المحكم في أصول الفقه - ج ٥

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨

وتعالى للمنذور ، حيث يكون عدم وجوب الوفاء به مساوقا لعدم ترتب ما جعل به ، لا محض الالتزام به ، كي يكون وجوب الوفاء به حكما مباينا لمؤداه المجعول به ثابتا له في حالة دون اخرى ، كما في العهد.

وأما الظهار فهو مبني على الجعل والإنشاء بالنظر لحقيقته العرفية ، فيقبل الإمضاء وعدمه المساوقين للصحة والفساد ، إلا أن ظاهر الأدلة الشرعية بطلانه وعدم ترتب ما جعل به مطلقا ، وأن ترتب التحريم عليه من باب العقوبة والإلزام ، لا من باب التنفيذ ، فيكون كسائر الأحكام المترتبة على موضوعاتها غير منشأ للصحة والفساد.

وكيف كان ، فالمعيار في الصحة والفساد هو الارتباطية بلحاظ الدخول في حيز الطلب ، أو في ترتب الأثر الذي شرع لأجله العمل ، بحيث كان هو الغرض من تشريعه ، دون الارتباطية في بقية موضوعات الآثار التي لم تشرع لأجلها ولم تكن غرضا منها.

نعم ، عدم اتصاف الموضوعات المذكورة بالصحة والفساد بلحاظ تمامية الأجزاء والشرائط الدخيلة في ترتب الأثر وعدم تماميتها لا ينافي جريان القاعدة فيها لإحراز تماميتها لو فرض قصد الفاعل للتام منها ، لكون غرضه من الفعل هو ترتب الأثر المذكور ، كما لو احرز قصده للرضاع المحرم ، أو لليمين الذي يجب الوفاء به ، ثم شك في تمامية شروط الموضوع المقصود ، لما تقدم في الأمر الثالث من أن القاعدة ليست لفظية ، ليقتصر على مفاد العناوين المأخوذة فيها عرفا ، بل هي ارتكازية لبّية مبنية على أن إحراز خصوصيات العمل من شئون القائم به ، ولا يختص ذلك بما إذا كان العمل موضوعا للصحة والفساد عرفا.

ومنه يظهر أنه لا يكفي في جريان القاعدة في مثل اليمين العلم بتحقق صيغته المقصود بها معناه ، لعدم ملازمته لقصد موضوع الأثر ، بل لا بدّ من إحراز القصد لخصوص ما يجب القيام بمقتضاه ، بخلاف مثل البيع والطلاق ، فإن العلم

٤٨١

بتحقق صيغها المقصود بها الإنشاء مساوق للعلم بالقصد لموضوع الأثر ، فتجري فيها القاعدة.

ثم إن ما تقدم في تحديد موضوع الصحة والفساد وتحديد مجرى القاعدة كما يجري هنا يجري في القاعدة المتقدمة ، لعدم الفرق بينهما إلا في أن الموضوع هنا فعل الغير ولو قبل مضي محل الشك ، وهناك فعل النفس بعد مضي محله ، كما تقدم في الأمر الأول.

الأمر السادس : الظاهر أن مفاد القاعدة بالنظر للجهات الارتكازية المبتنية عليها هو التعبد بصحة الموجود وتماميته ، فتتنقح بسببها صغريات الكبريات الشرعية التكليفية والوضعية ، لا مجرد عدم الالتفات للشك في مقام العمل والعمل بما يطابق احتمال الصحة من دون بناء عليها وتعبد بها ، فليست هي قاعدة عملية محضة ، بل تعبدية. بل ربما يدعى أنها من الأمارات ، بلحاظ غلبة الصحة في فعل الفاعل وظهور حاله في تعمد الصحيح والاهتمام به.

لكن لم يتضح ابتناء القاعدة على الغلبة والظهور المذكورين ـ لو تمّا في أنفسهما ـ بل لعلها مبتنية على محض التعبد لأجل التسهيل وحفظ النظام ، كما تقدم في القاعدة السابقة ، بل هو المتعين بناء على عمومها لما إذا أخطأ الفاعل في تشخيص الصحيح ، على ما يأتي الكلام فيه.

بل يشكل كونها أصلا إحرازيا لعدم ظهور المحرز للصحة إلا الغلبة والظهور المذكورين ، اللذين عرفت الإشكال في ابتنائها عليهما ، فالمتيقن كونها قاعدة تعبدية.

وبهذا افترقت عن القاعدة المتقدمة ، لما تقدم من ظهور بعض نصوصها في كونها قاعدة إحرازية. فراجع.

٤٨٢

بقي في المقام أمران ..

الأول : لا ريب في تقدم القاعدة على الاستصحاب ، وإلا لزم إلغاؤها وإهمال دليلها رأسا ، لأنها أخص منه موردا ، على ما تقدم نظيره في القاعدة السابقة.

وأما الكلام في تقديمها على بعض الاستصحابات الموضوعية الجارية في المتعاقدين والعوضين ، كاستصحاب عدم البلوغ أو عدم إذن المالك أو عدم المسوغ لبيع الوقف من خراب ونحوه.

فهو راجع إلى الكلام في عموم القاعدة للشك من الجهات التي تجري فيها الاستصحابات المذكورة ، لا في تقديم تلك الاستصحابات عليها في فرض حجيتها ذاتا ، ولذا لو فرض عدم جريان الاستصحاب من بعض تلك الجهات ، لعدم تمامية موضوعه أو لمانع خارجي لوقع الكلام في جريان القاعدة من تلك الجهات أيضا.

