المحكم في أصول الفقه - ج ٣

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم

المحكم في أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة المنار
المطبعة: جاويد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٣٠

التعارض ، إذ لا تلازم بين مرجحية الشيء وحجيته.

ودعوى : أن اطلاق قوله عليه السّلام : «خذ بما اشتهر بين أصحابك» كما يقتضي ترجيح المشهور من الخبرين يقتضي ترجيح المشهور من الفتويين.

مدفوعة : بظهوره في ترجيح المشهور من الدليلين بعد الفراغ عن دليليتهما ذاتا ، لا في كون الشهرة مرجحة في مورد التعارض لما لا يكون دليلا بذاته كالفتويين ، بحيث تكون الشهرة هي الملاك في الدليلية.

مع أنه إطلاق فيه يشمل غير الخبرين بعد اختصاص السؤال بهما.

ويندفع الثالث : ـ بعد تسليم أن المراد بالجهالة السفاهة ، على ما يأتي الكلام فيه في مبحث خبر الواحد ـ

تارة : بأن تخصيص الحكم بمورد التعليل إنما يكون بالإضافة إلى موضوعه لا في غيره ، فإذا قيل : لا تأكل الرمان لأنه حامض ، دل على اختصاص النهي بالحامض في خصوص الرمان ، لا مطلقا ، فلا ينافي النهي عن غير الحامض من الرمان ، ففي المقام يدل التعليل على اختصاص النهي بخبر الفاسق الذي يكون الاعتماد عليه سفهيا ، دون خبر الفاسق الثقة الذي لا يكون الاعتماد عليه سفهيا ، ولا يقتضي حجية غير الخبر مما لا يكون الاعتماد عليه سفهيا.

واخرى : بعدم وضوح كون الاعتماد على الشهرة غير سفهي ، لعدم وضوح اعتماد العقلاء عليها مع قطع النظر عن دليلها. بل هو من سنخ التقليد الذي لا ينبغي عندهم للمجتهد القادر على استنباط الحكم بنفسه.

٢٠١
٢٠٢

الفصل الخامس

حجّيّة خبر الواحد

٢٠٣
٢٠٤

الفصل الخامس

في حجية خبر الواحد

تمهيد :

استنباط الحكم الفرعي من قول المعصوم عليه السّلام يتوقف على امور ..

الأول : صدوره.

الثاني : ظهوره في المعنى.

الثالث : إرادة المتكلم لظاهر الكلام.

ولا إشكال مع العلم بهذه الامور أو ببعضها.

وأما مع الشك فالمتكفل بالأخير هو أصالة الظهور ، التي تقدم الكلام فيها في الفصل الأول ، وتقدم ابتناؤها على أصالة الجهة وعدم الغافلة وغيرهما ، وليست هي أصلا مستقلا في قبال أصالة الجهة.

وأما الأمر الثاني فقد تقدم في الفصل الثاني أنه لم يذكر طريق غير علمي له عدا قول اللغويين ، كما تقدم المنع من حجيته.

وأما الأمر الأول فالمتكفل له هذه المسأله ، لأن من أهم الطرق غير العلمية على صدور الكلام من المعصوم عليه السّلام هو خبر الواحد. بل هو الطريق الوحيد الذي وقع الكلام في حجيته بالخصوص.

كما أنه ينفع في غير الكلام من أفراد السنة ـ أعني الفعل والتقرير ـ بل ينفع في غير السنة مما يقع في طريق استنباط الأحكام الفرعية الكلية كالقرائن الخارجية التي تنهض ببيان المراد من الكتاب والسنة ، كما لا يخفى.

٢٠٥

ومنه يظهر في عدّ هذه المسألة من المسائل الاصولية ، فإنها واجدة لملاك المسألة الاصولية وهو تحريرها لاستنباط الأحكام الفرعية.

ومعه لا حاجة إلى تجشم دعوى أن البحث فيها عن عوارض موضوع علم الأصول ، وهو السنة أو الأدلة ، كما أطال فيه غير واحد.

ولا سيما مع عدم وضوح لزوم فرض الموضوع لعلم الأصول ولا لغيره من العلوم ، وإن صرح به جماعة ، بل هو المعروف ، كما تعرضنا لذلك في محله. فراجع.

إذا عرفت هذا ، فاعلم أن الخبر ..

تارة : يوجب العلم بمؤدّاه ، إما لتواتره أو لاحتفافه بالقرائن القطعية.

واخرى : لا يوجبه.

