معيار الاختيار في ذكر المعاهد والدّيار

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]

معيار الاختيار في ذكر المعاهد والدّيار

المؤلف:

أبي عبد الله محمّد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد السلماني [ لسان الدين بن الخطيب ]


المحقق: الدكتور محمّد كمال شبانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية
الطبعة: ٠
ISBN: 977-341-066-8
الصفحات: ١٩٨

قد أجنت سكرا جما ورزقا حسنا

أعجزتعن (١٩٦)منتهى الفخر البعيد السنا (١٩٧)

يروقك فى أطرافها حسن الصور وجمالها ، وظرف (١٩٨) الصنائع وكمالها ، والفعلة وأعمالها ، حتى الاطلال وانهما لها ، والسؤال واسمالها (١٩٩) :

كل عليه من المحاسن لمحة

فى كل طور للوجود تطورا

كالروض يعجب فى ابتداء نباته

واذا استجم به النبات ونورا

واذا الجمال المطلق استشهدته

ألغيت ما انتحل الخيال وزورا

(١١٢ : أ) ثم قال : أى أمن (٢٠٠) عرى من مخافة ، وأى حصافة لا تقابلها سخافة ، ولكل شىء آفة. لكنها  ـ  والله  ـ  بردها يطفئ حر الحياة ، ويمنع الشفاه عن رد التحيات ، وأسعارها يشعر معيارها بالترهات (٢٠١) ، وعدوها يعاطى كئوس الحرب فهاك (٢٠٢) وهات.

الى السكك التى بان خمولها ، ولم يقبل الموضوع محمولها ، والكرب الذي يجده الانسان فيها ، صادف اضافة أو ترفيها ، والمكوس التى تطرد البركة وتنفيها. الى سوء الجوار ، وجفاء الزوار ، ونزالة الديار ، وغلاء الخشب والجيار ، وكساد المعايش عند الاضطرار ، واهانة المقابر وهى دار

__________________

(١٩٦) فى نسخة (ر ، ى) «من».

(١٩٧) فى نسخة (ط) «السعيد لسنا» ، ولكن هذا الشطر الاخير يناسبه ما ورد فى نسختنا ، حيث يستقيم به المعنى.

(١٩٨) فى نسخة أخرى «وطرف».

(١٩٩) السؤال : ج مسائل. والاسمال : البالى من الثياب ، وهى مبالغة تكاد تكون غير معقولة.

(٢٠٠) فى نسخة (س) «آمن».

(٢٠١) الترهات : ج ترهة ، وهى الاباطيل.

(٢٠٢) فى نسخة (ط) «بهاك».

١٢١

١٢٢

القرار ، وقصر الاعمار ، واستحلال الغيبة فى الاسمار ، واحتقار أولى الفضل والوقار ، والتنافس فى العقار ، والشح فى الدرهم والدينار ، باليم والنار (٢٠٣).

ثم قال : اللهم غفرا ، وان لم نقل كفرا ، (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢٠٤). ولله در أبى العتاهية (٢٠٥) حين يقول :

أصبحت الدنيا  ـ  لنا فتنة

والحمد لله على ذالكا

اجتمع الناس على ذمها

وما نرى  ـ  منهم لها  ـ  تاركا

__________________

(٢٠٣) فى نسختى (س ، ر) «واليم» وهكذا أوردها «سيمونيت» ، ولعل الصواب فى نسختنا.

(٢٠٤) آية : ٤٨ من سورة النساء.

(٢٠٥) أبو العتاهية : هو اسماعيل بن القاسم ، شاعر الزهد العربى فى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) ، من بلدة عين التمر بالانبار غرب الكوفة. وقد وقد ولد حوالى عام ١٣٠ ه‍ (٧٤٧ م) ، ومات حوالى عام. ٢١٠ ه‍ (٨٢٥ م) درس اللغة العربية والادب ، ثم اتصل بالمهدى والهادى والرشيد والمامون ، اشتهر شعره بالزهد فى أواخر حياته ، وخاصة عندما بلغ الخمسين ، وكان للرشيد جارية تسمى «عتبة» عشقها أبو العتاهية فى شبابه ، وتصبب بها كثيرا ، وخاصة فى بدء قصائده التى مدح بها الرشيد ، وكان حائرا بين مذاهب الشعر التى عاصرها ، ولكنه استقر أخيرا على شعر الزهد فأجاده.

