تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٧

وكان عارفا فاضلا وبليغا مترسلا ومتفننا في كثير من العلوم الدينية والأدبية والنجومية. وكان خبيث الباطن ، كثير الحيل ، شديد الحسد على الفضل وإن أظهر الميل إلى أهله.

ومن شعره :

تأمل من أهواه صفرة خاتمي

فقال حبيبي لم نحيت أحمره

فقلت له من أحمر كان فصه

ولكن سقامي حل فيه فغيّره

توفي في رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمائة بميافارقين عن ست وأربعين سنة ، وحمل تابوته إلى الكوفة فدفن هناك. وكان كثير الفضائل ، جيد الترسل ، شديد الذكاء ـ رحمه‌الله.

٧٤ ـ الحسين بن علي بن عبد الصمد الديلمي ، أبو العباس المنشئ ، المعروف بالطغرائي (١) :

من أهل أصبهان. كان يتولى الطغراء للسلطان محمد بن ملك شاه ، وهي علامة تكتب على التوقيعات. وكان من أفراد الدهر وأعيان العصر ، غزير الفضل ، كامل العقل ، وشعره ألطف من النسيم ، وأرق من حواشي النعيم. قدم بغداد وأقام بها مدة ، وروى بها.

ومن شعره :

تمنيت أن ألقاك في الدهر مرة

فلم أك من ذاك التمني بمرزوق

سوى ساعة التوديع دامت فكم منى

أنالت وما قامت بها أملا سوقي

فيا ليت أن الدهر كل زمانه

وداع ولكن لا يكون بتفريق

ومن شعره :

ذكرتكم عند الزلال على الظما

فلم أنتفع من ورده ببلال

وحدثت نفسي بالأماني فيكم

وليس حديث النفس غير ضلال

أواعدها قرب اللقاء ودونه

مواعيد دهر مولع بمطال

يقر بعيني الركب من نحو أرضكم

يرجون عيشا قيدت بكلال

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٤٣٨ ـ ٤٤٢. ومعجم الأدباء ١٠ / ٥٦ ـ ٧٩

٨١

أطارحهم جد الحديث وهزله

لأحبسهم عن سيرهم بمقالي

أسائل عمن لا أريد وإنما

أريدكم من بينهم بسؤالي

ويعثر ما بين الكلام ورجعه

لساني لكم حتى ينم بحالي

وأطوي على ما تعلمون جوانحي

وأظهر للعذّال أني سالي

بلى (١) والذي عافاكم وابتلى بكم

فؤادي ما اختار السلو ببالي

وقد كنت دهرا لا أبالي من النوى

فعلمني الأيام كيف أبالي

كانت الوقعة بين السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه وأخيه مسعود بباب همذان في ربيع الأول من سنة أربع عشرة وخمسمائة ، فانهزم مسعود وعسكره ، وأخذ من جملتهم الوزير الطغرائي مأسورا إلى حضرة السلطان محمود ، فأمر بقتله ، فقتل وقد جاوز الستين من عمره. وهو صاحب القصيدة الغراء التي أولها :

أصالة الرأي صابتني عن الخطل

وحلية العلم زانتني عن الحلل

٧٥ ـ الحسين بن المبارك بن الحسين بن علي بن شقشق ، أبو عبد الله بن أبي حرب بن أبي عبد الله :

ذكره أبو عبد الله الأصبهاني في «الخريدة» فقال : الحسين بن المبارك بن شقيق البغدادي ، كانت لابن شقيق شقشقة في الشعر هادرة ، وبديعة من الأدب نادرة ، أدركته في أول العهد القديم ، في زمان السلطان مسعود.

وأنشدني الفقيه شهاب الغزنوي مما نظمه مما مدح به برهان الدين الواعظ الغزنوي ببغداد من قصيدة أولها :

إن جرت بالرمل وكثبانه

فاقرأ تحياتي على بانه

وسائل الربع الذي قد عفا

ما صنع البين لسكانه

قوم هم كانوا جيرة

فانصدع الشمل بجيرانه

فالربع مفجوع بقطانه

والقلب موجوع بأشجانه

وإن كتمت الحب يوم النوى

أظهره دمعي بهتانه

أعاذلي في الهوى فارحما (٢)

وخليا قلبي بوجدانه

* * *

__________________

(١) في الأصل : «بلا».

(٢) في الأصل : «قدحما».

٨٢

حرف الذال

من اسمه ذو القرنين

٧٦ ـ ذو القرنين بن الحسن بن عبد الله بن حمدان ، أبو المطاع بن ناصر الدولة أبي محمد ، كان يلقب بوجيه الدولة (١) :

ولي الإمارة بدمشق للخلفاء المصريين. وكان شاعرا حسنا مفلقا.