ولا إشكال في وجوب العمل بالأول من جهة العلم الحاصل منه لا لخصوصيته ، فهو خارج عن محل الكلام. ومحل الكلام هو الثاني ، وهو المراد بخبر الواحد في المقام ، لا خصوص خبر المخبر الواحد ، كما هو ظاهر العنوان.

وقد وقع الكلام في حجية خبر الواحد ـ بالمعنى المذكور ـ بالخصوص على أقوال كثيرة ، فبين مانع مطلقا ، وقائل بحجية جميع ما في الكتب الأربعة ـ مطلقا ، أو بعد استثناء ما خالف المشهور ـ أو مطلق خبر العدل ، أو الثقة ، أو الخبر المعمول به بين الأصحاب ، أو المظنون بصدوره ، أو غير ذلك.

وربما ينسب إلى بعض الاخباريين ـ ولعله ظاهر الوسائل ـ أن الأخبار المدونة في الكتب المعروفة قطعية الصدور ، فهي خارجة عن محل الكلام. وحيث كان القطع من الامور الوجدانية غير المنضبطة فلا مجال للاستدلال على هذا القول ولا على بطلانه.

وقد أطال في غير واحدة في فوائد خاتمة الوسائل في سرد القرائن الموجبة لذلك.

٢٠٦

والإنصاف أنها على أهميتها لا توجب العلم التفصيلي بصدور كل خبر من الأخبار المذكورة ، ولا سيما مع بعد زماننا عن زمان الصدور والتدوين واضطراب كثير من الأخبار ، فإن ذلك يفتح باب الشك ، ولا طريق لسده.

نعم ، التأمل في القرائن المذكورة وغيرها يوجب العلم الإجمالي بصدور أكثر الأخبار ، بحيث لو فرض عدم صدور بعضها فهو قليل جدا ؛ وهذا لا يغني عن النظر في أدلة الحجية إثباتا أو منعا. فراجع وتأمل جيدا.

ثم إن الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات ..

الأول : في حجج النافين مطلقا.

الثاني : في حجج المثبتين في الجملة.

الثالث : في تحديد ما هو الحجة حسبما يستفاد من أدلة الحجية بعد الفراغ عن دلالتها في الجملة.

وهو من أهم مباحث المسألة ، وإنما لم نلحقه بالمقام الثاني خوفا من اضطراب الكلام ، لكثرة الأدلة المستدل بها ، مع الاشكال في أصل دلالتها على الحجية ، وفي تحديد مدلولها بعد الفراغ عن ذلك ، فيصعب الكلام في كلا الأمرين في مقام واحد ، والظاهر أن فصلهما معين على تيسير بيان المقصود ، وسهولة تفهمه. ومنه تعالى نستمد العون والتوفيق ، وعليه نتوكل في الكلام في هذه المسألة المهمة ، إنه ولي الامور ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

المقام الأول : في حجج النافين ..

فقد حكي القول بعدم حجية خبر الواحد مطلقا عن جماعة من الأعيان ، كالسيدين والقاضي والطبرسي وابن إدريس ، بل ربما نسب إلى المفيد والشيخ (قدس سرهما) ، وحيث كان عدم الحجية هو المطابق للأصل ، فهو لا يحتاج إلى الاستدلال ، إلا أنه قد ينفع الاستدلال من حيث انه لو تم كان مانعا من أدلة المثبتين أو معارضا لها لو كانت تامة فى أنفسها.

٢٠٧

وكيف كان ، فقد استدل لعدم حجيته بالأدلة الأربعة ..

الأول : الكتاب المجيد ، حيث تضمن كثير من الآيات الشريفة عموم النهي عن القول بغير علم ، والعمل بالظن ، ومع الجهل ، ومنها عموم التعليل في آية النبأ ، كما استدل به الطبرسي قدّس سرّه في مجمع البيان.

والجواب عن ذلك ما تقدم في تقرير أصالة عدم الحجية من عدم نهوض العمومات المذكورة ببيان عدم الحجية واقعا في جميع ما لا يفيد العلم بنحو يعمّ خبر الواحد. على أنها لو تمت فهي عمومات قابلة للتخصيص بما يأتي إن شاء الله تعالى من أدلة حجية خبر الواحد.