ومن ثمّ كان التعرض لذلك موكولا للمقام الثالث ، الذي يكون البحث فيه عن سعة كبرى القاعدة.

الثاني : الظاهر عدم حجية القاعدة في لازم مؤداها وإن كانت أمارة ، لما تكرر منا من عدم نهوض التعبد بالمؤدى بإثبات لازمه حتى في الامارات ، إلا بدليل ، ومعه يتعين البناء عليه حتى في الأصول ، ولا دليل في المقام ، لقصور السيرة التي هي عمدة دليل القاعدة عنه.

وقد تقدم في القاعدة السابقة ما له نفع في المقام.

المقام الثالث : في سعة كبرى القاعدة.

لما كانت القاعدة لبية لا عموم لفظي لها ، ليكون ضابطا في عمومها ، لزم الاقتصار على المتيقن من دليلها.

فيتعين النظر في ما وقع الكلام فيه من جهات التعميم جهة جهة

٤٨٣

بعقد مسائل.

المسألة الأولى : أشرنا آنفا للنزاع في أن القاعدة هل تقتضي الحمل على الصحة الواقعية أو الصحة بنظر الفاعل ، وذكرنا أنه لا معنى للحمل على الصحة بنظر الفاعل ، لعدم ترتب الآثار عليها ، بل على الصحة الواقعية ، فلا بد من رجوع النزاع المذكور إلى النزاع في عموم الحمل على الصحة الواقعية لما إذا أخطأ الفاعل في تشخيص الصحيح.

وتوضيح محل الكلام في ذلك : أن الشك في صحة عمل الغير يكون ..

تارة : مع الشك في تشخيصه بحسب اجتهاده أو تقليده للصحيح من الفاسد ، بل يحتمل غفلته عن ذلك وعمله من دون بصيرة فيه ، بل اكتفاء باحتمال إصابته للواقع ، أو جريا على ميزان غير شرعي ، كقانون دولة أو تعارف عشائري.

واخرى : مع العلم بجهله به وعدم تشخيصه له.

وثالثة : مع العلم بتشخيصه له ، واعتقاده بنحو خاص فيه.

أما الأولى فالظاهر البناء على الصحة فيها بالنظر لحال السيرة ، لما هو المعلوم من عدم تيسر معرفة حال الفاعل من هذه الجهة في كثير من الموارد ، فلو بني على إهمال قاعدة الصحة فيها لزم الهرج والمرج واختلال النظام بالنحو المتقدم في الاستدلال على أصل القاعدة.

اللهم إلا أن يقال : ظاهر حال من يتصدى لعمل تشخيصه لما يعتبر فيه. فالبناء على الصحة في عمله في فرض الشك في تشخيصه للصحيح مبني على هذا الظهور ، لا على التعبد بها مع الشك المذكور ابتداء ، غايته أنه لا يعلم كيفيته تشخيصه وأنه معذور فيه أو لا ، كما لا يعلم بكونه مصيبا في تشخيصه أو مخطئا فيه ، فيدخل في الصورة الثالثة.

وكذا الحال في الصورة الثانية لو اريد منها العلم بعدم استناده لطريق يعذر فيه.

٤٨٤

وإن اريد بها العلم بتعمده للعمل من دون بصيرة وجهلا بالصحيح الشرعي ، إما اتكالا على المصادفات في إصابته أو لتعمد ميزان آخر غير الميزان الشرعي ، خروجا عن مقتضى وظيفته من إحراز الخصوصيات المعتبرة في صحة عمله فلا يتضح من سيرة العقلاء والمتشرعة البناء على صحة العمل لو احتمل مصادفته للصحيح شرعا ، بل الظاهر منهم التوقف فيه ، ولا أقل من الشك في بنائهم على الصحة الملزم بالتوقف عن جريان القاعدة ، والرجوع لمقتضى الأصول الاخرى القاضية بالصحة أو البطلان.

وأما الصورة الثالثة فهي على أنحاء ..

الأول : أن يعلم بإصابته في تشخيصه.

الثاني : أن يشك في ذلك.

الثالث : أن يقطع بخطئه فيه.

والأول متيقن من مورد القاعدة. وأما الثاني فالظاهر عموم القاعدة له بالنظر للسيرة المشار إليها ، لغلبة عدم تيسر المعرفة بحال الفاعل وكيفية تشخيصه ، نظير ما ذكرناه آنفا.

نعم ، أشار شيخنا الأعظم قدّس سرّه إلى دعوى : أن مقتضى القاعدة البناء على صحة تشخيصه وعدم خطئه في اعتقاده ، فيكون نظير الوجه الأول الذي فرض فيه العلم باصابة تشخيصه ، ويكون البناء على صحة عمله متفرعا على ذلك ، لا لجريان قاعدة الصحة في العمل مع الجهل بحال تشخيص حال الفاعل رأسا.

لكن أصالة الصحة في الاعتقاد وعدم الخطأ فيه قد تتم في الامور الحسية أو القريبة من الحس ، دون الامور الحدسية ، لعدم وضوح جريان أصالة عدم الخطأ في الحدسيات ، سواء شك في مطابقة مقتضى الحدس المعلوم للواقع المجهول ـ كما في الاجتهاد في الحكم الشرعي ـ أم في مطابقة مقتضى الحدس المجهول للواقع المعلوم ، كما في المقام ، لو فرض تشخيص المكلف المبتلى

٤٨٥

بعمل الغير لما يعتبر في صحة العمل ، أم في مطابقة مقتضى الحدس المجهول للواقع المجهول ، كما في المقام لو فرض جهل المكلف المبتلى بعمل الغير بما يعتبر فيه.