فمن شعره :

ومفارق ودعت عند فراقه

ودعت صبري عنه في توديعه

ورأيت منه فعل لؤلؤ عقده

من ثغره وحديثه ودموعه

وله :

لو كنت أملك أعتده من بعدكم نظرا

لأنه نظر من ناظر رمد

قال :

فكتبت طرفي ما نظرت به

من بعد فرقتكم يوما إلى أحد

ولست إليه ارتجالا صبرا أنت تملكه

عني تجازيت منك التيه بالصلف

أويت نظمي وجدا بت أضمره

جزيتني كلفا عن شدة الكلف

تعمد الرفق بي يا حب محتسبا

فليس يبعد ما تهواه من تلفي

قال أبو المطاع بن حمدان المذكور : كتب إليّ أخي أبو عبد الله من سفرة كان فيها :

قد كان في نزهة طرفي برؤيتكم

يتوب شاهدها عن كل معتقد

فالآن أشغله من بعد فقدكم

حفظا لعهدكم بالدمع والسهد

وقال أبو المطاع بن حمدان :

ترى الثياب من الكتان يلمحها

ومن البدر أحيانا فيبليها

فكيف تعجب أن تبلى غلائلها

والبدر في كل وقت لائح فيها

__________________

(١) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ٢٧. ووفيات الأعيان ٢ / ٤٤ ، ٤٥. والعبر ٣ / ١٦٥. ومعجم الأدباء ١١ / ١١٩ ـ ١٢١.

٨٣

وقال :

إني لأحسد «لا» في أسطر الصحف

إذا رأيت عناق اللام والألف (١)

وما أظنهما طال اجتماعهما

إلا لما لقيا من شدة الشغف

وقال :

أفدي الذي زرته بالسيف مشتملا

ولحظ عينيه أمضى من مضاربه

فما خلعت نجادي في العناق له

حتى لبست نجادا من ذوائبه

وقال :

قالت لطيف خيال زارها ومضى

بالله صفه ولا تنقص ولا تزد

فقال خلفته لو مات من ظمأ

وقلت قف عن ورود الماء لم يرد

قالت صدقت الوفا والحب عادته

يا برد طيب الذي قالت على كبدي

توفي أبو المطاع بمصر في صفر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ـ قاله ابن الأكفاني.

* * *

__________________

(١) هكذا في الأصل ، وفي وفيات الأعيان «اعتناق الأم للألف».

٨٤

حرف الراء

٧٧ ـ رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث ابن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن الهيثم بن عبد الله التميمي ، أبو محمد بن أبي الفرج بن أبي الحسن (١) :

من ساكني باب المراتب ، شيخ الحنابلة. قرأ القرآن بالروايات على أبي الحسن علي ابن عمر الحمامي. وتفقه على أبيه وعلى عمه أبي الفضل عبد الواحد. وسمع منهما ومن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي وأبي الحسين أحمد بن محمد بن المتيم وأبي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبي الحسين علي وأبي القاسم عبد الملك ابني محمد بن عبد الله بن بشران ، وأبي الحسن محمد بن محمد بن محمد بن مخلد وأبي القاسم عبد الرحمن الحرفي ، وأبي علي الحسن بن شاذان ، وأبي الفرج محمد بن عمر بن محمد الجصاص في آخرين ، روى عنه جماعة من الحفاظ كأبي مسعود سليمان ابن إبراهيم الأصبهاني ، وأبي علي أحمد بن محمد بن البرداني (٢) ، وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي.

وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول ، وله في ذلك مصنفات حسنة. وكان واعظا ، مليح العبارة ، لطيف الإشارة ، فصيح اللسان ، ظريف المعاني ، معظما عند الخاص والعام.

ومن شعره قوله :

لا تسألاني (٣) عن الحي الذي بانا

فإنني كنت يوم البين سكرانا

يا صاحبي على وجدي بنعمانا

هل راجع وصل ليلي كالذي كانا

ما ضرّهم لو أقاموا يوم بينهم

بقدر ما يلبس المحزون أكفانا

أم ذاك آخر عهد للقاء (٤) بها

فنجعل الدهر ما عشناه أحزانا

ليت الجمال التي (٥) للبين ما خلقت

وليت حاد حدي في الدهر حيرانا

__________________

(١) انظر : معجم الأدباء ١١ / ١٣٦ ـ ١٣٨ والمنهج الأحمد ٢ / ١٦٤. وذيل طبقات الحنابلة ١ / ٧٧.

وطبقات المفسرين ، ص ٨٢. والعبر ٣ / ١٠٤ ، ٣٢٠. والشذرات ٣ / ٣٨٤. وهدية العارفين ١ / ٣٦٧.

(٢) في الأصل : «البراني».

(٣) في الأصل : «لا تسألونى».

(٤) في الأصل : «اللقا».

(٥) في الأصل : «الذي للبين».

٨٥

وله :

أفق يا فؤادي من غرامك واستمع

مقالة محزون عليك شفيق

علقت فتاة قلبها متعلق

بغيرك فاستوثقت غير وثيق

فأصبحت موثوقا وراحت طليقة

فكم بين موثوق وبين طليق

قرأت على أبي الحسن بن المقدسي بمصر عن أبي طاهر السلفي ، قال :

سألت أبا نصر المؤتمن بن أحمد الساجي عن أبي محمد التميمي فقال : هو الإمام علما ونفسا وأبوّة. وما يذكر عنه فتحامل من أعدائه.