راجع : مجلة الرسالة المصرية  ـ  العدد ٣ عام ١٩٥٣ م «شاعرنا العالمى أبو العتاهية»  ـ  لعبد المتعال الصعيدى.

ثم «أبو العتاهية» لمحمد أحمد برانق  ـ  القاهرة ١٩٤٧ م.

١٢٣

٢٧  ـ  «الحمة» (٢٠٦)

قلت : فالحمة؟

قال : أجل ، الصيد (٢٠٧) والحجل ، والصحة (٢٠٨) وان كان المعتبر (١١٢ : ب) الاجل ، وتورد الخدود وان لم يطرقها الخجل. والحصانة عند الهرب من الرهب ، والبر كأنه قطع الذهب. والحمة التى حوضها يفهق (٢٠٩) بالنعيم ، مبذولة للخامل والزعيم ، تمت ثنيتها بالنسب الى ثنية النعيم. قد ملأها الله اعتدالا ، فلا تجد الخلق اعتياضا عنها ولا استبدالا ، وأنبط صخرتها الصماء عذبا زلالا ، قد اعتزل الكدر اعتزالا. لكن مزارعها لا ترويها الجداول ، ولا ينجدها الا الجود المزاول (٢١٠) ، فان أخصب العام أعيا (٢١١) الطعام ، وان أخلف الانعام ، هلكت الناس بها والانعام. والفواكه يطرف بها الجلب ، وتزر عليها العلب ، وعصيرها لا يليق بالأكل ولا يصلح للحلب ، وبردها شديد وان لم يقض به المنقلب.

__________________

(٢٠٦) الحمة : هى Alhama بلدة صغيرة تقع قرب مدينة بجانة من أعمال المرية ، وقد أطلق عليها العرب هذا الاسم نسبة الى العين الحارة الموجودة بها ، والتى هى مقصد كثير من ذوى العلل والاسقام.

كما يقصد السياح اليوم هذه المدينة للاستشفاء بعينها ، وما تزال بها الحمامات العربية والعين حتى الآن.

راجع : الحميرى فى «الروض المعطار» ص ٣٩ ، وابن بطوطة فى رحلته ج ٢ ص ١٨٧.

(٢٠٧) فى نسخة أخرى «الصحة».

(٢٠٨) فى نسخة (س) «والصيد» ، وهو ما لا يتناسب والسياق بعد.

(٢٠٩) يفهق : يعمر.

(٢١٠) الجود المزاول : المطر الغزير المعالج.

(٢١١) يحتمل معنى (أعيا الطعام) أعجز الناس عن حمله لكثرته ومفرته متى أخصب العام.

١٢٤

٢٨  ـ  «صالحة» (٢١٢)

قلت : فصالحة؟

قال : لولا أنها مناخ لم تذكر ، فليس مما يذم ولا مما يشكر ، وان كان ماؤها فضيا ، ووجه جوها وضيا ، وعصيرها مرضيا ، ورزقها أرضيا ، وفضلها ذاتيا لا عرضيا. فهى مهب نسف ، ودار خسف ، وأهلها بهم ، ليس  ـ  لأحد منهم  ـ  فهم.

٢٩  ـ  «اليرة ومنتفريد» (٢١٣)

قلت : فأليرة ومنتفريد؟

قال : بلد ارتفاق (٢١٤) ، باجماع واتفاق ، معدن البر الذكى ، والصيد الزكى ، وهد شاهق ، ومصرخ ناهق ، ومعدن بر فائق ، ان لم يعق  ـ  من عدو القلعة  ـ  (١١٣ : أ) عائق.

٣٠  ـ  «لوشة» (٢١٥)

قلت : فلوشة؟

قال مرأى بهيج ، ومنظر يروق ويهيج ، ونهر سيال ، وغصن مياد ، وجنات وعيون ، ولذات لا تمطل بها ديون ، وجداول تنضح بها الجوانح ،

__________________

(٢١٢) صالحة : مدينة زالت معالمها منذ أواسط القرن السادس عشر الميلادى ، يطلق عليها الكتاب الاسبان اسم Zalea موقعها قديما كان قرب الحمة.