ولا سيما مع العلم باختلاف طريق صاحب الحدس مع طريق المكلف في الوصول للواقع ، كما هو الحال في كثير من فروض المقام ، إذ كثيرا ما يبتلى المكلف بعمل شخص يعلم بعدم اعتماده على ما يعتمد هو عليه من طريق الاجتهاد أو التقليد ، وان احتمل اتفاق الطريقين في النتيجة.

غاية الأمر أنه دل الدليل على رجوع الجاهل للعالم في الحدسيات في الجملة.

لكنه لا يبتني على أصالة عدم الخطأ في الحدس ، بل على حجّية حدس العالم في حق الجاهل ، وهو أجنبي عن محل الكلام.

ومن هنا كان الظاهر عدم ابتناء جريان قاعدة الصحة في عمل الغير في هذا الفرض على أصالة الصحة في اعتقاده.

وأما الفرض الثالث فقد وقع الكلام فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد جزم غير واحد بعدم جريان القاعدة فيه ، كما قد يظهر ذلك من كل استدل بال على القاعدة بالغلبة وظهور حال المسلم ، لاختصاصهما بصورة عمل الفاعل بالصحيح وعدم خطئه فيه.

وقد يستدل عليه : ـ مضافا إلى ذلك ـ بعدم وضوح ثبوت السيرة ـ التي هي عمدة الدليل على القاعدة ـ في الفرض المذكور.

لكن تقدم الإشكال في ابتناء القاعدة وظهور حال المسلم ، فلا يهم قصورهما عن الفرض.

وأما السيرة فالظاهر ثبوتها في المقام ، كيف وإلا لزم عدم جريان القاعدة في حق المخالفين ، لكثرة مخالفتهم لنا في الفروع ، وهو مقطوع البطلان ، لكثرة

٤٨٦

الابتلاء بأعمالهم في عصور المعصومين عليهم السّلام فلو لم تجر القاعدة فيها لظهر ذلك وكثر السؤال عنه والتنبيه عليه ، بل لاختل نظام أمر المؤمنين ووقعوا في أعظم الحرج ، وحيث لم يقع شيء من ذلك كشف عن عموم سيرتهم. كما هو الحال في السيرة الفعلية ، بين المؤمنين أنفسهم حيث لا إشكال في جريهم على القاعدة من دون توقف أو فحص ، مع وضوح اختلاف أفراد الطائفة الحقة في الاجتهاد والتقليد اختلافا فاحشا.

بل لو لا ذلك لم تجر القاعدة في الفرض الثاني بعد ما عرفت من عدم جريان أصالة الصحة في الاعتقاد معه ، لاشتراكه مع هذا الفرض في عدم المحرز لصحة العمل ، بل هي تبتني فيهما على الصدفة ، وقد عرفت وضوح جريانها في الفرض المذكور.

نعم ، مع العلم بمخالفة اعتقاد الفاعل للواقع بنحو يلزم من جريه على اعتقاده فوته ، لعدم الجامع بينهما في مقام العمل ، كما لو وجب العقد بالعربية ، وكان موقع العقد فارسيا يعتقد وجوب إيقاع العقد بلغة الموقع ، أشكل جريان أصالة الصحة في عمله لو احتمل صحته ، لمخالفته في عمله لاعتقاده عمدا أو غفلة.

لأن ندرة الفرض المذكور مانع من إحراز السيرة فيه ، كما أن ظهور حاله في متابعة اعتقاده مانع من إحراز عموم الارتكاز الذي تبتني السيرة عليه ، فيتعين التوقف فيه.

وإن لم يبعد الاقتصار على ما إذا كان ظاهر حال الفاعل جريه على معتقده واقتصاره عليه ، دون ما إذا احتمل احتمالا معتدّا به خروجه عنه ، أو جمعه بين مقتضاه ومقتضى الواقع احتياطا.

ثم إنه لا يفرق في جميع فروض المسألة بين العلم بمعذورية الفاعل في اعتقاده ، والعلم بتقصيره فيه والشك في ذلك ، لعدم دخل المعذورية في الاعتقاد

٤٨٧

في الجهات الارتكازية التي تبتني عليها القاعدة ، لابتنائها على التعبد بالواقع لاحتمال إصابته ، ولا دخل في ذلك للمعذورية التي هي المعيار في الحسن الفاعلي.

بقي في المقام شيء وهو أنه لو علم من حال الفاعل عدم اهتمامه بمطابقة الجعل الشرعي ، بل بمطابقة شريعته لو لم يكن مسلما ، أو القانون ، أو المصطلح العرفي ، أو نحوها ، واحتمل مطابقة عمله لمقتضى الجعل الشرعي ، فهل نجري القاعدة لإحراز صحة ما أتى به شرعا أو لا؟ لا يبعد جريانها بالنظر للجهات الارتكازية التي تبتني عليها القاعدة من حفظ النظام ونحوه ، ولا سيما بملاحظة ما تقدم من جريانها في ما لو علم بخطئه في تشخيص الصحيح ، لعدم الفرق بينهما في الجهات الارتكازية بل الظاهر قيام السيرة في المقام ، بلحاظ كثرة الابتلاء بمعاملات غير المسلمين. فلاحظ.

المسألة الثانية : الظاهر جريان القاعدة مع احتمال المخالفة العمدية ، ولا تختص باحتمال المخالفة الخطئية ، لعموم الجهة الارتكازية الكاشفة عن عموم السيرة.

