المحكم في أصول الفقه - ج ٥

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٨

وموضوعه ، فيتعدد الموضوع تبعا لتعددها فيكون للعام أفراد طولية وعرضية متساوية النسبة بالإضافة إليه ، ولكل منها حكم مختص به.

وهذا ، إنما يتم فيما إذا كان الفرد أمرا كليا قابلا للتقييد بالزمان ، كما لو قيل : يجب صوم كل يوم من شعبان على أولاد زيد ، فان الصوم في كل يوم من الشهر فرد للعام كما أن كل ولد من أولاد زيد فرد له. وبهذا اختلفت هذه الصورة عن سابقتها.

هذا ، ولا ينبغي الإشكال في عدم حجية العام في الفرد بعد انتهاء أمد المخصص في الصورة الأولى ، فلو علم في المثال السابق بجواز الأكل لشخص من أفراد العام عند زوال يوم من الأيام التي كان مقتضى العموم وجوب صومها وشك في وجوب الامساك عليه بعد ذلك فلا مجال لاثباته بالعام المذكور ، لأن فرد العام ليس إلا الإمساك المستمر في تمام اليوم بمقتضى فرض الارتباطية ، فمع فرض عدم وجوبه يعلم بخروج الفرد عن العموم ، وليس وجوب الامساك في بعض اليوم مدلولا للعام ، ليلزم من عدمه زيادة في التخصيص وينهض العام باثباته ، ليرفع به اليد عن الاستصحاب لو فرض تمامية أركانه.

ولا فرق في ذلك بين ثبوت حكم الخاص في أي جزء من أجزاء الزمان الذي هو مورد حكم العام ، فلا فرق بين أن يكون زمان جواز الأكل في المثال هو الفجر والظهر وآخر النهار ، لخروج الفرد عن الفردية في الجميع.

بل مقتضى ذلك عدم حجية العام في الفرد في تمام أجزاء الزمان حتى ما كان منها قبل زمان الخاص ، فلا يحرم الأكل من أول النهار في جميع الفروض المذكورة.

نعم ، لو فرض الجمع بين العام والخاص عرفا برفع اليد عن الارتباطية ـ التي هي مقتضى العام ـ بالإضافة إلى مورد التخصيص ، تعين حجية العام في الباقي مطلقا ، كما في مورد قاعدة الميسور.

٣٤١

لكنه محتاج إلى عناية خاصة خارجة. عن محل الكلام.

كما لا ينبغي الإشكال في حجية العام في مورد الخاص بعد انتهاء أمد المخصص في الصورة الرابعة ، إذ بعد فرض أن الاستصحاب لكل زمان فردا طوليا مباينا لغيره فكلما استمر حكم الخاص لزم زيادة في التخصيص ، فيلزم الاقتصار على المتيقن منه والرجوع في الباقي للعموم ، الذي عرفت المفروغية عن تقديمه على الاستصحاب لو فرض تمامية أركانه.

فالإشكال إنما هو في الصورتين المتوسطتين. والذي يظهر منهم أن محل كلامهم الصورة الثانية المبنية على استمرار حكم الفرد ، ولم يتعرضوا للثالثة المبنية على تكرر الحكم له ، وإن كان بعض أمثلتهم يناسبها (١).

وكيف كان ، فقد يظهر من شيخنا الأعظم قدّس سرّه عدم حجية العموم في الفرد بعد انتهاء أمد التخصيص في الصورة الثانية ، لأن عدم ثبوت حكمه حينئذ لا يستلزم زيادة في التخصيص ، إذ بعد فرض عدم انحلال العام إلى أفراد طولية وأنه ليس للعام إلا فرد واحد مستمر الحكم ، فاذا فرض خروجه بمقتضى الدليل الخاص في الزمن المتيقن ، فخروجه بعده ليس خروجا لفرد آخر ، كي يستلزم زيادة في التخصيص.

ووافقه على ذلك المحقق الخراساني قدّس سرّه وإن استثنى من ذلك ما إذا لم يكن الخاص قاطعا لحكم العام في الفرد بعد ثبوته ، بل كان مانعا منه من أول الأمر ، بأن كان زمان التخصيص أول أزمنة العام ، كما في مثل خيار الغبن بالإضافة إلى عموم نفوذ العقود.

بدعوى : أن للعام في الفرض ظهورا في أمرين ، أحدهما : ثبوت الحكم للفرد مستمرا. ثانيهما ، كون مبدئه عند تحقق عنوان العام ، والخاص إنما يعارضه

__________________

(١) فقد مثل شيخنا الأعظم قدّس سرّه بقولنا أكرم العلماء دائما. مع وضوح ان المراد به ليس هو استمرار وجوب اكرامهم ، بل تكرره في كل يوم أوكل ما اقتضت الحاجة لذلك.

