تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٧

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

فإن كتاب «المستفاد من تاريخ بغداد» أحد ذيول «تاريخ بغداد» للخطيب وهو عدد من التراجم التي اختارها ابن الدمياطي من الأصل الذي لم يصل إلينا منه إلا القليل ، وعلى الرغم من أن عمل ابن الدمياطي يعتبر سطحي إلا أن هذا العمل يعد أكثر منفعة وأهمية لطلاب الحديث والأدب.

ولقد بلغت تراجم هذا المختصر مائتين وأحد عشر شخصا ، ستة منهم نساء ، وقد بدأ ابن الدمياطي كتابه بترجمة لابن النجار نقلا عن ابن الدبيثي ، ثم دون التراجم بعد ذلك حسب الاسم ابتداء بمحمد بن أحمد الحسين ، ثم إبراهيم ، وانتهاء بيوسف. وبعد ذلك الكنى ، ثم النساء.

وقد اهتم ابن الدمياطي في اختياره بالذين اشتهر عنهم السماع والتحديث.

صاحب المستفاد :

هو أبو الحسين أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي ، يعرف بابن الدمياطي. ولد بمصر سنة ٧٠٠ ه‍ بدمياط ونشأ بها ثم رحل إلى الشام سنة ٧٤٠ ه‍ ثم عاد إلى مصر إلى أن مات بالطاعون سنة ٧٤٩ ه‍.

وترك من المؤلفات ما لا بأس به منها :

١ ـ ذيل على كتاب صلة التكملة لوفيات النقلة.

٢ ـ تخريج حديث الرافعي.

٣ ـ تخريج معاجم الدبوس والسبكي وغيرهما.

٣

٤ ـ المستفاد من تاريخ بغداد (١).

الكتاب ومنهج التحقيق :

الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٩٥٥ يقع في ١٦٨ صفحة المتوسط.

وقد قمنا بمراجعة المطبوعة على المخطوط وأثبتنا بعض ما ورد به من أغلاط مع تصحيحها وأغفلنا بعضها.

قمنا بتخريج ما ورد به من تراجم كلما أمكن ، وعلقنا على بعض المواضع وقدمنا الكتاب بمقدمة مبسطة.

وندعو الله أن يجعله في صالح أعمالنا إنه قريب مجيب.

* * *

__________________

(١) انظر ترجمته في : الدرر الكامنة ١ / ١٠٨. وكشف الظنون ٢٠٢٠. والأعلام ١ / ١٠٢.

٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

رب يسر وأعن

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد! فإن علم الحديث من أشرف العلوم قدرا ، وأكملها شرفا وذخرا ، لا سيما معرفة تراجم العلماء وأحوال الفضلاء. وهذه تراجم وقع الاختيار عليها من «ذيل تاريخ بغداد» للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل محمود بن أبي محمد الحسن بن هبة الله بن محاسن بن هبة الله البغدادي المعروف بابن النجار.

كان مولده في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة في ليلة الثالث والعشرين من ذي القعدة ببغداد ، وتوفي بها في بكرة الخامس من شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب. وكان قد سمع ببغداد من أبي الفرج بن كليب وأبي حفص ابن طبرزد وأبي علي حنبل الرصافي وذاكر بن كامل والمبارك بن المبارك بن المعطوش (١) والحافظ أبي الفرج بن الجوزي في جماعة من أصحاب ابن الحصين (٢) والقاضي أبي بكر الأنصاري. وحج وسمع بمكة والمدينة. ورحل إلى الشام ، فسمع بدمشق من أبي اليمن الكندي وابن الحرستاني(٣) ، وبحلب من الهاشمي. ودخل بغداد. ورحل منها إلى أصبهان وخراسان. سمع بأصبهان من جماعة من أصحاب إسماعيل بن الفضل بن الإخشيد وزاهر الشحامي ؛ وبنيسابور من المؤيد وزينب السعدية في آخرين ؛ وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني. وسمع ببسطام ودامغان وساوه وهمذان.

ثم رحل إلى ديار مصر ، وسمع بمصر والإسكندرية من جماعة من أصحاب الحافظ أحمد بن محمد السلفي ، وكتب بخطه الكثير ، وجمع وألف. وكان حافظا متقنا ، عمدة ، حسن التصنيف ، عالي الهمة في طلب الحديث. ومن نظر في هذا التاريخ علم محله

__________________

(١) في شذرات الذهب ٤ / ٣٤٣ : «وأبو المعطوس».

(٢) في كل المصادر : «ابن الحصن».

(٣) في الأصل : «ابن الخزستاني». والتصحيح من طبقات الأسنوي ١ / ٤٤٥.

٥

وإتقانه وكثرة اطلاعه وسعة رحلته ـ رحمه‌الله.

وقد أنبأني بجميع هذا التاريخ (١) الشيخ أبو محمد القاسم بن مظفر بن محمود بن عساكر الدمشقي وجماعة ، وكان مولده في سنة تسع وعشرين [وستمائة] (٢) وتوفي بدمشق في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ـ رحمه‌الله. قال : كتب إلي الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار البغدادي منها ، رحمه‌الله تعالى. يتلوه محمد بن أحمد الشاشي.