ويشهد به بعض الفروع المحررة في كلماتهم التي يفرض فيها الشك في الشروط المفسدة ونحوها مما من شأنه أن يقع عمدا ، وحمل كلماتهم على خصوص فرض الجهل بالإفساد بعيد عن مساقها جدا ، بل يظهر من بعض كلماتهم أن جريان القاعدة مع العلم بالإفساد فيها أولى منه مع الجهل به وتخيل عدمه ، ولذا ذهب بعضهم إلى عدم جريانها مع خطأ الفاعل في تشخيص الحكم الشرعي ، كما سبق.

المسألة الثالثة : الشك في صحة العمل وفساده.

تارة : يكون مسببا عن الشك في ما يعتبر فيه مع إحراز قابلية الموضوع والفاعل ، كما لو شك في صحة الصلاة للشك في الاستقبال أو في صحة البيع

٤٨٨

للشك في وقوع العقد بالعربي.

واخرى : يكون مسببا عن الشك في قابلية الموضوع ، كما لو شك في صحة البيع للشك في كون المبيع خمرا أو ميتة.

وثالثة : يكون مسببا عن الشك في أهلية الفاعل للقيام به ، كما لو شك في صحة صلاة الميت لاحتمال عدم إيمان المصلي أو عدم إذن الولي له ، أو شك في صحة البيع لاحتمال الحجر على البائع.

أما الأول فهو المتيقن عندهم من جريان قاعدة الصحة.

وبها ترفع اليد عن الأصول الموضوعية المقتضية للبطلان ، الجارية في الأسباب ، كاستصحاب الحدث ، وأصالة عدم وقوع العقد العربي ، أو في المسببات ، كاستصحاب عدم الانتقال أو عدم ترتب الأثر ، التي هي مرجع أصالة الفساد.

وأما الثاني فقد أنكر غير واحد جريان قاعدة الصحة فيه ، لدعوى خروجه عن السيرة التي هي عمدة الدليل في المقام.

لكن لم يتضح تحديد شرط قابلية الموضوع ، فقد مثلوا له بما لو احتمل كون المبيع خمرا أو ميتة أو وقفا.

ولا يخفى أن المراد به إن كان هو الأمر الذي يمتنع طروءه على الموضوع بعد فقده له ، اختص بالميتة ، لعدم إمكان طروء التذكية عليها ، بخلاف الخمر والوقف ، لإمكان انقلاب الخمر خلًّا ، فيجوز بيعه ، كما يمكن طروء مسوغات البيع على الوقف.

وإن كان مطلق الشرط المعتبر في الموضوع ـ كما يظهر من بعض مشايخنا ـ لزم عدم جريان القاعدة في البيع لو شك في العلم بالعوضين حينه ، أو في التساوي بين الربويين.

ولا يمكن منهم البناء على ذلك ، لدخوله في مورد السيرة الفعلية أو

٤٨٩

الارتكازية ، لعدم الخصوصية له ارتكازا في المنع من جريان القاعدة من بين الشروط.

بل تحديد نوع الشرط قد يبتني على محض اصطلاح للفقهاء حسب تبويبهم للمسائل ، فمثل العلم بالعوضين يمكن جعله شرطا في العقد باعتبار لزوم مقارنته له ، كالطهارة في الصلاة ، كما يمكن جعله شرطا في العاقد باعتبار قيامه به ، وفي العوضين باعتبار تعلقه بهما ، ومثل ذلك لا يمكن أن يكون مناطا للسيرة المبتنية على الارتكازيات.

وقد جعل بعض الأعاظم قدّس سرّه المعيار في المنع على كون الشرط شرطا في مالية العوضين عرفا أو شرعا أو قابليتهما للنقل والانتقال ، فيخرج مثل العلم بالعوضين والتساوي في الربويين.

لكن لما كان العقد المفروض الشك في صحته وفساده هو البيع لا مطلق النقل ، فلا وجه للاكتفاء بإحراز القابلية لأصل النقل والانتقال دون خصوص البيع لو كان المعيار على إحراز القابلية ، ولو كان ذلك لخصوصية في الشرطين المذكورين ناسب التعرض لوجه خصوصيتهما من بين سائر الشروط من حيثية الجهات الارتكازية الكاشفة عن عدم السيرة.

ومجرد عدم إحراز السيرة الفعلية لا يكفي ، لأن إحراز السيرة في كل شرط شرط متعذر غالبا ، وإنّما يستفاد الحكم في عموم الشروط بضميمة عدم ظهور الخصوصية لبعضها ارتكازا.

على أن هذا مختص بالبيع ، ولا يصلح لبيان الضابط العام في جميع المعاملات ـ كما هو بصدده ـ فضلا عن أن يكون ضابطا لجميع موارد قاعدة الصحة.

نعم ، ذكر في جامع المقاصد في توجيه قبول دعوى الضامن صدور الضمان منه حين الصبا أن قاعدة الصحة إنما تجري بعد استكمال الأركان.

٤٩٠

قال : «لأن الأصل براءة الذمة فيستصحب. وكذا الأصل عدم البلوغ. وليس لمدعي أهليته للضمان حين وقوعه ـ وهو المضمون له ـ أصل يستند إليه ، ولا ظاهر يرجع إليه يكون معارضا للأصلين السابقين.

فإن قيل : له أصالة الصحة في العقود ، وظاهر حال العاقد الآخر أنه لا يتصرف باطلا.

قلنا : الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها ، ليتحقق وجود العقد ، أما قبله فلا وجود للعقد ، فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحرّ أم العبد ، حلف منكر وقوع العقد على العبد. وكذا الظاهر انما يثبت مع الاستكمال المذكور ، لا مطلقا».