٣٤٢

في الثاني منهما ، فيقتصر عليه في الخروج عن العام ، ويبقى العام حجة في الثاني منهما.

لكن ما ذكراه من عدم حجية العام في الصورة المذكورة لا يخلو عن اشكال ، بل منع ، لانه إذا فرض دلالة العام على ثبوت حكمه في تمام الازمنة كان له عموم أو إطلاق أزماني غير عمومه الافرادي ، فعدم رجوع حكم العام للفرد في الزمن الثاني يستلزم زيادة التخصيص أو التقييد للعموم أو الإطلاق الازماني ، الذي هو حجة كالعموم الافرادي.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه في مكاسبه من تبعية العموم الازماني للعموم الافرادي ، فاذا فرض سقوط العموم الافرادي تعين سقوط العموم الازماني.

ففيه : أن الخاص في الحقيقة لا ينافي العموم الافرادي ، لإمكان إعماله في الفرد بالإضافة إلى غير زمان التخصيص ، بل ينافي العموم الازماني الوارد على الفرد ، فيلزم الاقتصار على المتيقن منه والرجوع في غيره للعموم المذكور.

ولذا لا ريب ظاهرا في حجية العام في الفرد بالإضافة إلى ما قبل زمان التخصيص ، مع وضوح أنه لو كان الخاص مخرجا للفرد عن العموم الافرادي رأسا لم يكن حجة فيه مطلقا ، كما تقدم في الصورة الأولى.

نعم ، ينبغي التفصيل بوجه آخر ، فإن دلالة العام على ثبوت الحكم في جميع الأزمنة ..

تارة : تكون بنحو تتساوى أجزاء الزمان فيه بالنسبة للحكم ، فلا يتفرع ثبوته في بعضها على ثبوته في الآخر ، كما في عموم نفوذ العقود الظاهر في كون النفوذ من لوازم العقد التي لا تتخلف عنه ، من دون أولوية في ذلك لزمان على زمان.

واخرى : يكون بنحو يتفرع ثبوته في الزمان اللاحق على ثبوته في الزمان

٣٤٣

السابق ، لابتنائه على البقاء والاستمرار منه إليه ، فلا يتضمن العام محض ثبوت الحكم في جميع الأزمنة ، بل عبوره من السابق للّاحق.

والفرق بين الصورتين ـ بعد اشتراكهما في ثبوت الحكم في جميع أجزاء الزمان ـ هو أن البقاء والاستمرار لازم لمفاد العام في الأولى ، مع كون المقصود بالأصل فيه محض ثبوته في كل زمان في عرض ثبوته في الزمان الآخر ، أما في الثانية فالبقاء والاستمرار هو المقصود بالأصل زائدا على ثبوت الحكم في كل زمان.

هذا ، ولا ينبغي الإشكال في حجية العام بعد انتهاء أمد المخصص في الصورة الأولى ، لما ذكرنا.

وأما في الثانية فلا مجال لذلك ، لأن مفاده وإن كان هو ثبوت الحكم في الزمان المذكور ، إلا أنه بعناية كونه بقاء له واستمرارا من الزمان السابق ، فمع فرض انقطاع الحكم في مورد التخصيص لا ينهض العام باثباته في الزمان اللاحق ، بل لو ثبت كان حكما مستأنفا غير حكم العام المفروض أخذ الاستمرار فيه.

نعم ، ينهض باثبات الحكم في موضوع الخاص بالإضافة إلى ما قبل زمان التخصيص ، لعدم منافاة انقطاعه بعد ذلك لمفاد العام.

لكن الشأن في إحراز هذه الصورة إثباتا ، لابتنائها على عناية خاصة ، والغالب هو الصورة الأولى.

ومجرد التعميم بمثل : «دائما» و «أبدا» أو ذكر الغاية بمثل : «إلى» و «حتى» لا يكفي في الحمل على الثانية ، لأن الاستمرار وإن كان هو المدلول المطابقي لها ، إلا أنه كثيرا ما يساق لإرادة بيان الثبوت في تمام الأزمنة ، من دون أخذه بمفهومه قيدا في ثبوت الحكم زائدا على ذلك ، فترجع إلى الصورة الأولى.

وإن كان ذلك خارجا عما نحن فيه ، إذ الكلام إنما هو في حكم الصورتين

٣٤٤

ثبوتا ، مع إيكال التمييز بينهما إثباتا إلى الفقه.