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي أنا أبو محمد رزق الله التميمي : وما رأيت شيخا ابن سبع وثمانين سنة أحسن سمتا وهديا واستقامة (١) منه ، ولا أحسن كلاما وأظرف وعظا وأسرع جوابا منه.

مولده سنة أربعمائة ، وتوفي ببغداد في منتصف جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، ودفن بداره بباب المراتب ، ثم نقل في سنة إحدى وتسعين إلى مقبرة باب حرب ، ودفن إلى جنب قبر الإمام أحمد بن حنبل. وفي هذه السنة توفي ولده عبد الوهاب.

* * *

__________________

(١) في الأصل : «واستقامة فاقة منه» تحريف.

٨٦

حرف الزاي

٧٨ ـ زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد ابن المرزبان بن علي بن عبد الله بن المرزبان الشحامي ، أبو القاسم بن أبي عبد الرحمن بن أبي بكر المستملي (١) :

من أهل نيسابور ـ شيخ وقته في علو الإسناد ، بكر به أبوه فأسمعه من أبي سعد محمد بن عبد الرحمن الكنجروذي (٢) وأبي عثمان سعيد بن محمد النجيرمي (٣) وأبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ وأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري وأبي عثمان سعيد بن أحمد العيار وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي في آخرين. وسمع بنفسه وجمع لنفسه مشيخة. وكان يستملى على الشيوخ ، وحدث بالكثير ، وكتب عنه الحفاظ. قدم بغداد في سنة خمس وعشرين وخمسمائة ، وحدّث بها ، سمع منه ابن ناصر في آخرين.

أخبرنا شهاب الحاتمي بهراة ، قال : حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال : زاهر بن طاهر الشحامي أبو القاسم شيخ متيقظ مكثر ، جمع ونسخ بخطه ، وكان صاحب أصول ، وعمّر حتى حمل عنه الكثير ، ورحل في رواية الحديث ونشره مثل ما يرحل الطلاب في جمعه ، ورد علينا مرو قاصدا للرواية بها وحجّ ، وسمع منه الكثير ببغداد وهمذان والري والحجاز ، ورجع إلى نيسابور ؛ وكان صبورا لا يضجر من القراءة عليه حتى قرأت عليه «تاريخ نيسابور» للحاكم أبي عبد الله في أيام قلائل ، كنت أمضي قبل طلوع الشمس فأقرأ إلى وقت غروبها ، وكان يقعد ويستمع ، ولكنه كان يخل بالصلوات إخلالا ظاهرا ، ووقت خروجه إلى أصبهان قال لي أخوه وجيه : أجهدت في قعوده ولا تخرج ، فإن أمر صلاته مختل ، ونفتضح من أهل أصبهان! فظهر الأمر كما قال أخوه ، وعرف (٤) أهل أصبهان ذلك ، وشنعوا عليه حتى ترك أبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ الرواية عنه. وقيل لزاهر في ذلك ، فقال : لي عذر ، وأنا أجمع بين الصلوات كلها. ولعله تاب ورجع عن ذلك في آخر عمره. وكان صحيح السماع كثيره.

__________________

(١) انظر : العبر ٤ / ٩١. والمنتظم ١٧ / ٣٣٦.

(٢) في الأصل : «الجنزروذى».

(٣) في الأصل : «النجيرى».

(٤) في الأصل : «وعرد».

٨٧

مولده رابع عشر ذي القعدة سنة ست وأربعين وأربعمائة.

وتوفي ليلة الرابع عشر من ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة بنيسابور. ودفن بمقبرة يحيى بن يحيى ـ رحمه‌الله تعالى وإيانا.

٧٩ ـ زيد بن يحيى بن أحمد بن عبيد الله بن هبة الله البيع ، أبو بكر (١) :

من أهل باب الأزج ، وهو أخو أبي المعالي أحمد ، وكان الأصغر. سمع بإفادة أخيه من أبي الوقت عبد الأول وأبي بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني في آخرين.

كتبت عنه من سماعه الصحيح لأنه كان يكشط اسم أخيه عبد المنعم من طباق السماع ويكتب اسمه موضعه بقلم غليظ ودواة ردية. فعل ذلك على عدة أجزاء من أصول أخيه أحمد.

مولده سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، وتوفي ببغداد في منتصف رمضان سنة إحدى وعشرين وستمائة.

* * *

__________________

(١) انظر : شذرات الذهب ٤ / ١٢٨. والعبر ٤ / ١١٢.

٨٨

حرف السين

٨٠ ـ سعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد الخير ، أبو الحسن بن أبي عبد الله الأنصاري (١) :

من أهل بلنسية من شرقي الأندلس. قدم بغداد وسمع بها من أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي وأبي الفوارس طراد الزينبي في آخرين ، وقرأ الأدب على أبي زكريا يحيى بن علي التبريزي. وسافر إلى العراق ، فسمع بدونة من نواحي همذان من أبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني ، وبأصبهان من أبي علي الحسن بن أحمد الحداد. وحصّل الكتب والأصول ، وركب البحار ، وقاسى الشدائد ، ودخل بلاد الصين. ثم إنه عاد إلى بغداد بعد علو سنه واستوطنها إلى حين وفاته. وكان ثقة صدوقا متدينا.