(٢١٣) أليرةlllora ومنتفريدMontefrio تقع المدينتان شمال مدينة لوشة ..Loja.

(٢١٤) ارتفاق : استقرار واعتماد.

(٢١٥) راجع ما كتباه عن هذه المدينة بأول الكتاب ، عند التعريف بالمؤلف ، فهى مسقط رأسه.

١٢٥

ومحاسن يشغل بها عن وكره السائح ، ونعم يذكر  ـ  بها  ـ  المانع المانح. ما شئت من رحا يدور ، ونطف تشفى  ـ  بها  ـ  الصدور ، وصيد ووقود ، وأعناب كما زانت اللبات عقود ، وأرانب تحسبهم أيقاظا وهم رقود (٢١٦). الى معدن الملح ، ومعصر (٢١٧) الزيت ، والخضر المتكفلة بخصب البيت ، والمرافق التى لا تحصر الا بعد الكيت. والخارج الذي عضد مسحة الملاحة ، بجدوى الفلاحة. الا أن داخلها حرج الازقة ، وأحوال أهلها مائلة الى الرقة ، وأزقتها قذرة ، وأسباب التطوف (٢١٨) بها متعذرة ، ومنازلها  ـ  لنزائل الجند  ـ  نازلة ، وعيون العدو  ـ  لثغرها الشنيب (٢١٩)  ـ  مغازلة.

٣١  ـ  «أرجذونة» (٢٢٠)

قلت : فأرجذونة؟

قال : شر دار وطلل لم يبق منه غير جدار ، ومصام يرجع البصر عنه وهو حاسر (٢٢١) ، وعورة ساكنها  ـ  لعدم الماء  ـ  مستأثرة (٢٢٢). وقومها ذو بطر وأشر ، وشيوخها  ـ  تيوس فى مسالخ بشر ، طعام من

__________________

(٢١٦) اقتباسا من قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ ، وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) الكهف : ١٨.

(٢١٧) فى نسخة (ط ، س) «ومعاصر».

(٢١٨) فى نسخة (ط) «التصرف».

(٢١٩) الثغر الشنيب : ما كان أبيض الاسنان حسنها ، ويقصد صفحة المدينة الجميلة.

(٢٢٠) أرجذونة : هى حالياArchidona بلدة متوسطة تتبع ولاية مالقة التى لا تبعد عنها كثيرا.

(٢٢١) اقتباسا من قوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) الملك : ٤.

(٢٢٢) مستأسر : قابض.

١٢٦

يقوت منهم أو يعول ، التيوس والوعول ، وحرثها مغل ، (١١٣ : ب) وخلقها حسد وغل.

٣٢  ـ  «أنتقيرة» (٢٢٣)

قلت : فأنتقيرة؟

قال : محل الحرث والانعام ، ومبذر الطعام ، والمرآة التى يتجلى بها وجه العام ، الرحب والسهل ، والنبات والطفل ، والهشيم والكهل ، والوطن والاهل. ساحت الجداول فى فحصها الافيح وسالت ، وانسابت حيات المذانب (٢٢٤) فى سقيها الرحب الجوانب وانسالت. لا تشكو من نبو ساحة ، ولا تسفر الا عن ملاحة ، ولا تضاهى فى جدوى فلاحة ، وعظم ملاحة. الا أنها جرداء الخارج ، بل مارد ومارج (٢٢٥). وشدة فرجها فارج. لا تضبطها المسلحة للاتساع ، والدرع الوساع ، قليلة الفواكه ، عديمة الملاطف والمفاكه. أهلها أولو شرور وغرور ، وسلاح مشهور ، وقاهر ومقهور ، لا تقبل غريبا ، ولا تعدم (٢٢٦) من العدو تثريبا.

__________________

(٢٢٣) أنتقيرة : هى حالياAntequera احدى مدن الاندلس القديمة ، تبعد عن مالقة بحوالى ٦٠ كم ، وهى عبارة عن حصون بين مالقة وغرناطة. ينسب اليها : الحكيم أبو بكر يحيى بن محمد بن يحيى الانصارى الانتقيرى.

راجع : معجم البلدان  ـ  للحموى  ـ  ج ٣ ص ٢٥٩.

(٢٢٤) المذانب : ج مذنب بوزن منبر ، وهو جدول الماء ذو المسيل الضيق.