هذا ، وأما التفصيل المتقدم من المحقق الخراساني قدّس سرّه بين كون زمان الخاص أول أزمنة حكم العام وكونه بعده ، وأنه في الأول يكون العام حجة بعد زمان التخصيص ، لإمكان المحافظة على ظهوره في الاستمرار وإن لزم رفع اليد عن ظهوره في مبدأ الحكم لأجل الخاص ، بخلاف الثاني لانقطاع الاستمرار ، فلا مورد له فيما لو تمحض العام في استيعاب حكمه لأجزاء الزمان ، بل يتعين حجية العام مطلقا ، لما سبق.

وأما لو تضمن أخذ الاستمرار زائدا على ذلك فحيث كان التفصيل المذكور يبتني على التصرف في العام برفع اليد عن ظهوره في تعيين مبدأ الحكم دون الاستمرار ، فهو يبتني على مقدار قوة ظهوره في الأمرين بالإضافة الى ظهوره في شمول مورد الخاص ، ولا ضابط لذلك.

بل إن كان العام بنحو يمكن رفع اليد عن ظهوره في كليهما ولو بضميمة الخاص أو غيره ، جمعا عرفيا ، بحيث يكون الجمع بذلك أهون من تخصيص العموم الازماني أو الأفرادي ، تعين الرجوع للعام بعد زمن التخصيص ، سواء كان التخصيص في أول أزمنة العام ، أم في أثنائه.

وإن كان بنحو يمكن رفع اليد عن ظهوره في تعيين المبدأ دون الاستمرار ، بل يكون ظهوره في الاستمرار وأخذ الزمان اللاحق للحكم من الزمان السابق أقوى من عمومه الازماني للمورد تعين ، حجيته إذا كان التخصيص في أول الأزمنة ، دون ما إذا كان في الأثناء ، بل يلتزم حينئذ بتخصيص عمومه الازماني ، كما ذكره هو قدّس سرّه.

وإن كان بنحو يمكن رفع اليد عن ظهوره في الاستمرار دون المبدأ ، بل يكون ظهوره في المبدأ أقوى من عمومه الأفرادي للمورد ، تعين حجيته إذا كان التخصيص في الاثناء ، دون ما إذا كان من أول الأمر ، بل يلتزم فيه بتخصيص

٣٤٥

عمومه الافرادي عكس ما ذكره قدّس سرّه.

وإن لم يمكن رفع اليد عنهما معا ، لكونهما أقوى من الظهور في العموم الأفرادي والأحوالي بالإضافة إلى الفرد ، تعين عدم الرجوع للعام في الموردين ، بل يلتزم بتخصيص العموم الأفرادي لو كان مورد الخاص أول أزمنة العام ، وبتخصيص العموم الأزماني لو كان مورده في الأثناء. وتشخيص أحد الوجوه موكول لنظر الفقيه.

ومما ذكرنا يظهر الحال في الصورة الثالثة ـ التي تقدم أنها خارجة عن محل كلامهم ، وإن ناسبها بعض أمثلتهم ـ فانها حيث لا تبتني على استمرار حكم العام للفرد ، بل على تكرر الحكم له بتعاقب الخصوصيات الزمانية ، فهي راجعة إلى محض العموم الأزماني ، مع تساوي الخصوصيات الزمانية بالنسبة للعام ، فيلزم الاقتصار في الخروج عن العام على المتيقن من مورد التخصيص ، والرجوع للعام في الباقي ، لا بلحاظ عمومه الافرادي ، بل الأزماني ، نظير ما تقدم في الصورة الثانية في فرض عدم أخذ الاستمرار زائدا على الاستيعاب. فلاحظ.

٣٤٦

الفصل العاشر

في جريان استصحاب الامور

اللغوية والاعتقادية

تقدم في المقام الثاني أنه لا بد من ترتب العمل على الأمر المستصحب بلا واسطة ، كما في استصحاب الأحكام التكليفية ، أو بواسطة آثارها الشرعية ، كما في استصحاب موضوعاتها من الأحكام الوضعية والموضوعات الصرفة ، كالحياة والموت.

وقد اشير في كلام بعضهم إلى جريان الاستصحاب في الموضوعات اللغوية ، كما أطالوا الكلام في الامور الاعتقادية.

والمناسب التعرض بايجاز للأمرين.

أما الموضوعات اللغوية فلعل المراد بها مثل الشك في المعنى الموضوع له ، والقرينة ، والنقل ، ونحوها مما يترتب عليها تشخيص الظهور الحجة الذي يجب العمل عليه.

ويشكل ابتناؤها على الاستصحاب التعبدي الذي هو محل الكلام ، لعدم كونها موردا للأثر الشرعي.

ومجرد ملازمه الظهور لها لا ينفع بعد عدم كونها شرعية.