توفي في يوم عاشوراء سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ببغداد.

٨١ ـ سعيد بن أحمد بن محمد بن نعيم بن أشكاب ، أبو عثمان بن أبي سعيد الصوفي ، يعرف بالعيّار (٢) :

من أهل نيسابور. بكر به أبوه فأسمعه من أبي بكر محمد بن محمد بن الحسن بن هانئ البزاز وأبي محمد عبد الله بن أحمد الصّيرفيّ وأبي الحسين أحمد بن محمد بن عمر الخفاف وأبي طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة وأبي محمد عبد الله بن حامد الأصبهاني. وأسمعه بسرخس من أبي علي زاهر بن أحمد الفقيه وبأستراباد من أبي عبد الله محمد بن سعيد بن محمد ، وبالري من أبي العباس عقيل بن الحسين العلوي ، وبمكة من أبي الحسين (٣) علي بن جعفر السيرواني. وعمّر حتى جاوز المائة. وخرج له الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي فوائد في عشرين جزءا. حدث بدمشق وأصبهان ونيسابور ، وهرات وغزنة. ودخل بغداد في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.

أنبأنا ذاكر بن كامل الحذاء عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي ، قال : سعيد ابن أبي سعيد العيار يتكلمون فيه لروايته «كتاب اللمع» عن أبي نصر السراج وغيره.

__________________

(١) انظر : تهذيب ابن عساكر ٦ / ١١٦. والعبر في خبر من غبر ٣ / ٢٤١.

(٢) انظر : الأغانى ١٧ / ٢. والأعلام للزركلي ٣ / ١٤٦.

(٣) في الأصل : «أبى الحسن».

٨٩

وكان يزعم أنه سمع من زاهر بن أحمد السرخسي «كتاب الأربعين» لمحمد بن أسلم ، ورواه عنه. فذكر بعض أهل العلم أنه لم يسمع من زاهر شيئا. وخرج له البيهقي عدة أجزاء «فوائد لطاف» ولم يخرج له فيها عن زاهر شيئا.

قلت : هكذا ذكر ابن طاهر هذا الكلام في كتابه «تكملة الكامل في ضعفاء المحدثين» من جمعه ، وقد وهم في قوله : «لم يخرج له البيهقي في فوائده عن زاهر شيئا» لأن البيهقي خرج له في هذه الفوائد عدة أحاديث عن زاهر. وذكر أن عدة أجزائها عشرة ، وأنها لطاف ؛ وقد كتبت هذه الفوائد بأصبهان ، وسمعتها من جماعة وهي أحد وعشرون جزءا ، ولم يزل المقدسي كثير الوهم فيما يجمعه لتهوره وعجلته وإعجابه بنفسه. وإنما الشيخ الذي لم يخرج له البيهقي عنه في فوائده هو بشر بن أحمد الأسفراييني ، فإن العيار قد روى عنه هذا من حديث قتيبة بن سعيد.

ورأيت بخط الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق الأصبهاني أحاديث قد كتبها عن العيار عن بشر بن أحمد الأسفراييني ثم إنه عاد وضرب عليها بقلمه وكتب عندها : «كذب العيار في روايته عن بشر» والله أعلم! فإن كان ابن طاهر قد سمع ممن حكى عنه أنه بشر واشتبه عليه ابن أحمد فهو صحيح ، وإلا فليس بشيء ـ والله أعلم.

مولده ـ العيار سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. وقال بعضهم : سبب تسميته بالعيار أنه كان في ابتدائه يسلك مسلك الشطار ، ثم رجع إلى هذه الطريقة.

توفي بغزنة في ربيع الأول سنة سبع وخمسين وأربعمائة.

وذكر أبو الفضل بن خيرون وفاته في سنة اثنتين وخمسين ـ حكاه الحميدي عن ابن خيرون.

٨٢ ـ سعيد بن حميد بن سعيد بن يحيى ، أبو عثمان الكاتب (١) :

من أولاد الدهاقين ، وأصله من النهروان الأوسط. ولد ببغداد ونشأ بها. وكان يذكر أنه مولى بني سامة بن لؤي. ويقال إنه ادعى أنه من أولاد ملوك الفرس. وكان شاعرا كاتبا مترسلا فصيحا مقدما في صناعته ، إلا أنه كثير السرقات والإغارة. فهو كما قال بعضهم : لو قيل لكلام سعيد : ارجع إلى أهلك لما بقي عليه إلا التأليف.

__________________

(١) انظر : الأغانى ١٧ / ٢. والأعلام للزركلي ٣ / ١٤٦.

