المحكم في أصول الفقه - ج ٤

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
المطبعة: جاويد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٩

ففيه : أنه إن اريد من الخطاب مطلق بيان ما هو الدخيل في المكلف به أمكن تعدده مع وحدة الملاك ، كما في الأوامر الإرشادية المسوقة لبيان الجزئية والشرطية ، بل أمكن الاستغناء عنه بالإخبار عن حال الأجزاء والشروط مثل قولهم عليهم السّلام : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب».

إلا أن مثل ذلك لا يكون منشأ لانتزاع الأمر ، ولا دخل له بالداعوية.

وإن اريد من الخطاب الأمر المولوي الناشئ عن الإرادة التشريعية والصالح للداعوية ، فلا ينبغي الإشكال في وحدته تبعا لوحدة الملاك.

وما ذكره في بعض الموارد من عدم استيفاء الملاك الواحد بجعل واحد ، بل لا بد من جعل آخر متمم للجعل الأول لا يرجع إلى محصل ظاهر ، كما ذكرنا ذلك في مبحثي التعبدي والتوصلي ، والقطع الموضوعي.

وظهور بعض النصوص في تعدد الخطاب والجعل من الله سبحانه والنبي صلّى الله عليه وآله لا بد أن يحمل على إرادة الجعول والخطابات الاقتضائية مع وحدة الجعل والخطاب الفعلي المفروض فيه الارتباطية.

إن قلت : لا بأس بانكار الارتباطية بين الأركان وغيرها في حق الذاكر ، بل لا مانع من تعدد التكليف ، نظير الواجب ، وعدم صحة امتثال أمر الأركان وحده إنما هو لكونه مفوتا لامتثال الأمر الثاني ومعجزا منه ، فيكون مبعدا يمتنع التقرب به ، نظير من نذر الصلاة في المسجد ، فصلى في غيره.

قلت : لازم ذلك صحة امتثال أمر الأركان من المتردد في وجوب ما زاد عليها برجاء عدم وجوبه ، إذا غفل عن احتمال التفويت ، حيث لا يكون قاصدا للتفويت المبعد المانع من التقرب.

على أن ذلك مختص بالعباديات ، ولا يجري في التوصليات التي تصح وتجزي وإن وقعت بوجه مبعد.

فلا ينبغي الإشكال في الارتباطية بعد التأمل في ذلك ، وهي مستلزمة

٤٠١

لاختلاف التكليفين ، واختصاص الناسي بالتكليف بالمطلق ، الذي هو مورد الإشكال.

ومنه يظهر اندفاع ما ذكره بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه من أنه لا اختلاف بين التكليفين الثابتين في حالي الذكر والنسيان بالذات ، بل بالحدود فقط ، فالتكليف المتوجه إلى المكلف حال نسيانه هو بعينه المتوجه إليه حال ذكره ، غير أنه في حال النسيان بحد لا يشمل الجزء المنسي ، فلا قصور في داعوية ذات التكليف المحفوظة بين الحدين التي عليها مدار الدعوة والاطاعة عقلا ، لعدم الغافلة بالإضافة إليها.

وجه الاندفاع : أن اختلاف حد الواجب موجب لتعدده ، ومع تعدده يتعدد التكليف الذي هو موضوع الداعوية ، لتقوم التكليف بالمكلف به كما يتقوم بالمكلّف والمكلّف ، لأنه نحو نسبة قائمة بها ، وتعدد موضوع النسبة يوجب تعددها ، ولازم ذلك اختصاص الناسي بالتكليف بما عدا المنسي ، فيعود الإشكال.

الثالث : ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه أيضا من إمكان تخصيص الناسي بتكليف من دون أخذ عنوانه في الخطاب ، بل بأخذ عنوان آخر ملازم للنسيان صالح لأن يلتفت إليه الناسي حال نسيانه ، كي يندفع عن التكليف المنوط به ، ولا يلزم لغوية الخطاب المذكور.

وأورد عليه بعض الأعاظم قدّس سرّه بوجهين :

أحدهما : أن ذلك مجرد فرض لا واقع له ، بداهة أنه ليس في البين عنوان يلازم نسيان الجزء دائما ، بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر ، خصوصا مع تبادل النسيان في الأجزاء.

ويظهر من بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه أن العنوان المذكور هو عنوان المتذكر لمقدار من الأجزاء الجامع بين البعض والتمام.

٤٠٢

وهو كما ترى! ضرورة أن العنوان المذكور لا يستلزم نسيان الجزء ولا يقتضي سقوط ما زاد على الأركان ، بل هو أعم من ذلك ضرورة أن المتذكر للبعض يشمل المتذكر للكل ، الذي يجب عليه التام لا غير.

ثانيهما : أن العنوان المذكور حيث لم يكن هو الدخيل في التكليف حقيقة ، بل كان أخذه بلحاظ كونه معرفا وملازما لما هو الدخيل ـ وهو عنوان الناسي ـ لم ينفع إمكان الالتفات إليه ، بل المعتبر هو إمكان الالتفات لما هو العنوان الحقيقي للموضوع.

لكنه يشكل .. أولا : بعدم الملزم بكون العنوان المذكور معرفا ، بل يمكن فرض كونه هو الموضوع حقيقة ، إذ الكلام في تخصيص الناسي بتكليف خاص ولو من جهة أمر يستلزم النسيان.

