تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]

تاريخ بغداد أو مدينة السّلام - ج ٢١

المؤلف:

محبّ الدين أبي عبدالله محمّد بن محمود بن الحسن [ ابن النجّار البغدادي ]


المحقق: مصطفى عبد القادر عطا
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٢١٧

الأئمة من الجرح والتعديل إلى أن فرغ منه ، فأثنى الشيخ أبو إسحاق عليه ثناء حسنا وقال : هو دارقطني عهدنا.

لما رجع أبو بكر الخطيب من الشام كانت له ثروة من الثياب والعين ، وما كان له عقب. فكتب إلى القائم بأمر الله : إني إذا مت يكون ما لي لبيت المال فأذن لي حتى أفرق مالي على من شئت! فأذن له الخليفة في ذلك ، ففرقها على أصحاب الحديث.

ذكر بعض مصنفاته : «تاريخ بغداد» ، مائة وستة أجزاء ، «المؤتلف والمختلف» أربعة وعشرون جزءا ، «المتفق والمفترق» ثمانية عشر جزء ، «تلخيص المتشابه» ، «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» ، «الكفاية» ، «رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب» ، «كتاب الفقيه والمتفقه» ، «السابق واللاحق» ، «المكمل في بيان المهمل» ، «تمييز المزيد (١) في متصل الأسانيد» ، «التبيين لأسماء المدلسين» ، «سهو أصحاب الحديث» ، «من وافقت كنيته اسم أبيه» ، «تقييد العلم» ، «كتاب البخلاء» ، «كتاب الطفيليين» ، «كتاب القنوت» ، «قبض العلم» ، «الغسل للجمعة» ، «الجهر بالتسمية» ، «منهج سبيل (٢) الصواب في أن التسمية آية في فاتحة الكتاب» ، «من حدث ونسى» ، «صلاة التسبيح» ، «اقتضاء العلم العمل» (٣).

أنشدني جعفر بن علي الهمذاني في الإسكندرية قال : أنشدني أبو طاهر السلفي الحافظ لنفسه من مصنفات الخطيب :

تصانيف ابن ثابت الخطيب

ألذ من الصبا الغض (٤) الرطيب

تراها إذا رواها من حواها

رياضا للفتى اليقظ اللبيب

ويأخذ حسن ما قد ضاع منها

بقلب الحافظ الفطن الأريب

فأية راحة ونعيم عيش

يوازي كتبها بل أي طيب

قال الحافظ أبو بكر الخطيب : من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس. تقدم رئيس الرؤساء إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثا حتى يعرضوه على الخطيب ، فما ذكر صحته أو ردوه ، وما رده لم يذكروه. وأظهر بعض اليهود كتابا وادعى أنه كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر وفيه شهادات الصحابة

__________________

(١) في الأصل : «تخير المريد».

(٢) في الأصل : «منهج سبيل الصواب».

(٣) في الأصل : «اقتضاء للعلم العمل».

(٤) في الأصل : «الغد».

٤١

وذكروا أن خط علي بن أبي طالب فيه ، وحمل الكتاب إلى رئيس الرؤساء ، فعرضه على الخطيب ، فتأمله ثم قال : هذا مزور! قيل له : ومن أين قلت ذلك؟ فقال : في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان ، ومعاوية أسلم عام الفتح سنة ثمان ، وخيبر فتحت سنة سبع ولم يكن مسلما في ذلك الوقت ولا حضر ما جرى ، وفيه شهادة سعد بن معاذ الأنصاري ومات يوم بني قريظة بسهم أصابه في أكحله (١) يوم الخندق ، وذلك قبل فتح خيبر بسنتين ، فاستحسن ذلك منه ولم يجزهم على ما في الكتاب.

قال أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون : توفي الخطيب ضحوة نهار يوم الاثنين ، ودفن يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة ، ودفن بباب حرب إلى جنب بشر بن الحارث ، وصلي عليه في جامع المنصور ، وتقدم عليه القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن المهتدي بالله وتصدق بجميع ماله وهو مائتا دينار ، فرق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه ، ووقف جميع كتبه على المسلمين وأخرجت من حجرة تلي النظامية في نهر مقلى ، وتبعه الفقهاء والخلق العظيم ، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون : هذا الذي كان يذب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. مولده سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة.

أخبرنا أبو البركات الأمين بدمشق ، أنبأنا عمي أبو القاسم الحافظ قال : قرأت بخط غيث بن علي قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي : كنت جالسا في منزل الشيخ أبي الحسن الزعفراني ببغداد ليلة الأحد الثاني عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربعمائة فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الشيخ أبي بكر الخطيب في منزله بباب المراتب لقراءة التاريخ على العادة ، فكان الشيخ الإمام جالسا والشيخ الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي عن يمينه وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لا أعرفه فسألت عنه ، فقلت : من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا؟ فقيل لي : هذا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جاء ليسمع التاريخ. فقلت في نفسي : هذه جلالة للشيخ أبي بكر إذ يحضر النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم مجلسه ، فقلت في نفسي : وهذا أيضا رد لقول من يعيب التاريخ ويذكر أن فيه تحاملا على أقوام ـ رحمه‌الله.