٩٠

كتب سعيد بن حميد إلى فضل الشاعرة يعتذر إليها من تغير ظنته بها (١) ، وفي آخرها :

يظنون أني قد تبدلت بعدكم

بديلا وبعض الظن إثم ومنكر

إذا كان قلبي في يديك رهينة

فكيف بلا قلب أصافي وأهجر

٨٣ ـ سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير ، أبو القاسم اللخمي (٢) :

من أهل طبرية. سمع بالشام ومصر والحجاز واليمن والعراق فأكثر وسكن أصبهان إلى حين وفاته. سمع بدمشق أبا زرعة عبد الرحمن بن عمرو وأحمد بن المعلّى وأحمد بن أنس بن مالك ، وببيت المقدس أحمد بن مسعود الخياط ، وبمصر يحيى بن أيوب العلاف وأحمد بن رشدين وأحمد بن إسحاق بن نبيط بن شريط الأشجعي ، وببرقة أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي ؛ وباليمن ، إسحاق بن إبراهيم الدبري والحسن بن عبد الأعلى البوسي ، وبالعراق أبا مسلم الكجي وأبا خليفة الجمحي والحسن بن سهل المحوز ، وببغداد بشر بن موسى الأسدي في آخرين ؛ وحدث كثيرا. سمع منه من شيوخه أبو مسلم الكجي وأبو خليفة الجمحي في آخرين. روى عنه أبو نعيم الحافظ وأبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين بن فادشاه وأبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذة وهو آخر من حدث عنه.

قال أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الرحمن : سليمان بن أحمد الطبراني أشهر من يدل على فضله وعلمه ، حدّث بأصبهان ستين سنة. فسمع منه الآباء ثم الأبناء ثم الأسباط حتى لحقوا بالأجداد ؛ وكان واسع العلم ، كثير التصانيف. وقيل : ذهبت عيناه في آخر أيامه. فكان يقول : الزنادقة سحروني.

قال يحيى بن عبد الوهاب بن مندة : رأيت بخط أبي بكر محمد بن ريذة مكتوبا قال الصاحب إسماعيل بن عباد :

قد وجدنا في معجم الطبراني

ما فقدنا في سائر البلدان

بأسانيد ليس فيها سناد

ومتون إذا وردن متان

قال الحافظ أبو نعيم : مولد الطبراني سنة ستين ومائتين.

__________________

(١) في الأصل : «ظنته به».

(٢) انظر : تهذيب ابن عساكر ٦ / ٢٤٠. ومعجم البلدان ٦ / ٢٥. ووفيات الأعيان ٢ / ١٤١.

٩١

وتوفي في ذي القعدة لليلتين بقيتا منه سنة ستين وثلاثمائة ، ودفن إلى جنب حممة بباب مدينة جي ، وحضرت الصّلاة عليه.

٨٤ ـ سليمان بن أحمد بن محمد ، أبو الربيع بن أبي عمر السرقسطي :

من أهل الأندلس. سمع بنصر من أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي (١) ، وبواسط من أبي الحسن علي بن عبيد الله بن علي القصاب ، وقدم بغداد واستوطنها. قرأ القرآن بالقراءات على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي ، فأنبأ وحدّث.

أخبرني شهاب الحاتمي بهراة ، قال : سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول : سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول : إن السرقسطي كان كذّابا ، وكان يلحق سماعاته.

مولده سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.

وتوفي في ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وأربعمائة. وحدث بيسير ، وكان فيه تساهل في دينه ـ قاله أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون الشاهد.

٨٥ ـ سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث ، أبو الوليد التجيبي الباجي (٢) :

من أهل قرطبة ـ مدينة بالأندلس ـ. سمع بالأندلس أبا بكر محمد بن الحسن بن عبد الوارث والقاضي أبا الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث الصفار والقاضي أبا الأصبغ عيسى بن أبي درهم ، وبمصر أبا محمد عبد الله بن محمد بن الوليد الأندلسي وأبا القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف ، وبدمشق أبا الحسن علي السمسار (٣) ، وبمكة أبا الحسن محمد بن علي بن صخر الأزدي ، وبالكوفة الشريف أبا عبد الله محمد ابن علي العلوي. وقدم بغداد وأقام بها مدة يدرس الفقه والخلاف على القاضي أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي حتى برع في ذلك. وسمع الحديث من أبي القاسم عبيد الله بن أحمد الصّيرفيّ وأبي طالب عمر بن إبراهيم الزهري ومحمد بن محمد بن عبد البر ، وحدّث ببغداد بيسير. روي عنه أبو بكر الخطيب الحافظ. وعاد إلى

__________________

(١) في الأصل : «الحذمى».

(٢) انظر : وفيات الأعيان ٢ / ١٤٢. وفوات الوفيات ١ / ٣٥٦. وتهذيب ابن عساكر ٦ / ٢٤٨.

والعبر ٣ / ٢٨٠. ومعجم الأدباء ١١ / ٢٤٦ ـ ٢٥١.

(٣) في الأصل : «السمار».

٩٢

بلده ، وولي القضاء ببعض ثغورها ، ودرس وصنف في الفقه والحديث والخلاف.

ومن شعره :

إذا كنت تعلم أن لا تجيد

لذي الذنب عن هول يوم الحساب

فاعص الإله بمقدار ما

تحب لنفسك سوء العذاب

مولده في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة (١) ، وتوفي لخمس خلون من رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة بمدينة المرية.