وثانيا : بأن اعتبار إمكان الالتفات للعنوان إنما هو من جهة مقدميته للالتفات للتكليف ، ليمكن داعويته ، ويكفي في ذلك الالتفات للعنوان المعرف الذي لا دخل له حقيقة. ولعله لذا أمر قدّس سرّه بالتأمل.

الرابع : ما ذكره بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه من إمكان وحدة التكليف في حالي النسيان والذكر ، بأن يكون المكلف به هو الطبيعة الجامعة بين التام في حق الذاكر والناقص في حق الناسي ، التي هي الجامع الصحيحي ، فيكون الفرق بينهما في المصاديق ، التي هي ليست موضوع الأمر ، ولا مورد الداعوية ، بل ليس الداعي إلا التكليف المشترك المذكور ، الذي يكون داعيا للناسي ، لالتفاته إليه ، وإن غفل عن خصوصية المصداق المأتي به منه.

وفيه : أن ذلك ـ مع اختصاصه بما يكون من المركبات معنونا بعنوان شرعي خاص ، كالصلاة والحج ـ مبني على وجود الجامع الصحيحي وكونه موردا للأمر ، والجامع المنتزع من ترتب الأثر الواحد الذي اختاره هو قدّس سرّه ـ مع عدم تماميته في نفسه ـ لو كان موضوعا للامر لزم الرجوع مع الشك في اعتبار

٤٠٣

شيء في المأمور به إلى الاشتغال ، وهو خلاف مبناهم هنا ، على ما ذكر في محله.

وتحصيل جامع غيره بين تمام أفراد الصحيح لا يخلو عن إشكال ، بل منع.

نعم ، ذكرنا في محله إمكان تصوره في بعض مراتب الصحيح ، وهو خصوص ما يعتبر في تمام الأفراد الصحيحة ، كالتكبير ، والقراءة ، والركوع ، والسجود ، والتشهد ، والتسليم في الصلاة.

وهو مستلزم لكون الفاقد لشيء منها لو فرض إجزاؤه فهو فرد ناقص مخالف بالحد للجامع المذكور ، فتكليف الناسي به مباين لتكليف الذاكر بالتام.

كما أن ما زاد عليها من الخصوصيات قيود زائدة في الجامع المذكور ، فتخصيصها بالذاكر مستلزم لاختلاف الواجب في حق الذاكر والناسي بالحدود ، الموجب لتعدد الأمر ، ولازم ذلك اختصاص الناسي بالتكليف بالجامع المذكور لا بشرط الزيادة ، فيعود الإشكال.

هذا ، تمام ما تيسر لي العثور عليه في كلماتهم في توجيه اختصاص الناسي بالتكليف ، وقد ظهر عدم تمامية شيء مما ذكروه.

فالعمدة في المقام أن ما هو الثمرة لاختصاصه بالتكليف ، وهو لزوم الاجتزاء بالناقص في حقه لا يتوقف على فعلية تكليفه بالناقص ، بل يكفي فيه قصور ملاك التام في حقه واختصاص الملاك في حقه بالناقص ، وإن امتنع تكليفه فعلا به ، لوضوح أن تحصيل الملاك كاف في الإجزاء وإن لم يكن التكليف فعليا ، لامتناع الخطاب به عقلا ، كما في موارد المزاحمة.

ومن هنا لو فرض عدم الإطلاق للخطاب بالتام الكاشف عن عموم ملاكه لحال النسيان ، فالمتيقن ثبوته في حال الذكر ، والبناء في حال النسيان على عدم الملاك له ، والاكتفاء بالناقص لو فرض تحقق ملاكه في حقه المستلزم للاجزاء.

هذا ، ولكن حيث كان اختلاف الملاك بسبب النسيان منافيا للتخطئة

٤٠٤

وللإجماع المدعى على اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل والملتفت والغافل فلا مجال للبناء عليه.

وما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه من تخصيص ذلك في بعض الموارد كالجهر والإخفات والقصر والإتمام.

غير ظاهر ، بل ليس الثابت فيها إلا الإجزاء الذي هو أعم من تبدل الملاك ، كما يظهر مما تقدم.

ودعوى : أن الإجماع مختص بما إذا احرز المقتضي للملاك من إطلاق الخطاب ، في قبال تصويب المعتزلة الراجع إلى رفع اليد عن إطلاق الأحكام الواقعية بأدلة الطرق ، فمرجعه إلى أن النسيان لا يكون رافعا للملاك في فرض ثبوت المقتضي له ، فلا يعم ما لو لم يثبت المقتضي له ، لعدم الإطلاق ، كما هو محل الكلام.

مدفوعة : بأن قصور المقتضي للملاك عن حال النسيان ممتنع ، لتأخر النسيان رتبة عن التكليف المنسي ، فلا يكون مأخوذا في موضعه وملاكه ، فلا بد في إمكان قصور الملاك في حال النسيان من فرض كونه رافعا للملاك في فرض ثبوت مقتضيه ، على ما أشرنا إليه هنا ، وأطلنا الكلام في نظيره في مبحث القطع الموضوعي. فراجع.

ثم إن الظاهر من حال المجمعين عدم الفرق بين الجهل والنسيان للحكم والموضوع ، فكما لا ترتفع الجزئية والشرطية بنسيانهما أو الجهل بهما ، كذلك لا يرتفعان بنسيان الجزء أو الشرط أو الجهل بعدم تحققهما ، بل الظاهر أن عدم ارتفاعه مع الجهل بالموضوع ونسيانه اتفاقي حتى من المصوبة.