__________________

(١) في الأصل : «كحله».

٤٢

٣٩ ـ أحمد بن علي بن محمد بن برهان الوكيل ، أبو الفتح الفقيه الشافعي (١) :

تفقه في صباه على مذهب أحمد بن حنبل على أبي الوفاء بن عقيل ، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي ، وقرأ على أبي بكر الشاشي وأبي حامد الغزالي ، وكان ذكيا ، خارق الذهن ، ولم يزل يبالغ في الطلب والاشتغال والحفظ والتحقيق وحل المشكلات واستخراج المعاني حتى صار يضرب به المثل. ولى التدريس بالنظامية ، ثم عزل عنها.

سمع الحديث بنفسه من أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرخي وأبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعال.

توفي يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى [الأولى] (٢) من سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، وصلّى عليه بجامع القصر ودفن بباب أبرز.

٤٠ ـ أحمد بن علي بن المعمر بن محمد بن المعمر بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبيد الله العلوي الحسيني (٣) :

نقيب الطالبيين ببغداد. ولى النقابة على الطالبيين بعد أبيه في سنة ثلاثين وخمسمائة ، ولم يزل على ولايته إلى حين وفاته ، وكان يسكن بالحريم الظاهري في دار له مشرفة على دجلة.

سمع أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن العلاف وأبا الحسين المبارك بن عبد الجبار الصّيرفيّ ، وكان مجدا في الرواية ، وكان يشعر شعرا حسنا ، وينثر نثرا فائقا ، فمن شعره :

دمع يخد وجنة تتخدد

وجوى يزيد وزفرة تتجدد

وصبابة ترمي وصبر نافر

وضنى يجول وجور وجد يلبد

وهوى يشعب فكرتي ويذيبني

شوقا يقسمه كواعب خرد

وحنين قلب واشتجار وساوس

ودوام تهيام وجفني يسهد

وأنين خلب محدق وغرام ووج

د معلق وجوارح تتلبد

ونحول جسم واضح وسقام ح

ب فاضح وحياد عقل يشرد

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية ٤ / ٢٤. والأعلام ١ / ١٦٧.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من طبقات الشافعية.

(٢) انظر : معجم الأدباء ٤ / ٧٠ ـ ٧٢.

٤٣

وغريم تذكار مقيم ساخط

أبدا على رسوله يتمرد

وتلفت نحو الديار وإنه

يحيى بها دمعي الذي لا يجمد

وتطلع نحو الغوير ولوعة

لسيارها شغفا يخب ويزيد

وتنسم الأنباء في رأد الضحى

وتنفس الصعداء إذ لا موعد

قرأت بخط النقيب أبي عبد الله : المولد في شوال سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة ، ودفن من الغد.

٤١ ـ أحمد بن عمر بن الأشعث ـ ويقال ابن أبي الأشعث ، أبو بكر المقرئ(١):

من أهل سمرقند. سافر إلى الشام وسكن دمشق مدة ، وقرأ بها القرآن على أبي علي الحسن بن علي الأهوازي ، وسمع منه الحديث ومن أبي عبد الله الحسين بن محمد الحلبي ، وأبي عمر إسماعيل الصابوني ، ثم إنه قدم بغداد واستوطنها إلى حين وفاته ، وأقرأ بها القرآن ، وحدث ، وكان مجوّدا متقنا عارفا بالروايات واختلافها متحريا.

ويحكى أن أبا بكر السّمرقندي خرج (٢) مع جماعة إلى ظاهر البلد في فرجة ، فقدموه (٣) يصلي بهم ، وكان مزاحا ، فلما سجد بهم تركهم في الصّلاة وصعد في شجرة ، فلما طال عليهم انتظاره رفعوا رءوسهم فلم يجدوه في مصلاه ، وإذا به في الشجرة يصيح صياح السنانير ، فسقط من أعينهم ، فخرج إلى بغداد وترك أولاده بدمشق.

مولده سنة ثمان وأربعمائة ، وتوفي في سادس عشر رمضان سنة تسع وثمانين وأربعمائة ، وقيل مولده سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ، ودفن بمقابر الشهداء.

٤٢ ـ أحمد بن أبي غالب بن أحمد بن عبد الله بن محمد الوراق ، أبو العباس الزاهد المعروف بابن الطلاية (٤) :

يقال إن والدته كانت تطلي الكاغذ عند عمله بالدقيق المعجون بالماء رقيقا قبل

__________________

(١) انظر : طبقات القراء ١ / ٩٢. وتهذيب ابن عساكر ١ / ٤١٥.