لكن قال بعض محشي الكفاية (١) : «الأقرب تحققه في ما كان للفظ ظهور في معنى ثم شك في بقائه ، لاحتمال النقل أو لغير ذلك. فحينئذ لا مانع من

__________________

(١) المرحوم المشكيني.

٣٤٧

استصحاب الظهور ، لكونه موضوعا للحجية التي هي من المجعولات على التحقيق».

وفيه : أن احتمال انسلاخ الكلام عن الظهور في ما كان ظاهرا فيه بنحو ينفع في مقام العمل إنما هو بمعنى الشك في قضية شأنية كلية ، وهي شأنية نوع ذلك الكلام لذلك الظهور ، ولا يترتب العمل على ذلك ، بل على الظهور الفعلي للكلام الخاص ، وترتبه على احراز القضية الكلية المذكورة يبتني على الأصل المثبت.

وأما مع إحراز الظهور الفعلي سابقا للكلام الخاص حين صدوره ، فلا أثر لاحتمال انسلاخه عنه ، بل يجب العمل بالظهور المذكور.

نعم ، لو أحرز الظهور الفعلي للكلام الخاص وشك في سبقه حين صدوره ، كان الشك المذكور موردا للعمل ، حيث يجب العمل على الظهور لو احرز سبقه.

لكن إحراز سبقه مبني على الاستصحاب القهقري ، وهو خارج عن محل الكلام ، ولا دليل عليه في نفسه ، بل دليل الاستصحاب ينفيه.

ومثله دعوى : تمامية ذلك في مثل الشك في التخصيص ونحوه من القرائن المنفصلة عن الكلام مع تمامية ظهوره ، حيث يترتب على استصحاب العدم في ذلك حجية الظهور شرعا.

لاندفاعها : بأن ترتب حجية الظهور على ذلك لما لم يكن بأدلة لفظية ، بل لبية ـ كسيرة العقلاء ـ أشكل نهوض الاستصحاب بالبناء عليها ، لعدم تعرض الأدلة اللبية غالبا لتحديد موضوعاتها مفهوما كي ينفع الأصل في إحرازها وخروجها عن الأصل المثبت. فلاحظ.

فالظاهر انحصار المرجع في الامور اللغوية بالأصول العقلائية التي ثبتت حجيتها شرعا ولو بامضاء طريقة العقلاء مع قطع النظر عن الاستصحاب ، ولذا

٣٤٨

كان الرجوع إليها إجماعيا من أهل الشرع وغيرهم مع وضوح الخلاف في الاستصحاب.

بل لا ريب في جريانها لو فرض الشك في نفس أدلة الاستصحاب ، فلو ابتنت حجيتها عليه لزم الدور.

وبها يستغنى عن استصحاب الظهور لو فرض جريانه في نفسه. فلاحظ.

وأما الامور الاعتقادية فجريان الاستصحاب فيها إما أن يكون بلحاظ وجوب الاعتقاد بها أو عدمه ، أو بلحاظ فعلية الأحكام الفرعية المبتنية عليها.

أما الأول فهو يبتني ..

أولا : على كون المراد من الاعتقاد الواجب ما يعم صورة الشك في الأمر المعتقد ـ بناء على ما هو الظاهر من عدم توقف الاعتقاد بالشيء على اليقين به ـ إذ لا يقين مع الاستصحاب.

لكن الظاهر بعد ملاحظة الآيات والروايات أن الاعتقاد الواجب خصوص ما يكون عن يقين بالأمر المعتقد ، فلا فائدة في الاستصحاب. ولا مجال لإطالة الكلام في ذلك.

وثانيا : على كون وجوب الاعتقاد التفصيلي من الأحكام الشرعية للوجود الواقعي للأمر المستصحب ، بحيث يكون منوطا به إناطة الحكم بموضوعه ، كما لو ورد : إن كانت نبوة عيسى موجودة وجب الاعتقاد بها ، كي يكون التعبد بالمستصحب تعبدا بموضوع الحكم الشرعي.

وهو غير ظاهر ، بل من القريب أن يكون وجوب الاعتقاد فعليا ، مقارنا لفعلية الأمر المعتقد به ، فيكون مجعولا بنحو الحكم الشّخصي الفعلي في القضية الخارجية ، ويكون تحقق الأمر المعتقد به من سنخ الداعي لجعل الحكم لا موضوعا له منوطا به شرعا ، فهو شرط تكويني للجعل ، لا شرط شرعي للحكم المجعول ، فمع الشك في الأمر الاعتقادي يشك في إنشاء وجوب

٣٤٩

الاعتقاد ، لا في موضوعه مع اليقين بجعله وإنشائه منوطا بموضوعه.