ودعوى : إبائها عن التخصيص ، مساوقة لدعوى : دلالتها على أمر ارتكازي عرفي ، لا أمر تعبدي محض من قبل الشارع ، وهو مناسب لحملها على الإرشاد لما يحكم به العقل من لزوم انتهاء العمل للعلم ولو بالحجية ، فلا تنافي حجية بعض الامور غير العلمية ، لتنفع في ما نحن فيه ، كما تقدم هناك أيضا. وأما عموم عدم حجية غير العلم واقعا فهو أمر تعبدي صرف غير آب عن التخصيص ، فلا مانع من تخصيصه بأدلة الحجية الآتية.

نعم ، هذا في غير سيرة العقلاء من أدلة الحجية ، وأما السيرة فالظاهر عدم نهوضها بتخصيص الآيات ـ لو فرض دلالتها على عدم الحجية ـ بل ربما يدعى أنه لو تمت دلالة الآيات كانت رادعة عنها على ما يأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى عند الاستدلال بالسيرة على حجية الخبر.

وأما ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه من أن الظاهر من الآيات المذكورة أو المتيقن من إطلاقها هو النهي عن اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم الأحكام الفرعية.

فهو لو تم في بعض الآيات لا يتم في جميعها ، فإن ظاهر بعضها سوق العموم المذكور مساق التعليل أو الكبرى العامة ، كقوله تعالى : (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ

٢٠٨

عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(١) وغيره.

بل لو فرض اختصاص بعضها باصول الدين كان ظهورها في بيان أمر ارتكازي عرفي شاهدا بعدم الخصوصية لمواردها وعمومها للفروع.

هذا ، ويأتي إن شاء الله تعالى في الاستدلال بآية النبأ على حجية خبر الواحد الكلام في عموم التعليل فيها مع الغض عما ذكرناه هنا. فلاحظ.

الثاني : السنة الشريفة ، وهي طائفتان :

الاولى : ما تضمن النهي عن العمل مع عدم العلم. ويظهر الكلام فيها مما تقدم في الاستدلال بالكتاب.

الثانية : ما ورد من النصوص الكثيرة المتواترة معنى أو إجمالا في خصوص الأخبار ، وذكر جملة منها شيخنا الأعظم قدّس سرّه ، مثل ما تضمن وجوب رد ما لم يعلم أنه قولهم عليهم السّلام ، او لم يكن عليه شاهد او شاهدان من الكتاب ، أو لم يكن موافقا للقرآن ، إليهم عليهم السّلام ، وما تضمن بطلان ما لا يصدقه الكتاب ، وأن ما يوافق الكتاب فهو زخرف ، وما تضمن النهي عن قبول الأحاديث المخالفة للكتاب أو السنة ، أو عن قبول الأحاديث غير الموافقة للكتاب أو السنة ، معللا في بعضها بدس الأخبار المكذوبة في كتب أصحاب الأئمة عليهم السّلام ونحو ذلك من الأخبار المقتضية لعدم حجية الأخبار التي بأيدينا ، لعدم العلم بصدورها ، ومخالفتها للكتاب أو السنة المعلومة ولو بالعموم والخصوص. ولا أقل من عدم موافقتها لهما وعدم اعتضادها بشاهد منها. وما فرض اعتضاده بذلك لا أثر لحجيته ، للاستغناء بالكتاب والسنة المعلومة عنه.

والذي ينبغي أن يقال : النصوص المذكورة على أقسام.

الأول : ما ورد في المتعارضين ، كمكاتبة داود بن فرقد إلى الهادي عليه السّلام : «نسألك عن العلم المنقول عن آبائك واجدادك سلام الله عليهم أجمعين قد

__________________

(١) النجم : ٢٨.

٢٠٩

اختلفوا علينا فيه ، فكيف العمل به على اختلافه؟ فكتب عليه السّلام بخطه : ما علمتم أنه قولنا فالزموه ، وما لم تعلموه فردوه إلينا» ونحوها ما عن مستطرفات السرائر ، وغير ذلك من النصوص ، وقد تعرض في الوسائل لجملة منها في الباب التاسع من أبواب صفات القاضي.

ومن الظاهر خروج هذه النصوص عن محل الكلام ، بل هي على الحجية أدل ، لظهورها في المفروغية عن حجية الخبر لو لا المعارضة.

وأما دعوى : أن أدلة حجية الخبر تكون حاكمة على مثل الروايتين الاوليين ، لأنها تقتضي كون خبر الثقة علما تنزيلا.