(٢) في الأصل : «خارج».

(٣) في الأصل : «فقلدوه».

(٤) انظر : العبر في خبر من غبر ٤ / ١٢٩.

٤٤

صقله ، فاشتهرت بذلك. كان أحمد هذا من عباد الله الصالحين ، كثير العبادة مشهورا بالزهد.

كان يذكر أنه سمع في صباه من أبي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي بن بنت السّكّري شيئا من الحديث ، ولم يظهر له عنه شيء.

توفي يوم الأحد ثاني عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، ودفن بمقبرة باب حرب ، وكان من عباد الله الصالحين.

٤٣ ـ أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب ، أبو الحسين اللغوي (١) :

من أهل قزوين ، سكن الري ، فنسب إليها. سمع بقزوين أباه ـ وكان شافعيا لغويا ، وأبا الحسن علي بن محمد بن مهرويه وأبا الحسين أحمد بن علان ، وبأصبهان أبا القاسم سليمان الطبراني ؛ وببغداد محمد بن عبد الله الدوري. وقرأ عليه البديع أحمد ابن الحسين الهمذاني صاحب المقامات.

وكان مقيما بهمذان إلى أن حمل إلى الري ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدولة علي بن ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي ، فسكنها. وكان فقيها شافعيا حاذقا ، فانتقل إلى مذهب مالك في آخر عمره ، وسئل عن ذلك فقال : داخلتني الحمية (٢) لهذا الإمام المقبول (٣) على جميع الألسنة أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه. فإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلاف. وقد حدث أبو الحسين ببغداد.

قال أبو الحسين بن فارس : دخلت بغداد طالبا للحديث ، فحضرت مجلس بعض أصحاب الحديث ، فرأيت شابا وعليه سمة جمال وليست معي قارورة ، فاستأذنته في كتب الحديث من قارورته ، فقال : من انبسط إلى الإخوان بالاستئذان فقد استحق الحرمان.

ومن شعره :

وقالوا كيف حالك قلت خير

تقضي حاجة وتفوت حاج

إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا

عسى يوما يكون لها انفراج

__________________

(١) انظر : وفيات الأعيان ١ / ١٠٠. ومعجم الأدباء ٤ / ٨٠.

(٢) على الهامش الأصل : «أعوذ بالله من الحمية حمية الجاهلية».

(٣) في الأصل : «المعقول».

٤٥

نديمي هرّتي وشفاء قلبي

دفاتر لي ومعشوقي السراج

قال : كان الصاحب بن عباد يقول : شيخنا أبو الحسين بن فارس رزق التصنيف وأمن من التصحيف.

وله من التصانيف : المجمل في اللغة ـ وكتاب متخير الألفاظ ـ وكتاب فقه اللغة ـ وكتاب غريب إعراب القرآن. يقال إن أبا الحسين بن فارس كان بقزوين يصنف في كل ليلة جمعة كتابا ويبيعه يوم الجمعة قبل الصّلاة ويتصدق بثمنه! فكان هذا دأبه.

توفي بالري في صفر سنة خمس وتسعين وثلاثمائة ، رحمه‌الله تعالى.

٤٤ ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن هارون البرداني ، أبو علي بن أبي الحسن الحافظ (١) :

من ساكني الشذا من شارع دار الرقيق ، سمع أباه وأبا طالب محمد بن محمد بن غيلان وإبراهيم وعلي ابني عمر البرمكي وأبا محمد الجوهري وأبا القاسم عبد العزيز ابن علي الأزجي وأبا الحسن علي بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني وأبا بكر محمد بن عبد الملك بن بشران وأبا طالب محمد بن علي العشاري وأبا القاسم منصور بن عمر ابن علي الكرخي.

ولم يزل يسمع ويكتب إلى حين وفاته. وكتب بخطه كثيرا ، وجمع وخرّج وصنّف في عدة فنون ، وحدّث بأكثرها ، وكان موصوفا بالحفظ والمعرفة والصدق والثقة والديانة.

مولده سنة ست وعشرين وأربعمائة في النصف من جمادى الأولى ، وتوفي في الليلة التي صبيحتها يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال سنة ثمان وتسعين وأربعمائة ، ودفن في هذا اليوم في مقبرة باب حرب. وكان عارفا بعلم الحديث.

٤٥ ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة ، أبو طاهر السلفي(٢) :

من أهل أصبهان ، محدّث وقته وشيخ زمانه. سمع بأصبهان الرئيس أبا عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي وأبا الحسن مكي بن منصور الكرجي وأبا نصر عبد الرحمن

__________________

(١) انظر : العبر ٣ / ٣٥٠. وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٣٢.

(٢) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٨٧ ـ ٩٠.