(٢٢٥) المارد : العاتى القاسى ، والمارج : الشعلة ذات اللهب الشديد.

(٢٢٦) فى نسخة (س) «عن» بدل «من».

١٢٧

٣٣  ـ  «ذكوان» (٢٢٧)

قلت : فذكوان؟

قال : روض وغدير ، وفواكه جلت عن التقدير ، وخورنق وسدير (٢٢٨) ، ومائدة لا تفوتها فائدة. دارت على الطحن أحجارها ، والتفت أشجارها ، وطاب هواؤها ، وخفق بالمحاسن لواؤها. الا أنها ضالة ساقطة ، وحبة ترتقب لاقطة ، لا تدفع عن قرطها وسوارها بأسوارها ، ولا تمنع نزع صدارها بجدارها ، وقضت بغلة (١١٤ : أ) أعيانها حداثة بنيانها.

٣٤  ـ  «قرطمة» (٢٢٩)

قلت : فقرطمة؟

قال : الكرك (٢٣٠) ، الذي يؤمن عليه الدرك (٢٣١) ، وان عظم المعترك. جوها صاف ، فى مشتى ومصطاف ، وتربها للبر مصاف ، وعصيرها

__________________

(٢٢٧) ذكوان : عبارة عن حصن يسمى «Coin» موقعه غرب مالقة ، يرجع تأسيسه الى أيام عبد الرحمن الثالث الاموى ، أعظم وأشهر ملوك بنى أمية (٣٠٠  ـ  ٣٥٠ ه‍ ٩١٢  ـ  ٩٦١ م) ، ويروى ابن عذارى أن السبب فى اقامته هو مواجهة حصون عمر بن حفصون وأولاده ، الذين أعلنوا عصيانهم لحكومة قرطبة.

راجع : ابن مذارى فى «البيان المغرب» ج ٢ ص ١٨٩ وكذا :٨١ Simonet Op. cit. p.

(٢٢٨) الخورنق والسدير : قصران ينسبان فى التاريخ للنعمان بن المنذر ملك الحيرة ، وتنسج حولهما طرائف.

راجع : الحموى فى معجم البلدان ج ٣ ص ٥٤ ، والاغانى للاصفهانى ج ٢ ص ١٤٤.

(٢٢٩) قرطمة : هى بالاسبانيةCartama احدى مدن الاندلس الصغيرة.

(٢٣٠) الكرك : نوع من الطير.

(٢٣١) الدرك : الحراسة.

١٢٨

١٢٩

بالكثرة ذو اتصاف. الا أن الماء بمعقلها مخزون ، وعتاد موزون ، وأهلها فى الشدائد لا يجزون ، أيديهم  ـ  بالبخل  ـ  مغلولة ، وسيوف تشاجرهم مسلولة.

٣٥  ـ  «رندة» (٢٣٢)

قلت : فرندة؟

قال : أم جهات وحصون ، وشجرة ذات غصون ، وجناب خصيب ، وحمى مصون. بلد زرع وضرع ، وأصل وفرع ، مخازنها بالبر مالية ،

__________________

(٢٣٢) رندة : هى «Ronda» تقع غرب مالقة ، وقد كانت من أهم القواعد الاندلسية ، كما كانت من أهم مدن غرناطة ، وتعتبر الحصن الذي يحمى مالقة من ناحية الغرب ، ولذلك لما سقطت رندة فى يد الاسبان فى أبريل ١٤٨٥ (جمادى الاولى ٨٩٠ ه‍) ، أضحى الطريق سهلا لاستيلاء القشتاليين على مالقة ، فقد سقطت بعد قليل فى أيديهم فى أغسطس ١٤٨٧ م (شعبان ٨٩٢ ه‍). وهى تشرف على منطقة عالية من الربى ، ويشقها من وسطها وادى ليبين Guadalebin وقد وصف ابن بطوطة مدينة رندة حينما زار الاندلس عام ١٣٥٠ م بقوله :