وعلى هذا فالظاهر أن الامور الاعتقادية بين ما يجب الاعتقاد به فعلا تفصيلا بعد تحصيل العلم به ، فيجب الفحص عنه ، كالأصول الخمسة ونحوها ، وما يكون الاعتقاد به من شئون الاعتقاد بالشريعة وتصديقها ، فيجب الاعتقاد به على حسب وصوله إجمالا أو تفصيلا ، فمع فرض عدم وصوله تفصيلا يكفي الاعتقاد به إجمالا ، لكفايته في تصديق الشريعة.

وأما الثاني فكما لو شك في حدوث شريعة جديدة وارتفاع الشريعة السابقة ، فيكون المرجع استصحاب حكم الشريعة السابقة وعدم أحكام الشريعة اللاحقة ، على النحو الذي سبق عند الكلام في الاستصحاب العدمية واستصحاب عدم النسخ.

ودعوى : أن استصحاب الشريعة السابقة وعدم اللاحقة يكون حاكما على الاستصحابين المذكورين ، لأنه سببي بالإضافة إليهما.

مدفوعة : بأن الشريعة ليست إلا نفس الأحكام ، وليست موضوعا لها ، فلا يكون استصحاب الشريعة سببيا.

نعم ، يختلف الاستصحاب في المقام عن استصحاب أحكام الشرائع السابقة من جهات ..

الأولى : أن ما تقدم منا في وجه منع الاستصحاب المذكور من العلم بنسخ جميع أحكام الشريعة السابقة في صدر البعثة لا يجري هنا ، لفرض الشك في حقيقة هذه الشريعة.

الثانية : أن جريان الاستصحاب مبني على حجيته في الشريعة السابقة أيضا ، ولا يكفي حجيته في هذه الشريعة ، لتوقف حجيته عليها حينئذ ، فلا يكون محرزا لعدمها ، بل لا موضوع له في ظرف ثبوتها وحجيته من قبلها ، بخلاف ما سبق ، حيث يكفي فيه حجية الاستصحاب بهذه الشريعة ، لأن الغرض منه تعبد

٣٥٠

أهلها بأحكام تلك الشرائع.

ودعوى : أن حجيته في هذه الشريعة يكفي في العمل به لأهل تلك الشرائع بأحكامها فيما لو كان احتمال نسخها لا ينشأ إلا من احتمال صحة هذه الشريعة ، للعلم معه ببقاء تلك الأحكام واقعا أو ظاهرا بالاستصحاب المذكور.

مدفوعة : بأن جواز العمل به في هذه الشريعة مشروط بعدم قيام ما تضمنته من الطرق والقواعد على خلافه ، فالرجوع إليه في فرض قيام الحجج المذكورة على خلافه ليس عملا بمقتضى هذه الشريعة ، ولا يحرز معه براءة الذمة ولو ظاهرا. ومع عدم قيامها لا يختص بالشك في بقاء الشريعة السابقة ، بل يجري مع العلم بنسخها بالشريعة اللاحقة لو لا ما تقدم في الجهة الأولى. فلاحظ.

الثالثة : أن جريان الاستصحاب في ما سبق مشروط بالفحص ، لما يأتي من توقف جريان الأصول الترخيصية في الشبهات الحكمية عليه ، ولا مجال لذلك هنا لو فرض كون أدلة وجوب الفحص مختصة بهذه الشريعة ، إما لأخذ من أدلة نقلية أو لكونه مقتضى العلم الإجمالي ، لتفرع حجية الأدلة النقلية على ثبوت هذه الشريعة والاستصحاب ينفيه ، كما أن العلم الإجمالي مبني على ملاحظة هذه الشريعة والمفروغية عن ثبوتها.

اللهم إلا أن يقال : احتمال حقيقة هذه الشريعة مستلزم لاحتمال نسخ عموم الاستصحاب في تلك الشريعة وتخصيصه بصورة الفحص ، فلا يجري استصحاب عمومه لاستلزامه الدور ، بل يتعين في مثله الرجوع لاصالة عدم النسخ فيه ، والظاهر كونها مشروطة بالفحص ، فلا يتجه الفرق المذكور.

والأمر أظهر لو كان دليل وجوب الفحص. قبل الرجوع للأصول الترخيصية غير مختص بهذه الشريعة ، إما لكونه عقليا محضا أو لكونه سمعيا واردا في الشريعة السابقة أيضا ، حيث لا إشكال في وجوب الفحص حينئذ

٣٥١

المستلزم لوضوح الحق ، لقوة آياته وكثرة بيناته ، إذ : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) ، (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

ومن جميع ذلك يظهر الكلام في استصحاب نبوة أنبياء الشرائع السابقة ، إذ لا يحتمل ارتفاع نبوتهم بنحو لا يجب الاعتقاد بهم رأسا ، بل بنحو يجب فعلا الاعتقاد بعدم إناطة أمر التبليغ بهم ، أو بنحو لا يجب الالتزام بأحكامهم ، لنسخها بهذه الشريعة. والأول لا يجري فيه الاستصحاب ، والثاني يبتني على ما ذكرنا. فتأمل جيدا.

