا  ـ  كما فى البيت التالى  ـ  حسن تعليل لطيف.

(١٣٤) اقتباسا من قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى ، يُراؤُنَ النَّاسَ ، وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) سورة النساء ، آية : ١٤٢.

(١٣٥) وتعرف بحرب البسوس ، حدثت فى الجاهلية قبيل الاسلام ، وقد قامت بسبب ناقة لدار جساس ، قتلها كليب ، فقتل جساس قاتلها كليبا ، ودارت الحرب بين بكر وتغلب اثر ذلك ، واستمرت قرابة أربعين عاما ، وكانت بينهما فى تلك المدة خمس وقعات شهيرة ، تارة يكون الظهور فيها لبكر ، وتارة لتغلب ، وتارة ينتصفان ، حتى تصالحا بعد أن سقط خيرة القبيلتين وزهرة شبابهما ، فضرب المثل بحرب وائل ، كما قيل فى التطير فى الامثلة العربية : أشأم من البسوس.

١٧٨

(١٢٥ : ب) فهى كتيبته المحشودة. الى بعد الاقطار ، وعياث الميازب أوقات الامطار ، والاشتراك فى المساكن والديار ، على الموافقة والاختيار ، وتجهم الوجوه للغريب ، ذى الطرف المريب ، وغفلة الاملس عن الجريب (١٣٦) ، ودبيب العقارب ، أرسالا كالقطا القارب (١٣٧). وأهلها يرون لانفسهم مزية الفضل ، ويدينون فى مكافأة الصنائع البالغة بالعضل (١٣٨). يلقى الرجل أبا مثواه فلا يدعوه الى بينه ، ولا يسمح (١٣٩) له ببقله ولا زيته (١٤٠) ، فلا يطرق الضيف حماهم ، ولا يعرف اسمهم ولا مسماهم ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ،) وقليل ما هم (١٤١). ومقبرتهم غير نابهة ، وأجداثها غير متشابهة ، مشربة حيوان ، ومشبعة جرذان ، غير وان (١٤٢).

١٥  ـ  آقر سلوين (١٤٣)

قلت : فما تقول فى آقر سلوين؟

قال : واد عجيب ، وبلد لداعى الايناع مجيب ، مخضر الوهاد ، كثير شجر الجوز والزيتون ، كنفته الجبال الشم ، وحنا عليه الطود كما تحنو

__________________

(١٣٦) كناية عن أن أهل المدينة يتميزون ومعروفون ، والغريب حينئذ ظاهر بينهم مهمل ، لا يلقونه كما يلقون بعضا.

(١٣٧) القطا القارب : القطا الذي يطلب الماء ليلا.

(١٣٨) العضل : بفتح العين وسكون الضاد ، الشدة.

(١٣٩) فى نسختى (ط ، س) «ولا يسمع» ، وهو ما لا يتناسب والسياق.

(١٤٠) فى نسخة (ط) «ولا بزيته» ، وهو أوفق للعطف باعادة الجار.

(١٤١) اقتباسا من قوله تعالى : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ، وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ، وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) سورة ص ، آية : ٢٤.

(١٤٢) غير وان : غير مقصر.

(١٤٣) آقر سلوين : يحتمل أن يكون المراد بها قصبة سلوان ، حيث تقطن قبائل «بنى يطفتى» ، بالريف شمال المغرب.

١٧٩

على ولدها الام ، فهواؤها ملائم ، والعنب على الفصول دائم. الا أن الشمس لا تطرقه بنوال ، ولا ترمقه الا وقت زوال. قد باء بالحظ الموكوس وانكمش تحت ابط الظل المنكوس ، فجوه عديم الطلاوة (١٢٦ : أ) ، وعنبه  ـ  للبرد  ـ  قليل الحلاوة.

١٦  ـ  «سجلماسة» (١٤٤)

قلت : فسجلماسة؟

قال : تلك كورة (١٤٥) ، وقاعدة مذكورة ، ومدينة محمودة مشكورة ، كانت ذات تقديم ، ودار ملك قديم (١٤٦) ، وبلد تبر وأديم ، ومنمى تجر ومكسب عديم (١٤٧). معدن التمر ، بحكمة صاحب الخلق والامر ، تتعدد أنواعه ، فتعيى الحساب. وتجم بها فوائده فتحسب الاقتناء والاكتساب. قد استدار بها  ـ  لحلق السور  ـ  الامر العجاب ، والقطر الذي تحار فى ساحته النجاب ، فضرب منه على عذارها الحجاب (١٤٨) ، باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب (١٤٩) ، يحيط بها مرحلة راكب ،

__________________

(١٤٤) سجلماسة : يطلق هذا الاسم على مقاطعة فى جنوب المغرب تسمى الآن «تافيلالت».

راجع فى هذا : ياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ٥ ص ٤١ ، والتعريف بابن خلدون ص ٤٠ حاشية ١.

(١٤٥) كورة ، أى بلد به قرى ومساكن ، يقول الحموى فى معجم البلدان «أن الكورة كل صقع يشتمل على عدة قرى ، ولابد لتلك القرى من قصبة أو مدينة أو نهر» (ج ١ ص ٣٦).

(١٤٦) يقصد دولة «بنى مدرار» التى عاصرت دولة الادارسة ، فقد اتخذت سجلماسة قاعدة لملكها.

(١٤٧) أى عديم النظير.

(١٤٨) كناية عن السور المحيط بالمدينة.

(١٤٩) اقتباسا من قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا : انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ، قِيلَ : ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ، فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ ، باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) سورة الحديد ، آية : ١٣.

١٨٠