٤٦

ابن محمد بن يوسف النضري وأبا العباس أحمد بن أشتة. وسافر إلى بغداد في شبابه وسمع بها أبا الخطاب نصر بن البطر القاري وأبا عبد الله الحسين بن علي بن البسري وأبا المعالي ثابت بن بندار ، سافر إلى الحجاز (١) ، وسمع بمكة والمدينة والكوفة وواسط والبصرة وهمذان وزنجان ، ومضى إلى الشام ، ودخل دمشق وسمع بها كثيرا ، ثم إنه دخل ديار مصر وأحيا بها الحديث ، وكان حافظا ثقة حجة نبيلا ، ختم هذا العلم ، وكانت الرحلة إليه من الأقطار ، وعمّر حتى ألحق الصغار بالكبار.

وحدّث ببغداد وهو شاب ، وسمع منه الحفاظ والأكابر.

أنشدني عبد الرحيم بن يوسف الدمشقي بالقاهرة من ديار مصر ، قال : أنشدنا أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي لنفسه :

إذا بنى فرط تجافيه

وعذل عذالي معا فيه

دعوا ملامي وانظروا ظرفه

في طرفه والدر في فيه

ولاحظوا الحسن بألبابكم

كي تعذروا قلب مصافيه

ثم اعذلوني بعد أن كان

ما أصابني العقل ينافيه

أنشدني أبو القاسم الصوفي بديار مصر ، قال : أنشدنا السلفي لنفسه :

لم تذق عيني مذ أبصرته

من شقائي طول ليل وسنا

ولها في ذاك عذر واضح

فهو كالبدر سناء وسنا

أخبرني عبد القادر بن عبد الله الرهاوي الحافظ ، فيما سألني به وأذن لي في روايته عنه بحرّان قال : شيخنا الحافظ الإمام أبو طاهر السلفي الأصبهاني سمع الحديث بأصبهان من سنة ثمان وثمانين وأربعمائة إلى سنة ثلاث وتسعين ، وحج ورجع إلى بغداد فأقام بها إلى سنة خمسمائة ، فقرأ الحديث والفقه والنحو واللغة ، سمع بقراءته الأئمة كالحافظ يحيى بن مندة والمؤتمن الساجي ومحمد بن منصور السمعاني وأبي نصر الأصبهاني وغيرهم.

سمعته يقول : كنت بالكوفة مريضا ، فكان يجعل لي مخادا أستند إليها وأكتب الحديث ؛ ثم خرج من بغداد سنة خمسمائة إلى واسط والبصرة ودخل نهاوند ومضى إلى همذان وقزوين وزنجان وساوة ، ومضى إلى الري ، ثم مضى إلى الدربند ، وهو آخر

__________________

(١) في الأصل : «سمع في الحجاز».

٤٧

بلاد الإسلام ، ثم صعد إلى دمشق ودخل ديار (١) مصر ـ كل هذه البلاد يكتب بها الحديث في إحدى عشرة سنة ـ فلما وصل إلى الإسكندرية رآه كبراؤها وفضلاؤها ، فاستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه ، فأكرموه ، ثم بعث إلى أصبهان فجاء يكتبه إليه.

وسمعته يقول : كنت أسمع الحديث بالحريم ، فسمعت ليلة ثم جئت إلى مسجد ، فوضعت الكيس الذي فيه الأجزاء تحت رأسي ، فوقع عليّ شيء ثقيل يشبه الكابوس ، فجعل يكبسني حتى ضاق نفسي ، وقال : أتدري أيش صنعت؟ تضع أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت رأسك؟ قال : فقمت فنحيت الكيس ، ووضعت تحت رأسي آجرة ، وجعلت الكيس في حضني ونمت ، وبلغني أنه في هذه المدة التي كان بالإسكندرية ـ وهي ستون سنة ـ ما خرج إلى بستان ولا فرجة غير مرة واحدة ، بل كان عامة دهره لازما بيته ومدرسته ، وما كان ندخل عليه إلا نراه مطالعا في شيء ، وكان حليما متحملا لجفاء الغرباء.

سمعت أبا علي الأوقي بالقدس يقول : سمعت شيخنا أبا طاهر السلفي يقول : لي ستون سنة بالإسكندرية : ما رأيت منارتها إلا من هذه الطاقة ـ وأشار إلى طاقة في غرفة ، وكان يجلس فيها.

قال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي : مولده ـ شيخنا السلفي الحافظ ـ بعد السبعين والأربعمائة ، ووفاته في ليلة الجمعة الخامس من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة. وحدّث قبل بلوغ العشرين ، وكان قدومه الإسكندرية في سنة إحدى عشرة وخمسمائة ، ولم يزل مقصودا للسماع منه والرواية عنه أكثر من ستين سنة ، وكتب بخطه شيئا كثيرا ، وكان أكثر أصوله بخطه.