فهو كما ترى! لوضوح كون خبر الثقة متيقنا من مورد الخبرين المذكورين ، إذ لا يحتمل السؤال عن خصوص أخبار غير الثقات ، ولا سيما مع التعارض الظاهر في المفروغية عن الحجية في الجملة لو لا التعارض ، فلو كان خبر الثقة حجة لكان الأولى جعله معيارا في التفصيل ، لا إهماله وجعل العلم معيارا فيه الذي هو من الحجج الذاتية غير المحتاجة إلى البيان ، فعدم التنبيه عليه والاقتصار على ذكر العلم كالصريح في إرادة العلم الحقيقي ، وأما الإشكال فيهما بانهما من أخبار الآحاد ، فيلزم من حجيتها عدمها ، فيظهر حاله مما يأتي في الطائفة الثالثة ، فلاحظ.

الثاني : ما تضمن التبري من الخبر المخالف للكتاب أو الذي لا يوافقه ، وانه زخرف أو باطل ، وهو نصوص كثيرة ذكرها شيخنا الأعظم قدّس سرّه ، مثل قوله صلّى الله عليه وآله : «ما جاءكم عني ما لا يوافق القرآن فلم أقله» (١) ، وقريب منه مصحح هشام بن الحكم (٢) ، وخبر أيوب بن الحر : «كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ص ٨.

(٢) الوسائل ج ١٨ : ٧٩ ، باب : ٩ من أبواب صفات القاضي حديث : ١.

٢١٠

زخرف» (١) ونحوه خبر أيوب بن راشد (٢) وغيرها.

وهذه النصوص على كثرتها لا تنفع أيضا في ما نحن فيه ، لأن المراد بالمخالفة فيها المخالفة بالتباين ، لأن لسانها آب عن التخصيص ، ومن المعلوم صدور الأخبار الكثيرة عنهم على خلاف ظاهر القرآن.

كما أنه لا بد من حمل عدم الموافقة للقرآن على ذلك أيضا ، لا مجرد عدم الموافقة ولو لعدم وجود الحكم في القرآن ـ كما هو ظاهرها بدوا ـ كيف ولا ريب في عدم وفاء ظاهر القرآن بجميع الأحكام ، وأن بقيتها مأخوذة من النبي صلّى الله عليه وآله وآله عليهم السّلام ، ولذا كان كمال الدين بولايتهم. وقد استفاضت النصوص بوجود اخبار منهم عليهم السّلام بمضامين لا يمكن تحصيلها من الكتاب الكريم.

ودعوى : أنه لا مجال لحمل النصوص المذكورة على المخالفة بالتباين ، إذ لا يصدر من الكذاب عليهم ما يباين الكتاب والسنة المعلومة ، لعدم ترتب غرضه ، إذ لا يصدقه أحد في ذلك.

مدفوعة : بأن عدم مخالفتهم عليهم السّلام للقرآن إنما يتضح لأهل الحق وذوي البصائر ، دون غيرهم من جهال الناس وذوي المقالات الباطلة ، من أعدائهم الذين يجوزون صدور الباطل منهم عليهم السّلام ، أو المفوضة والمغالين ونحوهم ممن يرى أن لهم عليهم السّلام الحق في تشريع الأحكام المخالفة للكتاب ، وهذا كاف في غرض الكذابين الذين همهم تشويه سمعتهم عليهم السلام أو إضلال الناس بالروايات المكذوبة.

ولا سيما مع دس الروايات المذكورة في كتب أصحاب الأئمة عليهم السّلام الذين يصدقون عليهم ، كما صرّحت به روايتا هشام بن الحكم الآتيتان وغيرهما.

بل لا ينبغي الريب في وجود أخبار كثيرة ليست من سنخ أحاديثهم عليهم السّلام

__________________

(١) الكافي ج ١ : ص ٦٩. تفسير العياشي ص : ٩.

(٢) الكافي ج ١ : ص ٦٩. الوسائل ج ١٨ : ٧٨ باب : ٩ من أبواب صفات القاضي حديث ١٢.

٢١١

ولا تناسب طريق أهل الحق ، ولا تشابه القرآن كما استفاضت به النصوص ، ومن ثم نشأت الفرق الضالة من الغلاة وغيرهم ممن ينتسب للأئمة عليهم السّلام ويدعي الأخذ منهم والقبول عنهم.

نعم ، يشكل الحمل المذكور فى خبر كليب الأسدي ، سمعت أبا عبد الله عليهما السّلام يقول : «ما أتاكم عنا من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل» ، فإنه ظاهر في عدم صدور ما لا يصدقه الكتاب من الأخبار ، فلا بد من حمله على ما يأتي في الطائفة الثالثة ، أو الالتزام بإجماله وردّه لهم عليه السّلام.