«وهى من أمنع معاقل المسلمين وأجملها وصفا» ، ويبلغ سكان رندة حاليا أكثر من ٠٠٠. ٣٥ نسمة ، فهى مدينة متوسطة الحجم ، ويغلب عليها طابع القدم والبساطة ، وعليها المسحة الاندلسية. هذا ، وأهم المعالم والآثار الاندلسية الباقية بها أطلال القصبة الشهيرة ، والقنطرة العربية عند مدخل المدينة الغربى ، وهى ذات عقد واحد بالغ الارتفاع ، ثم الحمامات العربية ، وهى أطلال دارسة من حمامات أندلسية قديمة ، على مقربة من الكنيسة العظمى ، وكذلك من الآثار «المنارة» فى نهاية المدينة ، ويبلغ طولها حوالى ١٢ مترا ، والظاهر أنها من أيام الموحدين لشبهها بمآذنهم ، ثم قصر الامير أبى مالك ، ويعرف فى رندة باسم «Casa del Gigante» وهو اسم الاسرة التى تملكه ، ويقع القصر فى طرف المدينة الجنوبى ، وكذلك باب المقابرPuerta de Almocabar ويقع فى حى فرانسسكو. وينسب الى هذه المدينة الفقيه ابن عباد الرندى.

راجع ما كتبه ليفى بروفنسال عن هذه المدينة الاسلامية فى Al  ـ  Andalus (١٩٤٤ (٤٧٢. ومجلة الاندلس Enc.ISI.III ,P. ١٢٥٤.

١٣٠

١٣١

وأقواتها جديدة وبالية ، ونعمها  ـ  بجوار الجبل  ـ  متوالية. وهى بلد أعيان وصدور (٢٣٣) ، وشموس وبدور ، ودور أى ودور ، وماء واديها يتوصل اليه فى جدور ، محكم مقدور. وفى أهلها فضاضة (٢٣٤) وغضاضة (٢٣٥) ، ما فى الكلف بها غضاضة (٢٣٦) ، يلبس نساؤها الموق (٢٣٧) ، على الاملد المرموق ، ويسفرن عن الخد المعشوق ، وينعشن قلب المشوق ، بالطيب المنشوق. الا أن العدو طوى ذيل بردها ، وغصب بنيانها ، وكيف السبيل الى ردها ، وأضاق خارجها ، وخفض معارجها ، وأعلى طائرها ودارجها (٢٣٨).

فلما بلغ هذا الحد قال : هل اكتفيت؟ فقد شرحت صدرك (١١٤ : ب) وشفيت ، وبما طلبت منى قد وفيت. يا بنى كأنى بالصباح السافر ، وأدهم الظلام النافر ، قد أجفل أمام مقنبه (٢٣٩) الوافر ، وترك من الهلال نعل الحافر. ونفسى مطيتى ، وقد بلغت الليلة طيتى (٢٤٠) ، وأجزلت عطيتى ، فلنجم بالمحض (٢٤١) ، ونلم بالغمض ، وأنا بعد

__________________

(٢٣٣) فى نسخة (ط) «وجدور» ولعل الصواب فى نسختنا.

(٢٣٤) فضاضة : سعة الصدر.

(٢٣٥) غضاضة : حلم.

(٢٣٦) غضاضة : حط من القدر. وفى (س) ما فى الكلف بها «حضاضة» ، أى : ما فى الكلف بها شىء.

(٢٣٧) الموق : خف غليظ تلبسه النساء فوق خف أرق منه.

(٢٣٨) كناية عن أن العدو بغاراته يثير طيورها فتعلو فى الجو ، وفى الوقت نفسه يثير غبار طرقها.

(٢٣٩) المقنب : الوعاء للصائد يجعل فيه ما يصيده.

(٢٤٠) طيتى : حاجتى.

(٢٤١) فلنجم بالحمض : الحمض هو الفاكهة ، والابل لها طعامها ولها حمضها ، ويقصد بالتعبير : المذاكرة.

١٣٢

نزيلك ، ان سرنى جزيلك ، وعديلك ان ضحك الى منديلك ، وسميرك ان روانى نميرك. فبادرت البدرة ففضضتها ، والصرة فافتضضتها ، والعيبة (٢٤٢) فنفضتها ، والمعادن فأفضتها. فقال : بوركت من مواس ، وأنشد قول أبى نواس (٢٤٣) :

ما من يد فى الناس واحدة

كيد أبو العباس (٢٤٤) أولاها

نام الثقات على مضاجعهم

وسرى الى نفسى فأحياها

ثم قال : نم فى أمان ، من خطوب الزمان ، وقم فى ضمان ، من وقاية الرحمن. فلعمرى وما عمرى على بهين ، ولا الحلف على بمتعين ، لو كان الجود ثمرا لكنت لبابه ، أو عمرا لكنت شبابه ، أو منزلا لكنت بابه.