بل قد يظهر ذلك من العلامة في القواعد ، حيث ذكر أنه ليس لمدعي أهليته أصل يستند إليه ولا ظاهر يرجع إليه ، بخلاف ما لو ادعي شرط أمر مفسد ، لأن ظاهر حال المتعاقدين أنهما لا يتصرفان باطلا.

ولعله راجع إلى أنه لا بدّ في جريان القاعدة في العمل من إحراز أركانه المقومة له بنوعه ، كالايجاب والقبول والقصد ، وبشخصه ، كالثمن والمثمن الخاص لو تعلق الغرض به ، فلا تجري في بيع العبد إلا بعد إحراز وقوع العقد عليه ، لأن صحة الخاص فرع ثبوته ، وصحة أصل العقد لا تثبت خصوصيته ، ليترتب أثرها.

نظير ما تقدم من أن كل ما يكون مقوما للعمل المقصود ، بحيث يتوقف صدق عنوانه على قصده لا تحرز القاعدة قصده ، بل لا تجري إلا بعد إحراز قصده.

ولعل جعله البلوغ من الأركان لأجل سقوط قصد الصبي وعبارته عندهم ، ولذا حكم في القواعد بعدم صحة ضمانه حتى باذن الولي ، فلا يحرز مع احتمال الصبا حين الإيجاب الذي هو من أهم أركان العقد.

٤٩١

وهذا وإن كان متينا بحسب الكبرى ، إلا أنه يختص بما يتوقف عليه صدق عنوان العمل المشكوك في صحته وفساده ، لكونه مقوما له ، سواء كان راجعا للفاعل ، كالقصد ، أم للفعل ، كالقبول ، أم للموضوع كالزوجية في المطلقة ، والمالية في البيع ، بناء على أخذها في مفهوم البيع ، دون بقية الشروط ، من دون فرق بين ما يكون شرطا في أصل الانتقال ، كالطلقية في مثل الشك في كون المبيع رهنا أو وقفا ، وما يكون شرطا في خصوص البيع ، كالتساوي في الربويين.

بل لا يجري ذلك في ما يكون شرطا في المالية شرعا ، كعدم الخمرية ، لأن سلب المالية شرعا إنما يقتضي عدم ترتب أحكامها ، المستلزم لعدم نفوذ البيع شرعا ، مع صدقه عرفا ، فيكون موضوعا للصحة والفساد ، ويتحقق به موضوع القاعدة.

بل يتعين في جميع ذلك جريان القاعدة ، لعدم الفرق بين أفراد الشرط المذكورة في الجهة الارتكازية ، التي تبتني عليها القاعدة.

نعم ، القاعدة إنما تقتضي تحقق الشرط من حيثية تصحيح العقد ، لا مطلقا ومن سائر الجهات ، نظير ما تقدم في القاعدة السابقة. فلو شك في خمرية أحد العوضين لم تنهض بنفي خمريته بلحاظ جميع آثار الخمرية حتى ما لم يكن منها دخيلا في صحة العقد ، كنجاسته وحرمة شربه.

وهو أمر آخر خارج عن محل الكلام.

ثم إن مرجع توقف جريان القاعدة على إحراز الأركان إلى لزوم إحرازها بالنحو الذي يحرز معه عنوان العمل ، ففي مثل القبول والقصد لا بدّ من إحراز وجوده الواقعي ، أما في مثل المالية في البيع والرقية في العتق والزوجية في الطلاق ، فيكفي إحراز القصد إليه ، لاعتقاد الفاعل تحققه حين العمل ، إذ مع عدم إحراز القصد إليه لا يحرز القصد لعنوان العمل ، الذي تقدم توقف جريان

٤٩٢

القاعدة عليه ، أما مع إحراز القصد إليه لاعتقاد وجوده ، فيتم موضوع القاعدة ، ولا مجال لعدم جريانها.

ولذا لا يظن من سيرة المتشرعة عدم إجراء الوارث قاعدة الصحة في عتق المورث لكفارة ونحوها لو احتمل بطلانه ، لاحتمال وقوعه بعد انعتاق العبد بتنكيل أو جذام أو نحوهما.

هذا ، ويؤيّد ما ذكرنا من جريان القاعدة مع الشك في الشروط إذا احرز عنوان العمل للقصد إليه بأركانه ، بل يشهد به أنه لا ريب ظاهرا في جريان قاعدة الفراغ لو تحقق الشك بعد الفراغ من العمل ، لعموم أدلتها المتقدمة ، ومن البعيد جدا بالنظر للمرتكزات عدم تكليف الفاعل نفسه بالتدارك لأجل تلك القاعدة ، وتكليف الغير به ، لعدم جريان قاعدة الصحة في حقه ، لرجوع القاعدتين لجامع ارتكازي واحد ، كما سبق.

ومما تقدم يظهر الحال في شرائط الفاعل ، وأن ما كان منها بوجوده الواقعي مقوما للعمل ، لركنيته فيه ، أو دخله في ما هو الركن فيه ، لا تجري القاعدة مع عدم إحرازه ، كالقصد ، والبلوغ بناء على سلب عبارة الصبي عرفا.

وما كان منها بوجوده العلمي مقوما للعمل لا بدّ من إحراز القصد إليه وإن لم يحرز وجوده واقعا ، كزوجية المطلّق للمطلّقة.