وكأن ما ذكره غير واحد ممن تأخر عن شيخنا الأعظم قدّس سرّه من إمكان اختلاف التكليف بين الذاكر والناسي مبني على كون النسيان من الجهات الثبوتية الرافعة للتكليف الواقعي ، كالاضطرار ، لا من الجهات الإثباتية كالجهل ،

٤٠٥

وقد تقدم الكلام في ذلك.

وأما ما ذكره سيدنا الأعظم قدّس سرّه في توجيه اختلاف التكليف بين الذاكر والناسي من أن مقتضى الجمع بين أدلة الجزئية والشرطية ومثل حديث : «لا تعاد الصلاة ...» (١) مما دل على صحة صلاة الناسي هو عموم التكليف بالأركان وجزئيتها من المركب لحال النسيان ، واختصاص جزئية ما عداها بحال الذكر.

فهو ـ لو تم ـ يقتضي الاختلاف بينهما حتى مع إطلاق دليل الجزئية والشرطية لحال النسيان ، مثل ما تضمن أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ، ولا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة.

لكنه غير تام ، لأن مثل حديث : «لا تعاد ...» إنما يدل على إجزاء الناقص من الناسي ، وهو أعم من تكليفه به وعدم تكليفه بالتام ، كما تقدم.

كيف! والظاهر شمول الحديث للجهل بالحكم ، بل هو صريح بعض النصوص الأخر ، مع أنه لا ريب في عدم تغير التكليف به.

وبالجملة : الظاهر عدم اختلاف التكليف بين الذاكر والناسي حتى مع عدم الإطلاق لدليل التكليف بالتام ، فإجزاء الناقص من الناسي يكون على خلاف الأصل ، لابتنائه على إجزاء غير الواجب عن الواجب ، على ما تقدم.

الخامس : حيث تقدم ممن عرفت إمكان الشك في اختصاص الجزئية والشرطية بحال الذكر وقصورها عن حال النسيان ، فاللازم الكلام في تشخيص الوظيفة العملية في ذلك في مقامين ..

المقام الأول : في مقتضى الأدلة الاجتهادية

فاعلم أنه إن كان لدليل الجزئية أو الشرطية إطلاق يشمل حال النسيان فلا إشكال في العموم ، نظير قوله عليه السّلام في من لم يقرأ الفاتحة : «لا صلاة له إلا أن

__________________

(١) الوسائل ج : ٤ ، باب : ١ من ابواب قواطع الصلاة حديث : ٤.

٤٠٦

يقرأ بها» (١) ، وقوله عليه السّلام : «لا صلاة إلا بطهور» (٢) ، سواء كان لدليل أصل الواجب عموم أو إطلاق أم لم يكن ، وسواء قلنا بأن النسيان من الروافع الواقعية للتكليف أم لم نقل.

ولا مجال لتوهم أنه على الأول يستحيل جزئية الجزء حال النسيان فلا بد من تقييد الإطلاق المفروض.

لاندفاعه : بأن مرجع الإطلاق المذكور إلى عدم مشروعية المركب بدون الجزء ، المستلزم لسقوطه تبعا لسقوط الجزء بالنسيان ، فيكون نسيان الجزء راجعا إلى نسيان المركب المستلزم لسقوط التكليف به فعلا ، وعوده بعد ارتفاع النسيان ، لعدم امتثاله ، كما لو نسي أصل الواجب ولم يتصد لامتثاله.

ولذا يصح التمسك بمثل هذا الإطلاق لإثبات عموم الجزئية لمثل حال الاضطرار إلى ترك الجزء ، الذي لا ريب في كونه من الروافع الواقعية.

ومنه يظهر أنه لا مجال لدعوى : حكومة حديث رفع النسيان على العموم المفروض بنحو يقتضي سقوط جزئية الجزء في حال النسيان ، والتكليف بما عداه.

لاندفاعها : بأن الحديث المذكور لا ينهض برفع الجزئية وحدها ، بل يقتضي رفع التكليف بالمركب التام ، لما ذكرناه غير مرة من عدم جعل الجزئية والشرطية ونحوهما بنفسها ، بل هي منتزعة من التكليف الاستقلالي بالمركب ، فيكون هو مورد الرفع ، من دون أن يثبت التكليف بالناقص.

وبعبارة اخرى : مقتضى عموم الجزئية لحال النسيان عموم وجوب التام وعدم وجوب الناقص ، ونسيان الجزئية راجع إلى نسيان وجوب التام وتخيل

__________________

(١) الوسائل ج : ٤ ، باب : ١ من ابواب القراءة حديث : ١.

(٢) الوسائل ج : ١ ، باب ١ من ابواب الوضوء حديث : ١.

٤٠٧

وجوب الناقص. كما أن نسيان الجزء في مقام الامتثال راجع إلى نسيان التام والإتيان بالناقص.

وحينئذ إن اريد بالحديث رفع نفس الجزئية مع بقاء أصل وجوب المركب للالتفات إليه في الجملة وعدم نسيانه رأسا ، فيستلزم وجوب الناقص.

فيدفعه : أن الجزئية ليست مجعولة ، لتصلح للرفع بنفسها.

وإن اريد به رفع منشأ انتزاعها وهو وجوب التام.

فهو لا يقتضي وجوب الناقص ، بل يكون الحال كما لو نسي التكليف رأسا.