فما هو الا أن كحلت جفنى بميل الرقاد ، وقدت طرفه سلس المقاد ، وقام قيم الخان الى عادة الافتقاد ، وبادر سراجه بالايقاد ، ونظرت

__________________

(٢٤٢) العيبة : الزنبيل.

(٢٤٣) أبو نواس : هو الشاعر أبو الحسن بن هانئ الفارسى الاصل ، المولود عام ١٤٠ ه‍ (٧٤٧ م) عاصر هارون الرشيد الخليفة العباسى ثم ابنه الامين ، فكان شاعرهما. اشتهر بمجونه وتهتكه ، وكثيرا ما حبساه لظهور ذلك فى شعره ، توفى بعد مقتل الامين عام ١٩٩ ه‍ (٨١٣ م) ببغداد. ويعتبر أبو نواس ممثل المدرسة الشعرية الحديثة ، وقد ظهر تجديده فى خمرياته وغزله بالمذكر. فهو فى هذين المجالين خصب الفكرة ، واسع الخبرة ، بحيث يستطيع أن يتغنى بمحاسنهما فى صور متجددة.

راجع : ديوان أبى نواس «المقدمة» ج ١ ص ٢٤٨ ، نشر وتحقيق ايفالد فاغر (القاهرة عام ١٩٥٨ م).

(٢٤٤) يعنى بأبى العباس الوزير «الفضل بن الربيع» المكنى بأبى العباس. وأبو نواس بهذين البيتين يمدح أبا العباس هذا ، بعد أن تم اطلاقه من السجن على يده. وقوله «وسرى الى نفسى ..» يعنى : سرى الممدوح الى نفسه فأحياها ، بعد أن أنقذه من السجن.

١٣٣

(١١٥ : أ) الى مضجع الشيخ ليس فيه الا زئبر أطماره (٢٤٥) ، وروث حماره ، فخرجت لايثاره ، مقتفيا لآثاره ، فكأن الفلك لفه فى مداره ، أو خسفت الارض به وبداره (٢٤٦) ، وسرت وفى قلبى  ـ  لبينه وذهاب أثره وعينه  ـ  حرقة ، وقلت متأسيا : لكل اجتماع من خليلين فرقة.

__________________

(٢٤٥) زئبر أطماره : أثر ثيابه البالية.

(٢٤٦) اقتباسا من قوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ، فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ ، وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) سورة القصص ، آية : ٨١.

١٣٤

الفصل الخامس

المجلس الثاني

١٣٥
١٣٦

(١١٦ : أ) المجلس الثانى

قال المخبر : فلما اندمل جرح الفراق بعد طول ، وزمان مطول (١) ومحا  ـ  رسم التذكر  ـ  تكرار فصول ، ونصول خضاب (٢) ، وخضاب نصول (٣) ، بينا أنا ذات يوم فى بعض أسواق الغبار ، أسرح طرف الاعتبار ، فى أمم تنسل من كل حدب ، وتنتدب من كل منتدى ومنتدب ، ما بين مشتمل للصماء يلويها ، ولائث للعمامة لا يسويها ، ومتلفظ بالشهادة وهو لا ينويها ، وصاعد من غور ، ومتظلم من جور ، وممسك بذنب عير أو روق (٤) ثور ، يموجون ، ومن الاجداث يخرجون ، كأنهم النمل نشرها وقد برزت للشمس ، من مطر الامس ، يشيرون (١١٦ : ب) بأجنحة الاكسية ، ويتساقطون على ثماد القلب (٥) وأسئار الاحسية (٦) ، وقد اصطف ذابحو الجزور ، وبائعو اللبوب (٧) والبذور (٨) ولصق بالاملياء (٩) حللة العقد وشهدة الزور ، ونظرت فى ذلك المجتمع الهائل المرأى والمسمع.

الى درسة غى ، وطهاة كى ، ورقاة جنون ، بضروب من القول وفنون ، وفيهم كهل قد استظل بقيطون (١٠) ، وسل سيف

__________________

(١) فى نسخة (ط) «ممطول».