١ ـ محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي ، أبو بكر (٣) :

ولد بميافارقين ، وتفقه بها على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني وعلى القاضي أبي منصور الطوسي صاحب أبي محمد الجويني ، ودخل بغداد ولازم أبا إسحاق الشيرازي وقرأ على أبي نصر بن الصباغ «كتاب الشامل». وسمع الحديث من أبي جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون والقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن الفراء وغيرهم ، وسمع بميافارقين من شيخه الكازروني وحدث ، سمع منه جماعة من الحفاظ.

وكان من الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام ، مرجوعا إليه في الفتاوى والأحكام ومعرفة الحلال والحرام. وقد صنف في المذهب عدة مصنفات مشهورة.

قال أبو بكر الشاشي : رأيت كأني أنشد هذه الأبيات في النوم من غير أن تكون على ذكرى :

قد نادت الدنيا على نفسها

لو كان في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر أفنيته

وجامع بدّدت ما يجمع

وحدث محمد بن عبد الله القرطبي الفقيه قال : حضرت عند الإمام أبي بكر الشاشي وقد أغمى عليه في مرضه. فلما أفاق أحضروا له ماء ليشربه ، قال : لا أحتاج مذ سقاني الآني ملك شربة أغنتني عن الطعام والشراب ثم مات.

مولده في يوم الأحد سابع المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، وتوفي ليلة السبت خامس عشري شوال سنة سبع وخمسمائة ، ودفن يوم السبت في تربة الشيخ أبي

__________________

(١) في الأصل : «هذه التاريخ».

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصول.

(٣) انظر : وفيات الأعيان ٣ / ٣٥٦. والوافي بالوفيات ٢ / ٧٣. ومعجم البلدان ٥ / ٢١٢.

٦

إسحاق الشيرازي ، وصلى عليه ولده الأكبر بجامع القصر ـ رحمه‌الله.

٢ ـ محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن منصور بن إبراهيم الدقاق أبو بكر المعروف بابن الخاضبة (١) :

طلب الحديث وسمع الكثير من القاضي أبي الحسين محمد بن علي بن المهتدي وأبي الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون وأبي جعفر محمد بن المسلمة وأبي الحسين بن أحمد ومحمد بن النقور وأبي عبد الله محمد بن علي بن سكينة ، والحافظ أبي بكر أحمد ابن علي الخطيب ، وببيت المقدس أبا الحسين محمد بن بكر بن عثمان الأزدي وأبا زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري.

وكتب بخطه كثيرا من الحديث والسير والأدب لنفسه وتوريقا للناس ، وكان يكتب خطا حسنا وله معرفة بهذا الشأن. ويوصف بالحفظ والصدقة والثقة ، وكان ورعا زاهدا محبوبا إلى الناس.

قال محمد بن طاهر المقدسي : ما كان في الدنيا أحسن قراءة للحديث من أبي بكر ابن الخاضبة في وقته ؛ لو سمع بقراءته إنسان يومين لما ملّ قراءته.

قال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي : سمعت أبا بكر بن الخاضبة يقول : لما كانت سنة الغرق وقعت داري على قماشي وكتبي ، ولم يكن لي شيء ، وكان لي عائلة : الوالدة والزوجة والبنات (٢) ، فكنت أورق الناس وأنفق على الأهل. فأعرف أني كتبت «صحيح مسلم» في تلك السنة بالوراقة سبع مرات ، فلما كان ليلة من الليالي رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت. ومناد ينادي : أين ابن الخاضبة؟ فأحضرت ، فقيل لي : ادخل الجنة ، فلما دخلت الباب وصرت من داخل استلقيت على قفاي ووضعت إحدى رجلي على الأخرى وقلت : آه ، استرحت والله من النسخ.

توفي أبو بكر بن الخاضبة في ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الأول من سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، وصلي عليه بكرة يوم الجمعة في جامع القصر ، وكان له يوم مشهود.

٣ ـ محمد بن أحمد بن محمد بن سعيد بن زيد المنقري التكريتي ، أبو البركات بن أبي الفرج بن أبي نصر (٣) :

__________________

(١) انظر : العبر ٣ / ٣٢٥. ومعجم الأدباء ١٧ / ٢٢٦ ـ ٢٣٠. والمنتظم ١٧ / ٣٥ ، ٣٦.

(٢) في معجم الأدباء ١٧ / ٢٢٨ : «الزوجة والبنت».

(٣) انظر : الوافي بالوفيات ٢ / ١١٥. والمحمدون من الشعراء ١ / ٤٣.

٧

أصله من تكريت ، وولد ببغداد في سنة أربعين وخمسمائة ونشأ بها ، وكان يسكن بدرب الخبازين ، وكان يبيع البربحان الصفة (١) بسوق الثلاثاء ؛ وكان كثير المخالطة لأهل الأدب والفضل.