سمعته يقول : متى لم يكن أصلي بخطي ، لم أفرح به. وكان جيد الضبط ، حسن الخط ، كثير البحث عما يشكل عليه إلى أن يجرده على ما يصح لديه ، رحمة الله عليه.

٤٦ ـ أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس ، أبو جعفر النحوي (٢) :

من أهل مصر ، سمع بمصر جماعة منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي وبكر بن سهل الدمياطي ، وسمع

__________________

(١) في الأصل : «دريا».

(٢) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٢٩. ومعجم الأدباء ٤ / ٢٢٤ ـ ٢٣٠.

٤٨

بالرملة من عبيد الله بن إبراهيم البغدادي ؛ ورحل إلى بغداد ، سمع بها أبا بكر جعفر ابن محمد الفريابي وعمر بن إسماعيل بن أبي غيلان ، وإبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه وأبا العباس محمد بن يزيد المبرد وغيرهم ، وسمع بالكوفة محمد بن الحسن بن سماعة وقرأ كتاب سيبويه على الزجاج ببغداد.

ثم إنه عاد إلى مصر ، واشتغل بالتصنيف. فصنّف أكثر من خمسين مصنفا ، منها : «إعراب القرآن» و «الكافي في علم العربية» ، و «معاني القرآن» ، و «شرح المعلقات». ذكر أبو عبد الله الزبيدي المغربي في كتابه «أخبار أهل الأدب» أن أبا جعفر النحاس لم يكن له مشاهدة ، فإذا خلا بقلمه جوّد وأحسن ، وكان لا ينكر أن يسأل أهل النظر والفقه ، ويناقشهم (١) عما أشكل عليه في تصانيفه.

قال : وكان لئيم النفس ، شديد التقتير على نفسه. وحدث بمصنفاته توفي في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، رحمه‌الله تعالى.

٤٧ ـ أحمد بن محمد بن الحسين بن علي الشيرازي الحاجي ، أبو بكر بن أبي عبد الله الأرجاني (٢) :

قاضي تستر. كان أحد أفاضل الزمان ، لطيف العبارة ، مليح النثر ، رشيق النظم ، دقيق المعاني ، كامل الأوصاف. ورد بغداد مرات ومدح بها المستنجد بالله ، وروى بها شيئا من الحديث ومن شعره. سمع بأصبهان أبا بكر محمد بن أحمد بن ماجة ، وبكرمان من الشريف أبي يعلى بن الهبارية ، وروي عن والده بالإجازة ، سمع منه ابن الخشاب.

ومن شعره :

ومقسومة العينين من دهش النوى

وقد راعها بالعيس (٣) رجع حداء

تجيب بإحدى مقلتيها تحيتي

وأخرى تراعي أعين الرقباء

رأت حولها الواشين طافوا فغيضت

لهم دمعها واستقصمت بحياء

فلما بكت عيني غداة وداعهم

وقد روعتني فرقة القرناء

__________________

(١) في الأصل : «مفاتشتهم».

(٢) انظر : طبقات الشافعية للأسنوي ١ / ١١٠. وطبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٥١. ومرآة الجنان ٣ / ٢٨١. والمنتظم ١٨ / ٧٢ ـ ٧٤.

(٣) في الأصل : «المعيش».

٤٩

بدت في محياها خيالات أدمعي

فغاروا وظنوا أن بكت لبكائي

وله :

ولما (١) بلوت الناس أطلب منهم

أخا ثقة عند اعتراض الشدائد

تطمعت في حالي رخاء وشدة

وناديت في الأحياء هل من مساعد

فلم أر فيما ساءني غير شامت

ولم أر فيما سرني غير حاسد

وله :

حيث انتهيت من الهجران [لي] (٢) فقف

ومن وراء (٣) دمي بيض الطبى فخف

يا عابثا (٤) بعدات الوصل يخلفها

حتى إذا جاء ميعاد الفراق يفي

اعدل كفاتن قد منك معتدل

واعطف كمائل غصن منك منعطف

ويا عذولي ومن يصغى إلى عذلي

إذا رنا أحور العينين ذو هيف

تلوم قلبي أن أصماه ناظره

فيم اعتراضك بين السهم والهدف

سلوا عقائل هذا الحي أي دم

للاعين النجل عند الأعين الذرف

يستوصفون لساني عن محبتهم

وأنت تصدق يا دمعي لهم فصف

ليست دموعي لنار الشوق مطفئة

وكيف والماء بارد والحريف خفي

لم أنس يوم رحيل الحي موقفنا

والعيس تطلع (٥) أولاها على شرف

والعين من لفتة الغيران ما حظيت (٦)

والدمع من رقبة الواشين لم يكف

وفي الحدوج الغوادي كل آنسة

إن ينكشف سجفها للشمس تنكسف

تبين عن معصم (٧) بالوهم ملتزم

منها وعن مبسم باللحظ مرتشف

في ذمة الله ذاك الركب أنهم

ساروا وفيهم حياة المغرم الدنف

فإن أعش بعدهم فردا فيا عجبي

وإن أمت هكذا وجدا فيا أسفي

قل للذين رمت بي عن ديارهم

أيدي الخطوب إلى هذا الهوى انقذف

__________________

(١) في الأصل : «ولو بلوت».