(٢) نصول خضاب : ذهاب الحناء.

(٣) خضاب نصول : حناء مزالة.

(٤) روق ثور : قرن ثور.

(٥) ثماد القلب : حفر الآبار.

(٦) أسئار الاحسية : بقايا الماء فى المستنقعات.

(٧) اللبوب : الجوز واللوز.

(٨) البزور والابزار : التوابل.

(٩) الاملياء : ج ملى ، كغنى وزنا ومعنى.

(١٠) قيطون : يطلقها أهل المغرب على الخيمة ، والجمع : قياطين.

١٣٧

لاطون (١١) ، وتحدى برقية لديغ ومداواة مبطون ، قد اشتمل بسمل غفاره وبين يديه غبار فى جلد فاره ، وطحن من اطعام كفارة (١٢). وأمامه تلميذ قد شمر الاكمام ، والتفت الخلف والامام ، وصرف لوحى لحظه  ـ  الاهتمام. وهو يأسو ويجرح ، ويتكلم بلسان القوم ثم يشرح ، ويقيد من حضره بقيد العزيمة فلا يبرح. ويقول :

أيها البهم السارح ، والحزب المسرور بما لديه الفارح ، والسرب الذي تقتاته لولاة البغى الجوارح (١٣). صرفتم غروب اعتنائكم ، لمآرب نسائكم وأبنائكم ، وذهلتم عمن حل بفنائكم ، وجعلتم تطعمون وتجمعون ، (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(١٤). من وقعت على منكم عينه ، فقد رأى فاتح أقفال الاسرار ، ومثبت (١١٧ : أ) الفرار ، ومصمت أولئك الصرار ، ومغور مياه الآبار بيسير الغبار ، ومخرج الاضمار فى المضمار ، ومذهب المس وطارد العمار (١٥).

أنا قاطع الدماء اذا نزفت ، وكاشف الغماء اذا ما انكشفت ، أهنا (١٦) الابل فلا تجرب ، وأخط حول الحمى فلا تدنو السباع ولا تقرب ، وأدخن بها فلا تتسلل الحية ولا تدب العقرب ، ان نعيت الشمس  ـ  لوقت محدود  ـ  طمس فيها نورها (١٧) ، وان وعدت الارض برى

__________________

(١١) يرجح أستاذنا عبد الله كنون أنها ربما تكون مشتقة من الكلمة الاسبانية لاطون «Laton» بمعنى النحاس ، فقد استعملها المقرى فى كتابه «نفح الطيب» بهذا المعنى.

(١٢) ولاة البغى : يقصد بهم شرطة المكوس.

(١٣) كان العامة يعتقدون نوعا من الشفاء فى مثل هذه الامور.

(١٤) اقتباسا من قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ، وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ، ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة الانعام ، آية : ٣٦.

(١٥) العمار : الجن يسكنون البيوت.

(١٦) أهنأ الابل : أطلى الابل بالقطران.

(١٧) كناية عن تنبؤه بأحوال الطقس.

١٣٨

محمود فار تنورها (١٨) ، وان كتبت لعقد النكاح انحلت ، وان عقلت خطى الضالة وقفت حيث حلت ، وان زجرت الجنون تركت وخلت ، وان استثرت الدفائن ألقت الارض ما فيها وتخلت (١٩). أنا جردت البيضة الشقراء ، وزوجت الفتى الشرقى من الجارية العذراء. أنا صافحت الملك ، ورصدت الفلك ، ومزجت  ـ  بسر الحكمة  ـ  الضياء والحلك ، فاحتقرت الملك وما ملك.

دعوت علم الطباع فأطاع ، وقطعت شكوك الهيئة بالشكل القطاع ، وقلت بالقدر وبالاستطاع ، وسبقت فى صناعة البرهان (٢٠) يوم الرهان. ورضت صعاب الرياضيات حتى ذل قيادها ، وسهل انقيادها ، وعدلت الكواكب (١١٧ : ب) واختبرت القلوب اليابانية والمناكب ، وبشرت عند رجوع خنسها (٢١) بالغيوث السواكب ، ووقفت بالامتحان ، على صناعة الالحان ، وقرأت ما بعد علم الطبيعة ، وناظرت قسيس البيعة (٢٢) ، وأعملت فى الاصول مرهفة النصول ، وأحكمت أمزجة الطباع وطبائع الفصول. وامتزت بالبروع فى علم الفروع ، وقمت فى العهد الحديث بالحديث ، وحزت فى علم اللسان درجة الاحسان. وحققت قسمة الفروض ،

__________________

(١٨) فار تنورها : فاضت مياهها.