الثالث : ما تضمن النهي عن قبول الخبر الذي يخالف الكتاب ، أو لا يوافقه أو ليس عليه شاهد أو شاهدان منه ، وانه يجب رده اليهم ، ولا يعمل به ، من دون تعرض لتكذيبه. وهو أخبار كثيرة ، كرواية بن أبي يعفور سألت أبا عبد الله عليهما السّلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومن لا نثق به؟ قال : «اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وإلا فالذي جاءكم أولى به» (١) ، ومرسل عبد الله بن بكير عن أبي جعفر عليه السّلام : «إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا ، وإلّا فقفوا عنده ثم ردوه إلينا حتى يستبين لكم» (٢) ، ورواية محمد بن مسلم قال أبو عبد الله عليه السّلام : «يا محمد ما جاءك في رواية من برّ أو فاجر يوافق القرآن فخذ به ، وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به» (٣) ورواية جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال : «انظروا أمرنا وما جاءكم عنا فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به ، وان لم تجدوه موافقا فردوه ، وان اشتبه الأمر عليكم

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ : ٧٨ باب : ٩ من أبواب صفات القاضي حديث : ١١.

(٢) الوسائل ج ١٨ : ٧٨ باب : ٩ من أبواب صفات القاضي : حديث ٨.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٨.

٢١٢

فقفوا عنده وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا» (١) ، وخبر سدير ، قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السّلام : «لا تصدق علينا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله» (٢) وما رواه الكشي بسنده الصحيح عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن : «ان بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر ، فقال له : يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا ، فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السّلام يقول : لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فإن المغيرة بن سعيد (لعنه الله) دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلّى الله عليه وآله ، فإنا إذا حدثنا قلنا : قال الله عزّ وجل ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله.

قال يونس : وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السّلام ، ووجدت أصحاب أبي عبد الله عليه السّلام متوافرين ، فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السّلام ، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله عليه السّلام ، وقال لي : إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه السّلام ، لعن الله أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث ، إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه السّلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فانا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، إما [انا. ظ] عن الله وعن رسوله نحدث ، ولا نقول : قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا ، إن كلام اخرنا مثل كلام أولنا ، وكلام أولنا مصداق لكلام اخرنا ، وإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه ، وقولوا : أنت أعلم وما جئت به ، فان مع كل قول منا

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ : ٨٦ ، باب : ٩ من أبواب صفات القاضي حديث : ٣٧.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص : ٩.

٢١٣

حقيقة ، وعليه نور ، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك قول الشيطان» (١) ، قال شيخنا الأعظم قدّس سرّه : «والأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنة متواترة جدا».

وهذه الروايات هي المهمة في المقام ، لأنها مع كثرتها وتشابه ، مضامينها ظاهرة في أن عدم حجية الاخبار ليس لبطلانها ـ كي يختص بالأخبار المخالفة للقرآن بالتباين ، كما تقدم في الطائفة الثانية ـ بل لاحتمال كذبها من جهة احتمال الدس ، وهو موجود في أغلب الأخبار التي بأيدينا ، فظاهر هذه النصوص توقف العمل بها على اعتضادها بالقرائن القطعية من الكتاب والسنة المعلومة وعدم كفاية رواية الثقات لها.

ولا مجال لدعوى تخصيصها بأخبار غير الثقات ، جمعا بينها وبين ما دل على حجية خبر الثقة.

لأن أخبار الثقات متيقنة من مواردها ، إذ عدم حجية خبر غير الثقة لا يحتاج إلى هذا النحو من التأكيد والبيان ، بل البيان المذكور ظاهر في الردع عن الأخبار التي هي مورد الابتلاء ومن شأنها أن يعمل بها التي منها أخبار الثقات ، بل خبر محمد بن مسلم صريح في العموم لخبر الثقة ، وقريب منه خبر ابن أبي يعفور ، فإن إهمال الإمام عليه السّلام الترجيح بالثقة مع تعرض السائل لها كالصريح في عدم كفاية الثقة في الحجية ، وكذا رواية الكشي ، لظهورها في عدم جواز الاعتماد على ما في كتب أصحاب الأئمة عليهم السّلام ، ولا مجال لحملهم بأجمعهم على غير الثقات.