ومن شعره :

تصدت لقتلي بعد طول صدودها

بنفسي أفدي من تصدّت وصدت

أماتت بذات الهجر مني مهجة

فلو أنها بالطيف حيث لأحيت

أطاعت هوى الواشين في قتل وامق

وما استيقنت لكن تظنت وظنت

أعالج فيها شقة ومشقة

فأهوى عذابي شقتي ومشقتي

طويت الهوى في القلب والبعد

فوا كبدي من طيتي وطويتي

نحوها

وله :

في ذلتي في حبكم وخضوعي

عار ولا شغفي بكم ببديع

دين الهوى ذل وجسم ناحل

وسهاد أجفان وفيض دموع

كم قد لحاني في هواكم لائم

فثنيت عطفي عنه غير سميع

ما يحدث للقلب عندي سلوة

لكم ولو جئتم بكل قطيع

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع

توفي أبو البركات بن زيد في شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالموصل ودفن بها.

٤ ـ محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل بن الحسين أبو الفرح ، الأديب (٢) :

من أهل [هيت] (٣) نزل بغداد ، وكان يسكن باب البصرة ، و [قرأ] الأدب على الشريف (٤) أبي السعادات بن الشجري ، وأنشأ الخطب والمقامات.

ومن شعره :

__________________

(١) هكذا في الأصول.

(٢) انظر : المحمدون من الشعراء ١ / ٢٦١.

(٣) ما بين المعقوفتين ليست في الأصول.

(٤) في الأصل : «وعلى الأدب على الشريف».

٨

أمغرى بالدلال دع الملالا

فمن يدم السري يجد الكلالا (١)

ولا تنس الإخا واذكر عهودا

عهدنا للسرور بها انقبالا (٢)

ولو حملت ما حملت من ضنبا؟

من الهجران لم تطق احتمالا

ولست وإن حملت رسيس وجد

بهجرك مزمعا عنك احتمالا

فهب لمتيم يهواك قلبا

يحاذر من تقلبك اغتيالا

وإن تك غير منّان بوصل

فزر بخيالك الدنف الخيالا

مولده سنة سبع وتسعين بهيت ـ وقيل : سنة خمس وتسعين وأربعمائة تقريبا ، وتوفي يوم الأربعاء لسبع بقين من ربيع الأول سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، ودفن من الغد [عند قبر] (٣) الإمام أحمد.

وذكر أبو بكر بن مشّق : أنه توفي ليلة الخميس رابع عشر ربيع الآخر.

٥ ـ محمد بن الحسين بن عبد الله بن يوسف بن الشّبل بن أسامة ، أبو علي الشاعر (٤) :

من أهل الحريم الطاهري صاحب الديوان المشهور ، وحدث عن أبي الحسن أحمد ابن علي بن الباذي والأمير أبي محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله ، وكان أبو علي هذا إماما في النحو واللغة وعلم الأدب ، وعلق عنه الحافظ أبو بكر الخطيب شيئا من رسائله.

ومن شعره :

يا قلب مالك لا تفيق وقد

رأت عيناك ذلّ مصارع العشاق

فبكت بك الحدق الحسان ولم تزل

تشكي [إليك] (٥) جناية الأحداق

لو مس وجدي عين (٦) عذبه

والنار أذهلها عن الإحراق

صروا على أبياتكم بلديغكم

يشفي ولا سعة هلاك الراقي

واستوهبوا لي نظرة تحيي بها

ما مات مني أن يموت الباقي

فوقى العقارب في السوالف رشفها

والسم ممتزج مع الترياق (٧)

__________________

(١) في المصدر السابق : «يجد الملالا».

(٢) في الأصل : «أقفهالا».

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(٤) انظر : الوافي بالوفيات ٣ / ١١ ـ ١٦. وفوات الوفيات ٢ / ٢٤٤.

(٥) ما بين المعقوفتين زيادة ليست في الأصل.

(٦) هكذا في الأصل.

(٧) في الأصل : «التياقي».

٩

مولده في سنة إحدى وأربعمائة ، وتوفي في الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة ، ودفن بباب حرب.

وكان سماعه من الباذي غريب الحديث. وهو أحد المجودين (١) من الشعراء ـ رحمه‌الله تعالى.

٦ ـ محمد بن حماد بن المبارك بن محمد بن حيان الشيباني المحرزي أبو نزار (٢) (٣):

من أهل باب الأزج ، ذكره أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني في كتاب «الخريدة» الذي جمعه في شعراء العصر ، وأجازني روايته عنه ، قال : محمد بن حماد ابن المحرزي أديب فاضل من أهل [العلم] (٤) ، متطرف من كل فن ، وكان مشغوفا بالجمع والتصنيف ، توفي ستين وخمسمائة.

فمن شعره قوله :

فتنتني فتانة الألحاظ

صعبة الطوع سهلة الألفاظ

خدلة عبلة (٥) كعوب لعوب

بعقول النّسّاك والوعاظ

ريقها يبرد الغليل ويشفي (٦)

سقم القلب من لهيب الشواظ (٧)

لست آسي عليك وصلا ولكن

لذة الحب بعد لوك المظاظ

٧ ـ محمد بن محمد بن خلف بن الحسين بن المنى ، أبو بكر البندنيجي المعروف بحنفش (٨) :

أسمعه والده الحديث في صباه من أبي محمد الصريفيني وأبي الحسين بن النقور وأبي القاسم عبد الله بن الحسن الخلال وعلي بن أحمد بن محمد بن البسري.