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من الديوان.

(٣) في الأصل : «ولاء».

(٤) في الأصل : «غانيا».

(٥) في الأصل : «مطلع».

(٦) في الأصل : «ما خطبت».

(٧) في الأصل : «مفصهم».

٥٠

إن أبق أرجع إلى العهد القديم وإن

ألق الوزير من الأيام أنتصف

وله :

أهواكم وخيالكم يهواني

فلقد شجاه فراقكم وشجاني

أضحى أخا سفر فما ألقاكم

وأبيت ذا سهر فما يلقاني

توفي بتستر سنة أربع وأربعين وخمسمائة ، ومولده في حدود سنة ستين وأربعمائة.

آخر الجزء الثاني من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

* * *

٥١
٥٢

الجزء الثالث

من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد

انتقاء كاتبه أحمد بن أيبك بن عبد الله الحسامي الدمياطي

٥٣
٥٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

رب أعن

٤٨ ـ أحمد بن محمد بن عمر بن هبة الله بن خداداد ، الغزنوي الأصل البادرائي المولد ، أبو العباس الفقيه الشافعي (١) :

من ساكني المدرسة النظامية كان شابا فاضلا أديبا فقيها ، وكان أحد تلامذة يوسف الدمشقي ، وكان يتولى بعض الأمور بين يدي ابن هبيرة.

كتب إليّ أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني الكاتب ، قال : أنشدنا أحمد بن محمد البادرائي للوزير ابن هبيرة قصيدة يمدحه بها وأنا حاضر به :

ولما بدا ربع الأحبة باللّوى

وقد جدّ جد الركب قلت لهم : قفوا

قفوا نزح الأنضاء أبدى تعطفا

عليها ، وما منى عليها تعطف

وإن بودي لو تعرفت شرقها

لنمكث حينا باللوى ونجدّف

أحاول كتمان الهوى ومدامعي

تفيض فتبدى ما أجن وتكشف

وما بي بذاك الربع ظبى كأنما

تسنم حقفا منه غصن مهفهف

غزال على صيد الضواغم قادر

ويعجز عن حمل الوشاح ويضعف

تصدى لقتلي بالقلى عامدا فما

أصادفه إلا يصد ويصدف

ومنها :

كأني فعول في الطويل ومهجتي

بكف الأسى كالنّون بالكف ترجف

وها أنا معتل الثلاثي والضنا

من النحو تصريف يتصرف

ومنها :

إذا قال واش قد سلا فتيقنوا

هنالك أني مغرم القلب مدنف

أذل لكم في الحب ذلا مكانه

على عزكم والله يدري تعجرف

ويؤنسني هجرانكم ثم أنني

أعلل قلبي بالمنى وأسوّف

وأعسر من صبري فأثرى (٢) تجلدا

كما يستر الأخلاق مني التعفف

__________________

(١) انظر : شذرات الذهب ٤ / ١٩١. المنتظم ، لابن الجوازي ١٠ / ٢١٤.

(٢) هكذا في الأصل.

٥٥

٤٩ ـ أحمد بن محمد بن عمر بن عبيد الله الأزجي ، أبو بكر المؤدّب :

تفقه بالمدرسة الكمالية على أبي القاسم الفراتي الضرير ، غلام ابن الخل وسمع الحديث من شيوخنا أبي الفرج بن الجوزي ، وذاكر بن كامل ويحيى بن بوش وأمثالهم ، ثم إنه سافر إلى الموصل ، وسكن بدار الحديث المظفرية ، وصحب شيخها عبد القادر الرهاوي ، وكتب بخطه كثيرا وقرأ بنفسه. وكان شابا أديبا فاضلا ، يكتب خطا حسنا ، متوددا (١) ، طيب الأخلاق.

أنشدني رفيقنا أحمد بن محمد الأزجي لنفسه :

أحبة قلبي طال شوقي إليكم

وعز دوائي (٢) ثم لم يبق لي صبر

أحن إليكم والحنين يذيبني

وأشتاقكم عمري وينصرم العمر

فو الله ما اخترت البعاد ملالة

ولا عن قلى [يا] سادتي فلي العذر

ولكن قضى ربي بتشتيت

له الحمد فيما قد قضى وله الشكر

شملنا فصبرا لعل الله يجمع بيننا

نعود كما كنا ويصفو لنا الدهر

وجد أبو بكر الأزجي مقتولا على باب داره في سحرة يوم الأربعاء السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة عشر وستمائة ، ودفن بمقبرة معروف الكرخي. وما أظنه بلغ الأربعين.