وما لم يكن كذلك لا يعتبر إحرازه ولا إحراز القصد إليه في جريانها ، كبلوغ العاقد بناء على بطلان عقد الصبي شرعا حتى باذن الولى ، وإن لم يكن مسلوب العبارة عرفا ، وإيمان المصلي على الميت ، ونحوهما.

وإلا فلم يتضح الفرق بين إيمان المصلي وطهارته ، مع عدم الإشكال ظاهرا في جريانها مع الشك في الطهارة.

وجعل الطهارة من شروط الفعل والايمان من شروط الفاعل ، تحكم. ولو تم كان محض اصطلاح لا معنى لدخله في جريان القاعدة المبنيّة على

٤٩٣

الارتكازيات ، كما سبق نظيره.

نعم ، الظاهر قصور القاعدة عما لو كان الشك في الصحة والفساد مسببا عن الشك في السلطنة ، سواء كان في المعاملات ـ كالبيع ـ أم في العبادات ، كصلاة الميت التي يعتبر فيها إذن الولي ـ بناء على تفرع اعتباره على حق له ، لا انه شرط محض ـ لقصور السيرة عن ذلك.

وبناؤهم على الصحة مع الشك في السلطنة مختص بما إذا احرزت ظاهرا بمثل اليد ونحوها ، حيث تقدم في قاعدة اليد نفوذ تصرف الإنسان في ما تحت يده ظاهرا وقبول قوله فيه ، ولا يبنى على الصحة بدونها.

بل لو فرض سقوط حجية اليد ، كما لو أنكر المالك التوكيل ـ حيث تقدم أن إنكاره مقدم على دعوى صاحب اليد الفعلية ـ تعين بمقتضى سيرتهم الارتكازية البناء على عدمه ، ولا يظن من أحد التشكيك في ذلك بعد النظر في المرتكزات ، وفي كلمات الأصحاب في الفروع المختلفة المناسبة لذلك.

ولعله عليه يحمل كلام بعض من صرح بعدم جريان القاعدة مع الشك في البلوغ.

نعم ، هو مختص ببلوغ من له العقد لو احتمل عدم سلطنته ، لعدم إذن الولي له. أما بلوغ وقوع الصيغة فاعتباره مبني على سقوط عبارة الصبي شرعا وعدم ترتب الأثر عليها حتى بإذن الولي ، ولا دخل له بالسلطنة ، فهو كسائر الشروط تجري قاعدة الصحة مع الشك فيه لو احرزت السلطنة ، ولو لإذن من له السلطنة على العقد ، وإن لم تحرز صحة وكالته عنه ، لأن الوكالة من العقود التي فرض البناء على عدم صحتها من الصبي. إلا أن يدعى سقوط قصده عرفا فيكون البلوغ من أركان العقد التي يمتنع جريان قاعدة الصحة مع الشك فيها كما سبق.

هذا ، وقد استشهد شيخنا الأعظم قدّس سرّه على جريان القاعدة مع الشك في

٤٩٤

البلوغ بعموم أدلتها من السيرة ولزوم الاختلال قال : «ولذا لو شك المكلف ان هذا الذي اشتراه هل اشتراه في حال صغره بنى على الصحة».

فإن أراد صورة الشك في ذلك مع إحراز السلطنة لاذن من له السلطنة ـ بناء على بطلان عقد الصبي مطلقا ـ فما ذكره في محله.

وإن أراد صورة الشك في السلطنة ، للعلم بعدم إذن الولي ، فلا مجال للبناء عليه بالنظر للسيرة ، كما يظهر بقياسه على الشك في الوكالة ، لأنهما من باب واحد. ولزوم الاختلال ممنوع ، لعدم شيوع الشك المذكور ، ولا سيما مع كون جواز تصرفه في ما تحت يده والحكم بملكيته له مقتضى حجية اليد ، ولا يحتاج فيها القاعدة ، كما لو احتمل كون ما تحت يده مسروقا له حين صغره.

وإنما يظهر الأثر في فرض التداعي ، حيث تسقط يده عن الحجية ، لكونها مسبوقة بملكية الغير المنكر للسبب الناقل ، فيحتاج للقاعدة.

وندرة ذلك مانعة من استكشاف السيرة الفعلية عليه ، فضلا عن لزوم محذور الاختلال. والسيرة الارتكازية مع ما عرفت ممنوعة.

ومثله ما ذكره من إمكان أن يقال : إن الظاهر من حال الآخر المفروض بلوغه عدم تصرفه باطلا.

إذ لو أراد بالظهور المذكور ما يساوق قاعدة الصحة في تصرفه لدعوى ابتناء القاعدة على ظهور حال الفاعل. فمن الظاهر أنه إنما يسلط على أحد طرفي العقد ويباشره ، وصحته لا تستلزم صحة العقد ، نظير ما سبق في الأمر الثاني من المقام الثاني.

وإن أراد به أمرا آخر يكون حجة على المدعي في المقام مكذبة لدعواه. فهو ـ مع اختصاصه بما إذا كان عالما بالحكم ـ غير معلوم الحجية عليه في حق نفسه ، بنحو يمنع من سماع دعواه ، كما لا ينبغي الإشكال في عدم حجيته في حق الطرف الآخر المحتمل الصبا لو ادعى إيقاع العقد حينه.

٤٩٥

بقي شيء ، وهو أن شيخنا الأعظم قدّس سرّه منع من البناء على الصحة الفعلية ـ بمعنى ترتب الأثر ـ في ما لو شك في القبض في الهبة والصرف والسلم ، وفي إجازة المالك لعقد الفضولي ، لدعوى : أن صحة العقد في جميع ذلك ليست بمعنى فعلية ترتب الأثر عليه ، بل بمعنى كونه بحيث لو تعقبه القبض أو الاجازة لترتب عليه الأثر ، لأن صحة كل شيء بحسبه ، فأصالة الصحة لا تحرز أكثر من ذلك.