٨٦ ـ سليم بن أيوب بن سليم ، أبو الفتح ، الفقيه (٢) :

من أهل الري ، فقيه الشافعية في زمانه. قدم بغداد في صباه ، ولازم أبا حامد الأسفراييني وقرأ عليه المذهب والخلاف. سمع بالري أبا علي أحمد بن عبد الله الأصبهاني وأبا العباس أحمد بن محمد بن الحسين البصير ، وبالكوفة أبا عبد الله محمد ابن [عبد الله بن](٣) الحسين الجعفي ، وببغداد أبا الحسن أحمد بن محمد بن موسى ابن الصلت وأبا أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد الفرضي في آخرين. روي عنه الخطيب والفقيه نصر المقدسي في آخرين.

أنبأنا ذاكر بن كامل بن أبي غالب الخفاف عن أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي ، قال : سمعت إبراهيم بن نصر الصوفي بالري يقول : كان سليم بن أيوب الرازي الإمام من أهل قسطانة ـ وهي التي يقال لها بالفارسية : كستانة ـ على سبعة فراسخ من الري مما يلي طريق بغداد ، وكان قد تفقه بالري ، وقد خرج من بلده إلى بغداد ، فتفقه على أبي حامد الأسفراييني ، فلما مات أبو حامد جلس في موضعه للتدريس ، فبلغ أباه بكستانة أن رئاسة أصحاب الشافعي قد انتهت إلى ابنك ببغداد ، فخرج من قريته وقصد بغداد ودخل القطيعة ، وكان يدرّس في مسجد أبي حامد ، وقد فرغ من الدرس الكبير وهو يذكر درس الصبيان الصغار ، فوقف على الحلقة ، وقال : سليم! إذا كنت تعلّم الصبيان ببغداد فارجع إلى القرية فإني أجمع لك صبيانها وتعلمهم وأنت عندنا! فقام سليم من الدرس وأخذ بيد أبيه ودخل به إلى بيته ، وقدم

__________________

(١) على هامش الأصل : «قال ابن نقطة : مولده في آخر ذى الحجة من سنة ثلاث وأربعمائة».

(٢) انظر : وفيات الأعيان ٢ / ١٣٣ والعبر ٣ / ٢١٣. وطبقات الشافعية للسبكي ٣ / ١٦٨. ومرآة الجنان ٣ / ٦٤ وشذرات الذهب ٢ / ٢٧٥.

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة من العبر ٣ / ٨١.

٩٣

إليه شيئا من المأكول ، وخرج ودفع المفتاح إلى بعض أصحابه وقال : إذا فرغ أبي من الأكل فادفع إليه المفتاح ، وقل : كل ما في البيت بحكمك! وخرج سليم من فوره إلى الشام وأقام بها ، وصنّف ودرّس ، فيها انتشر علمه.

غرق سليم بن أيوب في بحر القلزم عند ساحل جدة بعد عوده من الحج في صفر سنة سبع وأربعين وأربعمائة ، وكان قد نيف على الثمانين ؛ وقيل : في سلخ صفر. ودفن في جزيرة بقرب الجار عند المخاضة.

* * *

٩٤

حرف الشين

٨٧ ـ شجاع بن فارس بن الحسين بن فارس بن الحسين بن غريب بن زنجويه ، أبو غالب بن أبي شجاع الذهلي (١) :

طلب الحديث بنفسه ، وكان مفيد أهل بغداد ، والمرجوع إليه في معرفة الشيوخ وأحوالهم بعد الخطيب. وذيل على تاريخ الخطيب ثم غسله قبل موته. وكان ثقة ثبتا صدوقا فاضلا أديبا جميل السيرة ، مرضي الطريقة ، أفنى عمره في هذه الصناعة. سمع أبا طالب محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي وعلي بن المحسن التنوخي وأبا الفتح عبد الواحد بن الحسن بن علي المقرئ وأبا إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي وأبا الحسين أحمد بن محمد بن الآبنوسي ومحمد بن أحمد بن حسنون النّرسيّ وأبا بكر أحمد بن علي الحافظ الخطيب. وكتب عنه أكثر مصنفاته مرات ولغيره ، وبالغ في الطلب.

وله شعر ، فمنه :

وقائلة إني رقدت وقد بدا

لليل الصبى في العارضين قتير

فقلت لها إن المزيد من الكرى

يكون إذا كان الظلام ينير

قرأت بخط شجاع الذهلي قال : قلت فيما يكتب على مضراب العود وقد سألته :

أنا في كف مهاة ذات دل وجمال

أبدا أسلب بالتحريك ألباب الرجال

قرأت في كتاب أبي طاهر السلفي بخطه ، وقرأته على أبي الحسن بن المقدسي بمصر عنه ، قال : أبو غالب شجاع الذهلي كان من حفاظ بغداد المذكورين ، وكنت أسمع أبا علي البرداني (٢) الحافظ يثني عليه إذا جرى ذكره ، وكان له أدب وشعر ، وقد علقت عنه كثيرا من الفوائد الأدبية.

قال عبد الوهاب الأنماطي : دخلت على شجاع بن فارس وهو مريض ، فقال لي : توّبني ، قد كتبت شعر ابن الحجاج سبع مرات. فقلت لشيخنا : لم كتبته؟ فقال لي : كان فقيرا. وقيل : إنه بعد ذلك كتب بخطه ثلاثمائة مصحف تكفيرا لما فعل.