بل هذه الأخبار تصلح لتخصيص عموم حجية خبر الثقة أو العدل لو تم ، لاختصاصها بخصوص الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السّلام ، كما تصلح للردع عن سيرة العقلاء على حجية خبر الثقة فيها.

__________________

(١) رجال الكشي : ص ١٩٥.

٢١٤

بل بملاحظة التعليل في خبري الكشي المتقدم والآتي تكون الأخبار المذكورة حاكمة أو واردة على العمومات المذكورة والسيرة ، لأنها تكشف عن ابتلاء الأخبار المروية عن الأئمة عليهم السّلام بما يمنع من الاعتماد عليها عند العقلاء ، ويرفع الثقة بصدورها ، وهو دسّ الأكاذيب فيها.

ومما ذكرنا يظهر لزوم قبول هذه الأخبار وإن كانت من أخبار الآحاد ـ إذا كانت واجدة لشرائط الحجية المستفادة من عمومات الحجية أو من سيرة العقلاء ـ فضلا عما لو كانت متواترة ، لوجود مقتضي الحجية فيها ، وعدم المانع منها ، لقصورها عن إثبات عدم حجية أنفسها ، بل هي مختصة ببيان عدم الحجية في غيرها من الأخبار ، لا من جهة امتناع شمول القضية لنفسها ، فإنه لا أصل له ، بل من جهة امتناع وجود المانع عن الحجية في جميع الأخبار حتى هذه الأخبار نفسها ، إذ بعد انحصار بيان وجود المانع عن الحجية بها لا بد إما من وجود المانع المذكور فيها دون بقية الأخبار ، أو في بقية الأخبار دونها ، وحيث يتعذر حملها على بيان الأول ، لاستلزامه استعمال الكلام في نفسه ، بل ما في ما هو متأخر عنه ومن شئونه ، واستلزامه لغوية صدورها ، تعين الثاني ، فتبقى هذه الأخبار داخلة في عموم الحجية وباقية على مقتضى السيرة ، وتكون حجة على تخصيص عموم الحجية والخروج عن مقتضى السيرة في بقية الأخبار ، ومسقطة لها عن الحجية. نظير ما لو ورد ظهور كلامي رادع عن حجية الظهور.

نعم ، من يرى قصور الخبر عن الحجية ذاتا لا من جهة المانع ليس له الاحتجاج بهذه الأخبار إلا مع تواترها. وهو غير مهم.

وكيف كان ، فالأخبار المذكورة وافية ببيان عدم حجية أخبار الثقات إما لتواترها أو لما ذكرنا.

اللهم إلا أن يقال : ما رواه الكشي قدّس سرّه وإن اشتمل على عدم جواز تصديق الروايات التي لا شاهد عليها من الكتاب ، إلا أن الظاهر سوقه مساق التبري منها

٢١٥

وبيان عدم صدورها منهم عليهم السّلام ، وأنها لا تشبه أقوالهم ومن قول الشيطان ، وهو يناسب حملها على روايات الغلو ونحوها ، كما يشهد به ما رواه الكشي عن هشام بن الحكم أيضا ، أنه سمع أبا عبد الله عليه السّلام يقول : «كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ، وأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي ، فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة ، فكلما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم» (١).

وما ذكرناه في صحيح محمد بن عيسى جار في خبر سدير أيضا ، لظهوره في أن عدم التصديق ليس لمحض عدم الحجية ، بل لكذب الرواية التي لا شاهد عليها من الكتاب وبراءتهم عليهم السّلام منها.

ولعل ما ذكرنا في الصحيح المذكور من وروده لأجل الحذر من روايات الغلو ونحوها مما لا يتناسب مع مقامهم عليهم السّلام ، يكون قرينة على بقية روايات المقام ، فالمنظور فيها ذلك ، دون روايات الأحكام التي بأيدينا والتي لا تتضمن أحكاما بعيدة عن تعاليمهم عليهم السّلام ، ولا منافية للقرآن. والمخالفة بالعموم والخصوص ونحوه لا تعد مخالفة عرفا ، بل هي من سنخ التفسير والشرح الذي هو من شأنهم عليهم السّلام.

ولا سيما مع ما قد يقال من ضعف سند الروايات وعدم وضوح تواترها إلا في خصوص صورة المخالفة. فتأمل.

على أنه لا مجال للتعويل عليها في ذلك بعد التأمل في سيرة الأصحاب قديما وحديثا وتسالمهم على الرجوع للروايات والعمل عليها ، فإن الروايات المذكورة نصب أعينهم مشهورة عندهم معروفة لديهم ، فعدم امتناعهم لأجلها

__________________

(١) رجال الكشي : ص ١٩٦.