وإن اريد به إثبات التكليف بالناقص المتخيل تبعا لنسيان الجزئية ، أو المأتي به حين ترك الجزء.

فهو خارج عن مفاد دليل رفع النسيان ، لتمحضه في الرفع فيه ، وليس شائبة الوضع.

هذا كله مع ما تقدم في الأمر الثاني من أن رفع النسيان في الحديث الشريف ظاهري راجع إلى عدم المؤاخذة على المنسي ، من دون أن يقتضي رفعا واقعيا ، لينافي الإطلاق ، ويكون حاكما عليه. فراجع.

ثم إنه لا يفرق في استفادة الإطلاق بين بيان الجزئية ونحوها باللسان المتقدم وبيانها بلسان الأمر أو النهي ، كقوله عليه السّلام في الميتة : «لا تصل في شيء منه ولا شسع» (١).

وأما دعوى : أن الأمر والنهي حيث كان مفادهما التكليف القاصر عن حال النسيان تعين قصور الجزئية والشرطية والمانعية المسببة عنهما عنه.

فهي ـ مع ابتنائها على كون النسيان رافعا واقعيا ـ مدفوعة : بأن الأوامر

__________________

(١) الوسائل : ج ٣ من ابواب لباس المصلي حديث : ٢.

٤٠٨

والنواهي المذكورة إنما تقتضي الجزئية ونحوها إذا كانت للإرشاد وبيان ماهية المركب ، ولا مانع من إطلاق مثلها لحال النسيان والاضطرار ونحوهما ، وأما إذا كانت واردة للتكليف النفسي فهي لا تدل على دخل متعلقها في المركب وجودا وعدما ، لتكون مما نحن فيه.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن الاوامر والنواهي المذكورة حيث كانت غيرية فهي مسببة عن الجزئية ، فسقوطها في حق الغافل لا يقتضي سقوط الجزئية ، وليست الجزئية مسببة عنها. لتسقط في حال الغافلة تبعا لها.

فهو ـ مع ابتنائه على كون الأمر الضمني بالجزء غيريا ـ مدفوع : بأن سقوط التكليف الغيري وإن لم يستلزم سقوط الجزئية التي هي منشأ له ، إلا أنه لا طريق لإثبات عموم الجزئية لحال النسيان بعد فرض قصور دليلها عنه.

فالعمدة : أن الأوامر والنواهي المذكورة ليست متمحضة في الغيرية ، بل هي مسوقة للإرشاد للجزئية ونحوها والكناية عنها ، فلا مانع من إطلاقها لحال النسيان والاضطرار ونحوهما ، وإن كانت المقدمية للواجب هي المنشأ في المناسبة المصححة للكناية.

بل الظاهر تمحض الأوامر والنواهي المذكورة في الإرشاد وليست غيرية ، ولذا وردت في ما لا يجب غيريا ، لكونه مقدمة لغير الواجب ، كقوله عليه السّلام : «استقبل بذبيحتك القبلة» (١) ، مع وضوح عدم وجوب التذكية.

نعم ، لو كانت المانعية متفرعة على التكليف بوجوده الواقعي ـ كما لو فرض مانعية الحرير بما هو حرام لا بنفسه ـ تعين ارتفاعها بنسيان التكليف ، بناء على كونه رافعا واقعيا له.

كما أنها لو كانت متفرعة على تنجز التكليف ـ كما في مانعية النهي من

__________________

(١) الوسائل ج : ١٦ ، باب : ١٤ من أبواب الذبائح كتاب الصيد والذبائح ، ح : ١.

٤٠٩

التقرب المعتبر في العبادة ـ تعين ارتفاعها بنسيان التكليف حتى بناء على ما ذكرناه في رافعيته.

لكن هذا من نسيان التكليف الرافع للمانعية ، لا من نسيان المانعية أو المانع ، الذي هو محل الكلام ، ولذا لو التفت للتكليف وعصاه عامدا تحققت المانعية وإن نسيها المكلف حين امتثال المركب. فلاحظ.

وأما إذا لم يكن لدليل الجزئية ونحوها إطلاق يشمل حال النسيان ، فإن كان لدليل بقية الأجزاء إطلاق أو عموم يقتضي عدم تقييدها بالجزء المشكوك ، تعين البناء على التكليف بالناقص في حق الناسي ، المقتضي للاجتزاء به منه ، للزوم الاقتصار في تقييد إطلاق التكليف بما عدا الجزء المنسي على المتيقن المفروض عدم شمولاه لحال النسيان ، وإلا لزم الرجوع للاصول العملية التي يأتي الكلام فيها في المقام الثاني.

المقام الثاني : في مقتضى الاصول العملية وحيث كان المفروض الشك في مقدار التكليف حين النسيان فمقتضى أدلة البراءة الاكتفاء بالمتيقن ، وهو ما عدا الجزء المنسي ، بناء على ما تقدم من جريان البراءة في الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وهو ظاهر بناء على عدم ارتفاع التكليف واقعا بالنسيان ، للعلم حينئذ بالتكليف حين النسيان ودورانه بين الأقل والأكثر.

أما بناء على سقوطه واقعا ، فيدور الأمر بين عدم التكليف رأسا ، لسقوط المركب بنسيان جزئه ، والتكليف بالناقص ، فلا يعلم بتكليف مردد بين الأقل والأكثر ، ليعلم بكون الناقص امتثالا للمتيقن المنجز منه.