قال ابن ناصر : كان شجاع الذهلي عسرا في الرواية ، فلهذا حدّث بالقليل ، لضيق

__________________

(١) انظر : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣. ومعجم المؤلفين ٤ / ٢٩٦. والمنتظم ١٧ / ١٣٤ ، ١٣٥.

(٢) في الأصل : «البردنى».

٩٥

وقته بالنساخة والتعليم لأولاد الرؤساء والأماثل.

مولده في منتصف رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة. وتوفي في ثالث جمادى الأولى سنة سبع وخمسمائة.

٨٨ ـ شقيق بن إبراهيم الأزدي ، أبو علي الزاهد (١) :

من أهل بلخ. صحب إبراهيم بن أدهم وعباد بن كثير وأبا حنيفة. روي عنه ابنه محمد. قدم بغداد حاجّا ودخل إلى الرشيد ووعظه.

قال حاتم الأصم : سمعت شقيقا البلخي يقول : عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة ، فأصبته في حرفين وهو قوله تعالى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى).

وقال حاتم أيضا : سمعت شقيقا البلخي يقول : ميز بين ما تعطى وتعطي (٢) ، إن كان ما يعطيك أحب إليك فأنت محب الدنيا ، وإن كان ما (٣) تعطيه أحب إليك فأنت محب الآخرة.

قال أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الحافظ الإدريسي : شقيق بن إبراهيم الزاهد روى أحاديث مناكير في الزهديات وغيرها. لم يكن من أهل الصناعة في الحديث ، وقلما حدث عنه أيضا من يوثق بروايته ، فلذلك لا يعتمد على روايته.

قتل شهيدا بجيلان سنة أربع وسبعين ومائة.

* * *

__________________

(١) انظر : فوات الوفيات ١ / ١٨٧. ووفيات الأعيان ٢ / ١٧١. والأعلام ٣ / ٢٤٩. وتهذيب ابن عساكر ٦ / ٣٢٧.

(٢) في الأصل : «ويعطى».

(٣) في الأصل : «من تعطيه».

٩٦

حرف الطاء

٨٩ ـ طاهر بن محمد بن طاهر بن علي ، أبو زرعة بن أبي الفضل المقدسي (١) :

تقدم ذكر والده في هذا المختصر. ولد بالري ، وبكر به أبوه فأسمعه من أبي الفتح عبدوس بن عبد الله الهمذاني وأبي منصور محمد بن الحسين المقدمي وأبي الحسن محمد بن منصور بن علان وأبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني ، وسمع ببغداد أبا الحسين علي بن محمد بن العلاف وأبا القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان. وسكن همذان إلى حين وفاته. وكان تاجرا لا يفهم شيئا من العلم ، وحدث بالكثير ، وعمّر ، وانفرد ببعض مروياته ، وكان شيخا صالحا. حمل جميع كتب والده ـ وكانت كلها بخطه ـ إلى الحافظ أبي العلاء بهمذان ، ورفعها على جميع أهل العلم وسلّمها إليه ، وسمعت من يذكر أنها كانت في ثلاثين غرارة.

قدم بغداد بعد الخمسين وخمسمائة ، وحدث بها بالكثير. سمع منه الأئمة : ابن الخشاب وابن شافع وابن الجوزي في آخرين. وذكر من سمعه يقول : حججت عشرين حجة.

مولده في الرابع والعشرين من رمضان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة بالري. وتوفي بهمذان في سابع ربيع الآخر سنة ست وستين وخمسمائة.

٩٠ ـ طراد بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان ابن محمد بن سليمان بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم الإمام بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي ، أبو الفوارس الزينبي (٢) :

من ولد زينب بنت سليمان بن علي. كان يسكن بباب البصرة. ولى النقابة على العباسيين ببغداد في رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. سمع من أبي الفتح هلال ابن محمد الحفار وأبي نصر أحمد بن محمد بن حسنون النّرسيّ وأبي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبي عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزّال في آخرين. وانفرد بالرواية عن أكثر شيوخه وحدث بالكثير ؛ وأملى خمسة وعشرين مجلسا بجامع المنصور ، وأملى بمكة والمدينة مجالس ، روى عنه الحفاظ : محمد بن ناصر السلامي ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري وسعد الخير وشهدة بنت الإبري وهي آخر من حدث عنه.

__________________

(١) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٢١٧. والعبر ٤ / ١٩٢.

(٢) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ١٦٢. وشذرات الذهب ٣ / ٣٩٦. والمنتظم ١٧ / ٤٣ ـ ٤٤. والعبر ٣ / ٣٣١.

٩٧

قال السلفي : سألت شجاع الذهلي عن طراد ، فقال : حدّث ببغداد وبغيرها من البلاد وأملى عدة سنين في جامع المنصور ، وكان صدوقا ، وقد سمعت منه.

قال محمد بن عبد الباقي الأنصاري : سمعت أبا الفوارس طراد يقول : إن مولده في منتصف شوال سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة.