أخبرنا شهاب بن محمود المزكي بهراة قال : سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول : محمد بن أحمد بن خلف البندنيجي أبو بكر نزل بغداد ، وسكن النظامية ، وتفقه على

__________________

(١) في الأصل : «الموحدين».

(٢) انظر : المحمدون من الشعراء ١ / ٣٠٢.

(٣) في الأصل : «أبو مراد». والتصحيح من المصدر السابق.

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من المصدر السابق.

(٥) في الأصل : «جدلة عبدلة».

(٦) في الأصل : «العليل ولسعي».

(٧) في الأصل : «الشظا».

(٨) ـ انظر : الأنساب للسمعاني ٢ / ٣٣٩. والطبقات للسبكي ٤ / ٦٨.

١٠

أبي سعد المتولي ، فكان يتكلم في المسائل ، وكان عسرا في الرواية ، سيئ الأخلاق ، ضجورا ، أدار إلى أصحاب الحديث يتبرم بهم ، وسمعت غير واحد ممن أثق بهم إنه كلّ بالصلوات ، وليست له طريقة محمودة.

وسمعت أبا نصر الفتح بن أحمد بن عبد الباقي اليعقوبي بنيسابور يقول : قيل لحنفش إن ابن السمعاني ذكرك في «المذيل» وجرحك ، فقال : ترى أخرج عني الدم؟.

سألته عن مولده ، فقال : بعد قتل البساسيرى ، وكان قتله في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.

كتب إليّ أبو المعالي بن الصناع أن حنفش توفي يوم الخميس من شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ، ودفن بالوردية وقيل : إنما لقب «حنفشا» لأنه كان حنبليّا ثم صار حنفيّا ثم صار شافعيّا.

٨ ـ محمد بن سعيد بن إبراهيم بن سعيد بن نبهان ، أبو علي بن أبي الغنائم الكاتب (١) :

من أهل الكرخ أسمعه جده لأمه أبو الحسين هلال بن المحسن الصابئ من أبي علي الحسن بن أحمد بن أدهم بن شاذان وابن الحسن بشرى بن عبد الله الفاتني وأبي علي الحسن بن الحسين بن دوما النعالي ، ولم يبق على وجه الأرض من يروي عن هؤلاء الأربع غيره و [قرأت] (٢) عنه بخط أبي بكر الخطيب.

أخبرنا أبو محمد بن الأخضر ، قال : أنشدنا محمد بن ناصر من لفظه ، قال : أنشدنا أبو علي بن نبهان لنفسه :

أسعدنا من وفّقه الله

لكل فعل منه يرضاه

ومن رضى من رزقه بالذي

قدّره الله وأعطاه

واطرح الحرص وأطماعه

في نيل ما لم يعطه مولاه

طوبى لمن فكر في بعثه

من قبل أن يدعو به الله

واستدرك الفارط فيما مضى

وما نسى والله أحصاه

فالموت حتم في جميع الورى

طوبى لمن تحمد عقباه

__________________

(١) انظر : الوافي بالوفيات للصفدي. ٣ / ١٠٤. والمحمدون من الشعراء ٢ / ٤٨٥.

(٢) ما بين المعقوفتين كلمة مطموسة في الأصل.

١١

وكل من عاش إلى غاية

في العمر فالموت قصاراه

يعلمه (١) حقا يقينا بلا

شك ولكن يتناساه (٢)

كأنما خص به غيرنا

أو هو خطب نتوقاه (٣)

قال أبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل البصري : كان شيخنا أبو علي بن نبهان إذا مكثوا أصحاب الحديث عنده زمانا فقال : قوموا واخرجوا فإن عندي مريضا. بقي على هذا سنين ، فكان الناس يقولون «مريض ابن نبهان قط لا يبرئ».

مولده سنة إحدى عشرة وأربعمائة ، وتوفي في ليلة الأحد السابع عشر من شوال سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، ودفن يوم الأحد في داره بالكرخ ، وبلغ من العمر ستا وتسعين سنة.

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر : ولم يكن من أهل الحديث ، وكان رافضيا.

٩ ـ محمد بن سعيد بن يحيى بن علي بن الحجاج بن محمد بن الحجاج بن مهلهل بن مقلد ، أبو عبد الله بن أبي المعالي بن أبي طالب الدّبيثي (٤) :

من أهل واسط ، ذكر أنه ولد بواسط في يوم الأحد بعد صلاة الظهر السادس والعشرين من رجب سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.

وقرأ القرآن بالروايات السبع والعشر على أبي الحسن علي بن المظفر خطيب شافياء (٥) وعلى أبي بكر الباقلاني ، وهما من أصحاب القلانسي ، وتفقه على المجير محمود بن المبارك البغدادي لما قدم عليهم واسط. قال : وعلقت عنه الأصلين والخلاف. وقرأ الأدب على شيخنا مصدق ؛ وسمع الحديث بواسط من القاضي أبي طالب محمد بن علي بن الكتاني ، ورحل إلى بغداد مرارا ، وسمع بها من أبي العز محمد ابن محمد بن الخراساني وأبي الفتح بن شاتيل وأبي السعادات القزاز (٦) وأبي العلاء بن عقيل وعبد الجبار بن الأعرابي ، وظاعن (٧) بن محمود الخياط وأبي منصور البغدادي

__________________

(١) في الأصل : «تعلمه».