والأصل وإن لم يحرز الأول ، لمنافاته للامتنان ، إذ لا أثر لرفع التكليف حين النسيان إلا عدم الاجتزاء بالناقص المأتي به ووجوب الإتيان بالتام ، وهو ضيق على المكلف ، إلا أنه لا يحرز الثاني ، لتمحض دليله في الرفع ، وليس فيه

٤١٠

شائبة الوضع.

اللهم إلا أن يقال : سقوط التكليف لما لم يكن ملاكيا ، بل خطابيا مع بقاء الملاك بالنحو اللازم الاستيفاء ولو بعد الذكر ، فلا يبعد بناء العقلاء على الرجوع في الشك في الزائد إلى البراءة في مثل ذلك بنحو لا يحتاج إلى التدارك بالتام. فتأمل.

أو يقال : الأصل وإن لم يحرز أحد الوجهين إلا أن رجوع التكليف بالتام بعد الالتفات لا دليل عليه بعد فرض احتمال إجزاء الناقص من الناسي ، لعدم اقتضاء الملاك في حقه لما زاد عليه ، بل الأصل عدمه.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في الاكتفاء بالناقص من الناسي في الفرض المذكور ، سواء كان النسيان رافعا واقعيا أم ظاهريا.

وأما ما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه من أن أصل البراءة إنما يقتضي رفع الجزئية في حال النسيان ، لا في تمام الوقت ، إلا مع استيعاب النسيان له ، فلو تذكر المكلف في أثناء الوقت وجب عليه الإتيان بالتام ، عملا بإطلاق دليله ، لأن الواجب هو صرف وجود الطبيعة التامة الأجزاء والشرائط في مجموع الوقت ، ويكفى في وجوبها القدرة عليها في جزء منه ، لا في تمامه ، كما هو الحال في غير النسيان من سائر الأعذار ، حيث لا يجوز الاكتفاء بالناقص معها إلا مع استيعابها لتمام الوقت.

ففيه : أن فرض الإطلاق لوجوب التام بنحو يكفي تجدد القدرة عليه بعد النسيان ، خارج عن محل الكلام ، بل المفروض إجمال الخطاب بالواجب من هذه الجهة ، والمتيقن حال النسيان وجوب الناقص المفروض امتثاله ، فيكون كما لو امتثل المسافر أمر الصلاة بالقصر ، ثم دخل بلده في الوقت.

وعدم الاكتفاء بالناقص في سائر الأعذار مع عدم استيعابها لتمام الوقت موقوف على فرض الإطلاق المذكور ، لا مع عدمه ، كما يأتي في التنبيه الثاني إن

٤١١

شاء الله تعالى.

ومثله ما ذكره أيضا من أنه لو طرأ النسيان في أثناء الوقت فمقتضى الاستصحاب وجوب التام الثابت في أول الوقت ، للشك في سقوطه بسبب النسيان الطارئ الزائل في الوقت.

لاندفاعه .. أولا : بأنه لا مجال له بناء على ما يظهر منه قدّس سرّه من كون النسيان رافعا واقعيا للتكليف بالتام ، للعلم معه بانتقاض الحالة السابقة ، المقتضي للرجوع بعد الذكر لاستصحاب عدم التكليف ، أو لأصل البراءة منه.

الثاني : بأنه لا مجال للاستصحاب مع احتمال أخذ الذكر في موضوع التكليف بالتام لدخله في ملاكه ، لرجوع ذلك إلى عدم اليقين من أول الأمر بوجوب التام تعيينا ، بل يحتمل التخيير من أول الأمر بين التام الحاصل حين الذكر ، والناقص الحاصل حين النسيان. فلاحظ.

هذا ، وقد ذكر بعض مشايخنا أنه لو فرض انحصار الامتثال بالعمل الذي وقع النقص فيه كان لازم عموم الجزئية لحال النسيان بطلانه وتعذر الامتثال المسقط للتكليف ، ولازم اختصاصها بحال الذكر صحته ووجوب إتمامه ، وحينئذ مقتضى الأصل الأول ، لأصالة البراءة من وجوب الإتمام ، فلو وجب صوم يوم معين ، فنسي المكلف وأكل فيه ، ثم التفت وشك في اختصاص الإمساك المنسي بحال الذكر المستلزم لوجوب إتمام صوم ذلك اليوم ، وعموم جزئيته المستلزم لبطلانه وجواز تركه كان له البناء على الثاني.

أقول : بناء على ما ذكرنا من عدم كون النسيان مسقطا واقعيا للتكليف التام الملاك ، فالمكلف بعد الالتفات يعلم بثبوت التكليف في حقه حين النسيان قبل ترك الجزء إما بالتام أو بالناقص ، الراجع إلى العلم بالتكليف بالناقص مرددا بين كونه بشرط التمامية وكونه لا بشرط ، ويحتمل سقوط التكليف المذكور بفوت الجزء ، لاحتمال كون التكليف بالتام المتعذر به ، فمقتضى الاستصحاب بقاء

٤١٢

التكليف المذكور على ما هو عليه من التردد ، وإن استلزم التكليف بالناقص بنحو اللابشرط الذي هو مشكوك الحدوث ، لأن تنجيز الناقص لا يعتبر فيه إحراز التكليف به بنحو اللابشرط ، ليكون الأصل مثبتا ، بل يكفي فيه إحراز التكليف به في الجملة مرددا بين الوجهين ، الذي هو عين المستصحب ، ولذا تقدم في أصل مسألة الدوران بين الأقل والأكثر أن العلم بالأقل على ما هو عليه من الترديد صالح لتنجيزه.