ويشكل ما ذكره في القبض : بأن العقود المذكورة لما كانت مبنية على إنشاء مضامينها فعدم ترتب مضامينها لفقد بعض الشروط مناف لصحتها ، ولا مجال لحمل الصحة فيها على الصحة التأهلية ، وإلا لجرى ذلك في جميع الشروط ، كما في سبق في الأمر الثاني من المقام الثاني. ومجرد كون الشرط متأخرا لا أثر له في ذلك.

نعم ، لو كان القبض شرطا في بقاء الأثر مع كفاية العقد في حدوثه ، أشكل البناء على تحققه بالقاعدة ، لأن تخلفه لا يستلزم بطلان العقد ولا ينافي صحته ، لأن البقاء ليس أثرا للعقد ، بل هو مقتضى طبيعة الأثر ، فهو نظير فسخ العقد الصحيح الذي لا تنهض القاعدة بنفيه.

إلا أن يتمسك له بما تقدم في الأمر الثالث من المقام الثاني من عموم القاعدة للامور غير الارتباطية إذا احرز الإتيان بالفعل بعنوان كونه محققا لمجموعها.

لكنه موقوف على إحراز قصد المتعاقدين للعقد بلحاظ بقاء أثره الموقوف على القبض ، والبناء منهما على تحقيق القبض والفراغ عن العمل بذلك العنوان ، ولا يكفي مجرد إيقاع العقد بلحاظ ترتب أثره من دون نظر لبقائه. فلاحظ.

نعم ، يتجه ما ذكره قدّس سرّه في إجازة عقد الفضولي ، من دون فرق بين قصدهما

٤٩٦

للعقد فقط وقصدهما له بلحاظ ترتب الأثر عليه شرعا ، المستتبع للسعي في تحقيق الاجازة ، لأن مضمون العقد التابع للإجازة لما كان خارجا عن سلطانهما لم تنهض القاعدة بإحرازه ، لما سبق من توقفها على إحراز سلطنة الفاعل.

ومنه يظهر الحال في ما ذكره بقوله : «وأولى بعدم الجريان ما لو كان العقد في نفسه لو خلي وطبعه مبنيا على الفساد ، بحيث يكون المصحح طاريا عليه ، كما لو ادعى بائع الوقف وجود المصحح له ، وكذا الراهن أو المشتري من الفضولي إجازة المرتهن أو المالك».

فإنه لا مجال لما ذكره في مثل بيع الوقف ، لأن الوقفية كسائر الموانع التي يكون وجودها موجبا لفساد العقد وعدم ترتب أثره ، فلا وجه لعدم جريان أصالة الصحة في البيع لو فرض إحراز سلطنة البائع ولو لكونه صاحب يد ، وقد سبق أنه لا مجال لدعوى قصور القاعدة عن شروط العوضين ، كما لا مجال لدعوى لزوم إحراز قابلية المحل في جريانها ، نظير ما تقدم في قاعدة الفراغ ، لأنهما من باب واحد.

وإنما يتجه ما ذكره في الرهن وفي الفضولي لما تقدم من عدم إحراز السلطنة ، ومثله سائر موارد الشك في الاذن إذا كان راجعا للشك في السلطنة.

أما إذا لم يكن الإذن شرطا في السلطنة ، بل كان شرطا في نفس الفعل فلا يبعد جريان قاعدة الصحة مع الشك فيه ، كما لعله الحال في مثل إذن العمة والخالة والحرة في نكاح بنت الأخ والأخت والأمة ، حيث لا يبعد كون شرطيته حكما أدبيا لا يرجع إلى سلطنتهن على النكاح وحجز الزوجين عنه ، لقصورهما عنه أو لمزاحمته لحقهن. وإن كان محتاجا للتأمل.

المسألة الرابعة : إذا علم بفساد العمل من جهة ، فهل تنهض القاعدة بإحراز صحته من سائر الجهات لو شك فيها؟.

ومحل الكلام ما إذا كان الأثر مترتبا على العمل الصحيح من تلك

٤٩٧

الجهات ، كما قيل بذلك في التحريم المؤبد بين الزوجين إذا وقع العقد في العدة ، فقد ذهب غير واحد إلى اختصاصه بالعقد الصحيح من غير جهة العدة ، دون الفاقد لبعض الشروط الآخر ، بخلاف ما إذا كان الأثر مترتبا على عنوان آخر يحصل مع فساد العمل ، كما لو علم ببطلان الغسل الارتماسي لعدم الحدث ، واحتمل عدم استيعاب الغسل للأعضاء ، المستلزم لعدم طهارتها من الخبث ، لوضوح أن الطهارة من الخبث ليست من آثار الغسل الصحيح من غير حيثية وجود الحدث ، بل من آثار غسل البشرة ، فلا ينبغي التأمل في عدم جريان القاعدة حينئذ لإحراز الأثر المذكور ، لأنها لا تحرز موضوعه إلا بناء على الأصل المثبت.

ولا مجال لاجزائها في نفس موضوع الأثر ، لفرض عدم الإتيان بالفعل بقصد عنوانه ، الذي سبق في الأمر الرابع من المقام الثاني توقف جريان القاعدة عليه.