٥٠ ـ أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق ، بن الخازن ، الكاتب (٣) :

أديب ، غزير الفضل ، وشاعر مليح الشعر ، فمنه :

إنّ التواضع رفعة

خلق الكريم لها خلق

كالبدر أحسن ما ترا

ه العين في ذيل الأفق

وله :

فرشت خدي للعشاق (٤) قاطبة

فصحن خدي لهم أرض إذا عتقوا

لو لا اخضراري من سقيا مدامعهم

لكنت من زفرات الوجد أحترق

__________________

(١) في الأصل : «مقودد».

(٢) في الأصل : «دواوى».

(٣) انظر : شذرات الذهب ٤ / ٥٧. ووفيات الأعيان ١ / ١٢١ ـ ١٢٤.

(٤) في الأصل : «العشاق».

٥٦

مات في صفر سنة ثمان عشرة وخمسمائة ، هكذا ذكره ولده نصر الله.

٥١ ـ أحمد بن محمد بن محمد ، الغزالي الطوسي ، أبو الفتوح الواعظ (١) :

أخو الإمام أبي حامد. من أحسن الناس كلاما في الوعظ ، وأرشقهم عبارة ، مليح التصرف فيما يورده ، حلو الاستشهاد ، أظرف أهل زمانه وألطفهم طبعا. دخل بغداد ونزل برباط شيخ الشيوخ ، وعقد مجلس الوعظ بجامع القصر وبالمدرسة التاجية وغيره.

قرأ المقرئ بين يديه بالمدرسة التاجية : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) ـ الآية شرفهم بياء الإضافة إلى نفسه بقوله : يا عبادي ، ثم أنشد :

وهان على اللوم في جنب حبها

وقول الأعادي إنه لخليع

أصم إذا نوديت باسمي وإنني

إذا قيل لي يا عبدها لسميع

ومن شعره :

أتاني الحبيب بلا موعد

فأخلق خلق الورى بالكرم

أعاد الوصال وعاد الفراق

فحق التلاقي وزال التهم

فما زلت أرتع روض المنى

كما كنت أقرع سن الندم

وله :

أنا صب مستهام وهموم لي عظام

طال ليلي دون صحبي سهرت عيني وناموا

أرقب عيني لترق فشربناها وصاموا

بي غليل وعليل وغريم وغرام

ففؤادي لحبيبي ودمي ليس حرام

ثم عدولي لعذولي آفة العشق كرام

توفي بقزوين في حدود سنة عشرين وخمسمائة ـ رحمه‌الله تعالى.

٥٢ ـ أحمد بن يحيى بن إسحاق بن الرّاوندي ، أبو الخير (٢) المتكلّم (٣) :

من أهل مرو الروذ سكن بغداد ، وكان من متكلمي المعتزلة ، ثم فارقهم وصار ملحدا.

قال القاضي أبو علي التنوخي : كان ابن الراوندي ملازم أهل الإلحاد ، فإذا عوتب

__________________

(١) انظر : ميزان الاعتدال ١ / ٦١. ولسان الميزان ١ / ٢٩٣. والمنتظم ١٧ / ٥٨١.

(٢) في وفيات الأعيان : «أبو الحسين».

(٣) انظر : وفيات الأعيان ١ / ٧٨ ، ٧٩. والأعلام ١ / ٢٢٥. والعبر ٢ / ١١٦.

٥٧

في ذلك قال : إنما أردت أن أعرف مذاهبهم ، ثم إنه كاشف وناظر ، ويقال إن أباه كان يهوديا ، فأسلم هو.

وقال بعض اليهود : يقول للمسلمين لا يفسدن عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة.

ومن شعره :

محن الزمان كثيرة ما تنقضي

وسرورها يأتيك كالأعياد

ملك الأكارم فاسترق رقابهم

وتراه رقا في يد الأوغاد

هلك ابن الراوندي وله ست وثلاثون سنة مع ما انتهى إليه من (١) التوغل في المخازي ، وذلك في سنة ثمان وتسعين ومائتين.

٥٣ ـ أخمشاد بن عبد السلام بن محمود الغزنوي ، أبو المكارم ، الفقيه الحنفي(٢):

ذكره العماد الكاتب في «الخريدة» ، فقال : كان من فحول العلماء وقروم الفضلاء ، بحرا متموجا وفجرا متبلّجا وهماما فاتكا وحساما باتكا ؛ إذا جادل جدل الأقران ، وإذا ناظر بذّ النظراء والأعيان. شاهدته بأصبهان في سني ثلاث وأربع وخمس وأربعين وخمسمائة وجاورته ، فوجدته بحسن المنظر والمخبر ، ذا رواء وروية ، ولمعان وألمعية ، فصيح العبارة ، وكان عارفا بتفسير كتاب الله تعالى.

توفي في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وقد بلغ سن الاكتهال واختلس عند الكمال.