(٢) في الأصل : «تناساه».

(٣) في الأصل : «نتناساه».

(٤) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ٥ / ٢٦. وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٩٩. والوافي بالوفيات ٣ / ١٠٢.

ووفيات الأعيان ٤ / ٢٨ ، ٢٩.

(٥) في الأصل : «سافياء».

(٦) في الأصل : «القرار».

(٧) هكذا في الأصل.

١٢

في آخرين ، وكان حسن الصحبة وجميل الأخلاق والتودد والديانة وحسن الطريقة.

أنشدني أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى الحافظ لنفسه :

مدارك أعلام الشريعة أصلها

حديث رسول الله إذ كان يشرع

فكن جامعا منه لما صح نقله

فقد فاز من أمسى لما قال يجمع

ولا تستمع من كان فيه مفندا

فلتدين (١) الحكماء عن الخير تدفع

توفي أبو عبد الله بن الدبيثي في يوم الاثنين ثمان خلون من شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة ، ودفن من الغد بالوردية. وكان قد أضر في آخر عمره.

١٠ ـ محمد بن سليمان بن قترمش (٢) بن تركانشاه السمرقندي أبو منصور (٣) :

من أولاد الأمراء ، وكان أديبا فاضلا ، له النثر والنظم الجيد ، يحفظ كثيرا من الحكايات والأشعار والنوادر ويكتب خطا مليحا ، وكان عارفا بالنحو واللغة والحساب والفلسفة ، وكان قليل الدين لا يعتقد شيئا.

أنشدنا أبو منصور محمد بن سليمان لنفسه بالمدرسة النظامية :

يبكي عليك وحقه يبكيكا

صب بمهجة نفسه يفديكا

ظمآن من شوق إليك وربه

لو كنت تنقعه مراشف فيكا

يا مسلمي لصدوده وبعاده

رفقا سلمت فبعض ذا يكفيكا

زعموا بأنك في الجمال كيوسف

صدقوا فرفقا يوسف يأتيكا

مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، وتوفي عشية الاثنين السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة عشرين وستمائة ، وصلى عليه بالمدرسة النظامية ، ودفن بالشونيزية.

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) هكذا في الأصل ، وفي معجم الأدباء : «قطرمش».

(٣) انظر : معجم الأدباء ١٨ / ٢٠٥. والمحمدون من الشعراء ٢ / ٤٨٧.

١٣

١١ ـ محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو الفضل (١) :

من أهل باب البصرة ، كان خطيبا بجامع المنصور مدّة ثم تولى الخطابة بجامع القصر ، وكان من أهل الديانة مديما للصيام ، قرأ القرآن على أبي الخطاب أحمد بن علي بن عبد الله الصوفي ، وسمع أباه وأبا القاسم عبد الله بن الحسن الخلال وأبا الحسين أحمد بن محمد بن النقور وأبا القاسم علي بن أحمد بن البسري.

مولده في العشر الأول من ذي الحجة سنة تسع وأربعين وأربعمائة ، وتوفي في يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ، ودفن يوم السبت في باب حرب على أبي الوفا بن القواس.

١٢ ـ محمد بن عبد الله بن عمر بن محمد بن الحسين بن علي الظريف (٢) بن محمد بن أبي بكر أحمد بن الحسن بن سهل بن عبد الله الفارسي ، أبو الحياة بن أبي القاسم بن أبي الفتح بن أبي بكر الشاه بوري الواعظ (٣) :

من أهل بلخ ، سافر أبو الحياة في طلب العلم وجال في خراسان وما وراء النهر ؛ سمع ببلخ أباه وأبا حفص عمر بن علي المحمودي وأبا بكر محمد بن محمد الخلمي وأبا الشجاع عمر بن أبي الحسن بن عبد الله البسطامي ؛ وبخوارزم محمود بن محمد بن عباس بن أرسلان وأبا حامد محمد بن إبراهيم بن أبي زكريا الفارابي ، وبمصر أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير ، وبالإسكندرية أبا طاهر السلفي وأقام عنده زمانا ، وروى السلفي عنه ، وكان يعظمه ويبجله ويعجب بكلامه ؛ ثم قدم بغداد مرات ، ثم استوطنها إلى حين وفاته.

وكان يعقد مجلس الوعظ بالنظامية ، وكان فاضلا عالما مليح الوعظ ، حسن الإيراد ، حلو الاستشهاد ، رشيق المعاني ، لطيف الألفاظ ، فصيح اللهجة ؛ له يد باسطة في تنميق الكلام وتزويقه ، وكان يرمي بأشياء منها شرب الخمر وشرى الجواري المغنيات وسماع الملاهي المحرمة ، وأخرج عن بغداد مرارا لأجل ذلك.

سمعت عبد العظيم بن عبد القوي المنذري الحافظ بالقاهرة يقول : سمعت شيخنا

__________________

(١) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ٢٧٣. وطبقات القراء ٢ / ١٧٦.