نعم ، بناء على أن النسيان مسقط للتكليف بالتام واقعا لا مجال للاستصحاب ، فإن المتيقن قبل النسيان هو وجوب التام ، الذي لا يدعو للأقل إلا في ضمن التام ، وهو معلوم السقوط ، غاية الأمر أنه يحتمل تعقبه بالتكليف بالناقص بسبب النسيان ، والأصل عدمه ، ولا مجال لاستصحابه ، فتأمل.

إلا أن يفرض وجوب القضاء على تقدير الفوت ، حيث يعلم حينئذ إجمالا بوجوب المضي في الناقص أو قضاء التام ، فيلزم الاحتياط بالجمع بينهما.

وربما يأتي في التنبيه الخامس توضيح ذلك.

وقد تحصل من جميع ما تقدم : أن الأصل عدم إجزاء الناقص من الناسي فيما إذا كان لدليل الجزئية إطلاق يشمل حال النسيان ، بل مطلقا بناء على ما ذكرناه في الأمر الثالث من عدم اختلاف الملاك بين الناسي والذاكر.

فلا بد في الاجزاء من دلالة الدليل المخرج عن مقتضى الأصل المذكور ، من باب إجزاء غير الواجب عن الواجب ، كما دل الدليل عليه في الصلاة في مثل موارد : «لا تعاد ...» وفي الصوم والحج وغيرهما مما يوكل تفصيله إلى الفقه.

٤١٣

تنبيه

لا يختص ما ذكرناه بالنسيان ، بل يأتي في الجهل بالحكم أو الموضوع ، بل الظاهر منهم عدم احتمال الاختلاف بين العالم والجاهل في الحكم الواقعي ، فلا يحتاج تعميم الجزئية لحال الجهل إلى الإطلاق ، ولازمه أصالة عدم إجزاء الناقص من الجاهل إلا بدليل خاص ، قد ورد في بعض الموارد ، كما ورد في النسيان.

وتخصيص محل الكلام بالنسيان إنما كان تبعا لشيخنا الأعظم قدّس سرّه ولاختصاص بعض مبانيهم به ، وإلا فاحتمال خصوصيته صدق الركن عندهم بعيد. ومنه سبحانه نستمد العون والتسديد.

المسألة الثانية : في الزيادة.

وينبغي تمهيد محل الكلام بأمرين ..

الأول : من الظاهر أن الزيادة والنقيصة من العناوين الإضافية ، فلا تصدقان إلا بلحاظ جهة متقومة بالحد ، ليكون ما زاد عليه زيادة وما نقص عنه نقيصة ، فالانسان ذو الأصابع الأربع أو الست مثلا لا يكون ناقصا او زائدا بالإضافة إلى طبيعة الانسان لوقوعها بالوجهين ، بل بالإضافة إلى خصوص الإنسان الشائع المتعارف ، وصلاة الثلاث ركعات زائدة بالإضافة إلى صلاة الصبح ، وناقصة بالإضافة إلى صلاة العشاء ، وتامة بالإضافة إلى صلاة المغرب.

هذا ، وحيث كان الكلام هنا في الزيادة في الامتثال على المأمور به ، فمنشأ الإضافة هو الأمر بلحاظ تعلقه بالمركب ذي الأجزاء التي يمكن الامتثال بما زاد عليها أو نقص عنها.

كما أن الظاهر أن انتزاع الزيادة متفرع على وحدة الشيء المزيد فيه ، بحيث تكون الزيادة جزءاً منه ، لا خارجة عنه ، فلا بد من فرض جهة مصححة لانتزاع الوحدة بينها وبين العمل الذي به الامتثال ، كالوحدة الخارجية المنتزعة

٤١٤

من اتصال الأجزاء في مثل الماء الواحد والدرهم الواحد ، والوحدة العرفية المنتزعة من اجتماع الأجزاء بوجه خاص ، كوحدة الدار والبستان والبذرة.

وأما الماهيات الشرعية ، كالصلاة والحج ، فحيث لا وحدة لها حقيقية ولا عرفية ، فلا بد من كون منشأ الوحدة فيها هو قصد الامتثال بالعمل ، المستلزم لعدم صدق الزيادة فيه إلا بقصد الجزئية في الزائد ، ولا يكفي فيه مجرد مقارنة الشيء الخارج عن المأمور به للامتثال ، سواء كان الزائد من سنخ الأجزاء كسجود الشكر في أثناء الصلاة ، أم من سنخ آخر كوضع اليدين على الفخذين ، والنظر إلى السماء ، والإشارة ، لعدم كون المقارنة بنفسها منشأ لانتزاع الوحدة المذكورة ، وإلا لزم صدقها على مثل النفس ولحظ العين وغيرهما ، بل لم يمكن خلو الامتثال عن الزيادة بالمعنى المذكور ، وهو مما يقطع بعدم إرادته في المقام.

نعم ، إذا كان الفعل الخارج عن المأمور به من سنخ الأجزاء المأمور بها ، وكان له وجود معتد به ، وكان للمركب هيئة اتصالية ولو من جهة التعارف فقد يصح إطلاق الزيادة عليه توسعا بلحاظ الوحدة الحاصلة من الهيئة المذكورة.