إذا عرفت هذا ، فحيث كان الدليل على القاعدة منحصرا بالسيرة أشكل البناء على جريانها في محل الكلام ، لقلة الابتلاء بذلك فلا يحرز حال السيرة الفعلية عليها.

كما لا يحرز عموم الارتكاز الذي تبتني عليه السيرة ، لعدم وضوح ابتنائه على الانحلال بلحاظ كل جهة جهة ، كي لا يخل عدم جريانها بلحاظ بعض الشروط بجريانها بلحاظ الشروط الاخرى ، بل من القريب ابتناؤه على المجموعية بلحاظ ترتب الأثر الفعلي للعمل التام ، فمع فرض عدم تماميته من بعض الجهات لا تجري من بقيتها.

نعم ، لو كان مبنى الارتكاز المذكور على الغلبة أو ظهور حال الفاعل اتجه البناء على جريانها ، لابتنائهما على الانحلال وعمومهما لمحل الكلام. لكن تقدم الإشكال في ذلك.

٤٩٨

خاتمة

يبحث فيها في أمرين ..

الأمر الأول : لما كانت قاعدة الصحة محرزة لصحة العمل الواقع من الغير فهي تقتضي ترتب جميع آثار صحة عمله شرعية كانت ـ كجواز الائتمام به واستحقاقه الاجرة لو كان أجيرا ـ أم عقلية ، كسقوط الأمر الكفائي به ، بناء على التحقيق من رجوعه لأمر الكل بأصل الماهية الحاصلة بصرف الوجود حيث يكون سقوط الأمر عنهم بفعل الواحد عقليا ، لأن الأمر لا يدعو إلا إلى متعلقه ، وكذا سقوط الأمر العيني مع النيابة في مورد مشروعيتها ، حيث يكون مقتضى أصالة الصحة عقلا في فعل النائب سقوط أمر المنوب عنه به.

وأما ما عن المشهور من اعتبار العدالة في النائب فمن القريب أن يحمل على صورة الشك في الإتيان بالعمل ، أو في قصد تفريغ ذمة المنوب عنه به ، بناء منهم على عدم الاكتفاء بالوثوق في ذلك.

أما مع إحراز الإتيان بالعمل بنية تفريغ ذمة المنوب عنه والشك في صحته فالظاهر منهم جواز البناء منه ومن غيره على الصحة ، عملا بالقاعدة التي جروا عليها في سائر الموارد ، ويترتب عليه فراغ ذمة المنوب عنه.

لكن ظاهر شيخنا الأعظم قدّس سرّه التوقف في البناء على فراغ ذمة المنوب عنه ، بدعوى : أن لفعل النائب حيثيتين.

الأولى : كونه فعلا له بالمباشرة.

الثانية : كونه فعلا للمنوب عنه بالتسبيب.

وقاعدة الصحة إنما تقتضي إحراز الصحة له من الحيثية الأولى ، فتترتب آثار صدور الصحيح منه ، من استحقاقه الاجرة ، وجواز استئجاره ثانيا ، بناء على اشتراط فراغ ذمة الأجير في صحة استئجاره ثانيا ، ونحوهما.

٤٩٩

أما من الحيثية الثانية فلا محرز للصحة ، لعدم التلازم بين الحيثيتين في التعبد بها ، فلا مجال للبناء على فراغ ذمة المنوب عنه ، بل لا بدّ من إحراز صحة العمل لاجل ذلك بطريق آخر ، كاخبار الفاعل ونحوه من عدالته أو ثقته.

ولا يخلو ما ذكره عن غموض ، لعدم تعرضه لوجه الفرق بين الحيثيتين في جريان قاعدة الصحة. إلا أنه لا يبعد ـ بعد النظر في كلام بعض أعاظم شراح كلامه المؤيد ببعض فقرات منه ـ أن يكون نظره في الفرق إلى أنه لما كان موضوع قاعدة الصحة هو فعل الغير لا فعل الإنسان نفسه فلا مجال للمنوب عنه أن يجريها في حق نفسه لأجل إحراز فراغ ذمته ، لأن فراغ ذمته بفعل النائب إنما هو بتوسط انتساب فعله له ، لا للنائب ، بخلاف استحقاق النائب الاجرة ، فإنه من آثار انتساب الفعل للنائب ، فموضوع الأثر المذكور هو فعل الغير الذي هو مجرى القاعدة. وكذا سقوط التكليف الكفائي عن ذمة المكلف بفعل غيره ، فإنه لا يتوقف على انتسابه له ، بل يكفي فيه انتسابه للمباشر.

ولعله لذا ذكر قدس سرّه أن الوجه المذكور لا يجري في استئجار الولي للعمل عن الميت ، حيث لا يعتبر في براءة ذمة الميت انتساب الفعل للولي المكلف بابراء ذمة الميت ، بل يكفي فيه انتسابه للميت ، فيكون موضوع الأثر في حق الولي هو فعل الغير من حيث هو فعل الغير ، فتشمله القاعدة.

وعلى هذا ، فغاية ما يمنع منه هذا الوجه هو رجوع المنوب عنه للقاعدة ، لا رجوع غيره ممن يتعلق غرضه ببراءة ذمة المنوب عنه ، كالولي والوصي والوارث.

لكنه يندفع ..

أولا : بأن أخذ خصوصية فعل الغير في موضوع القاعدة مستفاد من الارتكاز الذي تبتني عليه السيرة ، والظاهر منه أن الموضوع هو فعل الغير بالمباشرة ، وإن كان فعلا للنفس بالتسبيب ، وليس مستفادا من دليل لفظي كي

٥٠٠