ولنكتف بهذا المقدار في محل الكلام ، لعدم ترتب ثمرة مهمة عليه. وبه ينتهي المقام الثالث من المقامات الثلاثة التي يبتني عليها كلامنا في الاستصحاب. ومنه سبحانه نستمد العون والتوفيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد له ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله الكرام.

خاتمة

ألحق شيخنا الأعظم قدّس سرّه ومن تأخر عنه البحث في الاستصحاب بخاتمة تعرضوا فيها لكثير مما ينبغي التعرض له في أصل الكلام في الاستصحاب ، كتحديد أركانه وموضوعه ونسبته مع الطرق والأصول الاخرى وغير ذلك مما تقدم منا التعرض له في المحل المناسب من المقامين الأولين.

والذي ينبغي له التعرض له هنا تبعا لهم القواعد التي تقدّم عملا على الاستصحاب ، لأهمية الكلام فيها ، مع تحقق شيء من المناسبة بينها وبين الاستصحاب.

وقد تقدم منا في أواخر المقام الثاني أن الاستصحاب متأخر في مقام العمل عن الطرق والامارات ، كما أنه مقدم على غيره من الأصول التي موضوعها الشك ، كالبراءة والاحتياط.

٣٥٢

وقد أشرنا في أواخر الكلام المذكور إلى اختصاص ذلك بما إذا لم يؤخذ في موضوع الأصل إلا محض الشك ، دون ما إذا اخذ فيه أمر زائد عليه ، كالفراغ والتجاوز واليد وغيرها ، بل يلزم تقديم تلك الأصول لو كانت أخص والنظر في المرجحات الدلالية لو كان بينها وبينه عموم من وجه.

ومن هنا اتفقوا على تقديم القواعد على الاستصحاب وإن لم يتفقوا على كونها أمارة.

وقد تعرض شيخنا الأعظم قدّس سرّه وبعض من تأخر عنه لبعض تلك القواعد ، والمناسب متابعتهم بذكرها في ضمن فصول ..

٣٥٣
٣٥٤

الفصل الأول

في قاعدة اليد

وهي من القواعد الظاهرية المشهورة ، ومرجعها إلى أن اليد تنهض باحراز ملكية صاحبها لما تحت يده. وحيث كانت تجري في الشبهات الموضوعية من دون أن تنهض باثبات حكم كلي لم تكن مسألة أصولية ، بل قاعدة فقهية ظاهرية.

والكلام فيها ..

تارة : في دليلها.

واخرى : في تحديد مفهومها تفصيلا.

وثالثة : في سعة كبراها.

وتأخر الثالث عن الأولين ظاهر.

وأما الأولان فالثاني منهما وإن كان مقدما على الأول رتبة ، إلا أن تأخره عنه إثباتا ملزم بتأخيره عنه في نظم الكلام وتبويبه.

فالبحث في مقامات ثلاثة

المقام الأول : في دليل القاعدة ، وهو أمور ..

الأول : النصوص الكثيرة وهي على طوائف ..

الأولى : ما تضمن أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (١) ،

__________________

(١) راجع الوسائل ج : ١٨ ، باب ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوي وغيرها.

٣٥٥

مع ما هو المعلوم ، بل المصرح به في بعض النصوص (١) من أن صاحب اليد هو المدعى عليه ، لوضوح أن تكليف المدعى عليه باليمين لخصوصية الدعوى ، حيث لا بدّ من حسمها ، فتكون ظاهرة في حجية اليد لو لا الدعوى ، ولذا لا يكون مكلفا به لو قبلها ، أو بعد عدول المدعي عنها ولو باعراضه.

وكذا ما تضمن أن المنكر إذا رد اليمين على المدعي فنكل فلا حق له (٢).

وقد يؤيد بما ورد في بعض نصوص تعارض البينتين من تقديم قول صاحب اليد (٣). فتأمل.

فإن المستفاد من هذه النصوص ونحوها كون اليد في نفسها محرزة للملكية ، وإن احتيج معها لليمين في خصوص مورد التخاصم.

بل هو كالمصرح به في صحيح عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السّلام ـ في حديث فدك ـ «ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال لأبي بكر : أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال : لا. قال : فان كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟ قال : إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين. قال : فاذا كان في يدي شيء فادعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وبعده .. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» (٤).