وعليه قد يحمل ما في خبر زرارة عن أحدهما عليهما السّلام «قال : «لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم ، فإن السجود زيادة في المكتوبة» (١) ، لوضوح أن سجود العزيمة لامتثال أمره لا لامتثال أمر الصلاة ، ليكون زيادة فيها.

وأما ما في خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : «يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة ، ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» (٢).

__________________

(١) الوسائل ج : ٤ ، باب : ٤ من ابواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل ج : ٤ ، باب : ٤ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح : ٤.

٤١٥

فلعل المراد بالزيادة فيه نفس سورة العزيمة ، لقصد الامتثال بها مع خروجها عن المأمور به ، لا سجدتها.

ثم إن الاقتصار في الخبر على مورده أو تعميمه لغيره عملا بعموم التعليل موكول إلى الفقه ، ولا مجال لإطالة الكلام فيه هنا.

الثاني : لا إشكال في صدق الزيادة في ما لا يكون من سنخ أجزاء المركب لو نوى به الجزئية ، وكذا ما يكون من سنخها إذا جيء به في غير محله أو على غير وجهه المشروع ، كما لو قرأ السورة قبل الفاتحة في الصلاة ، أو جهر في موضع الإخفات ، بناء على أن الجهر شرط في جزئية الجزء لا في أصل المركب.

وأما إذا جيء به مع ما هو المشروع من سنخه وفي محله ، كما لو ركع مرتين أو سجد ثلاثا في ركعة واحدة ، فيختلف الحال باختلاف صور أخذ الجزء في المركب ، إذ الجزء ..

تارة : يكون هو الطبيعة الصادقة على القليل والكثير ، بحيث يكون كل منهما بحده تمام الجزء ، نظير ما يذكر في تقريب التخيير بين الأقل والأكثر.

واخرى : يكون هو الأكثر بحده.

وثالثة : يكون هو الأقل بحده بشرط لا ، بحيث لو زاد وأخل بالحد خرج الكل عن الجزئية.

ورابعة : يكون هو الأقل بحده لا بشرط ، فالزيادة وإن خرجت عن الجزء لا تخل بجزئيته.

ولا مجال لفرض الزيادة في الصورتين الاوليين ، بل تختص بالأخيرتين ، غايته أنها في الثالثة تستلزم النقيصة ، لتعذر الجزء وهو الأقل بحده بسببها.

إلا أن يفرض بطلان الجزء ببعض مراتب الزيادة بخصوصها ، فيمكن حينئذ استئنافه بعدها. نظير ما ورد في من زاد في تسبيح الزهراء عليها السّلام على أربع

٤١٦

وثلاثين تكبيرة من لزوم استئناف الرابعة والثلاثين (١).

إذا عرفت هذا ، فلا ريب في أصالة البطلان بالزيادة فيما لو رجعت إلى الإخلال بما يعتبر في الواجب ، لأخذ عدم الزيادة شرطا في جزئية الجزء ، مع تعذر تداركه ، أو مع إمكانه وتركه ، وإن كان البطلان في الثاني لا يستند للزيادة ، بل لترك التدارك بعدها الراجع الى النقيصة ، بل هو في الأول وإن استند للزيادة ، إلا انه من جهة استلزامها النقيصة ، لا بعنوان كونها زيادة.

وأما في غير ذلك فلا بد في قادحية الزيادة من دليل ، وبدونه فالأصل عدمها ، لرجوع الشك فيها إلى الشك في المانعية الذي هو مورد البراءة ، كالشك في الشرطية ، بل هو راجع إليه ، لأن مانعية شيء من المركب ترجع إلى اعتبار عدمه فيه.

وأما الاستدلال على مبطلية الزيادة : بأنها تغيير لهيئة العبادة الموظفة ، فتكون مبطلة ، كما أشار إليه في المعتبر.

فقد أجاب عنه شيخنا الأعظم قدّس سرّه : بأنه إن اريد تغيير الهيئة المعتبرة في المركب فالصغرى ممنوعة ، لأن اعتبار الهيئة الخاصة التي تخل بها الزيادية أول الدعوى.

وإن اريد أنه تغيير للهيئة المتعارفة فالكبرى ممنوعة ، لمنع كون تغيير الهيئة المتعارفة مبطلا.

نعم ، قد يستشكل في الزيادة بأنها بعد أن كانت موقوفة على قصد الجزئية كانت مبتنية على قصد أمر آخر غير الأمر الواقعي مشتمل على الزيادة المذكورة ، فلا يتحقق امتثال الأمر الواقعي ، بل امتثال الأمر الاختراعي المفروض ، فلا يصح العمل لا من حيثية الزيادة ، بل من حيثية التشريع وعدم

__________________

(١) الوسائل ج : ٤ ، باب : ٢١ من ابواب التعقيب من كتاب الصلاة حديث : ٤.

٤١٧

قصد امتثال الأمر.

لكنه ـ مع اختصاصه بالعبادة ـ إنما يتم لو رجع إلى قصد امتثال أمر آخر غير الأمر الواقعي ، تشريعا ، أو سهوا في أصل الأمر ، كما لو اعتقد وجوب الظهر عليه ، فصلى أربعا وكان الواجب عليه في الواقع الجمعة ، أو غفلة في امتثاله ، كما لو صلى المسافر ثلاث ركعات بنية امتثال أمر المغرب غفلة عن أنه قد صلاها ، وأنه لا يجب عليه إلا ركعتين للعشاء.