(١٩) اقتباسا من قوله تعالى : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) سورة الانشقاق ، آية ٣ ، ٤.

(٢٠) يقصد علم المنطق والمناظرة فى البحث العلمى.

(٢١) خنسها : الخنس ، قيل : الكواكب كلها ، وقيل : السيارات منها فقط ، وقيل : الخنس ، هى زحل والمشترى والمريخ والزهرة وعطارد. وقد أقسم الله تعالى بها فى قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ ... إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) آية ١٥  ـ  ١٩ من سورة التكوير.

(٢٢) قسيس البيعة : يرمى بهذا الى ما كان يحدث أحيانا بين بعض المسيحيين المستعربين من جهة ، وبين الاندلسيين الذين اتقنوا لغة المسيحيين من جهة أخرى ، فهؤلاء وأولئك كثيرا ما التحما فى مجادلات دينية.

راجع ابن الخطيب فى : الاحاطة ، لوحة ١١١ ، ٢٢٢ من مخطوطة جاييجوس بالاسكوريال.

١٣٩

وعدلت الشعر بميزان العروض ، ونظمت ونثرت ، وأكثرت فما عثرت. وعبرت حلم النوم ، ولبست الخرقة بشرط القوم (٢٣) ، ولزمت خلوة الذكر ومعتكف الصوم.

وأما معرفتى بالاخبار ، وزرع الارض بالاشبار ، ما بين جليقية (٢٤) الى الانبار (٢٥) ، وأوصاف المدن الكبار  ـ  فقد ثبت بالاختبار.

قال : فأثار قديمى ، وأذكرنى بنديمى ، فقلت : الله أكبر ، أوضح  ـ  الخبر  ـ  المخبر. فخضت اليه ومن بينى وبينه وهم بحر زاخر ، وأول ليس له آخر ، وبهم يسخر منه الساخر ، ما بين كبش مجتر وعجل ناخر (٢٦). وقلت : أيها الحبر ، ضالتى قريب أمدها ، معروف معتمدها. وعلى ذلك فالشكر (١١٨ : أ) ممنوح ، والرفد طوفان نوح. فألان (٢٧) العريكة ، وسلم النطع والاريكة ، وقال : أجل واعرض ،

__________________

(٢٣) بشرط القوم : يعنى وفق شروط قوم الصوفية فى اللباس المرقع.

(٢٤) جليقية : ادارة اسبانية أنشأها «فرناندو الاول» لابنه «غارسيا» ، ضمت الى قشتالة عام ١٦٦٢ م ١٠٧٣ ه‍ ، وتمتع أمراؤها ببعض الاستقلال الذاتى الى أواخر القرن الخامس عشر ، موقعها شمالى الاندلس فى أقصى الغرب. وقد وصل الى هذا المكان «موسى بن نصير» لما فتح الاندلس ، وينسب الى هذه الناحية «عبد الرحمن بن مروان الجليقى» من الخارجين بالاندلس أيام بنى أمية.

راجع : المعجم للحموى ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢٥) الانبار : آثار مدينة قديمة فى العراق على ضفة الفرات ، فتحها خالد بن الوليد القائد الاسلامى على عهد الخليفة أبى بكر الصديق عام ٦٣٤ ه‍ (١٢٣٦ م).

وكانت مقرا للخلافة الاسلامية حتى تأسست بغداد ، فأضحت حاضرة الخلافة حيث جددها أبو العباس السفاح ، أول خليفة عباسى. وينسب لهذه المدينة القاضى أحمد بن نصر بن الحسين الانبارى.

راجع : المعجم للحموى ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢٦) عجل ناخر : أى يمد نفسه من خياشيمه.

(٢٧) فى نسخة (س) «فألن» بصيغة الامر ، ولعل سياق المحاورة يتمشى مع نسختنا.

١٤٠