لظهوره في إرادة الملكية الظاهرية تبعا لليد ، لانها التي يمكن مع فرضها الدعوى وطلب البينة.

__________________

(١) الوسائل ج : ١٨ ، باب : ٣ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى من كتاب القضاء حديث : ٤.

وباب : ١٢ من الابواب المذكورة حديث : ١٤ ، وباب : ٢٥ منها حديث : ٣.

(٢) راجع الوسائل ج : ١٨ ، باب : ٧ ، ٨ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

(٣) الوسائل ج : ١٨ ، باب : ١٢ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث : ٢ ، ٣.

(٤) الوسائل ج : ١٨ ، باب : ٢٥ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى : حديث ٦.

٣٥٦

الثانية : ما تضمن حلية جوائز السلطان والعمال ومعاملتهم إلا أن يعلم حرمة المال بعينه (١).

ومثلها ما تضمن جواز النزول على وكيل الوقف المستحل لما في يده إذا كان له مال آخر (٢) غير الوقف وإن لم يكن بناء الأصحاب على الالتزام بالقيد المذكور.

فان الظاهر سوقها للتنبيه على عدم صلوح تعرضهم للحرام وغلبة ابتلائهم به لاسقاط حجية اليد ، مع المفروغية عن حجيتها في نفسها.

وكذا ما تضمن جواز المقاصة من أموال العمال ، بل مطلق المقاصة (٣).

الثالثة : صحيحا محمد بن مسلم المتضمنان أن ما يوجد من الورق مدفونا في الدار المعمورة فهو لأهلها (٤) ، وصحيح جميل بن صالح المتضمن أن من وجد دينارا في صندوقه الذي لا يدخل يده فيه غيره فهو له (٥) ، لوضوح أن عدم إدخال غيره يده فيه لا يوجب العلم بملكيته للدينار ، لاحتمال أخذه له بلا حق أو نسيانه لصاحبه أو غير ذلك.

وقد يؤيد بصحيحي الحميري المتضمنين أن ما يوجد في جوف الدابة يعرف به البائع ، فان عرفه وإلا فهو لواجده (٦) ، وصحيح اسحاق بن عمار المتضمن أن ما يوجد في الدار يعرف به أهلها ، فان عرفوه وإلا تصدق به (٧).

وإن كان قد يستشكل في دلالتها بأن سؤال بائع الدابة وصاحب الدار لا

__________________

(١) راجع الوسائل ج : ١٨ ، باب : ٥١ ، ٥٢ ، ٥٣ ، من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

(٢) الوسائل ج : ١٢ ، باب : ٥١ من أبواب ما يكتسب به حديث : ١٥.

(٣) راجع الوسائل باب : ٨٣ من أبواب ما يكتسب به.

(٤) الوسائل ج : ١٧ ، باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ١ ، ٢.

(٥) الوسائل ج : ١٧ ، باب : ٣ من أبواب اللقطة حديث : ١.

(٦) الوسائل ج : ١٧ ، باب : ٩ من أبواب اللقطة حديث.

(٧) الوسائل ج : ١٧ ، باب : ٥ من أبواب اللقطة حديث : ٣.

٣٥٧

يستلزم حجيه يدهما السابقة ، بل قد يكون نظير التعريف باللقطة لاحتمال ملكيته ، وإنما امتاز عن غيره بوجود منشأ للاحتمال المذكور. وقبول خبره قد يكون من باب قبول قول المدعي للمال من دون منازع ، الذي دل عليه صحيح منصور بن حازم (١).

الرابعة : صحيح العيص وخبر حمران أو حسنه المتضمنان جواز شراء المملوك من السوق وإن ادعى الحرية (٢). فانه لو لا حجية يد البائع عليه لم يتجه رفع اليد عن دعوى المملوك المطابقة لاصالة الحرية التي عليها العمل وتضمنتها بعض النصوص (٣).

الخامسة : بعض النصوص المتفرقة التي قد يستدل بها ..

كموثقة يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السّلام : «في امرأة تموت قبل الرجل ، أو رجل قبل المرأة. قال : ما كان من متاع النساء فهو للمرأة ، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ، ومن استولى على شيء منه فهو له» (٤).

وموثقة حفص بن غياث عنه عليه السّلام : «قال له رجل : إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال : نعم. قال الرجل : أشهد أنه في يده ولا أشهد أنه له ، فلعله لغيره. فقال أبو عبد الله عليه السّلام : أفيحل الشراء منه؟ قال : نعم. فقال أبو عبد الله عليه السّلام : فلعله لغيره ، فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد الله عليه السّلام : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» (٥).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث : ١.