ومن شعره ما أنشده لنفسه بأصبهان من قصيدة :

أما لك رقى (٣) مالك اليوم رقة

على صبوتي والخير من تبعاتها

سألت حياتي إذ سألتك قبلة

لي الربح فيها خذ (٤) حياتي وهاتها

وله :

__________________

(١) في الأصل : «في التوغل».

(٢) انظر : الجواهر المضية ١ / ١٣٥.

(٣) في الأصل : «بقي».

(٤) في الأصل : «فيها عند حياتي».

٥٨

يا عاذلي أقصر وكن عاذري

في حب ظبيي أكحل الناظر

ما كحل الناظر ذاك الذي

قد قصد الأكحل من ناظري

حلا مذاقا وهو مستملح

والحلو (١) في الملح في النادر

٥٤ ـ أسبهدوست بن محمد بن الحسن بن أسفار بن شيرويه الديلمي أبو منصور(٢) :

شاعر مليح الشعر ، مطبوع المعاني ، رشيق الألفاظ. حدث عن أبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري وأبي نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي ، روى عنه ديوانه.

ومن شعره :

نفسي الفدا لمن غدا

قلبي أسيرا في يديه

قمر كأن بخده

زهر الربيع وعارضيه

لما رأيت بدائعا (٣)

من حسنه تدعو إليه

أبصرت أعوانا عليّ

ولم أجد عونا عليه

وله :

ما ليلة بتّ فيها

ضجيع غصن وبدر

ألذ منه بطيب

ومن جناه بخمر

جمعت بالوصل شملي

من بعد بين وهجر

لو لم يردعني (٤) فؤادي

بضوء صبح وفجر

لكنت ليلة قدر

أجلّ من ألف شهر

وله في أبي الفتوح الواعظ ، ولم يشاهد في زمانه أحسن صورة منه ولا أعذب لفظا :

وواعظ تيّمنا وعظه

فعرفه شيب بإنكار

ينهى عن الذنب وألحاظه

تأمر في الذنب بإصرار

__________________

(١) في الأصل : «والحلق».

(٢) انظر : النجوم الزاهرة ٥ / ١٠٤. وقوات الوفيات ١ / ١٥ ، ١٦. والمنتظم ١٦ / ١٨٤.

(٣) في الأصل بلا نقط.

(٤) في الأصل : «يردعي».

٥٩

وما رأينا قبله واعظا

مكسب آثام وأوزار

لسانه يدعو إلى جنة

ووجهه يدعو إلى نار

مولده في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة ، وتوفي في يوم الجمعة لأربع بقين من شهر ربيع الأول من سنة تسع وتسعين وأربعمائة ، ودفن بالخيزرانية.

٥٥ ـ إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السّمرقندي ، أبو القاسم بن أبي بكر المقرئ (١) :

ولد بدمشق ونشأ بها ، وأسمعه والده في صباه من أبي الحسن أحمد بن عبد الواحد ابن محمد بن أبي الحديد وأبي محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني وأبي الحسين عبد الدائم بن الحسن الهلالي ، ثم قدم بغداد في سنة تسع وستين وأربعمائة واستوطنها إلى حين وفاته.

وسمع بها الكثير من أبي الحسين أحمد بن النقور وأبي محمد عبد الله بن محمد الصريفيني وأبوي القاسم عبد العزيز بن علي الأنماطي وعبد الله بن الحسن الخلال ، وأبي منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب العطار ، وقرأ الكثير بنفسه ، وكتب بخطه ، وحصل الأصول الحسان ، وحدث بالكثير ، وكان ثقة صدوقا فاضلا ، روى عنه ابن ناصر وابن الجوزي وجماعة من الأئمة.

أخبرني محمد بن محمود العدل بهراة قال : سمعت أبا سعد بن السمعاني يقول : سمعت أبا القاسم بن السّمرقندي يقول : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم كأنه مريض ، وقد مد رجليه ، فدخلت وكنت أقبل أخمص رجليه وأمرّ وجهي عليهما ، فحكيت هذا المنام لأبي بكر بن الخاضبة ، فقال لي : أبشر يا أبا القاسم بطول البقاء وبانتشار الرواية عنك لأحاديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإن تقبيل رجله اتباع أثره ، وأما مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فيحدث وهن في الإسلام ، فما أتى على هذا الحديث إلا قليل (٢) حتى وصل الخبر أن الأفرنج استولت على بيت المقدس.

قال الحافظ أبو طاهر السلفي : أبو القاسم ثقة ، وله أنس بمعرفة الرجال دون معرفة أخيه الحافظ أبي محمد.

__________________

(١) انظر : طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٤٠٢. وطبقات القراء ١ / ١٦١. وتهذيب تاريخ ابن عساكر ٣ / ١.

(٢) في الأصل : «وليل».

٦٠