(٢) في الأصل : «الطريف».

(٣) انظر : الوافي بالوفيات ٣ / ٣٤٣.

١٤

الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي يقول : كتب البلخي مرة رقعة إلى شيخنا الحافظ السلفي وكتب على رأسها «فراش لمعة وفراش سمعة» قال : فأعجب بها شيخنا كثيرا وكان يكررها.

ويقال إنه كان يسب الصحابة (١) كثيرا. مولده في أوائل سنة ثلاثين وخمسمائة في ربيع الأول منها ، وتوفي في يوم الجمعة التاسع عشر من صفر سنة ست وسبعين وخمسمائة ـ رحمه‌الله.

١٣ ـ محمد بن عبد الله بن محمد [بن] (٢) أبي الفضل السّلميّ ، أبو عبد الله(٣) :

من أهل مرسية من بلاد الأندلس ـ قدم علينا بغداد شابا طالبا للعلم قافلا من مكة سنة خمس وستمائة ، وأقام يسمع من شيوخنا الحديث ويقرأ الفقه والخلاف والأصلين بالمدرسة النظامية ، ثم إنه سافر إلى خراسان وسمع بنيسابور وهراة ؛ وحدّث ببغداد بكتاب «السنن» لأبي بكر البيهقي (٤) عن منصور بن عبد المنعم الفراوي.

وكان من الأئمة الفضلاء في جميع فنون علم (٥) الحديث وعلوم القرآن والفقه والخلاف والأصلين والنحو واللغة ، وله قريحة حسنة ، وفهم ثاقب ، وتدقيق في المعاني ، وله مصنفات في جميع ما ذكرناه من العلوم ، وهو مشتغل بذلك في جميع أوقاته ، وله النظم والنثر المليح ، ومع ذلك فهو زاهد متورع ، حسن الطريقة ، متدين ، كثير العبادة ، متعفف ، نزه النفس ، قليل المخالطة للناس ، ما رأيت في فنه مثله.

أنشدنا الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل السلمي لنفسه :

من كان يرغب في النجاة فما له

غير اتباع المصطفى فيما أتى

ذاك السبيل المستقيم وغيره

سبل الضلالة والغواية والردى

فاتبع كتاب الله والسنن التي

صحت فذاك إذا اتبعت هو الهدى

ودع السؤال بكم وكيف فإنه

باب يجر ذوي البصيرة للعمى

__________________

(١) في الوافي : «يدس سب الصحابة».

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من الوافي.

(٣) انظر : الوافي بالوفيات ٣ / ٣٥٤. وشذرات الذهب ٥ / ٢٦٩. ومعجم الأدباء ١٨ / ٢٠٩ ـ ٢١٣.

(٤) في الوافي : «حدث بالسنن الكبير للبيهقي وبغريب الحديث للخطابي».

(٥) في الأصل : «في جميع فنون العلم»

١٥

الدين ما قال الرسول وصحبه

والتابعون ومن مناهجهم قفى

وله أييضا :

قالوا فلان قد أزال بهاءه (١) )١)))

ذاك العذار وكان بدر تمام

فأجبتهم : بل زاد نور بهائه

ولذا تزايد فيه فرط (٢) عرامي

استصرت ألحاظة فنكأتها

فأتى العذار يمدها بسهام

مولده بمرسية في سنة سبعين وخمسمائة. قلت وتوفي بين الزعقة والعريش من منازل الرمل وهو متوجه من مصر إلى دمشق في النصف من شهر ربيع الأول من سنة خمس وخمسين وستمائة ، ودفن في بقعة بتل الزعقة ـ رحمه‌الله.

١٤ ـ محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان ، أبو الفتح بن أبي القاسم الحاجب المعروف بابن البطي (٣) :

من ساكني الصاغة من دار الخلافة ، محدّث بغداد في وقته ، [به] (٤) ختم الإسناد ، وكان أبواه صالحين ، فعاد عليه بركتهما ، سمع بإفادة أبي بكر بن الخاضبة ، وأخذ له الإجازات من الشيوخ ، وكان شيخا صالحا ، حسن الطريقة ، مليح الأخلاق ، محبّا للتحديث ، صدوقا ، أمينا ، سمع أبا عبد الله مالك بن أحمد بن علي البانياسي وأبا الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبا عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد النعالي والنقيب طراد [بن محمد] (٥) الزينبي وأبا محمد عبد الله بن علي بن ذكري الدقاق وأبا محمد رزق الله التميمي وأبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي وأبا بكر أحمد بن عمر السّمرقندي. وروي عنه جماعة من الحفاظ الأكابر.

مولده في يوم السبت رابع عشري جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة ، وتوفي في ليلة الجمعة ، ودفن يوم الجمعة ثامن عشري جمادى الأولى سنة أربع وستين وخمسمائة بباب أبرز (٦).

__________________

(١) في الأصل : «بهاده».

(٢) في الأصل : «فرظ».

(٣) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٢١٣. والوافي بالوفيات ٣ / ٢٠٩. والعبر ٤ / ١٨٨.

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من الوافي.

(٥) ما بين المعقوفتين زيادة من العبر.

(٦) في الأصل : «ببابيرز».