٢١٦

من العمل بالأخبار المروية عندهم شاهد باطلاعهم على ما يمنع من العمل بها فيها ، إما لانصرافها إلى ما ذكرنا ونحوه ، أو لتهذيب الأخبار عن الأخبار المكذوبة بعد عرضها على الأئمة عليهم السّلام ، أو بقرائن أخر ، بنحو يعلم بارتفاع ما يقتضي التوقف عنها ويلزم بطلب الشاهد عليها ونحو ذلك.

والمظنون اختصاص الأخبار المذكورة بأوقات خاصة كثر فيها الكذب والتخليط والدس المانع من الاعتماد على كتب الثقات ، وقد زال ذلك بعرض الكتب على الأئمة عليهم السّلام وبتنبه الأصحاب لذلك بنحو أوجب شدة احتياطهم في تحمل الروايات وفي روايتها وعدم اكتفائهم بإثباتها في الكتب وغير ذلك مما يشهد به سيرتهم على قبول أخبار الثقات ، كما أشرنا إليه ويأتي الكلام فيه عند التعرض لأدلة المثبتين إن شاء الله تعالى.

هذا ، مضافا إلى النصوص الكثيرة التي يأتي التعرض لها هناك ، الظاهرة في المفروغية عن قبول أخبار الثقات عن أهل البيت عليهم السّلام ، إذ لا مجال معها للتعويل على الأخبار المذكورة هنا بوجه ، بل يكشف عن الخلل فيها ببعض الوجوه التي ذكرناها أو غيرها.

هذا ما تيسر لنا من الكلام في هذه الأخبار ، ونسأله تعالى التسديد في ذلك ، إنه ولي الامور ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الثالث : الإجماع ، فقد ادعى السيد المرتضى قدّس سرّه إجماع أصحابنا على عدم العمل بأخبار الآحاد ، بل جعله كالقياس في كون ترك العمل به ضروريا من مذهبهم ، يعرفه الموافق والمخالف منهم ، لما هو المعلوم منهم من أنهم لا يعملون بما لا يوجب العلم.

والجواب عنه منع الإجماع المذكور ، بل لعل الإجماع على خلاف ذلك ، كما يأتي في أدلة المثبتين.

وما ذكره السيد المرتضى قدّس سرّه لا يبعد حمله على أخبار المخالفين ونحوها

٢١٧

من الأخبار الضعيفة ، كما يشهد به ما ذكره الشيخ قدّس سرّه في العدة ، ويقتضيه التدبر في سيرة أصحابنا (رضوان الله عليهم) في العمل بأخبار الثقات.

وهو قدّس سرّه وإن ادعى أن أخبارهم التي يعملون بها محتفة بالقرائن القطعية وإن كانت مودعة في الكتب بطريق الآحاد ، إلا أنه لا يبعد أيضا أن يكون مراده ما يعم الوثوق بصدور الخبر ، لما هو المعلوم من صعوبة الالتزام بحصول القطع بجميع الأخبار لجميع العاملين بها ، كما ذكره الشيخ قدّس سرّه أيضا. ولعله يأتي في استدلال المثبتين بالإجماع ما ينفع في ذلك.

على أنه من الإجماع المنقول الذي تقدم عدم الاعتماد عليه ما لم يوجب العلم بالواقع أو بالدليل المعتبر ، وهو لا يوجب ذلك ، بل ولا الظن بهما لو فرض عدم العلم بخلافه.

هذا ، وأما الإشكال فيه : بأن العمل بالإجماع المنقول في المقام تعويل على خبر الواحد الذي هو محل الكلام ، بل المفروض في كلامه المنع منه. فيظهر حاله بما تقدم في الطائفة الثالثة من الأخبار. فتأمل.

الرابع : العقل ، فقد تقدم عند الكلام في إمكان التعبد بغير العلم عن ابن قبة المنع من حجيته عقلا ، لاستلزامه تحليل الحرام وتحريم الحلال. كما تقدم تفصيل الكلام في المحذور المذكور ودفعه بما لا مزيد عليه.

المقام الثاني : في حجج المثبتين

المعروف من مذهب الأصحاب العمل بخبر الواحد في الجملة ، وصرح به غير واحد منهم. وقد استدل على حجيته وجواز العمل به بالأدلة الأربعة أيضا وهي ..

الأول : الكتاب الكريم ، وقد استدل منه بآيات ..