وأما مع قصد الأمر الواقعي ولو إجمالا والتصرف فيه تشريعا أو سهوا ، بأن اعتقد اشتماله على الزيادة ، أو في امتثاله بأن قصد بالزيادة الامتثال ، لاعتقاد عدم سقوط أمر الجزء غفلة عن الإتيان به ، أو لتخيل إمكان تبديل الامتثال ، فلا وجه للبطلان ، لعدم منافاة الضميمة المذكورة للتقرب المعتبر.

إلا أن يفرض أخذ الضميمة قيدا في الامتثال ، بأن يكون امتثال الأمر الواقعي بالأجزاء الواقعية معلقا على الامتثال بالزيادة ومقيدا به ، فيتعين بطلان العمل ، لعدم وقوع الامتثال تبعا لعدم وقوع قيده الذي انيط به.

ودعوى : أن الامتثال من الأفعال الخارجية الجزئية غير القابلة للتقييد ، كالضرب والقيام ، فلا بد من كون الضمائم المذكورة من سنخ الداعي أو محض المقارن ، فلا تكون مضرة بفعلية الامتثال.

مدفوعة : بأن الأفعال الخارجية الجزئية التي لا تقبل التعليق هي الافعال الخارجية المستندة لأسبابها التكوينية ، إذ مع تحقق أسبابها يستحيل انفكاكها عنها ، فلا معنى لتعليقها.

وأما إذا كانت قصدية ـ كالامتثال ـ فتمام علتها بالقصد القابل لأن يتعلق بالأمر التنجيزي ، كما يقبل أن يتعلق بالأمر التعليقي ، ولذا لا إشكال في قابلية العقود والإيقاعات للتعليق ، بمعنى تعليق الأمر المنشأ.

نعم ، التقييد والتعليق بالوجه المذكور محتاج إلى مئونة وعناية لا يجري

٤١٨

الإنسان عليها بحسب طبعه وارتكازياته في مقام الامتثال ، بل لا تخرج الضمائم المذكورة عن الداعي أو الاعتقاد المقارن المحض الذي لا يخل بفعلية الامتثال.

ودعوى : أنه مع التشريع يحرم العمل ، فيمتنع التقرب به.

مدفوعة : بأن التشريع إنما يقتضي حرمة الزيادة التي يؤتى بها بداعي الأمر الضمني التشريعي ، لا حرمة غيرها مما لا دخل للتشريع في الداعوية له ، بل لا يؤتى به إلا بداعي الأمر الواقعي ويكون امتثالا.

ومجرد مقارنته للتشريع في الأمر وفرضه على خلاف واقعه لا يقتضي حرمة بقية الأجزاء وامتناع التقرب بها بعد عدم دخله في الداعوية لها.

وبالجملة : لا يكفي في حرمة العمل ومبعديته مقارنته للتشريع ، بل لا بد من استناده إليه ، وهو مختص بالزيادة ، وحرمتها لا تمنع من التقرب ببقية أجزاء المركب وتبطله.

هذا ، وربما يتمسك لعدم قادحية الزيادة ، بل غيرها مما يحتمل قادحيته ـ مضافا إلى الأصل المذكور ـ ..

تارة : باستصحاب صحة العمل.

واخرى : بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(١) فإن وجوب المضي في العمل يستلزم صحته وعدم بطلانه بالزيادة.

وقد أطال شيخنا الأعظم قدّس سرّه الكلام في الوجهين بما لا مجال لتعقيبه.

لكن أشرنا إلى اندفاع الأول في التنبيه السابق عند الكلام في الشك في القاطعية.

ويندفع الثاني : بظهور الآية الكريمة في أن المراد من الإبطال الاحباط

__________________

(١) سورة محمد : ٣٣.

٤١٩

بالنفاق والشقاق لله تعالى ولرسوله ونحوهما ، كما يناسبه صدرها وسياقها مع قوله تعالى قبلها : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ)(١) ، واستشهاده صلّى الله عليه وآله بها لذلك في خبر أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من قال : سبحان الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : الحمد لله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : لا إله إلا الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنة ، ومن قال : الله أكبر ، غرس الله له بها شجرة في الجنة. فقال : رجل من قريش : يا رسول الله إن شجرنا في الجنة لكثير. فقال : نعم ، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها ، وذلك أن الله عزّ وجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)» (٢).

مضافا إلى أن الشك في المقام في تحقق البطلان بالزيادة الرافع لموضوع الإبطال بعدها ، فلا يحرز شمول الآية له ، لا في جواز الإبطال بعد فرض الصحة ، كما لا يخفى. فالعمدة في تقريب الأصل ما ذكرناه.

بقي في المقام أمران :

الأول : ان الأصل وإن كان يقتضي عدم مبطلية الزيادة ونحوها مما لم يقم دليل على قادحيته في العمل ـ كما تقدم في أصل المسألة ـ إلا أن ذلك قد يشكل في الصلاة ونحوها مما يحرم قطعه على تقدير صحته بحدوث علم إجمالي في المقام ينجز احتمال القادحية ، للعلم إجمالا معه إما بصحة العمل المقتضية لوجوب إتمامه أو ببطلانه المقتضي لوجوب استئنافه ، ومنجزية العلم الإجمالي المذكور تمنع من الرجوع لأصالة البراءة من المانعية المقتضية للاستئناف كما

__________________

(١) سورة محمد : ٣٢.

(٢) الوسائل ج : ٤ باب : ٣١ من ابواب الذكر حديث : ٥.

٤٢٠