١٦

١٥ ـ محمد بن عبد الباقي بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الربيع بن ثابت بن وهب بن مشجعة بن الحارث (١) بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري ، أبو بكر بن أبي طاهر البزاز (٢) :

من أهل النصرية ، بكر به أبوه فأسمعه من أبي إسحاق إبراهيم البرمكي والقاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وأبي الحسن محمد بن أحمد بن الآبنوسي ، وأبي الحسن علي بن أبي طالب المكي وأبي الفضل هبة الله بن أحمد بن المأموني ، فهؤلاء تفرد بالرواية عنهم. وسمع أيضا بنفسه القاضي أبا يعلى الفراء وعبد العزيز الأنماطي وعبد الله بن الحسن الخلال والقاضي أبا المظفر صاحب إبراهيم النسفي.

وقرأ بنفسه وكتب بخطه ، وتفقه في صباه على القاضي أبي يعلى بن الفراء. وقرأ الفرائض والحساب والهندسة حتى برع في جميع ذلك ، وله فيه مصنفات.

قرأت بخط أبي الفضل بن سامع : سمعت أبا محمد بن الخشاب يقول : سمعت قاضي المرستان ـ يعني محمد بن عبد الباقي ـ يقول : نظرت في كل علم وحصلت منه بعضه (٣) أو كله إلا هذا النحو ، فإني قليل البضاعة فيه.

أخبرني شهاب بن محمود المزكي بهراة قال : أنبأني أبو سعد بن السمعاني قال : محمد بن عبد الباقي الأنصاري أسند شيخ بقي على وجه الأرض ، وكانت إليه الرحلة من أقطار الأرض ، عارف بالقوم ، متدين ، حسن الكلام ، حلو المنطق ، مليح المحاورة ، ما رأيت أجمع للفنون منه ، وكان سريع النسخ ، حسن القراءة للحديث. سمعته يقول : ما أعرف أني ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب.

مولده في صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ، وتوفي في رجب سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ، ودفن بباب حرب قريبا من بشر الحافي ؛ وأوصى أن يكتب على لوح قبره : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ).

١٦ ـ محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي الحسن مسعود بن أحمد بن الحسين ابن محمد المسعودي ، أبو عبد الله البنجديهي الصّوفي (٤) :

__________________

(١) في الأصل : «بن الحرب».

(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ / ١٠٨. والعبر في خبر من غبر ٤ / ٩٦.

(٣) في الشذرات : «كله أو بعضه».

(٤) انظر : الأنساب ، للسمعاني ٢ / ٣٣٣. ومعجم الأدباء ١٨ / ٢١٥ ، ٢١٦.

١٧

هكذا رأيت نسبه بخطه ـ رحل في طلب الحديث وطاف الأقطار : خراسان والعراق وآذربيجان والجزيرة وديار مصر والشام ، وكان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب ، وله مصنفات : منها «شرح المقامات».

سمع ببلده أباه أبا السعادات عبد الرحمن وأبا الفضل عبد الرحمن بن الحسن بن علي بن شراف ، وبسجستان أبا محمد عبد الله بن عمر بن أبي بكر السجزي ، وببلخ أبا شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي وأبا الفتح حمزة بن محمد بن الحسون ، وبنيسابور أبا بكر محمد بن علي الزاهد الطوسي وأبا المظفر محمد بن الحسن بن الحسين الزاهد ، وبكرمان أبا المعالي إسماعيل بن الحسين المقرئ اللغوي ، وبأصبهان أبا بكر محمد بن إبراهيم بن محمد الصالحاني ، وبهمذان أبا الفرح ظهير بن زهير بن علي الرفاد ، بتبريز أبا الصنوف إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم الحريري ، وببغداد أبا المظفر محمد بن أحمد بن التريكي وأبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن سلمان وأبا محمد عبد الواحد بن الحسين البارزي ، وبالموصل أبا محمد عبد الرحمن بن أحمد الطوسي ، وبديار بكر أبا عبد الله مروان بن علي بن سلامة الوزير ، وبمصر أبا محمد عبد الله بن رفاعة ابن غالب وأبا محمد عبد الله بن برى (١) ، وبالإسكندرية أبوي طاهر أحمد بن محمد السلفي وإسماعيل بن مكي بن عوف.

كتب إلى عبد الخالق بن صالح بن زيدان المكي وأنشدني عنه ياقوت الحموي بحلب ، قال : أنشدني محمد بن عبد الرحمن بن محمد المسعودي لنفسه :

قالت عهدتك تبكي

دما حذار التنائي

فلم تعوضت عنها

بعد الدماء بماء؟

فقلت : ما ذاك مني

لسلوة أو عزاء (٢)

لكن دموعي شابت

من طول عمر بكائي

توفي المسعودي في ليلة السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول ، سنة أربع وثمانين وخمسمائة بدمشق ، ودفن بسفح قاسيون. وذكر أن مولده في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.

__________________

(١) في الأصل : «بن نرى».

(٢) في الأصل : «لسلوة وعزاء».