(٢) الوسائل ج : ١٣ ، باب : ٥ من أبواب بيع الحيوان حديث : ١ ، ٢.

(٣) راجع الوسائل ج : ١٦ ، باب : ٢٤ من كتاب العتق.

(٤) الوسائل ج : ١٧ ، باب : ٨ من أبواب ميراث الازواج حديث : ٣.

(٥) الوسائل ج : ١٨ ، باب : ٢٥ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث : ٢.

٣٥٨

ودعوى : مخالفتها لما هو الظاهر من عدم جواز الشهادة اعتمادا على الحجة وأنه لا بدّ فيها من العلم.

مدفوعة : بأن ظاهر الموثقة هو الشهادة بالملكية الظاهرية بقرينة التعليل والتنظير بالشراء ، والذي لا يجوز هو الاعتماد على الحجة في الشهادة بالوجود الواقعي لمؤدى الحجة الذي هو مؤدى العلم.

على أن اشتمالها على ذلك لا يمنع من حجيتها في ما تضمنته من حجية اليد على الملكية ، حيث يظهر منها المفروغية عن ذلك.

وموثقة مسعدة بن صدقه عنه عليه السّلام : «كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا ...» (١).

فإنه وإن كان ظاهرا في بيان قاعدة الحل ، إلا أن تطبيقها في المثالين المذكورين بنحو صالح للعمل لا مجال له مع جريان استصحاب في المثالين المذكورين بنحو صالح للعمل لا مجال له مع جريان استصحاب عدم انتقال المبيع للبائع ، فلو لا كون الاستصحاب المذكور محكوما لليد لم يتجه التنبيه لأصالة الحل.

وخبر العباس بن هلال عن الرضا عليه السّلام : «ذكر أنه لو أفضى إليه الحكم لأقر الناس على ما في أيديهم ولم ينظر في شيء إلا بما حدث في سلطانه ، وذكر أن النبي صلّى الله عليه وآله لم ينظر في حدث أحدثوه وهم مشركون ، وأن من أسلم أقره على ما في يده» (٢).

لكن يشكل الاستدلال به لقرب كون المراد به الإقرار والإمضاء الواقعي لمقتضى اليد بحسب الولاية العامة ، وإن علم بكونها عدوانية ، كإقرار النبي صلّى الله عليه وآله

__________________

(١) الوسائل باب : ٤ من أبواب ما يكتسب به حديث : ٤.

(٢) الوسائل ج : ١٨ ، باب : ٢٥ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى حديث : ١.

٣٥٩

أحكام الجاهلية ، وليس المراد الاقرار الظاهري لأجل حجية اليد.

كما أن موثقة مسعدة لا تخلو عن إجمال من هذه الجهة ، إذ لعل رفع اليد عن مقتضى استصحاب عدم انتقال المبيع للبائع بأمر غير اليد ، كأصالة الصحة في المعاملة المفروضة أو غيرها.

فالعمدة من هذه النصوص موثقتا يونس وحفص ، لوفاء دلالتهما جدا كالطوائف الأربع الاول.

بل ظاهر كثير من هذه النصوص المفروغية عن الاعتماد على اليد لاحراز الملكية ، وأنها واردة لدفع توهم وجود المانع من حجيتها ، كنصوص جوائز السلطان ووكيل الوقف وشراء المملوك المدعي للحرية ، أو لدفع توهم عدم جواز الشهادة اعتمادا عليها ، كموثقة حفص.

بل سبر كثير من النصوص الواردة في أبواب المعاملات ـ كالبيع والوديعة والوصية وغيرها ـ شاهد بالمفروغية عن ذلك ، بترتيب آثار هذه الامور الموقوفة على الملكية بمجرد تصدي صاحب اليد لها.

هذا ، وأكثر هذه النصوص لا ينهض باثبات عموم يرجع إليه في مورد الشك ، إما لخصوص مورده ، أو لكونه في مقام البيان من جهة اخرى.

وما يمكن أن يستفاد منه العموم صحيح عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان وموثقة حفص بن غياث المتقدمان ، لظهورهما في التصدي لبيان حكم اليد ، خصوصا الموثق.

نعم ، قد يستفاد العموم من بعض الجهات من بعض النصوص الاخرى ، والكلام في ذلك موكول للمقام الثالث.

الثاني من أدلة المسألة : الإجماع.

أما القولي منه فلم أعثر على من ادعاه من الاصحاب ، لعدم تحريرهم للمسألة ، وإنما يستفاد من كلماتهم المفروغية عن الحكم ، كما قد يظهر مما

٣٦٠