الاولى : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ

٢١٨

تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١). والكلام فيها يقع في موضعين ..

الأول : تحقق مقتضى الدلالة على حجية الخبر في الجملة فيها.

الثاني : في وجود المانع من ذلك على تقدير تمامية المقتضي.

أما الأوّل : فحاصل الكلام في كيفية الاستدلال بها : أن وجوب التبين كناية عن عدم حجية الخبر ، ومقتضى جعل موضوع عدم الحجية هو خبر الفاسق حجية خبر غير الفاسق.

إما لان في خبر الفاسق جهتين ذاتية ، وهي كونه خبر واحد ، وعرضية ، وهي كونه خبر فاسق ، فذكر الجهة الثانية وإهمال الأولى ظاهر في عدم صلوح الاولى لاقتضاء الحكم ، وإلا لكانت الأولى بالذكر ، إذ التعليل بالذاتي الصالح للعلية أولى من التعليل بالعرضي ، فلا بد أن يكون المقتضي لعدم الحجية هو الجهة الثانية ، ولا سيما مع مناسبتها للحكم عرفا ، فإنه ظاهر في دخلها فيه.

وإما لأجل استفادة إناطته بالفسق من الشرط الدال على التعليق ، والظاهر في المفهوم على التحقيق.

لكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال بكلا وجهيه.

أما الأول : فلأنه راجع إلى الاستدلال بمفهوم الوصف ، والتحقيق عدم ثبوته على ما فصل في محله. ومجرد المناسبة بين الوصف والحكم عرفا لا يوجب ظهوره فيه ، بنحو يمكن الاحتجاج به ، بل غاية ما تقتضيه الإشعار به. على أنها لا توجبه في المقام بناء على ما يأتي من عدم سوق الآية لمحض بيان عدم الحجية ، بل للاستنكار والتبكيت زائدا عليه ، فلعل ذكر الفسق لأنه اكد في ذلك ، لا لإناطة عدم الحجية به.

ثم إن بعض مشايخنا حكى عن بعضهم الإشكال في الوجه المذكور ..

__________________

(١) الحجرات : ٦.

٢١٩

تارة : بأن كون خبر الفاسق خبر واحد جهة عرضية أيضا ككونه خبر فاسق ، وذكر أحد العرضيين في موضوع الحكم لا ينفي علّية الآخر له ، فلا يتم الوجه المذكور.

واخرى : بأنه يمتنع ثبوت الحكم بعدم الحجية للطبيعة المهملة ، بل لا بد من ثبوته للطبيعة المقيدة إما بالفسق بالإطلاق ، وحينئذ فذكر أحد القيدين في موضوع الحكم لا يدل على عدم دخل الآخر فيه.

وثالثة : بعدم تمامية المفهوم في المقام ، إذا لا إشكال في عدم حجية كثير من أخبار غير الفساق ، كالأطفال وغيرهم. وهذا الأخير لو تمّ جرى في الوجه الثاني ، كما لا يخفى.

ومن الظاهر اندفاع الوجوه المذكورة ، كما ذكره بعض مشايخنا أيضا.

أما الأول : فلأنه ليس المراد بخبر الواحد الذي قيل انه جهة ذاتية هو خبر الشخص الواحد ، كما تقدم ، بل الخبر الذي لا يفيد العلم ، ومن الظاهر أن عدم إفادة الخبر العلم هو مقتضى الأصل الأولي فيه ، ولا يراد بالجهة الذاتية هنا إلا ذلك ، في قبال الجهة العرضية التي يراد بها ما يستند إلى ما هو خارج عن الذات ، ككون الخبر خبر فاسق.

وإن شئت قلت : المراد باجتماع الجهة الذاتية والعرضية هو اجتماع جهتين إحداهما اعم من الاخرى مطلقا ، أو متساويين مع كون إحداهما ثابتة للشيء بلحاظ جهات زائدة على وجوده ، في قبال ما لو كان بين الجهتين عموم من وجه ومن الظاهر أن جهة كون الخبر خبرا واحدا التي هي بمعنى عدم كونه موجبا للعلم أعم مطلقا من كونه خبر فاسق ، وهي ثابتة للخبر في نفسه مع قطع النظر عما هو زائد على وجوده ، فهي جهة ذاتية بالإضافة إلى كون الخبر خبر فاسق. فلاحظ.

وأما الثاني : فلأن المدعى أن التقييد بالفسق ظاهر في دخله في الحكم

٢٢٠