وتوفي في سلخ شوال سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ببغداد. ودفن بباب النصر في مستهل ذي القعدة في داره. وهو آخر من حدّث عن أبي نصر بن النّرسيّ وهلال الحفار والحسين بن عمر بن برهان الغزال في آخرين. ثم نقل بعد ذلك إلى مقابر الشهداء.

* * *

٩٨

حرف العين

٩١ ـ عاصم بن الحسين بن محمد بن علي بن عاصم بن مهران بن أبي المضاء ، أبو الحسين بن أبي علي العاصمي العطار (١) :

من أهل الكرخ ، كان يعرف بابن عاصم الرصاص. سمع الكثير من أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي وأبي الفتح هلال الحفار ، وأبوي الحسين علي بن محمد بن بشران ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان وأبوي بكر محمد بن أحمد بن وصيف وأحمد بن محمد بن غالب البرقاني في آخرين. وحدث ، وكتب بخطه الكثير. سمع منه أبو بكر الخطيب الحافظ ، وروي عنه في كتاب «المؤتلف والمختلف» من جمعه. وكان صدوقا عفيفا متدينا مع ظرف كان فيه ولطف.

وله شعر ، فمنه :

وا تلفي من ساخط معرض

مذ علق القلب به ما رضى

أمرض قلبي طول هجرانه

فديته لو شاء لم يمرض

فدمع عيني مارقا مذ جفا

وجفنها الساهر لم يغمض

وليس لي من حبه مهرب

فما احتيالي وبهذا [قد] قضى؟

قال السلفي : سألت الذهلي عن عاصم بن الحسن العاصمي فقال : حدّث عن جماعة ، وله شعر مطبوع ، وكان صدوقا ، من أهل السنّة ، وقد سمعت منه.

مولده سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. وتوفي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ببغداد ، ودفن بمقبرة جامع المدينة.

٩٢ ـ عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب ، أبو محمد بن أبي الكرم (٢) :

كان يسكن بباب المراتب. وكان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال : إنه كان في درجة أبي علي الفارسي. وكانت له معرفة بالحديث واللغة والمنطق والفلسفة والحساب والهندسة.

__________________

(١) انظر : الأنساب ، للسمعاني ٩ / ١٤٧. والمنتظم ١٦ / ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، ٢٨٨.

(٢) انظر : وفيات الأعيان ٢ / ٢٨٨. والعبر ٤ / ١٩٦. وأنباء الرواة ٢ / ٩٩. ومعجم الأدباء ١٢ / ٤٧. والمنتظم ١٨ / ١٩٨. والأعلام ٤ / ١٩١.

٩٩

قرأ الحساب والهندسة على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري. وسمع الحديث منه ومن أبي القاسم علي بن الحسين الربعي وأبي الغنائم محمد بن علي النّرسيّ ، وقرأ الحديث بنفسه على أبي القاسم بن الحصين وأبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش وأبي القاسم هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري في آخرين ؛ وقرأ العالي والنازل ، وكتب بخطه الكثير.

وكان يكتب خطا مليحا ، ويضبط صحيحا ، وحصّل من الكتب والأصول وغيرها ما لا يدخل تحت حصر ؛ وكان ثقة في الحديث والنقل ، صدوقا نبيلا حجة إلا أنه كان بخيلا ، ولم يكن في دينه بذاك. وكان متبهدلا في مطعمه وملبسه ومعيشته (١) ، متهتكا في حركاته ، قليل المبالاة بحفظ ناموس العلم. وكان يلعب بالشطرنج على قارعة الطريق مع العوام ، ويقف في الشوارع على أصحاب اللهو ، وكان كثير المزاح واللعب ، طيب الأخلاق.

وله شعر ، فمنه :

أسلمته العيون درا فلما

جال فوق الخدود عاد عقيقا

وشموس ودّعن عند التلاقي

فكأن الغروب عاد شروقا

كتب إليّ محمود بن هبة الله بن الحلي ، قال : أنشدنا أبو محمد بن الخشاب لنفسه ملغزا في الكتاب :

وذي أوجه لكنه غير بائح

بسر وذو الوجهين للسر يظهر

تناجيك بالأسرار أسرار وجهه

فتسمعها (٢) ما دمت بالعين تنظر

قال أبو سعد بن السمعاني : سمعت شجاع البسطامي يقول : لما دخلت بغداد قرأ عليّ ابن الخشاب غريب الحديث لابن قتيبة قراءة ما رأيت قبلها مثلها في الصحة والسرعة ، وحضر جماعة من الفضلاء سماعها ، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسانه فما قدروا على ذلك.

أخبرنا شهاب الحاتمي قال : حدثنا أبو سعد بن السمعاني قال : عبد الله بن الخشاب شاب كامل فاضل ، له معرفة تامة بالأدب واللغة والحديث ، ويقرأ الحديث قراءة حسنة صحيحة مفهومة ، سمع الكثير بنفسه ، وجمع الأصول الحسان ، كتبت عنه.

__________________

(١) في الأصل : «تعيشه».

(٢) على الهامش : «فتفهمها».

١٠٠