١٨

١٧ ـ محمد بن عبيد الله بن عبد الله ، أبو الفتح الكاتب (١) :

سبط المبارك بن المبارك ، المعروف بابن التعاويذي ، من ساكني دار الخلافة ، وكان شاعرا مجودا رشيق الألفاظ مليح المعاني رقيق الغزل حلو العبارة ، أكثر القول في الغزل وحدّث بشعره.

أخبرنا أبو الحسين بن الوارث قال : أنشدنا ابن التعاويذي لنفسه :

أمط اللثام عن العذار السائل (٢)

ليقوم عذري فيك عند عواذلي

واغمد لحاظك قد فللت تجلدي

واكفف سهامك قد أصبت مقاتلي

لا تجمع الشوق المبرح والقلى

والبين لي أحد (٣) الثلاثة قاتلي

يكفيك ما تذكيه بين جوانحي

لهواك نار لواعجي وبلابلي

وهناك أني لا أدين صبابة

لهوى سواك ولا ألين لعاذلي

بت لاهيا جذلا بحسنك إنني

مذ بتّ في شغل بحزني شاغل

واعطف على جلد كعهدك في الهوى

واه وجسم مثل خصرك ناحل

ويلاه من هيف بقدك ضامن

تلفي ومن كفل بوجدي كافل

وبنفسي الغضبان لا يرضيه غي

ر دمي وما في سفكه من طائل (٤)

تصمي نبال جفونه قلبي فلا

شلت وإن أصمت يمين النابل

ويهز قدا كالقناة لحاظه

لمحبه منها مكان العامل

عانقته أبكي ويبسم

كالبرق أومض مض في غمام هاطل

فألين في الشكوى لفاس قلبه

وأجد في وصف الغرام الهازل

أخبرنا علي بن المبارك بن علي الحلاوي (٥) ، قال : أنشدنا ابن التعاويذي لنفسه :

تعشقته واهي المواثيق مذاقا

نرى كل يوم في الهوى منه أخلاقا

أشد نفارا من جفوني عن الكرى

وأضعف من عزمي على الصبر (٦) سباقا

كثير التجني كما قل عطفه

على عاشقيه زاده الله عشاقا

__________________

(١) انظر : العبر في خبر من غبر ٤ / ٢٥٣. ووفيات الأعيان ٤ / ٩٠. والوافي بالوفيات ٤ / ١١.

ومعجم الأدباء ١٨ / ٢٣٥ ـ ٢٤٩.

(٢) في الأصل : «السائلى».

(٣) في الأصل : «والبين في أحد».

(٤) في الأصل : «من كايل».

(٥) هكذا في الأصل.

(٦) في الأصل : «عيزى على الصب».

١٩

يجول (١) على متنيه سود غدائر

كما نفض الغصن المرنح أوراقا

وقالوا نجا من عقرب الصدغ خده

فقلت اعترفتم أن [في] (٢) فيه درياقا

شكوت إليه ما أجن فقال لي

هل الوجد إلا أن تجن وتشتاقا

إذا ما تعشقت الحسان ولم تكن

صبورا على البلوى فلا تك عشاقا

مولده في يوم الجمعة عاشر رجب سنة تسع عشرة وخمسمائة ، وتوفي يوم السبت ثامن عشر شوال سنة أربع وثمانين وخمسمائة ، وكان قد أضر في آخر عمره.

١٨ ـ محمد بن علي بن الحسن المؤذّن ، أبو عبد الله الترمذي المعروف بالحكيم(٣) :

كان إماما من أئمة المسلمين ، له المصنفات الكبار في أصول الدين ومعاني الأحاديث ، وله كتاب «نوادر الأصول». حدث عن والده وعن قتيبة بن سعيد وإبراهيم بن يوسف الحضرمي وعلي بن حجر وقبيصة بن عقبة السوائي وصالح بن محمد ومحمد بن علي الشقيقي ومحمد بن مؤيد الواسطي وعمر بن أبي عمر العبدي ومحمد بن موسى الحرشي ومحمد بن بشار وسفيان بن وكيع.

١٩ ـ محمد بن علي بن الحسن بن صدقة الحراني البزّاز ، أبو عبد الله التاجر ، يعرف بابن الوحشي :

من أهل حران ؛ سمع بنيسابور صحيح مسلم وغيره من أبي عبد الله الفراوي ، وعاد إلى الشام ، واستوطن بدمشق ، وبنا بها مدرسة لأصحاب أحمد بن حنبل.

مولده سنة سبع وثمانين وأربعمائة ، وتوفي ليلة الثلاثاء سادس عشر ربيع الآخر سنة أربع وثمانين وخمسمائة.

٢٠ ـ محمد بن علي بن عبيد الله بن أحمد بن صالح بن سليمان بن ودعان ، أبو نصر (٤) :

من أهل الموصل ؛ وكان يتولى القضاء بها. قدم بغداد مرارا. قال السلفي : ليس بثقة.

__________________

(١) في الأصل : «يجيل».

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من الديوان.

(٣) انظر : «طبقات الشافعية» للسبكي ٢ / ٢٠. والأعلام للزركلي ٧ / ١٥٦.

(٤) انظر : لسان الميزان ٥ / ٣٠٥. واللبان ٣ / ٢٦٤. والأعلام ٦ / ٢٧٧.

٢٠